الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي تعتبر من أقبح الفعال، ونكاح زوجة الأب يقع في المرتبة الثانية لأن الله تعالى وصفه بوصفين فقال:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الرجل إذا زنا بمحارمه وجب قتله بكل حال، يعني لو زنا الإنسان والعياذ بالله بأخته وجب أن يقتل بكل حال، وإن زنا بابنته فكذلك، وإن زنا بزوجة أبيه وجب قتله ولو لم يتزوج يعني ولو كان بكرا لأن هذا أعظم من الزنا بغير ذوات المحارم. وتلك ثلاثة أمثلة ل- الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
قوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} لها معنيان:-
المعنى الأول: ما ظهر منها بإظهاركم، وما بطن منها بإخفائكم أي الفواحش سواء أظهرتموها أم أخفيتموها.
وقيل: المعنى بل ما ظهر منها، أي ما كان فحشه ظاهرا لكل أحد وما كان فحشه خفيا لا يظهر لكل أحد. على كل حال الفواحش محرمة ما ظهر منها وما بطن.
الوصية الخامسة:
{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [
سورة الأنعام، الآية: 151] .
في قوله: (التي حرم الله) دليل على أن النفوس تنقسم إلى قسمين:-
قسم لم يحرم الله قتلها.
قسم حرم الله قتلها.
فما الذي حرم الله قتله من النفوس؟
هم أربعة أصناف: المسلم - الذمي - المعاهد - والمستأمن.
هؤلاء أربعة، المسلم معصوم بإسلامه، والذمي بذمته، والمعاهد بعهده، والمستأمن بأمانه.
الذمي هو الذي جرى بينه وبين المسلمين عقد وعهد على أن يبقى في البلاد الإسلامية محترما ولكن يبذل الجزية دليل ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة، الآية: 29] . وإذا فعلوا ذلك وجب علينا حمايتهم وحرم علينا الاعتداء عليهم لا في المال ولا في النفس ولا في العرض.
المعاهد هو الذي عُقِد بينه وبين المسلمين عهدٌ، " ومثال ذلك ما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة " عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، لكنهم نقضوا العهد.. المهم أنه جرى بينه وبينهم عهد، فإذا جرى بين المسلمين وبين غير المسلمين عهد على عدم الاعتداء صار هذا العهد ملزما ومانعا من العدوان عليهم. والمستأمن يعني الذي أخذ أمانا منا ودليل ذلك قول الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} سورة التوبة، الآية: 6] . هذه هي النفس التي حرم الله. فالله عز وجل قال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} إذا قلنا: إن النفوس التي حرمها الله أربع فمن بقي؟
بقي الكافر الذي ليس بيننا وبينه عهد ولا ذمة هذا مهدر الدم ويجوز للإنسان أن يقتله حيثما وجده.
ثم قال الله تعالى: {إِلَّا بِالْحَقِّ} ، فإذا كان قتل النفس بحق فلا مانع من قتلها، من الحقوق التي تبيح قتل النفس المحرمة: منها القصاص ومنها
الزنا إذا كان الزاني محصنا ومنها على القول الراجح اللواط فإنه مبيح للقتل، ومنها الردة إذا ارتد الإنسان عن دينه فإنه يدعى إلى دينه فإن أبى قتل، وكذلك الحرابة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [سورة المائدة، الآية: 33] وهم الذين يعرضون للناس بالطرق ويقتلونهم ويأخذون أموالهم. المهم أن كلمة (بالحق) عامة تشمل كل ما أباح الشارع قتله من النفوس المحرمة.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . (ذلكم) المشار إليه مما سبق وهن خمس وصايا وصانا الله بها لعلنا نعقل.
ما المراد بالعقل هنا؟
نحن نعلم أن العقل نوعان: عقل إدراك، وعقل رشد، فعقل الإدراك ما يدرك به الإنسان الأشياء، وهذا الذي يمر كثيرا في شروط العبادات، يقول: من شرطها الإسلام والعقل والتمييز، هذا هو عقل الإدراك وضده الجنون.
والثاني عقل رشد. بحيث يحسن الإنسان التصرف ويكون حكيما في تصرفه وضد هذا السفه لا الجنون.
فالمراد بالعقل بهذه الآية، المراد عقل الرشد لأنه لم يوجه إلينا الخطاب إلا ونحن نعقل عقل إدراك، لكن هل كان من وجه إليه الخطاب، يعقل عقل رشد؟ لا قد لا يعقل عقل الرشد، الكفار كلهم غير عقلاء عقل رشد كما قال الله تعالى في وصفهم:{بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [سورة البقرة، الآية: 171] لكن ليس معناه ليس عندهم عقل إدراك بل قد يكون عندهم عقل إدراك قوي وذكاء مفرط لكن ليس عندهم عقل رشد.
وما هو العقل النافع للإنسان؟
عقل الرشد لأن عقل الإدراك قد يكون ضررا عليه إذا كان ذكيا فاهما ولكنه والعياذ بالله ليس عنده حسن تصرف ولا رشد في تصرفه وقد يكون أعظم من إنسان ذكاؤه دون ذلك وهنا نسأل عن مسألة كثر السؤال عنها هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟
قال بعض الناس في القلب وقال بعض الناس: في الدماغ، وكل منهم له دليل، الذين قالوا: إنه في القلب قالوا: لأن الله تعالى يقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [سورة الحج، الآية: 46] .
قال: قلوب يعقلون بها ثم قال: تعمى القلوب التي في الصدور. إذًا العقل في القلب، والقلب في الصدر فكان العقل في القلب.
وقال بعضهم: بل العقل في الدماغ لأن الإنسان إذا اختل دماغه اختل تصرفه ولأننا نشاهد في الزمن الأخير نشاهد الرجل يزال قلبه ويزرع له قلب جديد ونجد عقله لا يختلف، عقله وتفكيره هو الأول. نجد إنسانا يزرع له قلب شخص مجنون لا يحسن يتصرف، ويبقى هذا الذي زرع فيه القلب عاقلا فكيف يكون العقل في القلب؟ إذًا العقل في الدماغ لأنه إذا اختل الدماغ اختل التصرف، اختل العقل.
ولكن بعض أهل العلم قال: إن العقل في القلب ولا يمكن أن نحيد عما قال الله عز وجل لأن الله تعالى وهو الخالق وهو أعلم بمخلوقه من غيره كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا»
«فسدت فسد الجسد كله» . (1) فالعقل في القلب والقلب في الصدر لكن الدماغ يستقبل ويتصور ثم يرسل هذا التصور إلى القلب، لينظر أوامره ثم ترجع الأوامر من القلب إلى الدماغ ثم ينفذ الدماغ. إذًا الدماغ بمنزلة السكرتير ينظم المعاملات ويرتبها ثم يرسلها إلى القلب، إلى المسؤول الذي فوقه. هذا القلب يوقع، يمضي، أو يرد ثم يدفع المعاملة إلى الدماغ، والدماغ يأمر الأعصاب وتتمشى، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الموافق للواقع وقد أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - في كتبه، والإمام أحمد أشار إليه إشارة عامة فقال: محل العقل القلب وله اتصال بالدماغ. لكن التفصيل الأول واضح جدا، الذي يقبل الأشياء ويتصورها ويمحصها هو الدماغ ثم يرسل النتيجة إلى القلب ثم القلب يأمر إما بالتنفيذ وإما بالمنع لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله» .
الوصية السادسة:
ثم قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} . [سورة الأنعام، الآية: 152] .
اليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه سواء أكان ذكرا أو أنثى. ومن ماتت أمه قبل أن يبلغ فليس بيتيم.
هذا اليتيم له مال ورثه من أبيه ولا بد أن يكون لليتيم ولي يقوم عليه، إما بوصية من أبيه وإما بتوليه من الحاكم وإما بتوليه من الشارع على قول
(1) البخاري: كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم: كتاب المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
كثيرمن أهل العلم. المهم وليه يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
قربان مال اليتيم له ثلاث درجات:
1 -
أسوأ.
2 -
أحسن.
3 -
لا أحسن ولا أسوأ.
فالتصرف بما هو أسوأ في مال اليتيم حرام يعني: لو أنك أردت أن تشتري شيئا بمال اليتيم وتعرف أن هذا الشيء سيخسر قطعا، فذلك حرام لأن هذا لا شك ضرر على اليتيم. وأما إذا تصرفت تصرفا لا تدري هل هو أحسن أو ليس بأحسن. هذا أيضا حرام لأن الله يقول:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
أردت أن تتصرف فيه تصرفا حسنا لكن أمامك شيئان، تصرف فيه خير وتصرف فيه خير أكثر، أيهما الواجب؟ الواجب الذي فيه الخير الأكثر لأن الله قال:{إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ولنضرب لهذا مثلا: جاءك رجل يقول: أقرضني مال اليتيم. وهذا الرجل معروف بالمماطلة وأنه لا يكاد يخرج الحق منه، هل يجوز أن تقرضه؟ لا يجوز؛ لأن في ذلك مغامرة ومخاطرة في مال اليتيم.
جاءك رجل آخر يقول: أقرضني مال اليتيم وهو رجل وفي، لكن إقراضه ليس فيه مصلحة لليتيم هل تقرضه؟
لا، لأنه ليس فيه مصلحة.
جاءك رجل ثالث يقول: أقرضني مال اليتيم وأنت تخشى على هذا المال لو بقي عندك أن يسرق، فهل في إقراضه مصلحة؟
هذا الرجل الثالث وفي، ولو طلب منه المال في أي ساعة من ليل أو نهار أعطاه، وأنا أخشى إن بقي المال عندي أخشى عليه من عدوان أو سرقة أو غير ذلك فهنا إذا أقرضته، جائز لأن هذا هو الأحسن، إذًا يجب على ولي اليتيم المتولي لماله أن لا يتصرف إلا بالتي هي أحسن، ومن هنا نأخذ قاعدة، وهي أن كل ولي على كل شيء يجب عليه أن لا يتصرف إلا بما هو أحسن.
الإنسان لو تصرف بشيء لنفسه فهو حر، لكن إذا تصرف بشيء لغيره وجب أن يتبع الأحسن، ومن ذلك ما لو تقدم إلى ابنتك رجلان يخطبانها، أحدهما صاحب دين وخلق، والثاني دونه في الدين والخلق، فما الواجب عليك، أتزوج الأول أو الثاني؟ الواجب أن تزوج الأول لأن ذلك أحسن فإن صاحب الخلق والدين إن رضي البنت أمسكها بإحسان وإن فارقها فارقها بمعروف ومن هنا نأخذ أيضا أنه لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته برجل تريده، والأب لا يريده إذا كان صاحب خلق ودين لأن هذا خلاف الإحسان بالنسبة للتصرف في حق البنت، وكذلك أيضا إذا أعطاك شخص زكاته لتفرقها على مستحقيها، ووجدت فقيرا ووجدت شخصا آخر أشد منه فقرا فما الواجب عليك؟ الواجب أن تعطي الذي هو أشد فقرا لأن هذا أنفع لصاحب الزكاة وللمعطي أيضا. فكل من تصرف لغيره فالواجب عليه أن يتبع ما هو أحسن.
قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} . المراد بالأشد الرشد؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [سورة النساء، الآية: 6] . فإذا بلغ اليتيم وكان يحسن التصرف في المال وجب علينا أن ندفع إليه المال، ولهذا قال:{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} لأنه الآن ليس لأحد حق في الولاية عليه.