المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في ميزان الحكم - محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

[مسعود الندوي]

الفصل: ‌ في ميزان الحكم

الباب الثاني‌

‌ في ميزان الحكم

كل ما حدث في نجد وأرجائها من الإصلاحات الطيبة في حياة شيخ الإسلام أو بعد وفاته، إنما كان نتيجة لدعوته وإخلاصه. والحقيقة أنه لم يقم فقط بانقلاب في أهل نجد وعقائدهم وأخلاقهم، بل لقد غيرها من العقب إلى الرأس، ومن حسن حظه قد وجد أمراء مجاهدين أمثال محمد بن سعود (م سنة 1179 هـ/ 1765 م) ، وعبد العزيز بن محمد بن سعود (1179 هـ/ 1765 م إلى 1218 هـ/ 1803 م) ، وسعود بن عبد العزيز (1218 هـ/ 1803 م إلى 1229 هـ/ 1814 م) ، الذين لم يألوا جهدا في إنجاز مهمته.

ولقد التصق اسم آل سعود بدعوة الشيخ، ولذلك نحب أن نقدم من تاريخ آل سعود باختصار تلك الأجزاء التي ترتبط ارتباطا خاصا ومباشرا بالدعوة.

محمد بن سعود1:

من حين نشأت الدعوة وترعرعت أرسل الأمير محمد بن سعود (م 1791 هـ/ 1765م) وفدا إلى الحرمين، وقد طلب هذا الوفد من الشريف سعود بن سعيد (1146 هـ/ 1733م) إلى (1165 هـ/ 1752 م) إذنا عاما للحج وتكلم مع علماء

1 التاريخ السياسي لنجد خارج عن نطاق بحثنا، ولكننا نبرز تلك النواحي التي تتعلق علاقة مباشرة بدعوة الشيخ. وللاطلاع على تاريخ نجد أو تاريخ آل سعود بتفصيل يرجع إلى الكتب التالية:- 1- عنوان المجد لابن بشر. 2- عجائب الآثار للجبرتي ج 3 ، 4 3- تاريخ نجد للألوسي ص: 90 ، 104. 4- حاضر العالم الإسلامي (مع تعليقات شكيب أرسلان) 4: 161 ، 172 5- دائرة المعارف الإسلامية (مقالة ابن سعود) 6- العربية (arabia) فلبي. وهو مفصل جدا. وكتب أمين الريحاني أيضا معروفة ومتداولة بالعربية والإنجليزية. وسنذكر كتبا أخرى في باب المراجع إن شاء الله.

ص: 73

الحرمين في المسائل المختلف فيها، ولكن "فقهاء الحرم" عاملوه معاملة مؤلمة جدا فقد اعتقل رجال الوفد وتمكن بعضهم أن ينجو بنفسه بعد صعوبات.

منع أهل نجد من الحج:

هذه رواية دحلان الذي لا توجد في أي من كتابيه1. تواريخ صحيحة ولا دونه الحوادث والوقائع بصدق وأمانة ولم تعين السنوات أيضا، وعلى كل حال فأقل ما يعرف من هذا أن أهل نجد كانوا قد منعوا من الحج من قبل هذا. وابن بشر لم يذكر في حوادث سنة 1162 هـ سوى قوله: "في سنة 1162 هـ اعتقل شريف مكة سعود بن سعيد الحجاج النجديين ومات بعضهم"2.

لقد ظهرت دعوة شيخ الإسلام بعد سنة 1157 هـ، واشتهرت بعد سنه 1160 هـ، ولذلك فليس من المعقول أن حجاج نجد قد منعوا قبل سنة 1162 هـ من زيارة البيت الحرام. ويظهر لنا من هذه القرائن أن حادث المنع عن الحج قد أتى بعد قصة اعتقال الحجاج هذه، ولم يزل مستمرا سوى فترات معينة خاصة فقد تشرف عدد كبير من علماء نجد وعوامهم بزيارة بيت الله في سنى 1183 هـ، 1185 هـ، 1197 هـ، ولكن الإذن في كل مرة كان مؤقتا، ولم يجد أهل نجد فرصة للحج والزيارة "بحرية" إلا بعد استيلاء عبد العزيز على الحرمين3 وهذه هي التفاصيل:

عبد العزيز بن محمد بن سعود:

لقد توفي الأمير محمد بن سعود أيام كانت الدعوة في شبابها، وخلفه ابنه عبد العزيز

1 الدرر السنية ص: 44 وكتابه الآخر هو خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام.

2 عنوان المجد 1: 23.

3 دخل عبد العزيز بن محمد بن سعود فاتحا مكة المكرمة سنة 1218 هـ / 1803 م.

ص: 74

بن محمد بن سعود1 وكما يقول مرغليوث لقد أرسل وفدا إلى مكة في سنة 1179 هـ "1766 م" واستقبل الوفد بحفاوة وأضافه الشريف2، وأكد الوفد لعلماء مكة أن عقائدهم ليست منفصلة عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.

1 لقد زعم بعض الكتاب أن عبد العزيز بن محمد بن سعود كان ابن بنت شيخ الإسلام (فلبي ص 41 ، 43 وقاموس الإسلام ص: 66) ولكن هذا ليس بصحيح. ويقول عامة المؤرخين إن بنتا لشيخ الإسلام كانت تحت الأمير محمد بن سعود، ولكن شيخ الإسلام استوطن الدرعية في سنة 1157 هـ فلا بد أن يكون هذا الزواج بعده، مع أننا نعرف من جهة أخرى بطرق موثوق بها أن الأمير عبد العزيز كان قد بلغ الرشد في سنة 1160 هـ، فقد ذكر الشوكاني (البدر الطالع ص: 263) إن ابنه سعود بن عبد العزيز كان قد ولد في سنة 1160 هـ أو 1163 هـ، ولذلك فلو سلمت المصاهرة بين شيخ الإسلام والأمير محمد بن سعود مع سكوت ابن بشر وابن غنام عن هذه القرابة فعبد العزيز بن محمد بن سعود لا يمكن أن يكون ابن بنته. وبالعكس من ذلك يزعم براتجس (bridges) أن عبد الوهاب (؟ ابن عبد الوهاب) نفسه كان قد تزوج بنت محمد بن سعود "ص: 107"، ويكتب أيضا أن عبد العزيز بن محمد بن سعود تزوج بنت عبد الوهاب (؟ ابن) وقد ولد من بطنها سعود بن عبد العزيز فالله أعلم بما هو الصحيح.

2 الإنجليز والمؤرخون الأوروبيون كلهم يسمون حاكم مكة (arifgrand sh) شريف الكبير ويسمون أفراد البيت الأخرين "شريف" فقط. أما في العربية فتستعمل كلمة "شريف" للمنتسبين إلى الحسنين رضي الله عنهما عامة. إلا أن "شريف مكة" لا يطلق إلا على حاكم مكة، ولمعرفة تاريخ الأشراف يمكن مراجعة كتاب دحلان وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام" مع أنه لا يوثق به كثيرا. وقد ذكر لبيب البتنوني أيضا موجزا لتاريخ أشراف مكة في كتابه "الرحلة الحجازية" (ص: 81 ، 83) ، وهناك باب يحتوي على معلومات عن حكومة مكة في كتاب (arabia in travel) الذي ألفه برك هارت (1: 405 ، 444) ، وكذلك باب موجز في كتاب (histery of arabia) لهوغارث. وإليك أسماء الأشراف الذين يتعلقون بهذه الحركة مع سني ولايتهم:

1 مسعود بن سعيد سنة 1146 هـ

7- عبد الله بن حسن سنة 1184 هـ

2-

مساعد بن سعيد سنة 1165 هـ

8- أحمد بن سعيد سنة 1184 هـ

3-

جعفر بن سعيد سنة 1172 هـ

9- سرور بن مساعد سنة 1186 هـ

4-

مساعد بن سعيد سنة 1173 هـ

10- عبد المعين بن مساعد سنة 1202 هـ

5-

عبد الله بن سعيد سنة 1184 هـ

11- غالب بن مساعد سنة 1202 هـ

6-

أحمد بن سعيد سنة 1184 هـ

12- يحيى بن سرور سنة 1228 هـ.

ص: 75

هذه رواية مرغليوث. أما ابن غنام وابن بشر وفلبى فلم يذكروا وفدا في سنة 1179 هـ، ولا ندري من أين أخذه مرغليوث، وبعد سكوت ابن غنام وابن بشر فلا يمكن الاعتماد على ما ذكره مرغليوث، وروايات أحمد زيني دحلان (الدرر السنية ص: 44) أيضا متعارضة جدا في هذا الباب ولا يمكن الوثوق بها.

أول حج بعد المنع:

وفي سنة 1183 هـ وقعت مناوشة بين الموحدين وفرقة من قبل أشراف الحجاز، واعتقل رئيس الفرقة الشريف منصور فأطلق الأمير عبد العزيز سراحه بدون فدية، ولقد ترك صنيعه هذا أثرا طيبا، وفي مقابل ذلك أذن لهم شريف مكة بالحج، وانتهز الفرصة عدد كبير من الموحدين. قال ابن غنام:

"فاغتنم لذلك من المسلمين طائفة وسارت للحج آمنة"1.

ومع أن قرار الإذن لم يمتد إلى سنين أخرى إلا أنه قد انفتح باب المحادثات والمفاوضات بسبب ذلك.

أول وفد نجدي:

قال ابن غنام:

وفيها (أي في سنة 1185 هـ 1779 م) أرسل الشيخ وعبد العزيز إلى والي مكة أحمد بن سعيد الشريف هدايا، وكان قد كاتبهم وراسلهم وطلب منهم أن يرسلوا فقيها وعالما من جماعتهم يبين لهم حقيقة ما يدعون إليه من الدين ويحضر عند علماء مكة، فأرسل إليه الشيخ عبد العزيز الحصين وكتب معه إلى شريف مكة رسالة. واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده وهم يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب ابن

1 روضة الأفكار 2: 91.

ص: 76

حسن التركي مفتى السلطان، وعبد الغني بن هلال وتفاوضوا في ثلاث مسائل وقعت المناظرة فيها.

"الأولى: ما نسب إلينا من التكفير بالعموم. والثانية: هدم القباب التي على القبور. والثالثة: إنكار دعوة الصالحين للشفاعة

فصار لهم بتلك العبارة اقتناع ولهم إلى الإقرار إسراع، وتفوّهوا بأن هذا دين الله، وقالوا هذا مذهب الإمام المعظم، وانصرف عنهم عبد العزيز مبجلا مكرماً" 1.

وابن بشر أيضا يذكر قصة هذا الوفد2 ولكن بإيجاز، ولقد فصل الكلام فيه فلبي ولكن مصدره على الغالب هو روضة الأفكار لابن غنام، وأنه خلط بين حج سنة 1183هـ "1769 م " ووفد سنة 1185 هـ (1771 م" مع أن ابن غنام ذكر كلا منهما منفصلا عن الآخر.

وكان رئيس هذا الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وهو من خواص تلامذة شيخ الإسلام وكان موضع ثقة كاملة له، وقد أرسله رئيسا على الوفد إلى مكة مرتين، وكان يتولى منصب القضاء في عهود الأمير عبد العزيز "م 1218 هـ/ 1803" وسعود بن عبد العزيز (م 1229 هـ/ 1814م) ، وعبد الله بن سعود (صلب 1234 هـ/ 1819 م) بعد وفاة الشيخ. ولقد عامله إبراهيم معاملة سيئة جدا عند الاستيلاء على الدرعية سنة 1234 هـ، وشدد عليه في الكلام3 وكان إذ ذاك قد ضعف جدا. وهكذا تكون نشوة الفتح والاستعلاء الدنيوي، ولكنه والحمد لله لم يقتل مثل الآخرين، وتوفي في 12 رجب سنة 1237 هـ (ط إبريل سنة 1822 م)

1 روضة الأفكار 2: 91 ، 92: وزاد الأستاذ محمد حامد الفقي على ذلك (ص: 75) "فما كاد هذا الشيخ يبلغ مكة

حتى ثار آل مساعد على عمهم أحمد الشريف، وانتزعوا من يده ولاية مكة بالقوة، وأخرجوه منها جزاء استقدامه هذا العالم النجدي ووضعوا مكانه على مكة شريفا آخر. والذي يغلب على الظن كثيرا أن ليد علماء السوء أثرا في هذا الثورة على الشريف أحمد." ولا أدري ما هو مأخذه؟.

2 1: 59.

3 عنوان المجد 1: 191.

4 ولمعرفة المزيد من الأحوال وتفصيل التلامذة يراجع عنوان المجد 1: 91 ، 94 ، 232 ، 233.

ص: 77

الجدب والإذن العام للحج:

قال ابن غنام: "وفيها (سنة 1197 هـ/ 1785 م) أهدى عبد العزيز - حرسه الله تعالى - علي سرور والي مكة المشرفة خيلا وركابا، وكرمه بذلك وشرفه، وقصده بذلك التشريف والإكرام وإهدائه ذلك النفيس الذي هو أجل الحطام الرخصة لأهل الدين والإسلام في أداء واجب الافتراض والالتزام خامس أركان هذا الدين على التحقيق والجزم واليقين الذي منعوه من سنين، وكانوا على قضائه متوجدين، فجاء الأمر منه في ذلك بالرخصة، فشمر المسلمون وانتهزوا الفرصة فحجوا ذلك العام وكانوا نحو ثلاثمائة من الأنام1. وابن بشر سكت عن هذه القصة تماما. أما فلبي فقد فصل الكلام في الاستئذان ونتائجه، وقال في الجدب الذي عم في سنة 1197 هـ/ 1785م.

"ولكن مع ذلك (يشير إلى تلك الجهود التي بذلها الأمير عبد العزيز) قد منى العرب كلهم بمصائب عظيمة بسبب هذا الجدب الذي استمر طوال سنتين ولكن الجدير بالذكر أن الشريف لما أبلغ الأمير الوهابي برفع الحظر المفروض على النجديين، وأخلى سبيلهم إلى الحج لم يستفد منه سوى ثلاثمائة رجل2 وذلك بسبب القحط. وهذا الإذن الثاني ذو أهمية خاصة في تاريخ العرب في تلك الأيام، فقد كان سرور قد انفصل تماما عن حكومة الخليفة المزعومة في قسطنطينية، وكان قد بدأ يشن الغارة على حدود عسير ونجد، وكان يريد من منع النجديين من الحج أن يظهر قوته عليهم، ولكن الوهابيين أبوا أن يذعنوا له.

وفي مقابل ذلك بدءوا يتعرضون لقوافل الحجاج العراقية والفارسية التي كانت تمر من بلادهم، ولم يكن في وسع الشريف سرور أن يضمن حمايتهم، وكانت النتيجة أن باشا العراق منع القوافل من الخروج، وذلك لأن حكومة

1 روضة الأفكار 2: 134.

2 يظهر من كلام فلبي أن الشريف سرورا (1186- 1202) قد رفع الحظر عن الحج بنفسه، لكن رواية ابن غنام تثبت أن الأذن كان بناء على طلب من الأمير عبد العزيز. انظر كلامه "وقصد بذلك التشريف والإكرام

الرخصة لأداء أهل الدين والإسلام في أداء واجب الافتراض" إلخ.

ص: 78

فارس كانت تعتبر الباشا البغدادي مسئولا عن المتاعب التي كان يلقاها الحجاج في الصحراء، وكانت موارد أهل الحجاز تنحصر في تلك الأيام على هذه القوافل التي كانت ترد عليهم من طريق البر.

ولما ضاق الشريف ذرعا من تجار مكة والمدينة اضطر إلى تحسين علاقاته مع الحكومة النجدية، ولم يجد مناصا سوى الخضوع، ولما أرسل الحاكم الوهابي هدايا الخيل والإبل إلى الشريف في أيام الجدب ظهر لجميع الناس أن العلاقات قد تحسنت1، إلا أن الإذن أيضا بدا مؤقتا2.

وفد نجدي ثان:

توفى الشريف سرور في سنة 1202 هـ، وتولى الأمر بعد ذلك عبد المعين بن مساعد، وخلفه غالب بن مساعد، وهو الشريف غالب الذي وقعت في عهده المعارك بين أهل نجد والحجازيين والمصريين، وحسبما يرويه المؤرخون فقد كان ينوي اجتناب هذا الصراع إلا أن العلماء حالوا دون كل هدنة. ومهما كان الأمر فإن أقوى دليل على تفهمه للأمور أن الشريف غالبا (1202 - 1228 هـ) بعد مدة سنتين فقط من توليه للإمارة طلب من الأمير عبد العزيز عالما يستطيع أن يتكلم في دعوة شيخ الإسلام.

وقد لبى الأمير عبد العزيز هذه الدعوة فرحا مسرورا، واختار الشيخ عبد العزيز الحصين لهذه المهمة (وهو الذي كان رئيس الوفد الأول) ، وكتب شيخ الإسلام رسالة بيده ذكر فيها الأدلة بكل تفصيل مع الإشارة إلى الوفد الأول، وأن علماء مكة قد اطمأنوا إليهم في ذلك الوقت. واستقبل الشريف غالب الشيخ عبد العزيز الحصين استقبالا طيبا وكلمه طويلا، واعترف بأهميته وصدق أدلته، إلا أنه تراجع عن رأيه بعد ما أغواه العلماء المحليون، وحذره "فقهاء الحرم" بأنه إن أطاع

1 arabia: 38 ، 39.

2 ذكر ماردتمان "ابن سعود: دائرة المعارف الإسلامية" أن غالبا كان قد سحب هذا الأذن في سنة 1202 هـ. وعامة المؤرخين يذكرون أن الأذن في كل مرة كان مؤقتا، ولم تزل أحكام منع النجديين من الحج مستمرة حتى بدأت الحرب سنة 1205 هـ. (الرحلة الحجازية: 68) .

ص: 79

ابن سعود فسوف يفقد إمارته ووقع هذا الأمر في قلب الشريف غالب ومنعه الفزع من الإمارة النجدية عن قبول الحق، ولقد ذاق العالم الإسلامي كله مرارته. وألح عليه الشيخ عبد العزيز أن يجتمع مع جماعة من علماء مكة، ويناقشهم في المسائل المختلف فيها بصراحة ووضوح إلا أن العلماء لم يرضوا بهذا وأعلنوا بالحرف الواحد:-

"هؤلاء الجماعة ليس عندهم بضاعة إلا إزالة نهج آبائك وأجدادك، ورفع يدك عن معتادك وجوائز بلادك، فطار لبه وارتعش قلبه"1، ولو أن "فقهاء الحرم" أخذوا جانب الحزم والتعقل، وتجنبوا هذه المعاملة المتهورة، وتم التفاهم بين الشريف غالب والأمير عبد العزيز لحقنت دماء المسلمين الغالية.

والعجب أن ابن بشر لم يذكر هذا الحادث المهم.

وفد نجدي ثالث:

وبعد ما خاب الوفد الثاني في مهمته ابتدأت المناوشات بين الجانبين. وبدأ بها غالب بنفسه في سنة 1205 هـ (1791م) ، واستمرت هذه الاشتباكات مدة طويلة تخللتها مهادنات، وفي خلال هذه المدة استمرت الجيوش النجدية في توسيع نفوذها في بقية أنحاء الجزيرة العربية حتى هجموا على جزيرة العمائر قرب الأحساء في سنة 1211 هـ، ورجعوا غانمين2. ولما رأى الشريف غالب هذا الازدياد في القوة النجدية بادر إلى المفاوضات مرة أخرى، وكتب إلى الأمير عبد العزيز كتابا طلب فيه أن يرسل عالما نجديا يستطيع أن يعرض مذهب الموحدين على أهل مكة.

وكان الوفدان السابقان قد ذهبا في حياة شيخ الإسلام ومعهما مكتوب من شيخ الإسلام، وجاءت مطالبة الوفد الثالث بعد ما توفي الشيخ "سنة 1206 هـ"، ولكن مع ذلك سارع الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى استجابته، ولم يكن هناك شيء أحب إليه من الدعوة إلى الله، واختار لهذه المهمة أحد تلامذة الشيخ الأجلاء وهو الشيخ حمد بن ناصر بن

1 روضة الافكار 2: 163.

2 عنوان المجد 1: 110.

ص: 80

عثمان بن معمر.

ولما فرغ الشيخ حمد بن ناصر ورفقاؤه من الطواف قدموا هدايا الأمير عبد العزيز إلى الشريف، واستقبلوا استقبالا وديا، واستمرت المناقشات عدة أيام مع علماء مكة، وفي الأخير قدمت أسئلة عديدة إلى الشيخ حمد بن ناصر وطلب منه أن يكتب أجوبتها، فأجاب عنها مفصلا ومبرهنا بالأدلة، وقد طبعت هذه الأجوبة في رسالة سميت "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب"1، وتكلم في هذه الرسالة بالخصوص على مسألتين وهما: الشفاعة والاستغاثة وتكفير تاركي الصلاة وقتالهم. وسنتكلم فيما بعد بالتفصيل في هذه المواضيع، ولذلك لا أرى التعرض بموضوع بحث هذه الرسالة.

وكانت هذه المناظرة في شهر رجب سنة 1211 هـ في مجلس حافل أمام الشريف غالب. وعلق ابن غنام على هذه المناظرة في حوادث سنة 1211 هـ:- "إنهم اعترفوا باستقامة حججه، ولكن مع ذلك جحدوا- الخ". وقد نقل ابن غنام الرسالة بكاملها2 وذكر فلبي أيضا3 جميع ما جرى في هذا الوفد والمناظرة، والعجب أن ابن بشر سكت أيضا عن ذكر هذا الوفد.

ومن المناسب هنا أن اذكر كلمات في شأن رئيس الوفد حمد بن ناصر بن معمر فكان يتشرف بتتلمذه على شيخ الإسلام مثل رئيس الوفد الأول والثاني الشيخ عبد العزيز الحصين (م سنة 1237 هـ) ، وزيادة على ذلك كان قد استفاد من أخيه سليمان بن عبد الوهاب (م سنة 1225 هـ) ، وقد تولى القضاء في الدرعية مدة طويلة، وكان الأمير سعود بن عبد العزيز (1218- 1229 هـ) قد أرسله للتدريس والإفتاء في مكة المكرمة، وتوفي هناك في أواسط ذي الحجة 1225 هـ (بداية كانون الثاني يناير سنة 1811 م4

صلح بعد حرب:

لقد زادت فتوحات "الوهابيين" حتى أن الباب العالي اهتم في شأنهم، وسلمت هذه

1 مجموعة الهدية السنية ص: 55 ، 90.

2 روضة الأفكار 2: 226.

3 arabia ص: 71 ، 72.

ص: 81

المهمة إلى سليمان باشا والي بغداد1، فأرسل جيوشا لكبح جماحهم بقيادة "ثويني" ثم بقيادة "علي باشا"2، ولكنها رجعت خائبة خاسرة، وصارت الجيوش النجدية تشن غارات باستمرار على حدود العراق، وتقدم الأمير عبد العزيز فاستولى على البحرين وسواحل عمان وحكم سيطرته بهجمات على حكام بغداد والبصرة الأتراك.

ولم يزل الحظر المفروض على النجديين من الحج مستمرا، وفي مقابل ذلك لم يزل هجومهم على العراق والتعرض لقوافل العراقيين مستمرا. وكان كل هذا مصدر تعب وقلق دائمين لأشراف مكة، فاضطروا لرفع الحظر عن الحج مرارا، وطلبوا الوفود للتفاهم، ولكنهم في الأخير عزموا على شن الغارة. وكانت هذه عادة الشريف غالب فقد قام بشن غارات شاملة بعد استعدادات كاملة في سني 1205 "1790 م" و 1210 هـ "1795 م" و 1212 هـ "1798 م" ولكن في كل مرة كان حظه الهزيمة 3.

ووقعت أعنف هذه المعارك4 وآخرها في سنة 1212 هـ في الخرمة (قرية معروفة عند تربة) ، ومنى فيها غالب بهزيمة نكراء، وقتل آلاف من رجاله فلم يجد بدا من المصالحة والإذن للحج، وعينت الحدود بين الطرفين فكانت عتيبة وحرب والناحية الشمالية من عسير في حدود مملكة الشريف. وتم هذا الصلح في آخر جمادى الأولى سنة 1213 هـ (كانون الأول ديسمبر سنة 1798 م5، وعلى أثر ذلك بدأ النجديون وكذلك القوافل العراقية يؤدون فريضة الحج بأمن وسلام من سنة 1213 هـ إلى سنة 1215 هـ.

1 في سنة 1212 وكان الشريف غالب هو الذي لفت أنظار الدولة العثمانية إلى خطر "الوهابيين"، وحثه على كسر شوكتهم إلا أن الدولة لم تعر أي اهتمام، ولكننا نرى أن سليمان باشا حاكم بغداد جهز الجيوش لمحاربة أهل نجد قبل ذلك، وأما بعده في سنة 1213 هـ فكما يقول دحلان نفسه أن نائب سليمان وهو علي باشا قد قام بهجوم عنيف "ولو لم تكن حياتهم باقية لكان من المقطوع به نهاية الوهابيين" خلاصة الكلام ص 266 ، 268.

2 أرسلت هذه الجيوش في سنة 1211 هـ (1797 م) وسنة 1213 هـ "1799 م" وللتفصيل يراجع عنوان المجد 1: 107 ، 109 ، 118. وفلبي ص 68 ، 70.

3 عنوان المجد 1: 86 ، 87 ، 103 ، 107 ، 112 ، وفلبي ص: 51 ، 54 ، 73 ، 74.

4 وهذه المعركة هي التي اشتهرت "بوقعة الخرمة" وقد وقعت في شوال سنة 1212 هـ "مارس وأبريل سنة 1798 م" ورجع غالب إلى مكة منهزما في 3 من ذى القعدة "19 أبريل سنة 1798 م" خلاصة الكلام ص: 267.

5 خلاصة الكلام ص 267.

ص: 82

الحج سنة 1213 هـ:

بعد معركة الخرمة أرسل الشريف رسولا إلى عبد العزيز وطلب منه الصلح فقبله الأمير، وأذن الشريف لأهل نجد بالحج، وفي العام نفسه تشرف ركب آخر من نجد بأداء فريضة الحج، وكان فيه نجلان لشيخ الإسلام وهما: علي بن محمد وإبراهيم بن محمد1. ويعلق دحلان على هذا بقوله:

"وقد ارتبط بينهم عهود ومواثيق على المسالمة، وأن الحرب بينهم موقوف وأن يحج الوهابيون بيت الله الحرام، ونادى المنادي بالأمن والأمان ومنع الناس عن التعرض لهم باليد واللسان، فأقبلوا على مكة من كل مكان. فسبحانه وتعالى كل يوم هو في شأن 2.

ويذكر أحمد دحلان حج حمد بن ناصر أيضا إلا أن ابن بشر لم يذكر اسمه في نطاق ذكره للأعيان الآخرين.

ولم يتمكن الأمير عبد العزيز ولا سعود بن عبد العزيز من أداء الحج في ذلك العام؛ وذلك بسبب أن نائب سليمان باشا وهو علي باشا قد أرسل جيشا عظيما لمحاربتهم، فاشتغل الوالد والولد في الاستعداد لهذه المهمة، ووقعت هذه الحادثة ما بين رمضان وذي القعدة سنة 1213 هـ (سنة 1799 م) .

الحج سنة 1214 هـ:

"وفيها حج سعود بن عبد العزيز حجته الأولى، وأجمل معه غالب أهل نجد والجنوب والأحساء والبوادي غيرهم، وكانت حجة حافلة بالشوكة وجميع الخيل والجيش والأثقال والنساء، واعتمروا وقضوا حجهم على أحسن الأحوال، ولم ينلهم مكروه ورجعوا سالمين ولله الحمد والمنة"3.

1 عنوان المجد: 1: 120.

2 خلاصة الكلام: 268.

3 عنوان المجد 1: 20.

ص: 83

"وفي سنة أربع عشرة حج سعود بن عبد العزيز ومعه قوم كأمثال الرمال، واجتمع بمولانا الشريف في خيمة ضربت لهما بالأبطح، ورجع في الثامن والعشرين من ذي الحجة (مايو سنة 1800 م) .1

الحج سنة 1215 هـ

"وفيها حج عبد العزيز بن محمد بن سعود بالناس، واحتفلوا احتفالا أعظم من الأول التي قبلها، وأجمل معه غالب أهل نجد ومن تبعهم من البوادي وغيرهم بالنساء والأطفال، وحج معه ابنه سعود ثم إن عبد العزيز لما سار سبعة أيام أنس من نفسه الملل والثقل، وبالغ معه ابنه سعود..، فرجع عبد العزيز..، ورجع إلى الدرعية وحج سعود بالمسلمين واعتمروا وحجوا على أحسن حال، واجتمع سعود بغالب في مكة وبذل سعود في مكة من الصدقات والعطاء شيئا كثيرا. وهذه حجته الثانية"2.

"وفي هاتين السنتين مرت قوافل الحجاج من أرجاء بلدان نجد آمنة مطمئنة، وكان سعود بن عبد العزيز بنفسه يشرف عليها، وفي السنة الثانية تشرف حاكم عمان أيضا بالحج".3

لقد أخذنا هذا الترتيب بين الوقائع والحجات من مراجع موثوق بها، وقد حصل بعض الغلط في الترتيب عند الأمير شكيب أرسلان، ولعله بسبب اعتماده على بعض المصادر الأوربية4. وكذلك الأمر في مقالة ما ردتمان ومع أن السنين فيها قد كتبت صحيحة إلا أن الترتيب منقلب5.

الغارة على كربلاء سنة 1216 هـ/ 1802 م:

لقد بولغ كثيرا في رواية قصة غارة النجديين على كربلاء وإهانة النجف وبلد الحسين ولكننا نذكر هنا الوقائع الصحيحة وبإيجاز:

"ولقد فشلت تماما تلك الحملات المتكررة التي قام بها ولاة البصرة وبغداد من

1 خلاصة الكلام: 268.

2 عنوان المجد 1: 121.

3 فلبي ص: 81.

4 حاضر العالم الإسلامي 4: 162 ، 163.

5 مقالة "ابن سعود" دائرة المعارف الإسلامية.

ص: 84

الترك مع حلفائهم من آل المنتفق عام 1797م، وحملة كخيا علي باشا سنة 1798 م في إجلاء الوهابيين من الحسا. وانتهت هذه الحملات بتهادن عبد العزيز ووالي بغداد لمدة ست سنوات، ولكن صلات الوهابيين الودية مع بغداد والأشراف لم يطل أمدها.

فداهم سعود بن عبد العزيز مدينة كربلاء في 18 ذي الحجة عام 1216 هـ (21 إبريل 1802 م) للانتقام من قبيلة خزاعل الشيعية لاعتدائها على قافلة وهابية" 1.

"وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة، ومن جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك، وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين، وذلك في ذي القعدة2، فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين وأخذوا ما في القبة وما حولها، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال، وقتل من أهلها قريب من ألفي رجل"3.

ومهما فرح أهل نجد بهذه الحادثة وشفي غيظهم إلا أنها أثارت موجة السخط والغضب بين المسلمين عامة والشيعة الإيرانيين خاصة ويقال أن "فتح علي شاه قاجار"(1212 هـ - 1250 هـ/ 1798 م- 1834 م) قد عزم على شن الغارة على نجد بجيش عدته مائة ألف رجل، وكان سليمان باشا حاكم بغداد أيضا يعد جيشا عظيما.

إلا أن أهل إيران قد اشتبكوا مع الروس، واشتغل سليمان باشا في إخماد ثورة من قبل الأكراد وهكذا صرفوا عما أرادوا 4.

أما غضب "فتح علي شاه قاجار" فمعقول ولكن كتب التاريخ الأخرى لا تثبت

1 فلبي ص: 81 ومقالة ماردتمان "دائرة المعارف الإسلامية "عربي" 1: 191 ، 192".

2 ذي القعدة سنة 1216 هـ "مارس سنة 1802 م" ولعله تاريخ الخروج وقد حدد هاردتمان تاريخ الهجوم وهو 18 ذي الحجة سنة 1216 هـ " 5 أبريل سنة 1802 م" ويظهر أنه صحيح.

3 عنوان المجد 1: 121 ، 122.

4 حاضر العالم الإسلامي 4: 163.

ص: 85

إرادته غزو نجد. ولقد وجدت مخطوطة في المكتبة الشرقية ببتنة تلقي بعض الضوء على هذه الحادثة، وفيها رسالة من الأمير سعود بن عبد العزيز باللغة الفارسية إلى "فتح علي شاه قاجار" وفيها ذكر لقتل أهل نجف مع ذم أعمالهم الشركية، وكتب فيها أيضا أن "فتح علي شاه" إن لم يحاول استئصال هذه المفاسد فسيضطر أمير نجد أيضا إلى اتخاذ إجراءات صارمة. ومع هذه الرسالة يوجد جواب "فتح علي شاه" وقد حذر فيه أمير نجد، وأكد عليه أن يمتنع عن هذه (المظالم) ، وفي بداية الرسالة توجد بعض التوضيحات والإفادات عن دعوة شيخ الإسلام بكلمات موجزة، وهذه الإفادات من قبل سعود بن عبد العزيز. وأما أصل الرسالة فقد كتب من قبل الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، وعند الهجوم على كربلاء كان الأمير عبد العزيز حاكما وسعود بن عبد العزيز وليا للعهد وقائد الجيش، فمن المعقول أيضا وجود أسمائهما في الرسالة.

كتبت هذه المخطوطة الوجيزة في سنة 1219 هـ/ 1804 م أي بعد ثلاث سنين من الحادث فقط. ولا يوجد تاريخ في الرسائل إلا أنها كتبت في أيام قريبة من الهجوم على كربلاء وليس فيها أي ذكر لغارة "فتح علي شاه" المزعومة. ومن جهة أخرى يتبين لنا من تصريحات فلبي1 أن العلاقات بين "فتح علي شاه" وسعود بن عبد العزيز كانت طيبة وودية في سنة 1808م؛ ولذلك فلا يمكن أن نقطع بشيء في إرادة ملك إيران الغارة على نجد.

أما غارة سليمان باشا حاكم العراق فالذي نعرف عنها أنه توفي في سنة 1217 هـ أي بعد مدة قصيرة من حادث كربلاء.2

انتهاء الهدنة سنة 1217 هـ:

إن معاهدة الهدنة التي أبرمت بين الجانبين بعد وقعة الخرمة لم يقدر لها البقاء مدة طويلة، واتهم الشريف غالب الجيوش النجدية بخرق المعاهدة والقيام بأعمال عدوانية.

1 arabia ص: 90.

2 عنوان المجد 1: 122.

ص: 86

ولما لم تنحل المسألة بالمكاتبات أرسل الشريف غالب وزيره "عثمان المضايفي" لإجراء مفاوضات، إلا أنه لما وصل هناك انضم إليهم، ولما رجع دعا غالبا إلى المبارزة من قبل حلفائه الجدد.

ومن جهة أخرى ساءت العلاقات بين غالب وأخيه عبد المعين، واستنجد عبد المعين بسعود فوقع اشتباك قرب الطائف، وتحصن غالب في قلعة الطائف إلا أنه مني بالهزيمة أخيرا، واستولى الجيش السعودي على الطائف، وعين عثمان المضايفي حاكما للحجاز1، وانتشرت الجيوش النجدية في الأطراف والجوانب، وأخذوا يتوجهون نحو مكة المكرمة.

كان الحج قريبا وكان الركب الشامي نازلا على بعد ثلاثة أيام من الحرم بقيادة (عبد الله باشا) ، فتصالح مع سعود على شرط أن يعود الركب إلى بلاده بعد ثلاثة أيام من فراغه من شعائر الحج، وطلب غالب من عبد الله باشا أن يتوسط له لدى سعود إلا أنه رجع إلى بلاده بمجرد فراغه من الحج حسب شروط الاتفاق، وذهب طلب غالب هباء.2

دخول مكة:

بعد ما انتهت أعمال الحج لجأ غالب إلى جدة ودخل سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة فاتحا وذلك في يوم السبت 8 محرم الحرام سنة 1218 هـ "30 إبريل سنة 1853 م"3، ولم يلق سعود أي معارضة من قبل المواطنين، وعين عبد المعين شقيق غالب أميرا على مكة وتوجه بنفسه إلى الإصلاح.

قال ابن بشر:

"ودخل سعود مكة واستولى عليها، وأعطى أهلها الأمان وبذل فيها من الصدقات

1 أواخر سنة 1317 هـ (1803 م) .

2 عنوان المجد 1: 122 / وفلبي ص: 83.

3 لقد ذكر صاحب قاموس الإسلام (660) تاريخ دخول مكة 27 أبريل إلا أنه أخطأ، ولعل زويمر أيضا (94) نقل منه هذا الخطأ.

ص: 87

والعطاء لأهلها شيئا كثيرا. فلما فرغ سعود والمسلمون من الطواف والسعي تفرق أهل النواحي يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية.

وكان في مكة من هذا النوع شيء كثير في أسفلها وأعلاها ووسطها وبيوتها فأقام فيها أكثر من عشرين يوما ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوما يهدمون. يباكرون إلى هدمها كل يوم وللواحد الأحد يتقربون حتى لم يبق في مكة شيء من تلك المشاهد والقباب إلا أعدموها وجعلوها ترابا" 1.

"لقد ولى سعود عبد المعين إمارة مكة وتوجه إلى تطهير الحرم من أرجاس الوثنية، ووزع الجواهر والأموال الموجودة في الكعبة وهدمت القباب وقتل بعض السدنة2". ولم يذكر ابن بشر شيئا عن توزيع الجواهر وقتل السدنة. وهذا جانب واحد من دخول سعود مكة، ولعل عامة الناس لا يرضون بهذا فلنلاحظ الجانب الآخر أيضا. يقول الراهب هيوجس (Huges) :

"لم يصب المواطنين أي أذى لأجل قداسة الحرم. وبعد أن تولى الإمارة أهل نجد عمرت المساجد حتى أن هذا المنظر من الزهد والطاعة لم ير له مثيل في هذا البلد الأمين بعد عهد النبوة"3.

وكتب معاصر أوروبي آخر وهو برك هارت:

"مازال أهل مكة يذكرون اسم سعود بالشكر والرضى حتى الآن، وما زالت معاملة الجنود الطيبة تذكر بثناء ومدح، وبالخصوص معاملتهم في أيام الحج والزيارات. ولم يستطيعوا أن ينسوا تلك المعاملة العادلة التي شاهدوها من جيوشه"4 وزيادة على هذا أجبر الناس كلهم على الصلاة مع الجماعة، ودمرت آلات التنباك والملابس الحريرية، وألغيت المكوس والرسوم التي لا يقرها الشرع الإسلامي5.

1 عنوان المجد 1: 122 / 2 ، 3.

2 فلبي ص: 83.

3 قاموس الإسلام (dietionory of islam) ص: 660.

4 برك هارت 2: 149.

5 الهدية السنية: 43.

ص: 88

وقضي على تعدد الجماعات في الصلوات، وبدأ الناس يصلون وراء إمام واحد، وبدأ علماء المذاهب المختلفة يصلون بالناس في أوقات مختلفة 1.

ووزعت رسالة ألفها الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام في توضيح عقائد أهل نجد وطريقتهم، وذكر فيها بكل تصريح هدم القباب والزوايا وبحث في المسائل الأخرى المختلف فيها. وحسبما يروي دحلان أمر بتدريس رسالة "كشف الشبهات" لشيخ الإسلام.2

وقد ذكرنا آنفا أن غالبا قد التجأ إلى جدة فتعقبه سعود بعد ما أقام في مكة المكرمة أربعة عشر يوما وذلك في 22 محرم سنة 1218 هـ. إلا أن المهمة قد باءت بالفشل لأجل تفشي الطاعون في جنوده، واضطر إلى أن يترك فكرة الاستيلاء على الحجاز في ذلك الوقت، وبقي مائتان من جنوده في مكة فذبحوا وراءه بكل قسوة3.

استشهاد الأمير عبد العزيز:

في 18 رجب سنة 1218 هـ (4 نوفمبر سنة 1803م) حينما كان الأمير عبد العزيز يصلي بالناس صلاة العصر حسب عادته، وبينما كان ساجدا بين يدي ربه إذ هجم عليه ظالم بخنجر وقتله. ويروى أن الذي قتله كان رافضيا إيرانيا أو كرديا4 قتل عدة من أولاده في كربلاء بأيدي النجديين، وكان يقيم بالدرعية يتربص الدوائر لكي يتمكن من أخذ ثأره، وكان الأمير عبد العزيز يكرمه لغربته وظهور صلاحه، ولكنه بقي ينتظر الفرصة مدة سنة كاملة حتى تمكن من إرواء غليله بقتل الأمير عبد العزيز.

1 خلاصة الكلام: 278.

2 خلاصة الكلام: 279.

3 حاضر العالم الإسلامي 4: 162 وفلبي: 83.

4 عامة المؤرخين يذكرون أن القاتل كان رافضيا إيرانيا " فلبي: 84 حاضر 4: 163" إلا أن ابن بشر "1: 123" يقول: إنه كان كرديا ثم يقول: وقيل: إنه كان شيعيا وأتى بصفة التمريض، لأن الأكراد ليسوا بأهل رفض، ولا في قلوبهم غل على المسلمين (1: 124) وابن بشر يسميه بعثمان، وكان من سكان [عمارية] قرب الموصل.

ص: 89

لقد حكم عبد العزيز بن محمد بن سعود من سنة 1179 هـ (سنة 1765 م) إلى سنة 1218 هـ (1803 م) أي مدة تسعة وثلاثين عاما، ومضى أكثر عهد حكمه تحت إشراف مباشر من شيخ الإسلام نفسه، وكان عبد العزيز قد برزت أهميته قبل سنة 1159 هـ/ 1744 م أي قبل وفاة والده، وجميع المعارك العامة التي خاضتها الجيوش النجدية من سنة 1591 هـ إلى 1179 هـ (أي سنة 1744 م إلى 1765 م) كانت تحت قيادته. كما أن جميع المعارك التي وقعت في عهده كانت بقيادة ولي عهده سعود بن عبد العزيز، وكان عبد العزيز قد استفاد بصحبة شيخ الإسلام، ولذلك كانت محبة الدعوة والتبليغ مسيطرة على قلبه، وكلما تم له الاستيلاء على بلد من البلدان كان أول همه تعيين الوعاظ والمصلحين، وكان مطبوعا على الشفقة والرحمة على رعيته. ولسنا الآن في مجال التفصيل والإحاطة فقد ذكر ابن بشر محاسنه وعاداته بكمال، ونحن. نكتفي هنا بذكر شهادة واحدة وهي من القاضي محمد بن علي الشوكاني (سنة 1173 هـ/ 1760 م- سنة 1250 هـ/ 1832 م) ، وكان الشوكاني معاصرا للأمير عبد العزيز، ولا يمكن أن يتهم بأنه كان مواليا لشيخ الإسلام1 قال الشوكاني:

"ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز، وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئا، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم من عوج، وبالجملة فكانوا في جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها2. وقد امتدح برك هارت أيضا جهوده في الدعوة إلى الله وتعيينه للقضاة وعدل القضاة وغيرها في كلمات رائعة3.

1 يراجع الباب الرابع "الدعوة وحقيقتها" والباب الخامس "افتراءات وأكاذيب".

2 البدر الطالع.

ص: 90

سعود بن عبد العزيز:

1218 هـ/ 1803 م - 1229 هـ/ 1814م

بعد شهادة الأمير عبد العزيز تولى الإمارة ابنه سعود، وكانت قد أخذت له البيعة في حياة شيخ الإسلام بإيعاز منه1. وبعد ما تولى سعود زمام الحكم بدأ في توسيع نطاق الدعوة والدولة على منوال أبيه، وسلم قيادة المعارك النائية إلى ابنه عبد الله، ففتح خيبر في الحجاز من جهة، ومن جهة أخرى وصلت فتوحاته إلى البحرين وعمان ورأس الخيمة. وهنا اهتم الباب العالي بشأنهم وصدرت الأوامر إلى علي باشا حاكم العراق وعبد الله باشا حاكم دمشق وشريف باشا حاكم جدة أن يقوموا للقضاء على هذا الخطر.

فابتدأ العمل بتجهيز جيش عظيم في العراق من العرب والأكراد، ولكن هذه الاستعدادات لم تتم في وقتها، فانتهز سعود هذه الفرصة وهجم على البصرة، وكان علي باشا متحصنا في "الحلة" فتركته الجيوش النجدية، واتجهت نحو الزبير وهدمت هناك جميع القباب والمشاهد التي لا تتفق والعقيدة الإسلامية، ثم رجعت إلى بلادها.2

وهكذا رجع سعود سالما غانما، أما علي باشا فقد اشتغل في إخماد ثورة الأكراد. وهكذا خابت خطة القضاء على النجديين.3

دخول مكة ثانيا:

لقد كان سعود مطمئنا من ناحية عمان والمدن الساحلية، فقد كانت قد اعترفت

1 سنة 1202 هـ "1788 م" روضة الأفكار 2: 154 عنوان المجد 1: 83.

2 ذي الحجة سنة 1218 هـ[مارس وأبريل سنة 1804 م] .

ص: 91

بسيادته وأذعنت له، ولما اطمأن الآن من ناحية العراق عاد يفكر في إخضاع الحجاز من جديد وصمم على ذلك 1.

وتقدم عثمان المضايفي فاستولى على الطائف بدون أي معارضة، وخضع له أهل المدينة أيضا في أوائل سنة 1220 هـ (1805 م) وعاهدوا بالسمع والطاعة، وهدمت القباب والمشاهد من القبور العامة كما جرت عادتهم بذلك 2، وفي هذه المدة توجهت الجيوش النجدية الأخرى التي كانت قد أخضعت البلدان المجاورة إلى مكة.

وكان موسم الحج قد اقترب فتوقف الركب الشامي لأجل المحاصرة، واضطربت الأحوال داخل مكة، واضطر غالب إلى أن يطلب الأمان، وعاهد بطاعة سعود3 فسمح للقافلة الشامية بالحج، وأرسل غالب هدايا إلى سعود إثباتا بطاعته، وصادق على معاهدة الصلح التي كانت قد أبرمت بين قائده عبد الوهاب أبي نقطة وعثمان المضايفي، "فتغيرت الأحوال وأمنت السبل ومشت السابلة إلى مكة من جميع النواحي، ورخصت الأسعار في الحرمين وغيرهما"4.

وهناك محققون أوربيون أمثال هارت وبرائجس الذين يمكننا أن نصفهم بأنهم شهداء عيان تقريبا بهذه الوقعة. وهم قدموا لنا صورة جديدة ومتغيرة: "فتحت المدينة في سنة 1804 م وكان هناك رجل يسمى (حسن قلعي) قد استولى

1 ذي القعدة سنة 1219 هـ[فبراير سنة 1805 م] .

2 لقد ذكر كل من إستودارد [حاضر العالم الإسلامي] و huges [قاموس الإسلام: 660] وغيرهما أنهم هدموا القبة المبنية على قبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أيضا. ولكن هذا خطأ فاحش. وللتفصيل يراجع باب الافتراءات والأكاذيب.

3 أواخر سنة 1220 هـ[يناير أو فبراير سنة 1806 م] .

4 عنوان المجد 1: 132 ، 134. كان القحط قد عم جميع نواحي الجزيرة العربية، وقد استمر من ذي الحجة سنة 1219 هـ إلى ذي القعدة سنة 1220 هـ[خلاصة الكلام: 285] وتأثرت به بلاد نجد واليمن أيضا إلا أن الأحوال قد ساءت جدا في مكة؛ لأن السكان كان قد بلغ بهم الجهد لأجل الحروب والحصار، وجاء الجدب فقربهم إلى الهلاك. وزعم فلبي أن حوادث من السلب والنهب قد وقعت بعد فتح مكة ولكنه ليس بصحيح؛ فإن أحمد زيني دحلان الذي يتحف الوهابيين بشتائم لا تعد ولا تحصى لم يذكر شيئا من هذا القبيل، فلو كان له أدنى درجة من الصحة لما سكت دحلان "يراجع خلاصة الكلام: 292"

ص: 92

على المدينة من قبل، فنهب جميع الخزائن الموجودة في الحجرة الشريفة ووزعها بين أصحابه قبل أن يسلم البلد إلى سعود، وبعد مدة يسيرة من الفتح لما دخل سعود المدينة وفتح الحجرة فأخذ ما كان هناك من البقايا 1.

الحجة الثالثة لسعود:

لقد سبق أن ذكر أن الأمير سعود قد حج مرتين، والآن بعد أن فتحت مكة قد وجد فرصة لزيارة بيت الله كما وجد مجالا لإتمام مساعيه في الدعوة، فخرج بإرادة الحج للمرة الثالثة في 12 ذي القعدة سنة 1221 هـ (يناير سنة 1807 م) من الدرعية، ووزع من الصدقات والعطايا الشيء الكثير بعدما وصل مكة المكرمة، ثم توجه إلى المدينة المنورة في آخر ذي الحجة، وبعدما نظم هناك الأمور الإدارية رجع.

وذكر أحمد زيني دحلان أنه أخرج الذهب والجواهر من الحجرة الشريفة2 إلا أن ابن بشر سكت عن هذا، ونرى المؤرخين الأوربيين أمثال بلنت وغيره3 يرددون هذا الخبر ولكننا لا نستطيع أن نجزم به لأجل سكوت ابن بشر، فلو أن سعودا تصرف بأموال الحجرة النبوية كما صنع في النجف أو وزعها بين عساكره لذكره ابن بشر؛ لأنهم لا يعتبرون هذا أمرا مذموما، وقد سبق أن سمعنا كثيرا من مثل هذه الوقائع في النجف وكربلاء بلسان ابن بشر نفسه.

نعم الجبرتي ذكر أن عبد الله بن سعود أخذ الأموال من الحجرة الشريفة، ثم رجعها4 فيحتمل أن تكون القصة صحيحة وأعرض عنها ابن بشر 5.

ومن الأمور المهمة التي حدثت في هذا السفر أن الركب الشامي اضطر إلى القفول لأجل عدم إيفائه بالشروط، وكان قد اشترط عليهم أن لا يدخلوا بالملاهي والأغاني6.

1 برك هارت 2: 198 ، 199 ، برائجس: 33 ، 34.

2 خلاصة الكلام: 214.

3 رحلة إلى بلاد نجد 2: 256.

4 عجائب الآثار 4: 299.

5 وهذا الاحتمال بعيد جدا ولو كان كذلك لما سكت عنه ابن بشر (المترجم) .

ص: 93

وكذلك أجبر سعود الجنود التركية على أن تترك مكة وبايع غالب سعودا1، وكان في هذا الحج مع سعود جميع أمرائه وعدد كبير من أهل نجد ونواحيها.

إصلاحات أخرى:

لقد حج سعود للمرة الثالثة في سنة 1221 هـ، ثم استمر يحج بعد ذلك كل سنة إلى سنة 1227 هـ. وكان شغله الشاغل في هذه الأسفار والاجتماعات وتجمعات الحج هو الدعوة إلى الله وإصلاح شئون المسلمين، فمنع المحامل التي كانت ترد من مصر والشام كما منع الملاهي والأغاني التي كانت تصحب القوافل عادة2. قال ابن بشر:

"وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة، فلا يشرب التنباك في أسواقها، وأمر سعود أن يجعل في أسواقها من يأمرهم بالصلاة إذا دخل الوقت، فكان إذا أذن دار الرجال في الأسواق: الصلاة، الصلاة"3.

وفي سنة 1225 هـ تشرف ابن بشر بنفسه بزيارة بيت الله الحرام والحج وذكر لنا ما شاهده هناك فقال: "وحججت في تلك السنة، وشهدت سعودا وهو راكب مطية محرما بالحج، ونحن مجتمعون في نمره لصلاة الظهر وخطب فوق ظهرها خطبة بليغة، ووعظ الناس فيها وعلمهم المناسك، وذكر ما أنعم الله عليهم به من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله، وما أعطى الله في ضمنها من الاجتماع بعد التفرق وأمان السبل وكثرة الأموال وانقياد عصاة الرجال، وإن أضعف ضعيف يأخذ حقه كاملا من أكبر كبير من مشايخ البوادي وأعظم عظيم من رؤساء البلدان.

ونادى وهو على ظهرها لا يحمل في مكة سلاح، ولا تبرج امرأة بزينة، وتوعد من فعل ذلك من جميع رعيته

وجعل في الأسواق رجالا وقت الصلاة يحضونهم عليها فلا

1 عنوان المجد 1: 138.

2 خلاصة الكلام: 294.

3 سنة 1222 هـ (سنة 1809 م) عنوان المجد 1: 141.

ص: 94

تجد فيها وقت الصلاة متخلفا إلا نادرا، ولا تجد في الأسواق في جميع هذا الحج من يشرب التنباك ولا غيره من المحظورات إلا ما لا يرى ظاهرا".1

وقال أيضا في أخبار سنة 1226 هـ (1812 م) : "ولا ترى الآن منكرا في مكة المكرمة (شرب التنباك وترك الصلاة والحلف بغير الله"

الخ.

وذكر الجبرتي إصلاحات سعود بن عبد العزيز بتفصيل أكثر فقال في صدد ذكره لمعاهدة الصلح بين الشريف غالب والأمير سعود في حوادث محرم سنة 1221 هـ.

"وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل والتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة، وبالملازمة على الصلوات في الجماعة، ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات، وإبطال المكوس والمظالم، وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى إن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة أو عشرة بحسب حاله. وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقدر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه، ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن.

وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتريات على البائع والمشترى، ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم، فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها، ويقولون: إن سيد الجميع محتاج إليها فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر. فعاهده على ترك ذلك كله

واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث، وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات.

وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الأعقاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها، واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق

1 عنوان المجد 1: 151.

ص: 95

في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها؛ ليكون الدين كله لله، فعاهد على منع ذلك كله، وهدم القباب المبنية على القبور والأضرحة؛ لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده، بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة وإذعانهم لذلك، فعند ذلك أمنت السبل وسلكت الطريق بين مكة والمدينة، وبين مكة وجدة والطائف، وانحلت الأسعار وكثر وجود المطعومات، وما يجلبه العربان من الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسماك والأعسال

" 1.

ولقد ذكر برك هارت أيضا شدته على مواظبة الصلوات والعقوبات التي كانت تنزل على المتخلفين وغيرهم2.

فتوحات وحروب أخرى:

لم تتوقف أعمال سعود العسكرية بعد فتح الحجاز، ففي سنة 1223 هـ (1808 م) هجم على النجف، ولكنه لم ينجح3 كما أغار في طريق عودته على السماوة والزبير أيضا.

وفي ربيع الآخر سنة 1225 هـ (يونيو سنة 1810 م) قصد سعود الشام وبعد عدة معارك رجع منتصرا ومعه الأموال والغنائم4. وقال ابن بشر:

"وحصل في الشام رجفة ورعب عظيم بهذه الغزوة في دمشق وغيرها من بلدانه وجميع بواديه".

وقد وقعت معارك في البصرة ونواحيها عدة مرات، ولكنها ما أثمرت ثمرة مستقرة.

1 عجائب الآثار للجبرتي 4: 5 ، 6 "6: 278 ، 279. طبعة لجنة البيان العربي".

2 برك هارت: 147.

3 عنوان المجد 1: 135.

4 عنوان المجد 1: 148 ، 149.

ص: 96

رأس الخيمة:

وزيادة على هذه الحروب حصلت معركة مع الشركة الهندية الشرقية1، وكان سكان الخليج من قبيلة جوازم مصدر قلق دائم للحكومة الإنجليزية في الهند؛ إذ كانوا يشنون غارات متواصلة على السفن المارة من قرب الساحل، ويلحقون بها خسائر فادحة، ويغنمون الكثير، وقد بذلت الحكومة الإنجليزية محاولات عظيمة في بداية القرن التاسع عشر، ولكن الآن منذ عدة سنين كان سعود هو المسيطر على هذه المناطق، وكان هؤلاء المغيرون تحت حكومته. فشنت حكومة بومباي في سنة 1809 م (رمضان سنة 1224 هـ) غارة عنيفة على رأس الخيمة، وألحقت ضربة قاضية بأسطولهم وأحرقت المدينة، فما طلعت الشمس في 12 نوفمبر سنة 1809 م إلا وكانت مدينة رأس الخيمة قد تحولت إلى أكوام من رماد، واضطر أهلها إلى أن ينتقلوا من بلدهم.

ولكن هذه الهزيمة لم تؤثر شيئا في قوة أهل نجد، فما زالت أعمالهم العسكرية مستمرة في المدن الداخلية في عمان. ولكن مع ذلك يقول زويمر:"لقد كانت هذه الحملة من قبل البريطانيين أول ضربة شديدة لحقت أهل نجد قبل وصول المصريين، فقد أرسلت فرقة خاصة بعيدة عن مومبائي سنة 1809 م مخصصة للقضاء على مركزهم في رأس الخيمة وسكانها "القراصنة" (Inhabitants Piratic) وأمطرت القنابل على المركز وأحرق حتى صار رمادا"2.

ولقد فصل برائجس تفصيلا كاملا في ذكر "اعتداءات الوهابيين" ثم في قصة الهجوم على رأس الخيمة وتأديبهم، ونقل عن الكولونيل سميث قولته "3 كانت هذه أول ضربة على معنويات قوة الوهابي 4.

1 لقد أسست هذه الشركة في بداية الأمر لأغراض تجارية محضة ولكنها سرعان ما تحولت إلى فرقة مستعمرة إنجليزية، وتمكنت من الاستيلاء على بلاد الهند كلها في سنة 1857 م، وحكمت بلاد الهند إلى سنة 1947 م. (المترجم) .

2 زويمر arabia the cradle islam.

3 برائجس: 35 ، 44 وبركهارت:208.

4 لم أتمكن من معرفة تفاصيل هذه المعركة وأسبابها، ولكن مما لا شك فيه أن الحكومة البريطانية المستعمرة كانت ترى قوة أهل نجد خطرا عظيما على مصالحها وآسيا، فلا بد أنهم كانوا يتحينون الفرص ويدبرون الحيل لشن مثل هذه الغارات. وكل ما ذكره المصنف رحمه الله هنا مأخوذ من مصادر أوروبية، فلا يمكن أن نثق بها كثيرا في هذا الباب. وكل ما يذكر لنا ابن بشر في صدد هذه المعركة كالتالي:"وفيها أقبل مراكب الإنجليز النصارى، مستنجدهم سعيد بن سلطان صاحب مسكة (مسقط) المعروفة في عمان بعد نقض العهد، وقصدوا أهل بلد رأس الخيمة المعروفة في عمان، ورئيسها يومئذ سلطان بن صقر بن راشد أمير القواسم وبندروا فيها وحاربوا أهلها، فلم يحصلوا على طائل فرفعوا على البلد بلورا، وجعلوه في عين الشمس وقابلوا به البلد فاشتعلت النار فيها، وكان أكثر بيوتها صرايف من عسبان النخيل، فدخلوا البلد واستباحوها ونهبوا ما فيها وأشعلوا فيها النيران ودمروها، وهرب سلطان صقر وغالب أهل البلد حتى فرغ العدو منها وانتقل منها. فرجعوا إلى بلادهم فعمروها وأحصنوها"(عنوان المجد: 141- طبعة وزارة المعارف السعودية) . ويظهر من هذا أن الإنجليز إنما أتوا بدعوة من سلطان مسقط، وكانوا يحاولون إعادة تجربتهم التي نجحوا بها في الاستيلاء على الهند، ولكنهم لما جربوا ضراوة الدفاع من أهل البلد عدلوا عن نياتهم واكتفوا برجوعهم من حيث أتوا. والله أعلم (المترجم) .

ص: 97

غارة المصريين:

لقد امتد نفوذ الحكومة النجدية في الشمال من حلب1 إلى المحيط الهندي في الجنوب، ومن الخليج في الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، وبغض النظر عن هزيمة رأس الخيمة فلم تصب هذه الحكومة الفتية بأي صدمة حتى الآن.

وكان أخبار القوة النجدية تتوارد إلى الآستانة باستمرار، وقد عجز حكام بغداد ودمشق وجدة عن مقاومتهم، وأخيرا بعد ما ضاق الباب العالي ذرعا عين محمد علي خديوي مصر لكسر شوكة أهل نجد2، ويقال: إنه لم يعين حاكما على مصر في سنة 1804 م إلا بهذا الشرط، ولمثل هذه المواقع قد قيل:"اقتل الحية ولا تكسر عصاك"، فكانت قوة محمد علي الخديوي المصري3 المتزايدة يوما فيوما، خطرا على الباب العالي. فالمحاربة بين آل سعود والخديوي المصري ما كانت تخلو من فائدة. لأصحاب العروش في الآستانة.

1 الواقع أن نفوذ الحكومة النجدية لم يصل إلى حلب وإنما وصل إلى جنوب الشام "المترجم".

2 سنة 1226 هـ "1811 م".

3 كان "محمد علي باشا" هو الجد الأعلى للملوك الحاكمين في مصر في الوقت الحاضر "أي وقت تأليف الكتاب: المترجم"، وكان ألباني الأصل وكان خلفه إبراهيم يقول:" إن اللغة العربية والحضارة العربية قد جعلتنا عربا" ولد محمد علي سنة 1182 هـ "1768 م" ومات سنة 1265 هـ "1849 م".

ص: 98

ابتدأت غارات المصريين من أواخر سنة 1226 هـ "1811 م" فنزل طوسون بن محمد علي "المتوفى سنة 1231 هـ/ 1816 م" على الساحل الغربي بجيش قوامه عشرة آلاف جندي واستولى على ينبع بدون مقاومة تذكر1. ثم تقدم نحو المدينة ولكن في الطريق عند مضيق الجديدة تصدى له ابنا سعود عبد الله وفيصل فقاتلاه بضراوة نادرة حتى هزماه. وقتل من المصريين ألفا ومائتان 2. واضطر طوسون أن يعود على أعقابه إلى ينبع 3.

طوسون ومعاركه:

بقي طوسون في ينبع مدة ثم تقدم نحو المدينة، وفي هذه المرة نجح المصريون في الاستيلاء على المدينة بعد حصار دام شهرين4، ثم توجه طوسون إلى جدة بسرعة واضطر عبد الله بن سعود قائد الجيوش النجدية في الحجاز إلى أن ينتقل من مكة.

وهكذا دخل المصريون البلد الحرام بدون معارضة5، وبعد أيام قليلة استولوا على الطائف أيضا وكما يروي دحلان أقيمت حفلات فرح وسرور في كافة الأقطار المصرية وقد استمرت خمسة أيام استبشارا بهذه الفتوح6، ولكن بعد ذلك وقعت معركة عنيفة على مقربة من "تربة" وانهزم فيها المصريون7.

وتشجع قائد سعود عثمان المضايفى بعد وقعة تربة فتقدم نحو الطائف مرة ثانية، ولكنه أصيب بأضرار بالغة في هذه المرة فقد قتل كثير من رجاله، وفى نهاية المطاف أسر

1 سنة 1226 هـ "1811 م".

2 بركهارت: 232.

3 أواخر ذي القعدة سنة 1226 هـ "1811 م" وذكر ماردتمان أن هزيمة المصريين كانت في 7 ذي القعدة سنة 1226 هـ "23 نوفمبر سنة 1811 م"، ولكن بركهارت "ص: 229" وبرائجس "ص: 51" يذكر أن تاريخ وصوله يناير سنة 1812 م.

4 ذي القعدة سنة 1227 هـ "نوفمبر سنة 1812 م" عنوان المجد 1: 158. فلبي: 94.

5 وذلك في محرم سنة 1228 هـ "يناير سنة 1813 م" عنوان المجد 1: 160.

6 خلاصة الكلام: 296.

ص: 99

هو بنفسه1. وأرسله غالب إلى محمد علي في مصر، لكن محمد علي كان قد خرج عامدا إلى الحجاز قبل وصوله إلى مصر. وفي غيابه طيف بعثمان المضايفي على بغله في جميع أنحاء القاهرة، ثم أرسل إلى الأستانة حيث كان الموت في انتظاره2.

وأحمد زينى دحلان مع أنه لم يترك خفية ولا جلية3 في ذم عثمان المضايفي لم يتمالك من إظهار أسفه على هذا القتل المؤلم فقال: "ولما كان عثمان المضايفي في مصر اجتمع به بعض رجال دولة محمد علي باشا، وحادثوه ساعة فرأوه فصيحا يجيبهم بجنس كلامهم بأحسن خطاب وأوضح جواب، وفيه سكون وتؤدة في الخطاب، وعليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة، ومعرفة مواقع الكلام حتى قال بعضهم لبعض يا أسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى دار السلطنة يقتلونه 4.

واضطرب محمد علي عن سير المعارك وتقدمها فتوجه بنفسه إلى الحجاز، ووصل جدة في أواخر شوال5 وبعد وصوله على الفور خلع الشريف غالبا عن إمارته وألقى القبض عليه، ثم أرسل إلى مصر مسجونا ومن هناك إلى سلانيك ثم انتقل المسكين من هناك إلى دار الآخرة بعد سنتين6.

1 10 رمضان المبارك سنة 1228 هـ " 6 اغسطس 1813 م" عنوان المجد 1: 162، ولقد أخر فلبي "96" حادثة اعتقال عثمان المضايفي وقتله. وذكرها كل من أحمد دحلان "296" وابن بشر "162 " قبل ورود محمد علي إلى الحجاز، وذكر بركهارت "247" وبرائجس "61" أن جائزة قدرها خمسة آلاف دولار كانت قد عينت لمن يعتقل عثمان المضايفي وذكر أن تاريخ اعتقاله سبتمبر سنة 1813 م وبعد معركة بسل التي سنذكرها بعد قليل.

2 أواخر سنة 1228 هـ "ديسمبر سنة 1813 م".

3 يراجع خلاصة الكلام: 271 ، 272.

4 خلاصة الكلام: 296 "ملخصا".

5 14 شوال سنة 1228 هـ "10 أكتوبر سنة 1813 م" خلاصة الكلام: 296، ولقد عين فلبي (65) تاريخ وروده جدة 28 أغسطس سنة 1813 م واكتفى ماردتمان بقوله (أواخر أغسطس) وابن بشر (1: 163) ذكر شهر ذي القعدة فقط، وذكر بركهارت "281" وبرائجس "63" بأنه كان في سبتمبر سنة 1813 م. ولقد اعتمدنا هنا على خلاصة الكلام. أما التاريخ الذي ذكره فلبي فلا يتفق مع ترتيب الحوادث.

6 أواخر رمضان سنة 1231 هـ "يوليو سنة 1816 م". عنوان المجد 1: 185 الرحلة الحجازية: 89. وبركهارت: 262.

ص: 100

وعين ابن أخيه يحيى بن سرور أميرا على مكة، ولكن إمارته كانت صورية فقط؛ لأن الحكم الحقيقي كان في يد حاكم الحجاز الجديد "أحمد باشا"، وهكذا أخلى الحجاز من سيطرة "الوهابيين المتهمين"، وأصبح ولاية لحكومة مصر1. وكل ما فعله غالب سعيا وراء هذه الإمارة لم يغنه شيئا:- "فقد كان الشريف غالب يمالئ الوهابيين "اتقاء شرهم" ويتظاهر بما يوافق مذهبهم. فكان أحيانا يأمر بهدم ما بقي من قباب الصالحين بمكة وجدة، وأخرى ينبه باقتصار المؤذنين على الأذان دون السلام وغير ذلك من الأمور التي توافق مذهب الوهابية"2.

كل هذا كان خوفا من أن يخلعه سعود عن الإمارة.3، ولكن سعودا كان طاهر النية مخلصا. فترك غالبا وإمارته، أما محمد علي فكان رجلا ماديا بحتا همه الدنيا فقط، فكان أول عمل عمله بعد تثبيت أقدامه هو القضاء على هذا المسكين. وإن كنت تريد أن تعرف تفاصيل تلك المكيدة التي دبرها محمد علي لإلقاء القبض على غالب فارجع إلى خلاصة الكلام4. وذكر برائجس أيضا تفاصيل قصة أسر غالب5 وهي تشبه ما ورد في خلاصة الكلام، وقد بين أيضا تفصيل منازعات محمد علي6 فيقول في موضوع في ذكرهما: "لم يكن من المتوقع من رجلين مكارين مثل محمد علي وغالب (accomplished in deceit So) أن يثق كل منهما بالآخر" 7.

1 وما زال الحجاز بعد ذلك تابعا لمصر مدة طويلة، وفي هذه المدة توترت العلاقات بين محمد علي والباب العالي ووقعت معارك دامية، واستولى ابن محمد علي على الشام. ولكن لما اعتلى السلطان عبد المجيد على العرش سنة 1255 هـ عاد الحجاز تحت حماية مباشرة من الدولة العلية "خلاصة الكلام 308".

2 الرحلة الحجازية: 89.

3 خلاصة الكلام: 294.

4 وخلاصة هذه المكيدة أن محمد علي دعاه إلى مأدبة في دار الإمارة، وأخفى رجاله هناك، ولما وجدوه أعزل من السلاح، وبعيدا عن أعوانه وأنصاره انقضوا عليه وأسروه. "ولم يجد الحجازيون الجبناء سوى أن يمسكوا رءوسهم".

5 ص: 68 ، 69.

6 ص: 61 ، 69.

7 ص: 47.

ص: 101

وبركهارت أيضا يشكو أكثر من مرة سوء نية محمد علي وخداعه. إلا أنه يمدح غالبا1، ولقد كان بركهارت موجودا في مصر حينما وصل غالب أسيرا. وذكر انطباعاته بعد ما لقيه 2.

ولكن مع هذا لم تكن أوضاع محمد علي والمصريين مستقرة، وإن كانت بلاد الحجاز وعسير وشواطئ اليمن قد وقعت تحت سيطرتهم، ولكن النجديين كانوا يمارسون حكمهم في المدن الداخلية، ولهذا أرسل "مصطفى بك" لمحاربتهم واشتعلت نيران الحرب من جديد في "تربة"، ولكن المصريين لم يستفيدوا منها شيئا سوى هزيمة نكراء3. ومن الغريب أن النجديين قد خاضوا هذه المعركة تحت قيادة امرأة4 شجاعة تسمى "غالية"، ولقد أظهر بركهارت براعة قلمه في وصف جرأة "غالية" وبسالتها.

وفي محرم سنة 1229هـ (يناير سنة 1814) وصلت إمدادات مصرية جديدة عن طريق البحر والتقى الفريقان في مقربة من (القنفذة) وانهزم المصريون مرة أخرى.5

وفاة سعود رحمه الله:

وبينما كانت المعارك تجتاز هذه المرحلة الحاسمة، وكان النجديون يعدون العدة لخوض معركة شاملة جديدة، وإذا بالبطل يغادر الموكب.

توفي الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود في ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى سنة 1229هـ (أول مايو سنة 1814 م) 6، وهكذا خلا الجو لمحمد علي ومعاركه. وفقدت الدولة النجدية آمال الرقي والازدهار على الأقل في الوقت الحاضر.

1 بركهارت: 242.

2 أيضا: 259 ، 262.

3 أواخر ذي الحجة 1228 هـ "ديسمبر سنة 1813 م" عنوان المجد 1: 163 ، 164.

4 بركهارت: 368 ، 369 ، فلبي: 96 ، دحلان:300.

5 عنوان المجد 1: 194.

6 عنوان المجد 1: 176 ويذكر ماردتمان أنه توفي في 8 جمادى الأولى "27 ابريل سنة 1811 م" ولكننا نشك في صحته.

ص: 102

كيف كان سعود يقضي يومه:

وإذا لفتنا الأنظار من هذه الحروب إلى جانب آخر مشرق من حياة سعود فتراه أميرا وحاكما قلما يوجد له مثال.

وقد ولد في سنة 1160هـ أو 1163هـ1، ووجد أستاذا ومربيا مثل شيخ الإسلام فتخرج على يده نموذجا رائعا في العلم والعمل، وقد لازم سعود دروس شيخ الإسلام سنين متوالية، وأصبح ذا براعة كاملة في الحديث والفقه، ونجد في خطبه ومكتوباته حلاوة العلم ولذة التعبير.

وكان من عادته في أغلب أيام الحروب أنه كان يقف في جنوده بعد صلاة المغرب فيعظهم ويأمرهم بالصبر والطاعة، ويعرض عليهم نماذج من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه البررة رضي الله عنهم، وهكذا كان يشجعهم ويقودهم إلى رباطة الجأش وإظهار البطولات. وفي غمار المعارك حينما تشتد الحرب ويصل العنف إلى ذروته ما كانت أيدي جنوده تسطو على الأطفال والنساء والشيوخ.

نعم إنهم ما كانوا يتساهلون في الغنائم وبمجرد انتهاء الحرب كانت الغنائم تخمس فتوزع أربعة أخماسها على المحاربين، وكانوا يفرقون بين سهمان الركاب والمشاة، فكان الماشي يأخذ نصف نصيب الراكب.

والخلاصة أنهم كانوا يحاولون تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية كاملة حتى في حروبهم.

هكذا كانت حالته في المعارك والحروب، فأما حالته في النوادي والمجالس فكانت على غير هذه الشاكلة. فكان أهل الدرعية يجتمعون كل يوم بعد صلاة الفجر خارج قصر الأمير، ويجلس معهم في الصدارة سعود وآل السعود وإلى جانبهم آل الشيخ، ويقوم أحد العلماء من آل الشيخ بالوعظ.

وكان الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام هو الذي يتولى التدريس في الغالب.

وكان يدرس في الأكثر من تفسير ابن جرير أو ابن كثير، وبعدما ينفض المجلس كان الأمير سعود يجلس في القصر ويقضي حوائج الناس وينظر في شكاويهم. ثم تأتي الظهيرة فيقوم،

وبعد صلاة الظهر كانت تعقد مجالس

1 البدر الطالع 1: 263.

ص: 103

الدرس في داخل القصر، ولكن آل الشيخ ما كانوا يحضرون هذه المجالس، فكان كل واحد منهم يشتغل مع تلامذته في مجالسهم الخاصة، وكان الأمير سعود هو الذي يتولى التدريس في هذا الوقت وينشر درر العلم.

وكانت القراءة من تفسير ابن كثير أو رياض الصالحين، وكان سعود يشرحها ويوضحها. وبعد ما يقوم من هذا المجلس يشتغل في قضاء حاجات الناس ورفع شكاويهم لمدة ساعتين حتى تحين صلاة العصر.

وبعد صلاة العصر كانت تعقد ندوات عامة داخل القصر، ولكن يحضر فيها الأعيان والأكابر وعامة الناس، ويجلس معهم الأمير سعود أيضا، وكان الشيخ سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام (قتل سنة 1232هـ) يلقي دروسا من صحيح البخاري.

وكان ابن بشر صاحب كتاب عنوان المجد يحضر هذه الدروس، وهو يمدح الشيخ سليمان بن عبد الله أشد مدح، ويعجب من دقة نظره وسعة أفقه في العلم.

هذه هي سيرة إجمالية للأمير سعود بن عبد العزيز، وللتفصيل يراجع عنوان المجد1 وبرائجس أيضا معجب به أشد الإعجاب، ويخص بالذكر مواهبه الحربية وتدبيره السياسي2.

كما أن بركهات يذكر من أوصافه الخاصة: "أنه كان يهتم اهتماما بالغا بالإخفاء والسرية في الحروب، فقد استغرق سفره إلى حوران من بلاد الشام خمسة وثلاثين يوما، ولكن ما وصل إليهم خبر قدومه إلا قبل يومين فقط3.

وقال بركهارت في صدد ذكر ما استتب من الأمن والاستقرار في عصر عبد العزيز بن سعود وبالأخص في عصر سعود بن عبد العزيز.

1 عنوان المجد 1: 165- 176.

2 ص: 80.

3 ص: 170.

ص: 104

"ولعل هذا الأمن والأمان قد استتب في البلاد لأول مرة بعد النبي العربي. ووجد البدو لأول مرة فرصة النوم آمنين مطمئنين على أموالهم وأمتعتهم ومواشيهم1، وكان من مظاهر شوكته: "أن عبدا حبشيا وحده يقبض ويأتي بأكبر رئيس من أكبر القبائل ويصل به إلى الدرعية2.

1 ص: 130.

2 ص: 139 هذه هي سيرة إجمالية للأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود. وهكذا كان سلفه وهم تربوا على أيدي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ونلاحظ أن هدفهم الوحيد في الحياة كان تطبيق الدين الإسلامي فقط في العقيدة والأعمال والحكومة وفي جميع مجالات الحياة. فكانوا يتبعون خطوات النبي صلى الله عليه وسلم -وأصحابه في جميع شئونهم، في حلهم وترحالهم وفي سلمهم وحربهم، وفي بيوتهم ومحاكمهم وفي كل مكان. وأن هذا البرنامح لجدير بأن يقرأه جميع زعماء العالم الإسلامي ويتعظوا به. فيا للعجب على أولئك الذين ما زالوا في شك من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أنها قد وضحت أمام أعينهم كوضوح النهار. (المترجم) .

ص: 105

عبد الله بن سعود بن عبد العزيز:

1229هـ 14م - 1233هـ - 1818م

وخلف سعودا ابنه الأكبر عبد الله ولم يكن أقل من أبيه في الشجاعة والبسالة، ولكنه ما كان يبلغ مبلغه في الحزم والسياسة.

ولما وجد نفسه محاطا بالمخاوف أراد أن يتصالح مع العدو. ولكن العدو الذي كان قد آلى على نفسه أن يدمر بلاد نجد كلها أنى له أن يتصالح. وحينما صالح لم يستطع أن يثبت على عهده.

وتعالوا هنا نتوجه مرة أخرى إلى ساحة الحرب. فقد كان النجديون قد استردوا القنفذة على ساحل البحر الأحمر من المصريين، ولكن محمد علي أرسل جيشا كبيرا بقيادة "عابدين بك" إلى زهران، وفي طريقهم استولوا على القنفذة مرة أخرى، ولما علم النجديون أعادوها إلى ملكهم من جديد 1.

ومني المصريون في معركة زهران أيضا بالهزيمة، وكان فيصل بن سعود صامدا في وجه العدو في مقربة من الطائف. وبعد الانتصار في معركة زهران تشجع فعزم على أن يقوم بهجوم على الطائف. وفي الجانب الآخر كانت حالة طوسون بن محمد علي مضطربة جدا. ولكن محمد علي وصل إليه على الفور بإمدادات جديدة، واضطر فيصل إلى أن يتقهقر. ووقعت معركة عنيفة في "بسل" قرب الطائف وانتصر فيها المصريون 2.

قال بركهارت: "قتل من الوهابيين في هذه المعركة أكثر من خمسة آلاف رجل، وكانت قيمة كل رأس

1جمادى الأولى سنة 1229 هـ (مايو سنة 1814 م) .

2شوال سنة 1229 هـ (سبتمبر وأكتوبر سنة 1814 م) .

ص: 107

ستة دولارات، ووقعت أكوام من الجثث أمام محمد علي وضعفت قوة الوهابيين، وكان الخطأ الذي ارتكبوه هو أنهم خرجوا من الجبال إلى ميادين مفتوحة، على حين كان سعود قد أوصاهم أن لا يقاوموا المصريين والأتراك في ميادين منفتحة"1.

وارتكب محمد علي بعد معركة بسل مظالم مخزية جدا. وبركهارت الذي كان قد شهد المعركة بعينه يذمها أشد الذم، ومن أهونها أن جثث القتلى الوهابيين كانت قد تركت للكلاب2.

وتقدم محمد علي واستولى على تربة أيضا3. ثم وصل إلى عسير وأخضع القبائل المجاورة، ثم رجع إلى مكة مارا بالقنفذة. واضطر إلى أن يسافر إلى مصر لحاجة طارئة4. ولم يكد يبلغ محمد علي في عودته إلى تهامة بعد فراغه من حرب عسير حتى بدأ ابنه يعد العدة في المدينة للهجوم على نجد، وتقدم فاستولى على بعض المدن المشهورة في القصيم كالرس وغيرها، إلا أن الفرق النجدية قد نجحت في قطع مواصلاته من المدينة فلم يبلغ إليه شيء من أخبار أبيه الذي كان قد سافر إلى مصر في ذلك الوقت، ووصل إلى الجيزة في مصر في 15 رجب سنة 1230هـ 23 يونيو 1815م.5 وتقدم عبد الله بن سعود فحاصر المصريين حصارا كاملا وبقوا شهرين في هذا المأزق فاضطروا إلى أن يتفاوضوا للصلح. واليكم قصة هذا الصلح بلسان ابن بشر وغيره من المؤرخين.

1 بركهارت: 317 ، 318.

2 بركهارت: 323 وبرائجس: 92.

3 3 صفر سنة، 1230 هـ (15 يناير سنة 1815 م) وهذه رواية ماردتمان، أما ابن بشر فلم يحدد التاريخ. ويذكر الجبرتي (4: 218) أن أخبار فتح تربة وصلت إلى مصر في 9 ربيع الأول 1230 هـ. وذكر بركهارت أن محمد علي قد خرج من مكة في 26 محرم 1230 هـ (7 يناير سنة 1815 م) .

4 عنوان المجد 1: 181.

5 الجبرتي 4: 220 ويذكر بركهارت: 349 أن محمد علي وصل إلى مصر في 25 يونيو سنة 1815 م

ص: 108

صلح وخيانة:

قال ابن بشر: "فوقع الصلح بينهم وانعقد بين طوسون وعبد الله على وضع الحرب بين الفئتين، وأن الترك يرفعون أيديهم عن نجد وأعمالها، وأن السابلة تمشي آمنة بين الفريقين من بلد الترك والشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبد الله. وكل منهما يحج آمنا. وكتبوا بذلك سجلا ورحل الترك من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة، وبعث عبد الله معهم بكتاب الصلح عبد الله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية، والقاضي عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر، فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح"1.

ويضيف إليه بلنت: "ويقال إنه بموجب هذه الوثيقة كان عبد الله قد اعترف بتبعية السلطان في قسطنطينية، وكان وعد بالحضور إلى الآستانة في موعد قريب2. وفي مقابل ذلك كان طوسون قد وعد بالانتقال من البلاد النجدية، وترك الحرية التامة للحجاج النجديين 3.

والحقيقة أن عبد الله كان في مركز القوة في هذا الوقت، وكانت الإمدادات تصل إليه من جميع المدن الجنوبية، فلو نظر إلى أهمية الموقف وأراد لانتهز فرصة ضعف المصريين واستأصل شأفتهم من الجزيرة، ولكنه ضيع هذه الفرصة الثمينة بمهادنتهم، ورجع

1 عنوان المجد 1: 183.

2 لم يذكر المؤرخون الثقات أمثال بركهارت وابن بشر والجبرتي وعد الحضور إلى دار الخلافة، ويذكر ذلك بلنت وفلبي بكل قوة.

3 فلبي: 97 وبلنت 2: 258.

ص: 109

طوسون سالما آمنا إلى المدينة 1.

ويظهر من الروايات المذكورة التي ذكرها ابن بشر وفلبي بأن الصلح كان قد تم بين طوسون وعبد الله.

ويؤكد ذلك قول ابن بشر أن سفراء عبد الله رجعوا من مصر ناجحين 2.

ويزيد فلبي أن محمد علي ما أعجبه هذا الصلح وطلب من عبد الله أن يحضر فورا إلى الأستانة وإلا فستدمر الدرعية عن بكرة أبيها. ولكن ما كان لعبد الله أن يلقي بنفسه على أقدام أرباب الحكومة فتوجه إلى تنظيم القبائل التابعة له واستحكام عاصمته.3

سفراء عبد الله في مصر:

ولكن الذي يتبين لنا من أقوال الجبرتي وغيره من المؤرخين سوى ابن بشر وفلبي أن الصلح كان موقوفا على موافقة محمد علي، ولأجل هذا أرسل إليه عبد الله سفيرين بعدما تم الاتفاق بينه وبين طوسون، وقد توجه هذان السفيران إلى مصر من طريق المدينة في أول شعبان سنة 1230هـ (9 يوليو سنة 1815م) ، ووصلا إلى مصر في بداية شوال واجتمعا بالباشا 4.

"فكان الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم تظهر عليه علامات الرضى بذلك ولم يحسن نزل الواصلين، ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا"5.

وكما يروي الجبرتي فقد تكلم السفيران النجديان بلين وخضوع، وذكرا أن سعود بن عبد العزيز كان شديدا أما عبد الله فهو لين الطبع.

1 بركهارت: 347 وذلك في أواخر يونيو 1815 م.

2 عنوان المجد 1: 183.

3 فلبي 97.

4 الجبرتي 4: 229.

5 الجبرتي 4: 229.

ص: 110

ويصف الجبرتي في كلمات رائعة محبة هذين السفيرين (وهما عبد الله بن محمد بن بنيان، والقاضي عبد العزيز بن محمد آل إبراهيم) للعلم وأخلاقهما الفاضلة، وبركهارت أيضا يثني على علمهما وفضلهما، ويذكر أن علماء مصر استأنسوا بهما واطمأنوا بعد أن سمعوا كلامهما ومناقشتهما 1.

ولمعرفة ما كان يتحلى به النجديون من خلق وعلم نحب أن نورد قولا لمن عاصرهما وشاهدهما بعينه وهو الجبرتي فيقول: "ودخلا الجامع الأزهر في وقت لم يكن به أحد من المتصدرين للأقراء والتدريس، وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه، فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية. واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغير ذلك".

وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالأخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبد الله والآخر عبد العزيز وهو الأكبر حسا ومعنى" 2.

ولقد عرضنا كيف كانت أحوال هذين السفيرين، وكيف كانت معاملة محمد علي معهما، وكل ذلك بلسان مؤرخ مصري شاهدهما وقابلهما، ولا يتسع لنا المجال لتفصيل أكثر من هذا، ولكن الخلاصة أن محمد علي قد رفض هذا الصلح لأسباب مختلفة 3.

1 بركهارت: 113.

2 الجبرتي 4: 229.

3 خلاصة الكلام: 38.

ص: 111

وقد اختلف المؤرخون في تعيين هذه الأسباب1. وكان طوسون مقيما في الحجاز فاستدعي إلى مصر في ذي القعدة2، ووصل هناك في أواخر ذي الحجة سنة 1230هـ (نوفمبر سنة 1815م) ، وبعد ذلك بسنة فقط توجه إلى دار الآخرة3، وكان قد عزل من القيادة قبل وفاته بسنة.

وأما ما يقوله ماردتمان بأن إبراهيم باشا قد فوضت إليه مهمة إخضاع نجد بعد وفاة طوسون فليس بصحيح؛ لأن قرار إرساله إلى نجد كان قد اتخذ في يناير سنة 1816م وقد سافر من القاهرة في أغسطس سنة 1816م أي قبل وفاة طوسون بمدة 4.

وذكر ابن بشر أن عبد الله قد أرسل سفيرين آخرين وهما (حسن بن مزروع وعبد الله بن عون) في السنة التالية أيضا، وأرسل معهم الهدايا والتحف5 وهنا اتضح لهؤلاء السذج أنهم قد خدعوا، مع أن محمد علي ما كان وافق على الصلح في يوم من الأيام إلا أنه ما كان يصرح بذلك للسفراء، ومن هنا وهم ابن بشر وأهل نجد بأن الصلح قد انتظم 6.

ويعلل ذلك ابن بشر بأن محمد علي باشا قد رفض الصلح بسبب وشاية بعض أهل البادية7، ومن المناسب هنا أن نسمع آراء بعض المعاصرين الأوربيين أيضا إذ يقول: "ويبقى لدينا الآن سؤال واحد فقط، وهو هل كان تمام المعاهدة موقوفا على موافقة

1 يراجع ابن بشر 1: 185 وماردتمان. وفلبي: 97 ، وحاضر العالم الإسلامي 4:166.

2 بلنت 2: 258.

3 7 ذي القعدة سنة 1231 هـ 29 سبتمبر سنة 1816 م (الجبرتي 4: 264) .

4 بركهارت: 104.

5 عنوان المجد 1: 185 وذكر تاريخ وفاته آخر شوال سنة 1231 هـ، ولكن من الواضح بأن رواية الجبرتي هي التي ترجح في حق مصر والمصريين.

6 عنوان المجد 1: 183.

7 عنوان المجد 1: 185.

ص: 112

محمد علي أم أن طوسون الذي ما كان يقل عن أبيه في المرتبة (Rank) أبرمها قطعيا (As a thing done) ومهما كان الأمر فقد أضر (عبد الله بن سعود) بنفسه بهذه المعاهدة، وقد عرضها محمد علي لدى الباب العالي بأنها هدنة طارئة أو مجرد وقف لإطلاق النار (Armisitic)1.

ولقد شاهد بركهارت تلك الرسائل التي كتبها عبد الله بن سعود إلى محمد علي وهو يثني على عبد الله حسن نيته وإخلاصه وطهارة قلبه 2.

ويقول هو وبرائجس أيضا: إن محمد علي قد طالب فيما بعد بولاية الأحساء الخصبة ووقف إبرام الصلح على ذلك.

إبراهيم باشا:

ومهما كانت الحقيقة فمحمد علي لم يطمئن إلى تلك المعاهدة التي تمت بين عبد الله بن سعود وطوسون.

ولقد اختار ابنه الآخر إبراهيم باشا3 لمهمة نجد، وكانت الاستعدادات قد بدأت بعد رجوع طوسون فورا ولكنه تأجل خروجه إلى حين. فقد وصل إبراهيم باشا مع جيش عظيم إلى ينبع في 6 ذي القعدة سنة 1231هـ (28 سبتمبر سنة 1816م) ، وتوجه من هناك رأسا إلى المدينة. ووقف على ماء الحناكية فخضعت له القبائل البدوية المجاورة واحتشدت تحت رايته أفواج من قبائل مطير، وعتيبة، وعنزه 4.

واستمر مكث إبراهيم باشا في الحناكية إلى أشهر، فظهر له أثر واضح على القبائل البدوية المتجاورة، وبدءوا يتسللون إليه ولما أحس بذلك عبد الله بن سعود تقدم والتقى الفريقان على الماوية، ولكن جيوش عبد الله لم تستطع أن تثبت

1 بركهارت: 252 وبرائجس: 103.

2 بركهارت: 252.

3 ويقال إن إبراهيم باشا لم يكن من ولد محمد علي ولكنه تزوج أم إبراهيم وتبناه (عنوان المجد 1: 185. فلبي: 98. هوغارث: 101.) .

4 أواخر سنة 1231 هـ (نوفمبر سنة 1816 م) .

ص: 113

أمام المدافع المصرية1 فانتقل إلى ناحية القصيم، وتعقبه إبراهيم باشا ووصل إلى الرس فحاصر المدينة2، واستمر الحصار ثلاثة أشهر ثم طلب أهلها الأمان 3.

وفي هذا الحصار الطويل الأمد والمناوشات المستمرة قتل من المصريين ستمائة أو سبعمائة رجل على حين قتل من أهل البلد سبعون فقط، وباستسلامهم انفتح الطريق أمام المصريين ولم تبق هناك قوة تمنعهم من التقدم.

وبعد هجوم خفيف استولى على عنيزة والخبراء (أواخر سنة 1232هـ) ولم يجد صعوبة في الاستيلاء على بريدة أيضا.4

ولكن في شقراء أظهر النجديون بطولة رائعة، ولكنهم لم يفلحوا أمام تخطيط المهندس الفرنسي (vaissiere) 5 في الجيش المصري فاستسلم أهل شقراء أيضا 6.

ووقعت بعد ذلك معركة حاسمة في مقربة من "ضرمى"، وكانت ضرمى أحصن مدينة في المدن النجدية بعد العاصمة الدرعية، وكان قد حارب قبل ذلك أهل الرس وشقراء بشجاعة ولكنهم في الأخير استسلموا.

أما أهل "ضرمى" فلم يستسلموا ولم يتمكن إبراهيم من دخول البلد إلا على دماء وأشلاء وجثث وقتل الناس في حوانيتهم

1 أواسط جمادي الآخرة سنة 1232 هـ (2 مايو سنة 1817 م) .

2 أواخر شعبان سنة 1232 هـ (أوائل يوليو سنة 1817 م) .

3 12 ذي الحجة سنة 1232 هـ (23 أكتوير 1817 م) .

4 محرم سنة 1223 هـ (23 أكتوبر سنة 1817 م) .

5 وقد كان مع إبراهيم باشا أربعة من الأطباء الإيطاليين سوى المهندس الفرنسي هذا، وأسماؤهم هي: scots gentill، todeschini، socio. (هوغارث: 101) وكان scots طبيبه الخاص، واشترك ضباط أوروبيون آخرون مع الجيش المصري في معارك عسير واليمن. (هوغارث: 127: 133) وبركهارت يثني على شجاعة ضابط إنجليزي كان في جيش طوسون، وكان قد أسلم وسمي باسم إبراهيم آغا، ويمضي في مدحه حتي يقول بأن عبد الله نفسه كان معترفا بشجاعته.

6 14 ربيع الأول 1233 هـ. (22 يناير سنة 1818 م)"بلنت 2: 26".

ص: 114

وفي بيوتهم ونهب الغزاة أموالهم وأمتعتهم، بل حتى أعراض العفيفات الطاهرات لم تبق مصونة من دنس الجنود الأتراك، كما يقول بلنت 1.

ودخل المصريون ضرمى في 17 ربيع الثاني سنة 1233هـ (24 فبراير سنة 1818م) وكان هذا بمثابة إعلان لزوال الدولة النجدية.

وتحصن سعود بن عبد الله وبعض المجاهدين الذين كانوا قد أتوا معه من الدرعية في قلعة البلد، وفي الأخير أعطوا الأمان فارتحلوا إلى الدرعية وخرج معهم ثلاثة آلاف أو أكثر من الأطفال والنساء وآواهم كلهم الأمير عبد الله بن سعود في الدرعية 2.

الاستيلاء على الدرعية:

لقد وصل إبراهيم باشا الآن إلى أبواب الدرعية، وحاصر المدينة وظل محاصرا لها ستة أشهر. وقتل من المصريين عدد كبير ولكن الإمدادات كانت تصل إليهم كل يوم، وكان عدد أهل الدرعية ينقص كل يوم، وزيادة على ذلك كانوا يعانون من قلة الزاد والأسلحة.

وقد قاتل الأمير عبد الله بن سعود وجميع أهل بيته وجميع أبناء وأحفاد شيخ الإسلام بلا استثناء ببسالة نادرة وشجاعة لم يعهد لها نظير، ولكن في الأخير طلب أهل البلد الصلح والأمان3.

ولكن عبد الله بن سعود كان مترددا في الاستسلام فالتجأ إلى قلعة أسرته "طريف" في داخل البلد وبدأ يقاتل من داخلها، ولكن جدران القلعة كانت قد فقدت صلاحيتها وما كان الدفاع الآن ليجدي نفعا فاستسلم أخيرا إلى إبراهيم 4.

1 بلنت 2: 260.

2 عنوان المجد 1: 193.

3 ذي القعدة سنة 1233 هـ (8 سبتمبر 1818 م) عنوان المجد 1: 206. ويقول ماردتمان: إن سقوط الدرعية كان في 6 سبتمبر 1818 م.

4 9 سبتمبر سنة 1818 م "ماردتمان وفلبي: 103".

ص: 115

وكان هذا إعلانا لنهاية الدولة السعودية الأولى، أو كما يسميها فلبي "الإمبراطورية الوهابية الأولى" التي كان قد عمرها شيخ الإسلام وأصحابه بأيديهم جميعا.

مصير عبد الله بن سعود:

بعد يومين من الاستسلام أمر عبد الله بن سعود بالسفر وكان معه ثلاثة أو أربعة من أعوانه، ووصلت قافلة أمير نجد إلى مصر في محرم سنة 1234هـ (نوفمبر سنة 1818م) ، واتخذهم المصريون أضحوكة يستهزئون منهم.

وإن كل إساءة كان من الممكن تصورها مع أمير دولة منهزمة قد أبيحت معهم ولم يترك منها شيء 1. وقد حضر مجلس محمد علي وجرت محادثات مبدئية. وفي يوم 19 محرم أرسل إلى الإسكندرية ومن هناك إلى الأستانة حيث كان الموت يترقبه. فصلب هناك هو وأصحابه في 17 ديسمبر سنة 1818م2 (18 صفر سنة 1234هـ) في فناء أياصوفيا وعلقوا على المشانق، إنا لله وإنا إليه راجعون. ولقد طيف بهؤلاء المظلومين بكل إهانة حتى في دار الخلافة.

ومع عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود تنتهي سلسلة الأمراء النجدين الذين تربوا على أيدي شيخ الإسلام مباشرة. فأما عبد العزيز بن محمد بن سعود وسعود بن عبد العزيز فقد كانوا تلامذة لشيخ الإسلام حقا، ولعل عبد الله بن سعود كان صغير السن عند وفاة شيخ الإسلام (سنة 1206هـ) ، ولذلك لم يتمكن من الاستفادة من دروسه وإلا أنه من المقطوع به أنه أدرك زمن شيخ الإسلام.

لم يجد عبد الله بن سعود فرصة الحكم باطمئنان واستقرار، ولكن مع ذلك كان يتبع

1 الجبرتي 4: 298 وخلاصة الكلام: 302.

2 وقد ذكر ماردتمان وهيوجس "660" تاريخ إعدامهم 19 ديسمبر ولم يعين ابن بشر والجبرتي تاريخه.

ص: 116

خطوات أبيه وجده في الدروس والدعوة وتدبير الحكومة، وكان ينسج على منوالهم فليس عندنا جديد يذكر في هذا الصدد1.

مصير الآخرين:

استمرت الحرب داخل الدرعية وخارجها ستة أشهر، وهذا الكتاب الموجز لا يسع تفاصيل تلك المعركة كما أنها لا تدخل في نطاق بحثنا، وقد فصلها ابن بشر الذي شاهد هذه الحوادث وعاصرها حتى إنه في بعض الأحيان يعين ميادين القتال في البلد ومواقعها بتوضيح تام.2

وقد استشهد في هذه المعركة واحد وعشرون رجلا من آل سعود فقط، وإليك أسماء البارزين منهم: فيصل بن سعود، إبراهيم بن سعود، فهد بن عبد الله بن عبد العزيز، فهد بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، محمد بن حسن بن مشاري بن سعود، إبراهيم بن حسن بن مشاري، عبد الله بن حسن بن مشاري، عبد الرحمن بن حسن بن مشاري، إبراهيم بن عبد الله بن فرحان، عبد الله بن إبراهيم بن حسن بن مشاري، عبد الله بن ناصر بن مشاري، محمد بن عبد الله بن محمد بن سعود، سعود بن عبد الله بن محمد بن سعود، محمد بن سعود بن عبد الله بن محمد بن سعود.

واستشهد من آل الشيخ:

سليمان بن عبد الله بن الشيخ، علي بن عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الرحمن

1 عنوان المجد 1: 209.

2 عنوان المجد 1: 194- 208.

ص: 117

ابن حسن بن الشيخ، وقد مثل بجثة الشيخ سليمان بن عبد الله فقطعت إربا إربا ومزقت عضوا عضوا، فيا لله من شدة الثأر!! 1. واستشهد من غير آل سعود وآل الشيخ علماء وأعيان كثيرون، فمنهم من استشهد في ساحة المعركة، ومنهم من لقي مصرعه بعدما أذيق أنواعا من الأذى من فوهات البنادق ورؤوس الأسنة وغيرها.

ومن جملة هؤلاء: علي بن محمد بن راشد العريني قاضي خرج، وصالح بن رشيد الحربي، عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن سويلم، وحمد بن عيسى بن سويلم، ومحمد بن إبراهيم بن سدحان 2.

وهناك علماء آخرون غير هؤلاء الشهداء عاملهم إبراهيم باشا معاملة يندى لها الجبين، فقد كان القاضي أحمد بن رشيد الحنبلي عالم المدينة الشهير مقيما عند الأمير عبد الله، وأكرم أولا بالضرب والطعن بالحراب، ثم قلعت جميع أسنانه واحدة واحدة 3.

وكان القاضي أحمد بن رشيد (واسمه الكامل أحمد بن حسن بن رشيد) من سكان الأحساء، وكان عالما مشهورا في الفقه الحنبلي، واشتهر بلقب الحنبلي أيضا، وكان في بداية الأمر مخالفا لدعوة شيخ الإسلام، ولكنه أصبح من أنصارها فيما بعد، وأحب الجوار في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستوطنها وتوفي هناك بعد عمر طويل 4.

ووردت ترجمته بتفصيل في "السحب الوابلة" إلا أن المؤلف يؤول قبوله للدعوة بتأويلات عجيبة وغريبة 5.

1 عنوان المجد 1: 210.

2 عنوان المجد 1: 210.

3 عنوان المجد 1: 210.

4 توفي سنة 1249 هـ.

5 السحب الوابلة: 23- 35.

ص: 118

ومن هؤلاء الذين أهينوا عالم ضعيف ومحترم وهو الشيخ عبد العزيز الحصين الناصري (م سنة 1237هـ) ، فقد كان موجودا في شقراء أيام الاستيلاء عليها، فطلبه إبراهيم باشا في مجلسه وجيء به محمولا؛ لأنه ما كان يستطيع أن يمشي على رجليه من شدة الضعف ولما وصل سلم على طريقة السنة بقوله: سلام عليك يا إبراهيم! "، وهنا تورمت الجبهة المتكبرة للباشا المصري وبدأ يستهزئ بالشيخ عبد العزيز وصار الشيخ ينصحه وقرأ آيات من العفو فحينذاك قال الباشا: "عفونا يا عجوز! عفونا يا عجوز! ".

والشيخ عبد العزيز هذا كان من أخص تلامذة شيخ الإسلام وقد أوفد مرتين إلى الحجاز (في سنة 1185هـ و 1204هـ) في حياة الشيخ، وقد مر ذكر الوفود مفصلا في أول الباب فليراجع هناك.

ولقد تمكن بعض السعداء من النجاة من براثن الظلم، ومن بينهم تركي بن عبد الله ابن محمد بن سعود وهو الذي جدد الدولة النجدية فيما بعد، والشيخ علي بن حسين ابن شيخ الإسلام، وهناك بعض الأفراد من آل سعود الذين تمكنوا من النجاة في ذلك الحين، ولكنهم لما رجعوا إلى وطنهم فيما بعد أعتقلهم الحاكم المصري وأرسلهم إلى مصر.1

وقد أرسل بقية آل سعود وآل الشيخ مع أهلهم إلى مصر حيث أقاموا في الغربة مدة طويلة، ولقد قضى بعضهم نحبه هناك، إلا أن أكثرهم رجعوا إلى بلادهم بعدما

1 سنة 1236 هـ. خلاصة الكلام: 303.

ص: 119

عادت الأمور إلى مجراها 1.

ووصلت قافلة الغرباء هذه إلى مصر في 18 رجب سنة 1234هـ (13 مايو 1819م) وكان عددهم حوالي أربعمائة من بينهم نساء وأطفال 2.

تدمير الدرعية:

كان الاستيلاء على الدرعية في أوائل ذي القعدة سنة 1233هـ، ولكن استمرت سلسلة تدميرها وإفسادها مدة سنة تقريبا، وأشرف عليها إبراهيم باشا بنفسه فمكث هناك نحو تسعة أشهر، وكان يصدر كل يوم أوامر جديدة ويكره الناس على الامتثال بها.

ولما تمت كل هذه المراحل ضربها ضربة لم تسمح لعاصمة آل سعود أن تزدهر مرة أخرى، فقد وصل أمر محمد علي باشا في شعبان سنة 1234هـ (يونيو سنة 1819م) بتدمير الدرعية، ونفذها "أبنه البار" فورا. فماذا كان بعد ذلك. قال ابن بشر:"ثم أمر العساكر أن يهدموا دورها وقصورها، وأن يقطعوا نخلها وأشجارها ولا يرحموا صغيرها وكبيرها، فابتدر العساكر مسرعين وهدموها وبعض أهلها فيها مقيمين، قطعوا الحدائق منها وهدموا الدور والقصور، ونفذ فيها القدر المقدور وأشعلوا في بيوتها النيران، وأخرجوا جميع من كان فيها من السكان، فتركوها خالية المساكن كأن لم يكن بها من قديم ساكن، وتفرق أهلها في النواحي والبلدان، وذلك بتقدير الذي كل يوم هو في شأن"3.

1 وكان من بين هؤلاء الذين رجعوا إلى بلادهم العالمان النجديان الشهيران: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام وابنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن، وقد مر ذكرهما في الباب الأول من هذا الكتاب.

2 الجبرتي 4: 303.

3 عنوان المجد 1: 213 وتاريخ نجد للألوسي 24- 26.

ص: 120

لقد كان هذا أسوأ مظهر للجنون الانتقامي المصري، وهذه هي الدرعية التي كانت قرية صغيرة قبل دعوة الشيخ، فوهبتها مركزية وانقلبت إلى مدينة عامرة غنية بجهود آل سعود وتشجيعهم. وابن بشر يذكر في كلمات بليغة غنى هذه المدينة وبهاءها ومركزها التجاري ومشاهداته تحمل أهمية خاصة في هذا المجال 1.

تهنئة الحكومة البريطانية:

وبعدما تم إحراق الدرعية وتدميرها، وكان إبراهيم يعد العدة للرجوع من بلاد نجد إذ خطرت خاطرة غريبة في بال الحكام الإنجليز في بلادنا، فأرسلوا وفدا خاصا بقيادة جورج فارستر سادلير (Gorg Forester Sadleer) لتقديم التهاني إلى إبراهيم باشا، وليس من العسير الوصول إلى تلك العاطفة التي كانت تكمن وراء هذه الفكرة إذا وضعنا أمام أعيننا هذه الحقيقة بأن حكومة الشركة2 كانت تبذل كل جهودها لزيادة نفوذها في ناحية الخليج، ولما قوي سلطان أهل نجد على الساحل3، واشتدت الهجمات البحرية وبدأت بواخرها تتضرر منها، حاولت حكومة بومباي أن تتخلص من هذه المصيبة، فقامت بشن هجوم عنيف على مدينة رأس الخيمة وأحرقته كما مر من قبل.

والآن لما علمت حكومة الشركة بالفتوحات المصرية وزوال النجدين، خافت بأن تتضرر مصالحها من الحكومة الجديدة، وقد زاد هذا الخوف بسبب وقوع بعض الحوادث من هذا القبيل بعد الاستيلاء على الدرعية، فقد بدأت الحاميات المصرية الحربية تتجول في النواحي الساحلية من الخليج، ولم تحترم نواحي النفوذ البريطاني، وكان

1 عنوان المجد 1: 214.

2 كانت الحكومة الإنجليزية في الهند قد اشتهرت باسم "حكومة الشركة"، وذلك لأن الإنجليز قد استعمروا بلادالهند تحت شعار شركة تجارية سموها "شركة الهند الشرقية" فاشتهرت الحكومة باسمها. (المترجم) .

3 ومن الجدير بالذكر أن الحكام الإنجليز كانوا قد حاولوا التقرب إلى النجديين أيضا لما توسع نفوذهم إلى الساحل فكان حاكم بصرة البريطاني "مانستي manesty" قد أرسل "ريناند reinand" إلى الدرعية لهذا الغرض فقط، وكان قد حصل له بعض النجاح في ذلك الوقت "هوغارث حاشية: 104".

ص: 121

الحكام الإنجليز مسرورين بهلاك أعدائهم النجديين، ولكنهم أيضا ما كانوا مستعدين لهذه المعاملة السيئة من المصريين 1، ولذلك أرسل الكابتن ج. ف. سادلير إلى الدرعية ليجتمع بإبراهيم باشا.

ولكن الحقيقة أن البريطانيين قد أخطئوا في تقدير نيات المصريين، فالمصريون ما كانوا يريدون حكومة دائمة في نجد فضلا عن الخليج، ولكن لعلهم أرسلوا بعض الدوريات إلى البلدان المجاورة إبان نشوة الفتح والاستيلاء على الدرعية. ولكن الحقيقة أنهم ما كانوا يقصدون إقامة حكومة دائمة، ولأجل هذا سافر إبراهيم باشا إلى مصر بعدما دمر الدرعية وترك البلاد على أثره تعاني حال الفوضى والدمار.

وعلى كل حال نستمع الآن ما جرى على بعثة سادلير بلسان خبير وهو "هوغارث" وقال: "أرسلت سفينة حربية بريطانية من بومبائي إلى الخليج بدون أي إشارة مباشرة أو غير مباشرة من المصريين في سنة 1819 م (1234هـ) في موسم الصيف، وكان على ظهرها الكابتن ج. ف. سادلير قائد الفرقة السابعة والأربعين، موفدا خاصا إلى إبراهيم، وكانت مهمته تقديم التهاني إليه على فتح الدرعية واتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء المبرم على الدولة الوهابية بالاشتراك مع الباشا.

ومن التعليمات التي وجهت لذلك الضابط: "فإن كان الباشا يريد الاستفادة من المساعدات البريطانية -كما هو الظن الغالب- ترسل قوة بحرية كاملة وقوية على الفور لتساعد الأتراك (المصريين) في الاستيلاء على رأس الخيمة. الخ

1 فلبي: 103.

ص: 122

ولكن قلما قدرت الخيبة لبعثات سرية في التاريخ كما قدرت لبعثة سادلير".

والتفصيل طويل1، ولكن الخلاصة أن سادلير نزل على ساحل العرب حين كان إبراهيم باشا يريد الرجوع إلى وطنه مشبعا من تدمير الدرعية، وأخبر سادلير بأنه لا يعرف أين سيتمكن من الاجتماع به، ولكنه خرج في 28 يونيو سنة 1819م ووصل إلى شقراء ثم الرس مارا بالدرعية، وقد وجد جنود إبراهيم إلا أنه بنفسه كان قد سافر إلى المدينة، وكان خبر قدوم سادلير قد بلغه، ولكنه لم يكن حريصا على لقائه إلى حد أن يجلس لانتظاره، وفي الأخير أدركه سادلير على مقربة من المدينة واجتمع به في 8 و 9 من سبتمبر. وكلمه الباشا كلاما حسنا وبأخلاق، ولكنه لم يعده بشيء، ورجع الوفد البريطاني صفر اليدين إلا أنه قد نال مزية بتجوله في الصحراء لمدة ثلاثة أشهر، فكان أول أوربي عبر الجزيرة العربية من البحر إلى البحر. لقد دمرت الدرعية بأيدي المصريين بحيث لم يتسن لها أن تعمر مرة أخرى، ولم يكن يرى أي أمل في انبعاث النجديين من جديد.

وقد أظهر بلنت رأيه بالحرف الواحد في سنة 1880م بقوله: "إن الدولة السعودية في العرب ينبغي أن تعرف الآن كقصة من الماضي".2

وهذا مع أنه خبير واسع الاطلاع بعيد النظر وموال للعرب في الظاهر. وكذلك داوتي (Daughty) في سنة 1875م ينقل عن أهل نجد رأيهم فيقول: "إن الرأي السائد على الأقل في نجد أن الدولة الوهابية لا يمكن أن تنبعث من جديد 3. ويعلق عدو الإسلام زويمر على هذه الحادثة فيقول:

1 ومن أراد التفصيل فليرجع إلى هوغارث في كتابه "fenetration of arabia" 104- 111.

2 بلنت 2: 268.

3 داوتي 2: 425.

ص: 123

"لقد انتهت هذه الحركة بخيبة كاملة، ولقد ثبت الآن أن وجودها السياسي كان مجرد تمثيلية رائعة"1.

يقول عدو الإسلام والعرب هذا في موضع آخر: "ينبغي أن نعرف أن الدولة السعودية في العرب قد أصبحت من عداد الأساطير الماضية"2.

إلا أن الأيام قد أثبتت بأن هذه الآراء كلها كانت كاذبة، فلقد سلمت أمانة الجزيرة العربية إلى أولئك النجديين مرة أخرى وبسعة وقوة أكثر مما كانتا من قبل.

نعم إن الدرعية لم يقدر لها أن تزدهر من جديد، والنشأة الجديدة للدولة النجدية كانت من مدينة أخرى في الناحية نفسها وهي "الرياض" وهي عاصمتهم الآن.

رثاء الدرعية:

لقد تركت مأساة الدرعية أثرا عظيما مؤلما جدا في نفوس أهل نجد ومحبيهم، وهذا لا يحتاج إلى بيان.

ولعل البكاة قد بكوا حسب استطاعتهم وأحوالهم وأسبلوا دماء لا دموعا، ونحن نحب أن نشير الآن إلى قصيدة واحدة فقط قيلت في رثاء الدرعية، وهي مما قاله العالم النجدي الشهير الشيخ عبد العزيز نجل الشيخ حمد بن ناصر (م سنة 1225هـ) أحد تلامذة شيخ الإسلام. مع أننا لا نجد فيها تلك القوة التي نراها في رثاء الأندلس3 للشريف الرندي أو مرثية بغداد لسعدي

1 زويمر: 191.

2 نقلا عن فلبي (102) ويتعجب فلبي (160) من أن تعليق زويمر هذا ما زال باقيا في الطبعة التي طبعت من كتابه في سنة 1912 م مع أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود قد استرد الرياض (في سنة 1902م) ، ومما يجدر بالذكر أن هوغارث (78) كان قد توقع انبعاث هذه الحركة وازدهارها من جديد (في سنة 1904 م) ، ولكن هذا التوقع بعد استرداد الرياض ليس محل إعجاب كبير إلا أن جهل زويمر غريب مدهش.

3 رثاء طليطلة لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي ومطلع قصيدته المشهورة: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان. وكان حادث استيلاء العدو على طليطلة في صفر سنة 478 هـ والمثسهور عند عامة الناس أنها رثاء غرناطة بعد استيلاء العدو عليها في سنة 792 هـ إلا أن الصحيح أنها قيلت قبل الاستيلاء على غرناطة بثلثمائة سنة "نفح الطيب 43: 594".

ص: 124

(الشيرازي)1.

ولكن مع ذلك فيها أنين وألم، وهي مرآة صادقة لشعور الصبر والشكر الذي كانت تتحلى به هذه الأمة المؤمنة. ومطلع القصيدة هو:

إليك إله العرش أشكو تضرعا

وأدعوك في ضراء ربي لتسمعا

وعلى سبيل المثال نورد بعض الأبيات:

وكم قتلوا من عصبة الحق فتية

هداة وضاة ساجدين وركعا

وكم دمروا من مربع كان آهلا

فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا

مضوا وانقضت أيامهم حين أوردوا

ثناء وذكرا طيبه قد تضوعا

فجازاهم الله الكريم بفضله

جنانا ورضوانا من الله أرفعا

إلى أن قال:

ألا أيها الإخوان صبرا فإنني

أرى الصبر للمقدور خيرا وأنفعا

ولا تيئسوا من كشف ما ناب أنه

إذا شاء ربي كشف ذاك تمزعا2

ومن أيام تدمير الدرعية تنتهي الدولة السياسية التي أسسها ورباها الشيخ بنفسه، أما نشأة نجد من جديد3 وازدهاره فهو خارج عن نطاق بحثنا، فلذلك نترك هنا قصة حكومات نجد ولنتوجه إلى مؤلفات الشيخ وتراثه الفكري.

1 رثاء زوال بغداد. ومطلعها، "والقصيدة باللغة الفارسية. المترجم""حق للسماء أن تمطر دماء على الأرض على زوال ملك أمير المؤمنين المستعصم".

2 عنوان المجد 2: 34.

3 يمكن أن نقسم تاريخ نجد إلى ثلاثة أدوار: الدور الأول: يبدأ من ازدهار الدرعية إلى سنة 1234 هـ- "1819 م" حينما تشتت شملهم وتمزقت قوتهم بغارة المصريين واستيلائهم على الدرعية. الدور الثاني: يبدأ من عصر حاول فيه تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود [1235- 1249 هـ] الموافق [1820- 1834 م] وفيصل بن تركي [سنة 1249 هـ / 1834 م- سنة 1254 هـ / 1838 م ثم سنة 1259 هـ / 1842 م- سنة 1282 هـ / 1865 م] العودة إلى الحكم إلى أن ضم أمير حائل محمد بن عبد الله آل الرشيد "سنة 1285 هـ / 1769 م- 1325 هـ / 1897 م" ناحية الرياض تحت رايته. والدور الثالث الذهبي "وفي تعبير فلبي: الإمبراطورية الوهابية الثانية" يبدأ من سنة 1320 هـ / 1903 م حينما جاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود واسترد الرياض من آل الرشيد.

ص: 125

نعم أرى من المناسب هنا أن أذكر الفروق التي كانت توجد بين الجيش النجدي والجيش المصري، وفي أخلاق وطبائع محمد علي وإبراهيم باشا.

الغزاة المصريون:

استمرت المعارك بين المصريين والنجديين مدة طويلة وفي البداية لحقت بالمصريين خسائر فادحة، وكان النصر حليف النجديين إلا أنهم لم ينحرفوا قيد أنملة عن القواعد الحربية الإسلامية، ومهما قيل من الشدة والتقشف في جنودهم، ولكن من المستحيل أن يؤتي بمثال واحد من الضعف الخلقي أو الغش والفجور. أما محمد علي وإبراهيم وأصحابهما فيظهر من أعمالهم كأنهم لم يصبهم مس من الإسلام، ويظهر من تصرفاتهم مدى انحطاط المسلمين عامة في بداية القرن الثالث عشر الهجري.

وللاطلاع على المميزات والفوارق بين الجيش المصري والجيش النجدي يكفي أن نسمع رواية واحدة رواها لنا المؤرخ المصري المشهور عبد الرحمن الجبرتي. ذكر في حوادث سنة 1227هـ في صدد ذكره لانهزام المصريين ويحدث عن ضابط مصري كبير.

"ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر؟ وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون

ص: 126

صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون من ذلك؛ لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته" 1.

ولا نستبيح أن نلوث قلمنا بذكر تلك الفواحش التي ارتكبها الجيش المصري في بدر ونواحيه حسب رواية هذا الضابط المصري، ولكن يكفي للإشارة إليها أن نقول: إن أعراض أهل العلم والشرف لم تبق محفوظة من اعتدائهم 2.

وهذه كانت رواية ضابط عسكري مصري، وإليك رواية الجبرتي نفسه فقد قال في حوادث رمضان سنة 1233هـ.

"وارتحل جملة من العساكر في دفعات ثلاث برا وبحرا يتلو بعضهم بعضا في شعبان ورمضان، وبرز عرضي خليل باشا إلى خارج باب النصر، وترددوا في الخروج والدخول، واستباحوا الفطر في رمضان بحجة السفر، فيجلس الكثير منهم بالأسواق يأكلون ويشربون ويمرون بالشوارع وبأيديهم أقصاب للدخان والتتن من غير احتشام ولا احترام لشهر الصوم، وفي اعتقادهم الخروج بقصد الجهاد وغزو الكفار المخالفين لدين الإسلام"3.

وإذا كان هذا مبلغ احترامهم وتقديرهم للدين ولنظام الإسلام، فما هو العجب إذا جن جنون إبراهيم باشا بعد تدمير الدرعية والاستيلاء على نجد إذ يشكو الجبرتي من الكبر والأنانية في فاتح نجد فقال:

1 الجبرتي 4: 140.

2 الجبرتي 4: 140.

3 أيضا 4: 289.

ص: 127

"ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا، وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى إن المشايخ لما ذهبوا للسلام لم يقم لهم، ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة، فلم يجبهم ولا بالإشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده.

وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر"1.

وهل هذا يحتاج إلى تعليق؟

خيانة محمد علي ومظالمه:

لا نريد أن نعيد هنا قصة المظالم التي ارتكبها محمد علي من جديد، ولكن بركهارت الذي زار الحجاز والجزيرة العربية في عهد محمد علي، ولا يمكن أن يتهم بالعطف على الوهابيين، قد ذكر لنا القصة المفصلة لتلك المظالم2 وهو معتمد عليه وموثوق به.

ويحمل بعض المعلقين مسئولية الغدر والخيانة والمكر الذي ارتكبه إبراهيم على عاتق محمد علي.

يقول هوغارث: "إن الغدر والخيانة اللتين عومل بهما الملك المخلوع وعامة الوهابيين ترجع العهدة فيها إلى محمد على أكثر من إبراهيم"3.

ويذكر بركهارت أكثر من مرة أن محمد علي كان قد نجح في تقديم الرشوة إلى البدو. "وقد كان للرشوة النصيب الأوفر في إمالة البدو إلى المصريين".

1 أيضا 4: 306 ولقد قدم هوغارث أيضا سيرة إبراهيم باشا بوضوح "101".

2 بركهارت: 242 ، 317 ، 318 ، 333 ، 352.

3 هوغارث 103.

ص: 128

ويذكر أمثلة كثيرة لمظالم محمد علي وسفكه الدماء.

وقال هو نفسه في موضع آخر: "وكان دور الفلوس أكبر من قوة جيوش محمد علي في إرساء دولته على العرب 1.

وفي جانب آخر يذكر شاهد عيان آخر حالة النجديين وهو السياح الأسباني المعروف باديا (علي بك عباسي)، وإليك روايته وكان موجودا في مكة عندما دخلها النجديون فاتحين:"ما كانت أيديهم تصل إلى أي شيء حتى يعرفوا بأنه للعدو أو للمشرك، وما كانوا يحاولون أخذه غصبا، وكانوا يشترون جميع حاجاتهم بالفلوس وهكذا كانوا يدفعون الأجرة على كل خدمة، ولما كانوا يتبعون أوامر رئيسهم اتباعا أعمى كانوا مستعدين لكل بذل في امتثال أوامره"2.

قال بركهارت سائح آخر وهو متثبت أكثر من "علي بك": وكان قد وصل إلى مكة في سنة 1914م أي عند استيلاء محمد علي عليها وكتبه تشهد بصحة روايته ودقة نظره فقال: "ولقد كان الشعور القوي المخلص للقضاء على التقاليد السيئة هو الذي يعمل عمله تحت إجراءات الوهابيين؟ فإنهم لم يخونوا العهد قط مع أغدر عدو، ولو قارنا سلوكهم بسلوك الأتراك (المصريين) فسنضطر إلى أن نذكر جميع تلك المساوئ التي يتلوث بها الأتراك"3. وكتاب بركهارت مليء بالمدح والثناء على سعود وعبد الله 4.

1 بركهارت: 202- 206.

2 هوغارث: 78.

3 هوغارث: 79.

4 بركهارت 2: 120- 180.

ص: 129