المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي - محو الأمية التربوية - جـ ١٣

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي

من أوضح الأمثلة على ذلك أن الفتى تستيقظ عنده الرغبة الجامحة في الزواج منذ بلوغه الحلم، لكنه يؤجل ذلك إذ يجد نفسه عاجزا عن نفقات الحياة الزوجية فيفضل لذة ومتعة مؤجلة ولو كان التأجيل مديدا، ولكنها مكفولة الاستقرار بحسب ما يبدو له، على لذة عاجلة ينغصها الحرمان والنكد أو خراب البيوت او سوء السمعة أو نقمة المجتمع .. الخ

هكذا يرغبه مجتمعه بزواج هانئ مستقر إن هو صبر ونال الشهادات أو الخبرات أو القدرات على الكسب وإعالة الزوجة وتأمين المسكن كما يرهبه المجتمع –مجتمع الأبوين أو الأصدقاء أو الأقارب- من النتائج الوخيمة إن هو اقترف لذة غير مشروعة أو تسرع في زواج غير مناسب ولا ملائم.

‌ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي

إذا ما هي ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي؟

وهذه الميزة، ما هي الميزات التي يمتاز بها الترغيب والترهيب الإسلامي عن الأسلوب الغربي في التربية؟

لا شك بما أن المنهج الإسلامي طبيعته أنه منهج رباني موات وموافق ونسجم مع فطرة الإنسان، فمن ثم لابد أن يمتاز عن المناهج الغربية في أشياء كثيرة.

الترغيب والترهيب القرآني يعتمد على الإقناع والبرهان، فليس من آية فيها ترغيب أو ترهيب بأمر من أمور الآخرة إلا ولها علاقة أو فيها إشارة من قريب أو بعيد إلى الإيمان بالله واليوم الآخر على الغالب.

أو فيها توجيه الخطاب إلى المؤمنين: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} (1) فالكذب صفة من صفات الذين يجحدون الآخرة.

فنجد الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إما أنها دائما أو في الغالب تشير من قريب أو بعيد إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، أو فيها خطاب للمؤمنين، تخصيص المؤمنين بالخطاب.

(1) النحل: 105.

ص: 28

ربط المسألة بالإيمان، يعني حتى الحجاب لما ربنا أمر به أو غض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (1).

فضيلة الشيخ: ما إعراب {يَغُضُّوا} ؟

طالب علم: فعل مضارع مجزوم بشرط مقدر، تقديره: إن تقل لهم غضوا

وعلامة جزمه حذف النون؛ لأن أصله: (يغضون)

فضيلة الشيخ: نعم .. أحسنت، أصل الكلام: قل للمؤمنين غضوا أبصاركم يغضوا.

فهنا إشارة إلى أن المؤمنين لابد أن يمتثلوا هذا الأمر وبالفعل سوف يغضون هذا الأمر.

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (2){وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (3)

الآية أيضا في سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} (4) فهنا الخطاب خاص بمن؟ بالمؤمنات.

فهنا كثير من الأحكام تأت مرتبة على توجيه الخطاب على المؤمنين والمؤمنات، ولا شك أن لهذا معنى تربويا وهو أن البداية الصحيحة في التربية، هي البداءة بغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين، لأنه إذا آمن فسيتسنى لنا بعد ذلك أن نرغبهم في ثواب الجنة، أو نرهبهم من عذاب الله.

ويكون للترغيب والترهيب ثمرة عملية سلوكية.

أيضا يكون الترغيب أو الاقناع عن طريق أخذ العبرة من القصة القرآنية ثم يعقبها التهديد أو الترغيب.

(1) النور: 30.

(2)

النور: 30.

(3)

النور: 31.

(4)

الأحزاب: 59.

ص: 29

أيضا من مميزات الترغيب أو الترهيب الإسلامي أنه يأت مصحوبا بتصوير فني رائع لنعيم الجنة أو لعذاب جهنم بأسلوب واضح يفهمه جميع الناس، لذلك يجب على المربي أن يستخدم الصور والمعاني القرآنية والنبوية في عرضه لعقاب الله وثوابه كتصوير مواقف القيامة بالصور القرآنية مدعومة بالتفاصيل النبوية، كقصة الشفاعة مثلا التي يطلبها الناس في موقف الحشر من جميع الأنبياء لشدة الهول فيعتذرون إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقصة آخر رجل يدخل الجنة، ونحو ذلك من القصص النبوي الذي يخبر عن مواقف يوم القيامة.

أيضا من هذه الميزات أن أسلوب الترغيب والترهيب القرآني والنبوي يعتمد على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية.

فهذه تتضمن تربية وجدانية كعاطفة الخوف من الله سبحانه وتعالى، فيقول الله تعالى:{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) ومدح عباده الذين يخافونه ووعدهم الثواب العظيم، وقال:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} (2) بل أمرنا أن ندعوه خوفا وطمعا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} (3).

{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (4) على أساس من هذه العاطفة الجياشة والتربية الوجدانية العاطفية بنيت بعض العبادات، قال تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} (5).

(1) آل عمران: 175.

(2)

الرحمن: 46.

(3)

الأعراف: 55.

(4)

الأعراف: 56.

(5)

البينة: 8.

ص: 30

وقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)} (1) نفس هذه العاطفة، وهي الخوف من الله سبحانه وتعالى بنيت علها معاملات إسلامية كثيرة كالنصح في البيع والشراء ورعاية اليتيم:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)} (2) كحسن معاملة الزوجة والعدل بين الأولاد فكل من خاف ربه كان انسانا فاضلا عادلا في سلوكه ومعاملاته، ومن لم يستح من ربه يفعل ما يشاء بلا ضابط ولا وازع له قلب كالحجارة أو أشد قسوة.

من ذلك أيضا عاطفة الخشوع ومعناه التذلل والخضوع، والشعور بالانقياد والعبودية لله سبحانه وتعالى، والخشوع هو ثمرة الخوف من الله.

فنحن نرى في الدنيا أن الناس إذا خافوا من بعض الطواغيت الباطشين فإنهم يسارعون إلى الانقياد إلى أوامرهم والخضوع لها ولو ظاهريا ولكن الخشوع لله يمتاز عن الخضوع الظاهري بأنه مصحوب بشعور حقيقي بالتبعية لله تعالى وبطاعته والإذعان لعظمته إذعانا ناتجا عن الأعجاب بآثار إبداعه وتدبيره في هذا الكون وفي أنفسنا، يقول الله سبحانه وتعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (3) .. إلى آخر الآية.

بل هذا الخشوع له علامات جسدية تظهر على بدن هذا الإنسان، يقول تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (4).

(1) المائدة: 94.

(2)

النساء: 9.

(3)

الحديد: 16.

(4)

الزمر: 23.

ص: 31

مما ينبغي أن يراعى أيضا عند التربية بالترغيب والترهيب أن يكون المربي صادقا في انفعالاته بنصوص الترغيب والترهيب، لأنه إذا كان صادقا في مشاعره فإن هذه المشاعر تنتقل بالعدوى تتعدى إلى هؤلاء المربين حيث ينقادون له ويحبونه ويقلدونه.

وإذا كان صادقا أيضا ستتخذ ملامح وجهه ولهجة كلامه الهيئة التي تثير هذه الانفعالات كلما اقتضى الأمر، كذلك ينبغي الاعتماد على الاقناع والتكرار لتربية العواطف الربانية، فتكرار الانفعالات المتشابهة مرة بعد مرة حول موضوع معين وبمناسبات مختلفة كالقصة والوصف والحوار والاستفهام واستجواب الطلاب، فهذا يربي في النفس الاستعداد الدائم لثورة انفعالية وجدانية، كلما وجد الإنسان نفسه في موقف مشابه.

فالعواطف دافع مهم من دوافع السلوك، تحرض الإنسان على الصبر:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} (1) فهذه المشاعر والعواطف والأمور الوجدانية تحرض الإنسان على الصبر وتغذي طاقته وهي لا تقل أهمية عن الدوافع الغريزية بل هذه تهيمن عليها وتوجهها وتنظمها وتسمو بها، وبها يمتاز الإنسان على الحيوان.

فكما أن بالنفس عواطف سلبية توافق التربية بالترهيب كالخوف والخشوع، كذلك في النفس عواطف إيجابية توافق التربية بالترغيب كالمحبة، كل إنسان منذ الطفولة يميل إلى أنه يحِب ويحَب.

والحب: هو تعلق المحب بالمحبوب وتتبع آثاره ودوام ذكره وحضور القلب معه، وعمل ما يرضيه ويحقق سروره.

يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (2) يعني من أهل الأنداد في محبتهم أصنامهم أو أندادهم.

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: ولحبهم لله وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له لا يشركون به شيئا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ويلجئون إليه في جميع أمورهم.

(1) البقرة: 155 - 156.

(2)

البقرة: 165.

ص: 32