الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه
تأليف:الأستاذ مسعود الندوي
مقدمة
بقلم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي مدير الجامعة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فلم تحظ دعوة من الدعوات الإصلاحية، وخاصة في الوقت القريب بما حظيت به دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله السلفية الإصلاحية التي أشرقت شمسها في سماء الجزيرة فجلت كل ما هو موجود بأرضها من الضلالات والبدع، وأخلصت الدعوة للواحد الأحد، وأخذت تنتشر في بقاع العالم، ويرحب بها ويسير على نهجها كثير من علماء المسلمين ودعاتهم في أماكن مختلفة من البلاد الإسلامية.
وقد كانت الدولة السعودية- منذ حكمها الميمون لهذه الجزيرة ولا تزال- السند الأهم، والأقوى لهذه الدعوة السلفية المباركة، حيث الحكم المطلق لشرع الله المطهر، وتطبيقه في جميع شؤون الدولة والرعية، فكانت بحق دولة الإسلام وتطبيق شريعته.
وقد تناول هذه الدعوة المؤرخون والمفكرون والباحثون والكتاب في جميع أنحاء العالم على تعدد لغاتهم، واختلاف ميولهم ومذاهبهم بالتحقيق والتحليل والتمحيص والنقد، فمنهم من وفقه الله لقول الحق دون تحيز أو تعصب، ومنهم من اتبع هواه فألصق بالدعوة والقائمين عليها التهم الباطلة، ونسبوا إلى الشيخ الكثير من الأقوال التي لم تصدر عنه.. وعلى الرغم من كثرة الافتراءات التي وجهت إلى الشيخ وإلى دعوته من أعداء الإسلام حينا، ومن أهل الإسلام الذين استمرءوا البدع والخرافات أحيانا أخرى، فقد قيض الله من يتصدى لهذه الافتراءات والأكاذيب ويكشف زيفها وضلالها بالحجة الدامغة والقول الفصل..
ولعل من أهم الكتب التي تصدت لهذه المزاعم، وكشفت كل الدعاوى والأكاذيب، الموجهة إليها كتاب الأستاذ الفاضل الشيخ/ مسعود عالم الندوي- رحمه الله والذي ألفه باللغة الأردية، وجمع فيه الكثير من المسائل التي أثيرت حول الشيخ ودعوته في الكثير من الكتب وبلغات مختلفة، وقد ناقشها مناقشة العالم المنصف من غير تحيز ولا تعصب، واستطاع بما حباه الله به
من العلم وسعة الاطلاع أن يفند الافتراءات الموجهة لها والأكاذيب المختلفة حولها مدعما نفيه بالبراهين القاطعة، وبشهادات شهود العيان من المسلمين وغير المسلمين.
ولأهمية اطلاع قراء اللغة العربية وغيرهم على هذا السفر العظيم، فقد قام الشيخ/ عبد العليم بن عبد العظيم البستوي ببذل الجهود الكبيرة لترجمته إلى اللغة العربية؛ لتعم فائدته جميع طلاب العلم والباحثين عن الحق والحقيقة، وليعرف دعاة اليوم أن طريق الهدى والحق طريق واحد يتحمس في الدفاع عنه كل مخلص لدينه من أبناء الإسلام في كل زمان ومكان، وبكل لسان دون النظر إلى رابطة غير رابطة العقيدة والدين، ودون انتظار أجر أو مكافأة، وإنما نصرا للحق، وأداء للواجب، وانتظارا للجزاء من الله سبحانه وتعالى.
وقد راجع الكتاب وقدم له عند صدوره عام 1397 هـ فضيلة الدكتور/ محمد تقي الدين الهلالي جزاه الله خير الجزاء.
وبعد أن مضت مدة طويلة على صدور الكتاب بطبعته الأولى رأت الجامعة أن مثل هذا الكتاب جدير بالاهتمام، وإعادة النشر بعد أن يتم تصويب بعض الملاحظات التي فاتت على المؤلف والمترجم. فأحيل الكتاب إلى كل من فضيلة الشيخ/ إسماعيل الأنصاري- وفضيلة الشيخ عبد العزيز الرومي، وقاما مشكورين بمراجعته، والتنبيه على بعض الهفوات التي ظهرت في الطبعة الأولى. أثابهما الله على ما بذلاه من جهود؛ ليخرج الكتاب بصورة تناسب أهميته العلمية الكبيرة.
والجامعة إذ تقدم الكتاب في طبعته الجديدة وفاء لصاحب الدعوة، وإسهاما في القيام بالواجب المناط بها باعتبار أنها مؤسسة علمية كبرى تعنى بالدعوة الإسلامية، وتعمل لإعداد الدعاة إلى الله تعالى ترجو من الله العلي القدير أن يجعل عملها خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به عموم المسلمين إنه سميع مجيب.
والله ولينا ونعم المولى ونعم النصير.
مدير جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية
د. عبد الله بن عبد المحسن التركي
مقدمة
بقلم العلامة الأديب الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
الحمد لله الذي نصر نبيه، وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر، وجعل النصر حليف من اتبعه إلى آخر الدهر. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم صلاة وسلاما بلا حصر.
أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه المتعالي محمد تقي الدين الهلالي: لا يخفى أن الإمام الرباني الأواب محمد بن عبد الوهاب، قام بدعوة حنيفية جددت عهد الرسول الكريم والأصحاب. وأسس دولة ذكرت الناس بدولة الخلفاء الراشدين وقهرت الشياطين.
وأحيت ما اندثر من علوم كتاب الله وسنة النبي الكريم. ولا شك أن معرفة أخبار هذه الدعوة وصاحبها تهم كل طالب علم من الموافقين والمخالفين، بل من المسلمين والكافرين وكذلك وقع، فإن المؤلفين في تاريخ هذه الدعوة المباركة لا يحصون كثرة من جميع أجناس بني آدم على اختلاف لغاتهم وميولهم وأذواقهم ما بين قادح ومادح ومتوقف محايد.
ومع كثرة التآليف التي صنفت في هذا الباب منها المطول الذي يستغرق مجلدات، ومنها المتوسط، ومنها المختصر، لا تكاد تجد من بينها كتابا جامعا لأشتات المباحث مع المقابلة والنقد والتحقيق والتمحيص.
ويصعب على طالب العلم أن يقرأ كل ما ألف في ذلك، وأن يحيط بما هنالك، ولو فرضنا أنه استطاع قراءة ذلك لشقت عليه المقابلة، واستخراج الحقيقة من بين تلك الآراء المتضاربة. فبقي طلاب الحقيقة والتلخيص في حاجة إلى من يستخلص لهم زبدة أخبار هذه الدعوة وخلاصتها بدون تحيز ولا تعصب. وهذا نادر ولا نقول إنه معدوم.
وقد وفق الله تلميذي البر الأستاذ الأديب مسعود عالم الندوي إلى القيام بهذا العمل الشاق، فبلغ فيه ذروة النجاح، وأفلح فيه غاية الفلاح بعد ما طالع بإمعان وتحقيق
أكثر من سبعين كتابا بلغات مختلفة، واستخرج منها المسائل المهمة في العقيدة، والتاريخ تاريخ الدعوة، وتاريخ ملوك آل سعود من أولهم إلى يومنا هذا، وما جرى بينهم وبين خصومهم من حروب ومهادنات باختصار غير مخل، وأسلوب غير ممل. فوضع بين أيدينا تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وما نتج عنها من فتوح دينية ودنيوية، ووضع المسائل التي اختلف فيها المؤرخون في ميزان الذهب حتى حققها غاية التحقيق، ونفي افتراء الأعداء، وأكاذيبهم بالبراهين القاطعة، وبشهادات شهود العيان من المسلمين وغير المسلمين.
…
ومليحة شهدت لها ضراتها
…
... والفضل ما شهدت به الأعداء
…
وكنت عالما أن تلميذي الأستاذ مسعود عالم الندوي ألف هذا الكتاب، وسماه "محمد بن عبد الوهاب" المصلح المفتري عليه، ولكن لما كان بلغة اردو لم أقرأه. وما كنت أظن أنه بلغ في العلم والتحقيق وسعة الاطلاع إلى هذا الحد الذي رأيته فبهرني "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
وقد أتحف مسعود عالم بهذه التحفة قراء لغة "أردو" منذ زمان، وحرم منها غيرهم مع أن جميع طلاب الحقيقة في أشد الحاجة إلى هذا الكتاب. إذ يصعب بل يستحيل أن يجدوا هذه المسائل محققة كما هي، مجتمعة في كتاب واحد لا تزيد صفحاته على مائتين. فالفضل لله سبحانه وتعالى في إخراج هذا الكتاب، ثم لمسعود عالم الندوي، وقد كان أفضل تلامذتي في كلية ندوة العلماء التي دعاني إلى التدريس فيها بل إلى رئاسة أساتذة الأدب العربي فيها، الأستاذان الجليلان: السيد سليمان الندوي، والدكتور عبد العلي - رحمة الله - عليهما. فأقمت فيها من أول سنة 1349 هـ إلى شعبان من سنة 1352 هـ، وما رأيت في الاجتهاد والتحصيل مثل مسعود عالم. وكان كذلك مخلصا أيضا في دينه، وذا أخلاق كريمة وشجاعة لا يخاف في الحق لومة لائم.
ولم يقتصر على ما حصله على يدي في تلك المدة، بل سافر من الهند إلى بغداد، وأقام عندي سنة وبصحبة الأستاذ عاصم الحداد. فلازم دروسي في المسجد والبيت، ولم أر فيه نقصا إلا التعصب للمذهب الحنفي. فقد كان يخالفني في هذا الباب مع شدة احترامه لي.
ولما ورد بغداد قال له أحد كبار علماء الحنفية كيف تصاحب هذا الرجل وهو يطعن في مذهب أبى حنيفة رحمه الله، وقد انتقده أستاذنا الكوثري؟ فقال له مسعود عالم رحمه الله! إليك عنى أنا أعلم به منك ومن الكوثري.
ولكن هذا النقص أبى الله إلا أن يرفعه عنه قبل وفاته، فإنه كان رحمه الله أحد رؤوساء الجماعة الإسلامية التي يرأسها الأستاذ الزعيم المودودي. فلما قبضت الحكومة الباكستانية على المودودي قبضت عليه، وبقي سنين في السجن، فلم يجد سبيلا إلى التأليف، فعكف على نيل الأوطار للشوكاني، فتبين له أن التعصب للمذهب لا يرضاه الله تعالى، ولا يرضاه السلف الصالح، ومنهم الإمام أبو حنيفة نفسه، فرجع عن التعصب واتبع الكتاب والسنة ومات على ذلك. رحمة الله عليه.
وأما قول ذلك العالم الحنفي: أنني أطعن في مذهب أبي حنيفة فهو فرية بلا مرية. فإنني لا اختلف مع أبي حنيفة رحمه الله حتى أطعن فيه؛ لأن الاختلاف الذي يوجب العداوة إنما يكون في العقائد لا في الفروع، وأبو حنيفة رحمه الله لا يخالف عقيدة السلف من الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة المجتهدين مثقال ذرة. فأنا لا أطعن في مذهبه أبدا. أما مخالفته في الفروع فإن كانت تعد طعنا فأول طاعن في مذهبه محمد وأبو يوسف، فقد خالفاه في ثلث المذهب، وقيل: في ثلثي المذهب.
وإذا كان الفضل في إخراج هذه الدرة الثمينة يرجع إلى تلميذي مسعود عالم الندوي، فإن الفضل في إخراجها من عالم العجمية إلى عالم العربية يرجع إلى تلميذي عبد العليم بن عبد العظيم المتخرج في الجامعة الإسلامية في السنة الماضية. وهو الأول من بين تلامذة الجامعة كلهم، وهو الآن من طلاب الدراسات العليا في جامعة الملك عبد العزيز بمكة. فقد ترجم ترجمة فصيحة طيبة، وأطلعني عليها، وقرأها من أولها إلى آخرها، فأشرت عليه بتحسين بعض الألفاظ، فجاء هذا الكتاب جوهرة نفيسة، وتحفة لا تقدر بثمن، خصوصا وقد زينه المترجم بحواشي عديدة، تكملة لبحث ناقص، وإيضاحا لشيء غامض، وأنا أقترح على سماحة رئيسنا الجليل الأستاذ عبد العزيز بن باز أطال الله بقاءه، وأدام في سماء المعالي ارتقاءه أن يقرأ هذا الكتاب، وأن يأمر بطبعه ونشره لتعم فائدته جميع طلاب العلم من المسلمين وغيرهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أملاه ضحوة يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة 1394 هـ.
3.
إنه اطلع على كثير مما كتبه السائحون والمؤرخون الأوربيون في هذه الدعوة وصاحبها، وعرف موقفهم منها حسب مصالحهم المادية والسياسية، ففتح بابا جديدا للبحث والتحقيق، ودخل فيه، فأتى بمعلومات لا تكاد توجد لدى غيره. وكانت هذه هي المميزات- وكثير غيرها- التي دعتني إلى أن أقدم هذا السفر القيم إلى القارئ العربي. فاستعنت بالله العلي العظيم، وبدأت أترجم الكتاب بالعربية رويدا رويدا حتى أكملته بفضل الله وكرمه.
وسيجد القارئ الكريم في هذا الكتاب سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، وأنها سيرة إسلامية مثالية، ودعوة إسلامية خالصة.
إنها دعوة تحاول أن تعود بالمسلمين إلى الرقي والمجد والازدهار، كما كانوا في القرون الأولى. إنها دعوة دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلين وإن محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا من عنده، ولا خرج عن عقيدة المسلمين، التي اتفق عليها أئمة الإسلام كلهم.
نعم- قد كانت هناك شبهات أثيرت حول الدعوة والداعية في أيامها الأولى من قبل ذوي الأهواء والمضلين. وكانت هذه الشبهات والافتراءات قد أضلت كثيرا من المسلمين في البلدان الإسلامية، فوقعوا في شك وارتياب من هذه الدعوة الكريمة.
لكن- والحمد لله- سحب الافتراءات قد تقشعت والظلمات قد تبددت. وقد وضحت الدعوة جلية نقية لكل ذي عينين، وانتشرت رسائلها وكتبها في جميع أنحاء العالم. فما بال بعض الناس لا يزالون يرددون ما ورثوا عن آبائهم ومشايخهم، وقد تبين زيفه وخطؤه.
وأنا أدعو كل من يحمل في قلبه غيرة على الإسلام والمسلمين أن يدرس هذه الدعوة الكريمة التي أيقظت المسلمين، وأن يدفع كل الشوائب العالقة بأفكاره عن هذه الحركة الإسلامية الخالصة. فإن الجهل والضلال لا زالا فاشيين في كثير من طوائف المسلمين. ولا يخفى أن الأمة الإسلامية تمر الآن بمرحلة خطيرة جدا في تاريخها، ونحن بجهلنا وانحرافنا واختلاف كلمتنا نساعد الأعداء أكثر من مكايدهم ومكرهم عرفنا أم لم نعرف. فلنستيقظ من سباتنا ولنراجع أفكارنا ونصححها مستنيرين بنور الكتاب الكريم
والسنة النبوية، ثم ندعو إليها سائر الناس. ولا نجاة للمسلمين إلا بهذا. ولا وحدة للمسلمين إلا بهذا. فلنتمسك بكتاب الله، ولنسر على السنة النبوية، ونسأل الله التوفيق والسداد.
تنبيهات:
1.
إن المؤلف رحمه الله نقل كثيرا من النصوص والاقتباسات من المراجع العربية والإنجليزية. أما النصوص العربية فقد رجعت إلى مصادرها في الغالب، وأثبتها بحروفها في الترجمة. ولكن النصوص الإنجليزية لم أظفر بمصادرها إلا قليلا ولذلك اضطررت إلى أن أترجم المعاني التي أوردها المؤلف في الأصل.
2.
للمؤلف تعليقات كثيرة، وقد ترجمتها كما كانت، وقد أضفت بعض التعليقات من عندي حينما اقتضى الأمر. وكتبت كلمة "المترجم" في نهايتها وبهذا يمكن التفريق بين تعليقاتي وتعليقات المؤلف رحمه الله.
3.
لقد أثبتّ أرقام الصفحات والسنين كما وجدتها مكتوبة في الأصل إلا ما تبين لي أنه تصحيف في الطبع- وهو نادر جدا-؛ وذلك لأنه من المستحيل تقريبا أن يعود المترجم إلى كل المصادر التي ذكرها المؤلف، وفي الطبعات نفسها، ويقابل عدد الصفحات والسنين، ولكن أرجو من القارئ الكريم أن ينبهني إذا عثر على خطأ من هذا القبيل وله جزيل الشكر.
وختاما- أشكر جميع أساتذتي ورفقائي الذين ساعدوني في إنجاز هذا العمل المتواضع، وأخص بالذكر منهم أستاذي العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الذي قد أنفق كثيرا من أوقاته الثمينة، واستمع إلى الترجمة من أولها إلى آخرها، وأفادني بكثير من الفوائد المهمة التي لا تكاد توجد عند غيره. فجزاه الله عني وعن المسلمين كل خير.
قسم الدراسات العليا الشرعية عبد العليم البستوي
جامعة الملك عبد العزيز بمكة25 -صفر سنة 1394 هـ
كلمة المترجم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المرتضى، ونبيه المجتبى محمد وآله وأصحابه الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:- فإن من نعم الله على الناس أنه لم يتركهم بعد ما خلقهم حيارى يتيهون في ظلمات البر والبحر بدون هدي ولا كتاب منير، بل أرسل إليهم من أنفسهم رسلا ليرشدوهم إلى الحق، وينقذوهم من الضلال. وكان آخرهم رسولنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله به الدين ورضي الإسلام دينا إلى يوم القيامة، وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد ما تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وضمن الله تعالى حفظ الإسلام ورعايته إلى يوم القيامة، فخلق علماء جهابذة في كل عصر يتبعون سنة النبي الكريم، ويحيون ما اندرس منها، ويبينون للناس معالم الهدى والرشد، ويردونهم إلى السنة النبوية بعد ما غفلوا وجهلوا، فقد قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"23.
ومازال علماء الحق ودعاة الرشد يبذلون جهودهم لحماية عقيدة الإسلام وشريعته إلى يومنا هذا، فيردون كيد الكائدين وانحراف الزائغين، ويذكرون الغافلين. وكان من هؤلاء المجددين المجاهدين الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله فقد ولد في عصر انتشرت فيه الضلالات، ونسيت العقيدة الإسلامية الصحيحة. ولما رأى محمد بن عبد الوهاب أن الشر قد اشتدت شوكته، وضعف أهل الحق وجبنوا، قام بتوفيق من الله سبحانه وتعالى يرد على الضلالات، وينير مصابيح الهدى
1 سورة الحجر آية: 9.
2 أبو داود: الملاحم (4291) .
3 سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 11 / 385.
في دياجير الظلمات. ولكن الأمة الإسلامية التي كانت قد خرجت ترفع لواء التوحيد في يوم من الأيام، قد نسيت رسالته الخالدة فحاربته وقاومته عن جهل وضلال.
ولقد أوذي محمد بن عبد الوهاب أشد الإيذاء، وعانى أشد المصائب والمحن، ولكن مازال يستمر قدما في طريقه غير مبال بمخالفة ذوي الأهواء، واستفزازات أهل المطامع حتى تبين الحق وتجلى. ورجع عدد كبير من الناس إلى تلك المحجة البيضاء التي تركهم عليها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وعم في العالم الإسلامي نور الهدى والرشد، واستيقظ المسلمون من سباتهم. حتى بدت تباشير النهضة الإسلامية الشاملة التي نشاهدها في العالم الإسلامي، وحتى قامت تلك الدولة الإسلامية التي طبقت الشريعة الإسلامية في هذا العصر، وأصبحت نموذجا للآخرين، وردت عمليا على كثير من الأوهام والشبهات التي كانت تثار الفينة بعد الفينة من أعداء الإسلام. ولما كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هكذا.
ولما كانت نتائج هذه الحركة الإسلامية تبلغ هذا المدى، كان حقا على المسلمين عامة، وعلى طلبة العلم خاصة أن يعرفوها ويقدروها حق قدرها، ويقدموها لسائر الناس، ويدفعوا عنها التهم والافتراءات التي مازالت تثار من جهة بعض الطامعين في الجاه والمال من العلماء والجهال. وكانت هذه هي العوامل التي حفزتني إلى دراسة سيرة هذا الداعية المجاهد، وحركتني إلى معرفة رسالته وطريقته في الدعوة والإصلاح.
ولقد درست الكثير من الكتب التي ألفت للبحث في سيرته ودعوته، فرأيت أن كتاب الأستاذ مسعود عالم الندوي رحمه الله يمتاز من بين هذه الكتب بعدة مزايا:-
1.
إن المؤلف لا تربطه بالدعوة وأصحابها أي رابطة وطن أو نسب، فقد ألفه نصرا للحق وأداء للواجب بعيدا عن مركز الدعوة ونائيا عن أصحابها، ملتزما التجرد والإنصاف في كل القضايا التي ناقشها وبحثها.
2.
إنه اطلع على كثير من الكتب التي ألفت في الرد على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والطعن في سيرته ودعوته، وكذلك درس الكثير مما كتب في الرد على الكتب المذكورة وفي الدفاع عن الدعوة وصاحبها. وهكذا تمكن من تكوين آراء صائبة وسديدة، وقلما يتسنى ذلك لغيره.
محمد بن عبد الوهاب بمصلح مظلوم ومُفترى عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
ما أعجب صنع الله في هذا الكون. لقد أراد الكاتب أن يكتب في حركة التجديد والإمامة التي قام بها السيد أحمد الشهيد رحمه الله وأحوال المتبعين لخطواته ولكن ظهرت سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
وبيان هذا الحادث العجيب أن طالبين من دار العلوم لندوة العلماء أرادا (سنة 1935) أن يرتبا تاريخ حركة التجديد والإمامة التي قام بها الشهيدان أحمد البريلوي وإسماعيل الدهلوي -رحمهما الله تعالى- رحمة الأبرار الصالحين المجاهدين من عباده- فتصدى أحدهما لسيرة السيد أحمد، وأراد الآخر أن يبدأ عمله من مشهد بالاكوت. لقد بدأ كل منهما في عمله. فأما المجتهد الجريء والمخلص المجاهد فقد ألف سيرة الشهيد البريلوي (سنة 1939 م) ، وأعنى بهذا صديقي المخلص الأستاذ السيد أبا الحسن على الحسني الندوي- أستاذ التفسير والأدب في دار العلوم ندوة العلماء، وقد وصل كتابه إلى أيدي أولي الفضل، وصدرت له طبعتان في مدة قصيرة1.
وأما الثاني (المؤلف) فقد وجد عقبات في كل خطوة. فقد كانت المعالم قد اختفت.. والذين رأوا أو عرفوا كانوا قد ناموا نومة سرمدية. والذين سمعوا مازالوا يهابون حتى الآن. لكن القلم المسافر لم ينس منزله، فقد ظهرت نماذج البحث الأولية في مجلة "الضياء"(شعبان سنة 54 هـ) بعنوان "الحركة الوهابية السياسية"2 وفي مجلة "الهلال"
1 وهو في لغة أردو. (المترجم) .
2 يقصد السياسة الشرعية الإسلامية كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، والحمد لله فإن الدولة السعودية منذ عصر الشيخ رحمه الله وحتى يومنا هذا ما زالت تحكم بشريعة الله، دستورها هو كتاب الله وسنة رسوله، وستظل على هذا المنهج بإذن الله تعالى، ونسأل الله أن يمدها بالتوفيق والتأييد. (المترجم) .
الصادرة في بتنة بعنوان "الوهابية: حركة دينية وسياسية"، وحظيت بالقبول والرضا في المحافل المختصة.
وفي خلال البحث مر ذكر الحركة الوهابية- كما يقال في الغالب- في نجد أكثر من مرة. وعثرت على افتراءات واتهامات لم أستطع أن أصبر عليها. وأكبر خطأ وقع فيه الصديق والعدو هو الزعم بأن حركة التجديد والإمامة للشهيد أحمد إنما هي فرع للحركة الوهابية في نجد.
لا شك أن مأخذ الحركتين واحد، وهدفهما واحد، والذين قاموا بهما كانوا من رافعي لواء الكتاب والسنة. وكل منهما كان مجاهدا متحمسا، ولكن هذه حقيقة لا تجحد أن أحدهما ليست له أي علاقة- بعيدة أو قريبة بالآخر أعني أن أحدهما لم يستفد من آراء الآخر. فقد كانت تلكما الدعوتان كل منهما بعيدة عن الأخرى، وفي أحوال خاصة نشأت وترعرعت.
ومع اتحادهما في الأصل- أي دعوة الرجوع إلى الكتاب والسنة- تظهر انطباعات محلية خاصة في كل من الدعوتين، وتختلف كل منهما عن الأخرى في كثير من الأمور الفرعية.
وقد قلت آنفا إني قد مررت على افتراءات حول دعوة التجديد النجدية فلم استطع أن أصبر.
وهكذا اضطر هذا العاجز أن يرتب الكتاب على قسمين. وأن هذه الصفحات في سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي، ودعوته هي المجلد الأول لذلك الكتاب المقترح. والمجلد الثاني سيكون في حركة التجديد والإمامة في الهند من استشهاد السيد أحمد (1831 م- 1246 هـ) إلى سنة 1871 م، واستعرض فيه الأعمال والجهود والخدمات استعراضا دقيقا.
(2)
وهنا أريد أن أوضح أمرا وهو أنني لا أقصد حينما أدون تاريخ الوهابية النجدية أو الوهابية الهندية أن أشعر الناس أن الحق قد انحصر في اتباع أحد هاتين الجماعتين، أو أني أرى هاتين الجماعتين مدرسة خاصة، أو مذهبا خاصا كالمدارس الفكرية الأخرى - دينية كانت أو أدبية - يمكن أن يزعم هذا بعض الدعاة الخاملين أو الأتباع المتشددين، ولكنني أرى أن التحزب يلحق بالإسلام والمسلمين أشد الضرر، والحق عندي هو
اتباع الكتاب والسنة فقط. فلا أرى الرشد والهداية ملكا لجماعة فقهية أو مدرسية1 أو وطنية.
إن الحق ليس ملك يمين نجد ولا الهند اشترته، فإن تعاليم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واضحة جلية، والذي يتبعها اتباعا صحيحا يفوز بالرشد والفلاح.. وإني حينما أرتب تاريخ هذه الجماعات في نجد أو في الهند، وأبرز معالمهما الدارسة أقصد فقط أن أقدم سيرة مصلحين شهيرين في القرن الثاني عشر والثالث عشر وأتباعهما، ولا أرى أيضا أن هناك مصلحين فقط في هذه القرون. ففي الهند الشاه ولي الله الدهلوي (1114- 1176هـ) ، وفي طرابلس محمد بن على السنوسي (1202هـ - 1787 م) لهما شأن عظيم في التجديد والإصلاح.
قد يقول قائل: أن حركة السيد أحمد كانت صدى لدعوة الشاه ولى الله، ولكن حتى بعد تسليم هذه الفكرة، فإن الطابع الخاص والتفردات الخاصة للسيد أحمد لا تزال باقية. وكذلك جمال الدين الأفغاني، والأمير عبد القادر الجزائري هما موضع حب لجماعة كبيرة- وبحق- في لون آخر من الإصلاح والتجديد.
وكذلك لا أرى أن هاتين الجماعتين في نجد أو في الهند معصومتان عن كل خطأ أو زلل. أما الغلو والتشدد في أهل نجد فحتى الأصدقاء يشكون منهما2، وكل ما أقول إنهما كانتا جماعتين مخلصتين قامتا لله، ولم تألوا جهدا في سبيل إعلاء كلمة الله في حدود المساعي البشرية، فعلينا أن ندرس أعمالهما، أما مجرد الاقتناع بما يسمع، أو بدعاية الأعداء والمشايخ الجهال والمتصوفة، فإنه ليس من شيمة طلاب الحق.
وإني قد اجتنبت- قدر الإمكان- إبداء رأي في الكتاب. وقد حاولت أن أرتب الأحوال والأفكار على أساس من المراجع المعتمدة بما يمكن من البحث والتحقيق.
فإن نجحت فبتوفيق من الله، وإلا فلا يستبعد من طالب حقير أن يقع في بعض
1 أي أنني لا أرى الحق محصورا في تقليد الأئمة الأربعة، ولا في اتباع شيوخ ديوبند أو الأزهر أو الندوة، ولا أرى القيادة وراثة لبيت أو بلد.
2 قصده بالتشدد والغلو تشددهم في التوحيد، وهم في ذلك على حق؛ لأن الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أشد الأديان في العقيدة، وأسهلها وأيسرها في الشرائع. ولا يحسن أن يسمى ذلك غلوا وتشددا. (المترجم) .
الأخطاء والأوهام. وفي الأخير ابتهل إلى الله أن يرزقني الإخلاص في النية والعمل ويشرفني بقبول هذا العمل المتواضع1.
(3)
لقد بدأت في ترتيب الكتاب الذي بين يديك في شوال سنة 1359 هـ (نوفمبر سنة 1940 م) إلا أن الأشغال لم تسمح لي أن أخصص له وقتا كثيرا، ولكن العمل مازال مستمرا رويدا، وتم مخطط الكتاب في نوفمبر سنة 1941 م. ولكن لم اجترئ على أن أكمل المسودة بسبب القلة في المراجع، وكلما كتبت شيئا ثم اطلعت على مصادر أخرى اضطررت إلى كثير من الإصلاح والتغيير، ولكن مع ذلك، ومع كثير من البحث والتحقيق لم أعثر على بعض الكتب المهمة واللازمة من المراجع وسأذكرها في باب المصادر.
وأقدم جزيل الشكر من أعماق قلبي إلى أولئك الأصدقاء والأكابر الذين ساعدوني بالأخبار عن المراجع، أو تهيئتها، وأخص بالذكر منهم، الدكتور عظيم الدين ببتنه، والبروفسور حسن عسكري ببتنه، والأستاذ عبد الرحمن الكاشغري بكلكتا، والأستاذ محمد داود الغزنوي بلاهور، والدكتور الشيخ محمد عناية الله بلاهور، والدكتور محمد حميد الله بحيدر آباد، والأستاذ شرف الدين وأولاده ببومباي، والأستاذ عبد المجيد الحريري ببنارس، والبروفسور محمد أكبر الندوي بجامعة كلكتا. والحكيم الحافظ يوسف حسن خان ببتنه، اشكرهم جزيل الشكر، وأراه واجبا علي، فلولا مساعدة هؤلاء الأكابر كان من الصعب علي الحصول على كثير من الكتب النادرة أو المفقودة.
ومن الضروري أن أذكر هنا عالما نجديا قد أرسل إليّ سلام المحبة حينما سمع عن هذا الكتاب في بومباي، ثم تجشم السفر إلى بتنه بطريق بنارس وشرف بيتي بنزوله
1 انتهت هنا مقدمة المؤلف، وما بعده كان في صورة تنبيهات زائدة على المقدمة، ولكنني جعلته مع المقدمة لعلاقته بها (المترجم) .
مدة يومين، وهو الشيخ محمد عمران بن محمد عمران من سكان الرياض بنجد، وكان رجلا متعلما من المتوسطين، إلا أنه من الذين تربوا بتعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن نجد فنفس الاتباع للسنة والتقوى والحماس والعمل الذي كنا نسمع أنه من مميزات هذه الجماعة. وعلى أقل تقدير ففي الهند نادرا ما رأيت مثله.. وقد استفدت منه كثيرا، وخاصة في تعيين سني وفاة علماء نجد المتأخرين عن ذاكرته وبجزم تام، إلا أنني قد بينت ما اعتمدت فيه على روايته في مواضعه.
وأرجو من القارئ الكريم أن تكون الأمور التالية على بال منه أثناء مطالعة الكتاب وسأكون شاكرا:
1.
قد اكتفيت بذكر اسم المصنف أحيانا، وذلك اجتنابا من التطويل بذكر المصادر، ويمكن تعيين الكتب في باب المراجع.
2.
قد حاولت قدر الإمكان التوفيق بين التواريخ الهجرية والميلادية، ولكن اكتفيت بذكر السنة الميلادية مع السنة الهجرية حينما رأيت صعوبة في تعيين اليوم والشهر.
3.
حينما أذكر كلمة "شيخ الإسلام" أو "الشيخ" بدون اسم خاص فالمراد منه هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك من آل الشيخ أولاده وأحفاده مع أن كتب الجماعة تستعمل لقب شيخ الإسلام للإمام ابن تيمية رحمه الله.
4.
لم ألتزم الحرفية في الترجمة من العربية أو الإنجليزية، إلا أنني حاولت أن أعبر عن المفهوم صحيحا كاملا عن الأصل.
5.
من الممكن الوهم أو الخطأ في نطق الأعلام الإنجليزية، فإن وجد خطأ من هذا القبيل فأرجو التنبيه، وإن أي تصحيح من أي نوع كان أقبله بشكر.
مسعود عالم الندوي
بتنه: 8 جمادى الأولى 1361 هـ