المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة من قال بكراهة المجاورة - مسألة فى المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى

[ابن تيمية]

الفصل: ‌أدلة من قال بكراهة المجاورة

تعريف الثغور وحكم المرابطة بها

9-

فالثغور هي: البلاد المتاخمة1 للعدو من المشركين وأهل الكتاب التي يخيف العدو أهلها ويخيف2 أهلها العدو والمرابطة بها أفضل من المجاورة بالحرمين باتفاق المسلمين.

10-

كيف والمرابطة بها فرض على المسلمين إما على الأعيان3 وإما على الكفاية.

حكم المجاورة

11-

وأما المجاورة فليست واجبة باتفاق المسلمين، بل العلماء متنازعون هل هي مستحبة أم مكروهة؟

12-

فستحبها طائفتان4 من العلماء من أصحاب مالك والشافعي5، وكرهها آخرون كأبي حنيفة وغيره6.

أدلة من قال بالكراهة

1 في الأصل: "المباحثة" وكتب فوقها كذا، وما أثبته هو الموافق للسياق.

2 في الأصل: "ويحيقوا " وكتب بالهامش ولعله "يخيف" وهو ما أثبته لموافقته السياق وراجع: "مجموع الفتاوى"(28/418) .

3 تكررت جملة "إما على الأعيان" في الفقرة التي قبله بعد كلمة بالحرمين!!

4 في الأصل: "طائفتين" وما أثبته من الهامش لموافقته للسياق.

5 راجع: "شرح مختصر الخليل"(3/170) و"المنتقى شرح الموطأ"(3/162، 163) و"مغني المحتاج"(2/240) و"المجموع شرح المهذب"(8/262، 263) .

6 راجع "المبسوط"(3/115) و"شرح السير الكبير"(1/13) و"البحر الرائق"(2/323) و"رد المختار"(2/524) و"الفتاوى الهندية"(5/325) .

ص: 21

‌أدلة من قال بكراهة المجاورة

13-

قالوا: لأن المقام بها يفضي إلى الملك لها.

وأنه لا يأمن من مواقعة المحظور؛ فيتضاعف عليه العذاب. ولأنه يضيق على أهل البلد.

ص: 21

14-

قالوا: وكان عمر يقول عقب المواسم: "يا أهل الشام شامكم يا أهل اليمن يمنكم، يا أهل العراق [عراقكم] 1".

15-

ولأن المقيم بها يفوته الحج التام والعمرة التامة؛ فإن العلماء متفقون على أنه إن أنشأ سفر العمرة من دويرة أهله كان هذا أفضل أنواع الحج والعمرة.

16-

وهم متفقون على أنه أفضل من التمتع والقران والإفراد الذي يعتمر عقب الحج.

تصحيح خطأ في الاعتمار

17-

وأما ما يضنه بعض الناس من أن الخروج بأهل مكة في رمضان أو في غيره إلى الجبل للاعتمار؛ وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" 2 حتى صار المجاورون وغيرهم يحافظون على الاعتمار من أدنى الحل أو أقصاه كاعتمارهم من التنعيم التي بها المساجد التي يقال لها "مساجد عائشة"، أو من "الحديبية" وعمرة "الجعرانة"؛ فكل ذلك غلط عظيم مخالف للسنة النبوية، ولإجماع الصحابة.

18-

فإنه لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أمثالهم من مكة قط لا قبل الهجرة ولا بعدها.

1 ما بين المعقوفتين زيادة ليستقيم بها السياق.

2 البخاري (1863) ومسلم (1256)(221) عن ابن عباس رضي الله عنهما

ص: 22

لم يعتمر أحد من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلا عائشة فقط

19-

بل لم يعتمر أحد من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلا عائشة فقط، فإنها قدمت متمتعة؛ فحاضت، فمنعها الحيض من الطواف قبل الوقوف بعرفة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها بعد الحج1، ثم بعد ذلك بنيت هذه المساجد التي هناك، وقيل لها:"مساجد عائشة".

20-

وأما "عمرة الحديبية": فإن النبي صلى الله عليه وسلم هل هو وأصحابه من "ذي الحليفة" ثم حلوا بـ"الحديبية" لما صدهم المشركون عن البيت فكانت "الحديبية" حلهم لا ميقات إحرامهم.

وهذا متواتر يعلمه عامة العلماء وخاصتهم، وفي ذلك أنزل الله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} 2 الآيات باتفاق العلماء3.

1 البخاري (1561) ومسلم (1211)(128) عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فخل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن، فأحللن، قالت عائشة: فحضت، فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة قالت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة؟ قال: وما طفت ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا قال: فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا، قالت صفية: ما أراني إلا حابستهم. قال: "عقرى حلقى أو ما طفت يوم النحر؟ " قالت: قلت: بلى قال: "لا بأس انفري" قالت عائشة: فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها.

2 في الأصل سقطت من الآية كلمة {وأتموا} وراجع: تفسير الطبري (2/219) .

3 راجع أيضا: "مجموع الفتاوى"(7/250) و"اقتضاء الصراط"(1/425) و"زاد المعاد"(2/90) .

ص: 23

21-

وأما "عمرة الجعرانة": فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قاتل هوازن بوادي حنين الذي قال الله فيها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة:25-27) .

22-

وحاصر "الطائف" ونصبت عليها بالمنجنيق، ولم يفتحها وقسم غنائم حنين بـ "الجعرانة" فلما قسمها دخل إلى مكة ثم خرج منها؛ لم يكن بمكة فخرج منها إلى الحل ليعتمر كما يفعل ذلك من يفعله من أهل "مكة".

23-

بل الصحابة رضي الله عنهم وأئمة التابعين لم يستحبوا لمن كان بمكة ذلك، بل رأوا أن طوافه بالبيت أفضل من خروجه لأجل العمرة، بل كرهوا له ذلك كما قد بسطنا هذه المسألة في غير هذا الموضع1.

1 راجع: "شرح العمدة"(2/334، 535، 24/ 148، 149) و"مجموع الفتاوى"(17/427) .

ص: 24