الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السرخسي: "الخبر إما أن يكون محكماً أو ظاهراً مشكلاً أو مشتركاً أو مجملاً أو متشابهاً، أو أن يكون من جوامع الكلم، فأما المحكم فيجوز نقله بالمعنى لكل من كان عالماً بوجوه اللغة، وأما الظاهر فلا يجوز نقله بالمعنى إلا لمن جمع إلى العلم باللغة العلم بفقه الشريعة، وأما المشكل والمشترك فلا يجوز فيهما النقل بالمعنى أصلاً، لأن المراد بهما لا يعرف إلا بالتأويل، والتأويل يكون بنوع من الرأي كالقياس فلا يكون حجة على غيره، وأما المجمل فلا يتصور فيه النقل بالمعنى؛ لأنه لا يوقف على المعنى فيه إلا بدليل آخر، والمتشابه كذلك، لأنا ابتلينا بالكف عن طلب المعنى فيه، فكيف يتصور نقله بالمعنى؟ وأما ما يكون من جوامع الكلم كقوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" وما أشبه ذلك فقد جوز بعض مشايخنا نقله بالمعنى على الشرط الذي ذكرناه في الظاهر"(1) . ولاشك أن هذه الشروط الدقيقة قد حافظت على الرواية ومنعت تزييفها، وهو ما يسعى المنهج الغربي الحديث إلى تحقيقه بواسطة قواعد المتن.
(1) السرخسي: أصول 1/356 – 357 ملخصاً.
النقد الباطني الإيجابي:
وأما النقد الداخلي الإيجابي المتعلق بتفسير النص، فقد وضع المسلمون له منهجاً أسموه بـ"أصول الفقه"، وأسهم المحدثون إسهاماً مناسباً في تفسير المتن وتحديد معناه الإجمالي في كتب غريب الحديث، ومعناه العام وما يستنبط به من أحكام وقيم وأفكار مما تحفل به كتب شروح الحديث، ولكن الفقهاء والأصوليين هم الذين وضعوا المنظومة العقلية الكاملة للتعامل مع النص من
حيث التفسير تحليلاً وتركيباً، فظهرت علوم المجمل والمفصل والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث، وما قاموا به من تصحيح المتن وتفسيره إجمالاً وتفصيلاً والاستنباط اللغوي والفقهي منه، وهو ما يعرف في المنهج الحديث بـ"تفسير النص".
ولاشك أن الشرح اللغوي والحرفي يسبق الفهم العام للنص عند المحدِّثين والنقاد الغربيين معاً. ويتفقان أيضاً في الانتقال بعد ذلك إلى معرفة الصحيح من الزائف في المتن للتأكد من صحة نسبته للرواة بتمامه عند المسلمين، أو من صحة نسبته للمؤلف عند الغربيين (1) .
(1) بول ماس: نقد النص، النقد التاريخي 355.