الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
فتاوى المنار
الطريقة الشاذلية
(س51) من صاحب الإمضاء بيافا
في رجب سنة 1347 ديسمبر سنة 1928
إلى حضرة السيد الإمام مفتي الإسلام سيدي محمد رشيد رضا مفتي المنار
المضيء حفظه الله، إنني مسلم موحد الله - لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم - وأريد أن أطلع على الحقوق المطلوبة مني للحق عز وجل، وأريد
أن أسألكم سؤالاً واحدًا يكون جوابه من لطفكم وعواطفكم لا حرمنا الله من متعتكم
الدنيوية، وأريد نشره في مجلتكم (مجلة المنار) التي أتمنى لها خير النجاح وهو
كما يأتي، ولكم الأجر والثواب عند الله الواحد القهار.
ما هي الطريقة الشاذلية؟ منافعها، مضارها، تأثيرها، مقصودها، خطتها،
نشوءها، نموها، وإن كان عندكم شيء زيدوا على ما سألت أنا ولكم الفضل سيدي.
ملاحظة: إن الذي أجبرني على أن أسأل حضرتكم هذا السؤال هو شيء
واحد، وهو أخي يعرض عليَّ دخول هذه الطريقة ومسلكها، وأيضًا الذي جعلني
أن أمتنع عن القبول هو كلام الناس يحكون في حقها ما لا تقبله المسامع، فيا ترى
هذا الكلام صحيح أم لا؟ أخبرنا فإن كان لا فتكون أولاً نفعتني وثانيًا نفعت الذي
يريد أن يسلك في هذا المسلك، فلهذا سألت هذا السؤال وأملي بأن ينشر على
صفحات مناركم مع جوابه ولكم الفضل سيدي ومولانا.
…
...
…
...
…
...
…
... رجب برزق
…
...
…
...
…
أحد مستخدمين السيد أحمد محمود الشريف
(ج) كان سبب تأخير الجواب عن هذا السؤال أنني كنت أريد أن أكتب
خلاصة تاريخية لهذه الطريقة وفروعها، ولا سيما الفرع الذي انتشر واشتهر في
فلسطين بدعوى الحلول والجمع بين النساء والرجال في الأذكار والخلوات وغير
ذلك من المنكرات التي أشار إليها السائل بقوله: يحكون في حقها ما لا تقبله
المسامع، وهذه الخلاصة تتوقف على بحث ومراجعة، ولذلك مرت هذه السنوات
ولم أجد لها فراغًا، ونسيت هذا السؤال بل ضل عني بين الأسئلة المهملة لأسباب
مختلفة منها سبق الجواب عن مثلها ومنها انتظار الفرص للبحث عن موادها وأدلتها
كهذا السؤال، وإن أكثر فتاوى المنار في هذه السنين تُكتب بدون مراجعة شيء من
الكتب، وأقلها بعد مراجعة لا تستغرق وقتًا طويلاً، ولما نجد فرصة لكتابة هذه
الخلاصة.
والذي ننصح به للسائل عن الطريقة الشاذلية أن يتجنبها ويتجنب أمثالها من
هذه الطرائق التي بيَّن غرضها أحد كبار رجالها في القرن الماضي وهو السيد محمد
الزعبي الجيلاني شيخ الطريقة القادرية في طرابلس الشام وهو والد الأستاذ الكبير
السيد عبد الفتاح الزعبي نقيب السادة الأشراف والخطيب المدرس في الجامع الكبير
المنصوري من زهاء قرن، فقد أخبرني هذا الأستاذ أن بعض مريدي والده سأله
عن سبب اختلاف أصحاب هذه الطرائق في عمائمهم وشاراتهم وأعلامهم وأورادهم
وأذكارهم مع دعواهم أن الغرض من سلوك كل طريقة منها معرفة الله تعالى
وعبادته الصحيحة، فقال له السيد المنصف رحمه الله تعالى: (تغيير شكل لأجل
الأكل) .
وأخبرني الأستاذ الشيخ محمد الحسيني أشهر علماء طرابلس لهذا العهد أنه كان
مرة في درس الشيخ الخضري الكبير في الجامع الأزهر فمرَّ بالقرب من الجامع
موكب لأهل الطريق بدفوفهم وصنوجهم وضجيجهم فسكت الشيخ عن تقرير الدرس
إلى أن بعدوا وخف صوتهم وقال لتلاميذه: إن جميع طرق الصوفية دخلتها البدع
إلا الطريقة النقشبندية والطريقة الدمرداشية اهـ.
ولكنني انتظمت بعد سماع هذا القول في سلك الطريقة النقشبندية فألفيتها لم
تخل من البدع، ثم اختبرت الطريقة الدمرداشية فوجدتها كذلك، ولكن بدعهما أهون
من بدع غيرهما فليس فيهما معازف ولا ملاه ولا أغاني ولا عبادة قبور، ولا أوراد
غير ذكر الله تعالى، وقد تكلمت على بدعة الرابطة عند النقشبندية وبدعة الذكر
بالأسماء المفردة عندهم وعند غيرهم من قبل، وأين هي من التيجانية والحلولية
والإباحية من الشاذلية الترشيحية وغيرها، فعليك أيها المسلم أن لا تقرب أحدًا منهم،
وإن لبعض من تفقه من شيوخهم فائدة في إرشاد العوام إلى الصلاة والصيام وذكر
الله، وإن كان بعضه غير مأثور أو مبتدع كالذكر بالأسماء المفردة، وهو هو، وآه
آه، فلو اعتصموا بالمأثور لكان خيرًا لهم، وقد فصَّلنا هذه المسائل مرارًا، وعليك
بتلاوة القرآن والأذكار والأوراد المأثورة في السنة الصحيحة، وحسبك من
مختصراتها كتاب (الكلم الطيب من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم لشيخ
الإسلام ابن تيمية، فإن أحببت المزيد فعليك بكتاب الأذكار للإمام النووي أو
الحصن الحصين للمحدث الجزري.
***
استعمال الماء
الممزوج بالسموم وجراثيم الأمراض المعدية
(س52 و 53) من صاحب الإمضاء في زنجبار:
حضرة العلامة الأستاذ الكامل السيد محمد رشيد رضا متعنا الله بوجوده:
(1)
ما تقول فيمن بنى مسجدًا وجعل فيه موضعًا لقضاء الحاجة وموضعًا
للطهارة بالحيطان، وكان الاسم ينطلق بالمسجد، فهل يجوز ذلك والحال أن الاسم
اسم المسجد.
(2)
وما تقول في ماء بلغ قلتين، وتوضأ صاحب القروح فيه وأهل
الأمراض العدوية، وحكم أهل الخبرة بحدوث الأمراض بالمتوضئين، فهل يعمل
قولهم بالاجتناب عن هذا الماء الذي بلغ القلتين ولم يحمل خبثًا؟ أفتوني أثابكم الله
تعالى.
لا زلتم عامرين لما اندرس من المعالم الدينية.
…
...
…
...
…
...
…
... من العبد المسيء
…
...
…
...
…
...
…
... قناوي بن عيسى
…
...
…
...
…
...
…
... بزنجبار
(ج) يجب اجتناب استعمال الماء الذي دخلت فيه جراثيم الأمراض الوبائية
والأدواء المعدية في الوضوء وغيره كالهيضة الوبائية وقروح الزهري والطاعون
والسل لا لنجاسته الفقهية، بل لاتقاء ضرر سمومه المرضية، وأما السؤال الأول
فلم نفهمه فإن كان المراد منه أن المستنجين ينجسون جدران المسجد فعملهم غير
جائز ولا يعقل أن يعد الواقف جدران المسجد لذلك.
***
أسئلة من جاوة
في ولادة عيسى عليه السلام
(س54 - 56) من الأستاذ المرشد الشيخ محمد بسيوني عمران إمام
مهراج (سمبس برنيو) .
حضرة صاحب الفضيلة الإمام العلامة الحجة، مولاي الأستاذ السيد محمد
رشيد رضا صاحب المنار الأنور نفعني الله تعالى والمسلمين بعلومه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإني قرأت في بعض المجلات
الملاوية مقالة مطولة لبعض الطلبة الملاويين في بيان ولادة عيسى ابن مريم قال
فيها إنه لا بد لولادته من أب؛ لأن الله قال في كتابه: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 62) وقال تعالى: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر:
43) ورفض الأقوال المؤيدة بدلائل القرآن أن عيسى ولد بغير أب، وقال غيره
من بعض أصحاب المجلة: ليأتنا من يعتقد أن ولادة عيسى بلا أب بآيات القرآن
والأحاديث النبوية مع بيان درجتها ومآخذها.
هذا، وإني قد قرأت تفسير المنار لسورة آل عمران في بيان ولادته بلا أب
ورأيت فيه ما يشفي الغليل من الذين يريدون الحق وإزهاق الباطل وفهم مراد الله
من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ولكن لما صارت هذه
المسألة موضع النزاع الآن عندنا بين طلاب الأدلة من الكتاب والسنة جئت باب
فتاوى المنار سائلاً عن هذه المسألة ليكون جوابه عنها هو القول الفصل كما سبق له
مما به أجاب، أنه الحكمة وفصل الخطاب، وها أنذا أصور الأسئلة كما يأتي:
1-
هل ولادة عيسى ابن مريم بلا أب مجمع عليها أم لا؟ وهل يكفر من
جحدها أم لا؟
2-
هل آية {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران: 47) نص
في أن ولادة مريم لولدها عيسى بلا أب أم لا؟ وهل كذلك آية سورة مريم {قَالَتْ
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِياًّ} (مريم: 20) أم لا؟
3-
هل وردت أحاديث نبوية يصح الاحتجاج بها على هذه المسألة أم لا؟
فإذا وردت فما درجتها من الصحة وفي أي كتاب أو كتب هي؟
هذا، وتفضلوا بالجواب عن هذه الأسئلة في أقرب وقت ممكن، ولكم مني
ومن الناس الشكر الجميل، ومن الله الأجر الجزيل.
…
...
…
... سمبس برنيو الغربية 25 صفر سنة 1351
…
...
…
...
…
...
…
محمد بسيوني عمران
أجوبة المنار
ولادة عيسى ابن مريم عليه السلام من غير أب مجمع عليها ومستند الإجماع
نصوص القرآن المجيد يكفر من جحدها على علم، وأما الآيتان اللتان في السؤال
الثاني فهما في البشارة به وبأنه يكون بقدرة الله تعالى لا بالسنن العامة في الحمل
والوضع، وفي بقية القصة خبر الولادة وجملة الآيات نص قطعي في المسألة،
وورد فيها أحاديث مختلفة الدرجات في الصحة وما دونها دلالتها دون دلالة آيات
القرآن القطعية الرواية والدلالة، فلا ينبغي لمسلم أن يلتفت إلى ما يهذي به الملاحدة،
ولا أتباع مسيح الهند الدجال غلام أحمد القادياني وراجع ما كتبناه في الرد على
ملحد دمنهور في شبهة السنن الكونية وهو في الجزء الأول من منار هذه السنة، فقد
بيَّنا بها جهل من يماري في هذه الآيات بأنها على خلاف سنن الله تعالى في الخلق،
وكذلك الفصل الذي عقدناه في الآيات الكونية من بحث الوحي، وهو في الجزء
الثامن الماضي، ففيه القول الفصل في معنى سنن الله وآياته ومنه المسيح وأمه
عليهما السلام.
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
المنار ومجلة مشيخة الأزهر
نشرنا في أشهر الصحف اليومية الإسلامية مقالات عنوانها (بيان للأمة في
جرائدها) فيما شجر بيننا وبين مجلة مشيخة الأزهر من التنازع في نصرها للبدع
الاعتقادية والعملية وتأويلها لما يخالف النصوص والسنن القطعية، وإنكارنا عليها
بما يؤيد النصوص والسنن التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وسلف الأمة الصالح وطعنها فينا وافترائها علينا لعجزها عن الرد العلمي، وإننا
ننشر هذه المقالات - ولما تتم - في المنار لأنها من أهم مسائل تاريخ الإصلاح
الذي أنشئ له ونهض به، ولنا أن نختصر وننقح هنا بعض العبارات اجتنابًا
للتكرار الذي لا يحسن في المجلات.
***
المقال الأول
في موضوع التنازع بين المجلتين
أو بين الإصلاح والجمود والبدعة والسنة
ونشر في الجرائد في 20 جمادى الآخرة الموافق 20 أكتوبر
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ
سُلْطَاناً نَّصِيراً * وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:
80-
81) .
وقع تنازع بين مجلة المنار ومجلة الأزهر والمعاهد الدينية الرسمية (نور
الإسلام) تعدت هي فيه البحث العلمي إلى الطعن الشخصي، فأحببت أن ينحصر
ردي عليها فيها ليعلم قراؤها الحق فيما نشرته من العلم والدين، فأرسلت إليها
المقالة الأولى من الرد فلم تنشرها، بل نشرت في الجزء الذي كان ينتظر نشر الرد
فيه مقالاً آخر في الطعن علي، وانتقل البحث إلى الصحف اليومية فنشر فيها
مقالات لأفراد من العلماء يذكرون فيها مسائل مما اتهمني به الشيخ يوسف الدجوي
من هيئة كبار العلماء في الأزهر وأحد محرري مجلته، ويردون عليه فيها، ثم
رأيت له مقالات يرد فيها على بعضهم ويطعن عليَّ وعليهم، ثم رأيت في بعضها
خبر سعي صاحب الفضيلة العلامة المصلح الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار
المصرية للصلح وتمامه في داره، ووصل إلي بعد عقد هذا الصلح رسالة مطبوعة
باسم أخص تلاميذ الأستاذ الدجوي من علماء الأزهر، وهو قريبه وأمين سره
المساعد له على الطعن الذي يكتبه له، نشر فيها بعض ما كتبه الأستاذ الدجوي في
الطعن في مجلة الأزهر أخيرًا، وما كان نشره في بعض الجرائد من الطعن قديمًا
مع تعليقات وقصائد في إطراء أستاذه، بل إطراء الأستاذ لنفسه بأنه إمام المسلمين
وحامي حمى الدين....، وهجوي وتكفيري بما يتعجب كل من رآه لصدوره عن
أحد رجال العلم والدين كقوله:
أترى أنك البصير بشيء
…
أنت فيه كالكلب والخنزير
وكفى أن عافاهما الله من رؤ
…
ية وجه كوجهك المقذور
وهذا الطعن مما يعاقب عليه القضاء قطعًا؛ ولكنه هو نفسه أشد عقابًا لمجترحه
في نظر أهل الدين والعلم والأدب، أو كما قال المتنبي:
فذاك ذنب عقابه فيه
ورأيت الناس يطالبونني قولاً وكتابة بالرد على مطاعن مجلة الأزهر
ويتعجبون من سكوتي عنها حتى نشر هذا بعضهم في جريدة السياسة الغراء؛
وإنما كان سكوتي إلى الآن أنني وعدت به فضيلة المفتي إلى أن يبلغ غاية شوطه
من السعي للصلح، وقد وفيت له بوعدي، وظهر له صدقي وخداع الدجوي.
وبقيت مجلة الأزهر والمشيخة التي تصدرها، فسنرى ويرى الناس ما سيكون
من أمرهما بعد ظهور هذه الجرائم من اثنين من علماء المشيخة في مجلة المشيخة
وفي رسالة تباع في الأزهر نفسه، فالأستاذ الأكبر شيخ الأزهر هو المسئول عن
شرفه وشرف مجلته وعلمائه، ولم نعلم أنه صدر عنهم في زمن من الأزمان مثل
هذا ولا ما يقرب منه.
وها أنذا أبيِّن للأمة في جرائدها اليومية موضوع الخصام والصلح الذي
يسألونني عنه؛ لأنه يتعلق بأمر دينها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم وما طرأ عليه من البدع والشبهات، وموقفها بين الإصلاح والخرافات،
وما يجب عليها من معرفة الفصل فيه بين الحق والباطل، إذ لم تعد المسألة نزاعًا
واختلافًا بين مجلتين يحسن ألا تعدو صحائفهما، ولا بين شخصين مختصمين، بل
تعدتهما إلى مسألة الإصلاح الإسلامي الذي يتوقف عليه حفظ الإسلام في هذا
العصر، ومسألة الجمع بين الإسلام الصحيح وعلوم العصر التي تتوقف عليها عزة
الأمم واستقلالها، ومسألة جمود الأزهر الماضي وتجديده الحاضر والمستقبل،
والتنازع بين النابتة التي نجحت فيه بإصلاح الأستاذ الإمام، وبقايا أعشاب الجمود
الضارة التي تعوق نماءها، واستواءها على سوقها، وإيتاءها أُكُلها بإذن ربها.
ضاق الأزهر الحديث ذرعًا بما كان من جموده في القرون الأخيرة، فطفق
ينسلخ منه ببطء ثم بسرعة واستعجال يخشى أن يكون معه الزلل، فيتبع مدرسة
دار العلوم في نزع آخر مشخصات رجال الدين عنه؛ فإن جذب الاستقلال العصري
له صار أقوى من جذب الجمود السابق، وهو في أشد الحاجة إلى موقف الاعتدال
في الوسط الذي اختطه له الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى وفيه بعض تلاميذه ومريديه
ولكنهم يستترون لإخراج بعضهم منه إخراجًا إداريًّا غريبًا ويحتاجون إلى قوة
وزعامة تمكنهم من موقفهم في الوسط، وحمل الميزان القسط، وقد شعر أنصار
الجمود بقرب زوال دولتهم وجاههم الأزهري فأجمعوا أمرهم وهم يمكرون ونهضوا
بحملة جديدة على الإصلاح سأشرحها بعد بما يدهش عقلاء الأمة ويشغل صحفها
وأقتصر في هذه المقالة على مثار الخلاف بين المجلتين فأقول:
كانت طريقة الأزهر في التعليم قبل مجيء السيد جمال الدين الأفغاني إلى
مصر إلزام الطلبة قبول كل ما في كتب التدريس وما يقوله لهم المدرسون بالتسليم
وعدم الاعتراض، عقلوه أم لم يعقلوه، وطريقة الأستاذ الإمام التي استفادها من
الأفعاني وجرى عليها بالدعوة وبالعمل في دروسه الدينية والفنية والعقلية أن لا يقبل
أحد كلام أحد بالتسليم الأعمى، بل يجب الفهم والاستدلال المؤدي إلى الإقناع
والتفرقة بين كلام المعصوم وغير المعصوم.
في كتب التعليم في الأزهر وغيرها ما يخالف اليقينيات القطعية حتى الحسية
منها، ويرى طلابه وغيرهم في كتب التفسير وشروح الأحاديث مشكلات اضطرب
العلماء في حل عقدها، ويرون في بعض أجوبتهم عنها ما لا يقنع من يريد أن يفهم
ويعلم، ويرون أن عالمًا واحدًا من المحدثين الفقهاء قد ألَّف أربع مجلدات في
الأحاديث المشكلة سمَّاه (مشكل الآثار) وهو الإمام الطحاوي، ويرون مع هذا كله
في علمائهم المدرسين من يفتي بكفر من يستشكل حديثًا صححه أحد المحدثين ولا
سيما الشيخين رضي الله عنهما، ويلتمس لنفسه مخرجًا من الإشكال، وقلما كان
أحد منهم يجترئ على سؤال شيوخه الجامدين عن ذلك لئلا يرموه بالكفر.
مثال ذلك أنه يوجد في الصحيحين وغيرهما حديث مرفوع خلاصته أن الشمس
تذهب حين تغرب في آخر النهار فتغيب عن الدنيا وتصعد، فتسجد تحت العرش،
ثم تستأذن ربها بالطلوع في اليوم التالي، فيأذن لها فتطلع وأنه سيأتي وقت تستأذن
فيه فلا يُؤذن لها، ثم تؤمر بالطلوع من مغربها.
استشكل هذا الحديث كبار علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين، ولا سيما
الذين عرفوا علم الفلك والمواقيت والجغرافية بأنه مخالف للحس وما تقرر في علم
الهيئة الفلكية، وصرح إمام الحرمين الشهير في القرن الخامس بما يصرح به
علماء هذا العصر من أن الشمس في كل وقت تغرب عن قوم وتطلع على قوم
…
إلخ؛ ولكن لا يزال في علماء الأزهر وغيرهم من يفتي بكفر من لا يؤمن بظاهر
الحديث ويسمونه مكذبًا لله ولرسوله! صرَّح بذلك الشيخ يوسف الدجوي في مجلة
الأزهر الرسمية، ولما تنكر ذلك عليه مشيخة الأزهر المسئولة عن هذه المجلة،
فكيف يستطيع الموقن بأن الشمس لا تغرب عن الأرض طرفة عين أن يكون مسلمًا
على رأي هؤلاء العلماء؟ وجميع طلبة الأزهر الذين يدرسون فيه علم الجغرافية
يوقنون بأن الشمس لا تغيب عن الأرض طرفة عين، وجميع المتعلمين في
المدارس النظامية موقنون بهذا، ومنهم أمراؤنا وحكامنا ومحررو صحفنا أجمعون
أكتعون أبصعون.
وإنني قد ذكرت في المنار وفي تفسيره علة علمية تنفي صحة سند الحديث
على طريقة المحدثين ومخرجًا من دلالة متنه على ما ينافي الحس لم أر أحدًا وُفِّق
لهما قبلي، وسأذكرها في الرد العلمي على مجلة المشيخة.
كان الأستاذ الإمام مرجعًا لكل من يعرض له إشكال أو شبهة في دينه، ومن
خطة المنار التي جرى عليه من أول نشأته التصدي لدحض الشبهات وحل المشكلات
الدينية والعقلية والعلمية بالأدلة الجامعة بين المعقول والمنقول.
وقد علمنا أن بعض الجامدين كان يطعن علينا بما نكتبه لنحفظ على المشتبهين
والمستشكلين إيمانهم بصحة كل ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله
عليه وسلم من أمر الدين، وحملني هذا على أن أنشر في أول كل جزء من مجلد
من مجلدات المنار إعلانًا أدعو فيه العلماء وغيرهم إلى الكتابة إلي بما يرونه منتقدًا
فيه من المسائل الدينية وغيرها، مع الوعد بأن أنشر ما يرسلونه إلي بشرط أن
يقتصر فيه على المسائل المنتقدة والدليل على ما يراه الكاتب من الخطأ فيها من
غير زيادة ولا استطراد، وأبيِّن رأيي فيه، وما زلت أفي بما وعدت.
كبر على الجامدين والخرافيين اشتهار مجلة المنار في العالم الإسلامي وما
يرونه فيها من استفتاء مسلمي الشرق والغرب إياها في كل ما يشكل عليهم من أمر
دينهم، ولا سيما شبهات الماديين والمبشرين وغيرهم، وكبر عليهم نشرنا لمناقب
الأستاذ الإمام وإصلاحه وتجديده للإسلام فيها وفي تفسير المنار وفي التاريخ العظيم
الذي دونا فيه مناقبه في ثلاثة مجلدات بلغت صفحات الجزء الأول منها 1134
صفحة ما عدا المقدمة وصاروا لا يدرون كيف يقاومونها.
تصدى الأستاذ يوسف الدجوي منذ بضع عشرة سنة (1335) للطعن على
الأستاذ الإمام والتحرش بالمنار، فبدأ بنشر مقالات في جريدة الأفكار في الإنكار
على ما نشرناه في تفسير قوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: 1)
من أن النفس الواحدة ليست نصًّا في أبينا آدم عليه السلام، وأنه إن فرض ثبوت
قول الذين يقولون إن للبشر عدة أصول أو نظرية دارون في اختلاف الأنواع؛ فإن
القرآن يبقى على عصمته لا ينقضه شيء، هذا مجمل ما قرره شيخنا الأستاذ الإمام
في الأزهر وقرره قبله أستاذنا العلامة الشيخ حسين الجسر في كتابه الرسالة
الحميدية التي قرَّظها أكبر علماء سورية وعلماء الترك وغيرهم إذ ترجموها باللغة
التركية وكانت سبب حظوة مؤلفها عند السلطان عبد الحميد، ولم ينكر عليه أحد
هذا القول في مذهب دارون.
ولكن أحد علماء تونس الأذكياء انتقد عبارتنا في تفسير آية سورة النساء
وموافقتنا للأستاذ الإمام على ما قاله في المسألة بمقال نشرناه في المنار أجبنا عنه
من بضعة عشر وجهًا أقنعت هذا الأستاذ، وأما الشيخ يوسف الدجوي فلم أرد على
ما نشره في جريدة الأفكار؛ لأنه كان تحرشًا وطعنًا شخصيًّا بسوء نية غير مبني
على دليل علمي، فضلاً عن كونه نشره في جريدة يومية ولو كان بحثًا علميًّا
لأرسله إلى المنار كالأستاذ العلامة الشيخ محمد البشير النيفر التونسي.
ثم إن الأستاذ الدجوي كتب في سنة 1348 رسالة في الطعن على متبعي
السلف من عهد شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الآن غمز فيها الأستاذ الإمام بقوله بعد
اعترافه بأنه غني عن الثناء والإطراء: (ولكننا نعجب له وقد تربى تلك التربية
العقلية الفلسفية كيف يسير وراء كل ناعق من الأوربيين فيردد صدى صوته بلا نقد
ولا تمحيص، وقد يكون ذلك عندهم محل الظن والتخمين أو الفرض والتقدير،
وربما أول له الآيات الصريحة، أو السنة الصحيحة قبل أن يقام عليه البرهان، أو
يبارح محل الاستحسان، إلى أن قال: ولا داعي لأن نفيض في بيان تلك الآراء ففي
المنار منها شيء كثير) اهـ.
إنني على التزامي لتفنيد كل من يطعن في الأستاذ الإمام قدَّس الله روحه
أعرضت عن الأستاذ الدجوي ولم أعرض له؛ لأنه ليس ممن يُرَدُّ عليهم في نظري؛
ولكنني أشرت في فاتحة المجلد الحادي والثلاثين من المنار إلى قوله إشارة ولم
أُسمِّه وقلت إن الأستاذ الإمام لا يضيره مثل هذا القول فيه.
هل يسمع قول مثل الدجوي في الأستاذ الإمام (إنه يسير وراء كل ناعق من
الأوربيين) وهو هو الذي علَّم الأزهر استقلال الفكر وعدم قبول قول لغير المعصوم
بدون دليل؟ وهو هو الذي شرَّف مصر والأمة الإسلامية أمام أوربة بإكبار شيخ
فلاسفتها هربرت سبنسر لعلمه وعقله وبرَدِّه على موسيو هانوتو ذلك الرد الذي
اهتزت له أوربة والشرق، وألجأ ذلك الكاتب الكبير والوزير الشهير إلى الاعتذار
للإمام المصري بما هو مشهور، وهو الذي كتب في حقه العلامة المستشرق إدوارد
براون من أساتذة جامعة كمبردج الإنكليزية: إنني ما رأيت في الشرق ولا في الغرب
مثله.
بيد أنني أنكر على مجلة نور الإسلام الأزهرية الرسمية ما تنشره له من
المقالات والفتاوى في تأييد البدع الفاشية في عامة الأمة، ولا سيما بدع القبور
ومنكراتها والطعن على السلفية عامة والوهابية خاصة في هذا العصر الذي أظهر
فيه العالم الإسلامي كله في الشرق والغرب والوسط كمصر حرسها الله العطف على
الدولة السعودية والدفاع عنها، والانتقاد على الدولة المصرية لعدم اعترافها بها،
ولمنع حقوق الحرمين الشريفين وأهلهما من الحقوق الثابتة لهم في أوقاف مصر،
ولو كتب الأستاذ الدجوي ما ذكر في غير مجلة الأزهر الرسمية لما عنيتُ هذه العناية
بالرد على بعض ما كتبه ولم أقرأه كله.
وإنما أُعنى بما يكتب فيها لصفتها الرسمية؛ ولأنني أعد فضيلة شيخ الأزهر
مسئولاً عن الطعن الذي وجهته إلي مع كاتبه ورئيس تحرير المجلة جميعًا.
ظهرت مجلة (نور الإسلام) فأحسنت تقريظها في المنار وتمنيت لها أن تكون
خيرًا منه في خدمة الإسلام لما يرجى من دوامها بكونها لمصلحة إسلامية غنية لا
لشخص قد تموت بموته، ونصحت لها بما أملاه علي اختبار ثلث قرن في مثل
الخدمة التي أنشئت لها، وذكَّرت محررييها ومشيخة الأزهر ورياسة المعاهد الدينية
بأن تبعة ما يُنشر فيها ليس كتبعة ما يُنشر في المجلات والصحف الشخصية
ليتحروا فيما يكتبون.
كان المثير الظاهر لهذا الطعن فتويين مختلفتين في مسألة البدعة التي ابتدعها
المؤذنون بمصر في القرن الثامن، وهي زيادة السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم في آخر الأذان، ثم زيادة الصلاة مع السلام وزيادة نداء السيد البدوي أيضًا
بعد أذان الفجر، أفتيت في المنار بأنها بدعة في شعار ديني تدخل في عموم قوله
صلى الله عليه وسلم من حديث كان يقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: (وكل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم في صحيحه، وأفتت مجلة نور الإسلام
بأنها بدعة حسنة.
ثم نَشَرتْ للأستاذ الدجوي مقالاً طويلاً في الرد على ما كتبه المنار في هذه
المسألة أكثر فيه من الطعن والتهكم والغميزة والزراية على صاحب المنار والتجهيل
والتكفير له، وقذفه بأنه كذَّب الله ورسوله وعزا إليه مسائل لا يقول بها كلها ولا
ببعضها أحد يؤمن بالله وبما جاء به محمد خاتم النبيين عنه عز وجل وهي:
1-
إنكار الملائكة وتقرير أنهم عبارة عن القوى الطبيعية.
2-
إنكار الجن وتقرير أن الجن المذكورين في القرآن عبارة عن الميكروبات
3-
جواز تطبيق القرآن على مذهب داروين المخالف لقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} (آل عمران: 59) الآية.
4-
إفتاء التلاميذ المسلمين بالصلاة مع النصارى في الكنائس ليغرس في
قلوبهم النقية تلك الطقوس النصرانية، وينقش في نفوسهم الساذجة ما يسمعونه من
القسوس والمبشرين هناك، بهذا علل الفتوى المفتراة أي أنني أفتيتهم بهذا لأجل أن
يكونوا نصارى، فجعل العالم المسلم داعية الإسلام ومدرهه داعيًا إلى النصرانية،
وهو الذي قال القس زويمر أجرأ المبشرين على الطعن في الإسلام حتى إنه طعن
عليه في الجامع الأزهر: إنه لا يوجد في علماء المسلمين من يدافع عن الإسلام
بحجة وعقل إلا صاحب المنار.
5-
قوله - كبرت كلمة تخرج من فيه وعليه إثمها وعلى المجلة التي نشرتها
والمشيخة المتولية إصدارها - ما نصه: (بل وصل الأمر من مجتهدنا - الذي يبحث
في جميع شؤون الإصلاح الديني والمدني والسياسي كما يقول في مناره- أن اجترأ
على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم من أن
الشمس تسجد تحت العرش) وأطال في هذه التهمة بما خرج به عن موضوعها كعادته
حتى قال:
(فالشيخ إذًا مخطِّئ لله ولرسوله مكذب للقرآن والسنة، وإن شئت فقل: مجهل
لهما! ! فالشيخ يوسف الدجوي لا يُستغرب منه مثل هذا الافتراء والبهتان؛ وإنما
يستغرب نشر مجلة الأزهر له وهي لسان حال مشيخته.
6-
قوله: رد الأحاديث التي في البخاري وغيره الناطقة بأن آية (الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) كانت قرآنًا يُتلى، وقد رده كبار الفقهاء من قبل.
7-
رد الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في سحر النبي صلى الله عليه
وسلم، رد ذلك بتمويهات وخيالات لا نطيل بها، والذي طعن في صحة هذا الحديث
هو الأستاذ الإمام وسبقه إلى رده الإمام الجصاص، والتمويهات والخيالات التي
زعمها هي تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤثر في نفسه القدسية التي تتصل
بروح الله الأمين أن تسلط عليها نفس ساحر يهودي مدة سنة في بعض الروايات
وستة أشهر في رواية أخرى، حتى يتوهم صلى الله عليه وسلم أنه يقول الشيء ولم
يكن قاله، ويخيل إليه أنه فعل الشيء الذي يترتب عليه حكم شرعي كالغسل ولم
يكن فعله! ! .
هذا مبلغ تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم يجوِّزون عليه هذا ويجعلونه من
قبيل الأمراض البدنية حتى لا يجوِّزوا على البخاري أنه أخطأ في تعديل أحد من
الرواة الذين روى عنهم هو وغيره هذا.
هذه هي التهم التي أوردها في مقالة بدعة الزيادة على الأذان وحدها في سياق
طويل، فلما رأيتها شرعت في الرد عليها وأرسلت النبذة الأولى إلى فضيلة رئيس
تحرير المجلة مع كتاب خاص قلت له فيه إنه أهان نفسه وعلمه بقبوله لرياسة
تحريرها وألقيت التبعة عليه وعلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر في
نشرها، وإن المخرج لهما من التبعة السماح لي بما يوجبه عليهما الشرع وكذا
القانون من نشر ما أكتبه من الرد عليها، وبأنني أرضى بتحكيم فضيلة مفتي الديار
المصرية العلامة التقي الشيخ عبد المجيد سليم في ردي وما عسى أن يردوا عليه، لا
لمنصبه، بل لعلمه وإنصافه وتنزهه عن المحاباة.
وقد كبر على فضيلة المفتي ما نشرته المجلة وأخبرني أن فضيلة شيخ الجامع
استاء منه، وأنهما اتفقا على السعي للصلح، وسأبيِّن للأمة ما كان من أمر الصلح
وخداع الخصم فيه في المقال التالي.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
المقال الثاني
في السعي للصلح والمرحلة الأولى له في دار المفتي
(نُشر في الجرائد في 28 و29 جمادى الآخرة)
بيَّنت في المقال الأول ما كان من التنازع بين المنار ومجلة مشيخة الأزهر
(نور الإسلام) وأبيِّن في هذا كيف كان الصلح بدءًا وختامًا.
قد راع صاحب الفضيلة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية، وشق
عليه أن يرى في مجلة مشيخة الأزهر مثل تلك المقالة التي نشرتها في الجزء
الخامس بعنوان (صاحب المنار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الأذان) وإمضاء يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء بالأزهر، وهو هو
الغيور على شرف علماء الدين وعلى مجلة الأزهر، واستغرب ما فيها من التهم
التي رشقت بها مجلة المنار وصاحبها وهو من أعلم العلماء بقيمة المنار وما خدم به
الإسلام مدة 35 سنة، ويقتني جميع مجلداته، ويعرف شخص صاحبه معرفة علم
وأخلاق، وقد عرف مثار الشبهات لبعض التهم، وما فيها من تحريف الكلم، لعلمه
بما كان قرره الأستاذ الإمام أو كتبه فيها كمسألة الملائكة ومسألة سحر اليهودي
للمصطفى أعزه الله عز وجل وأجله وصلى عليه وسلم، وبما نشره المنار في
بعضها أو فيها كلها.
وكان أروع ما راع فضيلته وأغربه وأبعده عن الشبهات أن يرمى صاحب
المنار بإفتاء طلاب العلم في المدارس الأجنبية بأن يصلوا مع طلبة النصارى
صلاتهم في كنائسهم لأجل أن يكونوا نصارى! ! فلم يملك نفسه أن سألني بالمسرة
(التلفون)[1] عنها، وهل يوجد في شيء من مجلدات المنار عبارة يمكن أن تتخذ
شبهة عليها؟ فقلت: بل يوجد حجج كثيرة على ضدها آخرها فتوى طويلة في
الجزء الثالث من منار هذه السنة.
ثم إن الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر أخبر الأستاذ المفتي بأنني أرسلت إلى
مجلة (نور الإسلام) مقالة في استنكار جريمتها والرد عليها، وأن مقدمة الرد
شديدة اللهجة، خلافًا لما قاله كل من رآها في دار المنار إذ وصفوها بأنه في منتهى
اللين واللطف، ونيط السعي له بالمفتي للإجماع على إخلاصه وإنصافه، فأرسل
إلي رسولاً يكاشفني به ويعلم ما عندي تجاه هذا البهتان المبين، فسمع الرسول مني
ما لم يكن يحتسب من آيات الحلم وسعة الصدر، وهو أنني لا أشترط للصلح إلا أن
تنشر لي المجلة كل ما أرد به على التهم التي قذفتني بها ردًّا علميًّا لا طعن فيه ولا
سباب، ولا نبز بالألقاب، وأن الغرض منه أن يعلم الذين قرأوا تلك التهم الباطلة
ما عندي من الأدلة العلمية على افتراء بعضها وبطلان بعض وتحقيق الحق في
مسائلها، وهي مسائل اعتقادية وعملية شرعية يجب لهم على المجلة وعليَّ تمحيص
الحق فيها، وأنه ليس لي حظ نفسي في تحقير كاتبها بمثل ما قاله فيَّ، فبلَّغ المفتي
شيخَ الأزهر هذا الجواب، فاتفقا على أن هذا حق.
ثم دار الحديث بيني وبين المفتي في الموضوع بالمسرة، ثم بالمشافهة في دار
المنار إذ تلطف بزيارتي فيها في أول هذا الشهر (جمادى الآخرة - أكتوبر) وكان
مما قاله إنه متفق مع الأستاذ الأكبر على أن لي الحق في الدفاع عن نفسي وفي
كتابة كل ما أعتقد أنه حق وخدمة للإسلام والمسلمين؛ فإن هذا مما ليس لأحد أن
يطالبني بتركه، وأن على مجلة نور الإسلام أن تنشر لي ما أكتبه من الرد العلمي
الذي طلبته؛ وإنما المراد من الصلح عدم العود إلى طعن أحد في شخص الآخر
بتجهيل ولا غيره، وإنهما يرغبان إليَّ ترك الرد إلى أن نجتمع به ونبرم الصلح،
فوعدته بذلك.
ثم جاءني في ضحوة اليوم الرابع من الشهر الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي
رسول المفتي الأول وقال إن فضيلة الأستاذ المفتي يقرئك السلام ويخبرك بأنه كلم
الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي فيما اتفقتما عليه من أمر الصلح وشرطه فرضي به،
ووعد بأن يكتب هو في مجلة نور الإسلام عبارة يعترف فيها بخدمة المنار للإسلام
ومواقفك المحمودة فيها، وإن الاجتماع لعقد الصلح سيكون بدار فضيلته بعد عيد
الجلوس الملكي؛ لأنهم سيسافرون كلهم إلى الإسكندرية لأجله.
ثم بلَّغني المفتي في يوم الثلاثاء الحادي عشر من الشهر دعوته إيانا إلى الغداء
في داره، لأجل الصلح في يوم الخميس الثالث عشر منه فأجبت، ثم أرسل إليَّ
سيارته بعد الظهر من ذلك اليوم فوجدت عنده أصحاب الفضيلة الأساتذة الشيخ فتح
الله سليمان نائب المحكمة الشرعية العليا، والشيخ أحمد حسين مفتي وزارة الأوقاف،
والشيخ محمد الخضر رئيس تحرير مجلة نور الإسلام، والشيخ طه حبيب المدرس
بالأزهر والمحرر في مجلة نور الإسلام، والشيخ محمد حامد الفقي من علماء الأزهر
وخطباء المساجد، وكان معي ابن عمي السيد عبد الرحمن عاصم، وبعد وصولنا
بقليل جاء الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي فقمت له مع القائمين وصافحته،
واعتذر الأستاذ الأكبر عن الحضور بالتياث صحته، ولم نلبث أن قمنا إلى المائدة
النفيسة الدالة على سخاء صاحبها وحسن ذوقه.
وبعد الطعام خرجنا إلى حجرة القهوة والحديث، فافتتح فضيلة المفتي الكلام
بالشكر لنا على قبول دعوته إلى طعامه، وإلى ما هو خير منه وهو الصلح بين
المجلتين الإسلاميتين والمحررين لهما، وقال إن مجلة المنار تخدم الإسلام خدمة
جليلة منذ خمس وثلاثين سنة ولصاحبها فلان من البلاء والجهاد في هذه السبيل ما
عُرف له فضله فيه جميع العالم الإسلامي، وأصبح لمجلته مركز عظيم في نفوس
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومجلة نور الإسلام قد أنشئت أيضًا لأجل
هذه الخدمة للإسلام بعينها وتتولى إصدارها ونشرها أكبر هيئة دينية إسلامية،
فالموضوع واحد والقصد واحد، والحاجة إلى التعاون بينهما شديدة، وخصوم
الإسلام من الملاحدة ودعاة النصرانية (المبشرين) والفاتنين للعامة بإباحة الفسوق
والشهوات كثيرون، فالمصلحة الإسلامية قاضية بتوحيد عملهما، وفضيلة الأستاذ
الشيخ يوسف الدجوي يخدم الإسلام بعلمه وبالتحرير في مجلة نور الإسلام، فأجدر
بالشيخين وبالمجلتين أن يتحدا ويكونا إلبًا واحدًا على العدو المشترك، وقد شجر
بينهما من الخلاف ما أسف له الجميع، وغرضنا من هذا الاجتماع أن يتصافحا
ويتصافيا ويتناسيا الماضي المؤسف، فهذا ما يهمنا ويهم كل مخلص للدين وأهله.
هذه خلاصة ما فاه به الأستاذ المفتي، وتلاه الأستاذ الدجوي فقال إنه لا بد من
ذكر سبب الخلاف والشقاق وما يبنى عليه الصلح، وهو أن يكف الشيخ رشيد
إخوانه أو جماعته الوهابيين عن تكفير المسلمين وحملهم على عقائدهم أو مذهبهم
بالقوة واستباحة دمائهم، ويكف أتباعه - أو قال أذنابه - عن الكتابة في الصحف
وغيرها، وطفق يفيض في هذا الموضوع فعارضه المفتي قائلاً نحن لا نريد نبش
الماضي وبعثه من قبره بل نريد دفنه وتناسيه، ولا شأن لنا الآن بالوهابية ولا
بغيرهم؛ لأننا لا نحاول الصلح والاتفاق لمصلحة جماعة دون جماعة ولا هيئة دون
هيئة، بل نريد مصلحة المسلمين جميعًا، على أن يخدم كل منكما الإسلام بما يعتقده
من غير أن يمس كرامة الآخر.
حينئذ قلت: أما وقد قال الأستاذ الدجوي ما سمعتم فلا مندوحة لي عن جوابه
لأن الاتفاق والتعاون يتعذر مع سوء ظن كل منا بالآخر.
قد سمعتم ما يقول في الوهابية وما يرميهم به وأنه يعدني منهم مع سوء اعتقاده
أو ظنه بهم، وقد كتب كثيرًا في الطعن عليهم، وكان يذكرني في أثناء مطاعنه
بدون أدنى مناسبة ويلقبني بمفتيهم وبزعيمهم، فلهم في خياله أقبح صورة تتمثل في
شخصي.
القول الحق في الوهابية وسبب الطعن عليهم:
إنني أعلم حق العلم أنه ليس في الدنيا مذهب يصح أن يسمى مذهب الوهابية،
وأن أهل نجد الذين يلقبهم غيرهم بالوهابية لايلقبون أنفسهم بهذا اللقب، وهم حنابلة
ليس لهم مذهب غير مذهب الإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الذي يعترف له جميع
أهل السنة بالإمامة، بل انتهت إليه إمامة السنة في عصره بغير منازع؛ وإنما
ينسبون أنفسهم إلى السلف في العقائد وما كان أحمد إلا إمام السلف في عصره وما
زال أهل الحديث كلهم ينتمون إليه، وقد صرَّح الإمام أبو الحسن الأشعري باتباعه
له.
أما سبب اتهامهم بابتداع مذهب جديد في الإسلام فهو أن الدولة العثمانية قد
رأتهم قاموا بنهضة دينية في جزيرة العرب أيدتها إمارة آل سعود، فخافت أن
يؤسسوا دولة عربية تنزع منها سيادتها على الأمة العربية فحاربتهم بالسلاح،
وبنبزهم بالابتداع في الإسلام، وجعلت قتالهم لها - وهي المعتدية - دليلاً على
تكفيرهم المسلمين واستباحة دماء من لا يتبعهم في مذهبهم، وأغرت بعض العلماء
الذين يخضعون للسلاطين والحكام ويخدمونهم بكل ما يهوون أن يردوا عليهم،
فألَّفوا الرسائل في الطعن عليهم في دينهم، لتنفير عرب الجزيرة وغيرهم وصدهم
عنهم، كما أغرت الإمارة المصرية العلوية بقتالهم بعد أن استولوا على الحجاز
وعجزت عن إخراجهم منه.
وأما صاحب المنار فيعلم السادة الحاضرون وكل من يقرأ المنار أنه لا يقلد في
عقيدته أحدًا من الأئمة، فكيف يُعقل أن يقلد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على
فرض أن له مذهبًا خاصًّا غير مذهب الإمام أحمد وسلف الأمة؟ فمن لا يقلد الإمام
الأشعري وقد نشأ على مذهب الأشعرية فأجدر به أن لا يقلد الشيخ محمد ابن
عبد الوهاب.
الأستاذ الدجوي وجه عنايته في مجلة مشيخة الأزهر وغيرها إلى الطعن في
الوهابية وجعلهم شر خلق الله، وإلى تأويل البدع والخرافات الفاشية عند غيرهم
ونرى رزاياها ومفاسدها في بلادنا من توجه الألوف، بل الملايين من الجاهلين في
قضاء حاجتهم وشفاء مرضاهم والانتقام من أعدائهم إلى أضرحة الميتين حتى من لا
يعرف لهم في الإسلام ذكر ولا قدم صدق، وربما كانت أضرحتهم مزورة، فيشدون
إليها الرحال ويحملون إليها النذور ويقربون لها القرابين، ويفتيهم بجواز ما يفعلون
من استغاثة الموتى ودعائهم ويتأول لهم ذلك بالمجاز العقلي والمجاز اللغوي بقرينة
كونهم مسلمين موحدين، وكلنا نعلم أن السواد الأعظم منهم لم يتلق عقيدة الإسلام
من عالم ولا من كتاب من كتب الإسلام الصحيحة؛ وإنما يتلقونه عن أمهاتهم
وجداتهم وأقرانهم وَلِدَاتِهِمْ.
ثم إنه يعلم بما عليه الألوف من أهل البلاد من ترك الصلاة ومنع الزكاة، وكذا
الصيام، ومن استباحة السُّكر والزنا والقمار وغيرها من الموبقات، وأعني بهذا
عدم الإذعان النفسي العملي للأمر والنهي وهو حقيقة الإسلام، ثم إنه لا يكتب شيئًا
في مجلة مشيخة الأزهر في النصح لهؤلاء ولا لأولئك؛ وإنما يوجه همه إلى
الوهابية فيطعن عليهم ليردهم عما يتهمهم به من تكفير المسلمين واستباحة دمائهم،
وهو يعلم أنه يندر فيهم من يقرأ كلامه، وأن من عسى أن يقرأه منهم لا يعتد بعلمه
ولا بإخلاصه، وهم يعلمون من أنفسهم - كما يعلم كل من اختبرهم - أنه لا يكاد
يوجد في بلادهم كلها من يترك صلاة الجماعة، ولا من يجهر بفاحشة مبينة،
والسرائر علمها عند الله، وعلماء الوهابية لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة إلا بما
أجمع فقهاء أهل السنة على أنه كفر وردة عن الإسلام، فهم يخالفون مذهب الإمام
أحمد في هذه المسألة، وفي مسألة أخرى لا أعلم لهم غيرهما، وأعني بالمسألة
الأخرى أنهم يقدمون العمل بالحديث الصحيح المخالف لرواية المذهب عليها؛ ولكن
اتفاق الأئمة الأربعة على ترك العمل بحديث آحادي يعدونه دليلاً على وجود مانع
من العمل به، كعلة في سنده أو معارض لمتنه من نسخ أو غيره، وما يذكرونه في
كتبهم من أحكام الردة فيقال فيه ما يقال في سائر أحكام الردة عند غيرهم من علماء
سائر المذاهب: إنها بيان للحكم منوط بالدليل قوة وضعفًا، ونحن نرى فقهاء المذاهب
كلها يختلفون في المسائل الاجتهادية من هذه الأحكام حتى أن ما يعد كفرًا وردة عند
الحنفية مثلاً قد يكون حرامًا أو مكروهًا عند الشافعية، فمثل هذا البيان لا يُسمى تكفيرًا
للمسلمين بالفعل لكثرة من تنطبق عليهم هذه الأحكام، ولا يترتب عليه سفك الحاكم
المسلم لدمائهم وإجراء أحكام الردة عليهم؛ فإن تكفير الشخص المعين لا يصح إلا
بحكم يبنى على ثبوت الردة مع مراعاة درء الحدود بالشبهات، كالتأول والجهل فيما
يعذر به الجاهل ونحو ذلك، ولهذا يحتاط جميع العلماء فيه ويشددون في النهي عن
تكفير الشخص المعين.
مثال ذلك أن الإمام أحمد يقول بكفر تارك الصلاة، فعلى قاعدة الأستاذ الدجوي
يصح أن يقال: إن هذا الإمام الجليل يستبيح دماء هؤلاء الألوف الذين نراهم في
وقت صلاة الجمعة تغص بهم أسواق القاهرة وشوارعها، وتكتظ بهم ملاهيها
وحاناتها، دع سائر الصلوات التي يمكن التماس العذر لمن يترك جماعتها بأنه قد
يصليها في بيته، فإن صح هذا القول عند الأستاذ في إمام الأئمة أحمد بن حنبل،
فكيف يعاب به أتباعه الملقبون بالوهابية؟
إن النجديين يخالفون إمامهم في مسألة التكفير بترك الصلاة لأنها ليست
إجماعية في غير المستحل للترك، الذي لا يذعن للأمر والنهي، كما قلت آنفًا.
ها نحن أولاء نرى حكومتهم في مكة المكرمة تقيم حدود الشرع كلها، فتقطع
يد السارق، وتقتل القاتل، وتقيم الحد على السكران، إذا ثبت عليهم ذلك شرعًا،
ولم نرها ولا سمعنا عنها، أنها أقامت حد الكفر على أحد ممن على غير مذهبها
الحقيقي وهو مذهب أحمد بن حنبل، ولا مذهبها المزعوم الذي يقول الأستاذ
الدجوي إنها تجبر الناس عليه بالقوة، مع علم الملايين من الناس أن أهل الحجاز لا
يزالون على مذاهبهم.
ولا أنكر مع هذا البيان أنه يوجد في النجديين غلاة في الدين، ولا سيما قريبي
العهد بالبداوة وجفوتها وجهالتها، وهؤلاء الغلاة الجاهلون يجتهد ملكهم بتحضيرهم
وتعليمهم، وقد قاتل في العامين الماضيين طائفة منهم كما هو مشهور، ولا تجد
مثل هذا الغلو في الحضر منهم، وأكثرهم أو كلهم يعرفون أمور دينهم، وأنا أرى
وكيل حكومتهم في مصر الشيخ فوزان السابق يصلي الجمعة في المساجد المتعددة،
فلو كان يعتقد أن أئمتها والمصلين فيها كفار لما كان يصلي معهم.
وإذا كان حال بدو زماننا على ما نعلم، فماذا نقول فيهم قبل بث النجديين للدين
فيهم؟ كانوا يجهلون جل عقائد الإسلام ويتركون أركانه، ويستحلون قتل الحجاج
وغيرهم، لتوهم ريال واحد يوجد عند أحدهم، وقد بطل هذا من نجد، ثم من
الحجاز بإرشاد هؤلاء الوهابيين وتنفيذ حكومتهم للشرع.
هذا ما قلته في مجلس الصلح ردًّا على الأستاذ الدجوي بإيضاح ما في العبارة
المكتوبة دون زيادة في أصل الموضوع.
وقلت أيضًا: إنني أنصح لهم - بل لملكهم نفسه - في كل المسائل التي تشرع
فيها النصيحة بمكتوبات خاصة لا بالتشهير في المنار أو الصحف؛ فإن هذا هو الذي
يرجى نفعه ويعد امتثالاً للأمر بالتواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وقد أبلغ في النصيحة والموعظة ما يستكبره ويستنكره بطانة الملك
السعودي؛ لأنني أسلك فيه طريقة السلف الصالح في موعظة الخلفاء والأمراء وهو
يحب هذه الطريقة، وقد ألفها من علماء قومه.
ثم إن الأستاذ الدجوي ادعى أنني أنا المتعدي عليه بالرد والتحقير، وإنه ليس
إلا مدافعًا عن نفسه فأخرجت من جيبي كتابًا كان أرسله إلى منذ 13 شهرًا هو
نموذج من رسالته التي أشرت إليها في الهجو والتكفير، فامتقع وقبع، وثنى صدره
ليستخفي منه، وشخصت إليه أبصار القوم حتى تمنى السيد عاصم لو كان بصيرًا
فيراهم؛ ولكنه قال: إنني اعترضت عليه قبل هذا فقلت عند دخول مجلة نور
الإسلام في سنتها الثانية إنها كانت جديرة بالتهنئة لولا ما ينشر فيها للشيخ الدجوي.
فقلت له: وهل تعد هذا كله عملاً بقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (الشورى: 40) .
ثم قال الأستاذ المفتي: حسبنا ما ذكر عن الماضي، ويجب أن ننظر الآن في
أمر الحاضر والمستقبل، ونعقد الصلح على عدم إثارة شيء مما تقدم، قال الدجوي:
لا بد أن يكف الشيخ رشيد أذنابه عما يكتبون في الجرائد انتصارًا له، فقلت أنا:
إنه ليس لي أذناب ولا أتباع، وهؤلاء الذين يردون على الأستاذ الدجوي وعلى
مجلة الأزهر في الجرائد ليسوا من أتباعي ولا من تلاميذي؛ وإنما هم من علماء
الأزهر، والمعروف منهم من أصدقائي وإخواني مستقلون في آرائهم وعلمهم، وأنا
من أشد الناس احترامًا لاستقلال الرأي وحرية العلم والمناظرة لأهلهما حتى تلاميذي
منهم.
ووافقني بعض الأشياخ الحاضرين على قولي، وقال أحدهم إن هؤلاء الذين
يكتبون في جريدتي السياسة والجهاد في الرد على مجلة المشيخة هم من علماء
الأزهر الذين فصلتهم المشيخة منه في العام الماضي، والسيد رشيد غير مسئول
عنهم لأن لهم مرمى آخر ووجهة أخرى، وما أظن أنهم يرجعون عن الكتابة مهما
يكن من أمر الصلح والنهي، فلا يصح أن نجعل كفهم شرطًا للصلح، وهذا لا يمنع
أن يرجوهم فضيلة السيد رشيد وغيره أن يخففوا من حدة أقلامهم ويقصروا كلامهم
على المناقشة العلمية الهادئة.
ثم دار البحث في الطريقة التي يمحى بها ما كان لما كتبه الأستاذ الدجوي في
مجلة نور الإسلام من أثر، فاتفق الجميع على أن يجاب السيد رشيد إلى ما طلبه
من الرد على المسائل التي اتهم بها كتابة علمية لا يعرض فيها لفضيلة الشيخ
الدجوي ولا لغيره بما يسوء من طعن شخصي، بأن يذكر التهم واحدة واحدة ويرد
عليها بما عنده من الأدلة والشواهد من مجلته وتفسيره، ويرسلها إلى رئيس تحرير
المجلة فينشرها فيها، ولأصحاب الفضيلة المفتي ونائب المحكمة الشرعية العليا
ومفتي الأوقاف الحاضرين الحكم الفاصل في موافقة ما يكتبه السيد لهذا الشرط أو
عدم موافقته، فرضي الفريقان بهذا.
وسأل الأستاذ الشيخ فتح الله سليمان: من المسئول بالتزام النشر في مجلة نور
الإسلام؟ فقال الأستاذ: رئيس التحرير الشيخ محمد الخضر والأستاذ الشيخ طه
حبيب المحرر فيها بموافقة الشيخ الدجوي إننا ننشر.
ثم ذكر الأستاذ المفتي ما كان سبق اقتراحه في مقدمات الصلح من كتابة الأستاذ
الدجوي في المجلة ثناء على الأستاذ صاحب المنار لأجل تحديده، فأبى الدجوي
البحث في تحديد ذلك، وقال إنه هو سيكتب ما يرجى أن يمحو أثر المقالتين وينشره.
واتفق الجميع على أنه يحسن في اتقاء تجدد النزاع أن يتشاور الفريقان فيما
يعرض للكتابة من المسائل الخلافية ويتفقا على الطريقة التي يكتبان فيها، كما
يحسن أن يتزاور الشيخ الدجوي والسيد رشيد لتأكيد المودة وتوطيدها، وتمنوا لو
يكون هذا الاتفاق تمهيدًا لعقد مؤتمر علمي لتمحيص المسائل وحل عقد المشاكل بين
العلماء وإصلاح حال المسلمين.
ثم نهضوا إلى صلاة العصر مسرورين مغتبطين شاكرين لفضيلة صاحب
الدار ومفتي الديار سعيه، وقدَّم هو السيد رشيدًا للصلاة بهم إمامًا، فسروا باقتداء
الشيخ الدجوي به في الصلاة إذ ظهر به أن ما كتبه في تكفيره نصًّا أو اقتضاء فهو
عقوبة لا عقيدة، وبعد أداء الصلاة بالجماعة قاموا لشرب الشاي والتحاور الأخوي
في شجون الكلام، ثم انصرف الجميع مسرورين.
ولم نكد نصل إلى دار المنار حتى علمنا منها أن مطبعة الأستاذ الدجوي التي
يتولى إدارتها ابنه فهمي أفندي بدأت توزع في القاهرة أثناء عقد الصلح رسالة
اسمها (صواعق من نار في الرد على صاحب المنار) فعلمنا أنه حضر مجلس
الصلح من جهة ونقضه في وقت عقده من جهة أخرى.
فهذه خلاصة خبر المرحلة الأولى لعقد الصلح، وسأبيِّن في المقال التالي ما
كان من دعوة فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر إلى استئناف الصلح،
واجتماعنا له في إدارة المعاهد الدينية، وفشل هذه المرحلة الثانية أيضًا، ويتلو ذلك
الرد على البهتان الذي ذكرت أمهات مسائله في المقال الأول من غير ذكر اسم
الشيخ الدجوي؛ لأني لا أرضى أن أكون مناظرًا له ولا خصمًا، وأعلم أن العاقبة
للمتقين.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(1)
كنت في أيام طلب العلم أطلقت على التلفون اسم المسرة من قول القاموس: المِسرة بكسر الميم: الآلة التي يسار بها كالطومار اهـ. ثم سماها الكُتًّاب السوريون الهاتف.
الكاتب: محمد رشيد رضا
المقال الثالث
المرحلة الثانية من مراحل الصلح
في إدارة المشيخة والمعاهد الدينية
في مساء يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة (وأكتوبر) التقيت في
احتفال وزير دولة الأفغان المفوض بعيد جلوس ملكهم (صاحب الجلالة محمد نادر
خان) بأصحاب الفضيلة شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ونقيب السادة
الأشراف وشربت الشاي معهم على مائدة واحدة، وجرى في حديثنا ذكر الصلح،
فقلت: إن الشيخ الدجوي قد نقض الصلح في أثناء عقده بتوزيعه لرسالته البذيئة
قال المفتي: ولكنك أنت لا تنقضه، قلت: وهل يكون الصلح من طرف واحد؟
وسألت شيخ الجامع هل اطلعت على الرسالة؟ قال: لا، فأخرجتها من جيبي
وقرأت له بعض الأبيات التي تخاطبني بالكلب والخنزير والوجه المقذور، وقلت
أهكذا تكون آداب علماء الدين؟ فامتعض وامتقع ووجم، وقال المفتي إن مثل هذه
الرسالة لا تؤثر في مقامك من العلم والدين وسعة الصدر، أو كلامًا بمعنى هذا،
قلت ولكنها تحط من قدر علماء الدين وشرفهم الذي يجب على الأستاذ الأكبر أن
يحافظ عليه، وأما أنا فأتمثل فيها بقول المتنبي:
فذاك ذنب عقابه فيه
فلا أجازي على هذه السيئات بمثلها، ولا يستطيع عدو أن يبلغ من مجترحها ما
بلغته منه، ولكن لا يسعني بعد اليوم السكوت عن رد المطاعن والتهم التي افتريت
علي، وقد أكثر الناس من مطالبتي بذلك مشافهة ومكاتبة ونشرًا في الجرائد.
قال المفتي: إنني أرسلت إلى الشيخ الدجوي صديقًا له يكلمه في وجوب
الإمساك عن نشر الرسالة ووعدته بأن أدفع ثمن نفقة طبعها للطابع ونعود إلى إتمام
الصلح، قلت: إن الطابع لها هو ابن الشيخ الدجوي في المطبعة التي أنشأها له
والده؛ وإن هؤلاء لا يصدقون، وأنا لا يهمني نشرها ولا جمعها، ولا يهمني نقض
الدجوي للصلح ولا وفاؤه به؛ وإنما يهمني شيء واحد وهو أن تنشر لي مجلة
مشيخة الأزهر ما أفند به التهم التي نشرتها له، وأنا على شرطي من اجتناب
الطعن والهجو الشخصي.
وفي اليوم التالي كتبت مقالي الأول وأرسلته إلى الجرائد فنشرته في 20 و21
من الشهر، فلما قرأه شيخ الأزهر اهتم بالأمر، فكلَّم المفتي في وجوب تداركه في
إبانه، وأخذه بربانه، قبل أن أبسط المسألة في الجرائد فيتسع الخرق على الراقع،
فكلَّمني المفتي بالمسرة وهو معه مبتدئًا بعتابي على النشر في الجرائد، فكان هذا
أول تجانف منه وتزاور عن موقف القسط الذي كان يقيم ميزانه، فطفقت أحتج
فقاطعني قائلاً إن الأستاذ الأكبر معي يدعوك إلى الاجتماع في إدارة المعاهد الدينية
يوم الأربعاء للنظر في المسألة فإذا قبلت فلك هنالك أن تدلي بكل ما عندك وننظر
فيه بالإنصاف، قلت: لا بأس وإني لمجيب، قال: وإني أرسل إليك السيارة عند
انتهاء الساعة العاشرة، ونرجوك أن تمسك عن النشر حتى نجتمع وننظر في الأمر.
اجتمعنا في الساعة العاشرة و30 دقيقة، وكان في المجلس أصحاب الفضيلة
شيخ الجامع والمفتي ووكيل الأزهر والمعاهد الأستاذ الشيخ محمد عبد اللطيف
الفحام والأستاذ السيد الشنواني وهو نائب عن الأستاذ الدجوي الذي سافر إلى بلده
في الريف لحضور مأتم فيه.
بدأ الأشياخ الكلام بعتابي على النشر في الجرائد فقلت: هل من العدل
والإنصاف أن يُطلب مني السكوت عن الدفاع عن نفسي وبيان حقي في مسألة
تداولتها الصحف اليومية، وتناولتها أيدي جميع طبقات الأمة، وكثر تساؤل الناس
كيف يسكت صاحب المنار عن الرد على التجني عليه وبهته بأفحش البهائت في
دينه وعلمه وأدبه؟ والقاعدة الأصولية أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة،
وهو قد تجاوز الحاجة معي إلى الضرورة، فإلى متى يُنتظر مني أن أسكت وقد
سكتُّ أكثر من شهر ونصف؟ قال المفتي لا نقول إنه لا حق لك في البيان؛ ولكني
لم أفهم منك في دار سفارة الأفغان أنك عزمت على الرد في الجرائد، وقد تعرضت
في مقالك للكلام في الأزهر، ولا يصح أن نجعل الأزهر مضغة في الأفواه بخوض
الجرائد فيه وأنت تحرص على كرامته مثلنا.
قلت: نعم، ولكن اللوم كله على مشيخة الأزهر فالطعن علي قد ظهر في
مجلتها في أول الشهر الماضي، ثم تكرر في أول هذا الشهر بعد السعي من قبلها
في الصلح وكان من أمر نقض الصلح ما علمتم، فأنا أصارحكم هنا بأنني لا أبالي
بطعن الشيخ الدجوي ولا بتكفيره لي، ولا بنقضه للصلح، ولا برسالته البذيئة التي
ذكرت لكم بدار سفارة الأفغان رأيي فيها، وفيما يجب على مشيخة الأزهر تجاه
صدور مثلها عن رجل من كبار علمائها الرسميين، وخاطبت شيخ الأزهر مصرحًا
له بما كنت أفعله لحفظ شرف الأزهر لو كنت في منصبه؛ ولكنني لا أنشر هذا ولا
ما أقمت عليه الدليل من حرصي على كرامة فضيلته واجتنابي مشايعة الجرائد على
خوضها فيه.
وقلت: إن السيد عاصمًا قال للذي يبيع الرسالة البذيئة في الأزهر: إنني
أطلب مائتي نسخة لإرسالها إلى الخارج فأين أجدها؟ قال: عند فضيلة الأستاذ
الدجوي، فخطر في بالي أنه ربما كان يريد نشرها في الخارج لأجل فضيحة
الأزهر بها؛ ولكن فاعل هذا الانتقام يدخل في عموم {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ
الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} (النور: 19) فلهذا نهيته عنه.
ثم قلت: ولكن الذي أباليه وأهتم به محصور في مجلة المشيخة، هذه المجلة
التي أقمت الدليل في تقريظي لها على أنني أتمنى لو يكون توفيقها لخدمة الإسلام
والمسلمين أكبر وأتم مما وفقت له في المنار؛ لأن خدمة المنار لا يُرجى أن تتجاوز
عمري وقد دخلت في سن الشيخوخة ولم يبق من العمر إلا قليل، ومجلة نور
الإسلام تابعة لهيئة إسلامية غنية يرجى بقاؤها، وأقسمت على صدقي في شعوري
هذا، وكادت تغلبني الدموع على الكلام، فدعا لي الشيخ الأكبر ومن معه بطول
العمر ودوام التوفيق.
ثم قلت: إنه ليحزنني أن يخيب أملي وأمل كل من أعرف من فضلاء
الأزهريين وغيرهم في المجلة، بل زارني من لم أكن أعرف من الخطباء الذين
يطوفون في البلاد لبث الوعظ والإرشاد من قبل المشيخة، فسمعتهم يقولون إن هذه
المجلة أوقعتنا في مشكلة، فنحن ننهى الناس عن البدع ولا سيما بدع المقابر
والموالد، ثم تجيء مجلة المشيخة والمعاهد تدافع عن هذه البدع وتتأول لفاعليها بما
يعد أعمالهم هذه مشروعة (وذكرت من أقوال أرقى علماء الأزهر فيها ما لا حاجة
إلى إذاعته في الصحف الآن) حتى انتهى أمرها إلى نشر المقالتين الأخيرتين في
الطعن علي، ولا شك في أنه طعن بسوء النية لما فيه من الافتراء والبهتان
وتحريف الكلم في النقل، ولم يترك كاتبهما شبهة ولا خاطرًا يرى أنه يثبت للناس
فيه جهل صاحب المنار إلا وكتبه ونشره، حتى أنه يذكر أصغر الأمور التافهة مع
التكفير وكبائر الموبقات كتجهيله لصاحب المنار بالنحو لاستعماله كلمة القبوريين
وإظهاره لحجته بإيراد قول ابن مالك: (والواحد ذاكر ناسبًا للجمع) .
ولا يجهل مثله أن شرط امتناع النسبة إلى الجمع ألا يكون علمًا أو جرى
مجرى العلم كالجزائري والمقابري والأنصاري والكرابيسي والمصاحفي، وذكرت
أمثلة أخرى من أنساب العلماء والمحدثين، وقلت إن كلمة القبوريين جعلت علمًا
على المفتونين ببدع القبور وقد استعمل العلماء هذا في كثير من الكتب المطبوعة
ومن أشهرها كتاب (صيانة الإنسان) الذي رد به أحد علماء السند على الشيخ
أحمد دحلان في طعنه على الوهابية ويعاد طبعه الآن.
ومن الغريب أنه اتهمني بأنني أحل الربا بإفتائي بجواز الانتفاع بالرهن؛ وإنما
كانت فتواي بهذا نقلاً لعبارة كتاب المغني في المسألة، وهو أجلّ كتب الفقه أو من
أجلّها ولم أزد عليها إلا قولي: ومنها يعلم الحكم في المسألة، وأرى جميع علماء
الأزهر يأكلون الربا، والله تعالى قد توعد آكلي الربا بأشد الوعيد لا من ينقل قول
أئمة الفقه في الرهن وغيره.
قال المفتي: وهل مال الحكومة كله أو أكثره من الربا؟ قلت: إنني لا أعني
مال الحكومة المختلط؛ وإنما أعني أن المخصص لميزانية الأزهر والمعاهد الدينية
من ميزانية الحكومة العامة يوضع في البنك الأهلي، ويضاف عليه من الربا مثل
ما يضاف على سائر ميزانية الحكومة، ومشيخة الأزهر تسحبه من البنك كسائر
مصالح الحكومة، فهل كنت أنا الذي أفتيت مشيخة الأزهر بهذا؟ وجرى كلام آخر
في حكم المال المختلط من حرام وحلال لا محل لبسطه هنا، وعلمت منه أن المفتي
لا يأخذ من الأزهر راتبًا.
ثم قال الأستاذ الأكبر إننا اجتمعنا هنا لنضع حدًّا لهذا النزاع والمطاعن بصلح
ثابت نمنع به نشر هذه الردود في الجرائد لأنها تُزري بالعلماء.
قلت: إنني أكرر ما قلته مرارًا وهو أن لي الحق أن أنشر في مجلة نور
الإسلام وفي الجرائد ردًّا على التهم التي افتريت علي ملتزمًا فيه ما وعدت به من
تلقاء نفسي قبل الاجتماع لعقد الصلح وبعده من اجتناب الطعن الشخصي في الشيخ
الدجوي، وإذا رضيت المشيخة بعزو تلك التهم إلى المجلة من دون ذكره فإنني
أرضى بهذا، وقد غيَّرت مقدمة المقال الذي كنت أرسلته إلى رئيس تحريرها بهذه
الصفة وأخرجته من جيبي وقرأت لهم أكثرها، فوافقوني على النشر في مجلة نور
الإسلام بعد اطلاعهم على ما أكتبه ورؤيته موافقًا لما اشترطته على نفسي فيه وعدم
نشر شيء في الجرائد ولا كتابة ما يُعد طعنًا على الأزهر.
قلت: إنه ليس من دأبي الطعن على الأزهر ولا على أحد؛ ولكن الكتابة في
إصلاح التعليم والتربية في الأزهر وغيره من أهم مقاصدي التي أنشأت المنار
لأجلها وهذا معروف فيه منذ 35 سنة.
قال المفتي: هذا صحيح ولا يطالبك أحد بترك الكتابة في الإصلاح؛ ولكن إذا
عرض لك أن تكتب في إصلاح التعليم في الأزهر فنقترح عليك أن تعرض رأيك
أولاً على الأستاذ الأكبر للتشاور فيه، ثم تكتب ما تتفقان عليه - أو قال ما يقرب
من هذا - وكانت هذه هي الكرة الثانية التي تَحَيَّزَ فيها فضيلة المفتي إلى جانب
المشيخة بما فيه هضم لحقي في حرية الكتابة، وهي لا تقل عندي عن حرية الرقبة.
وقد تذكرت بمناسبتها ما رواه لي المرحوم الأستاذ الشيخ أحمد إدريس عضو
المحكمة الشرعية العليا عن الأستاذ الإمام في أنه قيل له في الإسكندرية: نرجوك
أن تمنع صاحب المنار من الطعن في السلطان والدولة العلية؛ فإن هذا من السياسة
وهي ليست من موضوع مجلته الدينية، فقال لهم الأستاذ الإمام: إنني والله لا
أعرف أحدًا من الناس أشد استقلالاً في الرأي من صاحب المنار، وكيف أقول له
هذا وهو يعلم كما أعلم أن دين الإسلام دين سياسة لا دين عبادة فقط، وكل ما يمكن
أن أقوله له في هذا الموضوع إنني رأيت كثيرًا من محبي المنار يسوءهم الانتقاد
فيه على الدولة، وإنني أنا أظن أنه غير مفيد لما يرجوه منه، أو ما هذا معناه.
بيد أنني أعتقد أن المفتي حسن النية فيما قال، وأنه يريد به الاتصال بيني
وبين شيخ الأزهر للتعاون على خدمة الإسلام، فأجبته بما يفهم منه رد اقتراحه
بالفحوى، وهو أن رأيي قد يخالف رأي الأستاذ الأكبر في هذا الإصلاح، وأنني
ذكرت لفضيلته منذ أشهر رأيي فيما أنتقده على تعليم الأزهر للعقائد وما يجب من
الإصلاح له بدار الدكتور عبد الحميد سعيد بحضور كثير من أهل العلم والرأي فلم
يرده ولم يقبله، ولعلك تذكر إذ التقينا في هذا المكان العام الماضي وعاتبني الأستاذ
الأكبر على عدم زيارتي له قائلاً إننا إخوان ومقصدنا في خدمة الإسلام واحد وإن
كنا نختلف في بعض المسائل وذكرت أنت - الخطاب للمفتي - أن من الضروري
أن نجتمع ونتعاون على خدمة الإسلام، ولعلك تذكر أيضًا أنني اعتذرت يومئذ
للأستاذ الأكبر عن عتابه اللطيف المتواضع بأنني رجل صاحب شغل كثير فلا أجد
فراغًا للزيارات؛ ولكن فضيلته إذا دعاني في أي وقت لأجل عمل أو تشاور في
خدمة الإسلام - وهو شيخ العلماء ورئيسهم - فإنني أمتثل أمره.
ففهم الشيخان بل الأشياخ الثلاثة من هذا الجواب أن هذا الاقتراح لا يعقل أن
يقبل، وظللنا متفقين على أن أرد على التهم وحدها، وأن يُنشر ردي في مجلة نور
الإسلام بشرطه؛ ولكن الأستاذ الوكيل قال إن الرد على تلك المسائل كلها بالتفصيل
يطول واقترح الاكتفاء بمقالة واحدة، قلت: لا يمكن دحض التهم بمقالة ولا ثنتين
ولا ثلاث.
ثم اقترح الأستاذ الأكبر أن يكتب الأستاذ الدجوي اعترافًا منه بخدمة السيد
رشيد رضا للإسلام يمضيه ويُنشر في المنار، ويكتب السيد رشيد اعترافًا مثله
بخدمة الأستاذ الدجوي للإسلام يمضيه وينشر في مجلة نور الإسلام! ! ! وكانت
هفوة من الأستاذ الأكبر.
قلت: يا سبحان الله أأكون أنا صاحب الحق المعتدى عليَّ وأكلَّف أن أزكي
الجاني الطاعن تزكية تُنشر في المجلة التي نُشر فيها بهتي بالتكفير والجهل، كأنني
أقول لقرائها إنه مصيب فيما كتب، وتذكرت ما لم أكن أذكر من قول الشاعر:
ولم أر هضمًا مثل ظلم ينالنا
…
يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر
وقول الآخر:
وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
ولكن الأستاذ فطن لهفوته فقال بل يُنشر كل من الاعترافين في المجلتين، وفي
الجرائد الرسمية وبهذا ينتهي كل القيل والقال، أو ما هذا معناه.
قلت: قد عرفتم رأيي في الأستاذ الدجوي، وإنني لا أرى خصمًا لي فيما نحن
فيه إلا مجلة المشيخة، وإن حقي الشرعي عليها وحق قرائها أن تنشر لي ما أرد به
على ما نُشر بشرطي المقبول عندكم، وحسبي ألا أطعن فيه على شخص الدجوي
فهل أُكلَّف أيضًا أن أزكيه؟ فإن كانت المشيخة ترى من الحق والعدل أن يكتب
شيئًا يكفر به عن مطاعنه فذلك شأنها أو حق عليها، وإن كتب ما أراه مبرئًا لي فقد
أكتب خيرًا مما كتب.
ودارت أحاديث أخرى في بعض مسائل الطعن ومسألة البدعة في الأذان وأمر
الأستاذ الأكبر السيد الشنواني أن يجمع نسخ رسالة الطعن من الأزهر والمطبعة
والمكاتب ويأتي بها كلها إلى إدارة المعاهد لتحفظه فيها، فقلت: إلى متى؟ قال
الأستاذ المفتي: هذه النسخ يجب إتلافها وحرقها، ثم انصرفنا، وقد علمت أن أمر
الأستاذ الأكبر بجمع الكتاب ووضعه في إدارة المعاهد لم ينفذ وهو لا يزال يُباع في
مطبعة الدجوي وفي بعض المكاتب؛ ولكن أعطيت المشيخة 270 نسخة منه
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (الحشر: 2)[1] .
ولم يكتف الأستاذ الدجوي بهذا، بل عاد إلى الطعن علي برسالة نشرها في
جريدة الجهاد (23 من الشهر) فأرادت المشيخة أن تستأنف معي قطع مرحلة ثالثة
للصلح، لمنعي من النشر في الجرائد وأن تكون حكمًا بين الخصمين وتكررت
مخاطبتها لي بذلك مرارًا بالمسرة (التلفون) لأجل الاجتماع في إدارة المعاهد فأبيت،
ثم بعرض صحيفة لإمضائها فاستنكفت، وكان جوابي في كل مرة عين ما قررته
في المرحلة الثانية وصرحت لفضيلة الأستاذ الوكيل من قبله بأن التنازع إنما هو
بيني وبين المشيخة، فلا يصح أن تكون هي الخصم والحكم، وأن الصلح بيننا إنما
يكون بأن تنشر لي في مجلتها ما أرد به على تهمها بالشرط الذي تكرر ذكره، وأما
الشيخ الدجوي فهو من رجالها الموظفين فلها حكمها في عمله وفي كفه عن عداوته،
أو إطلاق عنانه، وهي المسئولة عنه عند الله وفي عرف عباده، والعاقبة للمتقين،
ولا عدوان إلا على الظالمين {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} (الروم: 47) .
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(1)
إنني رأيت كل من كلمني في هذا السعي للصلح وما وقع فيه يعتقدون أن شيخ الأزهر هو المغري للدجوي بما كتب أولاً وآخرًا، وأنه لم يكن له غرض في الصلح إلا منعي من فضيحتهم في الجرائد إذ لا يعقل أن يكون عاجزًا عن منعه من نشر الكتاب، وصرح لي أيهم أشد حرية معي بأنني خُدعت، وأما أنا فكل غرضي من مواتاتهم السماح لي بالرد في مجلة الأزهر ليعلم قراؤها الحق من الباطل، والعلم من الجهل، وهو حق شرعي وقانوني.
الكاتب: محمد رشيد رضا
المقال الرابع
مقدمة تاريخية للرد على مجلة مشيخة الأزهر
في تصدي المنار للإصلاح ومقاومة الشيوخ له
إن هذا التنازع والتخاصم بين مجلة المنار ومجلة مشيخة الأزهر تنازع في
مسائل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق فهمهما ودفع
ما يرد عليهما من الشبهات العصرية وما عارضهما من شوائب البدع، فمن حق
الأمة أن تعرفه وأن يكون لها حق الحكم فيه، وأرى من المفيد لها في أسباب صحة
الحكم أن أقدم على الرد العلمي على مسائل التهم البهتانية مقدمة تاريخية وجيزة في
تصدي المنار لإصلاح التعليم والتربية في الأزهر ومقاومة البدع والخرافات في
المسلمين وعداوة بعض الأشياخ له حملني عليها استعداء الشيخ يوسف الدجوي
مشيخة الأزهر عليَّ في مقالته التي نشرها في جريدة الجهاد يوم الأحد 23 جمادى
الآخرة وإغرائه إياها بما يرجوه من سعيها لإسقاط المنار، وهو شيء سعى له هو
وغيره من قبل فخاب سعيهم، وقد دونت هذا بالتفصيل في مجلدات المنار وفي
الجزء الأول من تاريخ الأستاذ الإمام رحمه الله.
وأذكر هنا حكاية فكاهية في الموضوع لم تُدوَّن من قبل كان قصها عليَّ أحد
علماء الجامع الأحمدي خلاصتها أن أحد وجهاء طنطا الموافقين لمذهب المنار في
محاربة البدع زار شيخ الجامع الأحمدي في أيام مولد البدوي منذ سنين خلت وكلمه
في المنكرات التي تقع في المسجد الجامع وعند ضريح السيد وما يجب عليه من
العمل لإبطالها وإنقاذ المسلمين من فضائحها التي يعيرنا بها الأجانب، فوافقه
الأستاذ على ذلك ووعده بالسعي لإبطالها بالتدريج، وبعد أن انصرف زار الشيخ
رجل آخر من القبوريين فقال له: يا مولانا الشيخ إن مجلة المنار قد فضحتنا بما
تكتبه في منكرات الموالد والتوسل بالأولياء وآل البيت فإلى متى أنتم ساكتون عنها؟
فقال له الشيخ: إننا نفكر في تأليف لجنة من العلماء لبيان أغلاط المنار المخالفة
للشرع والرد عليها.
ثم بلغنا في سنة 1335 أنه قد ألَّف بعض علماء الأزهر جمعية لمثل هذا
الغرض الذي كان وعد به شيخ الجامع الأحمدي الذي يُسمى الآن (معهد طنطا)
بعد أن أعلن الحرب على المنار اثنان منهم أحدهما الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي
والآخر المرحوم الشيخ عبد الباقي سرور، فشرعا في نشر مقالات لهما في جريدة
اسمها الأفكار، وكانت معركتهما الأولى مسألة من المسائل التي أثارها الشيخ
الدجوي في معركته الحاضرة وأشرت إليها في المقالة الأولى وهي أبوة آدم عليه
السلام للبشر وما يعارضها من مذهب دارون وقول الأستاذ الإمام إنه إن فرض
ثبوت نظريته في تعليل الأنواع؛ فإنها لا تنقض شيئًا من نصوص القرآن القطعية
فيظل القرآن فوق كل شيء.
فلما رأيت أن مطاعنهما تدل على أنهم يكتبان ما لا يعتقدان وما لا يفهمان
بمحض البغي والعدوان، دعوت البادئ منهما وهو الشيخ عبد الباقي إلى المذاكرة
والمناظرة في المسألة بالمشافهة ومعاهدة الله على الأخذ بما يظهر من الحق وإلا
رفعت عليه قضية إلى محكمة الجنايات، فأبى المناظرة فرفعت القضية وفي يوم
الجلسة حضر المحكمة كثير من علماء الأزهر، وانتهت القضية بالصلح الذي ساء
أولئك الشيوخ فقالوا له: والله إن الحكم عليك بأشد العقوبات كان يكون خيرًا لك من
هذا الصلح المخزي.
ولقد كان عفا الله عنه ذكيًّا قريبًا من مذهب المنار الإصلاحي بمقدار بُعد زميله
عنه؛ وإنما دفعه إلى الطعن حب الشهرة، وقد عاد بعد أمة من الزمن لما كان سبق
له من مودتي، ولما كتبت مقدمة المغني في أسباب خلاف الأمة في الفقه وبيان
المخرج من مضاره وما يجب على جميع المسلمين من أحكام الإسلام، وما لا يجب
إلا على من ثبت عنده، قال لي إنه لم يكتب مثلها في الإسلام وهي جديرة بأن
يطبع منها مئات الألوف من النسخ ويطَّلع عليها جميع طلاب العلم الإسلامي.
وخاف الأستاذ الدجوي أن أرفع عليه قضية تنتهي بحكم مهين، أو صلح
مخزي مبين، فتوسل إلى بعض أهل الفضل بالسعي لصلح شريف بالجمع بيننا
فاجتمعنا واعتذر الأستاذ عما كان يكتبه بأنه كان عن سوء فهم لا عن سوء قصد،
وأن سببه أن الذي قرأ له عبارات المنار عرف بعضها وأعرض عن بعض
…
إلخ،
فقلنا عفا الله عما سلف.
ثم إن الأستاذ الدجوي نقض الصلح الأول كما نقض الصلح الأخير في هذه
الأيام، وألَّف جمعية للبحث عن هفوات المنار لأجل الطعن والتشهير، وما هو شر
منهما من استعداء مشيخة الأزهر والحكومة على صاحب المنار للانتقام منه، وهذا
ما يحاوله اليوم بما له من المكانة في هيئة كبار العلماء، والقلم الطعان في مجلة
المشيخة الرسمية، وبما للمشيخة من النفوذ في الحكومة.
ولكن المشيخة كانت أعقل منه وأعلم بسوء تأثير كلامه وما فيه من العار عليها
وعلى الأزهر إذا أقرته، فقد سعت لانتياشه مما تهوك [1] فيه فعجزت عنه فلم
تستطع منعه من استمرار الطعن في أثناء المفاوضة في الصلح ولا بعد عقده،
لضعفها عن تنفيذ سلطتها الرسمية عليه، حتى أن رئيسها الأستاذ الأكبر أمر بجمع
الرسالة البذيئة ووضعها في إدارة المعاهد وصرَّح بتألمه منها فلم ينفذ أمره - كما
تقدم - وهو مرءوس له وموظف عنده، وأجدر بعجز الرئيس عن المرءوس فيما
هو صريح حقه عليه في قانون الأزهر أن يكون مثار العجب، فهل سببه قوة
الإرادة وضعفها، أم هنالك قوة خفية يعتز المرءوس بها، ومن مظاهر هذا العجز
أن يكون الغرض من الصلح إقناعه بالكف عن هذه الكتابة التي لا تسلم المشيخة من
عارها، بل لا يُعرف في تاريخ الأزهر وسيرة شيوخه مثلها، وأن يكون هذا
الصلح بأخذ وثيقة مني بدفن الماضي قبل أن تظهر براءتي من مطاعنه، وأن
ترضى المشيخة بجعل الرد عليها وعلى مجلتها دونه، وأن يظل هو مع هذا كله
يستعديها علي، ويوجب عليها الانتقام مني، ويصفها بقوله: (وهي المشرفة على
جميع المسائل الدينية وصاحبة السلطان على ذويها بنص القانون) كأن قانون
الأزهر وُضع للسيطرة على غير أهله، والانتقام لشيوخه من غيرهم بالباطل [2]
فكانت المشيخة بسعيها هذا كمن يحاول إنقاذ الغريق فغرق معه، فهي إنما رغبت
إلي بأن أنقذها وأنقذه، وقد علمت الأمة أنني واتيت، ثم عجزت بعجزها فانثنيت،
وأمسكت عن بيان الحق شهرًا ونصف شهر.
وأما هو فرأيي في عداونه الأخير كرأيي في عدوانه الأول سنة 1335، ولولا
أن كان عدوانه هذا في مجلة مشيخة الأزهر الرسمية، وأن كان الساعي للصلح معه
الأستاذان الأكبران: شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية، لاجتنبت ذكر
اسمه اليوم كما اجتنبته من قبل حفظًا لكرامة الأزهر وكرامتي كما عللت ذلك في
وقته، ورأيي في جمعيته واستعدائه اليوم هو رأيي في مثلهما بالأمس، ومنه أن
مثلي لا يرد على مثله؛ لأنني لا أستطيع أن أناظره بمثل هجوه الذي أتنزه عن
وصفه، لئلا يقال إنني شاركته في شيء منه ولو بتسميته باسمه؛ ولأنه يفتري
التهم، ويحرِّف الكلم، ويقول ما لا يعلم وما يعلم خلافه، وذلك لا يمكن أن يكون
خدمة للعلم ولا لبيان الحق، وسيرى القراء الشواهد على هذا فيما ننشره من الرد،
ولو أنني أعرف كلمة في اللغة أخف من الافتراء والتحريف تؤدي معناهما لما
كتبتهما، وأحمد الله أن رضيت المشيخة بجعل الرد على مجلتها لا عليه؛ لأنه
يغنيني عن عزو كلامه إليه.
وإنني أنقل للأمة في جرائدها ما كتبته بشأن عدوانه الأول في فاتحة المجلد
العشرين من المنار الذي صدر في شوال سنة 1335 بعد بيان مذهب المنار في
الإصلاح وهذا نصه:
كلمة المنار في المجلد العشرين سنة 1335
تلك دعوة المنار، التي رددت صداها الأقطار، فكانت كالبرق المبشِّر بما
يتلوه من المطر، في نظر سليمي العقول صحيحي الفطر، وكالصواعق المحرقة
على أهل البدع، ومتعصبي الأحزاب والشيع، وقد آذانا لأجلها الظالمون فصبرنا
لله بالله، ولم نكن كمن أوذي في الله فجعل فتنة الناس كعذاب الله، وجهل علينا
بعض أحداث السياسة المغرورين، وبعض أدعياء العلم الجامدين فقلنا: {سَلامٌ
عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ} (القصص: 55) وكاد لنا أعداء الدعوة كيدًا خفيًّا،
أضر بنا ضررًا جليًّا، إذ حجب المنار عن كثير من قرائه الأخيار، وحرمنا بذلك
وبغيره كثيرًا من المال، وحسبنا أن حمد الدعوة كل من عرفها من طلاب الإصلاح،
وأهل الروية والاستقلال.
وأما الأزهريون خاصة، فقد كانوا أزواجًا ثلاثة، فقليل من الشيوخ وكثير من
الشبان يرون أن المنار من ضروريات الإسلام في هذا الزمان، وكثير من الشيوخ
والشبان يكرهون منه حمد الاستقلال وذم التقليد، ورمي جماهير علماء العصر
بالجمود والتقصير، والسواد الأعظم منهم مشغولون بأمور معيشتهم، وبمطالعة
دروسهم ومناقشات طلبتهم، عن النظر في مثل المنار لتقريظ أو انتقاد، وعن كل
ما يتجدد في الدنيا من إصلاح وإفساد.
وقد دخل المنار في السنة العشرين، ولم ينتقده أحد من الأزهريين، إلا أنه قام
في هذا العام شاب متخرج في الأزهر فنشر في بعض الجرائد الساقطة مقالات سب
فيها صاحب المنار وكفَّره، بانيًا ذلك على زعمه أنه أنكر كون آدم أبًا لجميع البشر،
على أن المنار قد صرَّح بإثبات هذه الأبوة تصريحات آخرها ما في الجزء الأول
من المجلد التاسع عشر، وزعمه أنه فضل شبلي شميل على الخلفاء الراشدين،
ويعلم كذب هذا الزعم مما نشرناه في شميل من ترجمة وتأبين، ومن لا يزعه هدي
القرآن عن السب والكذب والبهتان، قد يزعه عقاب السلطان، لهذا رفع أحد كبار
المحامين عنا أمر هذا الطعن إلى محكمة الجنايات، بعد أن أنذرنا بذلك كاتب
المقالات، ونصحنا له بلسان بعض ذوي رحمه وصحبه بأن يستحلنا تائبًا من ذنبه،
فلم يزده ذلك إلا إصرارًا على الذنب وتماديًا في الطعن والسب؛ ولكنه جنح في
المحكمة للسلم، وطلب هو وصاحب الجريدة من رئيسها الصلح، على أن يعتذرا
عما اتهما به من المطاعن الشخصية، ويعترفا باحترام عقيدة صاحب المنار وآرائه
الدينية، وأمضيا عبارة في ذلك أثبتت في محضر القضية، وقد قبلنا ذلك منهما،
وكان خيرًا لهما لو فعلاه من تلقاء أنفسهما، على أنهما عادا إلى هذيانهما، ولا قيمة
عندي لمثل هذا الكلام؛ فإنه مما يقال لصاحبه سلام؛ وإنما ذكرناه في فاتحة المنار
التي نشير فيها عادة إلى ما تجدد في تاريخ الإصلاح تمهيدًا لذكر ما قيل إنه ترتب
على تلك القضية، من تأليف جمعية أزهرية لأجل البحث عن أغلاط المنار الدينية
والعلمية وبيانها للناس وللحكومة المصرية، ذكرت ذلك الجريدة التي وقفت نفسها
على الطعن في صاحب المنار، متوهمة أنه سيترتب عليه إبطال المجلة أو إخراج
صاحبها من هذه الديار؛ لأن عند أعضاء هذه الجمعية من حقائق العلوم الأزهرية
ما ليس عند صاحب المنار الذي تلقى العلم في البلاد السورية، فنقول للواهمين،
ولمن يمدونهم في غيهم من المغرورين: إنا نعلم من كنه علم الأزهر ما لا تعلمون،
فاعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105) .
إننا ندعو إلى الله على بصيرة، ونكتب ما نكتب عن علم وبينة؛ ولكننا
كغيرنا عرضة للخطأ والغلط، كما هو شأن غير المعصومين من البشر، فلهذا
ندعو قراء المنار في كل عام إلى أن يكتبوا إلينا بما يرونه فيه من الأغلاط والأوهام
لننشره فيه، فيطلع عليه جماهير قارئيه، وإنا لنتمنى أن تؤلف لجنة من علماء
الأزهر تقرأ مجلدات المنار التسعة عشر، وتحصي ما تراه من الأغلاط المتفق
عليها، بقدر ما يصل إليه علمها وفهمها، وأن نتحرى في ذلك ما يليق بكرامة أهل
العلم من صحة النقل والتروي في الحكم، واجتناب الطعن والبذاء، والسخرية
والاستهزاء، وإننا نعد ذلك إذا سمت إليه همة بعض الأزهريين أعظم خدمة للمنار
يخدم بها العلم والدين، ونعد بأن ننشر لهم ما يكتبونه فرحين مغبوطين، مقرين
إياهم على ما نراه فيه من الصواب، مبينين ما نراه من الخطأ مع التزام الآداب،
وترديد عبارات الحمد والشكر، التي تبقى بقاء الدهر، ولثواب الله خير للذين
يُصلحون في الأرض ولا يفسدون، والذين هم على البر والتقوى يتعاونون
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104) .
وإننا على ضعف أملنا بتحقيق تلك الأمنية، واحتقارنا لكل ما يكتب بجهالة
وسوء نية، ليحزننا أن يقوم في الأزهر بعض علمائه، ورئيس جمعية من جمعياته
ينتقم ممن يقاضي بعض أصحابه بافتراء الكذب عليه [3] ، ونسبة ما ينقله عن غيره
إليه [4] وتحريف آيات القرآن، استدلالاً بها على ما رماه به من الكفر والفسوق
والعصيان [5] بذلك الكذب والبهتان، الذي زاد فيه على ما سبقه إليه ذلك الطعان؛
وإننا لنكرم كلاًّ من المنار والأزهر بعدم ذكر اسمه، وعسى أن يثوب إلى رشده
ويتوب من إثمه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ
خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ
وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11) .
انتهى ما نقلناه من مقدمة المجلد العشرين من المنار، وكأنه كتب في هذه
الحادثة، وما أشبه الليلة بالبارحة.
هذا وإنني أختم هذه المقدمة بالتنويه بأولئك الشيوخ الكبار الذي كنا ننتقدهم فيما
نكتبه في إصلاح الأزهر؛ فإنهم لم ينقموا من المنار صده عن البدع والخرافات،
ولا ما كتبه في افتتان الناس بالكرامات، ولا إنكار عبادة الأموات، ولا طعن أحد
منهم في ديننا، ولا بهتنا ولا افترى علينا، فرحم الله من مات منهم وأطال عمر من
بقي، كالأستاذ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الذي لم نصرح في المنار
بمناظرة أحد منهم غيره؛ وإنما كانت مناظرة علم، لا عداء فيها ولا إثم، وقد أثنى
خيرًا على مقدمتنا للمغني آكد الثناء، وهي خلاصة رأينا في الإصلاح [6] .
وقد حاول الخديو أن يحمل بعض الكبار من أولئك العلماء على طعن في المنار
يتوسل به إلى نفي صاحبه من مصر، فأبوا ذلك عليه على ما يعلم الناس من
ضعفهم أمامه، فلم يصل الضعف بهم إلى مثل هذا العدوان على عالم يخدم الدين
بعقيدة وإخلاص، احتمل في سبيلهما عداوة الخديو والسلطان، وسترى الأمة في
المقالات الآتية مبلغ المعتدي عليه من العلم والدين الآن.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(1)
الانتياش: من النوش، وأصل معناه التناول، واستعمل الانتياش في الإنقاذ من الهلكة وما في معناها، قال ابن دريد:
إن ابن مكيال الأمير انتاشني
…
... من بعد ما كنت كالشيء اللقا
واللقا: الذي يلقى ويهمل لأنه لا قيمة له. والتهوك: التهور والتحير، وتهوك في الشيء: وقع فيه بلا مبالاة ولا روية، واضطرب في القول وجاء به على غير استقامة.
(2)
ألَّف طالب علم نجدي مجاور في الأزهر كتابًا في الرد على الشيخ الدجوي عجز عن الرد عليه سماها (البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية) فانتقمت له المشيخة منه بقطع رزقه من الأزهر وفصله من الانتساب إلى الأزهر، وروي لنا أن الأستاذ الأكبر سعى لدى الوزارة لمصادرة الكتاب فامتنعت؛ ولكن مجلة المشيخة كذَّبت هذا الخبر وخبر محاولتها شراء كتاب الطالب النجدي، وقد يكون المخبر أصدق من المجلة بدليل افترائها علينا في ديننا وهو لا يستحل هذا.
(3)
ادعى أن صاحب المنار قال إن آدم عليه السلام من سلالة القرود، وإنه ليس أبًا لجميع البشر - وهذا كذب وافتراء - وادعى أنه عضو في لجنة أُلِّفت لنشر كتب شميل وهذا كذا كذب مفترى أيضًا.
(4)
عزا إلى صاحب المنار أقوالاً في خلق الإنسان، وفي تكفير من يحكم على السارق بغير الحد الشرعي وتلك الأقوال من منقول المنار لا من أقوال صاحبه بل مخالفة لها اهـ من الأصل.
(5)
استدل بآيات سورة الممتحنة في النهي عن موالاة أعداء الله على ضد ما تدل عليه وأهمل ما قيدته به السورة من كونه فيمن قاتلونا في الدين إلخ اهـ من الأصل.
(6)
قد نشرنا هذه المقدمة في كتابنا (الوحدة الإسلامية) .
الكاتب: محمد بهجت البيطار
نداء للجنس اللطيف
يوم ذكرى المولد المحمدي الشريف من سنة 1351
في حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام
تابع لما نشر في الجزء الماضي وما قبله
58-
بر الوالدين وتفضيل الأمهات فيه على الآباء
أوصى الله تعالى في مواضع من كتابه بالإحسان بالوالدين وقرنه بالأمر
بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلاً بالشكر له، وخصَّ الأم
بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على حق الأب، ونذكر ههنا
أجمعها.
قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (الإسراء: 23) .
(الأفُّ) كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما، ويقال لكل
مستخف به استقذارًا واحتقارًا له كما قال الراغب وكذا لكل ما يتضجر منه، يقال:
تأفف به: إذا قال له: أف، ومنه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ
وَقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي} (الأحقاف: 17) وخصَّ هذا النهي بحالة كبر
الوالدين أو أحدهما؛ لأن الكبر مظنة وقوع ما يتضجر منه أو يستقذر منهما، وهو
يدل على تحريم ذلك في غير هذه الحالة بالأولى، والنهر والانتهار: الزجر بغلظة
وخشونة، والكريم من الأقوال: آدبها وألطفها، ومن الأعمال أنفعها وأشرفها، ومن
الأشخاص أفضلهم وأجلهم.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} (الإسراء: 24-25) .
يعبِّر عن العطف في المعاملة بخفض الجناح، وأصله أن الطائر يخفض
جناحه لفرخه يقيه به تارة ويعلمه الطيران أخرى، وخفض الجناح من الذل أبلغ
من خفضه لأجل العطف، فهذا من رعاية الكبير للصغير ومنه قوله تعالى لرسوله:
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215) وذاك من عناية
الصغير بالكبير، ولم يؤمر أحد به لغير الوالدين، وفي تشبيه ما أمر الولد أن
يطلبه من رحمة ربه لوالديه برحمتهما له عندما ربياه في صغره تعظيم كبير لرحمة
الوالدين ليتدبر الأولاد ذلك ويعلموا أن رحمتهم لوالديهم في الكبر والتذلل لهما لا
يكفي في أداء حقوقهما؛ وإنما عليهم أن يدعوا الله تعالى أن يكافئهما عنهم برحمته
التي وسعت كل شيء ولا يعلوها شيء، ذلك بأن رحمة الوالدين للولد في صغره
ولا سيما الأم التي تتولى إزالة أقذاره وغير ذلك إنما تكون مع اللذة والرغبة
والسرور، ولن تبلغ رحمة الولد بهما هذا الحد.
ولما كان بلوغ هذا الحد من البر والإحسان بالوالدين عزيز المنال ذكَّر الله
عباده بأن المدار فيه على حسن النية وصلاح النفس، فإن وقع مع ذلك تقصير ما
فإنه لا بد أن يُقرن بالتوبة وحسن الأوبة إلى التشمير بعد التقصير، والله تعالى
غفور للأوابين أي الكثيري الرجوع إلى الحق والخير كلما عرض لهم ما يصدهم
عن المضي فيه أو الثبات عليه.
وقال تعالى في سورة لقمان: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ} (لقمان: 14) .
الوهن: الضعف، أي ذات وهن أوتهن مدة حمله وهنًا على وهن بالوحم
والأثقال والوضع، وفصاله أي فطامه في انتهاء عامين يكون كل همها فيهما إرضاعه
وتغذيته وتنظيفه، والجملتان معترضتان بين الوصية والموصى به وهو الشكر لله
الذي خلقه ولوالديه اللذين عُنيا بتربيته ولا سيما الأم التي كانت أكثر تعبًا وعناية به،
فقرن شكرهم بشكر الله تعالى وجعله ثانيه للإيذان بأن فضلهما عليه يلي فضل ربه
وقوله بعده: {إِلَيَّ المَصِيرُ} (لقمان: 14) تذكير بأن جزاء الشكر وضده في
الآخرة لله وحده.
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان: 15) .
هذه الآية أدل على عظم حق الوالدين على الولد؛ فإن الله يأمره بها أن
يصاحب والديه المشركين في الدنيا بالمعروف من البر والإحسان إلا في شركهما
وما يلزمه من معاصي الله تعالى، فإن جاهداه على أن يشرك بالله تعالى فلا يطعهما
لأن حق الله تعالى عليه أكبر من حقهما وتوحيده، وطاعته هي الوسيلة إلى سعادته
ونعيمه الذي لا نهاية له، وقوله:] وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [أي واتبع في الدين
سبيل من أناب إليَّ من النبيين والمرسلين، ومن اهتدى بهم من المؤمنين دون تقليد
الآباء الكافرين قال:] ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [أي مرجعك ومرجع والديك] فَأُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [عند حسابكم وأجازي كلاًّ بما يستحق، فعليَّ حساب والديك وجزاؤهم
لا عليك، والآية نص في البر والشكر للوالدين الكافرين فيما عدا الكفر ولوازمه فهي
أرحم مما ينقله النصارى عن المسيح عليه السلام من التفرقة والعداوة بين الوالدين
والأولاد.
ففي إنجيل متى: (10: 34 لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض
ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا 35 فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد
أمها والكنة ضد حماتها 36 وأعداء الإنسان أهل بيته) .
وأما قول الله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواًّ لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ} (التغابن: 14) فقد نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم وأولادهم أن
يدعوهم، ومع هذا فقد قال الله تعالى فيهم: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التغابن: 14) .
وقال في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً
وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً
تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ} (الأحقاف:
15) .
ثبتت القراءة بلفظ الإحسان ولفظ الحسن، وبفتح الكره وضمه ومعناهما واحد
(كالضعف والضعف) وهو المشقة، وهو أقسام منها ما يكرهه الإنسان ويشق عليه
طبعًا وإن أحبه عقلاً أو شرعًا وبالعكس كالدواء والصبر على المكاره، ومنه قوله
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} (البقرة: 216) وكره الأم لمشقات الحمل
والوحم طبيعية لا عقلية ولا شرعية ولا فطرية، وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف: 15) معناه أن مدة تعب الأم في حمله إلى فطامه
ثلاثون شهرًا، وهو مبني على أن مدة الرضاعة الغالبة 21 شهرًا وهو ما كان عليه
الناس في الغالب لا أنه تشريع، إلا تحديد أكثر الرضاعة بسنتين في آية البقرة؛
فإن الأم لا تكلف أن ترضع طفلها أكثر من ذلك؛ لأنه بعد اكتمال السنتين لا
يضره التغذي بغير لبنها مما جرت العادة والتجربة بتغذي الأطفال به، ويوجد في
هذا العصر من الألبان الحيوانية المجمدة أو المجففة ومن المستحضرات الأخرى
(كالفوسفاتين) ما يوافق كل طفل في كل وقت ولم يكن هذا في زمن التنزيل، على
أن لبن الأم أفضل وأنفع بإجماع الأطباء.
59-
الأحاديث النبوية في وجوب بر الوالدين
وتحريم عقوقهما وتخصيص الأم بترجيح حقها
جاء في حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: (يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك،
قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم
أبوك) وفي رواية زيادة (ثم أدناك فأدناك) .
وفي حديث المقدام بن معد يكرب عند أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن
ماجه وصححه الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم
يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب) .
وفي حديث أبي رمثة عند أحمد وأصحاب السنن الثلاثة والحاكم واللفظ له قال:
انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (أمك وأباك ثم أختك
وأخاك، ثم أدناك أدناك) فقدم ذكر الأخت على الأخ أيضًا.
وفي حديث عائشة عند أحمد والنسائي والحاكم وصححه قالت: (سألت النبي
صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فعلى
الرجل؟ قال: أمه) .
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والحاكم أن امرأة
قالت: (يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري
له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت
أحق به ما لم تنكحي) .
وفي حديث أنس عند القضاعي والخطيب في الجامع: (الجنة تحت أقدام
الأمهات) وفي معناه ما رواه الطبراني عن طلحة بن معاوية السلمي قال: (أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل الله،
قال: هل أمك حية، قلت: نعم، قال: الزم رجلها فثم الجنة، وقال لرجل آخر
مثله: فالزمها فإن الجنة عند رجلها) ورواية أخرى في الوالدين كليهما وأنه قال له:
(فالزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما) وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن
عمرو: أنه قال لرجل استأذنه في الجهاد: (أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما
فجاهد) .
هذه بعض شواهد البر، وأما العقوق فقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق
الوالدين من أكبر الكبائر وخص الأمهات بالذكر فقال: (إن الله حرم عليكم عقوق
الأمهات ومنعًا وهات ووأد البنات [1] وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة
المال) رواه البخاري من حديث المغيرة، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر - ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق
الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول
الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلنا: لا يسكت) وفي رواية حتى
قلنا: ليته سكت، أي لما رأوا من انزعاجه؛ وإنما كررها لعرضة المتهاونين
بالدين للاستخفاف بها، بخلاف ما قبلها والحديث متفق عليه.
60-
الأحاديث النبوية في الوصية بالبنات والأخوات
عن عائشة قالت: (دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئًا
غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت
فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: من ابتلي من هذه
البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار) رواه البخاري ومسلم والترمذي
وفي لفظ: (من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابًا من النار)
الابتلاء: الاختبار بما يظهر به التزام الحق والشرع أو عدمه، وكانت العرب كأكثر
الناس يكرهون البنات فلذلك احتيج في القيام بحقوقهن من التربية والإحسان إلى
الصبر، وعنها قالت: (جاءت مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات،
فأعطت كل واحدة تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت
التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها
من النار) رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) أي معًا.
رواه مسلم واللفظ له والترمذي ولفظه: (من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة
كهاتين) وأشار بأصبعيه وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (من عال ابنتين أو ثلاثًا أو أختين أو ثلاثًا حتى يبلغن أو يموت عنهن
كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها، وعن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما
صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن حبان في
صحيحه من رواية شرحبيل عنه والحاكم وقال صحيح الإسناد، وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كفل يتيمًا له ذا قرابة أو لا قرابة له
فأنا وهو في الجنة كهاتين، وضم أصبعيه، ومن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة
وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائمًا قائمًا) رواه البزار من رواية ليث بن
سليم.
وروى الطبراني عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبلغن أو يمتن إلا كن له
حجابًا من النار، فقالت له امرأة: أو بنتان؟ قال: أو بنتان) وشواهده كثيرة،
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له
ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله
الجنة) رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود إلا أنه قال: (فأدبهن وأحسن إليهن
وزوجهن فله الجنة) وابن حبان في صحيحه، وفي رواية للترمذي قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن
إلا دخل الجنة) .
(أقول) تحدثًا بالنعمة، ومنها أننا أهل لحسن الأسوة: نحمد الله تعالى أننا
أهل بيت نعنى بتكريم بناتنا فوق ما نعنى بإخوتهن مع اتقاء الظلم الذي يثير الغيرة
والعداوة بينهما، فلا تُشتَم في بيتنا أنثى ولا تُضرب، وقد خَوَّفت أم بنتًا ذات ثلاث
سنين أو أربع بضرب أبيها فقالت: إنه لا يضربني، قالت: وماذا يفعل إذا أخبرته
بعنادك هذا؟ قالت: يحايلني، أي يصرفني عنه بالحيلة والإقناع، ويثقل على
ذوقي أن أذكر غير هذا مما من الله تعالى به علينا من بر والدينا وصلة أرحامنا
وتكريم نسائنا، إلا أنني أقول إنهن يعتقدن أنهن أسعد النساء وأن رجالهن أفضل
الرجال، وما هذا إلا باتباع هداية الإسلام مع العلم الصحيح بها، ولله الحمد.
الخاتمة
ألا يا معشر الجنس اللطيف:
ها أنتن أولاء قد علمتن من هذه الرسالة الوجيزة أن محمدًا رسول الله وخاتم
النبيين قد جاء بدين قويم، وشرع حكيم رحيم رفع حيف الرجال عنكن، وامتهانهم
لَكُنَّ، في جميع الأمم القديمة والحديثة، وأتباع الملل السماوية والقوانين الوضعية،
وأن الاهتداء بما جاء به يذهب بما بقي من الظلم لبنات جنسكن في بلاد الحضارة
المادية، التي يشكو أخواتكن من مصائبها وأرزائها ولا يهتدين إلى النجاة منها سبيلاً،
وشرها عليهن وعلى الإنسانية إباحة البغاء، والتسري الباطل باتخاذ الأخدان،
والإتجار بأبضاع النساء بسوقهن كالشاء والخنازير من قطر إلى قطر، وقذفهن من
حضن إلى حضن، فيا حسرة الإنسانية عليهن، ويا لمصائب الفضيلة بهن.
إن الإصلاح الإسلامي المحمدي يقضي بأن يكون لكل امرأة كافل شرعي
يكفيها كل ما يهمها لتكون بنتًا مكرمة فزوجًا صالحة، فأمًّا مربية، فجدة معظمة،
ومن حُرِمَتْ الزوجية أو الأمومة، لم تُحْرَمْ الكفالة والكرامة، ولو نفذ شرعه في
أوربة والبلاد المرزوءة بنفوذها وسيطرتها، لزال منها البغاء الرسمي والتسري
العهري، ولَمَا وُجد في أوربا عشرات الملايين من الأيامى المحرومات من الحياة
الزوجية ومنهن من ينفقن على أنفسهن وعلى أولاد لهن شرعيين وغير شرعيين،
فمصائب النساء ورزاياهن في تلك البلاد بالنسة إلى مجموعهن أعظم من رزاياهن
في البلاد التي فتن نساؤها بتقليدهن في الخلاعة والإباحة وطلب مساواة الرجال،
وأولئك لم يطلبن هذه المساواة بالرجال في كل شيء، إلا لأن الرجال قد حرموهن
حقوقهن الإنسانية التي قررها الإسلام.
لو علم نساء الإفرنج في العالمين القديم والجديد أحكام الشريعة وآدابها،
ودونت لهن بصورة قانون تظهر به مزاياها، لألَّفن الأحزاب والجمعيات للمطالبة
بها، وإنقاذ الحضارة من فتنة في الأرض وفساد كبير بيَّناه في هذه الرسالة، فهل
للمتعلمات من المسلمات في مصر وغيرها أن يدرسن هذا الموضوع، ويسبقن إلى
الدعوة إلى هذا المشروع، فهو خير لهن ولأمتهن وللإنسانية من افتتانهن بتقليد
نساء الإفرنج فيما يطلبن من إعطائهن حق مساواة الرجال في كل أسباب الكسب
والتصرف في الأموال، والدفاع عن الأوطان، ومجالس التشريع ودواوين الإدارة،
وأخاديع السياسة، وكذا حقوق الزواج والطلاق والحمل والرضاع حتى إذا أبين
وظائف الحبل والولادة لا يكرهن عليها.
لا خير للجنس اللطيف في مساواة الرجال ومشاركتهن لهم فيما يصدهن عن
حق الإنسانية عليهن في بقائها بالتناسل وتربية الأطفال التي يرتقي بها البشر،
وقيام النساء بهذه الوظائف يتوقف في هذا العصر على علوم وفنون كثيرة روحها
جميعها الإصلاح الإسلامي كما بيَّناه في مسألة المساواة وغيرها.
أيتها النسوة المسلمات المتعلمات
دعن فتنة السياسة، واخلعن تقاليد الخلاعة، وطالبن أمتكن وحكومتكن بعد
مطالبة أنفسكن بتربية البنات والبنين، على هداية هذا الدين المبين، والإصلاح
المحمدي العظيم، طالبن الحكومة والأمة بإلزام طلبة المدارس من الذكور والإناث
أداء الصلاة والصيام، والتوسع في دروس الدين الإسلامي وآدابه وتاريخه ووجه
تفضيله على جميع الشرائع والأديان، على الطريقة التي ترينها في هذه الرسالة.
طالبن الحكومة بإبطال البغاء الجهري والسري، وتحريم معاقرة الخمر ومنع
تهتك النساء واختلاطهن بالرجال في المراقص والملاهي والسباحة معهم في
الحمامات البحرية.
عدن إلى ما كان عليه خير جداتكن في صدر الإسلام من حضور صلاة الجماعة
في المساجد، وسماع ما يُلقى فيها من الخطب والمواعظ، وتلقي علم القرآن والسنة،
ومساعدة الرجال في الإصلاح الحق الذي ينهض بالأمة، ليظهر لسائر الأمم ولا
سيما نسائها ما امتاز به الإسلام من الإصلاح العام للإنسانية، حتى يعلمن أن نبيها
محمدًا صلى الله عليه وسلم هو مصلح النساء الأعظم، وأنه لو لم يكن رسول الله
وخاتم النبيين الذي جاء بإكمال دين الله الذي شرعه على ألسنة من سبقه من
المرسلين، لما جاء للإنسانية بخير مما جاءوا به كلهم أجمعون، فتكنَّ بذلك
شريكات لإخوتكن المجددين لهداية الإسلام وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعلى
سائر النبيين، والحمد لله رب العالمين.
_________
(1)
العقوق: الإيذاء الشديد من قول أو فعل أو ترك، ولا يدخل في العقوق المحرم مخالفتهما فيما يطلبان من معصية الله تعالى وتحكم الهوى المحض فيما يضر الولد كطلاق امرأته أو منعها حقها عليه، ووأد البنات: دفنهن في الحياة وتقدم، ومنعًا وهات معناه منع الحق وطلب ما ليس بحق.