المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٢٩

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (29)

- ‌رمضان - 1346ه

- ‌فاتحة المجلد التاسع والعشرين من المنار

- ‌فتاوى المنار

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌من عهد الصليبيين

- ‌مقدمة كتاب يسر الإسلام وأصول التشريع العام

- ‌كتاب آخر جوابي من سعد زغلول

- ‌اقتراح إبطال الأوقاف الأهلية

- ‌المسألة السورية بمصر

- ‌شوال - 1346ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث في الطبيعةالنشأة الأولى [*]

- ‌دعوة المنار السنوية إلى انتقاده

- ‌أعداء الإسلام المحاربون له في هذا العهد

- ‌كلمة الأستاذ الزنكلوني

- ‌الوقف وأصح ما ورد فيه وأشهر أحكامه [*]

- ‌إبطال الوقف الأهلي

- ‌من عنيزة إلى قاهرة مصر

- ‌خرافات عباد القبور في الصومال

- ‌مختارات من الجرائد

- ‌الملك فيصل بمصر

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌ذو الحجة - 1346ه

- ‌مسألة اجتماع صاحب المنار بالملك فيصل

- ‌كتاب الأمير شكيب أرسلان

- ‌أصل دعوة التجديد الإسلامي في نجد وقاعدتها

- ‌الجزء الثالث من المنار

- ‌الديموقراطية الحقيقية في الإسلام

- ‌أزمة كتاب الصلاة في إنجلترا [*]

- ‌مضار المشروبات الروحية في البلدان الحارة

- ‌الصحافي النمسوي يحيى بك

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌الجهر بالإلحاد ودعايته باسم التجديد

- ‌الحكومة السورية الجديدة

- ‌لجنة يوبيل الرافعي

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌المحرم - 1347ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تفسير المنار

- ‌الجزء الأول من تفسير القرآن الحكيم

- ‌الانتقاد على تفسير المنار

- ‌قُرْب الله تعالى من عباده

- ‌الأكثرية والأقليةأو المسلمون والقبط

- ‌العقوبة في الإسلام

- ‌إحصائية عن الطلاق في أمريكا

- ‌الشروع في عمارة الحرم القدسي الشريف

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌ربيع الأول - 1347ه

- ‌مآثر قريش وخصائصها قبل الإسلام وبعده

- ‌إصلاح الأزهر الشريف

- ‌كيف يتكون المرشدون [

- ‌يفترون على الله كذبًا

- ‌وفاة سيد أمير علي

- ‌المرأة المسلمة ونهضتها الحاضرة

- ‌رسالتان طريفتانفي توجيه حديثي الذباب

- ‌الوطن القومي لليهود [*]

- ‌الاحتفال بعمارة المسجد الأقصىمع حفلة المولد النبوي

- ‌ما يسمى الاختلاف بين الهيئات السورية

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌ربيع الآخر - 1347ه

- ‌تقرير لجنة إصلاح التعليم في الأزهر

- ‌فتح اليهود لباب الفتنة في القدس

- ‌كيف يتكون المرشدون [

- ‌الجزء التاسع من تفسير القرآن الحكيم

- ‌خطر هجوم الكماليين على الإسلام

- ‌حقائق في عداوة ملاحدة الترك للإسلام

- ‌المطبوعات الجديدة

- ‌فتاوى المنار

- ‌جمادى الأولى - 1347ه

- ‌الأسئلة البيروتية

- ‌أسئلة من مسقط

- ‌إصلاح الأزهر وما يتبعه من المعاهد الدينية

- ‌الانقلاب المدني الديني في بلاد الأفغان

- ‌مبرة الدمرداش باشا الكبرى

- ‌جمادى الآخرة - 1347ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌عداء رافضة العلويين للمنار والإرشاديين

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌مجلة الرابطة الشرقية

- ‌المؤتمر الإسلامي العام بالقدس

- ‌وفاة العلامة الجليل الشيخ سليم البخاري

- ‌الحكومات اللادينية للشعوب الإسلامية الأعجمية

- ‌المطبوعات الجديدة

- ‌شعبان - 1347ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌مقدمة رسائل السنة والشيعة

- ‌كتاب العالم الإسلامي في الأملاك الفرنسوية

- ‌تطور الاعتقاد بألوهية المسيح

- ‌المؤتمر النجدي الشوري العام

- ‌اقتراح على علماء التفسير ومدرسيه في الأزهر

- ‌الشيخ عبد العزيز شاويش بك

- ‌المجالس الملية

- ‌التبرع الملكي في مصر لترميم المسجد الأقصى

- ‌الإلحاد ودعاته في مجلة الرابطة الشرقية

- ‌الهداية الإسلامية

- ‌شوال - 1347ه

- ‌رسائل إخوان الصفاء

- ‌تفسير المنارشهادات علماء العصر له

- ‌حال المسلمين في الشرق والجنوب

- ‌عناية الإنكليز بتنصير مسلمي السودان

- ‌نداء عظماء رجال الجيش لتخليد ذكرى غوردن

- ‌تعليق المنار وتنبيه المسلمين الأغرار

- ‌تعديل كتاب الصلاة في إنكلترا

- ‌مشروع قانون جمعيات المرسلين الدينيةفي فرنسة

- ‌تحريم موسوليني تهتك النساء وتبرجهن

- ‌الحروف العربية واللاتينية

- ‌حول قتل الأنبياء بغير حق

- ‌نبي دعي في دبي

- ‌جمعية الرابطة الشرقية ومجلتها

- ‌مؤتمر الرياض وشكل الحكومة السعودية

- ‌جامع باريس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌خاتمة المجلد التاسع والعشرين للمنار

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌فتاوى المنار

وظيفتا القضاء والإفتاء وحكم من سُئِلَ فلم يُجِبْ

بسم الله الرحمن الرحيم

س (40 و41) من صاحب الإمضاء في بيروت

حضرة صاحب الفضل والفضيلة سيدنا ومولانا العالم العلامة الأستاذ الجليل

السيد محمد أفندي رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء حفظه الله تعالى.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإني أرفع لسيادتكم ما يأتي راجيًا

التكرم بالإجابة عليه:

1 -

هل وظيفة القضاء والإفتاء قديمة في الإسلام أم حديثة فإن فريقًا من الناس

يقول: إنها قديمة، والفريق الآخر يقول: إنها حديثة فما هو القول الصحيح؟

2 -

ما حكم الله تعالى ورسوله في القاضي والمفتي والعالم إذا سُئِلُوا عن

سؤال شرعي ولم يجيبوا عنه مطلقًا سواء كان السؤال تحريريًّا (خطيًّا) أو (شفهيًّا)

تفضلوا بالجواب ولكم الأجر والثواب.

...

...

...

...

...

السائل

...

...

...

عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي

(ج) القضاء بين الخصوم من ضروريات الاجتماع التي لا تقوم بدونها

حكومة، ومِن ثَمَّ صار منصبًا يقلد منذ صار للإسلام حكم، وصار له أتباع

يختصمون إلى حكامه، وكان عمال النبي صلى الله عليه وسلم يحكمون بين الناس،

وولى صلى الله عليه وسلم معاذًا على اليمن وأذن له بالحكم باجتهاده فيما ليس فيه

نص من كتاب الله ولا سنة من رسوله، وولاية القضاء معروفة مشهورة في كتب

السنة والفقه فراجع كتاب الأحكام في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة والفقة

والتاريخ ومن المشهور في ذلك كتاب عمر رضي الله عنه في القضاء لقاضيه شريح.

وأما الإفتاء فقديم أيضًا، وكان علماء الصحابة يفتون بعد رسول الله صلى

الله عليه وسلم، ولكن الإفتاء لم يكن في عهد السلف (وظيفة) تُقَلَّد لإفراد معينين

كما نَعرف في دول الإسلام الأخيرة، ولا أذكر الآن أيها كان السابق إلى ذلك.

وأما حكم الله تعالى في العالِم إذا سأله سائل عن شيء من أمر دينه فهو ما

بيَّنه تعالى بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا

تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران: 187) فكتمانه العلم بما يجب اعتقاده أو العمل به شرعًا،

وبما يحرم فعله شرعًا محرمٌ على العالم بالحكم، ولا سيما إذا سئل عنه ولم يكن

ثَمَّ عالم آخر يقوم مقامه، وكان السلف الصالح يكرهون السؤال عما لم يقع ولم

يحتج السائل ولا غيره إلى العمل به ولا يرون حرجًا في عدم الجواب عنه، وقد

صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره السؤال، وينهى عنه، فما القول في

السؤال عما لا فائدة فيه أو السؤال عن شئون الدنيا التي لا يتعلق بها حكم شرعي

احتيج إليه للعمل به؟ وفروع هذا الباب كثيرة يضيق وقتنا الآن عن التطويل فيها

فنكتفي بهذا الإجمال الوجيز.

***

بدعة دعاء ليلة نصف شعبان والاحتفال فيها

س42 من صاحب الإمضاء في مجدل عسقلان (فلسطين)

سيدي الفاضل المحترم علامة العصر السيد محمد رشيد رضا أدامه الله آمين،

بعد التحية الوفية، أعرض لقد جرت عادة الناس في هذا البلد بإحياء ليلة النصف

من شعبان في كل سنة قبل صلاة العشاء في المسجد وإنهم يدعون الله (عز شأنه)

بصيغة دعاء نصف شعبان المعلومة التي من جملتها: (اللهم إن كنت كتبتني عندك

في أم الكتاب شقيًّا أو أو إلخ فامح اللهم بفضلك من أم الكتاب شقاوتي إلخ؛ لأنك

قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على نبيك المرسل: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ

وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ} (الرعد: 39) وذلك بعد صلاة ركعتين بنية طول

العمر وغيرها، وقراءة سورة يس ويكررون العمل ثلاثًا، فهل ورد ذلك عن النبي

صلى الله عليه وسلم أو عن الخلفاء الراشدين أو هو بدعة؟ وهل في ذلك حرج

على الداعي وحرمة؟ وما الذي يجدر بالمسلم لإحياء ليلة النصف من شعبان،

وماذا يناسب من صيغ الدعاء في تلك الليلة؟ أفيدونا مأجورين ولحضرتكم من الله

جزيل الثواب سيدي.

...

...

...

... يوسف محمود الشريف

(ج) الاحتفال المعروف بإحياء ليلة نصف شعبان بدعة فصَّلْنا القول فيها

وفي دعائها المعروف في الفتوى الرابعة من فتاوى الجزء السادس عشر من مجلد

المنار السادس، وفي باب الانتقاد على المنار من آخر الجزء 24 من ذلك المجلد،

فراجعهما تجد فيهما كل ما تحتاج إلى معرفته، ومنه أن الله تعالى لم يشرع

للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملاً

خاصًّا بهذه الليلة، فَيَحْسُن فيها كل ما يحسن في غيرها من عبادة ودعاء بشرط أنه

لا يعتقد فاعله ولا يقول بأنه مشروع فيها وحدها؛ لأنه يكون حينئذ شرعًا لم يأذن

به الله، بل افتراء على الله.

***

بدع خاصة بزيارة سيدنا الحسين رضي الله عنه

س (43- 46) ومنه: حضرة السيد الفاضل العلامة محيي السنة صاحب

المنار حفظه الله آمين.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد إنني في بلد راجت فيه الخرافات،

وكثر فيه المبتدعون حتى أصبح المنكر بينهم معروفًا والمُنْكِر لخرافاتهم ممقوتًا،

ولا وازع لهم من عقل ولا زاجر من دين، يتبعون أهواءهم، ويصرون على اتباع

المنكر عنادًا وكبرًا، لكن في القوم من إذا أقيم له الدليل على فساد ذلك الابتداع

يرجع إلى الصواب ولا يتبع سبيل المضلين، وإنني لا أجد لإرشاد قومي أنجح من

إرشاد المنار فأرجو أن تتكرموا بالجواب على ما يأتي من الأسئلة بما أتاكم الله من

العلم لأتقدم للقوم بتلك الدرر النفيسة لعلهم يرشدون.

***

الأسئلة

إن المبتدعة أحدثوا (علمًا) جعلوه لسيدنا الحسين رضي الله عنه، واحتفلوا

به في شوارع المدينة، واختلطت النساء بالرجال في الاحتفال بلا تستر رافعات

أصواتهن بأنواع الغناء، وصار الناس يتمسحون بالعلم بقصد التبرك والاحترام،

وترك الغالب من المحتفين الصلوات الخمس المفروضة لهوًا بهذا العلم، وزار

الناس (سيدنا الحسين) في مقامه بجهة عسقلان حافين من حول (العلم) يكبرون،

وأهل الطرق (الدراويش) منهم يطبلون، ويضرب بعضهم بعضًا بالسيوف

إظهارًا لما لهم (بزعمهم) من الأسرار والكرامات، وزعم بعض المنتسبين (للعلم)

أن إحداث هذا العلم للتودد لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل على هذا

بآية {قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى} (الشورى: 23) فهل ذلك

من المحدثات المنكرة والبدع المنهي عنها؟ وهل -والحالة هذه- يجب على المسلم

درء هذه المفاسد مهما كلَّفه الأمر؟ وماذا يكون جزاء أهل المدينة، ولا سيما العلماء

إذا سكتوا على هذا المنكر؟ وماذا يقال في حق مبتدعيه، وفيمن يرى أن التودد

لأهل البيت المطهرين يكون بمثل تلك الخزعبلات؟ أفيدونا ولكم الشكر والثواب

والله يحفظكم

...

...

...

... يوسف محمود الشريف

(ج) كل هذه المذكورات من البدع التي لا تَخْفَى على من له أدنى إلمام

بدين الإسلام، والسكوت عن الإنكار على مرتكبيها حرام، وقوله تعالى: {قُل لَاّ

أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى} (الشورى: 23) استثناء منقطع،

ومعنى الآية قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المعاندين لك: إنني لا أسألكم على

تبليغ دعوتي ربي بتلاوة كتابه أجرًا، ولكنني أسألكم أن تودوني لقرابتي منكم، وما

تعظمون من صلة الأرحام، فلا تؤذوني ولا تصدوني عن تبليغ دعوة ربي، وهذا

معنى ما فسر الآية به ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه كما بينته بالتفصيل

والروايات من قبل، والروافض يزعمون أن الله تعالى أمر رسوله بهذه الآية أن

يطلب من أمته أجرًا على تبليغ الدين خلافًا لما ورد عنه وعن غيره من النبيين في

الآيات المتعددة، وسرى هذا المعنى الباطل إلى أذهان كثير من أهل السنة كما بيناه

من قبل، وراجع التفاسير المأثورة كتفسير ابن كثير تلق فيها صحة ما قلناه وهو

الموافق لعقيدة الإسلام.

أما درء مفاسد هذه البدع بالفعل فيجب إذا لم يترتب عليه ما هو أكبر منه

إفسادًا، واختلف اجتهاد العلماء في قدر ما يجب احتماله من الأذى في هذه السبيل،

والأصل في هذا حديث (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه،

فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن

الأربعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأما حكم السكوت عن إنكار هذه

المنكرات كغيرها حيث تقع فهو أن جميع المسلمين العالمين بذلك يأثمون بترك

الإنكار، ولكن إذا قام بعضهم بما يجب منه سقط الإثم عن الباقين - وأما ما يقال

في مبتدعي ما ذكر إلخ فهو أنهم مبتدعون جاهلون، وشرهم من يتأول لهم ويجعل

هذه البدع القبيحة التي شوهت الإسلام في نظر الأجانب والمستقلين من المسلمين

الذين يصدقون أنها منه، ولا سيما تأويل من جعل لها أصلاً من كتاب الله بتحريف

آية المودة في القربى تبعًا للروافض الذين يلكونها بألسنتهم متبجحين بأنهم هم أهلها

الذين يؤدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجرته على تبليغ وحي ربه خلافًا لما

أمره كما أمر من قبله من رسله بأن يبلغوه لأممهم من عدم سؤالهم عليه أجرًا، ومن

حصر سؤال الأجر بكونه من الله وحده كما تراه في سورة يونس وهود والفرقان،

وفي خمس آيات من سورة الشعراء وسبأ وص، فإن مثل هؤلاء المتناولين يكذبون

على الله تعالى بإدخال البدع في دينه وتحريف كلامه بأهوائهم وبمشاركة أنفسهم له

عز وجل في شرع الدين: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21) وهل أفسد عوام أقوام الأنبياء وأتباعهم إلا أدعياء العلم بالتأويل

والتحريف لما جاءوا به؟

***

حكم الزوج الذي يدَّعِي خلع زوجته

س 47 من صاحب الإمضاء في بندر النقل (جاوه) تأخر نشرها لمرضنا.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

حضرة الأستاذ الجليل المحترم صاحب الفضل والفضيلة السيد محمد رشيد

رضا صاحب مجلة المنار الغراء، حفظه الله ونفعنا وجميع المسلمين بعلومه.

بعد التحية اللائقة بمقامكم الشريف وجزيل السلام ورحمة الله وبركاته.

أرفع لفضيلتكم السؤال الآتي راجين التكرم منكم بالإجابة عليه سريعًا ولكم منا

جزيل الشكر، ومن المولى عظيم الثواب والأجر.

وهو: ما حكم من قال: طلقت زوجتي فلانة من عقدي طلقة خلعية بعوض

قدره ربع ربية، وأخرج من جيبه قطعة نقود من ذات ربع ربية، ثم ردها في

الحال إلى جيبه، وقال: استلمت العوض بحضور قاض وشهود، مع أن العوض

خرج من جيبه ورجع إلى جيبه، فهل هذا طلاق خلعي يا حضرة الأستاذ أم غير

خلعي.

فإذا قلتم بأنه غير خلعي، فما الدليل في ذلك من مذهب الإمام الشافعي رضي

الله عنه، وما حكم من أفتى بأنه خلعي، وسبَّب بفتواه حرمان الزوجة من نصيبها

في إرث زوجها.

هذا مع إعلامكم أن الفتوى رفعت إلى الحكومة المستعمرة هنا، والحكومة

أعادت المسألة إلى المفتي هذا، وهو أحد موظفي القضاء بهذا البلد؛ ليتأملها ثانيًا

فأصر على كونها صحيحة، وقد حدثت ضجة بين أهالي الزوجة وورثة الزوج.

والمسألة إلى الآن في يد المحكمة لم يُبَتَّ في أمرها: فالرجاء من فضيلتكم

الجواب الشافي لا زلتم ملجأ للمسلمين، حرِّر في بندر النقل جاوا في 25 ربيع

الأول سنة 1347 (تأخر نشرها لمرضنا) .

...

...

...

... عمر بن صالح قوبان

...

...

...

...

...

باوزبر

(ج) إن قصد الزوج بما ذكره عنه السائل إنشاء خلع بقوله ذاك فهو جاهل،

والخلع لا ينعقد به؛ لأنه لا بد أن يكون باتفاق بينه وبين الزوجة بأن تبذل هي

العوض؛ إذ الأصل في مشروعية الخلع قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ

اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229) وههنا لم توجد زوجة بذلت

لزوجها شيئًا طلقها في مقابله لا بنفسها ولا بوكيل شرعي عنها، ولا حاجة إلى دليل

غير هذا من مذهب الشافعي ولا غيره من أئمة الفقه، ومن المعلوم أن الشافعية

يُعَرِّفُونَ الخلعَ بمثل ما قاله شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في المنهج: هو فُرْقَة

بعِوَض لجهة زوج وأركانه: ملتزم، وبضع وعوض وصيغة وزوج إلخ، ولهذه

الأركان شروط لا تصح بدونها ولم يوجد في واقعة السؤال إلا زوج ادعى بذل

العوض، فلا حاجة إذًا إلى بيان تلك الشروط، ولكن الظاهر أنه لم يقصد إنشاء

الخلع، بل أخبر بأنه وقع منه أمام قاض وشهود، فإن ثبت هذا وجب تنفيذه، وإذا

كانت القضية قد رفعت إلى المحكمة الشرعية فلا بد أن تطلب المحكمة ذلك القاضي

والشهود الذين ادعى الزوج إيقاع الخلع بحضورهم، وتبني حكمها على ما تقتضيه

شهادتهم (وقد تأخر الجواب عن هذه الفتوى وغيرها بسبب مرضنا) .

***

الأكل في بيت المرابي وشراء أوراق يانصيب

س (48و49) من صاحب الإمضاء في سورابايا (جاوه) .

سيدي المحترم محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار.

ليس لي أمر سوى الدعاء لكم بدوام معاليكم وانتظار ما يرد من نحو ناديكم،

فالذي أرجوه منكم الجواب على هذين السؤالين في مجلتكم المحترمة.

(1)

هل يجوز لمسلم أن يأكل في بيت مسلم مرابيًا (كذا) .

(2)

هل يجوز لكل مسلم أن يشتري أوراق أو ورقة اليانصيب الذي نسميه

هنا (لتري) وهل هو حرام أم حلال أفيدونا، ولكم الأجر والثواب.

...

...

...

...

... سالم منجي

(ج) أما الأكل في بيت المرابي من كسبه الحرام فلا تفعله إن لم يكن له

كسب سواه، بناء على القول بأن الحرام يتعدى فاعله إلى غيره ممن يعلم أن كسبه

حرام، وأما إذا كان له كسب سواه فيعد الأكل منه من الشبهة التي لا يقطع بحرمتها

والاحتياط بتركها أولى، وفي المسألة مباحث فرعية تختلف باختلاف الزمان

والمكان والأحوال، فمن ذلك مباحث الضرورة وحكم ما إذا طبق الكسب الحرام

الأرض أو قطرًا منها فقد أباح العلماء فيها الأكل من المال الحرام بما يزيد على سد

الرمق الذي أباحوه في حالة الاضطرار كما ذكره الشاطبي في الاعتصام، ونقلنا

عنه في موضوع المصالح المرسلة (ص 848من مجلد المنار الحادي عشر) ولنا

في مسألة أكل الحرام من الربا والقمار وإرثه والعقاب عليه في الآخرة فتوى طويلة.

(س23و24) نشرًا في صفحة 340-344 من مجلد المنار فينبغي أن

تراجعوهما عن سؤالين للوقوف على التفصيل في جواب سؤالكم.

وأما أوراق (اليانصيب) فهي من القمار الذي هو نوع من أنواع الميسر

المحرم، فلا يجوز للمسلم شراؤها، والله أعلم.

***

أي الرجلين خير: من يعمل لأمته أو من يعمل لنفسه؟

(س50) من محمد أفندي جمعة الخياط وتاجر الجوخ في ميناء طرابلس

الشام.

جناب حضرة الأستاذ المعظم وفخر هذا الزمان وبهجته الأوحد السيد رشيد

أفندي رضا الأفخم، بكل احترام ألثم وجهك الطاهر، وأياديكم المباركة، طالبًا منه

تعالى أن يمتع الإسلام بطول حياتكم آمين.

وبعد فإن أحد شبان طرابلس قال قولاً ورفعه إلى سماحتكم فأنكرت عليه ذلك

وبادرت بتحريري هذا مبينًا لسماحتكم قول ذاك الشاب وهو أن الرجل الذي يخدم

أمته، وهو تارك الصلاة خلفه ظهريًّا خير من الرجل الذي لا يخدم ملته، وهو

محافظ على الصلاة مجاهد نفسه، أسترحم تصحيح الخبر على صفحات مجلتكم

لقطع دابر المفسدين، والله من وراء القصد. إن الخبر تقرر من الشاب حتى إلى

بعض العلماء ناسبًا تلك الفتوى إلى سماحتكم مولاي.

...

...

...

...

محمد جمعة الزيلع

(ج) لا أذكر أنني كتبت فتوى في هذا الموضوع فأراجعها وكان ينبغي لكم

أن تسألوا المدَّعِي لذلك في أي جزء أو صفحة من أي مجلد من المنار نشرت هذه

الفتوى، وأما الذي أعتقده فهو أن الذي يصلي ويجاهد نفسه أفضل ممن لا يصلي

ولا يجاهد نفسه فإن تارك الصلاة مستحلاًّ لتركها كافر بإجماع المسلمين وفي كفر

تاركها مع الاعتقاد بوجوبها خلاف بين الأئمة، وإن الذي يخدم أمته خير لها ممن لا

يخدمها سواء أصلى أم لم يصل ولكنه إذا كان لا يصلي لا يكون خيرًا لنفسه بل هو

شر لها، وخير منهما من يخدم أمته ويؤدي فرائض دينه.

_________

ص: 561

الكاتب: عبد الله محمود شكري

السنة والشيعة

أو الوهابية والرافضة

(3)

نتيجة ما تقدم في إبطال زعم الرافضي

زعم الرافضي العاملي أن ابن تيمية أول من أثبت ما ذكر من صفات الله

تعالى بدون تأويل، وتبعه بعض تلاميذه ثم الوهابية، وأنهم خالفوا في ذلك جميع

المسلمين، وهذا كذب وافتراء وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى

الرفض الذي من أصوله تعطيل صفات الله تعالى بالتأويل وجعله عز وجل كالعدم،

تعالى الله عما يقول المبتدعون علوًّا كبيرًا، فما من صفة من تلك الصفات إلا وهي

منصوصة في القرآن أو في الأحاديث النبوية الصحيحة، ولعل كل قارئ للقرآن

أو سامع له من المسلمين قد قرأ أو سمع قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: 10) وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) وزعم الرافضي أن ابن

تيمية يثبت لله تعالى يمينًا وشمالاً، ونصوصه تدل على أنه يتبع نصوص الكتاب

والسنة، وإنما ثبت فيهما لفظ اليدين، ولفظ اليمين في قوله تعالى: {وَالسَّمَوَاتُ

مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: 67) وثبت في حديث مسلم والنسائي: (

وكلتا

يديه يمين) والحديث في إثبات الشمال لا يصح كما بيَّنَه الحافظ ابن حجر في الفتح

والحافظ البيهقي قبله في كتابه (الأسماء والصفات) وكأن الرافضي لم يره وسمع

قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) وما في معناها وقوله تعالى

في الملائكة] يخافون رهم من فوقهم [وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ} (الفجر: 22) وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (البقرة:

186) إلخ، وليعلم القارئ أن ما عزاه هذا الرافضي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية

وتلاميذه الأعلام ثم إلى الوهابية مما ليس في القرآن فهو في الأحاديث الصحيحة

كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري ومسلم وغيرهما: (ينزل ربنا تبارك

وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) إلخ، وأما الصوت فقد ذكر فيه البخاري عن

ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بوحي سمع أهل السموات شيئًا فإذا فُزِّعَ

عن قلوبهم وسكن الصوت وعرفوا أنه الحق من ربهم ونادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا:

الحق) . قال البخاري: ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أُنَيْس سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه

من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الملك أنا الديان) .

أما حديث ابن مسعود فقد رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقًَا موقوفًا عليه،

ووصله البيهقي في الأسماء والصفات وغيره كما فصَّله الحافظ ابن حجر في فتح

الباري، وأما حديث عبد الله بن أُنَيْس (بالتصغير) فذكر الحافظ في شرحه من

فتح الباري مَن أخرجه مسندًا: وروى البخاري بعده بسنده المتصل إلى أبي سعيد

الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله يا آدم

فيقول: لبيك وسعديك: فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى

النار) وذكر الحافظ في شرحه له أن (ينادي) وقع مضبوطًا للأكثر بكسر الدال

وفي رواية أبي ذر بفتحها، أي والثانية تحتمل من التأويل ما لا تحتمل الأولى.

وذكر الحافظ في شرح الحديث الأول تأويل من أوَّله من الأشعرية ثم قال ما

نصه (ص383ج13) : (وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم

منه أن الله تعالى لم يُسْمِع أحدًا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه، وحاصل

الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين؛ لأنها التي عُهِدَ أنها

ذات مخارج ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية

قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق، سلمنا لكن نمنع القياس المذكور وصفات

الخالق لا تُقَاس على صفات المخلوق، وإذا ثبت الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة

(وكان الحافظ قد بيَّن غير ما في البخاري منها) وجب الإيمان بها؛ ثم إما

التفويض وإما التأويل وبالله التوفيق) اهـ، وظاهر كلامه أنه يختار التفويض

اتباعًا للسلف.

ثم قال الحافظ في شرح حديث أبي سعيد ما نصه (ص 386 ج 13) :

(واختلف أهل الكلام في أن كلام الله تعالى هل هو بحرف وصوت أو لا؟ فقالت

المعتزلة: لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله تعالى قائم

بالشجرة، وقالت الأشاعرة: كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي،

وحقيقته معنًى قائم بنفسه، وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية،

واختلافها لا يدل على اختلاف المُعَبَّر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المُعَبَّر عنه،

وأثبتت الحنابلة أن الله تعالى متكلم بحرف وصوت: أما الحروف فللتصريح بها في

ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال: إن الصوت هو الهواء المنقطع

المسموع من الحنجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود

من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك، فلا يلزم المحذور مع

اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأن يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه،

وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون:

لمَّا كلم الله موسى ولم يتكلم بصوت؟ فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه

الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره) اهـ.

فهذه النُّقُول من أحفظ الحفاظ صريحة في أن إثبات هذا الصوت لكلام الله

المُنَزَّه عن مشابهة أصوات الخلق هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأتباعه، وأن

دعوى الرافضي العاملي أن أول من زقا به هو ابن تيمية وخالفه فيه جميع المسلمين

إلا الوهابية كذب وافتراء ولا يزال جمهور أهل الحديث إلى اليوم يتبعون الإمام أحمد

في هذا، ولا أقول يقلدونه بل يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح من

حديثه فيه كغيره، وأي فرق بين إثبات الكلام وإثبات الصوت، وكل منهما ثابت

للبشر؟ وكذلك السمع والبصر وسائر الصفات، وهل على المؤمن الذي لا يحكم هواه

ولا شبهاته النظرية ولا يقلد رجال مذهبه في عقيدته إلا أن يثبت لله تعالى جميع ما

أثبته له كتابه ورسوله من تنزيه وصفات لم يكن من وسيلة لتبليغها للبشر إلا لغاتهم

التي وضعوها لصفاتهم مع نفي التشبيه والتمثيل؟ على أننا لسنا هنا بصدد ترجيح

مذهب الحنابلة وسائر أئمة السلف بل نحن في صدد تكذيب الرافضي المتعصب في

زعمه أن هذا شيء افتجره ابن تيمية (فحكم علماء المسلمين بكفره) وقلده فيه بعض

تلاميذه، ثم الوهابية وخالفهم سائر المسلمين.

ولا يبعد أن يعني الرافضي بالمسلمين الشيعة وحدهم أو مع من سبقهم في

التأويل من مبتدعة الجهمية والمعتزلة الذين صارت الشيعة عيالاً عليهم في مخالفة

النصوص بالتأويل كما تقدم عن بعض متعصبيهم في تفسير حديث افتراق هذه الأمة

إلى 73 فرقة؛ إذ حاول جعل هذه الفرق كلها من الشيعة؛ ليخرج أهل السنة عن

عداد أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وجملة القول أن ما طعن به الرافضي العاملي على ابن تيمية والوهابية من

إثبات ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى بدون تأويل هو أصل مذهب

أهل السنة من الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار كما ثبت في كتب السنة التي

صُنِّفَت قبل ابن تيمية وفي عصره وبعده، ومنها كتب خاصة في إثبات علو الله

على خلقه، وهذا الرافضي أراد أن يطعن في أهل السنة ويُبْطل عقائدهم، وأن

يَرُوج طعنه عند عوام المسلمين فحصر مذهب السنة في الوهابية، وزعم أنه لا

سلف لهم فيه إلا ابن تيمية وتلاميذه، وأن علماء المسلمين كفروه لقوله بها،

والصحيح أن هؤلاء كانوا أظهر أنصار السنة كل في عصره، وهذا عصر الوهابية

منذ ظهروا إلى اليوم.

وإننا ننقل هنا صفوة ما أورد الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري الذي هو

عمدة المحدثين وجميع أهل السنة من عصره إلى اليوم في مذهب أهل السنة في

صفات الله، وهو ما كتبه في شرح قول البخاري (باب وكان عرشه على الماء)

إلخ، وذلك قوله بعد ذكر كثير من أقوال السلف وغيرهم وأقوال أهل اللغة في معنى

الاستواء على العرش وغيره وهذا نصه: (ص 342 و 343ج 13)

(وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفروق بسنده إلى داود بن علي بن خلف

قال: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل:

{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فقال: هو على العرش كما أخبر،

قال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى فقال اسكت لا يقال: استولى على الشيء إلا

أن يكون له مُضَادٌّ. ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت ابن

الأعرابي يقول أرادني أحمد بن أبي دؤاد أن أجد له في لغة العرب {الرَّحْمَنُ عَلَى

العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) بمعنى استولى فقلت: والله ما أصبت هذا، وقال

غيره: لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش؛ لأنه غالب على جميع

المخلوقات، ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين

أن معناه ارتفع، وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما بنحوه، وأخرج أبو القاسم

اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت:

(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به

كفر) ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سُئِلَ كيف استوى على العرش؟

فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله الرسالة، وعلى

رسوله البلاغ، وعلينا التسليم) ، وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال:

كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من

صفاته، وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى:

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (الأعراف: 54) فقال: هو كما وصف نفسه، وأخرج

البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا

عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) كيف استوى؟ فأطرق

مالك فأخذته الرُّحَضَاء ثم رفع رأسه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) كما وصف به نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وما أراك

إلا صاحب بدعة أخرجوه، ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن

أم سلمة لكن قال فيه: والإقرار به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأخرج البيهقي

من طريق أبي داود الطيالسي قال كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن

سلمة، وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون

(كيف) قال أبو داود وهو قولنا، قال البيهقي: وعلى هذا مضى أكابرنا، وأسند

اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى

المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله

عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير، فمن فسر شيئًا منها وقال بقول

جهم فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفارق الجماعة؛

لأنه وصف الرب بصفة لا شيء، ومن طريق الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعيّ

ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا: (أَمِرُّوهَا كما

جاءت بلا كيف) .

(وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت

الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردُّهَا ومن خالف بعد ثبوت الحجة

عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يُدْرَك

بالعقل ولا الرَّوِيَّة والفكر، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن

نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) وأسند البيهقي بسند صحيح

عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال: (كل ما وصف الله به نفسه

في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه) ، ومن طريق أبي بكر الضبعي قال:

مذهب أهل السنة في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) قال بلا

كيف، والآثار فيه عن السلف كثيرة، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل وقال

الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول: (وهو على العرش كما

وصف به نفسه في كتابه كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما

يشبهه من الصفات؛ وقال في باب فضل الصدقة: قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن

بها ولا نتوهم ولا يقال (كيف) كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم

أَمَرُّوهَا بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية

فأنكروها وقالوا: هذا تشبيه، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه لو قيل

يد كيد وسمع كسمع، وقال في تفسير المائدة قال الأئمة: نؤمن بهذا الحديث من

غير تفسير، منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك، وقال ابن عبد البر:

أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا

شيئًا منها، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج [1] فقالوا: من أقر بها فهو مشبه،

فسماهم من أقر بها (معطلة) .

(وقال إمام الحرمين في الرسالة النظامية: اختلفت مسالك العلماء في هذه

الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن

وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها

وتفويض معانيها إلى الله تعالى، والذي نرتضيه رأيًا وندين الله به عقيدة اتباع

سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر

حتمًا لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم

عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه

المتبع اهـ.

(وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث، وهم فقهاء الأمصار كالثوري

والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا

يُوثَق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة.

فهذا بعض نصوص أئمة أهل السنة من علماء السلف قبل وجود ابن تيمية

بعدة قرون، وإننا ننقل بعض ما قاله ابن تيمية نفسه في العقيدة الحموية نفسها التي

زعم الرافضي أنه خالف فيها جميع المسلمين بإثبات الصفات الواردة بغير تأويل؛

ليظهر للناس مقدار جرأته على الكذب في سبيل إثبات الرفض والتعطيل، ولإزاغة

المسلمين عن الكتاب والسنة بالإفك والتضليل، قال شيخ الإسلام كما في (ص

427 وما بعدها من مجموعة الرسائل الكبرى المطبوعة بمصر) بعد سرد بعض

النصوص وأقوال أهل السنة والمبتدعة فيها ما نصه:

(ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه

أو وصفه به رسوله وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن

والحديث) اهـ.

(قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو

وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث) ، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك

هو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي بل معناه يُعْرَف من حيث يعرف مقصود المتكلم

بكلامه وهو سبحانه مع ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) في نفسه

المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله وكل ما أوجب نقصًا أو حدوثًا فإن

الله منزه عنه حقيقة، وأنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه وممتنع عليه

الحدوث لامتناع العدم عليه واستلزام الحدوث سابقة العدم ولافتقار المُحْدَث إلى

مُحْدِث ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى.

(ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل فلا يمثلون صفات الله بصفات

خلقه كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه

به رسوله فيعطلوا أسماءه الحسنى، وصفاته العليا، ويحرفوا الكلم عن مواضعه

ويلحدوا في أسماء الله وآياته، وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع

بين التعطيل والتمثيل) .

(وأما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق

بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل،

مثَّلوا أولاً وعطَّلوا آخرًا، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته

بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاته، وتعطيل ما يستحقه هو سبحانه من الأسماء

والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى، فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش

للزم أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساويًا وكل ذلك مُحَال، ونحو ذلك من

الكلام، فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي

جسم كان، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم، أما استواء يليق بجلال ويختص به فلا

يلزمه شيء من اللوازم الثلاثة كما يلزم سائر الأجسام، وصار هذا مثل قول الممثل:

إذا كان للعالم صانع فإما أن يكون جوهرًا أو عرضًا؛ إذ لا يُعْقَل موجود إلا هذان،

أو قوله إذا كان مستويًا على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو

الفلك إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا، فإن كلاهما مثَّل وكلاهما عطَّل حقيقة ما وصف

الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل مسمى للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني

بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين) .

(والقول الفاصل هو ما عليه الأمة الوسط من أن الله مستوٍ على عرشه

استواء يليق بجلاله ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل

شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك، ولا يجوز أن نثبت للعلم والقدرة

خصائص الأعراض التي لعلم المخلوقين وقدرهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش

ولا نثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق ولوازمها) .

(واعلم أن ليس في العقل الصريح ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة

الطريقة السلفية أصلاً، لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الورادة عن

الحق فمن كان في قلبه شبهة وأحب حلها فذلك سهل يسير) .

(ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة من المتأولين هذا الباب في أمر

مريج، فإن من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل،

ومن يحيل أن لله علمًا وقدرة، وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: إن

العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل، بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل

والشرب الحقيقي في الجنة يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل،

ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى

التأويل.

(ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما

يحيله العقل، بل منهم مَن يزعم أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الآخر أن العقل

أحاله) .

(يا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة فرضي الله عن مالك بن أنس

الإمام حيث قال: (أَوَكُلَّمَا جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى

محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هذا؟) وكل من هؤلاء مخصوم بمثل ما خُصِمَ به

الآخر وهو من وجوه:

(أحدها) : بيان أن العقل لا يحيل ذلك.

(والثاني) : أن النصوص الورادة لا تحتمل التأويل.

(والثالث) : أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول جاء بها بالاضطرار

كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان، فالتأويل الذي يحيلها عن

هذا بمنزلة تأويلات القرامطة والباطنية في الحج والعمرة والصوم والصلاة وسائر

ما جاءت به النبوات، على أن الأساطين من هؤلاء الفحول معترفون بأن العقل لا

سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية، وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم

ذلك من النبوات على ما هو عليه، ونحن نذكر من ألفاظ السلف بأعيانها وألفاظ من

نقل مذهبهم بحسب ما يحتمله هذا الموضع ما يعلم به مذهبهم) .

ثم شرع بعد هذا في أقوال أئمة السلف في ذلك بنصوصها، وحسبنا الخلاصة

التي نقلناها منها عن شرح البخاري للحافظ ابن حجر، فهي تلقم الرافضي الحجر،

وتبين لأهل السنة ولذي العقل والإخلاص من الشيعة كذبه وافتراءه، وهذا التحقيق

من شيخ الإسلام في مسألة الصفات الجامع بين العقل والنقل يهدم كل شبهات

المبتدعة والمتكلمين المخالفة لها.

(للكلام بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

أي: ومثلهم الشيعة فإنهم أخذوا التأويل عن الجهمية والمعتزلة.

ص: 595