الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرسل والمنقطع والموقوف والمقلوب وغيرها. وثمرة مقارنة المتون معرفة الشاذ والمضطرب والمنكر والمدرج وغيرها.
ثانياً: إتقان أسلوب المحدث واستخدامه في النقد
لقد عمد بعض النقاد إلى دراسة مجموعة من مرويات المحدث وتمرس فيها بحيث يتمكن من معرفة ما ينسب إليه من مرويات بسبب مشابهتها لها أو مخالفتها، وربما يصل الأمر عند المقارنة إلى تمييز ألفاظ بعض الرواة عن المحدث ومدى تشابهها مع المعروف عنه.
قال علي بن المديني – الناقد المعروف – وقد سُئل: مَنْ أثبت الناس في محمد بن سيرين؟ فقال: أيوب، ثم ابن عون، ثم سلمة بن علقمة، ثم حبيب ابن الشهيد، ثم يحيى بن عتيق، ثم هشام بن حسان. وما قال يزيد بن إبراهيم التستري سمعت محمد بن سيرين أثبت عندي من خالد الحذاء. ألفاظ عاصم الأحول وخالد الحذاء في محمد واحدة لا تشبه ألفاظهما ألفاظ أصحابهم (1) .
إن هذا الحس الدقيق لم يتكون إلا عبر معايشة طويلة لألفاظ المحدث ومعرفة دقيقة بإتقان رواته لها وتباينهم في هذا الإتقان.
قال الحافظ ابن رجب: "حذاق النقاد من الحفاظ- لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل منهم- لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان"(2) .
لقد تراكمت الخبرة عند النقاد المسلمين لطول ممارستهم ومناظراتهم
(1) الفسوي: المعرفة والتاريخ 2/59-60.
(2)
همام سعيد: العلل في الحديث 7.
وتأملهم في النصوص.
قال الأوزاعي: "كنا نسمع الحديث ونعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف، فما عرفوا منه أخذناه، وما أنكروا منه تركناه"(1) .
وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: "إنك تقول للشيء هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد، فأريته دراهمك، فقال هذا جيد وهذا بهرج أكنت تسأل عمن ذاك أو تسلم له الأمر؟ قال: أسلم له الأمر. فقال: كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة"(2) .
إن معرفة أسلوب المحدث والمقارنة به تطور عند نقاد الأدب العربي، وصارت إحدى وسائل النقد الرئيسة عند نقاد الشعراء والكتاب. وكذلك فإن المنهج الغربي يعني بدراسة أسلوب المؤلف والإفادة من ذلك في التعرف على صحة نسبة كتاب ما إليه من خلال ملاحظة وحدة الأسلوب. وقد جاء منهج النقد الغربي ليركز على دراسة الوثيقة والكتاب من حيث التحليل الباطني لاستخراج كل الدلائل التي تعرفنا بالمؤلف وعصره (3) . بل قد دعت الدراسات اللغوية الملتزمة بالمنهج البنيوي والتشريحي إلى عزل النص عن مؤلفه وبيئته ثم القيام بدراسته واستلهامه.
وبناء على تركيز المنهج الأوروبي على الوثيقة المدونة، فإنه قد يضطر إلى الفرض والتخمين لمعرفة أصولها ومصادرها القديمة، في حين أن ذكر الأسانيد في الرواية الإسلامية يسّر الكشف عن مصدر الخبر (4) ، مع تدقيق المنهج
(1) الخطيب: الكفاية 430.
(2)
السيوطي: تدريب الراوي 162.
(3)
لانجلوا وسينوبوس: النقد التاريخي 67.
(4)
محمدعثمان موافي: منهج النقد التاريخي الإسلامي والمنهج الأوروبي 174.