الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم حلق اللحية في حق العسكري
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ
…
المكرم وفقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم المؤرخ 4 \ 8 \ 1395 هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما، وهذا نصها وجوابها.
الأول: ما حكم حلق اللحية في حق العسكري الذي يؤمر بذلك وما حكم من قال في حق المحلوق: أنه مخنث.
والجواب: حلق اللحية لا يجوز وهكذا قصها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين (1) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس (2) » والواجب على المسلم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء؛ لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3) الآية.
وأولي الأمر هم: الأمراء والعلماء، والواجب طاعتهم فيما يأمرون به ما لم يخالف الشرع فإذا خالف الشرع ما أمروا به لم تجب طاعتهم في ذلك الشيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الطاعة في المعروف (4) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (5) »
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/229) .
(2)
صحيح مسلم الطهارة (260) ، مسند أحمد بن حنبل (2/366) .
(3)
سورة النساء الآية 59
(4)
صحيح البخاري الأحكام (7145) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .
(5)
صحيح البخاري أخبار الآحاد (7257) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/94) .
وحكومتنا بحمد الله لا تأمر الجندي ولا غيره بحلق اللحية، وإنما يقع ذلك من بعض المسئولين وغيرهم، فلا يجوز أن يطاعوا في ذلك، والواجب أن يخاطبوا بالتي هي أحسن وأن يوضح لهم أن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة غيرهما.
أما قول بعض الوعاظ: أن حالق لحيته مخنث، فهذا كلام قاله بعض العلماء المتقدمين ومعناه المتشبه بالنساء؛ لأن التخنث هو: التشبه بالنساء، وليس معناه أنه لوطي كما يظنه بعض العامة اليوم، والذي ينبغي للواعظ وغيره أن يتجنب هذه العبارة لأنها موهمة فإن ذكرها فالواجب بيان معناها حتى يتضح للسامعين مراده، وحتى لا يقع بينه وبينهم ما لا تحمد عقباه، ولأن المقصود من الوعظ والتذكر هو إرشاد المستمعين وتوجيههم إلى الخير وليس المقصود تنفيرهم من الحق وإثارة غضبهم.
الثاني: ما حكم شرب الدخان وهل هو من جنس حلق اللحية.
والجواب: شرب الدخان من المحرمات؛ لكونه من الخبائث التي حرمها الله، ولأنه يشتمل على أضرار كثيرة والدليل على تحريمه قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (1) الآية، وقوله عز وجل في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (2) الآية، وقد فسر العلماء الطيبات بأنها الأطعمة والأشربة المغذية النافعة التي لا ضرر فيها، ومعلوم أن الدخان ليس بهذا الوصف، بل هو من الخبائث الضارة المحرمة، وهو أعظم من حلق اللحى من بعض الوجوه وحلق اللحى أعظم منه من وجوه أخر؛ لأن حلق اللحية معصية ظاهرة يراها الناس في وجه صاحبها؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها.
(1) سورة المائدة الآية 4
(2)
سورة الأعراف الآية 157
أما الدخان فقد يستتر به صاحبه ولا يطلع عليه الناس فليس مثل حلق اللحية لكنه أضر على البدن والعقل والمال من حلق اللحية ولأنه يؤذي من لم يعتده فهو منكر يضر صاحبه ويضر غيره برائحته الكريهة.
وبالجملة: فشرب الدخان وحلق اللحى كلاهما منكر ومضر بالمجتمع وسبب لفساد عظيم مع ما في ذلك من المخالفة الظاهرة للشريعة الإسلامية ومع ما في ذلك أيضا من المضار الاقتصادية، ولأن ذلك أيضا قد يفضي إلى تأسي ذرية من يفعل ذلك وأهل بيته وأصدقائه به في هذه المعصية.
حكم إعفاء اللحية
س: أعفيت لحيتي والحمد لله، والآن كلما واجهني أحد من أهلي أو معارفي استنكروا لحيتي ورموني بكلمات جارحة وطلبوا مني تقصيرها وأنا مصمم على إعفائها، هل يجوز تقصيرها أم أواظب على إعفائها، وأضرب بكلامهم عرض الحائط؟
جـ: الواجب عليك أن تستمر في إعفائها وإرخائها طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثالا لأمره وأن تضرب بكلامهم عرض الحائط، وأن تنكر عليهم كلامهم وتذكرهم بالله وأن هذا لا يجوز لهم بل عملهم هذا في الحقيقة نيابة عن الشيطان؛ لأنهم بهذا صاروا نوابا له يدعون إلى معاصي الله، نسأل الله العافية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين (1) » ويقول: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس (2) » ويقول: «وفروا اللحى (3) » فالواجب إرخاؤها وإعفاؤها وتوفيرها وعدم طاعة كل من يدعو إلى قصها أو حلقها، نسأل الله السلامة، وهذا مصداق الحديث: أنه يأتي في آخر الزمان شياطين يدعون إلى عصيان الله وإلى ارتكاب محارمه وقد جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه المتفق على صحته لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر الذي يقع بعده صلى الله عليه وسلم ذكر له أنه يقع بعد ذلك في آخر الأمة «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا (4) » .
نسأل الله العافية، فهؤلاء وأضرابهم من جنس من ذكرهم السائل فالواجب الحذر منهم وعدم الاستجابة إلى ما يدعون إليه مما يخالف الشرع المطهر، والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/229) .
(2)
صحيح مسلم الطهارة (260) ، مسند أحمد بن حنبل (2/366) .
(3)
صحيح البخاري اللباس (5892) ، صحيح مسلم الطهارة (259) ، سنن الترمذي الأدب (2764) ، سنن أبو داود الترجل (4199) .
(4)
صحيح البخاري المناقب (3606) ، صحيح مسلم الإمارة (1847) ، سنن ابن ماجه الفتن (3979) .