الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآن نأتي إلى نماذج مباشرة من القرآن والسنة في بيان ملامح هذا المنهج العام الذي أرساه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، من حيث استعمال اسلوبين متضادين يختلف إحداهما عن الآخر ألا وهما أسلوب
الترغيب والترهيب
.
الترغيب والترهيب:
أما الترغيب: فهو وعد يصاحبه تحبيب الإنسان وإغراؤه بإنجاز عمل ما يجني من ورائه مصلحة كبيرة أو خيرا كثيرا يصب في ميزان أعماله وهذا مؤكد وحاصل لكن الغالب في الخطاب بين المؤمنين الوعد الأخوي، لو تأملتم في قصة ذي القرنين لما قال لهؤلاء القوم:{قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} (1).
تلاحظ أنه مع المؤمنين قدم الثواب الأهم بالنسبة للمؤمن وهو ثواب الآخرة، لأن المؤمن عنده يقين بديمومة وخلود هذا الثواب وأيضا بقدره بالنسبة لثواب الدنيا الفانية، ولذلك لما تكلم عن الكافرين قال:{أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} في الدنيا، {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} رغم أنفه، {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} انظر ماذا قدم؟
{فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} (2)
لأن هذا هو المقصد الأساسي للمؤمن طلب الثواب هناك في الآخرة.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ} هناك، {جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} .
هذا في الدنيا.
(1) الكهف: 87 - 88.
(2)
الكهف: 88
فلذلك ينبغي أن يربى المسلم على العمل ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى.
لأهمية هذا الأسلوب الرفيع الذي يمثل دافعا للإنسان نحو الأعمال الصالحة التي ترضي الله تبارك وتعالى شاع جدا في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
مثلا قال الله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} (1).
(1) آل عمران: 15.
(2)
الأعراف: 42 - 43.
(3)
الزمر: 17 - 18.
(4)
فصلت: 30 - 32.
استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلوب الترغيب في تربية أصحابه رضي الله تعالى عنهم فحثهم على فضائل الأعمال عن طريق الترغيب والترهيب كما ورد في فضل مثلا صلاة الضحى أو صلاة الليل أو صيام التطوع وغير ذلك من هذه الأعمال الصالحة.
فكان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحبيب عباد الله في طاعة الله تبارك وتعالى، كان يشجعهم على إنجازها.
-لما رأى قوما يعملون في بئر زمزم ويحفرون، قال:«اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ» (3) وحسان بن ثابت لما كان يهجوا المشركين، كان يقول:«اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» (4) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ
(1) الدخان: 51 - 57.
(2)
نوح: 10 - 12.
(3)
صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنهما.
(4)
متفق عليه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.