المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العبادات ليست تكليفا - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين - جـ ٧

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌نوح أول الرسل بالكتاب، والسنة، والإجماع

- ‌ الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه

- ‌ توحيد الألوهية

- ‌ قولهم: " إننا لا نعبد الأصنام إنما نعبد الأولياء

- ‌ الشفاعة كلها لله

- ‌ الالتجاء إلى الصالحين

- ‌ أشرك في عبادة الله أحدا من الصالحين

- ‌ التوحيد هو أعظم ما جاءت به الرسل

- ‌ الاستغاثة بغير الله ليست شركًا

- ‌شرح الأصول الستة

- ‌إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك ل

- ‌ السمع والطاعة لمن تأمر علينا

- ‌بيان الله سبحانه لأولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله

- ‌رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة

- ‌مختارات من اقتضاء الصراط المستقيم

- ‌الإخلاص

- ‌فوائد في العقيدة

- ‌أفعال العباد:

- ‌مراتب القضاء والقدر

- ‌الرضا بالقضاء

- ‌ قص إهلاك الأمم علينا

- ‌ جواز قول لعمري

- ‌الوصايا العشر

- ‌الوصية الرابعة:{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [

- ‌الوصية الخامسة:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [

- ‌الوصية السابعة:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [

- ‌الوصية العاشرة:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ

- ‌العقيدة وأثرها في انتصار المسلمين

- ‌المتابعة وقبول العمل

- ‌العبادات ليست تكليفا

الفصل: ‌العبادات ليست تكليفا

‌العبادات ليست تكليفا

وإشقاقا علينا. وإنما هي لمصلحتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة. ولا يمكن أن تستقيم الدنيا إلا بالعبادة ولست أريد بالعبادة مجرد الحقوق الخاصة بالله عز وجل حتى معاملتك مع الناس يمكن أن تتحول إلى عبادة. كيف ذلك إذا عاملتهم بمقتضى أمر الله من النصح والبيان امتثالا لأمر الله عز وجل صارت المعاملة عبادة حتى لو تبيع سلعة على إنسان وتبين ما فيها من عيوب وتصدق فيما تصفها من الصفات المطلوبة صرت الآن متعبدا لله لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» . (1)

الموظف يؤدي وظيفته أحيانا يؤديها من أجل الراتب. وأحيانا يؤديها من أجل القيام بالعمل الذي به صلاح الناس فعلى الأول يكون عادة لا عبادة، لكن على الثاني يكون عبادة ولا يفوته الراتب.

انظر كيف أن النية تجعل العادة عبادة، وربما يحول الإنسان عبادته إلى عادة مع الغفلة كما لو كان يذهب يصلي لأنه اعتاد أن يتوضأ ويذهب ويصلي لكن ما يشعر حينئذ أنه يذهب امتثالا لأمر الله عز وجل واتباعا لرسوله صلى الله عليه وسلم وحينئذ يفوته خير كثير ولهذا قيل:" أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عباداتهم عادات " كل ذلك من أجل النية.

«قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد عاده في حجة الوداع وهو مريض وخاف رضي الله عنه أن يموت في مكة وقد هاجر منها، فقال: يا رسول الله: إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر قال: لا. قال: فالثلث قال: الثلث والثلث كثير»

(1) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان أن الدين النصيحة حديث (95) .

ص: 331

«ثم قال، وهومحل الشاهد: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (1) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخير لرجل ترك الوصية من أجل أن يبقي المال لورثته المحتاجين، «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» وقال له صلى الله عليه وسلم:«واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فِيِّ امرأتك» . لماذا مثل الرسول عليه الصلاة والسلام ما يجعله الإنسان وقال: «في فيّ امرأتك» ما قال حتى ما تجعله في في أبيك، في في أمك، بل قال «في في امرأتك» لأن المرأة إذا لم ينفق عليها زوجها طالبت بالفراق وإذا طالبت بالفراق وفارقته بقي بلا زوج إذًا فإنفاقه على زوجته كأنما يجر به إلى نفسه نفعا. ومع ذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:«إنك إذا أنفقت نفقة تبتغي بها وجه الله، حصل لك بها الأجر» حتى في هذه النفقة التي تكون معاوضة لأن الإنفاق على الزوجة عوض عن الاستمتاع بها ونيل الشهوة منها. ولهذا إذا نشزت الزوجة، فإن نفقتها تسقط.

الحاصل أيها الإخوة أن النية لها تأثير عظيم في العبادة ولهذا نقول: إن العبادة لا تكون عبادة إلا بشرطين أساسين، أحدهما: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأما الإخلاص لله. فمعناه ألا يريد الإنسان بهذا التعبد إلا وجه الله والدار الآخرة لا يريد أن ينال مالا ولا جاها ولا أن يسلم من سلطان ولا غير ذلك من أمور الدنيا، ما يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، وهذا الشرط له أدلة من كلام الله ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم فمن الأدلة قوله تعالى:

(1) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز: رقم (1233) ومسلم: كتاب الوصية: باب الوصية بالثلث رقم (1628) .

ص: 332

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي العبادة لله وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} الشاهد قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} فبين الله عز وجل أن الزكاة لا تقبل إلا إذا أريد بها وجه الله لأنها إذا قبلت ضوعفت وإذا لم تضاعف فمعناها لم تقبل وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (1) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى ثم ضرب مثلا بالهجرة يهاجر رجلان من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام أحدهما هجرته مقبولة والثاني غير مقبولة من كانت هجرته إلى الله ورسوله هجرته مقبولة.

ومن كانت هجرته للدنيا غير مقبولة. هجرته إلى ما هاجر إليه. طيب. يصلي رجلان أحدهما يصلي لله عز وجل. لا يريد بذلك مالا ولا جاها والثاني يصلي للراتب لأنه جعل راتب للإمام فكان يصلي لأجل الراتب فقط فلا يؤجر على إمامته لأنه صار إماما للراتب ولهذا سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن رجل قال: لا أصلي بكم رمضان يعني التراويح إلا بكذا وكذا، قال الإمام أحمد: نعوذ بالله من يصلي خلف هذا رجل يقول: ما أصلي بكم إلا بفلوس. يقول: من يصلي خلف هذا. ولكن قد يقول قائل: هل معنى ذلك أن الإمام إذا أعطي من بيت المال راتبا هل يبطل أجره؟

(1) أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي: ومسلم: كتاب الإمارة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ".

ص: 333

الجواب: لا. ما دام صار إماما للناس لله فما أعطيه من الراتب لا ينقص به الأجر " ولهذا «لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب عاملا على الزكاة ثم رجع فأعطاه أجرا على عمله قال: يا رسول الله أعطه من هو أحوج إليه مني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك» . (1)

الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتأسى الإنسان في عبادته بالرسول صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: -

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} ، فإن حنفاء بمعنى غير مائلين يمينا ولا شمالا. هذا هو المتابع ولهذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (2) وقال في المناسك: «لتأخذوا عني مناسككم» . (3)

وتوضأ وقال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين ثم لم يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه» . (4)

ولكن بماذا تتحقق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أقول: لا تتحقق المتابعة حتى تكون العبادة موافقة لما جاء به الرسول

(1) البخاري: كتاب الزكاة: باب من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة ولا إشراف نفس. ومسلم: كتاب الزكاة: باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف.

(2)

البخاري: كتاب الأذان: باب الأذان للمسافر (605) .

(3)

مسلم: كتاب الحج: باب استحباب رمي جمرة العقبة (310) .

(4)

البخاري / كتاب الوضوء: باب الوضوء ثلاثاً ومسلم: كتاب الطهارة باب صفة الوضوء.

ص: 334

عليه الصلاة والسلام في أمور ستة: في سببها، وجنسها، وقدرها وصفتها، وزمانها، ومكانها.

أولا: سببها:

لا بد أن تكون موافقة للشرع في سببها. فمن تعبد لله بعبادة وقرنها بسبب لم يجعله الله سببا فإنها لا تقبل منه مثال ذلك: لو أن الإنسان أحدث عبادة مقرونة بسبب لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجعله سببا بل لكنها ليست بسبب لا في الكتاب ولا في السنة. فإنها لا تقبل منه لو كانت هي خيرا ما دام جعلها مربوطة بسبب لم يجعله الله سببا لها فإنها لا تقبل منه مثال ذلك:

لو أن رجلا صار كلما تمت له سنة ذبح ذبيحة وتصدق بها، ذبح الذبائح والتصدق بها جائز، لكن هذا جعل كلما تمت السنة ذبح هذه الذبيحة. صارت بدعة لا يؤجر عليها بل يأثم عليها. وكذلك لو أحدث احتفالا بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أنا أحب الرسول وأحدث احتفالا للصلاة عليه والثناء عليه عليه الصلاة والسلام بما هو أهله - ماذا تقول له، نقول له: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خير. من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله بها عليه عشرة. كيف تقول: هذه بدعة. لأنها غير مربوطة بهذا السبب أنت صل على النبي صلى الله عليه وسلم كل وقت ما نمنعك، لكن كونك تجعل هذا السبب سببا للصلاة عليه والثناء عليه واحتفالا بالمولد فهذا لا يصح ولا تقبل منك.

الثانى: جنسها: أن تكون موافقة للشرع في جنسها، هذا رجل في عيد الأضحى ضحى بشاة من بهيمة الأنعام على الوجه الشرعي بالطبع تقبل أضحيته لأنها شرعية. الشاة قيمتها ثلاثمائة ريال فجاء رجل آخر وقال: سأضحي بفرس لأن الفرس قيمته ألف ريال والشاة ثلاثمائة ريال فأنا سأضحي بفرس يوم العيد.

ص: 335

هذه غير صحيحة لماذا لأنها ليست من بهيمة الأنعام فخالفت الشرع في الجنس فلا تقبل. يعني لا بد أن تكون موافقة للشرع في الجنس.

الثالث: قدرها: أن تكون موافقة للشرع في قدرها (مثال) رجل قال: إن الإنسان إذا صلى الظهر أربعا كل ركعة فيها ركوع وفيها سجودان وأتى بشروطها وأركانها. تقبل إن شاء الله لأنه ماشٍ على ما رسم شرعا.

لكن آخر قال: سأصليها ستا أزيد. الله يقول: " {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} " لا تقبل بل ترد عليه لأنها خالفت الشرع في قدرها. رجل آخر قال: الوضوء ثلاثا سنة لكنه توضأ أربعا. الغسلة الرابعة لا تقبل لأنها صارت على خلاف الشرع.

الرابع: صفتها: أن تكون موافقة للشرع في صفتها: كيف يتوضأ الإنسان؟ .

يبدأ بغسل الكفين ثم الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين هكذا الترتيب لكن هذا الرجل عكس فبدأ يغسل الرجلين ثم يمسح الرأس ثم يغسل اليدين ثم يغسل الوجه إن عبادته هذه غير مقبولة لأنها خالفت الشرع في صفتها وكيفيتها.

الخامس: زمانها: أن تكون موافقة للشرع في زمانها.

لو أن رجلا في عيد الأضحى أصبح فذبح أضحيته قبل الصلاة وأكل منها وذهب وصلى. لا تقبل هذه الأضحية. لأنها ليست في وقت العبادة.

الأضحية ما تكون إلا بعد صلاة الإمام.

مثال آخر: رجل تعمد ألا يصلي الظهر إلا بعد دخول وقت العصر بدون عذر. لا تقبل لأنها مخالفة للشرع في وقتها. أو في زمانها.

السادس: مكانها: أن تكون موافقة للشرع في مكانها.

لو أن رجلا لما دخل العشر الأخير من رمضان بقي في غرفة من بيته لا يخرج منها وقال: أنا معتكف لله. الاعتكاف غير صحيح لمخالفته للشرع في مكان العبادة لأن الاعتكاف في المساجد.

ص: 336

إذًا أيها الإخوة: كل عبادة لا تقبل إلا بشرطين أساسين: أحدهما الإخلاص لله، والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا الأدلة لذلك، وقلنا: إن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كانت موافقة للشرع في أمور ستة وهي: السبب، الجنس،القدر،الصفة،الزمان، المكان.

وذكرنا أمثلة فيما لا تصح فيه العبادة لمخالفة هذه الأمور أو أحدها.

ثم اعلم أن أهم ما يتعبد به الإنسان من الأعمال أعمال الجوارح هي الصلاة، فالصلاة أوكد من الزكاة وأوكد من الصيام وأوكد من الحج لأن أركان الإسلام كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام خمسة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا» .." الشهادتان ركن واحد. لأنه لا تتم العبادة إلا بالإخلاص وهي شهادة ألا إله إلا الله والمتابعة وهي شهادة أن محمدا رسول الله فلهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم شيئا واحدا.

الصلاة نحن نعلم جميعا أن لها أوقاتا معينة فوقت الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس هذا وقت الفجر لأن الفجر فجران كاذب وصادق.

في الأحكام الكاذب ليس له حكم إطلاقا لا يحرم الطعام على الصائم ولا يبيح الصلاة لمن صلى الفجر، لكن ما الفرق بينهما.

الفروق بينهما ثلاثة:

الفجر الكاذب يظلم الجو بعده، والصادق لا يزداد إلا إسفارا الفجر الكاذب يكون مستطيلا. والصادق يكون مستطيرا. الفجر الكاذب بينه

ص: 337

وبين الأفق ظلمة فهو كالعمود أبيض لكن أسفله مظلم والصادق ليس بينه وبين الأفق ظلمة.

هذه الفروق ثلاثة فروق طبيعية تشاهد لكننا بواسطة الأنوار ما نشاهد ذلك، إنما لو كنت في بر وليس حولك أنوار عرفت الفرق، ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله.

وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثله إلى اصفرار الشمس والضرورة إلى الغروب.

وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.

فتارة يكون ساعة ونصف بين المغرب والعشاء وتارة ساعة وثلث وتارة ساعة وسبع عشرة دقيقة يختلف.

وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل فقط من نصف الليل إلى الفجر ما ليس وقتا للصلاة. الدليل على هذه الأوقات قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ثم فصل فقال {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} . وهذا يدل على أن ما بعد منتصف الليل ليس وقتا للفرائض وإلا لقال الله: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس فلما قال: إلى غسق الليل منتهى ظلمته وأشد ما تكون ظلمة الليل عند منتصفه ويؤيد هذا الحديث الثابت حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس. وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحن وقت العصر. ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب إلى مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس» (1) واضح. الرسول قال: وقت العشاء إلى نصف الليل وقد يقول قائل منكم: أنت ذكرت أن العصر إلى الغروب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما لم تصفر

(1) أخرجه مسلم: كتاب المساجد: باب أوقات الصلوات الخمس (612) .

ص: 338

الشمس من أين أتيت بالوقت الإضافي هذا؟ ، أقول: أتيت به من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (1) وينبني على هذا مسألة مهمة لو أن امرأة من النساء طهرت من حيضها بعد منتصف الليل وقبل طلوع الفجر لا يجب عليها قضاء العشاء؛ لأنها طهرت بعد انتهاء الوقت كما أنها لو طهرت الضحى لم تلزمها صلاة الفجر.

الزوال علامته زيادة الظل بعد تناهي قصره. إذا طلعت الشمس اركز عصا. له ظل كلما ارتفعت الشمس قصر الظل فإذا انتهى قصره وبدأ يزيد هذا هو علامة زوال الشمس لأنها زالت يعني انصرفت عن كبد السماء. أما بالنسبة للضبط بالساعات فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين والنصف هذا هو وقت الزوال.

لو أن رجلا صلى إحدى الصلوات بعد خروج وقتها وهو متعمد بدون عذر لا تقبل ولهذا كان القول الراجح أن الإنسان إذا كان في أول عمره لا يصلي ثم من الله عليه بالهداية وتاب إلى الله فإنه لا يلزمه قضاء ما مضى من صلاته. وإنما عليه أن يتوب إلى الله. وكذلك لو أن رجلا من الناس ترك صيام يوم من رمضان متعمدا يعني قال: إنه لن يصوم غدا فهو بلا شك آثم ولا يلزمه قضاؤه، قد يقول قائل: كيف تقول: لا يلزمه القضاء هذا تخفيف عليه. فجوابي على هذا أنه ليس تخفيفا عليه بل هو تشديد عليه لأن معنى قولي هذا أنه لا يلزمه قضاء الصلاة التي تعمد فعلها بعد الوقت معناه رفضها وعدم قبولها. وأنها لا تقبل منه لو صلى ألف مرة كذلك لو ترك يوما من رمضان لم يصمه متعمدا بلا عذر شرعي فإنه لا يقبل منه قضاؤه مدى الدهر. وهذا يوجب للإنسان أن يخاف وأن يتوب ويرجع للوراء أكثر.

(1) أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة: باب: من أدرك من الفجر ركعة.

ص: 339

ومن المهم في الصلاة أن يعرف الإنسان ما يلزم لها قبلها، وأوكد ما يلزم لها قبلها الطهارة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لا صلاة بغير طهور» . (1)

الطهور بالفتح هو ما يتطهر به. والطهور بالضم هو فعل الطهارة.

وَضوء ? ووُضوء ما الفرق؟

الوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به.

الوضوء بالضم: فعل الوضوء.

سَحور ? سُحور.

سحور: بالفتح، أكل السحور. السحور بالضم: فعل السحور. «لا يزال الناس بخير ما أخروا السحور» . (2) انتبه أيها الطالب للفرق بين فَعول وفُعول. فعول للآلة التي يفعل بها، وفعول للفعل. نحن سكتنا أثناء الأذان من أجل أن نقول مثل ما يقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» (3) نقول مثل قوله إلا في جملتين فقط وهما حي على الصلاة. حي على الفلاح نقول: لا حول ولا قول إلا بالله. وفي صلاة الصبح إذا قال: الصلاة خير من النوم نقول: الصلاة خير من النوم كما قال ولكن أسأل لماذا لم تقل مثل ما يقول في حي على الصلاة حي على الفلاح. لأنه هو يدعونا إذ حي يعني أقبل. فلو قلنا نحن: حي على الصلاة معناه دعوناه أيضا ونحن في البيت نتابعه تدعوه

(1) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة بلفظ " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " رقم (224) .

(2)

البخاري: كتاب الصوم: ومسلم / كتاب الصوم

(3)

البخاري: كتاب الأذان: باب ما يقول إذا سمع المنادي: ومسلم: كتاب الصلاة: باب استحباب القول مثل قول المؤذن.

ص: 340

للبيت هذا ما يستقيم ولهذا كان المشروع في حقنا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وما معنى لا حول ولا قوة إلا بالله. معناها للاستعانة كأنك تقول في جواب المؤذن: سمعنا وأطعنا ولكننا نسأل الله العون وتقول إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله، مثل ما يقول ثم تقول بعد ذلك: رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا. هذا هو محل ذلك يعني قول الإنسان رضيت بالله ربا بعد الشهادتين وبعد انتهاء الأذان تقول: اللهم صل على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وإذا قلت ذلك فإنها تحل لك الشفاعة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يدخلون في شفاعته.

أحببت أن أنبه على هذا لأن بعض الناس يتهاونون في متابعة المؤذن مع أن بعض أهل العلم قال: إن متابعة المؤذن واجبة وأن من لم يتابعه فهو آثم. فمتابعة المؤذن سُنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعها.

وهنا مسائل:

1.

إذا كان يقرأ قرآن هل يدع القراءة ويتابع المؤذن؟ نعم، يقطع القراءة ويتابع المؤذن.

إذا دخلت المسجد وهو يؤذن هل تصلي تحية المسجد أو تقف وتتابع المؤذن ثم تصلي؟ الثاني إلا أن بعض أهل العلم قال: يستثنى من ذلك أذان الجمعة الثاني فإن الأفضل أن تصلي الركعتين لأجل أن تتفرغ لاستماع الخطبة. قلت: من أهم ما يكون للصلاة الطهارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم.: «لا صلاة بغير طهور» والطهارة ثلاثة أنواع:طهارة من الحدث الأصغر، طهارة من الحدث الأكبر وطهارة بالتيمم عنهما جميعا. أما الحدث الأصغر فيطهّر أربعة أعضاء الوجه، اليدان، الرأس، الرجلان. الوجه يجب أن يغسل من الأذن

ص: 341

إلى الأذن عرضا ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولا، ومنه المضمضمة والاستنشاق واليدان يجب أن تغسلان من أطراف الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخلان في الغسل. وأما الرأس فيمسح جميع الرأس ومنه الأذنان وأما الرجلان فتغسل الرجل من أطراف الأصابع إلى الكعبين وهما العضمان النائتان في أسفل الساق. ولكن من رحمة الله عز وجل أن خفف علينا بالنسبة للرجلين لأنها موضع المشي وتتعرض لبرودة الأرض وللصعوبة في أيام الشتاء فمن رحمة الله أن شرع لهذه الأمة المسح على الخفين في القرآن والسنة وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين. كما قال الناظم:

مما تواترا حديث من كذب

ومن بنى لله بيتا واحتسب

ورؤية شفاعة والحوض

ومسح خفين وهذي بعض

المهم أن قوله ومسح خفين يعني أنه مما تواترت به السنة ولهذا لم يخالف فيه أحد من أهل السنة، فكل أهل السنة والحمد لله مجمعون على المسح على الخفين وإن كانوا يختلفون من بعض الشروط.

والمهم أنه يجب على كل مسلم ومسلمة قبل أداء العبادة من شرطين تقدما ونذكرهما لأهميتهما وهما:

الإخلاص لله

المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تقدم شرح الشرطين على وجه التفصيل فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا الفقه في دينه وأن يجند أرواحنا في سبيله، وأن يجعلنا دعاة إلى جمع شمل الأمة الإسلامية على ما يحب ربنا ويرضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى من سار على هديه إلى يوم الدين

ص: 342

بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ومولده

ص: 343

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .

أما بعد:

أيها الإخوة: إن موضوع محاضرتنا في هذه الليلة هو موضوع مهم يهم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو التذكير بما أنعم الله به على عباده المؤمنين بما من به عليهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله لا إلى العرب فحسب، ولكن إلى جميع الناس كما قال الله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

ص: 345

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن آمن به وعزره ونصره واتبع النور الذي أنزل معه حتى ننال الفلاح وهو السعادة في الدنيا والآخرة، ثم قال جل وعلا:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .

إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول الذي هو الشهر الذي بدئ به الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هذا كان بالرؤيا الصالحة. كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتعبد فيه الليالي ذوات العدد» (1) حتى جاءه الحق ونزل جبريل عليه الصلاة والسلام من الله بالقرآن الكريم في شهر رمضان كما قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} وكانت المدة بين ربيع الأول وشهر رمضان ستة شهور، وهي بالنسبة لمدة الوحي التي نزل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من ستة وأربعين جزءا لأن زمن الوحي كان ثلاثا وعشرين سنة. وستة الأشهر

(1) البخاري: كتاب بدء الوحي "3" مسلم: كتاب الإيمان " 160 ".

ص: 346

بالنسبة لها جزء من ستة وأربعين جزءا لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» . (1)

أيها الإخوة: إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول نذكر إخواننا بما من الله به على عباده المؤمنين من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق وأنزل عليه هذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور لا بنفسه ولكن بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. وفي هذه النعمة يقول الله عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة آل عمران، الآية: 164] .

لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل بعد أن مقت الله سبحانه وتعالى أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فكان الناس في ضرورة إلى بعثته صلى الله عليه وسلم أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء والأمن، كان الناس في جاهلية عمياء يعبدون الأشجار والأصنام، والأحجار ويتعلقون بالمخلوقين حتى ذكر عن بعضهم أنه إذا نزل أرضا أخذ أربعة أحجار فاختار منها واحدا يعبده وثلاثة يجعلها رواسيَ للقدر - قدر الطبخ - فتأمل هذه العقول كيف انحدرت إلى هذه السخافة، يجعل الآلهة حجرا واحدا موازيا تماما بالأحجار التي تُرس عليها القدور، وذكر عن بعضهم أنه كان يتخذ من التمر يعجنه ويصنعه تمثالا حسب مزاجه، ثم إذا جاع أكله، ومن سخافتهم أيضا أنهم يقتلون الأولاد ذكورهم وإناثهم خوفا من الفقر كما قال الله عز وجل:

(1) أخرجه البخاري بلفظ " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح..إلخ " وبلفظ" رؤيا المؤمن..إلخ " ولفظ " الرؤيا الصالحة.. " كتاب التعبير / باب رؤيا الصالحين: وباب الرؤيا الصالحة جزء من ستة.

ص: 347

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [سورة الإسراء، الآية: 31] .

وكان بعضهم يقتل أولاده إذا افتقر بالفعل وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 151] . وكان بعضهم غنيّا لا يخشى الفقر ولا يتوقعه إذا ولد له ابنة فإنه يئدها - يدفنها وهي حية - حتى قيل عن بعضهم:إن ابنته - وهو يحفر الحفرة لها - فإذا أصاب التراب لحيته نفضت التراب من لحيته وهو يحفر لها ليرميها - والعياذ بالله - هذه العقول وهذه النفوس التي هي أقسى من أقسى السباع في الأرض كان الناس عليها حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم في هذه الظروف التي تدعو الضرورة إلى بعثة مثل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه الله عز وجل من أجل أن ينتشل الناس من رق النفوس والهوى إلى عبودية الخلاق جل وعلا.

أخرجهم من عبودية النفس وعبودية الشيطان إلى عبودية الرحمن سبحانه وتعالى، ونحن نعلم كما ذكر الله تعالى في كتابه أن المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بأن الله هو الرب وأن الله خالق السموات والأرض وأن الله مدبر الكون وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، كل ما يتعلق بتوحيد الربوبية فإنهم كانوا يقرون به ولا ينكرونه ولكنهم كانوا ينكرون توحيد العبادة فلا يوحدون الله تعالى بالعبادة بل يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار وغير ذلك مما يسمح في نفوسهم وتمليه عليهم أفكارهم السيئة حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى توحيد الله في العبادة وقال لهم:

{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} . .

ص: 348

ومن العجب أنهم يقرون بتوحيد الربوبية دون الألوهية ولا ريب أن كل إنسان عاقل يقر بتوحيد الربوبية فإن إقراره ذلك حجة عليه أن يقر بتوحيد الألوهية. لأنه إذا كان يقر بأن الخالق هو الله، المدبر هو الله، والمالك هو الله فكيف يكون هناك معبود مع الله ومن ثم تجدون الله عز وجل يقرر توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، [سورة البقرة، الآية: 21] فجعل توحيد الربوبية دليلا ملزما بتوحيد الألوهية.

{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} هذا هو توحيد الألوهية ألوهية بالنسبة لله وعبودية بالنسبة للخلق، {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، هذا هو توحيد الربوبية، فإذا كنتم تؤمنون بذلك فلماذا لا توحدونه بالعبادة، لماذا تعبدون الأصنام والأشجار معه، هذا دليل عقلي لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يحيد عنه ولهذا يذكر الله ذلك ملزما لهؤلاء المشركين أن يقولوا بأن الله إله واحد وصدق الله عز وجل.

أيها الإخوة: توحيد الألوهية ليس بالأمر الهين الذي يظنه كثير من المعاصرين اليوم أنه على الهامش وأن مجرد إقرار الإنسان برب خالق مدبر للكون حكيم في صنعه كاف في الإيمان والتوحيد، إن هذه النظرة نظرة بلا شك خاطئة، ولو كان التوحيد كما يراه هؤلاء بأنه إفراد الله أو بأنه الإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق لو كان هذا هو التوحيد لم تكن هناك حاجة إلى إرسال الرسل لأن التكذيب بهذا التوحيد أو إنكار هذا التوحيد لم يقع إلا نادرا ولا سيما فيما سلف من الأزمان، لكن التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه والقتال عليه هو توحيد الألوهية والذي يسمى أحيانا بتوحيد العبادة لأنه إن نظرت إليه من جهة الله فسمه توحيد ألوهية وإن نظرت إليه من جهة الإنسان فسمه توحيد العبادة أو العبودية، المهم أن كثيرا من الناس اليوم من

ص: 349

المعاصرين الذين نالوا ما نالوا من الثقافة يركزون كثيرا على توحيد الربوبية، وعندي أن توحيد الربوبية ليس بالأمر الأهم بالنسبة لتوحيد الألوهية، لأن منكريه قليلون وكل إنسان عاقل فإنه لا بد أن يدرك أن لهذا الكون العظيم المنظم إلها خالقا حكيما واستمع إلى قول الله تعالى في سورة الطور:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} . [سورة الطور، الآية: 35] .

هذا استفهام {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ، وجوابه: ما خلقوا من غير شيء ولا هم الخالقون.

لأنهم قبل أن يوجدوا عدم والعدم ليس بشيء، فضلا عن أن يوجد شيئا. وهم أيضا لم يخلقوا من غير شيء لأن خلق شيء من غير شيء مستحيل في العقل كل حادث فلا بد له من محدث ويذكر أن طائفة من السمنية وهم أناس من الوثنية الذين ينكرون الخالق أتوا إلى أبي حنيفة رحمه الله في العراق وقالوا: من الذي خلق هذا الكون فقال: أمهلوني ثم أمهلوه وجاؤوا إليه وقال لهم: إني أفكر في سفينة جاءت محملة إلى نهر دجلة محملة بالبضائع وأن هذه السفينة نزلت البضائع وانصرفت بعد ذلك، أفكر هل يمكن هذا أم لا بد من أناس يشحنونها أولا ثم ينزلونها ثانيا، فقالوا: كيف تفكر بهذا، هل هذا يحتاج لتفكير؟

هذا غير معقول قال: إذا كان هذا غير معقول، فكيف يعقل أن هذه الشمس والنجوم والقمر والبحار والأنهار والأشجار النامية والإنس وكل ما نشاهده كيف يعقل أن يكون بدون موجد، هل هذا معقول فانقطعوا.

ولهذا جاءت الآية تستدل على أن الخالق هو الله عن طريق السبر والتقسيم فهم إما أن يخلقوا بدون خالق، أو يخلقوا أنفسهم، أو يكون لهم خالق وهو الله عز وجل وهذه الأخيرة هي النتيجة فتوحيد الربوبية أيها الإخوة لا ينكره إلا النادر، النادر من الناس حتى من أنكره ممن قص الله علينا

ص: 350

من نبأ إنكاره، فإنما ينكرونه مكابرة، وهم في قرارة أنفسهم يؤمنون به؛ ففرعون قال لقومه حين حشرهم وناداهم قال لهم:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} ولم يكن صادقا في ذلك.

لأن موسى قال له مجابهة: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [سورة الإسراء الآية: 102] لما قال هذا لفرعون هل قال فرعون له: ما علمت ذلك؟ أبدا ما قال، ولا استطاع أن يقول، وكان يقول لقومه:{يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص، الآية: 38] . والخلاصة أن المهم بنا أيها الإخوة أن نحرص على بث روح التوحيد، توحيد الألوهية في نفوس الناس؛ حتى يكون هدف الإنسان وجه الله والدار الآخرة في جميع شئونه في عبادته وأخلاقه ومعاملاته وجميع شئونه؛ لأن هذا هو المهم أن يكون الإنسان قصده ورجاؤه وإنابته ورجوعه إلى الله عز وجل، وبهذا التوحيد - أعني توحيد الألوهية والعبادة - ينال العبد سعادة الدنيا والآخرة؛ لأن قلبه ينسلخ عما سوى الله، ويتعلق بالله وحده، لا يدعو إلا الله ولا يرجو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ولا يؤمل كشف الضر إلا من الله عز وجل ولا جلب الخير إلا من الله عز وجل إن عبد فلله وبالله، حتى إن الموفق تكون عاداته عبادات، والمخذول تكون عباداته عادات؛ لأن الموفق يستطيع أن يجعل أكله عبادة، وشربه عبادة، ولباسه عبادة، ودخوله عبادة، وخروجه عبادة حتى مخاطبة الناس يمكن يجعلها عبادة.

ويمكن أن نضرب مثلا بالأكل كيف يكون عبادة؟

أولا: ينوي به الإنسان امتثال أمر الله في قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} هذا أمر.

ص: 351

ثانيا: ينوي الحفاظ على بقائه وعلى روحه؛ لأن الحفاظ على النفس مأمور به حتى العبادة إذا كان الإنسان مريضا، ويخشى على نفسه إن استعمل هذا الماء أن يتضرر، فإنه يتطهر بالتيمم بالتراب كل ذلك حماية للإنسان من أن يتضرر ويضر نفسه، ولهذا قال العلماء -وصدقوا فيما قالوا-: إن المضطر إلى الطعام والشراب يجب عليه وجوبا أن يأكل حتى من الميتة ولحم الخنزير، يجب أن يأكل إذا خاف على نفسه التلف؛ لأنه واجب عليه أن ينقذ نفسه، إذًا أنوي بالأكل والشرب الحفاظ على نفس فيكون ذلك عبادة.

ثالثا: ينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله، فيكون عبادة لأن من القواعد المقررة شرعا أن للوسائل أحكام المقاصد، فإذا كان هذا الأكل والشرب يعينني على طاعة الله فنويت بهذا الاستعانة على طاعة الله صار عبادة.

رابعا: أنوي بالأكل التبسط بنعمة الكريم جلا وعلا؛ لأن الكريم يحب أن يتبسط الناس بكرمه وأضرب مثلا ولله المثل الأعلى؛ لو أن رجلا من الناس كريما قدم طعاما للآكلين هل رغبته أن يرجع الطعام غير مأكول أو أن يأكله الناس؟

يأكله الناس طبعا؛ لأن هذا مقتضى الكرم، فأنا إذا أكلت أنوي التبسط بنعمة الله كان عبادة، فانظر يا أخي كيف كان الطعام الذي تدعو إليه الطبيعة، وتقتضيه العادة، كيف أمكن أن يكون عبادة بحسب الانتباه واليقظة والنية، بينما يأتي الغافل إلى الصلاة، وإلى المسجد على العادة، وإذا أتى على العادة صارت عبادته الآن عادة.

وبهذا يتبين لنا أن توحيد العبادة وتحقيق توحيد العبادة أمر مهم جدا، وهذا ما ندعو إليه أن يحقق الناس العبادة لله وحده.

ولو قال قائل: هل يجوز أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ص: 352

الجواب: لا يجوز أن أقول: يا رسول الله أنقذني من الشدة، يا رسول الله ارزقني ولدا. لا يجوز بأي حال من الأحوال، بل هو شرك أكبر، مخرج من الملة، سواء دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأنا، وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل، فإذا كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم شركا فدعاء غيره أقبح وأقبح، والرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس جاها عند الله، وقيل له عليه الصلاة والسلام -والقائل هو الله-:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ، أنا لا أملك لكم ضرا ولا رشدا، ولو أرادني الله بشيء ما وجدت من دونه ملتحدا يمنعني منه، إذًا لمن أتجه بالدعاء؟ إلى الله عز وجل {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وليتضح القول في مسألة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقين نقول: الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: جائز، وهو أن يدعو مخلوقا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة، قال صلى الله عليه وسلم في حقوق المسلم على أخيه:«وإذا دعاك فأجبه» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «وتعين الرجل في دابته» (2) الحديث.

الثاني: أن تدعو مخلوقا سواء كان حيا أو ميتا فيما لا يقدر عليه إلا الله

(1) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز، ومسلم: كتاب السلام: باب من حق المسلم على المسلم.

(2)

أخرجه البخاري كتاب الجهاد: باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر

ص: 353

فهذا شرك أكبر؛ لأن هذا من فعل الله لا يستطيعه البشر مثل: يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكرا.

الثالث: أن تدعو مخلوقا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة؛ كدعاء الأموات، فهذا شرك أكبر أيضا؛ لأن هذا لا يقدر عليه المدعو، ولا بد أن يعتقد فيه الداعي سرا يدبر به الأمور.

واعلم: أنك لن تدعو الله بدعاء إلا ربحت في كل حال، إما أن يستجيب الله دعاءك، وإما أن يصرف عنك من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها لك عنده يوم القيامة ثوابا وأجرا، فألح في الدعاء وكرر لا تقل: دعوت فلم يستجب لي، انتظر كل دعوة تدعو الله بها، فهي عبادة تنال بها أجرا، سواء حصل المطلوب أم لم يحصل.

أما توحيد الأسماء والصفات فخلاصته أنه يجب علينا أن نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات، كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات يجب علينا أن نثبتها، ولا يحل لنا أن ننكر ذلك بمقتضى أقيسة باطلة وعقول فاسدة، نحن نعلم أن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء كثيرة؛ منها ما يمكننا علمه، ومنها ما لا يمكننا علمه. قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود المشهور في دعاء الكرب والغم:

«اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك» . (1) ومعني الدعاء أي:

كلما قضيت علي مما أحب أو أكره فهو عدل ليس فيه جور حتى

(1) أخرجه الإمام أحمد جـ1 ص 452 والحاكم ج 1 ص 690 وقال: " حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فانه مختلف في سماعه من أبيه".وتعقبه الذهبي بقوله:" قلت: وأبو سلمة لا يدرى من هو ولا رواية: له في الكتب الست " والهيثمي في " المجمع " جـ 10 ص 136 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني" وصححه أحمد شاكر " المسند " [3712] .

ص: 354

المصائب عدل من الله {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [سورة الشورى، الآية: 30]، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث:

«أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي» ، هنا يقول:«أو استأثرت به في علم الغيب عندك» . والذي استأثر به في علم الغيب لا يمكن لأحد معرفته؛ لأن الله استأثر به، ولم يُطلع عليه أحدا، ومع هذا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» . (1)

لكن ليس معنى إحصائها ما نجد بعض الناس يقوله: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا قدوس، يا سميع.. حتى يكمل تسعة وتسعين يقول: أحصيتها وأنا داخل الجنة، ولا محالة هذا غير صحيح حتى لو وضعها في مسبحة.

لكن إحصاءها يكون بثلاثة أمور:

أولا: إحصاؤها لفظا يعني يلتمسها من الكتاب والسنة حتى يحصيها لفظا.

ثانيا: فهمها معنى وإلا فلا فائدة، ما الفائدة من أن تقول: يا رحمن، يا رحيم، وأنت لا تدري معنى رحمن ولا رحيم.

الثالث: التعبد لله بمقتضاها؛ بمعنى أنك إذا علمت أنه سميع تدعوه لأنه يسمع، إذا علمت أنه قريب تدعوه لأنه قريب، إذا علمت أنه مجيب تدعوه لأنه مجيب، ولما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:

(1) البخاري: كتاب الدعوات: باب لله مائة اسم غير واحد، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.

ص: 355

«يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم -يعني هونوا عليها- إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، وهو معكم» . (1)

فتأمل كيف بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم معنى هذه الأسماء. قريب سميع بصير. إذا علمت أن الله سميع، هل تقول قولا يغضبه، لا. إذا علمت أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وهلم جرا، هذا هو معنى إحصاء أسماء الله عز وجل ولا بد أن تثبت لله كل ما أثبته لنفسه من وصف، وإن شئت فقل: من صفة.

وإن من حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا الذي هو فوق حق الوالدين أن نجرد الاتباع له، بمعنى ألا نتقدم بين يديه، فلا نشرع في دينه ما لم يشرع، ولا نتجاوز ما شرعه، أو نقصر فيه؛ قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سورة آل عمران، الآية: 31] .

وهذه الآية يسميها السلف آية المحنة: معناها الامتحان؛ لأن قوما زعموا أنهم يحبون الله؛ فوضع الله هذا الميزان، فكلما كان الإنسان أحب لله كان لرسوله أتبع، وكلما ضعف اتباع الرسول فإن محبة الله في القلب ضعيفة.

حتى وإن ادعاها مدعيها، نعم هل من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتقدم بين يديه ونُحْدِث في دينه ما ليس منه، لا أبدا. ليس هذا من محبة الله، وليس هذا من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن محبة الله عنوانها ودليلها وميزانها أن نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبة الله، فإذا كانت دعوى محبة الله لا تتحقق إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن دعوى محبة الرسول لا تتحقق إلا باتباع الرسول

(1) البخاري: كتاب الجهاد: باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير " 2830" ومسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب استحباب خفض الصوت بالذكر " 2704".

ص: 356

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحينئذ إذا كان هذا الشهر هو الشهر الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك هو الشهر الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم على ما قاله أهل التاريخ، إلا أنه لا تعلم الليلة التي ولد فيها، وأحسن ما قيل أنه ولد في الليلة التاسعة من هذا الشهر لا الليلة الثانية عشرة، خلافا لما هو مشهور عند كثير من المسلمين اليوم؛ لأن هذا لا أساس له من الصحة من حيث التاريخ، وحسب ما حسبه أهل الفلك المتأخرون؛ فإن ولادته كانت في اليوم التاسع من هذا الشهر، لكن هل يعلم اليوم الذي ولد فيه؟

الجواب: نعم ولد يوم الاثنين؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين. فقال: "ذاك يوم ولدت فيه» (1) لكن اليوم من الشهر لا يعلم يقينا، ولكن أرجح ما قيل فيه هو اليوم التاسع، وأيا كان لا يهمنا في التاسع أو الثاني عشر أو غيره، لكن الذي يهمنا أن نكون لله مخلصين، ولنبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، وأن نحقق ذلك الإخلاص وذلك الاتباع؛ لأن دين الإسلام لا يدخل الإنسان فيه إلا إذا قال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

وشهادة أن محمدا رسول الله تستلزم اتباعه وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فالذي يهمنا أيها الإخوة: ألا نجعل في هذا الشهر أمرا زائدا على الشهور الأخرى أبدا، إذا كنا صادقين في أننا نحب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فلنتبع شرعه ولا نتعداه؛ لأن أي بدعة تحدث يتقرب بها الإنسان إلى رب العالمين وليست في دين الله فإنها تتضمن أيها الإخوة الاعتراض على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن كل إنسان يحدث في دين الله بدعة يتعبد بها ويتقرب إلى الله بها، فإن بدعته هذه تستلزم الطعن أو القدح في الله عز وجل وفي الرسول وفي الصحابة، أما

(1) أخرجه مسلم: كتاب الصوم: باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

ص: 357

في الله فلأنه إذا ابتدع في دين الله ما ليس منه فقد كذب الله؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فإذا أحدثنا في دين الله شيئا بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، فمقتضى ذلك التكذيب للآية، والقدح في الله عز وجل؛ فإن قيل: كيف يتضمن القدح في الله عز وجل من حيث لا يشعر الإنسان؟ أي إنسان يبتدع في دين الله ما ليس منه من أذكار أو صلوات أو غيرها مما يتقرب به إلى الله.

نقول: إذا كنت تتقرب بذلك إلى الله، فإن ذلك دين تدين الله به، وترجو به ثوابه والنجاة من عقابه، فأين أنت من قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} كيف يكون كمالا وأنت تأتي بعده بجديد، هل يكون كمالا يحتاج إلى تكميل فيما بعد؟

الجواب: لا يكون ذلك، كما أن فيه انتقاصا للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بكمال الدين، وذلك في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، وكذلك انتقاص لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل بيّن كمال الدين كما في الآية الكريمة، وكذلك فيه انتقاص للصحابة رضوان عليهم من حيث إنهم كتموا شيئا من الشريعة الإسلامية؟

وكذلك اتهام لهم -رضوان الله عليهم- بالجهل في دين الله عز وجل.

ومن هذا الكلام يتبين أن من ابتدع في دين الله عز وجل، فإن بدعته هذه تتضمن القدح في:

1 -

الله عز وجل.

2 -

ورسوله صلى الله عليه وسلم.

3 -

وفي الصحابة رضوان الله عليهم.

أيها الإخوة: نحن لا نتهم صانعي هذه البدع أو محدثي هذه البدع كلهم بسوء القصد، قد يكون قصدهم حسنا، ولكن هل يكفي في العبادة أن يكون قصد الإنسان حسنا أو لا بد من المتابعة؟ لا بد من المتابعة، ليس كافيا

ص: 358

أن يكون قصد الإنسان حسنا، وإلا ابتدع كل واحد في دين الله ما يريد، يقول: أنا قصدي حسن، أقول: ليس كل إنسان يحدث بدعة نسيء الظن به، نحن نحسن الظن بكثير منهم، لكن ليس كل من كان قصده حسنا يكون فعله صوابا وحسنا، ولهذا قال الله تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [سورة فاطر، الآية: 8]، نقول للذي يبتدع أي بدعة في دين الله: ماذا تريد؟ قال: أريد التقرب إلى الله عز وجل. فنقول: تقرب إلى الله بما شرع، فيه الكفاية، تقرب إلى الله بما درج عليه السلف الصالح والصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين ففيه الكفاية، لا تتعب نفسك بأمر لم يشأه الله فيعود عليك بالضرر؛ قال صلى الله عليه وسلم:«إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» ، ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معنى البدع أن الشريعة الإسلامية لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم.

وأنا أعجب ممن يقسمون البدع إلى أقسام، ويجعلون من البدع بدعا حسنة، مع أن أعلم الخلق وأنصح الخلق وأفصح الخلق يقول باللسان العربي المبين، يقول صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة» ولا أعظم من هذا العموم عموم مستوف «كل بدعة ضلالة» ، لا نستطيع بعقولنا القاصرة أن نقول: إن البدعة تنقسم إلى أقسام، منها واجب، ومنها مستحب ومكروه وحرام.

ليس في الدين بدعة حسنة أبدا، أما السنة الحسنة فهي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسَّن أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها، أو يفعل شيئا يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به؛ فهذه ثلاثة أشياء:

الأول: إطلاق السنة على من ابتدأ العمل، ويدل له سبب الحديث؛ «فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه صلى الله عليه وسلم،»

ص: 359

«وهم في حاجة وفاقة، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» (1) فهذا الرجل سن سنة، ابتداء عمل لا ابتداء شرع.

الثاني: السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه: سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده.

الثالث: أن يفعل شيئا وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» .

لكن قد يعترض معترض فيقول: هل أنتم أعلم ممن نطق الكتاب بموافقته كما حصل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس برمضان، بإمام واحد وكان الناس يصلون أوزاعا ثم جمعهم عمر رضي الله عنه. فخرج ذات ليلة وهم يصلون فقال: نعمت البدعة هذه. والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون". (2)

فالجواب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بأي كلام، لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم لأن الله تعالى يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور، الآية: 63] قال

(1) مسلم: كتاب الزكاة: باب الحث على الصدقة.

(2)

البخاري: كتاب صلاة التراويح " 1906".

ص: 360

الإمام أحمد رحمه الله: " أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قول النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ".أ. هـ-.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر ".

الوجه الثاني: أننا نعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد الناس تعظيما لكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان مشهورا بالوقوف على حدود الله تعالى حتى كان يوصف بأنه كان وقافا عند كلام الله تعالى. وما قصة المرأة التي عارضته - إن صحت القصة - في تحديد المهور بمجهولة عند الكثير حيث عارضته بقوله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [سورة النساء، الآية: 20] . فانتهى عمر عما أراد من تحديد المهور (1) لكن هذه القصة في صحتها نظر. لكن المراد بيان أن عمر كان وقافا عند حدود الله تعالى لا يتعداها، فلا يليق بعمر رضي الله عنه وهو من هو أن يخالف كلام سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وأن يقول عن بدعة:" نعمت البدعة " وتكون هذه البدعة هي التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «كل بدعة ضلالة» بل

(1) نص القصة: عن أبي العجفاء السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: " ألا لا تغالوا في صدقات النساء. فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية" أخرجه الإمام أحمد جـ 1 ص 282 (تحقيق أحمد شاكر)، وأبو داود: كتاب النكاح: باب الصداق، والنسائي: كتاب النكاح: باب القسط في الأصدقة، والترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء في مهور النساء، وابن ماجه: كتاب النكاح: باب في صداق النساء، والحاكم جـ 2: ص 192 وصححه ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر جـ 1 ص 282.وأما قول المرأة التي عارضت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " جـ6 ص 180، وابن كثير جـ 1 ص 703 سورة النساء، الآية:: 20 وقال: " إسناد القصة جيد قوي ".

ص: 361

لا بد أن تنزل البدعة التي قال عنها عمر: إنها " نعمت البدعة " على بدعة لا تكون داخلة تحت مراد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «كل بدعة ضلالة» فعمر رضي الله عنه يشير بقوله: " نعمت البدعة هذه " إلى جمع الناس على إمام واحد بعد أن كانوا متفرقين، وكان أصل قيام رمضان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الناس ثلاث ليال وتأخر عنهم في الليلة الرابعة وقال: " إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» . فقيام الليل في رمضان جماعة من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وسماها عمر رضي الله عنه بدعة باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك القيام صار الناس متفرقين يقوم الرجل لنفسه، ويقوم الرجل ومعه الرجل، والرجل ومعه الرجلان، والرهط، والنفر في المسجد، فرأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه برأيه السديد الصائب أن يجمع الناس على إمام واحد فكان هذا الفعل بالنسبة لتفرق الناس من قَبْل بدعة، فهي بدعة اعتبارية إضافية، وليست بدعة مطلقة إنشائية أنشأها عمر رضي الله عنه؛ لأن هذه السنة كانت موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهي سنة لكنها تركت منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى أعادها عمر رضي الله عنه وبهذا التقعيد لا يمكن أبدا أن يجد أهل البدع من قول عمر هذا منفذا لما استحسنوه من بدعهم.

من العلماء من قسم البدعة إلى أقسام ومنها بدع حسنة فما الجواب عن ذلك؟

والجواب عن ذلك أن نقول: ما ادعاه العلماء من أن هناك بدعة حسنة. فلا تخلو من حالين:

1.

أن لا تكون بدعة لكن يظنها بدعة.

2.

أن تكون بدعة فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها.

ص: 362

فكل ما ادعي أنه بدعة حسنة فالجواب عنه بهذا. وعلى هذا فلا مدخل لأهل البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم من رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل بدعة ضلالة» . إن هذا السيف الصارم إنما صنع في مصانع النبوة والرسالة، إنه لم يصنع في مصانع مضطربة، لكنه صنع في مصانع النبوة، وصاغه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصياغة البليغة فلا يمكن لمن بيده مثل هذا السيف الصارم أن يقابله أحد ببدعة يقول: إنها حسنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل بدعة ضلالة» أيها الإخوة: في هذا الشهر يحدث بعض المسلمين احتفالا يسمونه، عيد المولد، هو والحمد لله في بلادنا ليس بذاك المشهور لكن أقول: إنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يحتفل بما يدعونه ليلة المولد لا على المستوى الشعبي فحسب بل حتى على المستوى الرسمي، والحقيقة أن هذا مؤلم، كيف نتلهى بالقشور بل كيف نتلهى بالعظام التي تجرح حلوقنا لنبتلعها، ثم نترك ما هو من أهم المهمات بل هو أهم المهمات وهو أصول الدين، ندعها تجرح الدين أمام هؤلاء ولا أحد منهم ينبض بكلمة إلا من شاء الله، كيف نحتفل ونقيم الأعياد والحلوى والاجتماع والأذكار وليتها أذكار سالمة، إننا نسمع أن بعضهم ينشد القصائد التي والله لا يرضاها الله ولا رسوله، لقد «قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام " ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندا بل قل: ما شاء الله وحده» .

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

فنقول له بكل بساطة: لك من تلوذ به سوى رسول الله وهو الله عز وجل الذي قال له: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [سورة الجن، الآية: 22] .

ص: 363

كيف تقول: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم. ليته الحادث الخاص، الحادث الخاص قد تشكو إلى زيد أو عبيد ويقضي حاجتك، الحادث العمم كالفيضانات الصواعق الزلازل إذا أصابت الرجل عنده من يقول: مالي من ألوذ به سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، هكذا يقول أما من كان على الفطرة، فإنه يلوذ بالله وحده وهذا هو الحق.

ومما تقدم يتبين لنا أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز بل هو أمر مبتدع وذلك لأمرين:

أولاً: ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.

ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي، صلى الله عليه وسلم أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (2) فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد

وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله عز وجل أن نشرع في

ص: 364

دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} . فنقول: هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجودا قبل موت الرسول، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول، صلى الله عليه وسلم فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول، عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي، صلى الله عليه وسلم وكل هذا من العبادات، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الدين أيضا لما فيه من الميل إلى شريعته، إذًا فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبدا أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما لا يقره شرع ولا حس ولا عقل فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جعلوه أكبر من الله والعياذ بالله ومن ذلك أيضا أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله:" ولد المصطفى " قاموا جميعا قيام رجل واحد يقولون: إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم حضرت فنقوم إجلالا لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يكره القيام له

ص: 365

فأصحابه وهم أشد الناس حبا له وأشد منا تعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات؟ !

وهذه البدعة - أعني بدعة المولد - حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين فضلا عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات.

وهؤلاء الذين فعلوا هذه البدعة عند بعضهم حسن نية لكن أرجو منهم أن يتأنوا في الأمر، وأن يتأملوا فيه، هل فعلوا ذلك عبادة لله فليأتوا ببرهانهم أن ذلك من باب التعبد لله، ولماذا لم يتعبد به الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام بعدهم هل أتوا بذلك محبة للرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فإن الحبيب يقتدي بحبيبه ولا يتجاوز خطاه. هل أتوا بذلك تعظيما للرسول عليه الصلاة والسلام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد ذلك لنفسه ونهى أمته عن الغلو فيه كما غلت النصارى بعيسى بن مريم (1) . هل قالوا ذلك تقليدا للنصارى حيث كانوا يحتفلون بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فالأمر فادح لحديث «من تشبه بقوم فهو منهم» ، والذي يظهر لي والله أعلم أن ذلك من باب مراغمة النصارى لأن النصارى يحدثون احتفالا بمولد عيسى بن مريم، وقالوا: إذًا نحن نضادهم ونوجد احتفالا لنبينا صلى الله عليه وسلم ويدل على هذا أنهم جعلوا الاحتفال بالمولد وحقيقة الأمر أن النعمة لم تتم إلا برسالته {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا} ، [سورة آل عمران، الآية: 164] وموضع المنة (بعث) وهذا يقرب أن الذي ابتدع هذه البدعة أراد مضادة النصارى، ومشاركتهم في إحداث المولد بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وعلى كل حال فإنني أبين ذلك

(1) أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء: باب: " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها " سورة مريم "16".

ص: 366

حتى لا تغتر بتلك البدعة لأن الحق ما قام الدليل عليه، وليس الحق فيما عمله الناس، الذين كانوا بعد القرون الثلاثة؛ لأننا نقول: إن الإجماع قد دل على أن هذا ليس من العبادة في شيء إجماع من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لأن هذه البدعة حدثت في القرن الرابع من الهجرة وانتشرت ومع الأسف أنها لم تُبين للناس على حقيقتها، وإلا فإني أعتقد والعلم عند الله أنها لو بينت على حقيقتها ما كان الناس يتعبون في أمر لا يعود عليهم إلا بالضرر، أبدا الإنسان المؤمن عاقل وحازم وفطن، كل شيء يعود عليه بالضرر لا يمكن أن يفعله أبدا مهما كان، ولذلك أسأل الله تعالى لإخواني هؤلاء أن يوفقني وإياهم للصواب، حتى يتبعوا الرسول عليه الصلاة والسلام بالعقيدة والقول والعمل.

ثم إننا نحث إخواننا ولا سيما الشباب على أن يحرصوا غاية الحرص على دعوة إخوانهم إلى الحق ولكن ليكن ذلك باللطف واللين وبيان الحق (1) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (2) وهذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى.

«جاء مرة يهودي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعنده عائشة فقال: السام عليكم - والسام هو الموت - قالت عائشة رضي الله عنها: عليك السام واللعنة. فنهاها الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: " إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» (3) إن كانوا قائلين:السام عليكم قلنا: وعليكم يعني عليكم السام عاملناهم بالعدل، إن كانوا قالوا: السلام عليكم قلنا: وعليكم يعني السلام. ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة قال: إذا قال اليهودي أو النصراني:

(1) انظر كتاب " زاد الداعية إلى الله عز وجل " وكتاب " الاعتدال في الدعوة " لشيخنا العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله تعالى.

(2)

مسلم: كتاب البر والصلة: باب فضل الرفق

(3)

البخاري: كتاب الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً.

ص: 367

السلام عليكم وأظهر اللام قل: عليكم السلام، ولا حرج لأنه قال: السلام عليكم. لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: قولوا: وعليكم، والواو حرف عطف فيكون المعطوف مماثلا للمعطوف عليه. إذًا إن كانوا قالوا: السلام يقول: وعليكم السلام وهذا من العدل قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} .

المهم أقول لإخواني الشباب أن يدعوا إلى الله على بصيرة وعلم بالرفق واللين ولا ييأسوا قد تحصل من المدعو نفرة في أول الأمر وكراهية لكن إذا عومل بالتي هي أحسن وبدون عنف وباللين فإن الله عز وجل يقول لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} لماذا؟ {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [سورة طه، الآيتان: 43-44] ، فهكذا ينبغي على كل داعية إلى الخير أن يقابل الناس باللين وبيان الحق وأن يصبر على ما يجد من جفوة، قد يجد جفوة أو نفرة فليصبر، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أكرم الخلق عند الله يأتي المشركون إليه وهو ساجد تحت الكعبة ويضعون عليه سلا الناقة - دم وفرث وسلا - وهو ساجد لله رب العالمين؟!.

ومع ذلك صبر عليه الصلاة والسلام فكانت العاقبة له {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} ، [سورة هود، الآية:49] واعلم أنك لا تصاب بمثل هذه النفرة أو الكلام عليك إلا أجرت عليه إذا صبرت.

قال الله تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال، الآية: 46]{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سورة النحل، الآية: 128] كما أدعوكم أيضا إلى الاتفاق فيما بينكم لا تكونوا أحزابا متفرقين أنا أعتقد أن كل واحد من هذا الشباب الصالح لا يريد إلا الحق والخير،

ص: 368

إذا كان كذلك لماذا نتفرق في جماعة تبليغ. يأتي ناس يكفرونهم ويضلونهم وفي جماعة إخوان مسلمين وجماعة سلفيين وجماعة، أشياء متعددة، لماذا لا نتفق ونكون جماعة واحدة المخطئ منا يصوبه المصيب والمصيب يحمد الله على الصواب، أما أن نتفرق هذا خطأ والواجب أن نكون يدا واحدة وألا تتفرق كلمتنا وأن نكون كما قال الله عز وجل:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء، الآية: 92] . وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، [سورة آل عمران، الآية: 105] وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} ، [سورة الأنعام، الآية: 159] . وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} . [سورة الشورى، الآية:13] . أسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا على الحق وأن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونسأله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

تم بحمد الله تعالى المجلد السابع

ويليه بمشيئة الله عز وجل المجلد الثامن

ص: 369