الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفعل هنا من السماع للمكاء والتصدية في النصف1 وعشر ذي الحجة ونحو ذلك مثل استلام بعض ما هناك من الأحجار فإنه لا يشرع أن يستلم أحد قط إلا الركنين اليمانيين للبيت العتيق ومثل اعتقادهم أن ذلك القدم المصنوع قدم النبي صلى الله عليه وسلم وظن أهل الجهل منهم أنه قدم الله وأشباه هذه الجهالات2.
175-
فالزيارة إذا سلمت عن هذه البدع وغيرها كانت شرعية والسفر إلى الثغور للرباط أفضل منها، والعدول3 عن الفاضل إلى المفضول مع استوائهما غير محمود.
2 راجع: "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/427) .
الوجه الثالث من الأدلة
176-
الوجه الثالث: أن من الناس من يقصد المجاورة ببيت المقدس ويدع المجاورة بالثغر الذي هو قريب منه!!
وهذا الباب من أفضل الأفضل وأجلها وهو فرض على الكفاية ومعلوم أن هذا أعظم خسرانا، وأشد حرمانا، وأبعد عن اتباع الشريعة؛ فإن المجاورة بالحرمين قد يتعسر عليه ذلك دون المرابطة لاختلاف المكانين.
177-
أما مع تفاوت المكانين فالعدول عن هذه إلى هذا؛ يعني لا
3 في الأصل: "والمعدول"!!
يصدر إلا من جهل أو من ضعف إيمان اللهم إذ نذر هذا فيكون هذا معذور. وأما الكلام فيمن يقدر على الأمرين.
178-
ولهذا [لما] 1 كان أهل البدع مهملين أمر الجهاد معظمين للزيارة، استولى الكفار على كثير من الثغور، حتى قتل ببيت المقدس وقتلوا فيه من المجاورين من شاء الله، وكان قد جرت فيه بدع كثيرة.
179-
ومن ذلك: من يقصد بعض هذه البقاع إما جبل لبنان وإما غيره لزيارته لظنه أن فيه الصالحين من الأبدال وغيرهم ويدع أن يقصد للرباط في سبيل الله، فإن هذا أيضا من الضلال العظيم، وأصل السفر إلى الزيارة غير مشروع ولا مأمور به بل هو من البدع والضلال.
180-
وكذلك السياحة لغير قصد معين ليس ذلك مشروعا لنا.
معنى السياحة في الإسلام
181-
قال الإمام أحمد: "ليست السياحة من أمر الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين"2.
182-
والسياحة المذكورة في القرآن ليست هذه السياحة؛ فإن الله
1 ما بين المعقوفتين زيادة ليستقيم بها السياق.
2 "مسائل الإمام أحمد " لابن هانئ (2/176) وراجع: "اقتضاء الصراط"(1/292) و"مجموع الفتاوى"(10/643) وراجع: "كشاف القناع"(1/506) .
قد قال: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} (التحريم:5) .
تفسير السياحة بالصيام والجهاد
183-
ومعلوم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين لا يشرع لهن السياحة. ولكن قد فسرت السياحة بالصيام، وفسرت بالجهاد وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
184-
أما الأول: فرواه عمرو بن دينار عن يحي بن جعدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا1.
185-
وأما الثاني: فقال أبو داود في "سننه"2: "باب النهي عن السياحة"؛ وروي فيه حديث العلاء بن الحارث عن
1 راجع: الأحاديث التي فسرت السياحة بالصيام عن أبي هريرة وعبيد بن عمير مرفوعا وكذا أقوال الصحابة والسلف كابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والحسن وغيرهم؛ وذلك في "تفسير الطبري"(11/28، 29)، عند تفسير قوله:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} (التوبة: من الآية112) .
2 أبو داود (2486) والحاكم (2/83) وصححه، والبيهقي (9/161) . وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2486) .
قال المصنف رحمه الله: "وأما السياحة التي هي الخروج في البرية من غير قصد معين فليست من عمل هذه الأمة ولهذا قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبين ولا الصالحين مع أن جماعة من إخواننا قد ساحوا السياحة المنهي عنها متأولين في ذلك أو غير عالمين بالنهي عنه من الرهبانية المبتدعة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا رهبانية في الإسلام". اهـ. "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/291) .
القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي بالسياحة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".
186-
وكذلك أيضا روي: "رهبانية هذه الأمة: الجهاد في سبيل الله"1.
لا رهبانية في الإسلام
187-
إذ لا رهبانية في الإسلام، وأما ما ذكره في كتابه أن النص3ارى ابتدعوا الرهبانية فقد2 نهانا الله ورسوله عن البدع.
188-
وثبت عنه في "صحيح مسلم"3 وغيره عن جابر، أنه كان يقول في خطبته:"إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
الأمر بالتباع والنهي عن الابتداع
189-
وثبت عنه في "السنن"4 الحديث الذي صححه الترمذي
1 أحمد (3/266) ، وأبي يعلى (4204) وابن عدي في "الكامل"(3/1056) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفي إسناده: زيد العمي زهو ابن الحواري: ضعيف. وصحح إرساله ابن أبي حاتم في "العلل"(1/317) وراجع: التعليق على "الجهاد" لابن أبي عاصم (33) .
2 في الأصل: "وقد" والتصويب لاستقامة السياق.
3 مسلم (867)(43) .
4 أحمد (4/126و127) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه=
عن العرباض بن سارية وقال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة فقال رجل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بالسمع والطاعة فإن من يعش منكم سيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة".
النهي عن الغلو في العبادات في السنة
190-
فكيف لما نهى الله عنه ورسوله من العبادات المبتدعة كما في"الصحيحين"1- واللفظ لمسلم- عن أنس بن مالك أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
= (24، 44) والدارمي (1/44) وصححه الحاكم (1/97) ووافقه الذهبي، وقال الترمذي:"حسن صحيح" ونقل ابن عبد البر عن أبي بكر أحمد بن عمرو البزار قوله: "حديث عرباض في الخلفاء الراشدين صحيح ثابت" ثم قال: وهو كما قال. وصححه المصنف في غير موضع كما في "مجموع الفتاوى"(20/309) وفي "اقتضاء الصراط"(2/579) .
1 البخاري (5063) ومسلم (1401)(5) .
191-
ولفظ البخاري1: جاء ثلاثة رهط بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها! فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا
وقال الآخر: أنا أصوم الدهر أبدا
وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج. فجاء رسول الله [فقال] : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
192-
وفي "صحيح البخاري" عن سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
193-
وفي"صحيح البخاري"2 وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما هذا؟ فقالوا هذا
1 البخاري (5063) ، وما بين المعقوفتين زيادة منه ليستقيم السياق.
2 البخاري (5063) ومسلم (1402)(6) .
أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يجلس، ولا يستظل وأن يصوم فقال:" مروه فليجلس، وليستظل وليتكلم وليتم صومه".
حكم نذر المعصية.
194-
فلما كان هذا الناذر نذر ما هو سنة وما هو بدعة أمره بالوفاء بالسنة دون البدعة كما في"صحيح البخاري"1 عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه".
195-
وهذا متفق عليه بين أئمة الدين، لكن تنازعوا هل كفارة يمين أو نذر ما ليس مشروعا، بعد اتفاقهم على أنه لا يفعله؟ فقيل: لا شيء عليه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما لأنه ليس في هذا الحديث وغيره أنه أمر له بالتكفير. وقيل: بل عليه كفارة يمين، وهو ظاهر مذهب أحمد2.
196-
لما ثبت في"صحيح مسلم"3، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كفارة النذر كفارة اليمين".
1 البخاري (6696) .
2 راجع: "المبدع"(9/328-330) و"الإنصاف"(11/122-136) .
3 مسلم (1645)(13) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
197-
وفي السنن1 عنه أنه قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين".
النهي عن صيام الدهر
168-
وقد ثبت في الصحيح2 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصيام صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه".
199-
وقد استفاض عنه في الصحيح أنه نهى عن مداومة الصيام والقيام وقراءة القرآن في كل ثلاث3.
201-
كما جاء في الحديث: "أحب الدين إلى [الله] الحنيفية السمحة"4.
1 أبو داود (1525) والترمذي (1525) والنسائي (7/26، 27) وابن ماجه (2125) .
2 البخاري (1131) ومسلم (1159)(181) .
3 راجع: البخاري (5052) ومسلم (1159)(189) .
4 علقه البخاري (1/93) وقال الحافظ رحمه الله: "وهذا الحديث معلق لم يسند المؤلف في هذا الكتاب؛ لأنه ليس على شرطه. نعم وصله في كتاب الأدب المفرد [287] "، وكذا وصله أحمد بن حنبل [5/266] وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده حسن، استعمله المؤلف في الترجمة لكونه متقاصرا عن شرطه وقواه بما دل على معناه؛ لتناسب السهولة واليسر". وما بين المعقوفتين زيادة من التخريج.
لن يشاد الدين أحدا إلا غلبه
202-
وفي الصحيح1 عنه أنه قال: "إن هذا الدين متين وإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا".
203-
وفي" الصحيحين"2 عنه أنه قال: " أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا".
204-
وفي السنن3 عنه أنه قال: " لكل عامل شرة وفترة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن أخفاها فقد ضل".
1 البخاري (39) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة".
وبلفظ: (6463) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا".
"القصد القصد تبلغوا": أي الزموا الطريق الوسط المعتدل "فتح الباري"(11/298) .
2 البخاري (6465) ومسلم (782)(215) من حديث عائشة رضي الله عنها، واللفظ المذكور لأبي داود (1368) .
"اكلفوا" بفتح اللام وبضمها، قال ابن التين هم في اللغة بالفتح، ورويناه بالضم، والمراد به: الإبلاغ بالشيء إلى غايته، يقال: كلفت بالشيء إذا أولعت به "فتح الباري"(11/298، 299) .
3 الترمذي (2453) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إن لكل شيء شره ولكل شرة فترة فإن كان صاحبها سدد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه" وقال: "حديث حسن صحيح غريب" وأحمد (2/188) وابن حبان (11) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1236) من حديث عبد الله بن عمرو "إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".
205-
وفي لفظ: " ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه".
206-
فقيل: للحسن البصري لما روى هذا الحديث: إنك إذا مررت بالسوق فإن الناس يشيرون إليك؟ فقال:" لم يرد ذلك وإنما أراد المبتدع في دينه والفاجر في دنياه".
الفترة نوعان.
207-
وهو كما قال الحسن رضي الله عنه، فإن من الناس من يكون له شدة ونشاط وحدة واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.
208-
وهم في الفترة نوعان:
209-
منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه بل يلزم عبادة الله إلى الممات، كما قال تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:99) .يعني الموت 1.
210-
قال الحسن البصري:" لم يجعل الله لعباده المؤمنين أجلا دون الموت"2.
1 وهذا التفسير ورد من قول سالم بن عبد الله بن عمر: أخرجه وكيع في الزهد (42) ومن طريقه ابن أبي شيبة (7/196) وابن جرير (14/51) وإسناده صحيح.
وفي الباب: عن مجاهد والحسن وقتادة. راجع:"تفسير الطبري (14/151) .
2 رواه ابن المبارك في الزهد (1/7) قال أخبرنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن.
211-
ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه أو فجور في دنياه حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدا في الدين ثم صار كذا وكذا.
212-
فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية.
213-
ولهذا قال أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود:" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة"1.
214-
ومع هذا فجنس الجهاد أفضل، بل قد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته.
فقال: لو اعتزلت الناس، فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم
1 أما أثر ابن مسعود: فرواه الدارمي (323) والحاكم (1/103) واللاكائي في "السنة"(13، 14) .
وأما أثر أبي: رواه اللاكائي في السنة (10) وأبو نعيم في الحلية (1/252، 253) وأورد المصنف في: "الإستقامة "(1/259) و"الرد على البكري"(1/173) .
ويدخلكم الجنة، اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة".
قال الترمذي:"حديث حسن صحيح"1.
و"فواق الناقة":ما بين الحلبتين.
شروط العمل.
215-
وجماع الأمر: ما قاله الفضيل بن عياض في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك: 2) . قال:" أخلصه وأصوبه".
قالوا: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟
قال:" إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل. وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة"2.
1 رواه أحمد (2/446، 524) والترمذي (1650) والحاكم (2/78) وقال: "صحيح على شرط مسلم" والبيهقي (9/160) .
وقد حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" برقم (1301) .
تنبيه: وقع في نسخ الترمذي المطبوعة: "هذا حديث حسن".
2 رواه أبو نعيم في الحلية (8/95) ونظرا لأهميته فقد أورده المصنف في كثير من كتبه ومنها "اقتضاء الصراط "(2/843) و"الصفدية"(2/249، 263) و"الإستقامة"(1/248) و"الرد على البكري"(1/175) و"مجوع الفتاوى"(1/333، 3/124، 7/495، 509، 585، 18/250) .
216-
وهذا كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (الكهف: من الآية110) .
217-
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:" اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا"1.
تعريف العمل الصالح
218-
والعمل الصالح: هو المشروع.
وهو: طاعة الله ورسوله.
وهو: فعل الحسنات التي يكون الرجل به محسنا2.
219-
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء:125) .
220-
وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:112) .
1 أورده المصنف أيضا في: "اقتضاء الصراط"(2/843) و"الصفدية"(2/262) و"الاستقامة"(2/308) و"منهاج السنة"(5/253) .
2 وقال تلميذه النجيب العلامة ابن القيم رحمه الله في تعريفه للعمل الصالح أيضا: "هو العمل الخالي من الرياء المقيد بالسنة""الجواب الكافي" ص (91) .
لا بد في سائر الأعمال الشرعية من السنة
221-
ولابد في الرباط والهجرة والجهاد وسائر الأعمال الشرعية من السنة التي هي روح العمل.
222-
كما في"الصحيحين"1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
223-
وفي"الصحيحين2 عنه أنه قيل له: يا رسول الله يقاتل الرجل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
224-
225-
فالله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه لنا من الأحوال والأعمال الباطنة والظاهرة ويجنبنا ما يكرهه لنا من ذلك كله.
1 البخاري (6953) ومسلم (1907)(155) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
2 البخاري (7458) ومسلم (1904)(149) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
226-
وأعظم من ذلك: أ، يتشاغل المسلمون بقتال بعضهم بعضا كما يجري بين أهل الأهواء، من القبائل وغيرها كقيس ويمن وحرم وتعلب ولحم وجذام وغيرها، مع مجاورتهم للثغور، فيدعون الرباط والجهاد الذي هو سعادة الدنيا والآخرة- كما قال تعالى:{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: من الآية52) . يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة- ويشتغلون بقتال الفتن والأهواء الذي هو خسارة الدنيا والآخرة.
227-
وفي"الصحيحين"1 عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [قال] : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار".
فقيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟
قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه".
228-
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِك َ
1 البخاري (31) ومسلم (2888)(14) وما بين المعقوفتين زيادة يستقيم بها السياق.
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران:102-107) .
230-
وهذه الفتيا لا تحتمل البسط في هذه الورقة، وإنما نبهنا على النكت الجامعة.
الحمد لله وحده
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
وحسبنا الله ونعم الوكيل.