الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخيارة واللينوفرة دينارًا، وورد الخبر من (مصر) بأن ثلاثةً من اللصوص نقبوا دارًا فوجدوا عند الصباح موتى أحدهم على باب النقب والثاني على رأس الدرجة والثالث على الثياب المكورة. وفي السنة التي تليها وقع وباء فكانت تحفر زبية -بالضم: الرابية، وحفيرة الأسد- لعشرين وثلاثين فيلقون فيها، وتاب الناس كلهم وأراقوا الخمور ولزموا المساجد.
وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وقع الوباء وبلغ الرطل من التمر الهندي أربعة دنانير.
وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة اشتدّ الجوع والوباء بـ (مصر) حتى أكل الناس بعضهم بعضًا، وبيع اللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، وخرج وزير صاحب (مصر) إليه فنزل عن بغلته فأخذها ثلاثة فأكلوها فصلبوا، فأصبح الناس لا يرون إلا عظامهم تحت خشبهم وقد أكلوا.
وفي سنة أربع وستين وأربعمائة وقع الموت في الدواب، حتى إن راعيًا قام إلى الغنم وقت الصباح ليسوقها فوجدها كلها موتى.
فصل في الزلازل والآيات
زلزلت الأرض على عهد عمر في سنة عشرين.
ودامت الزلازل في سنة أربع وتسعين، أربعين يومًا، ووقعت الأبنية الشاهقة، وتهدّمت (أنطاكية).
وفي سنة أربع وعشرين ومائتين زلزلت (فرغانة) فمات فيها خمسة عشر
ألفًا.
وفي السنة التي تليها رجفت (الأهواز) وتصدّعت الجبال، وهرب أهل البلد إلى البحر والسفن، ودامت ستة عشر يومًا.
وفي السنة التي تليها مطر أهل (تيما) مطرًا وبردًا كالبيض، فقتل بها ثلاثمائة وسبعين إنسانًا، وسمع في ذلك صوت يقول: ارحم عبادك اعف عن عبادك، ونظروا إلى أثر قدم طولها ذراع، بلا أصابع، وعرضها شبر، ومن الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست، فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتًا ولا يرون شخصًا.
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين رجفت (دمشق) رجفةً حتى انقضّت منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلق كثير وانكفأت قرية في (الغوطة) على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد، وزلزلت (أنطاكية) فمات منها عشرون ألفًا.
وفي السنة التي تليها هبّت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتّصلت نيفًا وخمسين يومًا، وشملت (بغداد) و (البصرة) و (الكوفة) و (واسط) و (عبّادان) و (الأهواز)، ثم ذهبت إلى (همذان) فأحرقت الزرع، ثم ذهبت إلى (الموصل) فمنعت الناس من السعي فتعطلت الأسواق، وزلزلت (هراة) فوقعت الدور.
وفي سنة ثمان وثلاثين وجّه طاهر بن عبد الله إلى المتوكل حجرًا سقط بناحية (طبرستان) وزنه ثمانمائة وأربعون درهمًا أبيض فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة
أذرع.
وفي سنة أربعين ومائتين خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بـ (مرو) فقتلت خلقًا كثيًرا بالزكام، ثم صارت إلى (نيسابور) وإلى (الرّي) ثم إلى (همذان) و (حلوان) ثم إلى (العراق)، فأصاب أهل (بغداد) و (سرمن رأى) حمّى وسعال وزكام، وجاءت كتب من المغرب أن ثلاث عشرة قرية من قرى (القيروان) خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلاً سود الوجوه، فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها، وقالوا: أنتم مسخوط عليكم. فبنى لهم العامل حظيرةً خارج المدينة فنزلوها.
وفي سنة احدى وأربعين ماجت النجوم في السماء وجعلت تتطاير شرقًا وغربًا كالجراد من قبل غروب الشمس إلى الفجر، ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهور رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي السنة التي تليها رجمت قرية يقال لها: (السويدا) ناحية (مصر) بخمسة أحجار، فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكان فيه عشرة أرطال، وزلزلت (الرّي) و (جرجان) و (طبرستان) و (نيسابور) و (أصفهان) و (قم) و (قاشان) كلها في وقت واحد، وزلزلت (الدامغان) فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفًا، وتقطّعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسمع للسماء والأرض أصوات عالية فهلك من أهلها.
وسار جبل باليمن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرّخمة وفوق الغراب على دلبة -شجرة - بـ (حلب) لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح
أربعين صوتًا ثم طار، وجاء من الغد فصاح أربعين صوتًا ثم طار، فكتب صاحب البريد بذلك، وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه، ومات رجل في بعض (كور الأهواز) فسقط طائر أبيض على جنازته فصاح بالفارسية والخورية: إن الله قد غفر لهذا الميّت ولمن شهده.
وفي سنة خمس وأربعين ومائتين زلزلت (أنطاكية) فسقط منها ألف وخمسمائة دار، ووقع من سورها نيّف وتسعون برجًا، وسمع أهلها أصواتًا هائلة من كوى المنازل، وسمع أهل (تنّيس) صيحةً هائلةً دامت فمات منها خلق كثير، وذهبت (جبلة) بأهلها.
وفي سنة خمس وثلاثين ومائتين مطرت قرية حجارة بيضاء وسوداء.
وفي سنة ثمان وثمانين زلزلت (دنبل) في الليل فأصبحوا ولم يبق من المدينة إلا اليسير، فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميّت.
وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة عدل حجاج عن الجادة خوفًا من العرب، فرأوا في البرية صور الناس من الحجارة، ورأوا امرأةً قائمة على تنور وهي من حجارة، والخبز الذي في التنور من حجارة.
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة هبّت ريح بـ (فم الصلح) شبهت بالتّنين، خرقت (دجلة)، حتى ذكر أنّها بانت أرضها وأهلكت خلقًا كثيرًا واحتملت زورقًا منحدرًا وفيه دواب فطرحته في أرض (جوخى) - قرية من عمل بغداد-.
وفى سنة عشرين وأربعمائة جاء برد هائل، ووقعت بردة حزرت بمائة وخمسين رطلاً فكانت كالثور النائم.
وفي سنة أربع وثلاثين زلزلت (تبريز) فهدم سورها وقلعتها، وهلك تحت الهدم خمسون ألفًا.
وفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة كانت بـ (أذربيجان) زلازل انقطعت منها الحيطان، فحكى من يعتمد على قوله أنه كان قاعدًا في إيوان فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم عاد.
وفي سنة ستين وأربعمائة كانت زلزلة بـ (فلسطين) هلك فيها خمسة عشر ألفًا، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت فالتأمت، وغاب البحر مسيرة يوم فساخ في الأرض فدخل الناس يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقًا كثيرًا منهم.
وفي سنة اثنتين وستين خسف بـ (أيلة) -بلد بين (ينبع) و (مصر) -. وفي سنة ست وخمسمائة سمع ببغداد صوت هدة عظيمة في أقطار بغداد في الجانبين، قال شيخنا أبوبكر بن عبد الباقي: أنا سمعتها، فظننت حائطًا قد وقع، ولم يعلم ما ذاك، ولم يكن في السماء غيم فيقال: رعد!
وفي سنة سبع وقعت زلزلة بناحية الشام، ووقع من سور (الرهاء) -بلد بنواحي الشام- ثلاثة عشر برجًا، وخسف بـ (سميساط) -بلد على الفرات- وقلب بنصف القلعة.
وفي سنة إحدى عشرة زلزلت الأرض ببغداد يوم عرفة فكانت الحيطان تمر وتجئ.
وفي سنة خمس عشرة وقع الثلج ببغداد فامتلأت منه الشوارع والدروب ولم يسمع قبله بمثله.
وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة كانت زلزلة بـ (جنزة) -بلدة عظيمة بإيران- أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ في مثلها.
وفي السنة التي تليها خسف بـ (جنزة) وصار مكان البلد ماءً أسود، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهليهم. وزلزلت (حلوان) فتقطّع الجبل وهلك خلق كثير.
وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت زلازل بالشام في ثلاث عشر بلد من بلاد الإسلام، فمنها ما هلك كله ومنها ما هلك بعضه. اهـ ما ذكره رحمه الله.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب "البداية" جلّ هذا مفرقًا على حوادث السنين وزاد عليه ما حدث بعد الحافظ ابن الجوزي رحمه الله.
وفي هذا عبرة وذكرى فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى الرجوع إلى الله، والتوبة الصادقة، ونبذ التقاليد الأجنبية المخالفة للكتاب والسنة. آمين.
فائدة:
كثرة الزلازل بضوران بذمار زمن الملك الظالم إسماعيل بن القاسم
قال عبد الله بن علي الوزير في كتابه "طبق الحلوى" ص (311):
وقبل ذلك اتفق بضوران خاصةً قريب من ثلاثين رجفة، قال بعض أقارب الإمام، وكان قد تضاعف على أهل اليمن الأسفل مطالب غير الزكاة والفطرة، والكفارة مثل مطلب الصلاة على المصلي وغيره، ومطلب
التنباق، ومطلب الرباح، ومطلب الرصاص والبارود، ومطلب سفرة الوالي، ومطلب العيد، فقال: وللإمام مندوحات (1) بما كان يأخذه، وقد كان حازمًا عالماً متيقّظًا فيحمل على السلامة، ولعل ذلك بسبب التظالم والمعاصي وقد ذكر السيوطي في كتاب "الصلصلة في الزلزلة" مايقضي بذلك، وقد وقع في القرآن العظيم ذكر الرجفة في قوم شعيب، وبعض أصحاب موسى وغيرهم لأسباب مختلفة يشملها سلوك ما لايرضاه الله حسبما تقضي به التفاسير.
قال أبوعبد الرحمن: وهذا يدل على شؤم ذلك الملك الظالم كما قال ربنا عزوجل: {وكذلك أخْذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد (2)} .
(1) أقول: لامندوحة له في استحلال أموال المسلمين، بل في طلبه منهم مالايطيقون فلا جزاه الله خيرًا.
(2)
سورة هود، الآية:102.
الخاتمة
تحصل مما تقدم أن الزّلزال قد يكون ابتلاءً من الله، وقد يكون بسبب الذنوب، ويكون مع هذا كله مقدرًا من الله، وقد تقدمت الأدلة على ذلك، والقائلون: إنّها براكين، إن أرادوا أنّها بقدر الله وبسبب الذنوب أو الابتلاء فلا تنافي بين هذا وما تقدم، وإن أرادوا أنّها حوادث طبيعية فهذا هو الذي يخالف الكتاب والسنة ويخالف أيضًا السنن الكونيّة في انتقامه سبحانه من أعدائه، وقد تقدم تفنيد ذلك وأنه إلحاد في آيات الله، وفي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:((إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم)).
آمنا بالله وبكتابه وقدره، وكفرنا بما يقول الملحدون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.