الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معالم منهج المحدثين في النقد
أولاً: المقارنة
…
معالم منهج المحدثين في النقد أساليب النقد عند المحدثين
أولا: المقارنة:
يُعَدُّ جمع طرق الخبر أو الحديث والمقارنة بينها من أميز أساليب المحدثين في نقد الرواية، قال الإمام مسلم:"فبجمع هذه الروايات ومقابلة بعضها ببعض يتميز صحيحها من سقيمها، ويتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ"(1) .
وقال عبد الله بن المبارك: "إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض"(2)، وقال يحيى بن معين:"إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش"(3) .
وقد عمد المحدثون منذ وقت مبكر إلى طريقة المقارنة بين الروايات التي وردت عن حادث معين أو تنقل كلاماً نبوياً، وتتم المقارنة عادة بين سلاسل الأسانيد، ثم بين المتون للخبر الواحد. فمن أنواع المقارنات التي قاموا بها:"المقارنة بين روايات عدد من الصحابة، والمقارنة بين روايات المحدث الواحد في أزمنة مختلفة، والمقارنة بين مرويات عدد من التلاميذ لشيخ واحد، وبين رواية المحدث ورواية أقرانه، والمقارنة بين الكتاب والمذاكرة، وبين الكتاب والكتاب"(4) . فميزوا الكلام المدرج فنسبوه إلى قائله (5) . وبذلك تميزت ألفاظ
(1) مسلم: كتاب التمييز 162.
(2)
محمد مصطفى الأعظمي: مقدمة كتاب التمييز 33.
(3)
الخطيب: تاريخ بغداد 1/43.
(4)
محمد مصطفى الأعظمي: مقدمة كتاب التمييز 32 فما بعدها.
(5)
الصنعاني: توضيح الأفكار 2/54، والسيوطي: تدريب الراوي 1/269.
الرسول صلى الله عليه وسلم عن ألفاظ الشراح والمجتهدين التي تمثل فهمهم واستنباطهم من النص. والحق أن التدقيق في المقارنة بلغ غايته عند المحدثين، حيث ظهرت مؤلفات مستقلة تعني ببيان ما أقحم في النص الأصلي من عبارات ألحقها الرواة على سبيل الشرح والإيضاح، وأية قراءة في كتاب "الفصل لوصل المدرج في النقل" للخطيب البغدادي ستكشف عن مدى الدقة في اتباع هذا المنهج، فقد حصر روايات الخبر، وقارن بينها، وانتهى إلى تحديد الخبر الأصلي وما ألحق به فيما بعد.
وبفضل هذه المقارنات عرف وقوع التعارض بين حديثين أحياناً يتساويان في القوة، ويتناقضان في المعنى، ويتعذر الجمع بينهما، وتسمى هذه الصورة "بالاضطراب". وكذلك عرف وقوع التقديم والتأخير في ألفاظ الحديث مما يغير المعنى المراد وهو ما يسمى "بالمقلوب" وهو يدل على عدم ضبط الراوي.
وكذلك فإن النقاد حددوا ما وقع من تصحيف وتحريف، حتى إنهم حددوا أحياناً سبب وقوع التصحيف كالأخذ من كتاب بغير سماع (1) . ومن التصحيف ما يسهل تصحيحه، ومنه ما يتعذر إلا بالمقارنة بين الروايات.
كذلك فإن النقاد حددوا ما وقع من زيادات في ألفاظ بعض الروايات، فوضعوا ضوابط لقبول زيادة الثقة: كأن لا تخالف ما رواه الثقات، وكاشتراط تعدد المجلس وغير ذلك من الضوابط. لقد نجم عن هذه المقارنة ظهور فروع عديدة عرفت بعلوم الحديث، فكانت ثمرة مقارنة الأسانيد معرفة
(1) ابن الصلاح: المقدمة 411.