المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٣

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌محاضرة في أصول الإيمان

- ‌الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه

- ‌شروط قول لا إله إلا الله

- ‌تنبيهات هامةعلى ما كتبه الشيخ \ محمد علي الصابونيفي صفات الله عز وجل

- ‌مذهب الأشاعرة هل هو حق أم ضلال

- ‌قوامة الرجال:

- ‌التفويض الصحيح للكيفية لا للمعاني:

- ‌الفرقة مذمومة والحكم عند التنازع للكتاب والسنة:

- ‌حقيقة مذهب أهل السنة:

- ‌الوحدة والاعتصام ومقتضياتهما

- ‌السلف لا يؤولون الصفات ولا يخوضون بالتجسيم لا نفيا ولا إثباتا لأن ذلك بدعة لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة

- ‌ليس من أهل العلم من يكفر ابن حجر وغيره ممن وقعوا في التأويل ومذهب العالم هو آخر ما مات عليه

- ‌الأشاعرة لا يعدون من أهل السنة؛ لأنهم لم يثبوا الصفات:

- ‌لا يجوز نسبة تأويل الصفات إلى السلف بحال من الأحوال

- ‌يمدح العالم بموافقته للكتاب والسنة

- ‌تفسير قول الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

- ‌الإسلام قول وعمل وعقيدة

- ‌نصيحة مهمة عامة

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌حكم من لم تصله دعوة الإسلام

- ‌الوحدة الإسلامية وجماعات التصوف وترويج البدع والضلالات وما يجب على أهل السنة نحوها

- ‌الصحوة الإسلامية

- ‌جماعات التصوف تشغل المسلمين

- ‌منهج الوحدة الإسلامية

- ‌أسئلة مهمة وجوابها

- ‌هل يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تعرض الإيمان للقلق

- ‌نصيحة عامة بمناسبة يوم الاستغاثة

- ‌تكذيب ونقد لبعض ما نشرته مجلة ((المصور))

- ‌حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌حكم من يسخر من القرآن وأهله

- ‌ليس الجهاد للدفاع فقط

- ‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب

- ‌جمع الشريعة بين الشدة واللين كل في محله

- ‌حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات

- ‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب

- ‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم

- ‌نصيحة عامة للمسلمين

- ‌نصح وتذكير للمرضى بمصح بحنس في لبنان

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرهو سبب صلاح المجتمع كما أنه هو سفينة النجاة

- ‌حكم الشريعة في غلام أحمد برويز

- ‌حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها

- ‌يجب ألا يبقى في جزيرة العرب إلا المساجد والمسلمون

- ‌الدروس المهمة لعامة الأمة

- ‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك

- ‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌ حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور

- ‌الإجابة على أسئلة تتعلقبحكم التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحينوالصلاة بجوارها

- ‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه

- ‌القول بإباحة تحديد النسلمخالف للشريعة والفطرة ومصالح الأمة

- ‌حكم الإسلام في إحياء الآثار

- ‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

- ‌مكانة المرأة في الحياة

- ‌حكم قيادة المرأة للسيارة

- ‌أهمية الغطاء في وجه المرأة

- ‌التحذير من دفع الرشوة

- ‌حكم إعفاء اللحية

- ‌وجوب إعفاء اللحية

- ‌جواب مهم يتعلق بحكم حلق اللحىوالمعاصي وهل تحبط بها الأعمال

- ‌حكم حلق اللحية في حق العسكري

- ‌وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها أو تقصيرها

- ‌رد على سؤال عن حكم اللحية

- ‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيقوما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار

- ‌مضاعفة الحسنات كما وكيفا ومضاعفةالسيئات كيفا لا كما

- ‌الأدلة من الكتاب والسنة تحرم الأغانيوالملاهي وتحذر منها

- ‌حكم الغناء واجتماع الناسعلى آلات الملاهي والأغاني

- ‌حكم الأغاني في الإسلام

- ‌الإجابة عن سؤال حول الغناء

- ‌حكم الاستماع إلى الأغاني

- ‌حكم الاستماع إلىالموسيقى

- ‌حكم استماع الأناشيد الإسلامية

- ‌أسئلة وأجوبة عن الغزو الفكري

- ‌أسئلة وأجوبتها حول العقيدة

- ‌طائفة الصوفية المتسولة:

- ‌بيوت الأفراح والمغالاة فيها

- ‌حكم الذهاب إلى الكهنة والمنجمين:

- ‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع:

- ‌معنى الكفر في الطعن في الأنساب والنياحة على الميت:

- ‌كيفية العلاج من أمراض حسية ومعنوية:

- ‌شروط قبول الدعاء:

الفصل: ‌الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه

‌الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. . أما بعد، فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة المدينة الصادرة بتاريخ 10\ ربيع الآخر \ 1403 هـ. وعدد 5785 من الأجوبة الصادرة من بعض الكتاب عن أسئلة مجلة (لوفيفا رومافزين) فوجدت فيها ما نصه بعد كلام سبق ((الصراع بين المسيحية والإسلام والذي أندد به شخصيا وتمكنت من ملاحظته أن بعض المبشرين المسيحيين الذين يلقون خطاباتهم في العالم الثالث يوزعون مناشير تنتقد الإسلام، كذلك فإني أعرف أن بعض الوعاظ المسلمين يطبعون ويوزعون كتابات تنتقد المسيحية وهذا مما يؤسف له غاية الأسف، فالإسلام والمسيحية ديانتان منزلتان ونحن نعتقد في إله واحد وبالتالي يجب علينا أن نتفادى كل تصادم بين دينينا، والعمل من أجل تفاهم بين المسلمين والمسيحيين في خدمة الإنسان)) انتهى.

ونظرا إلى ما في هذا الكلام من الغلط الواضح والإجمال وجب علي وأمثالي التنبيه على ما وقع في هذا الكلام من الأخطاء المخالفة للشرع المطهر فأقول: إن الصراع بين الإسلام وبين الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها لم يزل قائما من حين بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فالإسلام يذم اليهود والنصارى ويعيبهم بأعمالهم القبيحة ويصرح بكفرهم

ص: 41

تحذيرا للمسلمين منهم كما قال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (1) الآية. وقوله عز وجل: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (2) الآية، والآيات بعدها، وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (3)، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (4) والآيات في ذم اليهود والنصارى والتحذير مما هم عليه من الباطل كثيرة. وقال في حق المشركين كالبوذيين وغيرهم:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (5) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (6) وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (7)

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (8) » . متفق عليه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها «إن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور

(1) سورة المائدة الآية 64

(2)

سورة آل عمران الآية 181

(3)

سورة المائدة الآية 72

(4)

سورة المائدة الآية 73

(5)

سورة البقرة الآية 221

(6)

سورة البينة الآية 6

(7)

سورة آل عمران الآية 85

(8)

صحيح البخاري الصلاة (436) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403) .

ص: 42

أولئك شرار الخلق عند الله (1) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. واليهود كانوا على شريعة التوراة وبعد ما توفي موسى عليه الصلاة والسلام غيروا وبدلوا وحرفوا وانقسموا على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهم أتباع موسى عليه الصلاة والسلام، ولما بعث الله عيسى عليه الصلاة والسلام بشريعة التوراة وأنزل الله عليه الإنجيل وأحل الله لهم بعض ما حرم عليهم وبين لهم بعض ما اختلفوا فيه كفر به اليهود وكذبوه وقالوا إنه ولد بغي، فكذبهم الله بذلك وكفرهم وأنزل فيهم قوله سبحانه {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (2) إلى أن قال سبحانه {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (3){وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (4) الآية.

وهكذا النصارى بعد ما رفع عيسى عليه الصلاة والسلام إلى السماء اختلفوا في ذلك على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي التي آمنت بموسى وعيسى وبجميع الأنبياء والرسل الماضين، ولما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كفر به اليهود والنصارى جميعا وكذبوه إلا قليلا منهم فصاروا بذلك كفارا لتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وإنكارهم رسالته، وذمهم الله وعابهم على ذلك وتوعدهم سبحانه بالعذاب والنار، وكفر سبحانه اليهود أيضا لقولهم العزير ابن الله كما كفر النصارى لقولهم إن الله هو المسيح ابن مريم وبقولهم إن الله ثالث ثلاثة وبقولهم المسيح ابن الله. فوجب على أهل الإسلام أن يكفروا من كفرهم الله ورسوله وأن يبينوا باطلهم وأن يحذروا المسلمين من مكائدهم لأن دين اليهودية ودين النصرانية أصبحا دينين باطلين لا يجوز التمسك بهما ولا البقاء عليهما؛ لأن الله نسخهما ببعث محمد صلى الله عليه وسلم وإيجابه على جميع الثقلين اتباعه والتمسك بشريعته كما في قوله تعالى:

(1) صحيح البخاري الجنائز (1341) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528) ، سنن النسائي المساجد (704) ، مسند أحمد بن حنبل (6/51) .

(2)

سورة النساء الآية 155

(3)

سورة النساء الآية 156

(4)

سورة النساء الآية 157

ص: 43

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (1){الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) فخرج بهذه الآية من الإسلام ومن أسباب الفلاح اليهود والنصارى والبوذيون وجميع المشركين لأنهم لم يتصفوا بهذه الأوصاف التي وصف الله بها المفلحين بل كلهم عاداه ولم ينصره ولم يتبع النور الذي أنزل معه إلا من هداه الله منهم فهو مع المسلمين الناجين. ثم قال سبحانه بعد هذه الآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3) فأوضح سبحانه في هذه الآية أنه بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعا من عرب وعجم ورجال ونساء وجن وإنس وأغنياء وفقراء وحكام ومحكومين، وبين سبحانه أنه لا هداية إلا لمن آمن به واتبعه فدل ذلك على أن جميع الطوائف التي لم تؤمن به ولم تتبعه كافرة ضالة.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (4) » . متفق على صحته. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كانوا من

(1) سورة الأعراف الآية 156

(2)

سورة الأعراف الآية 157

(3)

سورة الأعراف الآية 158

(4)

صحيح البخاري التيمم (335) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521) ، سنن النسائي الغسل والتيمم (432) ، مسند أحمد بن حنبل (3/304) ، سنن الدارمي الصلاة (1389) .

ص: 44

أهل النار (1) » . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وما كان في شريعة التوراة والإنجيل من حق فقد جاءت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو بما هو أفضل منه وأكمل كما قال عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) فالإسلام هو دين الرسل جميعا كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4)

فالإسلام في عهد نوح عليه الصلاة والسلام هو الإيمان بالله وتوحيده وإخلاص العبادة له وتصديق نوح عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به، وهكذا في عهد هود وصالح وإبراهيم الخليل ومن جاء بعدهم من الرسل هو توحيد الله والإخلاص له مع إيمان الأمة برسولها الذي أرسله إليها واتباع ما جاء به. وهكذا في عهد موسى ومن جاء بعده إلى عهد عيسى عليه الصلاة والسلام، فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم صار الإسلام الذي يرضاه الله هو ما بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم من الإيمان به وتوحيده وإخلاص العبادة له والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب والسنة والإيمان بمن قبله من الأنبياء والرسل، فكل من اتبعه وصدق ما جاء به فهو من المسلمين ومن حاد عن ذلك بعدما بلغته الدعوة فهو من الكافرين، ويجب على أهل الإسلام أن يدعوا إلى الحق، وأن يشرحوا الإسلام ومحاسنه ويبينوا حقيقته لجميع الأمم باللغات التي يفهمونها، حتى يبلغوا عن الله وعن رسوله دينه، كما يجب عليهم أن يكشفوا الشبه التي يشبه بها أعداء الإسلام وأن يردوا الطعون التي يطعن

(1) صحيح مسلم الإيمان (153) ، مسند أحمد بن حنبل (2/350) .

(2)

سورة المائدة الآية 3

(3)

سورة آل عمران الآية 19

(4)

سورة آل عمران الآية 85

ص: 45

بها أعداء الإسلام في الإسلام ويبينوا بطلانها بالأدلة النقلية والعقلية لأن الله أوجب عليهم أن ينصروا دينه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم سبحانه أنه لا نجاة ولا فلاح إلا لمن نصر الحق واتبعه، وبهذا يعلم أن انتقاد النصرانية المسماة بالمسيحية وبيان بطلانها وأنها دين قد غير وبدل ثم نسخه الله ببعث محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته أمر واجب على المسلمين؛ لأن النصرانية لم تبق دينا صالحا لا لنا ولا لغيرنا بل الدين الصحيح للمسلمين ولغيرهم هو الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، والمسلمون مأمورن بالدعوة إلى دينهم والذب عنه ومعذورون في بيان بطلان جميع الأديان من يهودية ونصرانية وغيرهما ما عدا الإسلام لأنهم بذلك يدعون إلى الحق والجنة وغيرهم من الناس يدعو إلى النار، كما قال الله سبحانه لما نهى عن نكاح المشركات وعن تزويج المشركين للمسلمات قال:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ} (1)

فالله سبحانه يدعو إلى الجنة والمغفرة وإلى أعمالها، وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا المسلمون العارفون بدينه والداعون إليه على بصيرة. أما غيرهم من الكفار فإنهم يدعون إلى النار في كتبهم ونشراتهم ووسائل إعلامهم. وبهذا يعلم أنه لا يجوز إطلاق القول بأن الإسلام والمسيحية ديانتان منزلتان لأن المسيحية لم تبق ديانة منزلة بل قد غيرت وحرفت ثم نسخ ما بقي فيها من حق بما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. وأما قول الكاتب: ونحن نعتقد في إله واحد، فهذا يخص المسلمين الذين يعتقدون في إله واحد ويعبدونه وحده وينقادون لشرعه وهو الله عز وجل خالق السماوات والأرض وخالق كل شيء ورب كل شيء القائل في كتابه المبين:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2)

(1) سورة البقرة الآية 221

(2)

سورة البقرة الآية 163

ص: 46

والقائل سبحانه في كتابه العزيز: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) وهو القائل سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) وهو القائل عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3){اللَّهُ الصَّمَدُ} (4){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا} (6) وأما اليهود والنصارى فيعبدون مع الله غيره ولا يعبدون إلها واحدا كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} (7) الآية. وقال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (8){اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (9) فأبان سبحانه في هذه الآيات أن اليهود والنصارى عبدوا آلهة كثيرة من الأحبار والرهبان كما عبد اليهود عزيرا وزعموا أنه ابن الله، وعبد النصارى المسيح ابن مريم وزعموا

(1) سورة الأعراف الآية 54

(2)

سورة البقرة الآية 255

(3)

سورة الإخلاص الآية 1

(4)

سورة الإخلاص الآية 2

(5)

سورة الإخلاص الآية 3

(6)

سورة الإخلاص الآية 4

(7)

سورة المائدة الآية 73

(8)

سورة التوبة الآية 30

(9)

سورة التوبة الآية 31

ص: 47

أنه ابن الله، وأنهم جميعا لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا وهو الله سبحانه خالق الأشياء كلها ورب الجميع سبحانه عما يشركون. وبما تقدم يعلم أيضا أنه لا يجوز أن يقال عن الإسلام والنصرانية ما أطلقه الكاتب بقوله (وبالتالي يجب علينا أن نتفادى كل تصادم بين دينينا الكبيرين) لأن النصرانية ليست دينا لنا وإنما ديننا الإسلام فقط، وأما النصرانية فقد سبق أنها دين باطل وما فيها من حق فقد جاءت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو بما هو أكمل منه. فالمسلمون يأخذون به لكونه من الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لا لأنه جاء في التوراة أو الإنجيل بل لأن شرعنا الإسلامي جاء به ودعا إليه.

وهذه كلمة موجزة أردت بها التنبيه على ما وقع في كلام هذا الكاتب من الغلط خشية أن يغتر به بعض الناس، وذلك من النصح الذي أوجبه الله على المسلمين وعلى أهل العلم بوجه أخص في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (1) » خرجه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال:«بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (2) » وخروجا من إثم الكتمان الذي توعد الله عليه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (3){إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (4)

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا والكاتب وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن القول عليه أو على رسوله بغير علم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

(1) صحيح مسلم الإيمان (55) ، سنن النسائي البيعة (4198) ، سنن أبو داود الأدب (4944) ، مسند أحمد بن حنبل (4/102) .

(2)

صحيح البخاري الزكاة (1401) ، صحيح مسلم الإيمان (56) ، سنن الترمذي البر والصلة (1925) ، سنن النسائي البيعة (4175) ، مسند أحمد بن حنبل (4/364) ، سنن الدارمي البيوع (2540) .

(3)

سورة البقرة الآية 159

(4)

سورة البقرة الآية 160

ص: 48