المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1- الموالاة الكفرية المخرجة من الملة - مختصر [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: بيان بعض المصطلحات العقيدية، وتعريفها

- ‌تعريف العقيدة

- ‌ أهل السنة والجماعة:

- ‌ السلف:

- ‌ الخَلَف:

- ‌المسألة الثانية: خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌1- أنها عقيدة غيبية

- ‌2- أنها عقيدة شاملة:

- ‌3- أنها عقيدة توقيفية:

- ‌المسألة الثالثة: وسطية أهل والجماعة بين فرق الضلال

- ‌الأصل الأول: باب العبادات

- ‌الأصل الثاني: باب أسماء الله وصفاته:

- ‌الأصل الثالث: باب القضاء والقدر:

- ‌الأصل الرابع: باب الوعد والوعيد:

- ‌الأصل الخامس: باب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌التوحيد

- ‌الفصل الأولتوحيد الربوبية

- ‌الفصل الثاني: توحيد الألوهية

- ‌مقدمة

- ‌المبحث الأول: شهادة "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الأول: معناها، وفضلها

- ‌المطلب الثاني: شروطها ونواقضها:

- ‌المبحث الثاني: العبادة

- ‌المطلب الأول: تعريف العبادة وبيان شمولها

- ‌المطلب الثاني: أصول العبادة:

- ‌الفصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌مقدمة

- ‌المبحث الأول: طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌الأول: طريقتهم في الإثبات

- ‌الثاني: طريقتهم في النفي:

- ‌الثالث: طريقتهم فيما لم يرد نفيه ولا إثباته مما تنازع الناس فيه

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌1- علو الله تعالى

- ‌2- صفة الكلام:

- ‌3- صفة الاستواء على العرش:

- ‌4- صفة الوجه:

- ‌5- صفة اليدين:

- ‌6- المحبة:

- ‌المبحث الثالث: ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات

- ‌نواقض التوحيد

- ‌الفصل الأول: الشرك الأكبر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه

- ‌المبحث الثاني: أقسام الشرك الأكبر

- ‌القسم الأول: الشرك في الربوبية

- ‌القسم الثاني: الشرك في الأسماء والصفات:

- ‌القسم الثالث: الشرك في الألوهية:

- ‌الفصل الثانيالكفر الأكبر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌النوع الأول: كفر الإنكار والتكذيب

- ‌النوع الثاني: كفر الشك والظن:

- ‌النوع الثالث: كفر الامتناع والاستكبار:

- ‌النوع الثالث: كفر السب والاستهزاء

- ‌النوع الرابع: كفر البغض

- ‌النوع الخامس: كفر الإعراض

- ‌خاتمة فصل الكفر الأكبر:

- ‌الفصل الثالث: النفاق الأكبر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه

- ‌المبحث الثاني: أعمال المنافقين الكفرية

- ‌1- الاستهزاء بالله وبرسوله وبالقرآن

- ‌2- سبُّ الله تعالى

- ‌3- الإعراض عن دين الإسلام

- ‌4- التحاكم إلى الكفار

- ‌5- اعتقاد صحة المذاهب الهدَّامة

- ‌6- مناصرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين

- ‌7- إظهار الفرح والاستبشار عند انتصار الكفار

- ‌8- سب وعيب العلماء والمصلحين

- ‌9- مدح أهل الكفر

- ‌المبحث الثالث: صفات المنافقين

- ‌1- قلة الطاعات

- ‌2- الجبن وشدة الخوف والهلع

- ‌3- السفه وضعف التفير وقلة العقل

- ‌4- التذبذب والمراوغة والتلوُّن

- ‌5- الانهزامية واحتقار الذات

- ‌6- قلة الحياء وسلاطة اللسان

- ‌منقصات التوحيد

- ‌الفصل الأول: الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الغلو في الصالحين

- ‌1- المبالغة في مدحهم

- ‌المبحث الثاني: التبرك الممنوع

- ‌1- تبرك مشروع

- ‌المبحث الثالث: رفع القبور وتجصيصها وبناء الغرف أو المساجد عليها

- ‌الفصل الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك الأصغر

- ‌النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية

- ‌النوع الثاني: الشرك الأصغر في الأفعال

- ‌النوع الثالث: الشرك الأصغر في الأقوال:

- ‌خاتمة فصل الشرك الأصغر

- ‌الفصل الثالث: الكفر الأصغر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه

- ‌المبحث الثاني: أمثلته:

- ‌الفصل الرابع: النفاق الأصغر

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه

- ‌المبحث الثاني: خصاله وأمثلته:

- ‌الفصل الخامس: البدعة

- ‌المبحث الأول: تعريفها

- ‌المبحث الثاني: أقسامها

- ‌القسم الأول: البدعة الاعتقاية

- ‌القسم الثاني: البدعة العملية:

- ‌السم الثالث: بدعة الترك

- ‌المبحث الثالث: حكمها

- ‌المبحث الرابع: التفصيل في بيان بدعتين من أخطر البد العملية

- ‌1- التوسل البدعي

- ‌الولاء والبراء

- ‌المبحث الأول: تعريفها وحكمها

- ‌المبحث الثاني: مظاهر الولاء

- ‌المطلب الأول: مظاهر الولاء المشروع

- ‌1- محبة جميع المؤمنين

- ‌2- نصرة المسلم لأخيه المسلم

- ‌3- مساعدتهم بالنفس والمال

- ‌4- التألُّم لما يصيبهم من المصائب والأذى

- ‌المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم

- ‌1- الموالاة الكفرية المخرجة من الملة

- ‌المبحث الثالث: ما يجوز أو ما يجب التعامل به مع الكفار

- ‌أنواع الكفار

- ‌القسم الأول: المعاهدون

- ‌القسم الثاني: الذِّمِّيون:

- ‌القسم الثالث: المستأمنون

- ‌القسم الرابع: الحربيون:

- ‌ الأمور التي تجب للكفار غير الحربيين على المسلمين

- ‌الأمور التي يباح أو يستحب للمسم أن يتعامل بها مع الكفار

الفصل: ‌1- الموالاة الكفرية المخرجة من الملة

ومنها ما هو فرض كفاية، كرد السلام، وتجهيز الميت، والصلاة عليه، ودفنه، والقيام بما يحتاج إليه المسلمون في أمور دينهم من طلب للعلم، ومن تعليم له، ومن دعوتهم إلى الله تعالى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومن القيام بما يحتاجون إليه في أمور دنياهم من أمور الطب والصناعة والزراعة وغيرها، ومن تحذيرهم مما يضرهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور حياتهم.

ومنها ما هو مستحب، كعيادة المريض، ومساعدة المحتاج غير المضطر بالبدن والمال، والدعاء لهم، والسلام على من لقيه منهم، وغير ذلك.

ص: 147

‌المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم

‌1- الموالاة الكفرية المخرجة من الملة

المطلب الثاني: مظاهر الولاء المحرم:

موالاة أعداء الله من عباد الأصنام والبوذيين والمجوس واليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم والتي هي ضد البراء بجميع أقسامها وأمثلتها محرمة بلا شك - كما سبق بيانه - وهي تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الموالاة الكفرية:

بعض مظاهر وأمثلة الولاء المحرم مظاهر كفرية تخرج مرتكبها من ملة الإسلام، وهي كثيرة، أهمها:

1-

الإقامة ببلاد الكفار اختياراً لصحبتهم مع الرضى بما هم عليه من الدين، أو مع القيام بمدح دينهم، وإرضائهم بعيب المسلمين، فهذه الموالاة ردة عن دين الإسلام، قال الله تعالى:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28] فمن تولى الكافرين ورضي عن دينهم، وابتعد عن

ص: 147

المسلمين وعابهم فهو كافر عدو لله ولرسله ولعباده المؤمنين.

2-

أن يتجنس المسلم بجنسية دولة كافرة تحارب المسلمين، ويلتزم بجميع قوانينها وأنظمتها بما في ذلك التجنيد الإجباري، ومحاربة المسلمين ونحو ذلك، فالتجنس على هذه الحال محرم لا شك في تحريمه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه كفر وردة عن دين الإسلام بإجماع المسلمين وهذا كله فيما إذا كان ذلك عن رغبة ورضى من المسلم، أما إن كان ملجئاً إلى ذلك لعدم وجود بلد مسلم يمكنه الهجرة إليه أو لعدم وجود بلد كافر أحسن حالاً من حال هذا البلد المحارب للمسلمين ينتقل إليه، فحكمه حكم المكره، فلا يحرم عليه ذلك إذا كره ذلك بقلبه.

3-

التشبه المطلق بالكفار، بأن يتشبه بهم في أعمالهم، فيلبس لباسهم، ويقلدهم في هيئة الشعر وغيرها، ويسكن معهم، ويتردد معهم على كنائسهم، ويحضر أعيادهم، فمن فعل ذلك فهو كافر مثلهم بإجماع أهل العلم، وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو قال:"من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".

4-

أن يتشبه بهم في أمر يوجب الخروج من دين الإسلام، كأن يلبس الصليب تبركاً به مع علمه بأنه شعار للنصارى وأنهم يشيرون بلبسه إلى عقيدتهم الباطلة في عيسى عليه السلام، حيث يزعمون أنه قتل وصلب، وقد نفى الله تعالى ذلك في كتابه فقال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] .

5-

أن يزور كنائسهم معتقداً أن زيارتها قربة إلى الله تعالى.

ص: 148

6-

الدعوة إلى وحدة الأديان، أو إلى التقريب بين الأديان، فمن قال إن ديناً غير الإسلام دين صحيح ويمكن التقريب بينه وبين الإسلام أو أنهما دين واحد صحيح فهو كافر مرتد، بل إن من شك في بطلان جميع الأديان غير دين الإسلام كفر، لرده لقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ، ولرده لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة من أن دين الإسلام قد نسخ جميع الأديان السابقة، وأنها كلها أديان محرفة، وأن من دان بشيء منها فهو كافر مشرك.

والدعوة إلى توحيد الأديان دعوة إلحادية قديمة، دعا إليها بعض ملاحدة الصوفية المتقدمين، كابن سبعين، والتلمساني وغيرهم، وجدد الدعوة إليها في هذا العصر بعض المنتسبين إلى الإسلام، ومن أشهرهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده المصري، ورجاء جارودي الفرنسي وغيرهم.

7-

موالاة الكفار بإعانتهم على المسلمين:

إعانة الكفار على المسلمين سواء أكانت بالقتال معهم، أم بإعانتهم بالمال أو السلاح، أم كانت بالتجسس لهم على المسلمين، أم غير ذلك تكون على وجهين.

الوجه الأول: أن يعينهم بأي إعانة محبةً لهم ورغبةً في ظهورهم على المسلمين، فهذه الإعانة كفر مخرج من الملة.

وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على ذلك.

الوجه الثاني: أن يُعين الكفارَ على المسلمين بأي إعانة ويكون الحامل له على ذلك مصلحة شخصية، أو خوفاً، أو عداوة دنيويّة بينه

ص: 149

وبين من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها ليست من الكفر المخرج من الملة.

ومن الأدلة على أن هذه الإعانة غير مكفرة: ما حكاه الإمام الطحاوي من إجماع أهل العلم على أن الجاسوس المسلم لا يجوز قتله، ومقتضى ما حكاه الطحاوي أنه غير مرتد.

ومستند هذا الإجماع: أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قد جسَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في غزوة فتح مكة، فكتب كتاباً إلى مشركي مكة يخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أخفى وجهة سيره، لئلا تستعد قريش للقتال، وكان الدافع لحاطب لكتابة هذا الكتاب هو مصلحة شخصية، ومع ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولم يُقمْ عليه حدَّ الردة، فدلَّ ذلك على أن ما عمله ليس كفراً مخرجاً من الملة.

وهذا كله إنما هو في حق من كان مختاراً لذلك، أما من كان مكرهاً أو ملجئاً إلى ذلك إلجاءً اضطرارياً كمن خرج مع الكفار لحرب المسلمين مكرهاً ونحو ذلك فلا ينطبق عليه هذا الحكم لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] .

ص: 150

القسم الثاني: الموالاة المحرمة غير الكفرية:

هناك مظاهر وأمثلة من الولاء المحرم – الذي هو ضد البراء – لا تخرج صاحبها من الإسلام، ولكنها محرمة - كما سبق - وهي كثيرة، أهمها:

ص: 150

1-

محبة الكفار، واتخاذهم أصدقاء، قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] والمودة: المحبة، وقال الله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يحب رجلٌ قوماً إلا جاء معهم يوم القيامة ".

والواجب على المسلم بغض جميع الكفار والمشركين، والبعد عنهم، وهذا مجمع عليه بين المسلمين، وذلك لأن الكفار يحادون الله تعالى ويبارزونه بأعظم المعاصي بجعل شريك معه في عبادته أو بادّعاء أن له صاحبة أو ولداً أو بغير ذلك مما فيه تنقص لله تعالى، فهم أعداء لله تعالى، فيجب التقرب إلى الله تعالى ببغضهم ومعاداتهم، وعدم الركون إليهم، قال شيخنا محمد بن عثيمين:"الكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، ويجب علينا أن نكرهه بكل قلوبنا".

2-

الاستيطان الدائم في بلاد الكفار، فلا يجوز للمسلم الانتقال إلى بلاد الكفار للاستيطان فيها، ولا يجوز له التجنس بجنسيتها ولو كان يستطيع إظهار شعائر دينه فيها إلا في حال الضرورة، لقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وعلى مفارقة المشرك.

ص: 151

وإذا أسلم الكافر وبلده بلد كفر فإن كان لا يستطيع إظهار شعائر دينه ويستطيع الهجرة وجبت عليه الهجرة إلى بلد من بلاد المسلمين بإجماع أهل العلم، ولا يجوز له البقاء في هذا البلد إلا في حال الضرورة، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [النساء: 97، 98] .

أما إن كان المسلم يستطيع إظهار شعائر دينه من توحيد وصلاة وتعلُّم لأحكام الإسلام وتمسك بالحجاب للمرأة وغيرها فالهجرة إلى بلاد المسلمين مستحبة في حقه حينئذ، ويجوز له أن يبقى في بلده الأول، فقد روى أبوسعيد الخدري أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة، فقال:" إن شأن الهجرة لشديد، فهل لك من إبل؟ " قال: نعم. قال: " فهل تؤتي صدقتها؟ " قال: نعم. قال: " فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً ". متفق عليه.

وقد يُستحب له البقاء في بلده الأول إذا كان في ذلك مصلحة شرعية، كالدعوة إلى الإسلام، ونحو ذلك.

3-

السفر إلى بلاد الكفر في غير حال الحاجة، فيحرم على المسلم أن يسافر إليها إلا في حال الحاجة، فإن كانت هناك حاجة إلى السفر إلى تلك البلاد سواء كانت خاصة بالمسافر أو عامة للمسلمين جاز له السفر بثلاثة شروط:

الأول: أن يكون من يذهب إلى تلك البلاد ذا علم بأمور دينه، وعنده علم ودراية بالأمور النافعة والضارة.

ص: 152

الثاني: أن يكون في مأمن وبعد عن أسباب الفتنة في الدين والخلق.

الثالث: أن يكون قادراً على إظهار شعائر دينه.

ومن الحاجات التي يجوز السفر من أجلها: السفر للدعوة إلى الله تعالى، والسفر للتجارة، والسفر للعلاج، والسفر لحاجة المسلمين في تلك البلاد كسفراء الحكومات المسلمة ونحوهم، والسفر لتعلم علم يحتاجه المسلمون ولا يُوجد إلا في بلاد الكفر.

أما السفر إلى بلاد الكفر من أجل السياحة ونحوها فهو سفر محرم، لعموم الأحاديث المذكورة في الفقرة السابقة، فإن فيها المنع من الإقامة في بلد الكفر، وهذا يشمل الإقامة اليسيرة، كاليوم واليومين، ولما في ذلك من تعريض دين المسلم وخلقه للخطر من غير ضرورة أو حاجة.

4-

مشاركة الكفار في أعيادهم الدينية، كعيد رأس السنة الميلادية "الكرسمس"، فلا يجوز للمسلم مخالطة أو مشاركة الكفار في أعيادهم الدينية بإجماع أهل العلم، لأن في ذلك إقراراً لعملهم ورضى به وإعانة عليه، وقد قال تعالى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، ولا شك أن مشاركتهم في أعيادهم الباطلة المحرمة من الإعانة على الإثم.

كما يحرم تهنئتهم بهذه الأعياد بإجماع أهل العلم، ويحرم حضور أعيادهم الدنيوية وتهنئتهم بها، لأنها أعياد مبتدعة محرمة في ديننا، كما يحرم جعل هذه الأيام التي لهم فيها عيد ديني أو دنيوي عيداً، لأن هذا من التشبه المنهي عنه.

5-

التشبه بهم فيما هو خاص بهم مما يتميز به الكفار عن المسلمين،

ص: 153

فيحرم على المسلم أن يقلدهم في كل ما هو خاص بهم من عبادات أو عادات وتقاليد أو آداب أو هيئات، سواء أكان أصل ذلك مباحاً في ديننا أم محرماً، فلا يجوز للمسلم أو المسلمة أن يقلدهم مثلاً في اللباس أو هيئة الأكل أو الشرب، أو طريقة تسريح أو حلق شعر الرأس أو شعر الوجه، أو طريقة الأكل والشرب أو طريقة الجلوس أو المشي أو كيفية السلام أو طريقتهم في بناء مساكنهم أو في أنظمتهم في الحكم والإدارة والاقتصاد ونحو ذلك مما لا فائدة فيه ظاهرة للمسلمين.

ومن المعلوم أن التقليد للغير دليل على الشعور باحتقار الذات، وأن هذا المقلِّد يرى بأن من قلَّده أفضل منه وأرفع منه قدراً، ولذلك حاول أن يتشبه به. وهذا لا يليق بالمسلم تجاه الكافر.

فالمسلم أرفع قدراً من جميع الكفار بنص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18] وقال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً} [الطلاق: 10] ، والألباب هي العقول التامة السالمة من شوائب النقص، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه ".

وينبغي للمسلم أن ينظر إلى الكفار بالنظرة الشرعية الصحيحة، قال الله تعالى عنهم:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]، وقال سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد: 12]، وقال جل وعلا:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44] .

ص: 154

وقد وردت أدلة شرعية كثيرة تدل على تحريم التشبه بالكفار، منها:

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} [الحديد: 16] فنهى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين أن يتشبهوا بالذين أوتوا الكتاب من قبلنا، وهم اليهود والنصارى، ومنها ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من تشبه بقوم فهو منهم "، ومنها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مخبراً عما سيفعله كثير من ضعفاء الإيمان الذين يشعرون بالنقص واحتقار أنفسهم أمام الكفار، منكراً عليهم صنيعهم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لتبعتموهم " قال أبوسعيد الخدري: قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: " فمن؟ " رواه البخاري ومسلم، والسنن هي الطريقة، وهذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا ترى كثيراً من المسلمين والمسلمات اليوم يقلدون الكفار في كثير من الأمور، حتى فيما لا فائدة لهم فيه، كهيئة اللباس، وهيئة شعر الرأس، وحلق شعر العارضين والذقن، حتى إن من المسلمين والمسلمات من يبحث في المجلات أو غيرها عن آخر ما يفعله الكفار في الغرب أو الشرق فيفعله.

وقد وردت أحاديث كثيرة متواترة في النهي عن كثير من الأفعال وعُلِّل النهي فيها بالتشبه باليهود والنصارى فدلَّ ذلك على أن مخالفتهم أمرٌ مطلوبٌ شرعاً، وعلى أن التشبه بهم محرم.

وقد أجمع أهل العلم على تحريم التشبه بالكفار.

6-

تركهم يظهرون شعائر دينهم من عبادات وأعياد ونحوهما بين المسلمين، أو تركهم يبنون كنائس أو معابد لهم في بلاد المسلمين،

ص: 155

أو تركهم يظهرون المعاصي بين المسلمين.

7– اتخاذهم بطانة، فلا يجوز للمسلم أن يجعل الكافر بطانة له، بأن يطلعه على بواطن أموره، ويستشيره في أموره الخاصة، أو يستشيره في أمور المسلمين، أو يعتمد عليه في قضاء شيء من أمورهم التي يطلع فيها على أسرارهم، كأن يكون كاتباً يطلع على أخبار المسلمين؛ لأن الكافر عدو للمسلم لا ينصح له، بل يفرح بما يعنته – أي ما يشق عليه ويضره – وما فيه خبال للمسلم – أي فساد عليه – قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118– 120] ولا يستثنى من هذا إلا ما اضطر إليه المسلم ضرورة ملجئة مع الأمن من ضرر الكافر.

8 – السكن مع الكافر، فيحرم على المسلم أن يسكن مع الكافر في مسكن واحد ولو كان قريباً له أو زميلاً له، كما لا يجوز له أن يسكن معه من أجل مصلحة دنيوية كأن يريد أن يتعلم منه لغته أو لتجارة أو لغير ذلك، كما لا يجوز أن يزوره في منزله من أجل مجرد إيناسه أو الاستئناس به، أو للعب، ونحو ذلك، كما لا يجوز طلب زيارتهم للمسلم من أجل ذلك؛ لأن هذا من الموالاة لهم، ولأن الكفار أعداء

ص: 156

لنا، ولا يؤمن على المسلم من ضررهم في دينه أو بدنه، أما إن زاره من أجل قرابته له أو جواره له فلا بأس، وهكذا إن زاره المسلم أو طلب منه أن يزوره وكان ذلك لحاجة شرعية، كتأليف قلبه ودعوته إلى الإسلام وأَمِنَ من ضرره على دين المسلم وبدنه أبيح بقدر الحاجة، كما تباح ضيافته واستضافته.

* * *

ص: 157