الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلامي في التأكد من الاتصال بين الرواة الناقلين للخبر عبر العصور خوفاً من وقوع الانقطاع الزمني مما يولد الشك في صحة الرواية.
ثالثاً: الاهتمام بشهود العيان وكثرتهم
لقد وجّه المحدثون نقدهم إلى الإسناد أولاً ثم إلى المتن، وبذلك اختصروا الجهد عندما لا يصمد السند أمام النقد فلا حاجة عندئذ للاستمرار في نقد المتن. والحق أن النقد للمتن وفق المعايير العقلية خاصةً لا يعد سبيلاً قويماً ووحيداً لنقد الأحاديث التي لا يستحيل عادةً صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فإن السند يسقطها. على أن وضع الضوابط العقلية لنقد المتن كان يواكب ضوابط نقد السند، لأن صحة السند وحدها لا يعدّها النقاد كافية لتصحيح الحديث.
إن العناية بالإسناد تهدف إلى الوصول إلى شاهد عيان صادق بواسطة سلسلة من الشهود الصادقين الضابطين. ومن هنا كان تعريف الحديث الصحيح: هو ما وصل إلينا بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط من أوله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة. وانتقد الخبر إذا سقط منه شاهد العيان وصار مرسلاً ضعيفاً يحتاج إلى تعدد طرقه "مخارجه" إذا أريد الأخذ به. وموضوع تعدد المخارج يتسم بالدقة، وليس المقصود أن تنتهي سلاسل الأسانيد إلى سلسلة واحدة، بل لابد أن يستقل بعضها عن بعض حتى نهاية السند أو أعلاه (الصحابي أو التابعي أو تابع التابعي) .
إن تعدد المخارج وحده هو الذي يمنع من إهمال الخبر وعدم الاعتداد به عند سقوط اسم شاهد العيان منه.
وهكذا فإن الأخبار التي تضمها وثيقة أو كتاب متأخر لا تُعدُّ بعيدة عن
الأحداث والأشخاص المباشرين للفعل التاريخي ما دامت الأسانيد ترقى إلى شهود العيان. فكان شاهد العيان هو المؤرخ الحقيقي، وعندئذ يبني شهادته على الملاحظة المباشرة إذ ليس بينه وبين الوقائع أية وسائط. ولكن تبقى مهمة الباحث في أن يتأكد من صدق شاهد العيان وصدق المخبرين عنه، وصدق صاحب الكتاب أو مدون الوثيقة. وهذا ينطبق على المؤلفات المتأخرة التي اعتمدت على مصادر أقدم مفقودة، فإن المؤلفات المتأخرة هي مصادر بديلة عن المتقدمة، ولا تعدُّ بعيدة عن الأحداث، لأن الاعتماد على المصادر المتقدمة في تناول الحدث أو الخبر.
وهكذا فإن (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي عندما يتناول خبراً يتعلق بالخليفة العباسي الراضي بواسطة إسناده إلى أبي بكر الصولي لا يعدُّ متأخراً، لأن الصولي عاصر وعاشر الخليفة الراضي فهو شاهد عيان ولكن يبقى التفتيش عن صحة سند الخطيب إلى الصولي، وهو سند نسخة كتاب "الأوراق" للصولي، التي تملّك الخطيب حق روايتها.
وفي الكتب المشهورة المتداولة يتساهل النقّاد في السؤال عن طرق تحمل الكتاب أو سنده، لصعوبة تزييف نسخة محرّفة من الكتاب المشهور المتداول بين أهل العلم، إذ سرعان ما يكشف الزيف وتسقط النسخة.
والحق أن التأكيد في منهج التأليف الإسلامي ليس على اسم الكتاب الذي يتم النقل منه بل على مؤلفه، لذلك كثيراً ما يهمل المصنّف ذكر اسم الكتاب ويقتصر على ذكر اسم المؤلف ضمن سلسلة الإسناد دون أن يشير إلى أنه مؤلف كتاب. وهكذا تتولّد صعوبة معرفة اسم المؤلف عندما يرد في سلسلة السند ذكر عدد من المؤلفين، كما يكون من الصعب تحديد اسم