المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد توفيق علي - مجلة المنار - جـ ٣٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (32)

- ‌جمادى الآخرة - 1350ه

- ‌فاتحة المجلد الثاني والثلاثين

- ‌تصدير التاريخ

- ‌خلاصة الخلاصةفي وجوب الجمع بين التجديدين الديني والمدني

- ‌فتاوى المنار

- ‌التجديد والتجدد والمجددون

- ‌المناظرة بين أهل السنة والشيعة

- ‌مصابنا بالوالدة رحمها الله تعالى

- ‌كلمة في مقالات إلحاد في الدين

- ‌نعي السيد الجليلالسيد محمد بن عقيل تغمده الله برحمته

- ‌شوال - 1350ه

- ‌المنار وتفسيره

- ‌خاتمة تاريخ الأستاذ الإمامفيما يجب له على الأمة

- ‌أسئلة من بيروت

- ‌الصلاة إلى القبوروقبة فيها قبور تُعتقد وتُعظَّم تدينًا

- ‌دعوى بعض مشايخ الطرقالتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌هداية القرآن [*]

- ‌تفسير المنارتقريظ ونقد

- ‌غاندي يشهد للإسلامومحمد عليه الصلاة والسلام

- ‌تاريخ الأستاذ الإمام

- ‌المناظرة بين أهل السنة والشيعة

- ‌ذو القعدة - 1350ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌المؤتمر الإسلامي العام في بيت المقدس(2)

- ‌الرابطة الإسلامية الدولية

- ‌أذان إبراهيم الخليل بالحجودعاؤه لأهل الحرم بالرزق

- ‌مجلة الأزهر والأستاذ المراغي

- ‌التجديد والتجدد والمجددون

- ‌ذو الحجة - 1350ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌ذكرى يوم النبي صلى الله عليه وسلمأو المولد النبوي

- ‌المؤتمر الإسلامي العام في بيت المقدس(3)

- ‌جمعية المطالبة بأوقاف الحرمين الشريفين

- ‌إصلاح عظيم في وزارة المعارف

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌تتمة ترجمة السيد محمد بن عقيل(2)

- ‌الشيخ مصطفى نجامفتي بيروت

- ‌عبد الحميد بك الرافعي

- ‌المحرم - 1351ه

- ‌صفر - 1351ه

- ‌العقيدة السلفية والأستاذ الدجوي

- ‌الخطر على الإسلامبسيطرة الإنكليز على الحجاز

- ‌وفيات الأعيان

- ‌ربيع الأول - 1351ه

- ‌الشعر التاريخي

- ‌أنا والأديب الشنقيطي

- ‌جمعية علماء المسلمين في الجزائر

- ‌المؤتمر الإسلامي العاملجنته التنفيذية ومكتبها

- ‌لجنة بحث موضوع البغاء الرسمي

- ‌جمادى الأولى - 1351ه

- ‌أكل لحم الخنزيرهل يشمل شحمه وكل ما يؤكل منه

- ‌الوجود والمادة والقوة والخالق عز وجل

- ‌ذكرى صلاح الدين ومعركة حطين [

- ‌محمد حافظ بك إبراهيمشاعر مصر الاجتماعي

- ‌خطاب حافظ للأستاذ الإمامفي رفع كتاب البؤساء إليه

- ‌فتنة الحجازوالقضاء على فئة ابن رفادة

- ‌جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية

- ‌نداء جمعية الهداية الإسلامية في دمشق

- ‌افتراء مجلة مشيخة الأزهر عليناوهجوها وهُجرها فينا

- ‌كلمتان كتبتهما لشابين من إخواننا المغاربة

- ‌جمادى الآخرة - 1351ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌عدد المسلمين في أنحاء العالم

- ‌الشيخ محمد توفيق البكري الصديقي

- ‌أحمد شوقي بك أمير الشعراء

- ‌رمضان - 1351ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌نموذج من كتاب الإنجيل والصليب

- ‌المنار ومجلة مشيخة الأزهرالمقال الخامسالبُهيتة الأولى: إنكار الملائكة

- ‌خاتمة المجلد الثاني والثلاثين من المنار

الفصل: الكاتب: محمد توفيق علي

الكاتب: محمد توفيق علي

‌الشعر التاريخي

أو صفحة من تاريخ الدعوة إلى الإسلام في حياة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام

نظمت بمناسبة احتفال الأمة الإسلامية بمولده الشريف

بقلم الشاعر الأديب اليوزباشي محمد توفيق أفندي علي

المزارع بالواسطى

افتتاح وتمهيد - دعوته القبائل للتوحيد - احتماله أذى المشركين -

تكذيب ثقيف لدعوته - رجاء الناظم في شفاعته - إيمان الضعفاء برسالته

وتعذيب المشركين لهم - هجرة المؤمنين إلى الحبشة، أي احتماؤهم بمعتدلي

النصارى من اضطهاد المشركين - إيمان الخزرج وبيعة العقبة الصغرى -

بيعة العقبة الكبرى والهجرة إلى يثرب - مؤاخاة الرسول بين أصحابه وبعثه

السرايا - غزوة بدر الكبرى - غزوة أحد واستشهاد أسد الله ورسوله حمزة بن

عبد المطلب - غزوة الخندق ومكيدة نعيم بن مسعود الغطفاني - مثال من

معجزات الرسالة - فتح مكة ومثال من تسامح الرسول - غزوة حنين ومثال

من شجاعة الرسول وثباته - تغلغل الدعوة في الأرض، ودخول الناس في

دين الله أفواجًا.

افتتاح وتمهيد

طيف سرى فشفى صبًّا من السقم

سرَّى الهموم وجلى حالك الظلم

متمم الخلق من حُسن ومن عجب

مكمل النور من علم ومن حكم

أرنو إليه فتصبيني مناظره

فأخفض الطرف خوف الفتنة العمم [1]

في موقف بجلال الحسن متشح

بالطهر مؤتزر بالصدق معتصم

حتى إذا سكنت نفسي سموت له

أرعى الجمال وأخشى زلة القدم

تبارك الله كم في الحسن من بدع

وفي الملاحة من سر ومن عظم

لا أكذب الوصف، بدر التَّمّ يعشقه

والشمس رأد [2] الضحى من أطوع الخدم

وأين للبدر منه سحر مكتحل

وأين للشمس منه در مبتسم

يا لين راحته لا الزهر ملمسها

ولا (الدمقس)[3] ولا ما شئت من نعم

قبَّلتُها وشذاه الروض ينفحني

وفوه يُسمعني من أعذب النغم

يدلي إليَّ بسر من محبتنا

قدس الصحيفة في حرز عن التهم

يا لائمي أن دمعي في هواه جرى

أقصِرْ، فدمعي قليل في الهوى ودمي

دمعي وشِعري معًا من منبع جريا

في الحب منسجم في إثر منسجم

لولا الجمال ولولا ما يطالعني

من البدائع لم أعشق ولم أهِم

تدعو المحاسن من بادٍ ومستتر

له المحبين من باكٍ ومبتسم

لو جنة الخلد لي من وجهه عُرضت

لا أشتريها بما في القلب من ضَرم

لو أن صبًّا يعير النصح واعية

لم تلفِني عن نذير الشيب في صمم

يا ويح نفسي قد كلفتها شططًا

شرخ الشباب ولم أخشع لدى الهرم

وشاب فودي وظلَّت في طفولتها

ترعى وترتع في مستوبَل وخِم

توبي لربك واخشي هول غضبته

وعانقي سنة (المختار) واعتصمي

وقدمي عملاً تَرضي عواقبه

وأجملي الصبر في الطاعات واعتزمي

هل نال رتبته الهادي وسؤدده

إلا بإدمانه صبرًا على الألم؟

وبالهواجر يطويها على ظمأ

وبالدياجر [4] يحييها على ورم

دعوته القبائل للتوحيد

واحتماله أذى المشركين

لم يثنه قومه يشتد غيظهم

في إثره بالأذى في الحل والحرم

أن يلبس الدعوة الشماء رهبتها

بين القبائل لم يجزع ولم يخِم [5]

ما ضاره أن (كندًا) ربَّه كندت

و (عامرًا) عمرت دهرًا مع النعم

وأن (كلبًا) على أربابها كلبت

و (دوس) كالقوس لما بعد تستقم

ما زار (مكة) ذو فضل ولا

شرف إلا دعاه فلم يهدأ ولم ينم

ماذا لقيت - فداك الناس كلهم - من الشياطين يحدوهم (أبوالحكم)[6]

من زمعة [7] وأُبي [8] والوليد [9] ومن حر ث [10] ونضر [11] وعاص [12] بارئ النسم

ونوفل [13] لم يجيء يومًا بنافلة

ولا بفرض ولم يركع ولم يصم

والأسودين [14] من استسقى فمات

ومن دعا الرسول عليه بالعمى فعمي

تكذيب ثقيف لدعوته

وآسفتك ثقيف إذ نُدِبت لها

تدعو لربك في سهل وفي عَلم

أغروا بخير الورى عبدانهم سفهًا

وجهلَ صبيانهم إغراء منتقم

حتى إلى حائط أُلجئت منحرفًا

عن وجهة السيل، سيل المحنة العرم

جلست لله تدعوه وتذكره

بلؤلؤ من نثار الشهب لا الكلم

تشكو لمولاك ضعفًا في قواك وما

كنت الضعيف إذا لاقاك ألف كمي

لكن على الحلم تهدي والسماح وفي

بحبوحة الرفق كالراعي مع الغنم

ما كان يلفتك المولى لتدعوه

إلا لينثر أغلى الدر خير فم

كم في دعائك من ظُرف ومن أدب

وفي بيانك من نور ومن حكم [15]

وفي المخايل من نُبل ومن شرف

وفي الشمائل من عتق ومن كرم

الله والاه بالنعمى وقرَّبه

وزانه بكمال الخلق والشيم

رجاء الناظم لشفاعته

صلى الله عليه وسلم

وقف عليك رسول الله تشفع لي

أن كنت جارك فاشفع سيد الأمم

وقد عقدت جواري أنني وجل

أملت جاهك دون العرب والعجم

إذ القيامة يوم أنت فارسه

وأنت في ساحتيه صاحب العلم

آليت ألقاك عند الحوض مبتسمًا

أن كنت جاري وأوفى الناس بالذمم

كم في جوارك من أمن ومن سعة

وفي فؤادك من عطف ومن رحم

وفي جنابك من عز ومن شرف

وفي رحابك من أهل ومن نعم

وفي جبينك من شمس ومن قمر

وفي يمينك من بحر ومن دِيم

كم فيك من حسب كم فيك من نسب

كم فيك من نجدة كم فيك من همم

إيمان الضعفاء برسالته صلى الله

عليه وسلم وتعذيب المشركين لهم

وآمن الضعفاء المتقون به

من كل مستبصر بالخير متَّسم

حمَّال في بغضة الأوثان كل أذى

ماضٍ على شرعة التوحيد معتزم

وعاند الأقوياء الحق وانفجر

الطغيان يقذف كالبركان بالحمم [16]

لله در أبي بكر [17] ونجدته

إذ الموالي [18] بشَرٍّ غير منحسم

يعذَّبون على الإسلام من سَفَهٍ

ويُفتَنون عن التوحيد من لمم

فكان يبتاعهم عطفًا ويعتقهم

هيهات يقبل فيهم ظلم محتكم

والبذل في نصرة الإسلام شيمته

والصدق والرفق في بدء ومختتم

هجرة المؤمنين إلى الحبشة أي احتماؤهم

بمعتدلي النصارى من اضطهاد المشركين

وهاجر الحنفاء المهتدون إلى مُلك النجاشي فلم يُخفر [19] ولم يضم

لله (أصحمة)[20] في الخير من ملك أسدى الهدى نعمة مرعية الحُرم

حمى من الجهل والطغيان وافِدَنا وردَّ كيد العدو الناقم الخصم

في الركب بنت رسول الله يصحبها عثمان في ثبج الأمواج والأجم

هل زار (أثيوبيا) من قبلها مَلَك حالي الذوامل باهَى مضرب الخِيَم

لو خِدره طالع الأحباش شارقُه لكان يبيض منهم حالك الأدم

ما أجهل الشرك يرمينا بِشِرَّته

رمي الضعيف ويرمي الله بالرجم

لا نسأم البغي والعدوان يتبعنا

حيث ارتحلنا فما في الله من سأم

لعل فتحًا إلى الأوطان يرجعنا

فإن حالاً على الأيام لم تدم

ماذا يحاول عمرو [21] أرسلوه لنا؟

يردنا للأذى والبغي والنقم! !

أهدى النجاشي فلم يقبل هديته

وقال: لا أرتشي في الله من نهم

فعد لقومك يا ابن العاص مكتئبًا

فإن جار النجاشي أي محترم

إيمان الخزرج وبيعة

العقبة الصغرى

وقد أتى الخزرج الداعي فأسمعها

وحي يكاد يرد الروح في الرمم

وكان قبل يهود يذكرون لهم

إظلال عهد رسولٍ صادق عَلَم [22]

فآمنوا وأثنوا يهدون قومهم

باكين فوق رحال الأينق الرُّسم

وأينع الوحي في الأنصار فانبعثت

وفودهم في طلاب الحق من أمم

فتمت البيعة الصغرى لطاعته

في الخير والشر يغلي غلي محتدم

وكان بينهم خلف فألَّفهم

نور من الله كم أوصى على الرحم

وجمَّع الجمع الأنصارُ يرشدهم

من (مصعب بن عمير) خير ملتزم

لله مدرسة في يثرب فتحت

يديرها فضل ذاك المقرئ الفَهِم

كذاك ساس رسول الله أمته

بالحلم والعلم والقرآن والقلم

بيعة العقبة الكبرى

والهجرة إلى يثرب

وأوفت البيعة الكبرى لنصرته

في الحرب من ظالم باغ ومنقصم

وذاع أمر رسول الله والتأمت

مجامع الشرك فيه أي ملتأم

يعارضون إمام المرسلين وهل

يعارض الوحي إلا كل منفحم؟

فكان (حاميم) يتلوها فتجرفهم

كالسيل طبق من مستشرف الأكم

وأرسل الله جبريلاً بهجرتنا ليثرب فزهت حسنًا على إرم

في كل يوم يوافيها ويقصدها ركبٌ لتوحيد رب العالمين نُمي

المؤمنون وَجَلَّتْ تلك مرتبة وقسمة شمخت تيهًا على القسم

حتى تكامل وفد الحق واستلمت جماعة الله ركنًا غير منهدم

فهاجر المصطفى الهادي وصاحبه [23] وأمر ربك مقدور من القدم

فتمت الهجرة العظمى التي حطمت ظهر الضلال وما أبقت على صنم

مؤاخاته بين أصحابه وبثه السرايا

غزوة بدر الكبرى

آخى نبي الهدى بين الصحابة

في رفق فآضوا لفيفًا غير منقسم

وأصبحوا قوة تخشى بوادرها

لو آذنت جبلاً بالحرب لم يقم

مهاجرون وأنصار قد ارتبطوا

في ربهم برباط غير منفصم

بث السرايا [24] على الأعداء

يرهبهم من كل مستبسل بالنقع ملتئم

يا يوم بدر جزاك الله صالحة

طلعت للات [25] بالويلات والعقم

ولاح جبريل في نصر الرسول على

خيل الملائك قد عضت على اللجم

رمى النبي بحصباء فشردهم

في البيد منهزمًا في إثر منهزم

إلا أسارى وصرعى من حُماتهم ملء القليب [26] وتحت النار لا الرجم [27]

أبلى علي [28] وأغنى حمزة [29]

وبدا عشق الشهادة فينا غير منكتم

سل عتبة [30] وأبا جهل [31] وفلَّهما

آللات أمضى ظُبى في كل مختصم؟

أم أجمعت لقتال المصطفى فئة

أو سار جيش عليه الطير لم تحم

نهى عن المثلة [32] الهادي وحذرنا

ولو أراد بها الفجارَ لم يُلم

أوصى بأسرى العدى خيرًا صحابته

إن القوي كريم العفو ذو الشمم

غزوة أحد واستشهاد أسد الله ورسوله

حمزة بن عبد المطلب

كيف الشهادة لا تحلو وفي أُحد

وجه الشفيع بأيدي الظالمين دَمِي

وظل في الروع يرمي في نحوره مفرِّقًا جمعهم في كل مزدحم

فرَّ الأعادي وقد ريعت نساؤهم فهند [33] مذعورة تبدي عن الخدم [34]

وخالف ابن جبير [35] في الرماة هدى أمر النبي لهم حين القتال حمي

رأوا قطوف العدى في الروع دانية

فضيع الثغر منهم كل مغتنم

فكان أن حُطِموا ختلاً وأن ندموا

مخالف الرسل لا يخلو من الندم

أبو دجانة [36] أعطى السيف قيمته

ضربًا يجل عن التقدير والقيم

أغنى علي وأبلى حمزة ومضت

لله لبدة ليث الملة القرم

أف لحربة وحشي [37] لقد تركت

في جانب البأس جرحًا غير ملتئم

يا (حمزُ) للحرب يذكيها بمنصلت

في كفه كشهاب الرجم مضطرم

لا يهنئ الشرك كأس أنت شاربها

في الله معسولة تشفي من السقم

يا (حمز) قرت قلوب كنت مرجفها

من طائر حين تلقاه ومخترم

ماذا فعلت ببدر إذ تمزقهم؟

غادرتهم طعم العقبان والرَّخم

وكم فرست من الأبطال في أُحد

يا ليث دين الهدى في كل مصطدم

ما ضر سيف رسول الله ثلمته

في النوم والعزم عضب غير منثلم

أبقى لنا الله فيه نجدة هدمت

... ركني أُبي [38] وطودًا شامخ القمم

غزوة الخندق ومكيدة نعيم بن مسعود الغطفاني

ومثال من معجزات الرسالة

ويوم خندق لا فلت عزائمه

فأصبح الغيل يعيي كل مقتحم

حثُّوا المطايا وقادوا الجُرد واحتشدوا

حول المدينة في بأس وفي بُهم [39]

قريش حالفها غطفان شايعها

يهود من ناقض حلفًا ومرتطم

جاءوا ليستأصلوا الهادي ويثربه

بكل منصلت يهوي على اللمم

فيها الرسول وجبريل وربهما

يميت من شاء أو يحيي من العدم

فأرسل الله ريحًا في معسكرهم

رمت محرضهم بالعي والبكم

تذري الوقود وتُكفي من قدورهم

خوفًا عليهم من الطغيان والبشم

وجاءنا مؤمنًا منهم وما علموا

شهم تفرد بالإخلاص في الخِدَم

هذا نعيم بن مسعود قبيلته

غطفان يُربي على غطفان كلهم

يقول هل خدمة أرضي الجهاد بها

أن كنتُ عند الأعادي غير متهم؟

قال الرسول له ثبط عزائمهم

إن استطعت وشرِّد خادعًا بهم

فمزق الجيش تمزيقًا بحيلته

كأنما كان جيشًا زار في حُلم [40]

وأصبح الجو خلوًا من خيامهم

إذ قوضت على حساب جد منخرم

كانت يهود له ذبحًا رجالهم

بصارم العدل إلا غير محتلم

وقد أُفيئوا على الهادي وعترته

وصحبه طعمة من أطيب الطعم

فتح مكة ومثال من تسامح

الرسول صلى الله عليه وسلم

يا فتح مكة أوسعت الضلال لظى

والرشد بردًا يجاري نصرك الشبم [41]

يد الإله من التوحيد قادرة

رمت بسهم قلوب الشرك منتظم

خانت قريش عهود المصطفى فمضى

في الخيل كالبحر بالماذي [42] ملتطم

منَّت كتيبته الخضراء [43] ظافرة

على العدى فأضافتهم إلى الحشم

سماهم الطلقاء [44] المصطفى كرمًا

ومَن مِن الخلق أولى منه بالكرم؟

غزوة حنين ومثال من

شجاعة الرسول وثباته

وفي حُنين وإن راعت مواكبهم

فإنها لقمة تُهدى لملتقم

جاءت هوازن تردي [45] في أعنتها

لغزو مكة في سعد وفي جُشَم

لم تغن كثرتنا شيئًا وقد طلعوا

بالسمهرية والهندية الخذم [46]

ولَّت جحافلنا إلا الرسول مضى

للنصر يهدر في درع من العصم

يصيح في الجيش إذ ولوا يشجعهم

أنا النبي إلى عهدي إلى القسم

أنا محمد يا أنصار أين إذًا عنِّي الفرار، ويا خيل العِدى انحطمي

حتى تشجع من أصحابه مائة

صفًا يجالد قال الآن فاستقم

الآن يحمى الوطيس، الآن نهزمهم

في الله نتركهم لحمًا على وضم

وقد تشتت شمل الشرك واغتنمت

نساؤهم والذراري أي مغتنم

منَّ الرسول عليهم في حريمهم

وفي بنيهم وكانوا نهب مقتسم

ووزع الفيء تأليف القلوب على

قسطاس [47] عدل رضاء الله مرتسم

تغلغل الدعوة في الأرض

ودخول الناس في دين الله أفواجًا

شامت ثقيف ضياء الحق فابتدرت

نهج السداد وألقت راحة السلم

وحرم الله حج المشركين بما

طغوا وما أسلفوا من كيد مجترم

وأوذنوا بقتال يستحرُّ إلى

أن يُشربوا الله فردًا كاشف الغُمم

وجاء يوم تبوك يوم مفخرة

فالجزية الروم أعطوها على رغم [48]

وقام في الأرض دين الله معتليًا

ولو أقيم بغير الله لم يقم

سمت إليه وفود العرب طائعة

من ساكني وبر أو ساكني أُطُم [49]

بالحرث سعد بن بكر بالهدى سعدوا

ملوك حمير من كهل ومن هرم

بنو حنيفة، طيء، الأزد قد قنعوا

بالله فردًا وبالقرآن من حكم

وتم فخر تميم عندما هديت

وآض مجد جذام غير منجذم

زبيد، كندة، عبد القيس مذحج همدان

مراد نجوا من نار منتقم

و (عامر) عمرت في الله أفئدة

كانت خرابًا - وكم من وافد - وكم

كل لقد عانق الإسلام والتزموا

يا حسن معتنق يا طيب ملتزم

الدعوة انتشرت في الأرض وانبعثت

إلى الممالك والأقطار من إضم

إلى عمان لغسان إلى يمن

للفرس للروم للبحرين للهَرَم

إلى النجاشي إلى ملك الشام إلى

دانٍ وقاصٍ من الأصقاع والتخم

هذي رسالة خير الخلق باهرة

كغرة الصبح تجلو فحمة الغسم

يكفي المكابر والفرقان في يده

مفصل بفريد الدر والتوم [50]

بحار علم من الأمية انفجرت

وعبقرية آداب عن اليُتم

توفيق

_________

(1)

العميمة الشاملة، ولو قال: إجلالاً لذا العظم لكان أليق.

(2)

رونق الضحى.

(3)

الحرير الأبيض.

(4)

الظلمات.

(5)

خام عن الأمر: عجز عنه بعدما هم به.

(6)

أي شياطين الإنس من مشركي مكة، وأبو الحكم هو أبو جهل بن هشام.

(7)

ابن الأسود.

(8)

ابن خلف.

(9)

ابن المغيرة.

(10)

ابن الطلاطلة بن عمرو.

(11)

ابن الحارث.

(12)

ابن وائل.

(13)

ابن خويلد.

(14)

الأسودان: هما اللذان دعا الرسول عليهما فهلك منهما بالاستسقاء ابن عبد يغوث، والذي عمي ابن المطلب - وكل أولئك من شياطين قريش الذين كانوا يؤذون الرسول في بدء الدعوة.

(15)

كان دعاؤه يومئذ: (اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته

أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) .

(16)

ما يقذفه البركان من مواد سائلة.

(17)

الصديق أعتق ست رقاب من موالي المشركين غير بلال بن رباح.

(18)

العبيد.

(19)

خفره: حماه وأجاره ووفى بعهده، وأخفره: ضد ذلك، أي: أسلمه ونقض عهده.

(20)

ابن أبحر، وتفسيره (عطية) اسم نجاشي ذلك العهد.

(21)

ابن العاص فاتح مصر وذلك قبل إسلامه.

(22)

كانت يهود جيرانًا للخزرج في البلاد، فإذا كان بينهم شيء قالت يهود وهم أهل كتاب وعلم: إنه سيظهر رسول قد أظل زمانه نصدق به ونقتلكم معه، فلما ظهر آمن الخزرج وكذبت يهود.

(23)

أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

(24)

السرية لغة: القطعة من الجند، سميت بذلك من السُّرى وهو السير ليلاً كيلا ينذر بها الأعداء، واصطلاحًا: الغزوة التي لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

(25)

صنم.

(26)

البئر مطلقًا أو العادية، أي: القديمة.

(27)

أحجار تقام على القبور لتدل عليها.

(28)

ابن أبي طالب.

(29)

ابن عبد المطلب.

(30)

ابن ربيعة.

(31)

ابن هشام.

(32)

تشويه القتلى تشفيًا.

(33)

بنت عتبة وأم معاوية قبل إسلامها، قُتل أبوها في بدر، فكانت بالمعمعة في أُحُد تُحرض على المسلمين التماسًا للثأر وحسدًا.

(34)

الخلخال.

(35)

عبد الله بن جبير كان أمَّره الرسول على الرماة في أحد ونهاهم أن يبرحوا موقفهم فخالفوه عندما انكسر المشركون فانكشف ظهور المسلمين، فكرَّ عليهم المشركون فأمعنوا فيهم قتلاً.

(36)

سماك بن خرشة أعطاه الرسول سيفًا في أحد بحقه، وحقه أن يقاتل به حتى ينحني.

(37)

قاتل حمزة وهو غلام جبير بن مطعم.

(38)

ابن خلف قتله الرسول بيده في أحد، إذ أراد قتله ولم يقتل صلى الله عليه وسلم بيده غيره رحمة بالناس.

(39)

جمْع (بُهمة) بالضم وهو الشجاع.

(40)

كانت خدعته أن ذهب إلى معسكر يهود فقال لهم: إنكم إذا غلب محمد انشمر حلفاؤكم إلى بلادهم البعيدة وتركوكم في وجه محمد، ولا طاقة لكم به، والرأي أن تطلبوا من أشراف حلفائكم رهائن حتى لا يتركوكم إن كانت الدائرة عليكم، وذهب إلى حلفائهم فقال: إن يهود كاتبوا محمدًا أنهم ندموا على مشايعة أعدائه وسيقدمون له رجالاً من أشراف حلفائهم يقتلهم، ثم يكونون معه عليهم فقبل منهم - فتفرقت كلمة أعداء الرسول وانشمروا إلى بلادهم.

(41)

أي البارد.

(42)

السلاح.

(43)

سميت خضراء لكثرة سلاحها.

(44)

أي العتقى؛ وذلك أنهم صاروا عبيدًا وسبايا بحق الفتح فأعتقهم.

(45)

تردي: كترمي من ردي الخيل ورديانها، وهو ضرب من مشيها.

(46)

الخذم: بضمتين جمع خذوم، وهو كالخذم ككتف من السيوف: السريع القطع.

(47)

الميزان.

(48)

الرغم بالفتح: الكره والقهر، وفُتحت الغين لضرورة الشعر.

(49)

الحصون.

(50)

اللؤلؤ.

ص: 523

الكاتب: محمد رشيد رضا

ترجمة القرآن وكون العربية لغة الإسلام

ورابطة الأخوة الإسلامية [*]

(2)

بيَّنا في المقدمة الإجمالية لهذا البحث عشر مسائل أساسية لا مجال للمراء

والجدل فيها، يعلم منها جملة ما أصاب فيه الكاتبون الكثيرون في مسألة الترجمة

وما أخطأوا؛ ولكن ذلك الإجمال لا يغني عن البيان والتفصيل الذي تقوم به الحجج

على الصواب، وتدحض الشبهات التي لبست على المخطئين الحق بالباطل وهو ما

أعقد له الفصول الآتية، مبتدئًا إياها بما أعلم من سبب إثارة هذا البحث وحقيقة

الأمر فيه.

غرض حكومة الترك الجمهورية اللادينية

من ترجمة القرآن وكتابته بالحروف اللاتينية

وما قيل في حظ الشعب التركي من هذه البدعة

لقد كان عمل الترك الذي أعلنوا تنفيذه في شهر رمضان، هو الذي فتح باب

البحث في ترجمة القرآن، وكان أول ما كتب في تخطئتهم بحجج الإسلام، والدفاع

عنهم وتصويب عملهم بحجة التجديد وتطور الزمان، الذي خلاصته أن الشعب

التركي قد ارتقى في مدارج المدنية الأوربية ارتقاء ما عاد يليق به اتباع الشريعة

الإسلامية العربية، ولا الكتابة بحروفها، وأن الغرض الديني من القرآن معانيه لا

عبارته وألفاظه، ولا نظمه وإعجازه، وأنه مهما تكن الحال فلا يليق بالشعب

التركي الراقي أن يترك لغته لأجل القرآن، ولا أن يحافظ على الكتابة العربية

لأجل المحافظة على القرآن المنزل باللسان العربي، ومثل هذه الحجج الداحضة لا

يقول بها أحد يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبكتاب الله المنزل عليه؛

وإنما يقول بها من يفضل عليهما سياسة الحكومة التركية الحاضرة التي أحدثت هذا

الأمر، ومن عجب أن كان فارس ميدانها كاتب كان قد اشتهر بالدفاع عن الإسلام

والتنويه بمزاياه، ثم تذبذب فيه ثم صرح بنصر التجديد الأوربي وتفضيله عليه.

فعلت هذه الحكومة فعلتها هذه متبعة ما سماه رئيسها (سياسة المراحل) التي

كان أولها إلغاء الخلافة السياسية، فإلغاء الخلافة الروحية التي استبدلوها بها،

فحذف مادة (دين الدولة التركية الإسلام) من القانون الأساسي، وإبطال المحاكم

الشرعية والمدارس الدينية الإسلامية والأوقاف، فإلغاء اللغة العربية وكتبها الدينية

والعلمية، فإلغاء حروفها، ثم وصلوا أخيرًا إلى مرحلة القرآن، وما أدراك ما

القرآن، هو كلام الله المنزل المتعبد بلفظه العربي وتلاوته، كالتعبد بعقائده وأحكامه،

هو كلام الله الذي يعتقد كل مسلم أن تغيير شيء منه أو تبديله كفر يخلد فاعله في

جهنم فماذا يفعلون؟

تبديل الحكومة التركية القرآن لغة وكتابة

وأنصارها بمصر

إن الحكومة العسكرية التي قهرت الشعب على الخضوع لها في قطع تلك

المراحل كلها، وقمع كل مقاومة بدرت منه بحكم الإرهاب والتنكيل - لا تهاب قطع

هذه المرحلة وهي العقبة الكئود: أمرت بترجمة حرفية جديدة للقرآن على أن تسمى

قرآنًا يتعبد به من يختار أن يبقى مسلمًا من الترك، بشرط أن يكتب بالحروف

اللاتينية كغيره من كتب الدولة وشعبها، وبدأت بإعلان ذلك في ليلة القدر من شهر

رمضان (27 منه) فلقن قارئ حسن الصوت آيات منه فقرأها في جامع أيا صوفيا

المشهور، ووضعت بجانبه آلة الراديو الناقلة للصوت الموزعة له فنقلتها إلى

مواضع وبلاد كثيرة.

إن هذا لحنث عظيم، وإنه لخطب في الإسلام خطير، وإن كربه على

المسلمين لكبير، وقد توقعناه قبل وقوعه ببضع سنين، فصرَّحنا به وبيَّنا مفاسده في

المنار وفي تفسيره من خمسة عشر وجهًا، فهو لم يكن عندنا شيئًا جديدًا، وكنا

نرجو من هذا الشعب العريق في الإسلام أن يوقظ هذا الاعتداءُ على دينه شعورَه

النائم، ويُحيي ما أماته الجهل وإلفة البدع ونزغات الإلحاد المادية من عزة نفسه،

ونرى أنه سيصبر إلى أن تتيح له الفرص محو هذه البدع الإلحادية والرجوع

بالإسلام إلى أصله، وقد جاءتنا الأنباء من مصادر كثيرة مؤيدة لرأينا هذا.

نقلت لنا الصحف خبر تنفيذ هذه البدعة الجديدة فلم نجدد في إنكارها قولاً غير

الذي قلناه ونشرناه من قبل؛ ولكن ذكرها أحد إخواننا المسلمين في مقال له

بالعرض مستنكرًا لها، ولم يستنكر فيه ما عرفه من التراجم قبلها، فحرك من

أنصار هذه الحكومة بمصر ما كان ساكنًا، وهاج من شيعتها ما كان كامنًا، فسددت

إلى طعنه أسنة الأقلام مقدسة لهذه الحكومة ومنزهة لها عن الملام، بأنها جاءت

بالمعجزات، وفاقت جميع البشر في التجديد الذي تقتضيه حال الزمان والقضاء

على ذلك البالي القديم من دين الإسلام؛ وإنما هو دين الله العام الباقي إلى آخر

الزمان.

ومن التجديد الذي يليق بالقرن العشرين عندهم أن تترك الشريعة الإسلامية،

وينقل القرآن من حروف العربية التي وصفها نصيرهم في مصر بالوثنية، وزعم

أن الغرض من ترجمته فهم الترك له واهتداؤهم به، واستفادتهم من عقائده وقواعده

ومواعظه وأحكامه، وأن من الجهل والعبث تكليفهم التعبد بكلام لا يفهمونه، فمن

فضائل حكومة الترك اللادينية الجديدة أنها جددت الإسلام لأهله من شعبها، بما

جهله أو ضل عنه جميع المسلمين من قبلها، من عهد رسول الله صلى الله عليه

وسلم إلى هذا القرن الرابع عشر للإسلام، والعشرين للمسيح عليه السلام، فهو من

معجزاتها ومننها على رعيتها الإسلامية.

وربما كان هذا الذي فعلته هذه الحكومة أجدر بوصفه بالمعجزات (بالمعنى

اللغوي) من الانتصار على اليونان وإخراجهم من عقر دار الترك؛ فإن هذا على

حسنه وحمدنا له في وقته، دون انتصار الحكومة الحميدية بقيادة أدهم باشا على

اليونان في بلاد اليونان نفسها، ودون انتصار فرنسة والولايات المتحدة في أمريكا

على المتغلبين على بلادهم، ودون انتصار صلاح الدين الأيوبي وغيره على الدول

الصليبية كلها، وإخراجها من البلاد المقدسة وغيرها، وما وصف شيء من ذلك

بالمعجزات، وأما هذا الانقلاب الديني الجديد فقد عجزت عن مثله كل دولة تولت

السياسة والحكم في الشعوب الإسلامية؛ ولكن فعل أكبر منه بطرس الأكبر ثم

البلشفك في روسية.

دافع المنكر الأول لهذه الفعلة عن نفسه، وكتب المقال في إثر المقال في تأييد

رأيه، وانتصر له آخرون، وحمي وطيس الجدال بين الفريقين، وكثر اعتراض

كل كاتب على مناظره حتى فيما هو خارج عن موضوع المناظرة من مسائل

تاريخية أو كلامية، حتى طرق بعضهم باب البحث في كلام الله تعالى الذي هو

صفة ذاتية له، وكُتبه المنزَّلة على رسله بألسنة أقوامهم، وفي هذه المباحث من

الفلسفة القديمة والنظريات الغريبة من المتكلمين ما كان من مصائب المسلمين في

عصر رواج تلك الفلسفة.

ورجع بعض المدافعين عن الحكومة التركية إلى كتب الفقه لعلهم يجدون في

آرائها الشاذة ما ينصبونه حجة على جعل القرآن العربي المنزل خاصًّا بالعرب،

وجواز إيجاد قرآن تركي للترك، وقرآن فارسي للفرس، وقرآن هندي للهنود،

وقرآن صيني للصينيين

إلخ، فوجدوا فيها رأيًا لأبي حنيفة في جواز الترجمة؛

ولكن نقل فقهاء مذهبه أنه رجع عنه، وأن المعتمد في المذهب رأي أصحابه في

حكم من يعجز عن أداء ما فرض الله عليه في الصلاة من قرآن بالنطق به كما أنزله

الله عربيًّا غير ذي عوج، وهو أنه يترجم له بلسانه، وهي ضرورة تقدر بقدرها

فلا تباح لغير العاجز عن النطق ما دام عاجزًا، وسواء أصح هذا الرأي أم لم يصح

فرأي المجتهد ليس حجة في الإسلام على غيره؛ ولكنه هو يعذر به، وكذا من قلده

فيه لثقته به، وسواء أصح دليله أم لا فهو لا يتضمن جواز ترجمة القرآن كله بلغة

غير لغته يستغنى بها عن المنزل من عند الله تعالى، فهذا مما أجمع المسلمون كلهم

على عدم جوازه، وعلى أن من يفعله متعمدًا فهو زنديق مارق من الإسلام.

ووجدوا في بعض كتب الحنفية من الاحتجاج لأبي حنيفة في جواز الترجمة أن

سلمان الفارسي رضي الله عنه ترجم سورة الفاتحة لمن طلبها من قومه، فأجازه

النبي صلى الله عليه وسلم! ولم يرو هذا عنه أحد من حفاظ الحديث في الصحاح ولا

في السنن ولا في المسانيد المعروفة، والفرس لم ينتشر فيهم الإسلام في عصر

النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه علة في متن الحديث زائدة على كونه لا يعرف له

سند يحتج به، ومن المعهود في بعض كتب الفقه ولا سيما كتب الحنفية ذكر بعض

الأحاديث الضعيفة وكذا الموضوعة، ونقل النووي لهذا القول في كتابه المجموع في

فقه الخلاف لا يعد دليلاً على أنه روي بسند صحيح ولا سقيم كما توهمه بعضهم،

وهو لم يقل هذا والحكم مخالف لمذهبه، على أن النووي ليس من حفاظ الحديث

الذين عنوا بروايته وتدوينه؛ وإنما هو فقيه عالم بالحديث يرجع في نقله والحكم

عليه إلى مخرجيه من أصحاب دواوين السنة ويقل غلطه فيما يعتمده من تحقيقهم.

أقوى الشبهات للقائلين بترجمة القرآن

بيد أن الشبهة النظرية التي قَبِلها كثير من الناس الذين ليس لهم هوى في تأييد

الحكومة التركية من عصبية جنسية، ولا نعرة إلحادية، هي أن الإسلام دين عام

خاطب الله تعالى به جميع البشر المختلفي اللغات، ومن غير المعقول ولا الممكن

عندهم أن يكلف الله تعالى كل أمة وكل شعب أعجمي أن يترك لغته ويتعلم العربية

لأجل أن يمتثل ما أمره به من الاهتداء بكتابه وتدبره والاتعاظ به وامتثال ما فيه من

الأوامر والنواهي؛ وإنما المعقول الممكن (بزعمهم) أن يترجم القرآن لكل قوم

بلغتهم لأجل تبليغهم الدعوة إلى الإيمان به أولاً، ثم تعليم من آمن منهم ما أوجبه

وما حرمه الله عليهم فيه، وتغذية الإيمان بتدبره والتعبد بتلاوته.

ومن لا ينكر منهم أن تكليف الشعوب توحيد لغة دينها ممكن، ولا أنه وقع

بالفعل يقول إن شعوب الأعاجم لم يمتثلوه بل حافظوا على لغاتهم، وحرموا من

هداية القرآن نفسه اكتفاء بأحكام الإسلام التي دوَّنها لهم علماؤهم بلغاتهم، فالخير

لهم أن يترجم لهم القرآن فيستفيدوا من أخباره وحكمه وأحكامه ومواعظه، وإن

خلت الترجمة من تأثير بلاغته، وروعة أسلوبه ونظمه، وما تدل عليه عبارته

العربية من إعجازه، على أنه لم يعد أحد يفهم هذا منه بزعمهم.

هذه هي المسألة الوحيدة التي راجت شبهتها في سوق القائلين بجواز الترجمة

أو وجوبها، ولم نر أحدًا اقتنع بما حاول خصومهم دحضها به، وقد التجأ بعضهم

إلى علماء الأزهر فنشروا رأيهم؛ ولكن لم يوجد في كلام أحد منهم ما يشفي الغليل،

ويقيم الحجة على أن الإسلام جعل العربية لغة المسلمين كافة وأوجبها عليهم.

ولقد كثر علي المقترحون بأن أكتب في المسألة ما يُحق الحق ويُبطل الباطل

بما يزيح الشبهة ويكشف الغمة، كما تعودوه مني في أمثال هذه المشكلة، فكنت

أحيلهم على ما كتبته من قبل في المنار وفي الجزء التاسع من تفسير القرآن الحكيم،

وقد جمع وطبع في رسالة مستقلة يسهل على غير مقتني مجلدات المنار والتفسير

مراجعتها، بيد أنني رأيت بعضهم يقول إنه لا بد من كتابة مقال جديد في المسألة

فاستجبت لهم.

إنني لا أجادل ولا أماري أحدًا من أولئك الكاتبين، ولا أتوخى الرد على قول

من أقوالهم بالمناقشة في لفظه؛ وإنما أتحرى بيان الحق الذي ينطبق على الواقع،

فأبدأ بكلمة تختص بحظ الشعب التركي من هذه الترجمة، ثم أبين كيف كان تبليغ

الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن ودعوته إلى الإسلام، وكيف كانت سيرة

خلفائه الراشدين ودول الإسلام وأئمته في نشر هذا الدين، وكيف اهتدى به العرب

والعجم، وكيف يدعو النصارى إلى دينهم أيضًا، وهل تتوقف دعوة الإسلام على

ترجمة القرآن، أو دعوة النصرانية على ترجمة كتب العهد القديم والعهد الجديد عند

النصارى؟

ثم أبيِّن معنى كون اللغة العربية هي لغة الإسلام، التي لا يتم بدونها كون

المسلمين من الشعوب المختلفة أمة واحدة كما قرر القرآن، وكون أفرادها إخوة في

الدين كما وصفهم القرآن، وأقيم الحجة على إمكان هذا ووقوعه بالفعل، وعلى

كونه من أعظم أركان الإصلاح البشري الذي كان به الإسلام دين السلام، والتوحيد

الإنساني العام، الذي هو العلاج الترياقي لأدواء العداوة والبغضاء بين البشر التي

شكا منها الحكماء الأولون، ويشكو منها الحكماء الحاضرون.

حظ الترك من هذه الترجمة

إن الاهتداء بالقرآن منه ما هو فرض عين على كل مسلم من ذكر وأنثى،

كالقَدْر الذي لا تصح الصلاة بدونه، وما هو واجب أو مندوب (على ما بين الفقهاء

من الخلاف في مفهوم الفرض والواجب) في الصلاة لأجل كمالها، وفي غير الصلاة

من تدبره لتغذية الإيمان والعبرة والموعظة بما فيه من الترغيب والترهيب.

ومنه ما هو فرض كفاية كالعلم بما فيه من أصول الإيمان، وقواعد الإسلام،

وأنواع الأحكام، في العبادات والمعاملات والحظر والإباحة، والآيات البينات على

تلك الأصول والقواعد ولا سيما إعجاز القرآن.

ومنها ما هو من الفضائل والآداب، التي هي مزيد كمال في الدين.

فأما القسم الأول: فقلما يوجد مسلم تركي يجهله، فالترك شعب مسلم يعلمون

أولادهم متى دخلوا في سن التمييز فاتحة القرآن وبعض السور القصيرة بالعربية،

وكذا سائر أذكار الصلاة ويعلمونهم الطهارة الشرعية ويعودونهم الصلاة، كما يفعل

غيرهم من الشعوب الإسلامية عربها وعجمها، كما يعلمونهم معاني هذه التلاوة

والأذكار في الجملة، والذين يقصرون في تعليمهم معانيها من جهلة عوام القرى

والجبال لتعسره أو تعذره قد يسهل عليهم هذا التعليم في المكاتب والمدارس التي

تعنى حكومتهم بتعميمها لنشر لغتها وآدابها ودينها إذا ظلت إسلامية، ويمكن أيضًا

أن يستفيدوها من الوعاظ والمرشدين الطوافين إذا لم تمنعهم الحكومة اللادينية من

ذلك، فإذا منعتهم كان منعها أظهر برهان على تعمدها إخراجهم من الإسلام.

ولعله لا يكاد يوجد فيهم أحد يعجز عن النطق بالفاتحة والسورة الصغيرة

بالعربية، فيأتي في حقه ما ذكره فقهاء الحنفية من القول بالصلاة بترجمتها وسقوط

وجوبها مدة العجز، كما يسقط القيام في الصلاة عن العاجز عنه ما دام عاجزًا؛

وإنما يوجد هذا العجز عادة في الكبار الذين يدخلون في الإسلام وقد ملكت العجمة

عليهم ألسنتهم، وكان هذا يكثر في القرون الأولى التي يدخل فيها الكبار في الإسلام

أفواجًا، وهو قليل في هذا الزمان ولا سيما عند الترك التابعين للحكومة الجمهورية،

على أن كثرتهم وقلتهم سواء في سهولة تعليمهم ما ذكر.

وأما إخوانهم في تركستان الصينية - وهم الترك الخلص - فكل التعليم عندهم

باللغة العربية؛ وإنما التركية هنالك لسان العامة لا لسان القراءة والكتابة.

وليعلم القارئ العربي في مصر وغيرها أن المسلم التركي - وكذا الهندي

والفارسي والأفغاني وغيرهم - يجد من الخشوع ولذة وجدان الإيمان في قلبه كلما

قرأ أو سمع شيئًا من القرآن المنزل ما لا يجد مثله أكثر العوام من مسلمي العرب،

وإن لم يفهم شيئًا مما قرأ أو سمع؛ وإنما سبب هذا الخشوع والوجدان ما يستولي

على قلبه من تصور سماع كلام الله المنزل على أفضل النبيين وخاتمهم صلوات الله

وسلامه عليه وعلى آله، فمثله كمثل من يسمع نشيدًا موسيقيًّا لوطنه وهو من رجال

الوطنية، أو نشيد ملكه وهو من معظمي الملكية، وهو لا يفهم معنى هذا النشيد؛

وإنما يعظمه ويهتز له قلبه بقدر الباعث من حب الوطن أو الملك وتعظيمه {وَالَّذِينَ

آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ} (البقرة: 165) ولا نعني بهذا أنه ينبغي أن يستغنى به عن

فهم المعنى الخاص لكلام الله وذكره؛ ولكننا لا نستبعد أن يكون فهم المعنى المجمل

الوجيز من عبارة تركية رسمية أقل تأثيرًا في قلبه مما يجده من شعور الإيمان عند

تصوره الإجمالي أنه يقرأ أو يسمع كلام الله تعالى تعبدًا كما أمره الله ووعده بالأجر

والثواب في دار المآب، فجعل له بكل حرف عشر حسنات.

ومما ينقص الترجمة ولا سيما التركية أنها لا يتأتى بها الترتيل والتجويد

بالصوت الحسن الذي نعهده بالقراءة العربية؛ فإن من حكم هذا النظم البديع،

والفواصل التي هي مرتبة فوق مرتبتي الشعر والتسجيع أن يرتل بها القرآن بأنواع

النغم الذي يملك العقل والوجدان، وقد كانت تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم له

أقوى الأسباب لقبول الإيمان، واللغة التركية غير مستعدة لمثل هذه النغمات حتى

أنه ليس فيها من المد مثل ما في العربية.

ومن المعلوم عندنا بالبداهة أن هذه الحكومة اللادينية لا تقصد بمنع قراءة

القرآن بالعربية، ثم منع كتابة ترجمته بالعربية أن يفهم المصلون من شعبها ما

يقرءونه في الصلاة أو غيرها.

وأما التعبد بقراءة ترجمة القرآن لأجل تغذية الإيمان، والاعتبار والاتعاظ بما

فيه من الهدى والفرقان، فقد علم مما قلناه أنه لا يحصل بالترجمة الحرفية التي

أوجبوها؛ وإنما يرجى حصول شيء منه بالترجمة المعنوية التفسيرية التي يمنعونها.

وإن لديهم ترجمة منها لخصها بعض علمائهم من تفسير مطول بالتركية وافقت

عليه واستحسنته اللجنة الخاصة التي كانت مؤلفة من هيئتي تدقيق المؤلفات من قبل

مشيخة الإسلام التي ألفتها الحكومة الحاضرة ومن وزارة المعارف.

هذه الترجمة طبعتها ونشرتها المكتبة المعروفة في الآستانة باسم (سهولت

كتبخانه سي) سنة 1927 لصاحبها سميح لطفي أفندي، وكتب في طرتها ما يلي:

قرآن كريم ترجمة سي

توركجه مصحف شريف

(ملغا مشيخت ومعارف نظارتي تدقيق مؤلفات هيئتلري طرفندن متشكل

قومسيون مخصوصجه تدقيق وتقدير أولنان مفصل تفسير دان ملخص در) .

وكتب في رأس كل ورقة منه (توركجه قرآن كريم) وهذا خطأ عظيم.

ونظن أن هذه الترجمة أقرب إلى الصحة من سائر الترجمات التركية الحرفية

التي بيَّنا بعض أغلاطها في المنار وفي الجزء التاسع من تفسيرنا وجمع في رسالة

مخصوصة وطبع وحده؛ ولكني لا أشهد بصحتها كلها ولا أكثرها لأنني لا أفهم

اللغة التركية، ومما رأيت فيها من الخطأ تفسير الحروف المفردة في أوائل بعض

السور كـ (الم والمر وطس وحم) بما فسرها به بعض المفسرين من كونها مقتطعة

من أسماء الله المبدوءة بها.

ومن مزايا هذه الترجمة أن مترجمها وضع لها حواشي كثيرة لإيضاح ما يخفى

من معانيها لتوقف فهمه على معرفة سبب النزول أو بيان المجمل أو غير ذلك مما

يستحيل أن يفهم المراد منه بالترجمة الحرفية، ووضع في أثنائها جملاً تفسيرية بين

أهِلّة للإيضاح أيضًا.

فلو كانت الحكومة التركية تريد تسهيل فهم معاني القرآن على رعيتها المسلمة

لاكتفت بهذه الترجمة لمن يكتفي بالإجمال، وأباحت نشر ذلك التفسير التركي لمريد

التفصيل؛ ولكنها لم تفعل.

ومن المعلوم لنا باليقين أن تأثير القرآن المنزل في تغذية الإيمان، وتزكية

نفس الإنسان، وخشوعه لعظمة الديان، واتعاظه بما فيه من الهدى والفرقان،

وقصص الرسل عليهم الصلاة والسلام، مما لا يمكن الوصول إلى معشاره بقراءة

أي ترجمة له بأي لسان، وسيأتيك شرح هذا وأدلته بأوضح بيان.

وأما الاعتماد على هذه الترجمة التركية الرسمية المقترحة - ولما تتم - في

معرفة عقائد الإسلام وقواعده واستنباط الأحكام الشرعية منه فهو أبعد عن التصور

والتصديق مما قبله؛ فإن الاستنباط الصحيح من القرآن لا يكون إلا من نصوصه

المنزلة من عند الله تعالى من عليم بلغته: مفرداتها وأساليبها، وما فيه من مجمل

ومبين ومطلق ومقيد، وحقيقة ومجاز وكناية، وأسباب نزول لا يفهم المراد بدونها،

وبيان السنة لما أمر الله تعالى رسوله ببيانه منها، وكتب السنة كلها ممنوعة

بلغتها العربية وباللغة التركية أيضًا، إلى غير ذلك مما سنفصله بعد في تحقيق

الكلام في الترجمة.

وناهيك بترجمة تركية واللغة التركية أضيق اللغات المدونة المعروفة في مادتها

الأصلية؛ فإن أكثر مصادرها عربي وفارسي، وهم يستعملون العربي منها كثيرًا

في غير ما يستعمله العرب، وقد حاولوا من زهاء ربع قرن أن يستبدلوا بالألفاظ

العربية فيها ألفاظًا أخرى غير مألوفة، ثم إن كتابتهم للعربي وغيره بالحروف

اللاتينية يضيع على أهلها العلم بأصله الذي يجب الرجوع إليه في تحقيق المعاني،

بل ثبت أن كتابتهم للتركية بالحروف اللاتينية قد أضعفتها، ووقفت حركة انتشار

العلوم والفنون بها، فما عسى أن يكونوا قد استفادوه من ضبط الألفاظ في النطق،

قد خسروا أضعافه بسوء الفهم وضعف انتشار العلم.

وجملة القول إنه ليس للترك فائدة كبيرة يستفيدونها من هذه الترجمة الحرفية

للقرآن وكتابتها بالحروف اللاتينية تجاه الغوائل والمفاسد التي فيها، وقد بيناها

بالتفصيل في رسالتنا المطبوعة وسنزيدها بيانًا في هذا البحث.

فهذا ما يتعلق بعمل الحكومة التركية الذي أثار الجدال في المسألة، وجملة

القول فيه إنها أرادت بالترجمة التركية أن يستغني بها شعبها عن القرآن العربي

المنزَّل من كل وجه، لإبعاده عن معرفة حقيقة الدين الإسلامي الذي لا يمكن العلم

به من القرآن وحده بدون بيان الرسول صلى الله عليه وسلم له، ويليه تحقيق

الموضوع في نفسه من كل وجوهه، ودحض كل شبهة تعترض دونه.

هذا وإن ما ذكرناه في هذه المسألة ليس هو مقاصد هذا البحث الأساسية، فإن

ارتاب فيه أحد القارئين أو اعترض عليه فلا يعنيني أن أرد عليه أو أتصدى لإقناعه؛

وإنما المقصود عندي بالذات هو إثبات الحق في توحيد الإسلام للمسلمين في

عقائده وآدابه وعباداته وسياسته وأحكامه ولغته ليكونوا أمة واحدة، كل شعب وكل

فرد منها كالعضو من بدن الشخص، وبالله التوفيق.

_________

(*) كتبنا هذه المقالة في العام الماضي، ثم رأينا أن نجعل للموضوع مقدمة وهي ما نشرناه في الجزء الثالث الذي صدر في شهر ذي القعدة منه.

ص: 535