المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مشروعية الحجاب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٥

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌من جوابي لفضيلة الشيخ: أبي الأعلى المودوديفيما يتعلق بالفرق بين العبادة والطاعة

- ‌عمل المسلم

- ‌أسئلة وأجوبة بعد محاضرة عمل المسلم

- ‌ الموظفون الذين لا يؤدون أعمالهم أو لا ينصحون فيها

- ‌ الأشياء التي تستطيع المرأة المسلمة كشفها أمام المرأة الكافرة

- ‌ من تجب تغطية الوجه عنه

- ‌تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

- ‌شرح معنى قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}

- ‌إثبات اليد والقدرة جميعا لله سبحانه وتعالى

- ‌إثبات المجيء والنزول لله سبحانه وتعالى

- ‌حكم الاحتفال بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بمناسبة المولد النبوي

- ‌من أكثر من ذكر الله اطمأن قلبه وارتاح ضميره

- ‌وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌أسئلة مهمة وجوابها تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ كيفية النهي عن المنكر بالقلب

- ‌ الطريقة المثلى في إنكار المنكر

- ‌ تسجيل المقالات النافعة، والمواعظ والأحاديث المفيدة

- ‌ المؤسسات التي تستقدم العمال من الكفار

- ‌ رسالة المسجد ورسالة المنبر في الإسلام

- ‌وجوب التعاون على البر والتقوى

- ‌أسباب سعادة الأمة الإسلامية

- ‌أسباب ضعف المسلمين أمام عدوهم ووسائل العلاج لذلك

- ‌واجب الشباب

- ‌من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين

- ‌حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية

- ‌القبيلي والخضيري

- ‌رسالة إلى العلماء المجاهدين في أفغانستان بشأن الفتن التي يثيرها أعداء الله بين صفوف المجاهدين

- ‌سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في لقاء مع " المجاهد

- ‌دعم المجاهدين والمهاجرين الأفغان من أفضل القربات وأعظم الصدقات

- ‌شكر النعمة حقيقته وعلاماته

- ‌من برنامج نور على الدرب

- ‌حكم الإسلام في عيد الأم والأسرة

- ‌الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا

- ‌واجب العلماء تجاه الأزمات الكثيرة والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي

- ‌بيان جملة من المسائل المهمة التي يخفى حكمها على الكثير من الناس

- ‌مشروعية الحجاب

- ‌الاختلاط في الدراسة

- ‌الاختلاط بين الرجال والنساء

- ‌التحذير من القمار وهو الميسر

- ‌لقاء طلاب متوسطة الفارابي بالرياض مع سماحته بمكتبهوإجابته على أسئلتهم

- ‌حادث التفجير بمكة المكرمة إجرام عظيم

- ‌أجوبة أسئلة صحيفة الدعوة حول الجامعة الإسلامية

- ‌حوار عكاظ مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌ينبغي للشباب ألا يتركوا مجالات الإعلام للجهلةوالمنحرفين عن الحق

- ‌حكم سؤال السحرة والمشعوذين

- ‌ذبح الأبقار لغرض الاستسقاء

- ‌تعليم الأصم والأبكم

- ‌الإحساس بالمعاصي

- ‌طاسة السم

- ‌حكم الإقامة على القبر

- ‌الدعاء عند الخوف والخجل

- ‌حكم حلق العارضين والذقن

- ‌مضايقة دعاة الباطل لأهل العلم والخير

- ‌التحرج من التصوير في وسائل الإعلام

- ‌توضيح عن العقيدة الصحيحة

- ‌أسئلة وأجوبة تتعلق بالعقيدة

- ‌حكم المصارحة بعدم قبول الدعاء

- ‌أسئلة وأجوبتها " في العقيدة

- ‌حكم من يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر

- ‌ما يشرع في التوسل بالنبي وما لا يشرع

- ‌حكم الذبح عند الأضرحة ودعاء أهلها

- ‌حكم الذبح لله وللخضر بالحلم

- ‌حكم زيارة النساء للقبور

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌الكبائر تؤثر في إسلام العبد

- ‌وجوب التصديق مع الشهادتين

- ‌لا يجوز بدء الكفار بالسلام

- ‌طريقة النصيحة لمن يجاهر بالمعاصي

- ‌حكم إقامة مراسم العزاء

- ‌حكم قيام الطالبات للمدرسة

- ‌أجوبة مفيدة تتعلق بالرؤيا والصوم عن الميت

- ‌لا حرج من الرحلة للتفقه في القرآن واستماعه من حسن الصوت به

- ‌حكم أخذ الكتب من المكتبات المدرسية

- ‌طاعة الوالد بالمعروف

- ‌أسئلة متفرقة وأجوبتها

- ‌ إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين

- ‌ شرح قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}

- ‌ متى يكون الأعجمي أفضل من العربي

- ‌ أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم

- ‌ العبارات التي تطلق في حق الأموات

- ‌ معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ

- ‌ تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}

- ‌ حكم التأويل في الصفات

- ‌ تصوير المحاضرات بجهاز الفيديو

- ‌ فضائل الأعمال وأجرها

- ‌حكم بيع واقتناء الحيوانات المحنطة

- ‌هل الوصية واجبة وما نصها الشرعي

- ‌حكم الإسبال إذا كان عادة وليس خيلاء

- ‌سؤالان في العطور

- ‌لا يجوز للإنسان أن يأخذ بثأره من قاتله بغير الطرق الشرعية

- ‌لا يجوز الكف عن تدريس القرآن خشية الثناء أو المدح

- ‌الذبح عند انتصاف البناء أو اكتماله

- ‌حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

- ‌السفر إلى بلاد الكفر

- ‌المرأة والطبيب

- ‌قراءة القرآن سرا

- ‌هواية رسم الأشياء

- ‌وجوب رضا الأولاد بقسمة أبيهم العادلة

- ‌الحساب عن لبس الثوب

- ‌حكم أكل ذبائح النصارى

- ‌تعدد القراءات في القرآن

- ‌هجر أصحاب الكبائر

- ‌هجر المغتاب

- ‌هل يجوز قول المرأة في الدعاء: " أنا عبدك

- ‌حكم مس ترجمة معاني القرآن

- ‌السلام على الكافر

- ‌لا يشرع غرس الشجر على القبر

- ‌ذكر الله في القلب مشروع في كل زمان ومكان

- ‌آية منسوخة

- ‌حكم من ارتكب جريمة بنية التوبة

- ‌الطاعة في المعروف

- ‌سبب تقديم المال على الأولاد في القرآن

- ‌هذا الكلام من الكفر البواح

- ‌الفرق بين كلمة نصراني ومسيحي

- ‌رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌العلاج عند طبيب شعبي يستخدم الجن

- ‌الغيبة من أسباب الشحناء والعداوة

- ‌العلاج الشرعي لمن ابتلي بالمعاصي

- ‌حكم التفكير في الحرام دون عمل

- ‌هل هناك حرف غير شريفة مع الدليل

- ‌حكم إمامة المخالف لأهل السنة كالأشعري ونحوه

- ‌كتابة البسملة على البطاقات مشروعة

- ‌التوبة كافية

- ‌الأصم الأبكم هل هو مكلف

- ‌ليس لأحد الاعتراض على الأحكام التي شرعها الله لعباده

- ‌من أصر على المعصية لا يجالس

الفصل: ‌ ‌مشروعية الحجاب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء

‌مشروعية الحجاب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد اطلعت على ما كتبه المدعو: أحمد بهاء الدين في بعض الصحف وما يدعيه من تحليل لما حرمه الله، وخاصة ما نشره في زاوية (يوميات) في جريدة الأهرام في الأعداد 36992 -36993- 36994 و 36996 من تحامله على الحجاب والنقاب، والدعوة إلى السفور، واعتبار الحجاب بدعة من البدع، واعتباره أنه من الزي، والزي مسألة تتعلق بالحرية الشخصية، وأن النساء كن يلبسن النقاب كتقليد متوارث، وأن الإسلام لم يأمر به ولم يشر إليه، وأن النساء كن يجالسن النبي صلى الله عليه وسلم سافرات، ويعملن في التجارة والرعي والحرب سافرات، وأن العهد ظل كذلك طيلة عهد الخلفاء الراشدين، والدولة الأموية والعباسية، وأنه عندما اعتنق الأتراك الإسلام دخلوا بعاداتهم غير الإسلامية الموروثة عن قبائلهم مثل البرقع واليشمك، وفرضوها على العرب المسلمين فرضا. إلى آخر ما كتبه لإباحة السفور وإنكار الحجاب وغير ذلك من الأباطيل والافتراءات وتحريف الأدلة وصرفها عن مدلولها الحقيقي.

ومن المعلوم أن الدعوة إلى سفور المرأة عن وجهها دعوة باطلة ومنكرة شرعا وعقلا ومناهضة للدين الإسلامي ومعادية له.

والمسلم مدعو إلى كل ما من شأنه أن يزيد في حسناته ويقلل من سيئاته سرا وجهرا في كل أقواله وأفعاله وأن يبتعد عن وسائل الفتنة ومزاولة أسبابها

ص: 224

وغاياتها.

والعلماء مدعوون إلى نشر الخير وتعليمه بكل مسمياته، سواء في ذلك العبادات والمعاملات والآداب الشرعية فردية كانت أو جماعية. ودعاة السفور المروجون له يدعون إلى ذلك إما عن جهل وغفلة وعدم معرفة لعواقبه الوخيمة، وإما عن خبث نية وسوء طوية لا يعبأون بالأخلاق الفاضلة ولا يقيمون لها وزنا، وقد يكون عن عداوة وبغضاء كما يفعل العملاء والأجراء من الخونة والأعداء فهم يعملون لهذه المفسدة العظيمة والجائحة الخطيرة، ليلا ونهارا، سرا وجهارا، جماعة وأفرادا، إنهم يدعون إلى تحرير المرأة من الفضيلة والشرف والحياء والعفة إلى الدناءة والخسة والرذيلة وعدم الحياء.

والواجب الابتعاد عن مواقف الشر ومصائد الشيطان عملا وقولا باللسان والجنان.

وعلى المسلم الذي يوجه الناس أن يدعوهم إلى طريق الهدى والرشاد ويقربهم من مواقف العصمة ويبعدهم عن الفتنة ومواقف التهم ليكون بذلك عالما ربانيا. فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لكميل بن زياد في وصيته له: (يا كميل: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع لا خير فيهم أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح مرسلة لا يهتدون بنور العلم ولا يلجأون إلى ركن وثيق) .

والدعوة إلى السفور ورفض الحجاب دعوة لا تعود على المسلمين ذكورهم وإناثهم بخير في دينهم ولا دنياهم، بل تعود عليهم بالشر والفجور وكل ما يكرهه الله ويأباه. فالحكمة والخير للمسلمين جميعا في الحجاب لا السفور في حال من الأحوال. وبما أن أصل الحجاب عبادة لأمر الإسلام ونهيه عن ضده في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله

ص: 225

فهو أيضا وقاية لأنه يساعد على غض البصر الذي أمر الله سبحانه وتعالى بغضه ويساعد على قطع أطماع الفسقة الذين في قلوبهم مرض، ويبعد المرأة عن مخالطة الرجال ومداخلتهم كما أنه يساعد على ستر العورات التي تثير في النفوس كوامن الشهوات.

والتبرج ليس تحررا من الحجاب فقط بل هو والعياذ بالله تحرر من الإلتزام بشرع الله وخروج على تعاليمه ودعوة للرذيلة، والحكمة الأساسية في حجاب المرأة هي درأ الفتنة، فإن مباشرة أسباب الفتنة ودواعيها وكل وسيلة توقع فيها من المحرمات الشرعية ومعلوم أن تغطية المرأة لوجهها ومفاتنها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.

فمن أدلة الحجاب وتحريم السفور من الكتاب قوله سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)

فجاء في هذه الآية الكريمة ما يدل على وجوب الحجاب وتحريم السفور في موضعين منها: الأول: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2) وهذا يدل على النهي عن جميع الإبداء لشيء من الزينة إلا ما استثنى وهو

(1) سورة النور الآية 31

(2)

سورة النور الآية 31

ص: 226

ملابسها الظاهرة وما خرج بدون قصد ويدل على ذلك التأكيد منه سبحانه وتعالى بتكريره النهي عن إبداء الزينة في نفس الآية.

والثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (1) فهو صريح في إدناء الخمار من الرأس إلى الصدر؛ لأن الوجه من الرأس الذي يجب تخميره عقلا وشرعا وعرفا ولا يوجد أي دليل يدل على إخراج الوجه من مسمى الرأس في لغة العرب، كما لم يأت نص على إخراجه أو استثنائه بمنطوق القرآن والسنة ولا بمفهومهما واستثناء بعضهم له وزعمهم بأنه غير مقصود في عموم التخمير مردود بالمفهوم الشرعي واللغوي ومدفوع بأقوال بقية علماء السلف والخلف، كما هو مردود بقاعدتين أوضحهما علماء الأصول ومصطلح الحديث إحداهما: أن حجة الإثبات مقدمة على حجة النفي. والثانية: أنه إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح.

ولما كان الله سبحانه وتعالى يعلم ما في المرأة من وسائل الفتنة المتعددة للرجل أمرها بستر هذه الوسائل حتى لا تكون سببا للفتنة فيطمع بها الذي في قلبه مرض.

والزينة المنهي عن إبدائها: اسم جامع لكل ما يحبه الرجل من المرأة ويدعوه للنظر إليها سواء في ذلك الزينة الأصلية أو المكتسبة التي هي كل شيء تحدثه في بدنها تجملا وتزينا.

وأما الزينة الأصلية: فإنها هي الثابتة كالوجه والشعر وما كان من مواضع الزينة كاليدين والرجلين والنحر وما إلى ذلك. وإذا كان الوجه أصل الزينة وهو بلا نزاع القاعدة الأساسية للفتنة بالمرأة، بل هو المورد والمصدر لشهوة الرجال فإن تحريم إبدائه آكد من تحريم كل زينة تحدثها المرأة في بدنها. قال القرطبي في تفسيره: الزينة على قسمين خلقية ومكتسبة:

(1) سورة النور الآية 31

ص: 227

فالخلقية: وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع وطرق العلوم.

وأما الزينة المكتسبة: فهي ما تحاول المرأة في تحسين خلقتها به كالثياب والحلي والكحل والخضاب. أهـ.

وقال البيضاوي في تفسيره: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (1) كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له. أهـ.

فإذا كان الوجه هو أصل الزينة بلا نزاع في النقل والعقل، فإن الله جلت قدرته حرم على المرأة إبداء شيء من زينتها وهذا عموم لا مخصص له من الكتاب والسنة ولا يجوز تخصيصه بقول فلان أو فلان، فأي قول من أقوال الناس يخصص هذا العموم فهو مرفوض لأن عموم القرآن الكريم والسنة المطهرة لا يجوز تخصيصه بأقوال البشر، ولا يجوز تخصيصه عن طريق الاحتمالات الظنية، أو الاجتهادات الفردية، فلا يخصص عموم القرآن إلا بالقرآن الكريم أو بما ثبت من السنة المطهرة أو بإجماع سلف الأمة، ولذلك نقول: كيف يسوغ تحريم الفرع وهو الزينة المكتسبة وإباحة الأصل وهو الوجه الذي هو الزينة الأساسية.

والمراد بقوله جل وعلا: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2) كما قال بذلك ابن مسعود رضي الله عنه، وجمع من علماء السلف من المفسرين وغيرهم- " ما لا يمكن اخفاؤه " كالرداء والثوب وما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب وما قد يظهر من غير قصد كما تقدمت الإشارة لذلك، فالمرأة منهية من أن تبدي شيئا من زينتها ومأمورة بأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة.

وحينما نهى سبحانه وتعالى المرأة عن إبداء شيء من زينتها إلا ما ظهر

(1) سورة النور الآية 31

(2)

سورة النور الآية 31

ص: 228

منها- علمها سبحانه وتعالى كيف تحيط مواضع الزينة بلف الخمار الذي تضعه على رأسها فقال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} (1) يعني من الرأس وأعالي الوجه {عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (2) يعني الصدور حتى تكون بذلك قد حفظت الرأس وما حوى والصدر من تحته وما بين ذلك من الرقبة وما حولها لتضمن المرأة بذلك ستر الزينة الأصلية والفرعية.

وفي قوله تعالى أيضا في آخر هذه الآية: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (3) الدلالة على تحريمه سبحانه على المرأة ما يدعو إلى الفتنة حتى بالحركة والصوت. وهذا غاية في توجيه المرأة المسلمة، وحث من الله لها على حفظ كرامتها ودفع الشر عنها.

ويشهد أيضا لتحريم خروج الزينة الأصلية أو المكتسبة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجته صفية، وفعل أمهات المؤمنين، وفعل النساء المؤمنات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية وآية الأحزاب من الستر الكامل بالخمر والجلابيب، وكانت النساء قبل ذلك يسفرن عن وجوههن وأيديهن حتى نزلت آيات الحجاب. وبذلك يعلم أن ما ورد في بعض الأحاديث من سفور بعض النساء كان قبل نزول آيات الحجاب فلا يجوز أن يستدل به على إباحة ما حرم الله لأن الحجة في الناسخ لا في المنسوخ كما هو معلوم عند أهل العلم والإيمان.

ومن آيات الحجاب الآية السابقة من سورة النور، ومنها قوله تعالى في سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (4) قال العلماء: الجلابيب جمع جلباب وهو كل ثوب تشتمل به المرأة فوق

(1) سورة النور الآية 31

(2)

سورة النور الآية 31

(3)

سورة النور الآية 31

(4)

سورة الأحزاب الآية 59

ص: 229

الدرع والخمار لستر مواضع الزينة من ثابث ومكتسب. وقوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} (1) يدل على تخصيص الوجه؛ لأن الوجه عنوان المعرفة، فهو نص على وجوب ستر الوجه، وقوله تعالى:{فَلَا يُؤْذَيْنَ} (2) هذا نص على أن في معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولغيرها بالفتنة والشر، فلذلك حرم الله تعالى عليها أن تخرج من بدنها ما تعرف به محاسنها أيا كانت، ولو لم يكن من الأدلة الشرعية على منع كشف الوجه إلا هذا النص منه سبحانه وتعالى لكان كافيا في وجوب الحجاب وستر مفاتن المرأة، ومن جملتها وجهها، وهو أعظمها؛ لأن الوجه هو الذي تعرف به وهو الذي يجلب الفتنة.

قالت أم سلمة: (لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (3) خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها) . قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (4) فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. وأقوال المفسرين في الموضوع كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

ومن آيات الحجاب أيضا قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (5) فهذه الآية نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية الحكمة في ذلك، وهي أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها.

(1) سورة الأحزاب الآية 59

(2)

سورة الأحزاب الآية 59

(3)

سورة الأحزاب الآية 59

(4)

سورة الأحزاب الآية 59

(5)

سورة الأحزاب الآية 53

ص: 230

وهذه الآية عامة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من المؤمنات. قال القرطبي رحمه الله ويدخل في هذه الآية جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب الحجاب، وقول القرطبي رحمه الله: إن صوت المرأة عورة؛ يعني إذا كان ذلك مع الخضوع، أما صوتها العادي فليس بعورة، لقول الله سبحانه:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (1) فنهاهن سبحانه عن الخضوع في القول لئلا يطمع فيهن أصحاب القلوب المريضة بالشهوة، وأذن لهن سبحانه في القول المعروف، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكلمنه ويسألنه عليه الصلاة والسلام ولم ينكر ذلك عليهن، وهكذا كان النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكلمن الصحابة ويستفتينهم فلم ينكروا ذلك عليهن، وهذا أمر معروف ولا شبهة فيه.

وأما الأدلة من السنة فمنها:

ما ثبت في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بخروج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها إلا جلباب فقال: لتلبسها أختها من جلبابها (2) » متفق عليه، فدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب، وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لا بد من التستر والحجاب، وكذا ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس (3) » .

وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها وأنه

(1) سورة الأحزاب الآية 32

(2)

صحيح البخاري الحج (1652) ، صحيح مسلم صلاة العيدين (890) ، سنن الترمذي الجمعة (539) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1307) ، مسند أحمد بن حنبل (5/84) ، سنن الدارمي الصلاة (1609) .

(3)

صحيح البخاري مواقيت الصلاة (578) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (645) ، سنن الترمذي الصلاة (153) ، سنن النسائي كتاب السهو (1362) ، سنن ابن ماجه الصلاة (669) ، مسند أحمد بن حنبل (6/37) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (4) ، سنن الدارمي الصلاة (1216) .

ص: 231

عورة يجب عليها ستره إلا من ذي محرم. قال ابن قدامة في المغنى: والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها، وجملته أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (1) » . فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا (2) » .

وإنما منعت المرأة المحرمة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يصنع لستر الوجه خاصة ولم تمنع من الحجاب مطلقا، قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل. أهـ.

وقال ابن رشد في " البداية ": وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها وأن لها أن تغطي، رأسها وتستر شعرها وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال إليها.

إلى غير ذلك من كلام العلماء. فيؤخذ من هذا ونحوه أن علماء الإسلام قد أجمعوا على كشف المرأة وجهها في الإحرام، وأجمعوا على أنه يجب عليها ستره بحضور الرجال، فحيث كان كشف الوجه في الإحرام واجبا فستره في غيره أوجب.

وكانت أسماء رضي الله عنها تستر وجهها مطلقا، وانتقاب المرأة في الإحرام، لا يجوز لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الحديث المتقدم وهو من أعظم الأدلة على أن المرأة كانت تستر وجهها في الأحوال العادية ومعنى «لا تنتقب المرأة

(1) صحيح البخاري الحج (1838) ، سنن الترمذي الحج (833) ، سنن النسائي مناسك الحج (2681) ، مسند أحمد بن حنبل (2/119) .

(2)

سنن أبو داود المناسك (1833) ، سنن ابن ماجه المناسك (2935) ، مسند أحمد بن حنبل (6/30) .

ص: 232

ولا تلبس القفازين (1) » أي لا تلبس ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب ولأجل اليدين كالقفازين، لا أن المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض فإنه يجب سترهما لكن بغير النقاب والقفازين. هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء ومنهم العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى. وبهذا يعلم وجوب تحجب المرأة وسترها لوجهها وأنه يحرم عليها إخراج شيء من بدنها وما عليها من أنواع الزينة مطلقا إلا ما ظهر من ذلك كله في حالة الاضطرار أو عن غير قصد كما سلف بيان ذلك، وهذا التحريم جاء لدرء الفتنة. ومن قال بسواه أو دعا إليه فقد غلط وخالف الأدلة الشرعية ولا يجوز لأحد اتباع الهوى أو العادات المخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها من مساوئ الأخلاق وسيء الأعمال. والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(1) صحيح البخاري الحج (1838) ، سنن الترمذي الحج (833) ، سنن النسائي مناسك الحج (2681) ، مسند أحمد بن حنبل (2/119) .

ص: 233