المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

6- الإفادة في المراجعات الأولية من النشر الألكتروني لموسوعات الحديث - مرويات السيرة لأكرم العمري

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌معالم منهج المحدثين في النقد

- ‌أولاً: المقارنة

- ‌ثانياً: إتقان أسلوب المحدث واستخدامه في النقد

- ‌ثالثاً: الاهتمام بشهود العيان وكثرتهم

- ‌رابعاً: وضع شروط للراوي والمروي

- ‌خامساً: اشتراط الملاحظة العلمية

- ‌سادساً: الانتخاب عمل نقدي

- ‌المحدثون والنقد الباطني السلبي

- ‌اشتراط تملك حق الرواية:

- ‌حول الرواية بالمعنى:

- ‌النقد الباطني الإيجابي:

- ‌مرونة المنهج النقدي للمحدثين في التعامل مع الروايات التاريخية والأدبية:

- ‌الحاجة إلى مراجعة المنهج النقدي عند المحدثين وشروطها

- ‌الإيجابيات

- ‌السلبيات:

- ‌نظرة تأريخية:

- ‌تطوير المنهج:

- ‌محاولات فاشلة:

- ‌مرتضى العسكري وكتابه خمسون ومائة صحابي مختلق

- ‌فؤاد سنركين وانتقاده للبخاري في كتبه (تاريخ التراث العربي)

- ‌محاولات معاصرة:

- ‌أثر منهج المحدثين في تصحيح صورة السيرة النبوية:

- ‌ النبوة والوحي:

- ‌ التشكيك بالرسالة:

- ‌ أخبار زائفة:

- ‌ السياسة الشرعية:

- ‌ تطلعات لمستقبل دراسات السيرة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: 6- الإفادة في المراجعات الأولية من النشر الألكتروني لموسوعات الحديث

6-

الإفادة في المراجعات الأولية من النشر الألكتروني لموسوعات الحديث توفيرا ًللوقت.

7-

أن يتصف بالورع واليقظة والحيطة والصبر الطويل، مع الذكاء وحسن الفطنة والدربة على التعامل مع هذا الفن.

8-

احترام الآراء المختلفة، واحترام أصحابها، وعدم نبزهم أو التهجم عليهم أو التقليل من قيمتهم وقيمة آرائهم.

9-

طرح القضايا بوضوح ودقة وموضوعية.

ص: 38

‌محاولات فاشلة:

ونظراً لعدم توافر هذه الشروط مجتمعة لدى أصحاب المحاولات النقدية فإنها باءت بالفشل، فمن المحاولات التي قدمت ملحوظات سلبية حول منهج المحدثين محاولة أبي رية في كتابه:" أضواء على السنة المحمدية " وقد ردَّ عليه المحققون ردوداً بلغت أربعة عشر مؤلفاً. فلم تبق ثمة حاجة لرد جديد، لولا أن آراءه عادت إلى الظهور مجدداً عند أبي بكر صالح وإسماعيل كردي وسامر إستانبولي وغيرهم.

فقد قام أبو بكر صالح بمحاولة ثانية في كتابه "الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها" متتبعاً خطى أبي رية، ويكشف كتابه عن ضعف معلوماته في مصطلح الحديث، فهو يرى أن رواية الصحابي عن تابعي عن صحابي شبهة تدل على الدس في الحديث، كذلك رواية التابعي عن أحد أتباع التابعين، مع أن هذه الظاهرة معروفة عند علماء الحديث وقد بحثوها تحت عنوان "رواية الأكابر عن الأصاغر" حيث يقع أن الصحابي لا يلقى الصحابي الذي يحدث بحديث بعينه، وذلك بسبب تفرق

ص: 38

الصحابة في الأمصار، فيأخذه من تابعي يرويه بدوره عن الصحابي، وليس في ذلك أية شبهة تدل على الدس في الحديث.

كما يكشف كتابه عن عدم إحاطته بالمرويات، فهو يرى أن الاختلاف في رواية الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد يدل على الوضع والدس، وَمَثَّلَ لذلك بعدة أمثلة، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه عندما سُئِلَ هل عنده كتاب غير القرآن، فأجاب بإجابات مختلفة في ثمان روايات ساقها البخاري في كتب مختلفة من صحيحه. وقد استدل المؤلف بذلك على التناقض والوضع الذي فات على البخاري الذي صحح الروايات الثمان دون أن يفطن صالح أبو بكر إلى أن علياً رضي الله عنه كان يبين للسائل ما في الصحيفة التي كتبها، والتي كانت في جفن سيفه ذي الفقار فمرة يذكر أن فيها العَقْل وفكاك الأسير، ومرة يذكر أن فيها تحديد حرم المدينة وعقوبة المحدث.. وكل ذلك في الصحيفة. وإنما حدث علي رضي الله عنه مرة بفقرة مما فيها، ومرة بفقرة أخرى غيرها. فأين التناقض في ذلك؟ وما دليل الوضع؟ فهذه الشبهة عرضت للمؤلف لعدم استقصائه أمر الصحيفة.

وقد اعتمد المؤلف كثيراً على أبي رية في كتابه "أضواء على السنة المحمدية"، واقتبس منه، واعتقد صحة ما ورد فيه متجاهلا الردود الكثيرة عليه فضلا عن الأبحاث العلمية التي أعقبته، والتي تفند ما ورد فيه.

وهكذا ذهب المؤلف متابعاً أبا رية إلى أن الحديث دُوِّن بأمر عمر بن عبد العزيز في خلافته (99-101هـ) ولم يكن قد دُوِّن أو جُمع قبل ذلك (1)

(1) الأضواء القرآنية 35.

ص: 39

ولاشك أن الدراسات العديدة في تاريخ تدوين الحديث قد أثبتت أن التدوين تم في جيل الصحابة والتابعين من قبل أن يأمر عمر بن عبد العزيز بجمع الحديث (1) .

غمطه لجهود العلماء في تنقية السنة:

وقد فصل المؤلف في أسباب وضع الحديث معتمداً على أبي رية ودائرة المعارف ليتوصل بذلك إلى التشكيك بالحديث جملة (2) مغفلاً جهود العلماء من جهابذة المحدثين في تنقية السنة وتخليص الصحيح من الموضوع، بل إن المؤلف يسوق عبارة أبي رية على سبيل الإقرار لها في انتقاد علماء الحديث الذين اختصوا بتحقيق الأسانيد رامياً إياهم بالجهل واقتناء الكتب الغريبة ليوهموا الناس بأنهم يملكون القدرة على تحقيق السند وتقرير حالة الرجال (3) .

وهذه الكتب غريبة على أبي رية والمؤلف، ولكنها معروفة في أوساط العلماء المحققين، فكتب علم الرجال والجرح والتعديل لا يصح أن توصف بالغريبة، وهي مفخرة للأمة الإسلامية التي عرفت للعلم قدره وللعلماء مكانتهم، مما لا يوجد في تراث أي أمة أخرى.

إن ما أورده المؤلف نقلاً عن أبي رية من أسباب الوضع وشيوعه أمر معروف في أوساط الباحثين في الحديث وتاريخه ولكن المؤلف وأبا رية يستغلان ذلك للتشكيك كما ذكرت وإلا فماذا يعني وضع عنوان كهذا:

(1) راجع المجلد الأول من تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين.

(2)

الأضواء القرآنية 36

(3)

الأضواء القرآنية 42

ص: 40

"اعتراف صريح من البخاري بوضع الحديث"(1) إلا إيهام السذج والتدليس على الناس وإلا فهل أنكر أحد من العلماء وقوع الوضع ليحتج عليهم بذلك؟ بل إن كل ما استدل به على الوضع من الروايات الموضوعة مما نبه العلماء على وضعه وذكروه في كتب الموضوعات، بل وصرح باتهامه لأبي هريرة بوضع الحديث (ص292) .

وكذلك محاولة إسماعيل الكردي نحو تفصيل قواعد نقد متن الحديث تثبت أن من يقدم على تطوير المنهج دون تأهيل علمي كافٍ يقع في أخطاء فاحشة.

ومن أمثلة ذلك أيضاً محاولة سامر إسلامبولي: "تحرير العقل من النقل وقراءة نقدية لمجموعة من أحاديث البخاري ومسلم"(2) ، وهي أوهى بناءً، وأضعف منطقاً، وأقل علماً من محاولة إسماعيل الكردي، فهو ينتقد أحاديث الصحيحين دون أن يفهم منهج المحدثين في التصحيح والتضعيف، وكيفية الخروج من التعارض الظاهري بالجمع إذا أمكن وإلا فالترجيح، ثم القول بالنسخ عند توافر شروطه.

ويبدو أن اشتداد محاولات التطوير واستهداف البخاري في هذه الظروف يمثل عملاً منظماً تكمن خلفه قوىً معينة، فقد تتابعت المؤلفات في هذا الموضوع.

(1) الأضواء القرآنية 48 نقلاً عن أضواء على السنة لأبي رية 139.

(2)

تحرير العقل من النقل وقراءة نقدية لمجموعة من أحاديث البخاري ومسلم،

ص: 41

خلو منهجه من الصناعة الحديثية:

ومنهج المؤلف يخلو من الصناعة الحديثية، فإذا لم يعجبه الحديث أو لم يقنعه وصفه بأنه من دس اليهود دون دليل علمي، وهكذا عامل أحاديث صحيحي البخاري ومسلم (1) .

اقتصاره على الأدلة التي تخدم هدفه:

وقد تعرض المؤلف لكتابة الحديث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به يأتي بأدلة النهي عن تدوينه ويغفل2 أحاديث الإذن بالكتابة مما يدل على عدم اتباعه المنهج العلمي في استقصاء الأدلة والوصول إلى النتيجة التي تقررها. فهو يضع النتيجة ثم يختار الأدلة التي تؤيدها ويغفل سواها.

اضطرابه في الحكم على الرواة:

إن الجهل بالصناعة الحديثية جعل المؤلف يضطرب في أقواله فهو يقول: إن الإمام مسلم ترجح عنده كذب عكرمة مولى ابن عباس. ثم يقول: إن مسلماً خرج له حديثا تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه (3) . فكيف يقوي حديث ابن جبير برواية كذاب؟؟

جهله بالحقائق التاريخية:

ومما يستغرب له أنه وضع - لعدم رواية البخاري عن الأئمة الصادق والكاظم - عنواناً هو "تأثر البخاري بحكم الأمويين للشام"(4) ، مع أن

(1) الأضواء القرآنية 57.

(2)

الأضواء القرآنية 66-67.

(3)

الأضواء القرآنية 72.

(4)

الأضواء القرآنية 77

ص: 42

البخاري عاش في العصر العباسي الأول، وهو عصر يعادي بني أمية، ويقرب مبغضيهم.

إسقاطه لمنهج المحدثين في نقد الروايات وتحكيمه للعقل والذوق في نقدها:

إن الرأي الذي عرضه المؤلف في تمحيص الأحاديث بعرضها على القرآن الكريم واعتباره السند القاضي بقبول الحديث أو برفضه، وغض النظر عن سند الرجال حتى لا تصبح كتب الحديث المخالف نظيرة للقرآن تنافسه الحكم والقول (1) . وليس الخلاف في عرض الحديث على القرآن وعدم قبوله إذا كان مخالفاً لصريح القرآن بحيث لا يحتمل التأويل، فهذا أصل من أصول النقد عند المحدثين (2) ، لكن الخلاف في إطلاق المؤلف العبارة وعدم تقييدها بإمكان التأويل والتوفيق، وأهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا تخالف كتاب الله فما جاء في بعض الأحاديث من أحكام تخالفه فهي مردودة باتفاق (3) . والأنكى من ذلك دعوته إلى غض النظر عن سند الرجال، بمعنى رفض لمجهود المحدثين عبر القرون الطويلة في تمييز الحديث وبيان الصحيح من الضعيف، وهي دعوة خطيرة فيها تشكيك بالسنة القولية جملة، وتحكيم العقل الإنساني في قبولها أو رفضها تبعاً لتقديره الموافقة أو المخالفة للقرآن الكريم، وإنما يعمد المؤلف إلى ذلك ليصل إلى مراده وهو أن القرآن الكريم والسنة

(1) المصدر السابق82.

(2)

السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 271.

(3)

المصدر السابق163.

ص: 43

العملية المتواترة تكفي المسلمين ولا حاجة لهم بعد ذلك إلى الأحاديث أصلاً (1) ، وهو أمر دعا إليه أبو رية والدكتور توفيق صدقي (2) وقلدهما في ذلك المؤلف، وهي دعوة تهدم الإسلام؛ لأن السنة هي التي تفصل مجمل القرآن وتبينه وتخصص عامه وتقيد مطلقه بالإضافة إلى استقلالها في تشريع بعض الأحكام، وبدونها لا يمكن معرفة تفاصيل الأحكام وبيان مراد الشارع لأن القرآن تضمن أصول الدين وقواعد الأحكام العامة تاركاً للسنة البيان مع أمر الله تعالى باتباعها {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7] ، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكة يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وأحمد (3) .

تقليده أبا رية وعدم ابتكاره:

وهذا الكتاب يكاد يكون نسخة ثانية من كتاب "أضواء على السنة" لأبي رية حاول فيه المؤلف إحياء أفكار أبي رية وبعثها من جديد بعد أن خمد ذكرها بسبب الردود القوية عليها، يظهر هذا في كثرة الاقتباسات وطولها حتى لتبلغ الصفحات العديدة كما تظهر في المنهج الذي استخدمه المؤلف والذي لا يختلف عن منهج أبي رية، لكنه توسع في الجزء الثاني من كتابه في سرد الأحاديث التي ردها وحكم عليها بالوضع وكلها في صحيح البخاري.

(1) الأضواء القرآنية 11-12.

(2)

السباعي، السنة 153

(3)

السباعي: السنة 165.

ص: 44

ولم يستخدم في ردها الصناعة الحديثية لأنه لا يعترف بها، بل لجأ إلى المعايير العقلية وحكمها في الأحاديث ونظراً لنسبتها واختلافها من إنسان لآخر فإن كل ما رفضه لأسباب ذوقية أو عقلية يمكن أن يكون مقبولاً عند غيره.

تهافت نقده لأبي هريرة رضى الله عنه:

وأما كلامه في حق الصحابي الجليل أبي هريرة فلا يعدو ما سبقه إليه أبو رية، فقد أخذ عليه كثرة الأحاديث التي رواها مع تأخر إسلامه وقصر مدة صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك بلغت أحاديثه 5374 حديثاً، كما أخذ عليه رفعه أحاديث هي في اعتقاد المؤلف إسرائيليات أخذها أبو هريرة عن كعب الأحبار.

والمأخذ الأول متهافت لأن بعض المحدثين من الأجيال التي تلت الصحابة بلغت محفوظاته مئات الألوف من الأحاديث فهذا البخاري يحفظ ستمائة ألف حديث بأسانيدها، وهذا مسلم يحفظ ثلاثمائة ألف حديث بأسانيدها، فلا يستغرب حفظ أبي هريرة لـ5374 حديث دون أسانيد مع تفرغه للحفظ حوالي السنتين.

وأما المأخذ الثاني فإن المؤلف غالط في الحديث الذي أورده البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً في خلق الأرض والسموات حيث نقل عن البخاري وابن كثير أن أبا هريرة تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار. وقد نبه البخاري وابن كثير على ذلك لبيان الوهم الذي وقع فيه الرواة في رفع الحديث، وليس لاتهام أبي هريرة بالكذب (1) ، حيث خرج له البخاري في صحيحه كثيراً.

(1) المعلمي اليماني: الأنوار الكاشفة 188-192.

ص: 45

عدم تحققه من صحة الأحكام التي أطلقها الأئمة الفقهاء:

لم تتح للأئمة الأربعة فرصة الإفادة من الأعمال النقدية المتأخرة عنهم والتي أثمرت جمع الأحاديث الصحيحة على يد البخاري ومسلم فأصدروا أحكاما على بعض الأحاديث بحسب طاقتهم دون استقراء شامل للطرق، فاعتمد المؤلف على أقوالهم دون التحقق منها على ضوء ما حدث بعدهم من تقدم في الجمع للأحاديث ونقدها، فمن ذلك نقله لكلام الإمام الشافعي في حديث عائشة "كنت أغسل المني من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه" ونصه:"وهذا ليس بثابت عن عائشة، وهم يخافون فيه غلط عمرو بن ميمون.... إنما هو رأي سليمان بن يسار، كذا حفظه عنه الحفاظ أنه قال: "غسله أحب إليَّ" وقد روي عن عائشة خلاف هذا القول. ولم يسمع سليمان من عائشة حرفاً قط، ولو رواه عنها لكان مرسلاً (1) .

وقد روى ابن سعد دخول سليمان على عائشة (2) ، وذكر العلائي وابن حجر أنه روى عنها (3) ، وخرج البخاري (4) ومسلم روايته عنها.

وكذلك ما نقله الكردي من مخالفة أبي حنيفة لمائتين من أحاديث الصحيحين (5) ورده رواية أنس بن مالك: "أن يهودياً رضخ رأس جارية بحجرين فأتى بها أهلها رسول الله وهي في آخر رمق، وقد أصمتت فقال لها

(1) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث.

(2)

الطبقات 5/ 174.

3 العلائي: جامع التحصيل1/190، وابن حجر: تهذيب التهذيب 4/200.

(4)

البخاري: الصحيح 1/91ومسلم: الصحيح حديث رقم 108 وابن حبان: الصحيح 4/ 222 والنسائي: السنن (المجتبى) 1/156.وقد صرح عمرو بن ميمون بسماعه من عائشة عند مسلم.

(5)

نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ص 51.

ص: 46

رسول الله: (من قتلك؟ فلان؟) لغير الذي قتلها. فأشارت أن لا. فقال: (ففلان؟) فأشارت: أن نعم. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين" (1) .

فأما مخالفة أبي حنيفة لمائتين من الأحاديث فليس طعناً منه برواية هذه الأحاديث، فهناك أسباب كثيرة لعدم الأخذ بالحديث، ولو افترضنا أنه ضعف روايتها، فيكون ذلك اجتهادا ًمنه حسب الطاقة إذ لم يكن الصحيح قد أفرد بعد. والخبر ورد في "تأريخ بغداد"(2) ، وليس فيه ما يشير إلى أن هذه الأحاديث مما خرج في الصحيحين فيما بعد.

وأما رده حديث رضخ الجارية فعلَّة ردِّه ـ كما بينها محمد زاهد الكوثري ـ تكمن في عنعنة قتادة عن أنس، وهي توضح أن القاتل اعترف، وقد صرح قتادة بالسماع في إحدى روايات البخاري للخبر، فزال الإشكال (3) .

ونقل قول أبي حنيفة: " أقلد جميع الصحابة، ولا أستحسن خلافهم برأي إلا ثلاثة نفر: أنس بن مالك، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب. فقيل له في ذلك. فقال: "أما أنس فاختلط في آخر عمره، وكان يفتي من عقله وأنا لا أقلد عقله، وأما أبو هريرة، فكان يروي كل ما سمع، من غير أن يتأمل في المعنى، ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ" (4) فهو يخالف منهج أبي حنيفة

(1) أخرجه البخاري حديث رقم 5295 ومسلم حديث رقم 15.

(2)

الخطيب: تأريخ بغداد.

(3)

البخاري: الصحيح6/2524.

(4)

أبو شامة المقدسي: مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول 62-63 تحت عنوان (نصوص الإمام أبي حنيفة في اتباع السنة وتأسيس مذهبه) تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، نشر مكتبة الصحوة الإسلامية، الكويت.

ص: 47