الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد يحتاجها المسافر
الأولى:
كثيرًا ما يسأل عن صلاة المسافر خلف المقيم هل يقصر أو يتم؟
فالجواب: أنه يتابع الإمام، لما رواه الإمام أحمد في
"مسنده" بسند حسن عن موسى بن سلمة قال: كنّا مع ابن عبّاس بمكّة، فقلت: إنّا إذا كنّا معكم صلّينا أربعًا، وإذا رجعْنا إلى رحالنا صلّينا ركعتين، قال: تلك سنّة أبي القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأصل الحديث في "صحيح مسلم".
الثانية:
قصر الرباعية إلى ركعتين واجب.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(ج1 ص158):
فصل في صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السفر
وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين خرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة، وأما حديث عائشة: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر في السّفر ويتمّ، ويفطر ويصوم. فلا يصح. وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى.
وقد روي: (كان يقصر وتتمّ) الأول بالياء، والثاني بالتاء المثناة من فوق،
وكذا (يفطر وتصوم)، أي: تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين، قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها:(أنّ الله فرض الصّلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر). فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي خلاف صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمين معه.
قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن عباس وغيره إنّها تأولت كما تأول عثمان، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر دائمًا، فركّب بعض الرواة من الحديثين حديثًا وقال:(فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقصر وتتمّ هي). فغلط بعض الرواة فقال: (كان يقصر ويتمّ)، أي: هو.
والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل: ظنّت أن القصر مشروط بالخوف في السفر، فإذا زال الخوف زال سبب القصر، وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سافر آمنًا وكان يقصر الصلاة. والآية قد أشكلت على عمر رضي الله عنه وعلى غيره، فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأجابه بالشفاء، وأن هذا صدقة من الله وشرع للأمة، وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد، وأن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف، وغايته أنّه نوع تخصيص للمفهوم، أو رفع له، وقد يقال: إن الآية اقتضت قصرًا يتناول قصر الأركان بالتخفيف، وقصر العدد بنقصان ركعتين، وقيد ذلك بأمرين: الضرب بالأرض والخوف، فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورةً عددها وأركانها، وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة، وإن وجد أحد
السببين ترتب عليه قصره وحده، فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفى العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، فإنْ وجد السفر والأمن، قصر العدد واستوفى الأركان، وسميت صلاة أمن، وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورةً باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامةً باعتبار إتمام أركانها، وأنّها لم تدخل في قصر الآية، والأول: اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين، والثاني: يدلّ عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما. قالت عائشة: فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر، وأقرّتْ صلاة السفر.
فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع، وإنما هي مفروضة كذلك، وأنّ فرض المسافر ركعتان.
وقال ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة. متفق على حديث عائشة، وانفرد مسلم بحديث ابن عباس.
وقال عمر رضي الله عنه: صلاة السفر ركعتان، والجمعة ركعتان، والعيد ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد خاب من افترى. وهذا ثابت عن عمر رضى الله عنه (1) وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بالنا
(1) بل قال الدارقطنى في العلل" وقد سئل عنه فقال: يرويه زبيد بن الحارث الأيامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه فرواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر. وخالفه سفيان الثوري، وقد اختلف= = عنه، فقال معاذ بن معاذ عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن عمر. وخالفهما أصحاب الثوري فرواه زايدة، وأبونعيم، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله ابن الوليد العدني، ومهران بن أبي عمر، وأبوحمزة السكري، وغيرهم عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر لم يذكروا بينهما أحدًا وقال يزيد بن هارون: عن الثوري عن زبيد عن ابن أبي ليلى سمعت عمر ولم يتابع يزيد بن هارون على قوله هذا ورواه شعبة، وعمرو بن قيس الملائي، وشريك بن عبد الله، ومحمد بن طلحة، وقيس بن الربيع، وأبووكيع بن مليح، وعلي بن صالح بن حيي، وسعيد بن سماك بن حرب، وعبد الله بن ميمون الطهوي، وياسين الزيات، عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر. وقال يزيد بن أبي حكيم عن ياسين الزيات عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عمر، والمحفوظ عن ياسين عن زبيد عن ابن أبي ليلى عن عمر، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
قال أبوعبد الرحمن: فعلى هذا يكون الحديث ضعيفًا لأنه منقطع.
نقصر وقد أمنّا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)).
ولا تناقض بين حديثيه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح. علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس فقال: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر.
وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفيّ عنه الجناح، فإن شاء المصلي فعله، وإن شاء أتم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين، ولم يربّعْ قط إلا شيئًا فعله في بعض صلاة الخوف كما سنذكره هناك ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى.
وقال أنس: خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة إلى مكّة، فكان يصلّي