الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
عدم الوصول إلى مستوى مناسب في النشر الإلكتروني.
نظرة تأريخية:
لم يكن بناء منهج النقد عند المحدثين منفصلاً عن البيئة العلمية والثقافية التي تمثل معطيات الخبرة الإنسانية في بيئتهم التي تمثل مستوىً راقياً في التحضر عند كتابة المؤلفات الأولى في علم المصطلح، وذلك في القرن الرابع الهجري مع ظهور كتابي الرامهرمزي (ت360هـ) والحاكم (ت405هـ) . وقد استمرت عملية التطوير على يد الخطيب البغدادي (ت463هـ) إلى أن ظهرت الكتب المدرسية على يد ابن الصلاح وأعيدت الصياغة على يد المتأخرين كما اكتمل جمع مفردات الفن من مجهود السابقين على يد السخاوي (ت902هـ) والسيوطي (ت911هـ) ثم لم تراجع هذه الجهود العظيمة التي هي ثمرة أعمال متلاحقة عبر تسعة قرون بسبب الركود الثقافي والعلمي الذي ساد العالم الإسلامي خلال القرون الأربعة منذ بداية القرن العاشر حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجري، ومع بداية عصر النهضة في العالم الإسلامي ظهرت جهود لإحياء علوم الحديث وتمثلت في النشر الواسع لأمهات كتب الحديث وعلومه، ومحاولة تيسير المصطلح لطلبة الدراسات الإسلامية في المرحلة الجامعية، فظهرت مؤلفات عنيت بطرح المنهج بأسلوب سهل ونظام واضح دون الدخول في مناقشة قضاياه على ضوء تقدم مناهج العلم والمعرفة الإنسانية، كما جرت دراسات وبحوث في قضايا المصطلح تتسم بالدقة مثل تلك الجهود التي كشفت عن اصطلاحات النقاد ونسبتها؛ إذ يتفرد الناقد باصطلاحات خاصة احتاجت إلى تحديد دقيق من خلال الاستقراء لأقواله في الجرح والتعديل، وكذلك جمع روايات بعض المحدثين،
والنظر فيها لمعرفة مدى دقته في الرواية، وحسب المصادر التي توافرت بصورة مطردة عبر القرن العشرين، ولكن نظراً لعدم اكتمال النشر لكتب الحديث وعلومه والرجال، فإن الاستقراء لم يكتمل عند الدارسين والمحدثين، وإن كان حظ المتأخرين منهم أكبر.
وعندما يكتمل بناء الموسوعات الحديثية فإن بإمكان القائم باستقراء شامل أن يحقق مراجعة كبرى لأقوال النقاد وأحكامهم على الرجال والأحاديث، وليس المقصود هدم البناء وتفنيد النتائج بل الاستيثاق والتثبت، فالله عز وجل كلف الأمة بما تطيق، وقد بذل علماؤها خلال القرون المتعاقبة جهوداً كبرى في تشييد صرح العلوم الإسلامية حسب إمكانات عصرهم، أما في الوقت الحاضر فإن الوسائل تهيأت للسيطرة على المعلومات والتثبت من قواعد مناهج البحث، وسوف يتمكن علماء المسلمين في الجيل الحالي من القيام بمراجعة شمولية للعلوم الإسلامية وضمنها الحديث وعلومه، وسوف يؤدي ذلك إلى تقليص الخلاف الفقهي، وزيادة الوضوح في العلم الإسلامي بالجملة، وإنه لمن الخير للأمة أن يُقْدِمَ على تجديد البناء علماء مخلصون لله ولرسوله ولدينه من أن يقدم المتلاعبون الجدد على تشييد بناء يشبه مسجد الضرار بالتأويلات البعيدة والتوجيهات المغرضة لزعزعة عقيدة الأمة وإفقادها الثقة بماضيها وحاضرها، وبالتالي بذاتها.
إن ثمة دراسات حديثة تتعلق بسيكولوجية الذاكرة يمكن أن تخدم المحاور المتعلقة بتحمل الرواية وأدائها (1) ، وثمة مراجعات حديثة لمناهج البحث وتحديد
(1) محمد قاسم عبد الله: سيكولوجية الذاكرة، ص 200 – 201.