الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد في العقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد كنت أقيد بعض المسائل المهمة التي تمر بي حرصا على حفظها، وعدم نسيانها، في دفتر وسميتها " فرائد الفوائد".
وقد انتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة وأعظم أهمية، وسميت ذلك:- " المنتقى من فرائد الفوائد".
أسأل الله- تعالى- أن ينفع به، وأن يجعل لطلبة العلم فيه أسوة. ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
القسم الأول: فوائد في العقيدة:
[فوائد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من " كتاب الإيمان "] .
فائدة:
الإسلام: هو الاستسلام لله وحده، بشهادة أن لا إله الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فهو الخضوع لله تعالى، والعبودية له وحده فمن استكبر عن عبادته وأشرك معه غيره فغير مسلم.
فإن قيل: ما أوجبه الله- تعالى- من الأعمال أكثر من الخمسة المذكورة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم، هي أركان الإسلام، أو هي الإسلام؟
فالجواب هو: أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي يجب على كل مكلف بلا قيد، وأما ما سواه فإما أنه يجب على الكفاية، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوه، أو لأسباب كصلة الرحم، إذ ليس كل أحد له قرابة تجب صلتهم.
كذا ذكر الشيخ الجواب لكن يرد على هذا الزكاة والحج إذ ليس كل أحد عنده مال حتى يجب عليه الزكاة والحج، ولعل الجواب أن هذه الخمس المذكورة هي أكبر أجناس الأعمال، فإن الأعمال على ثلاثة أقسام:
قسم أعمال بدنية ظاهرة كالصلاة، وباطنة كالشهادتين، وهما أيضا من الأقوال.
وقسم أعمال مالية كالزكاة.
وقسم مركب من النوعين كالحج.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم، الأصول وأن المرء إذا قام بأصل من هذه الأجناس فهو مسلم، وأيضا فإن صلة الرحم قد يكون الداعي فيها قويا ليس من جهة الشرع بل من جهة الإنسانية، بخلاف الزكاة والحج!!
فائدة:
الناس في تفاضل الإيمان وتبعضه على قولين:
أحدهما: إثبات ذلك وهو الصواب الذي تدل عليه الأدلة العقلية والنقلية، وهو قول المحققين من أهل السنة. وتفاضله بأمرين:
الأول من جهة العامل. وذلك نوعان: الأول في الاعتقاد، ومعرفة الله تعالى، فإن كل أحد يعرف تفاضل يقينه في معلوماته، بل في المعلوم الواحد وقتا يرى يقينه فيه أكمل من الوقت الآخر.
النوع الثاني: في القيام بالأعمال الظاهرة كالصلاة، والحج والتعليم، وإنفاق المال، والناس في هذا على قسمين:
أحدهما: الكامل وهم الذين أتوا به على الوجه المطلوب شرعا.
الثاني: ناقصون، وهم نوعان:
النوع الأول، ملومون، وهم من ترك شيئا منه مع القدرة وقيام أمر الشارع، لكنهم إن تركوا واجبا أو فعلوا محرما فهم آثمون، وإن فعلوا مكروها أو تركوا مستحبا فلا إثم.
النوع الثاني: ناقصون غير ملومين، وهم نوعان:
الأول: من عجز عنه حسا، كالعاجز عن الصلاة قائما.
الثاني: العاجزون شرعا مع القدرة عليه حسا. كالحائض تمتنع من الصلاة، فإن هذه قادرة عليه، لكن لم يقم عليها أمر الشارع. ولذلك جعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ناقصة الإيمان بذلك فإن من لم يفعل المأمور ليس كفاعله. ومثل ذلك من أسلم ثم مات قبل أن يصلي لكون الوقت لم يدخل، فإن ذلك كامل الإيمان لكنه من جهة أخرى ناقص، ولا يكون كمن فعل الصلاة وشرائع الإسلام، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«خيركم من طال عمره وحسن عمله» . (1)
الأمر الثاني: من جهة العمل، فكلما كان العمل أفضل كانت زيادة الإيمان به أكثر.
القول الثاني: نفي التفاضل والتبعض، وانقسم أصحاب هذا القول إلى طائفتين.
(1) أخرجه الترمذي: كتاب الزهد: باب ما جاء في طول العمر وقال: " حديث حسن صحيح".
إحداهما: قالت: إن من فعل محرما أو ترك واجبا فهو مخلد في النار، وهؤلاء هم المعتزلة. وقالوا: هو لا مسلم ولا كافر منزلة بين منزلتين. وأما الخوارج فكفروه.
الطائفة الثانية: مقابلة لهذه قالت: كل موحد لا يخلد في النار والناس في الإيمان سواء، وهم المرجئة. وهم ثلاثة أصناف. صنف قالوا: الإيمان مجرد ما في القلب وهما نوعان.
الأول: من يدخل أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة.
والثاني: من لا يدخلها وهم الجهمية وأتباعهم كالأشعري، لكن الأشعري يثبت الشفاعة في أهل الكبائر.
والصنف الثاني: قالوا: الإيمان مجرد قول اللسان. وهم الكرامية، ولا يعرف لأحد قبلهم، وهؤلاء يقولون: إن المنافق مؤمن، ولكنه مخلد في النار.
الثالث: قالوا: إنه تصديق القلب وقول اللسان. وهم أهل الفقه والعبادة من المرجئة، ومنهم أبو حنيفة وأصحابه.
فائدة:
مراد النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله:«وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (1) ، أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن، لا أن من لم ينكر ذلك بقلبه لم يكن معه من الإيمان حبة خردل.
قلت: ومن رضي بالذنب واطمأن إليه فهو كفاعله لا سيما مع فعل ما يوصل إليه وعجز وقد قال الشيخ رحمه الله: [إن من ترك إنكار كل منكر بقلبه فهو كافر] .
(1) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق: باب رفع الأمانة، ومسلم: كتاب الإيمان: باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب.
فائدة:
الإسلام عبادة الله وحده، فيتناول من أظهره ولم يكن معه إيمان، وهو المنافق، ومن أظهره وصدق تصديقا مجملا، وهو الفاسق، فالأحكام الدنيوية معلقة بظاهر الإيمان لا يمكن تعليقها بباطنه لعسره أو تعذره، ولذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم، عقاب أناس، منافقين مع علمه بهم، لأن الذنب لم يكن ظاهرا.
ا. هـ. ما أردنا نقله من " كتاب الإيمان" على نوع من التصرف لا يخل بالمعنى.
ومن كلام الشيخ الإسلام في شرح عقيدة الأصفهاني.
فائدة:
الله جل جلاله لا يدعى إلا بأسمائه الحسنى خاصة، فلا يدعى ولا يسمى بالمريد والمتكلم، وإن كان معناهما حقا، فإنه يوصف بأنه مريد متكلم، ولا يسمى بهما، لأنهما ليسا من الأسماء الحسنى، فإن من الكلام ما هو محمود ومذموم، كالصدق والكذب، ومن الإرادة كذلك كإرادة العدل والظلم.
فائدة:
كل صفة لا بد لها من محل تقوم به، وإذا قامت الصفة بمحل فإنه يلزم منها أمران:
الأول: عود حكمها على ذلك المحل دون غيره.
الثاني: أن يشتق منها لذلك المحل اسم دون غيره.
مثال ذلك: الكلام فإنه يلزم من أثبت كونه من صفات الله- تعالى - أن
يشتق منه اسم دون غيره، لكن لا يلزم من ذلك أن نثبت له اسما بأنه متكلم كما سبق، ويلزم أن لا يجعله مخلوقا في غيره خلافا للجهمية، حيث زعموا أنهم أثبتوا الكلام وجعلوه مخلوقا فإنه يلزم من كلامهم نفي الكلام عن الله، كما نفاه متقدموهم.
فائدة:
قال في ص 138: فالتزموا (أي المعتزلة) لذلك أن لا يكون لله علم، ولا قدرة، وأن لا يكون متكلما قام به الكلام، بل يكون القرآن وغيره من كلامه- تعالى- مخلوقا خلقه في غيره، ولا يجوز أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة. ولا هو مباين للعالم، ولا مجانبة، ولا داخل فيه، ولا خارج عنه، ثم قالوا أيضا: لا يجوز أن يشاء خلاف ما أمر به ولا أن يخلق أفعال عباده ولا يقدر أن يهدي ضالا أو يضل مهتديا، لأنه لو كان قادرا على ذلك وقد أمر به، ولم يعن عليه لكان قبيحا منه، فركبوا عن هذا الأصل التكذيب بالصفات والقدرة، إلى أن قال: وأصل ضلالهم في القدر أنهم شبهوا المخلوق بالخالق سبحانه، فهم مشبهة الأفعال.
وأما أصل ضلالهم في الصفات، فظنهم أن الموصوف الذي تقوم به الصفات لا يكون إلا محدثا. وقولهم من أبطل الباطل فإنهم يسلمون أن الله حي عليم قدير، ومن المعلوم أن حيا بلا حياة وعليما بلا علم وقديرا بلا قدرة، مثل متحرك بلا حركة، وأبيض بلا بياض، وأسود بلا سواد، وطويل بلا طول، وقصير بلا قصر، ونحو ذلك من الأسماء المشتقة التي يدعى فيها نفي المشتق منه وهذه مكابرة للعقل، والشرع، واللغة.
فائدة:
ليس ما علم إمكانه جُوِّز وقوعه! فإنا نعلم قدرة الله على قلب الجبال ذهبا ونحو ذلك، لكن نعلم أنه لا يفعله إلى غير ذلك من الأمثلة.
فائدة:
دليل النبوة يحصل بالمعجزات، وقيل: باستواء ما يدعو إليه وصحته وسلامته من التناقض، وقيل لا يحصل فيهما، والأصح أن المعجزة دليل، وثم دليل غيرها. فإن للصدق علامات، وللكذب علامات.
فمن العلامات سوى المعجزة النظر إلى نوع ما يدعو إليه، بأن يكون من نوع شرع الرسول قبله، فإن الرسالة من لدن آدم إلى وقتنا هذا لم تزل آثارها باقية، وذكر منها علامات كثيرة يرحمه الله رحمة واسعة والمسلمين.
فائدة:
إذا وجب عليه الإيمان فآمن، ولم يدرك أن يأتي بشرائع الإيمان كان كامل الإيمان، بالنسبة إلى الواجب عليه. وإن كان ناقصا بالنسبة لمن هو أعلى منه.
مثاله من آمن فمات قبل الزوال مثلا مات مؤمنا كامل الإيمان الواجب عليه. لكنه من دخلت عليه الأوقات وصلى أكمل إيمانا منه.
فمن ذلك علم أن نقصان الإيمان على نوعين:
أحدهما: ما يلام عليه.
الثاني: ما لا لوم فيه. كهذا المثال.
قلت: وأما من عجز عن إكمال عمل بعد أن أتى بما قدر عليه منه، فالظاهر أنه كمن فعله، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من مرض أو سافر»
«كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما» (1) وأما إن عجز عنه أصلا فيحتمل أن يكون له أجر فاعله، لقصة الفقير الذي قال: لو أن عندي مال فلان لعملت فيه مثل عمله، وكان يصرفه في مرضاة الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فهما في الأجر سواء» ويحتمل عكسه، لأن «فقراء الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " ذهب أهل الدثور بالأجور» لم يقل لهم: إن نيتكم تبلغكم ذلك فتمنوا، وإنما أخبرهم بعمل بدله، ولكن يقال: إن الذي لا يقدر على عمل معين، إما أن يكون لذلك العمل بدل يقدر عليه، فهذا لا يثاب على العمل إذا لم يأت ببدله؛ لأنه لو كان صحيح النية لعمل ذلك البدل. فعلى هذا يكون حصول الأجر مشروطا بعدم وجود بدله المقدور عليه، على أنا نقول: إن من نفع الناس بماله فله أجران.
الأول: بحسب ما قام بقلبه من محبة الله ومحبة ما يقرب إليه، فهذا الأجر يشركه فيه الفقير إذا نوى نية صحيحة.
والأجر الثاني: دفع حاجة المدفوع له، فهذا لا يحصل للفقير، والله أعلم.
وبذلك انتهى ما أردنا نقله من شرح الشيخ رحمه الله على عقيدة الأصفهاني.
فائدة:
من الجزء الأول من " بدائع الفوائد " لابن القيم ص 159 ما ملخصه:
ما يجري صفة أو خبرا عن الرب تعالى. أقسام:
الأول: ما يرجع إلى الذات نفسها كالشيء، والموجود.
(1) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد: باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة.
الثاني: ما يرجع لصفات معنوية، كالسميع العليم.
الثالث: يرجع إلى أفعاله كالخالق.
الرابع: يرجع للتنزيه المحض المتضمن كالقدوس السلام.
الخامس: الاسم الدال على أوصاف عديدة كالمجيد العظيم الصمد.
السادس: ما يحصل باقتران الاسمين أو الوصفين كالغني الحميد، فإن الغنى صفة مدح، وكذلك الحمد فله ثناء من غناه، وثناء من حمده وثناء منهما.
ويجب أن يعلم هنا أمور:
الأول: ما يدخل في باب الإخبار أوسع مما في أسمائه، وصفاته، فيخبر عنه بالموجود والشيء، ولا يسمى به (قلت: وقد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين معنى ذلك) .
الثاني: الصفة إذا انقسمت إلى كمال ونقص فلا تدخل بمطلقها في أسمائه، كالصانع والمريد ونحوهما، فلذا لم يطلق على نفسه من هذا إلا أكمله فعلا وخبرا، كقوله {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .
الثالث: لا يلزم من الإخبار عنه بفعل مقيد أن يشتق له منه اسم، ولذا غلط من سماه بالماكر والفاتن والمستهزئ ونحو ذلك.
الرابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، دون ما يطلق من الأخبار.
الخامس: الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل إن كان متعديا كالسميع والعليم. وإلا فلا كالحي.
السادس: أسماؤه كلها حسنى، وأفعاله صادرة عنها، فالشر ليس إليه فعلا ولا وصفا، وإنما يدخل في مفعولاته البائنة عنه دون فعله الذي هو وصفه.
إحصاء أسماء الله - تعالى- مراتب:
الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
الثالثة: دعاؤه بها وهو مرتبتان:
الأولى: دعاء ثناء وعبادة فلا يكون إلا بها.
الثانية: دعاء مسألة فلا يسأل إلا بها، ولا يجوز يا شيء يا موجود ونحوهما.
السابع: أسماء الله الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا عد، كقوله صلى الله عليه وسلم، «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك» .. " إلخ. فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: ما سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته وغيرهم، وما أنزل به كتابه، وما استأثر به تبارك وتعالى.
الثامن: من أسمائه ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالبها كالسميع والبصير ونحوهما، فيسوغ أن يدعى ويثنى عليه ويخبر عنه مفردا ومقرونا، ومنها ما لا يطلق إلا مقرونا بغيره، لكون الكمال لا يحصل إلا به، كالضار، والمنتقم، والمانع، فلا تطلق إلا مقرونة بمقابلها. كالضار النافع والمنتقم العفو والمانع المعطي، إذ كمال التصرف لا يحصل إلا به.
قلت: لكن لو أطلق عليه من ذلك اسم مدح لم يمتنع فيسوغ أن يقال: العفو من دون المنتقم، كما ورد في القرآن الكريم، ومثله النافع والمعطي فإن هذه الأسماء تستلزم المدح والثناء المطلق، بخلاف المانع والمنتقم والضار
على أن شيخ الإسلام رحمه الله ينكر تسمية الله بالمنتقم. ويقول: إن هذا لم يرد إلا مقيدا، كقوله تعالى:{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} ، {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ، {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} .
التاسع: الصفات أنواع: صفات كمال، وصفات نقص، وصفات لا تقتضي واحدا منهما وصفات تقتضيهما باعتبارين، والرب- تعالى- منزه عن هذه الثلاثة، موصوف بالأول، وهكذا أسماؤه أسماء كمال، فلا يقوم غيرها مقامها من صفات الإدراكات العليم الخبير دون العاقل الفقيه، السميع البصير، دون السامع الباصر والناظر. ومن صفات الإحسان البر الرحيم، الودود دون (الرفيق) والشفيق ونحوهما. وهكذا سائر الأسماء الحسنى.
العاشر: الإلحاد في أسمائه أنواع.
الأول: أن يسمى به غيره من الأصنام.
الثاني: أن يسمى بما لا يليق بجلاله كتسميته أبا أو علة فاعلة. قلت: ومنه أن يسمى بغير ما سمى به نفسه.
الثالث: وصفه بما ينزه عنه، كقول أخبث اليهود: إنه فقير.
الرابع: تعطيلها عن معانيها وجحد حقائقها، كقول الجهمية: إنها ألفاظ مجردة لا تدل على أوصاف سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهكذا.
الخامس: تشبيه صفاته بصفات خلقه. تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.
فائدة
قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس قال: صدقوا وما يصنع الشيطان بقلب خراب؟!
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله في الفتاوى ج 2 ص 21:
والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله بذكر أو غيره لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف كيد الشيطان عنه، إن كيد الشيطان كان ضعيفا. وكلما أراد العبد توجها إلى الله- تعالى- بقلبه جاءه من الوسواس أمور أخرى فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله قطع الطريق عليه.
وقال في كتاب الإيمان ص 147 في الطبعة الهندية: وكثيرا ما يعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق، ثم يتوب الله عليه وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه. والمؤمن يبتلى بوسواس الشيطان وبوسواس الكفر التي يضيق بها صدره إلى أن قال: ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا، أو منافقا، ومن الناس من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يجربها إلا إذا طلب الدين، ولهذا يعرض للمصلين من الوساوس ما لا يعرض لغيرهم، لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد أن ينيب إلى ربه ويتصل به ويتقرب إليه ويعرض للخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة. ويوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه وهذا هو مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله. ا. هـ. كلامه ملخصا رحمه الله ونسأل الله- تعالى- أن يعيذنا من عدونا عدو الإنس والجن إنه سميع عليم.
فائدة:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال (1) : «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كأن هذا الراكب إياكم يريد فانتهى إلينا الرجل فسلم فرددنا عليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أقبلت؟ قال: من أهلي وولدي وعشيرتي قال: فأين تريد؟ قال أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقد أصبته قال: يا رسول الله علمني ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت. قال: قد أقررت قال: ثم إن بعيره دخلت يده في شكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على هامته فمات.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل. فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه، فقالا: يا رسول الله قبض الرجل، قال: فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لهما رسول الله عليه وسلم: أما رأيتما إعراضي عن الرجل فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنه مات جائعا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا من الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الآية ثم قال: دونكم أخاكم فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه»
(1) أخرجه الإمام أحمد جـ 4 ص 3، وأبو داود: كتاب الجنائز: باب في اللحد، والنسائي: كتاب الجنائز: باب اللحد والشق، وابن ماجه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في استحباب اللحد، والترمذي: كتاب الجنائز: باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اللحد لنا والشق لغيرنا" والبيهقي في " السنن الكبرى " جـ 4 ص 403، والطبراني في " المعجم الكبير" جـ 2 ص 360 وابن أبي شيبة في " المصنف " جـ 3 ص 322.
«وحملناه إلى القبر، فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر فقال: الحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا» . رواه أحمد بن حنبل عن إسحاق بن يوسف حدثنا أبو جناب عن زادان عن جرير.
وفي الحديث دليل على أن الإيمان يطلق على الأعمال الظاهرة التي هي الإسلام. اللهم توفنا على الإيمان، وأحينا على سنة المصطفى من بني الإنسان، يا كريم يا رحمن يا حي يا قيوم.
فائدة:
قال شيخ الإسلام في كتاب النبوات ص 172- 173 مفرقا بين النبي والرسول: إن النبي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول.
وأما إذا كان إنما كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول.
فائدة:
قال في [مختصر الصواعق] أثناء كلامه على حديث النزول ص 381 مطبعة الإمام:
الحادي عشر: أن الخبر وقع عن نفس ذات الله- تعالى- لا عن غيره فإنه قال: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا،» فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ، والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم، فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ويكون عن مسماه ومعناه وهو الأكثر.
فإذا قلت: زيد عندك وعمرو قائم فإنما أخبرت عن الذات لا عن
الاسم فقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} هو خبر عن ذات الرب- تعالى- فلا يحتاج المخبر أن يقول: خالق كل شيء بذاته، وقوله:{اللَّهُ رَبُّكُمْ} قد علم أن الخبر عن ذاته نفسها. وقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد البتة، فالسامع قد أحاط علما بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه ويعلم المتكلم بذلك لم يحتج أن يقول: إنه بذاته فعل وخلق واستوى، فإن الخبر عن مسمى اسمه وذاته وهذا حقيقة الكلام ولا ينصرف إلى غير ذلك إلا بقرينة ظاهرة تزيل اللبس وتعين المراد، فلا حاجة بنا أن نقول: استوى على العرش بذاته وينزل إلى السماء بذاته، كما لا يحتاج أن نقول: خلق بذاته وقدر بذاته وسمع وتكلم بذاته، وإنما قال الأئمة ذلك إبطالا لقول المعطلة ا. هـ.
وقوله: فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة، مثاله قول المعربين في: زيد قائم، زيد مبتدأ، وقائم خبره.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين ص 180 ج 12 من مجموع الفتاوى:
وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقا، وقد تكون له حسنات ترجع على سيئاته،
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص فليس كل مبتدع ولا مخطئ ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا بل ولا فاسقا بل ولا عاصيا ا. هـ.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين 307 ج 11 من مجموع الفتاوى: والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال:
(أ) من كان يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله ويأمر الإنس بذلك فهو من أفضل أولياء الله.
(ب) من كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في ذلك.
(ج) من كان يستعملهم فيما نهى الله عنه ورسوله كالشرك وقتل المعصوم والعدوان عليه بما دون القتل فإن استعان بهم على الكفر فهو كافر وعلى المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق. ا. هـ. ملخصا.
وقال ص 62 ج 19 من المجموع: وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم، فإن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسؤول فحرام، وإن كان ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز صدقه من كذبه فهذا جائز، وذكر أدلة ذلك ثم قال: وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ليعرفوا ما عندهم فيعتبروا به وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة، ثم ذكر أنه روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة.
وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشا فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم
انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر فسأل عمر عن ذلك فذكر له فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك فجاء بعد ذلك بعدة أيام. ا. هـ.
وقال في كتاب النبوات ص 260: والجن الذين يطيعون الإنس وتستخدمهم الإنس ثلاثة أصناف:
أعلاها أن يأمرهم بما أمر الله به ورسله. وذكر كلاما ثم قال:
ومن الناس من يستخدم من يستخدمه من الإنس في أمور مباحة كذلك فيهم من يستخدم الجن في أمور مباحة لكن هؤلاء لا يخدمهم الإنس والجن إلا بعوض مثل أن يخدموهم كما يخدمونهم أو يعينوهم على بعض مقاصدهم، وإلا فليس أحد من الإنس والجن يفعل شيئا إلا لغرض، والإنس والجن إذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراضه المباحة فإما أن يكونوا مخلصين يطلبون الأجر من الله وإلا طلبوه منه إما دعاؤه لهم وإما نفعه لهم بجاهه أو غير ذلك.
والقسم الثالث: أن يستخدم الجن في أمور محظورة أو بأسباب محظورة وذكر أن هذا من السحر، وذكر كلاما كثيرا.
ثم قال ص 267: والجن المؤمنون قد يعينون المؤمنين بشيء من الخوارق كما يعين الإنس المؤمنون للمؤمنين بما يمكنهم من الإعانة ا. هـ.
فائدة:
قول السفاريني في عقيدته عند ذكر الاستواء: (قد تعالى أن يحد) .
الحد لفظ مجمل يراد به تارة معنى صحيح، وأخرى معنى باطل.
ومن ثم قال الإمام أحمد: " وهو على العرش بلا حد"، ومرة أخرى قيل له ما يذكر عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف ربنا عز وجل؟ فقال:
بأنه على عرشه بائن من خلقه بحد قال: قد بلغني ذلك عنه وأعجبه وقال: هكذا هو عندنا.
وذلك أن الحد تارة يراد به أن الله محدود يدرك العقل حده وتحيط به المخلوقات فهذا باطل.
وتارة يراد به أنه بائن من خلقه غير حال فيهم فهذا صحيح. ولذلك رد الإمام عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي في نفيه الحد وقال: إنه لا معنى لنفيك، إلا أن الله لا شيء، لأنه ما من شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حد وغاية وصفة، لكن الباري جل وعلا لا يعلم كيفية صفته إلا هو قال: فنحن نؤمن بالحد ونكل علمه إلى الله- تعالى- ا. هـ.
وبذلك تعرف أن نفي الحد وإثباته على وجه الإطلاق لا ينبغي على أن السلامة هي أن يقال: إن الحد لا يضاف إلى الله إطلاقا لا على سبيل وجه النفي ولا على وجه الإثبات، لكن معناه يستفصل فيه، ويثبت الحق منه ويبطل الباطل. والله أعلم.
فائدة:
في كتاب العقل والنقل ص 60 ج2 مفرد نقلا عن أبي حامد: وكان عبد الله بن سعيد بن كلاب يقول: هي حكاية عن الأمر فخالفه أبو الحسن الأشعري، بأن الحكاية تحتاج أن تكون مثل المحكي، ولكن هو عبارة عن الأمر القائم بالنفس.
فائدة:
سؤال الملكين يعم كل ميت، وقال بعض الحفاظ والمحققين: الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون له تكليف وبه جزم غير واحد من أئمة
الشافعية ولم يستحبوا تلقينه إذا وجزم الترمذي بأن المعلن في كفره لا يسأل، ووافقه ابن عبد البر وخالفه القرطبي وابن القيم لقوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} ولحديث البخاري «وأما الكافر والمنافق» ورجحه ابن حجر وجزم ابن عبد البر والترمذي باختصاص السؤال بهذه الأمة، وخالفهما ابن القيم وجماعة وتوقف آخرون وظاهر الأحاديث أن السؤال بالعربية كما أنه لسان أهل الجنة والله أعلم.
فائدة:
في تاريخ الجهمية والمعتزلة نقلا عن مجلة المنار في مواضع متعددة بطريقة مختصرة.
انقسام التجهم ص 745 مج 16.
قال الشيخ تقي الدين: ليس الناس في التجهم على درجة واحدة بل انقسامهم في التجهم يشبه انقسامهم في التشيع، ولذلك يتستر الزنادقة بهاتين البدعتين اللتين هم أعظم أو من أعظم البدع التي حدثت في الإسلام.
فالرافضة القدماء ليسوا جهمية بل مثبتو صفات، وغالبهم يصرح بلفظ الجسم، كما أن الجهمية ليسوا رافضة بل كان الاعتزال فاشيا فيهم، والمعتزلة ضد الرافضة وهما إلى النصب أقرب، ولكن في عهد بني بويه فشا التجهم في الرافضة والشيعة ثلاث درجات.
شرها الغالية الذين يجعلون لعلي شيئا من الألوهية أو النبوة.
والدرجة الثانية الرافضة المعروفة كالإمامية وغيرهم يعتقدون أن عليا
الإمام الحق بعد النبي- صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي، ولكنه ظلم ويبغضون أبا بكر وعمر ويشتمونهما وهذا أعني بغضهما وشتمهما سيما الرافضة.
الثالثة: المفضلة يفضلون عليا على أبي بكر وعمر، لكن يتولونهما ويعتقدون عدالتهما وإمامتهما كالزيدية وهؤلاء أقرب إلى أهل السنة منهم إلى الرافضة.
وكذلك الجهمية ثلاث درجات:
غالية: ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه قالوا: هو مجاز فهو عندهم ليس بحي ولا عالم.. إلخ، فهم لا يثبتون شيئا ولكن يدفعون التشنيع بما يقرون به في العلانية. وقد قال أبو الحسن الأشعري: إن هؤلاء أخذوا عن إخوانهم المتفلسفة الذين زعموا أن للعالم صانعا لم يزل ليس بعالم ولا قادر.. إلخ. غير أن هؤلاء لم يظهروا المعنى فقالوا: إن الله عالم من طريق التسمية من غير أن نثبت له علما أو قدرة.. إلخ. وهذا القول، قول القرامطة الباطنية ومن سبقهم من إخوانهم الصابئة والفلاسفة.
الدرجة الثانية: تجهم المعتزلة يقرون بالأسماء الحسنى في الجملة ويجعلون كثيرا منها على المجاز، لكنهم ينفون صفاته وهؤلاء هم الجهمية المشهورون.
والثالثة: الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية وغير الخبرية ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها. ومنهم من يقر بما جاء في القرآن الكريم دون الحديث ومنهم من يقر بالجميع، لكن مع نفي وتعطيل للبعض وهؤلاء إلى السنة المحضة أقرب إلى الجهمية المحضة. بيد أن متأخريهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر فخالفوا أوليهم ا. هـ.
وقد أشار إلى أن كلام الشيخ هذا في التسعينية. انتهى الكلام على الجهمية.
أما الكلام على المعتزلة فيلخص فيما يلي:
1.
من هم المعتزلة؟
ص 749 ج 16 هي فرقة إسلامية كبيرة جدا إذ إنه انتحلها رجال كثيرون فشيعة العراق قاطبة، والأقطار الهندية والشامية والبلاد الفارسية والزيدية في اليمن، كل هؤلاء الذين يعدون بالملايين على مذهب المعتزلة.
أما في نجد فقد انتشر مذهب السلف الأثرية، كما يوجد ذلك في طوائف من الهند وفي جماعات قليلة في العراق والحجاز والشام.
أما السواد الأعظم من البلاد الإسلامية فعلى المذهب المنسوب إلى الأشعري أي الذي تداوله المتأخرون إذ إن مذهب الأشعري بنفسه هو مذهب أحمد بن حنبل كما صرح بذلك في كتابه الإبانة.
2.
تلقيب المعتزلة بالجهمية ص 751 مج 16.
كان مذهب الجهمية سابقا بزمن قريب مذهب المعتزلة غير أنهما اتفقا على أصول كبيرة في مذهبهما وهي نفي الصفات والرؤية وخلق الكلام، فصاروا كأهل المذهب الواحد وإن اختلفوا في بعض الفروع، ومن ثم أطلق أئمة الأثر (الجهمية) على المعتزلة فالإمام أحمد والبخاري في كتابيهما "الرد على الجهمية" ومن بعدهما يعنون بالجهمية المعتزلة لأنهم بهذه المسائل أشهر من الجهمية خصوصا في المتأخرين.
وأما المتقدمون فيعنون بالجهمية الجهمية لأنها الأم السابقة لغيرها من مذاهب التأويل (أي التعطيل) . كما سبق عن الشيخ تقي الدين.
قال رشيد: وبما ذكر يزول الاشتباه الذي يراه البعض من ذكر الجهمية في هذه المسائل، مع أنها في عرفهم مضافة إلى المعتزلة وذلك أن
تلقيبهم بالجهمية لما وجد من موافقتهم إياهم في هذه المسائل، ومن ثم قال الشيخ تقي الدين: كل معتزلي جهمي ولا عكس، لكن جهم أشد تعطيلا لأنه ينفي الأسماء والصفات.
فائدة:
قال ابن مفلح في الفروع: لم يبعث إليهم (أي الجن) نبي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: ويشهد له قوله- صلى الله عليه وسلم،:«وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» . (1)
فأما قوله تعالى، عن الجن:{يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} . فظاهره أنهم كانوا يتعبدون بشريعة موسى، وكذا هو ظاهر حال الجن المسخرين لسليمان أي إن الظاهر أنهم كانوا يتعبدون بشريعة سليمان، وكان يتعبد بشريعة موسى، هكذا قيل: إنه ظاهر حالهم وفيه نظر ولكن يكفينا ظاهر الآية.
والجواب أن الظاهر أنه لم يكلف بالرسالة إليهم، وإن كانوا قد يتعبدون بها والله أعلم.
(1) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
فائدة:
حديث عمران بن حصين: «كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض» .
وقد روى الترمذي بإسناد صححه في موضع وحسنه في آخر، والبيهقي، وأحمد وابن ماجه، ومحمد بن الصباح، «من حديث أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله أين ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟
قال: "كان الله في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء. ثم خلق العرش ثم استوى عليه» . (1) هذا لفظ البيهقي.
العماء: هو السحاب الكثيف المطبق.
قال ابن كثير في البداية والنهاية ص 8 ج 1 ما ملخصه: واختلف في أيها خلق أولا، فقال قائلون: خلق الله القلم قبل هذه الأشياء كلها، وهو اختيار ابن جرير، وابن الجوزي وغيرهما، قال ابن جرير: وبعد القلم السحاب الرقيق.
واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت مرفوعا «إن أول ما خلق الله القلم» . (2) رواه أحمد، وأبو داود والترمذي.
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند جـ4 ص 11، والترمذي: كتاب التفسير " سورة هود" جـ 5 ص 288، وابن ماجه: المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية، والطبراني في" المعجم الكبير" جـ 19 ص 207، وابن أبي عاصم في " السنة " جـ1 ص 272، والبيهقي في " الأسماء والصفات" جـ 2 ص 150، وعبد الله بن الإمام أحمد في " السنن " ج 2 ص 243.
(2)
أخرجه الإمام أحمد ج5 ص 317، وأبو داود: كتاب السنة: باب في القدر، والترمذي: كتاب التفسير: باب " 66" والطيالسي (577) ، والآجري في " الشريعة " ص 177 وابن أبي عاصم في " السنة " جـ1 ص 48، والبيهقي في " الأسماء والصفات" جـ 2 ص 117، وأبو نعيم ج 5، ص 248.