المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التحذير من دفع الرشوة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٣

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌محاضرة في أصول الإيمان

- ‌الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه

- ‌شروط قول لا إله إلا الله

- ‌تنبيهات هامةعلى ما كتبه الشيخ \ محمد علي الصابونيفي صفات الله عز وجل

- ‌مذهب الأشاعرة هل هو حق أم ضلال

- ‌قوامة الرجال:

- ‌التفويض الصحيح للكيفية لا للمعاني:

- ‌الفرقة مذمومة والحكم عند التنازع للكتاب والسنة:

- ‌حقيقة مذهب أهل السنة:

- ‌الوحدة والاعتصام ومقتضياتهما

- ‌السلف لا يؤولون الصفات ولا يخوضون بالتجسيم لا نفيا ولا إثباتا لأن ذلك بدعة لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة

- ‌ليس من أهل العلم من يكفر ابن حجر وغيره ممن وقعوا في التأويل ومذهب العالم هو آخر ما مات عليه

- ‌الأشاعرة لا يعدون من أهل السنة؛ لأنهم لم يثبوا الصفات:

- ‌لا يجوز نسبة تأويل الصفات إلى السلف بحال من الأحوال

- ‌يمدح العالم بموافقته للكتاب والسنة

- ‌تفسير قول الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}

- ‌الإسلام قول وعمل وعقيدة

- ‌نصيحة مهمة عامة

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌حكم من لم تصله دعوة الإسلام

- ‌الوحدة الإسلامية وجماعات التصوف وترويج البدع والضلالات وما يجب على أهل السنة نحوها

- ‌الصحوة الإسلامية

- ‌جماعات التصوف تشغل المسلمين

- ‌منهج الوحدة الإسلامية

- ‌أسئلة مهمة وجوابها

- ‌هل يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تعرض الإيمان للقلق

- ‌نصيحة عامة بمناسبة يوم الاستغاثة

- ‌تكذيب ونقد لبعض ما نشرته مجلة ((المصور))

- ‌حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌حكم من يسخر من القرآن وأهله

- ‌ليس الجهاد للدفاع فقط

- ‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب

- ‌جمع الشريعة بين الشدة واللين كل في محله

- ‌حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات

- ‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب

- ‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم

- ‌نصيحة عامة للمسلمين

- ‌نصح وتذكير للمرضى بمصح بحنس في لبنان

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرهو سبب صلاح المجتمع كما أنه هو سفينة النجاة

- ‌حكم الشريعة في غلام أحمد برويز

- ‌حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها

- ‌يجب ألا يبقى في جزيرة العرب إلا المساجد والمسلمون

- ‌الدروس المهمة لعامة الأمة

- ‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك

- ‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌ حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور

- ‌الإجابة على أسئلة تتعلقبحكم التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحينوالصلاة بجوارها

- ‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه

- ‌القول بإباحة تحديد النسلمخالف للشريعة والفطرة ومصالح الأمة

- ‌حكم الإسلام في إحياء الآثار

- ‌مؤتمر القمة الإسلامي وعوامل النصر

- ‌مكانة المرأة في الحياة

- ‌حكم قيادة المرأة للسيارة

- ‌أهمية الغطاء في وجه المرأة

- ‌التحذير من دفع الرشوة

- ‌حكم إعفاء اللحية

- ‌وجوب إعفاء اللحية

- ‌جواب مهم يتعلق بحكم حلق اللحىوالمعاصي وهل تحبط بها الأعمال

- ‌حكم حلق اللحية في حق العسكري

- ‌وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها أو تقصيرها

- ‌رد على سؤال عن حكم اللحية

- ‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيقوما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار

- ‌مضاعفة الحسنات كما وكيفا ومضاعفةالسيئات كيفا لا كما

- ‌الأدلة من الكتاب والسنة تحرم الأغانيوالملاهي وتحذر منها

- ‌حكم الغناء واجتماع الناسعلى آلات الملاهي والأغاني

- ‌حكم الأغاني في الإسلام

- ‌الإجابة عن سؤال حول الغناء

- ‌حكم الاستماع إلى الأغاني

- ‌حكم الاستماع إلىالموسيقى

- ‌حكم استماع الأناشيد الإسلامية

- ‌أسئلة وأجوبة عن الغزو الفكري

- ‌أسئلة وأجوبتها حول العقيدة

- ‌طائفة الصوفية المتسولة:

- ‌بيوت الأفراح والمغالاة فيها

- ‌حكم الذهاب إلى الكهنة والمنجمين:

- ‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع:

- ‌معنى الكفر في الطعن في الأنساب والنياحة على الميت:

- ‌كيفية العلاج من أمراض حسية ومعنوية:

- ‌شروط قبول الدعاء:

الفصل: ‌التحذير من دفع الرشوة

‌التحذير من دفع الرشوة

(1)

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه أو يسمعه من إخواني المسلمين سلك الله بي وبهم صراطه المستقيم، ووقاني وإياهم عذاب الجحيم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:

فإن مما حرمه الإسلام، وغلظ في تحريمه: الرشوة، وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد.

وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته: (أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد) ، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها، أو يقضيها له. والمراد بالحاكم: القاضي، وغيره: كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي، سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي، وحمل المرتشي على ما يريده الراشي: تحقيق رغبة الراشي ومقصده، سواء كان ذلك حقا أو باطلا.

(1) نشرت بالعدد التاسع عشر بمجلة البحوث الإسلامية التي تصدر عن هيئة كبار العلماء بالمملكة ص 319 - 323.

ص: 357

والرشوة - أيها الإخوة في الله - من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، لما فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والعواقب الوخيمة، وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)

وقد نهى الله عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) وقال سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3) والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل؛ لأنها دفع المال إلى الغير لقصد إحالته عن الحق.

وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة، وهم: الراشي والمرتشي والرائش: وهو الوسيط بينهما، فقد «روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي والرائش (4) » رواه أحمد والطبراني من حديث ثوبان رضي الله عنه.

واللعن من الله هو: الطرد والإبعاد عن مظان رحمته، نعوذ بالله من ذلك، وهو لا يكون إلا في كبيرة، كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم بالقرآن والسنة، فقد ذم الله اليهود وشنع عليهم لأكلهم السحت في قوله سبحانه:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (5) وكما قال تعالى عنهم:

(1) سورة المائدة الآية 2

(2)

سورة النساء الآية 29

(3)

سورة البقرة الآية 188

(4)

سنن الترمذي كتاب الأحكام (1336) ، مسند أحمد بن حنبل (2/387) .

(5)

سورة المائدة الآية 42

ص: 358

{وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1){لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (2)

وقال تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (3){وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (4)

وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبة مرتكبيه منها:

ما رواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به " قيل: وما السحت؟ قال: " الرشوة في الحكم»

وروي عن الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رض الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب (5) » وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: السحت: الرشوة في الدين وقال أبو محمد موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في المغني: قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (6) هو الرشوة وقال: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به الكفر؛ لأنه مستعد للحكم بغير ما أنزل الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (7)

وروي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " فقال

(1) سورة المائدة الآية 62

(2)

سورة المائدة الآية 63

(3)

سورة النساء الآية 160

(4)

سورة النساء الآية 161

(5)

مسند أحمد بن حنبل (4/205) .

(6)

سورة المائدة الآية 42

(7)

سورة المائدة الآية 44

ص: 359

تعالى: وقال تعالى: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له (3) » .

فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا سخطه، وتجنبوا أسباب غضبه فإنه جل وعلا غيور إذا انتهكت محارمه، وقد ورد في الحديث الصحيح «لا أحد أغير من الله (4) » . وجنبوا أنفسكم وأهليكم المال الحرام والأكل الحرام، نجاة بأنفسكم وأهليكم من النار التي جعلها الله أولى بكل لحم نبت من الحرام، كما أن المأكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم الإجابة لما مر من حديث أبي هريرة عند مسلم، ولما رواه الطبراني عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال:«تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (5) فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملا أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» .

ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم عن رواية الطبراني رحمه الله، فدل ذلك على أن عدم إطابة المطعم وحلية المأكل؛ مانع من استجابة الدعاء، حاجب عن رفعه إلى الله، وكفى بذلك وبالا وخسرانا على صاحبه نعوذ بالله من ذلك.

وقد دعاكم الله إلى وقاية أنفسكم وأهليكم من النار، والنجاة بها من عذاب الله وأليم عقابه،

(1) صحيح مسلم الزكاة (1015) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2989) ، مسند أحمد بن حنبل (2/328) ، سنن الدارمي الرقاق (2717) .

(2)

سورة المؤمنون الآية 51 (1){يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}

(3)

سورة البقرة الآية 172 (2){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}

(4)

صحيح البخاري الجمعة (1044) ، صحيح مسلم الكسوف (901) ، سنن النسائي الكسوف (1474) ، مسند أحمد بن حنبل (6/164) ، موطأ مالك النداء للصلاة (444) .

(5)

سورة البقرة الآية 168

ص: 360

حيث قال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1) فاستجيبوا أيها المسلمون لنداء ربكم وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه، واحذروا أسباب غضبه، تسعدوا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (2){وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3)

والله المسئول أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن المتعاونين على البر والتقوى، الملتزمين بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

(1) سورة التحريم الآية 6

(2)

سورة الأنفال الآية 24

(3)

سورة الأنفال الآية 25

ص: 361