الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من يسخر من القرآن وأهله
(1)
.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه:
أما بعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة الدعوة في عددها الصادر في يوم الإثنين الموافق 27 \ 1 \ 1397 هـ تحت عنوان ((صحيفة محلية تسخر من القرآن وأهله)) ثم ذكرت تحت هذا العنوان ما نصه: وطلعت علينا الصحيفة المشار إليها في عددها الصادر بتاريخ 7 \ 4 \ 1397 هـ لتسخر من القرآن وأهله ولتقول ما نصه:
((والرجال يعتقدون أن المرأة كائن آخر. والمرأة في تعبيرهم ناقصة عقل ودين وهم يعتقدون أن الرجال قوامون على النساء)) انتهى ما نقلته مجلة الدعوة.
ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع واستغربت جدا صدور ذلك في مهبط الوحي وتحت سمع وبصر دولة إسلامية تحكم الشريعة وتدعوا إليها، وعجبت كثيرا من جرأة القائمين على هذه الجريدة حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال، والاستهزاء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهما، وليس هذا ببدع من القائمين على هذه الصحيفة، فقد عرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم على المجتمع. كما
(1) نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية.
عرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في أعراضهم والكذب عليهم؛ لأنه ليس لدى القائمين عليها وازع إيماني ولم تردع بوازع سلطاني. فلهذا أقدمت على ما أقدمت عليه من الكفر والضلال في هذا المقال الذي لا يقوله ولا ينشره من يؤمن بالله واليوم الآخر. ولا يقوله وينشره من يحترم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد التثبت والرغبة في الوقوف على أصل المقال ومعرفة من قاله، طلبت الصحيفة المذكورة المنشور فيها هذا المقال، فأحضرت لي. فألفيتها قد نشرت ما نقلته عنها مجلة الدعوة حرفيا ونسبت ذلك إلى من سمت نفسها (أمل بنت فلان) ولم تعلق الصحيفة شيئا في إنكار هذا المقال فعلم بذلك رضاها به وموافقتها عليه. ومعلوم أن الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عز وجل في قوله تعالى في سورة النساء:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (1) الآية. فالطعن في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله سبحانه وطعن في كتابه الكريم وفي شريعته الحكيمة وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم القاضي عياض في كتابه (الشفاء) ، كما أن الذي وصف النساء بنقصان العقل والدين هو النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عليه الصلاة والسلام أن من نقصان عقلها أن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد، وذكر أن من نقص دينها أنها تمكث الليالي والأيام لا تصلي وتفطر في رمضان بسبب الحيض، وإن كان هذا النقصان ليس عليها فيه إثم.
ولكنه نقصان ثابت معقول لا شك فيه ولا اعتراض على الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك لأنه أصدق الناس فيما يقول وأعلمهم بشرع الله وأحوال عباده.
(1) سورة النساء الآية 34
فالطاعن عليه في ذلك طاعن في نبوته ورسالته ومعترض على الله سبحانه في تشريعه وذلك كفر وضلال لا ينازع فيه أحد من أهل العلم والإيمان، والأدلة النقلية والعقلية والشواهد من الواقع ومن معرفة ما جبل الله عليه المرأة وميزها به عن الرجل، كل ذلك يؤيد ما أخبر الله به سبحانه من قوامة الرجال على النساء وفضلهم عليهن، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من نقصان عقل المرأة ودينها بالنسبة إلى الرجل، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون كل فرد من أفراد الرجال أفضل ولا أعقل من كل فرد من أفراد النساء، وكم لله من امرأة أفضل وأعلم وأعقل من بعض الرجال، وإنما المراد تفضيل الجنس على الجنس وبيان أن هذا أكمل من هذا والأدلة القطعية شاهدة بذلك كما سبق.
وقد اتضح من كلام صاحبة المقال - أمل المذكورة - أنها أرادت من طعنها على قوامة الرجال على النساء ومن اعتراضها على نقصهن في العقل والدين أن ذلك يسبب انقسام المجتمع وعدم ترابطه وتعاونه، وذلك يؤيد ما ذكرنا آنفا من كون المقصود بالمقال المذكور هو الطعن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتهامهما بأنهما سبب التخلف وانقسام المجتمع وعدم تعاونه. ولا شك أن هذا من أوضح الكذب وأبطل الباطل، وليس في اعتقاد ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من قوامة الرجال على النساء ونقص عقول النساء ودينهن ما يوجب الضرر على المجتمع الإسلامي وانقسامه وعدم ترابطه وتعاونه، بل ذلك من تزيين الشيطان وإيحائه إلى أوليائه من الجهال والمشركين ومن سار في ركابهم، كما أنه لا يلزم من ذلك إهدار المرأة من حساب المجتمع ولا إعفاؤها من المشاركة فيما يصلح المجتمع من النصيحة لله ولعباده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحق وغير ذلك من الأمور الواجبة على الجميع، بل هي مأمورة بذلك ومفروض
عليها القيام بما تستطيع في هذا السبيل كما قال الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) الآية. وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورة أم سلمة يوم الحديبية وحصل بذلك نفع كبير. وقصة خديجة رضي الله عنها في بدء الوحي وما حصل بها من الخير الكثير والتفريج عن النبي صلى الله عليه وسلم معروفة لدى أهل العلم، والوقائع من هذا النوع في التاريخ الإسلامي كثيرة.
وإنه لعجب عظيم أن يجترئ أصحاب هذه الصحيفة على نشر هذا المقال مع انتسابهم للإسلام وقبضهم المعونات السخية من دولة الإسلام لتشجيع صحيفتهم واستمرار صدورها. ولكن لا عجب في الحقيقة فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت (3) » وفي الأمثال السائرة المتداولة: من أمن العقاب أساء الأدب. وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وإن هذه الصحيفة قد تجاوزت الحدود واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا المقال الشنيع جرأة لا يجوز السكوت عنها، ولا يحل لوزارة الإعلام ولا للحكومة الإغضاء عنها بل
(1) سورة التوبة الآية 71
(2)
سورة الأحزاب الآية 35
(3)
صحيح البخاري الأدب (6120) ، سنن أبو داود الأدب (4797) ، سنن ابن ماجه الزهد (4183) ، مسند أحمد بن حنبل (4/121، 4/122) ، باقي مسند الأنصار (5/273) ، موطأ مالك النداء للصلاة (377) .
يجب قطعا معاقبتها معاقبة ظاهرة بإيقافها عن الصدور ومحاكمة صاحبة المقال والمسئول عن تحرير الصحيفة وتأديبهما تأديبا رادعا واستتابتهما عما حصل منهما؛ لأن هذا المقال يعتبر من نواقض الإسلام ويوجب كفر وردة من قاله أو اعتقده أو رضي به لقول الله سبحانه {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) الآية. فإن تابا وإلا وجب قتلهما لكفرهما وردتهما. ولا يخفى على ذوي العلم والإيمان أن هذا الإجراء من أهم الواجبات لما فيه من الحماية لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وشريعة الله الكاملة، ولما في ذلك أيضا من ردع كل من تسول له نفسه أن يفعل ما فعلته هذه الصحيفة ويجترئ على ما اجترأت عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،،
(1) سورة التوبة الآية 65
(2)
سورة التوبة الآية 66
تنبيه هام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فقد اطلعت على كلمة نشرتها مجلة (اقرأ) في عددها (604) الصادر في 22 \ 5 \ 1407 هـ عن محاورة بين أرسطو وأرسطوقان. جاء فيها ما نصه (الطبيعة تخطئ والإنسان يصحح) وهذا الإطلاق منكر عظيم وكفر صريح. ومعلوم أن الفلاسفة لا يؤمنون بإله خالق مدبر له الكمال المطلق يفعل لحكمة ويترك لحكمة وهو منزه عن الخطأ في أفعاله وأقواله عز وجل. ومن أجل عدم إيمانهم بالخالق العظيم الكامل في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى ينسبون الحوادث إلى الطبيعة، وهذا من جهلهم وبعدهم عما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام. فالواجب عدم الاغترار بأقوالهم فيما يتعلق بالإلهيات والشرائع لجهلهم بها وعدم إيمانهم، ولا شك أن ما يقع في العالم من أمراض وحوادث وتشويه خلقة أو غير ذلك كلها تقع بمشيئة الله سبحانه وله فيها الحكمة البالغة والحجة الدامغة وإن جهلها الخلق، كما قال عز وجل:{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (1) وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2) وقال عز وجل {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (3) وما ذاك إلا لكمال حكمته وعلمه تبارك اسمه وتقدس عن قول الظالمين والكافرين والجاهلين وتعالى علوا كبيرا. ولواجب النصح لله ولعباده جرى التنبيه، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
(1) سورة الأنعام الآية 83
(2)
سورة النساء الآية 11
(3)
سورة الأنبياء الآية 23