المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: كتب المغازي والسير المتخصصة - مصادر تلقي السيرة النبوية

[محمد أنور البكري]

الفصل: ‌المبحث السادس: كتب المغازي والسير المتخصصة

‌المبحث السادس: كتب المغازي والسير المتخصصة

وهي الكتب التي تعنى بصفة أساسية بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحروبه، ولا تخلو من التمهيد لذلك بالحديث عن أشياء أخرى (1) .

لقد كانت المغازي النبوية محط عناية المسلمين منذ الصدر الأول، وظهرت هذه العناية واضحة عند أبناء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهم يسألون آباءهم عن مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرياتهم عنها، لأن هؤلاء الأبناء كانوا يعتزون بسابقة آبائهم أو بمواقفهم المشرفة إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم (2) .

نشأت هذه المرويات أول ما نشأت أحاديث في مجالس الخاصة، وكانت تدار حول مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسأل بعض الولاة، أو الأعيان في الأمصار الكبرى، عالماً ممن اشتهر بالحفظ والرواية: كيف كانت غزوة بدر؟ ومن هم الذين استشهدوا في هذه الغزوة؟ أو ما عددهم؟ فيحدثُ القوم بما يعلم من ذلك، مسنداً الحديث إلى من أفاده إياه من الصحابة (3) .

وفي الحقيقة كانت تلك الأحاديث أحياناً تفسيراً لبعض الآيات من تاريخ تلك الوقائع والغزوات النبوية، مثل بدر، وأحد، والخندق، وحنين، وكان بعض الرواة يزيد ما عنده على ما عند الآخرين وذلك بحسب المصادر التي أمدته (4) .

(1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:46.

(2)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:46.

(3)

المغازي الأولى ومؤلفوها: ص: هـ.

(4)

المغازي الأولى ومؤلفوها: ص: و.

ص: 42

لقد شغلت هذه المرويات حيزاً غير قليل من الأحاديث، والذين ألفوا في الأحاديث لم تَخْلُ كتبهم غالباً من ذكر ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه. وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال المغازي والسيرة عن الحديث في التأليف، وأصبحت علماً مستقلاً (1) .

وتأتي هذه الكتب من حيث الدقة بعد القرآن الكريم، وكتب الحديث الشريف. ومما يعطيها قيمة علمية كبيرة، أن أوائلها كتب في وقت مبكر جداً، على يد جيل كبار التابعين، حيث كان جيل الصحابة موجودين، ولم ينكروا عليهم كتابة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني إقراراً لما كتب (2) .

فالصحابة رضي الله عنهم على علم دقيق وواسع بهذه المرويات، لأنهم عاشوا أحداثها، وشاركوا فيها، وقد اشتهر عدد منهم بروايتها، وأولوها اهتماماً كبيراً، جاء في مقدمتهم، عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر (3) ، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وسهل بن أبي حثمة، وسعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي (4) .

إن المتتبع لهذه الكتب المتخصصة يرى أنها جاءت في الدرجة الثانية بالنسبة لكتابة السنة النبوية، فقد كانت الكتابة في الحديث أسبق من كتابة السيرة والمغازي النبوية عموماً، فالأولى بدأت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 1/27.

(2)

السيرة النبوية الصحيحة:: 1/53.

(3)

السيرة النبوية الصحيحة:: 1/53.

(4)

لقد توصلت في دراستي لدرجة الدكتوراه، أن الصحابة رضي الله عنهم قد رووا عدداً كثيراً يصعب حصره من مرويات السيرة والمغازي، وأمكنني من خلال الدراسة تقسيمهم إلى (مكثرين، ومتوسطين، ومقلين) وذلك من خلال تتبع مروياتهم في ستة كتب من كتب الحديث، ولم يكن وقتها قد شاع استخدام الحاسوب، ولم تظهر وقتها هذه الموسوعات الحديثية الضخمة.

ص: 43

أما كتابة المغازي والسير (حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومغازيه) فقد جاءت متأخرة، وإن كان الصحابة رضي الله عنهم في المرحلة الأولى ينقلون سيرته، ومغازيه مشافهةً، إلا أنها لم تدون في تلك الفترة (1) .

صحيح أن بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - أَوْلَوا هذا النوع من الرواية وهو مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، وحياته عموماً، وبخاصة أولئك الذين شهدوا المشاهد معه، وكانوا يروونها لبقية الأصحاب، ولأولادهم ومواليهم، بل إنها كانت تُرْوى أكثر من مرة، دون أن يهتم واحد منهم بجمعها وتدوينها (2) .

إن الاطلاع على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفترة جهاده أمر تتوق إليه نفس المؤمن، وترغب في معرفته، فقد كان من عادة الصحابة والتابعين أن يحدثوا أبناءهم عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن غزواته وما لقيه في سبيل نشر الدعوة من عنت وإرهاق في مكة، ثم ما لقيه من مقاومة في المدينة المنورة (3) .

ويعود هذا الاهتمام والاعتزاز بمغازي الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أسباب دينية في المقام الأول، وهو تعرُّف المسلمين إلى أقواله وأفعاله، وتقريراته، وبيان مواقفه من القضايا التي واجهته في تلك الغزوات والحروب، ومراحل الدعوة المختلفة (4) .كما أن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته كانت لها أهمية كبرى إبان حياته، وأهمية أكبر بعد موته، وقد أوجبت هذه الأهمية العناية الشاملة بتدوين تفاصيل حياته بجمع الأحاديث والأخبار عنها (5) .

(1) فقه السيرة للبوطي: ص:20.

(2)

فقه السيرة للبوطي: ص:21.

(3)

أضواء على كتب السيرة النبوية: ص:21.

(4)

أضواء على كتب السيرة النبوية: ص:22.

(5)

انظر مقدمة محتوى كتاب مغازي الواقدي: مارسون جونس: 1/19.

ص: 44

لقد حفظ الله تعالى هذه الأخبار عن نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع والتحريف، والمبالغة، والتهويل، بأن هَيَّأ لها جهابذة المحدثين ليعتنوا بها، ويدونوا أصولها الأولى، قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين، والقصاصين، وهذه ميزة لمصادر المغازي والسيرة النبوية وكتبها المتخصصة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار (1) .

والحقيقة أن هذه المصنفات الأولى لهؤلاء الأعلام، معظمها مفقود كمدونات، لكن الجيل الثاني حفظها عنهم، واعتمد عليهم، ونقل كثيراً عنهم بطريق الأسانيد، طبقة بعد طبقة، وجيلاً بعد جيل، وكانت هذه هي الأساس للمصنفات التي جاءت بعدها (2) .

كانت هذه البدايات في المدينة المنورة ضمن دراسة الحديث مع إعطاء جانب المغازي عناية خاصة، ثم تطور هذا الأمر إلى الأخذ بعين الاعتبار، حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو يتجاوز الاقتصار على نواحي التشريع (3) .

وسميت هذه الدراسات الأولى لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم باسم المغازي، وتعني لغوياً غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وحروبه ولكنها كما أشرت تناولَتْ في الحقيقة فترة الرسالة كلها (4) .

ثم تَقَدَّمت كتابة السيرة خطوة كبيرة، إذ دون بعض التابعين وتابعوهم من الحفاظ معظَم ما ورثوه عن أسلافهم الصحابة رضي الله عنهم ممَّن لهم عناية بهذه الأخبار (5) .

(1) السيرة النبوية الصحيحة: 1/65.

(2)

بتصرف، انظر السيرة النبوية الصحيحة: 1/66.

(3)

نشأة علم التاريخ عند العرب: ص:20.

(4)

نشأة علم التاريخ عند العرب: ص:20، مغازي الواقدي: 1/19.

(5)

المغازي الأولى ومؤلفوها: ص: و.

ص: 45

وخلاصة القول: مر الاهتمام بهذا العلم وكتبه المتخصصة بمراحل ثلاث هي:

المرحلة الأولى: المرحلة الشفوية:

وهي المرحلة التي كان المسلمون في القرن الأول يتناقلونها أثناء الحديث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتحدثون عنها على المنابر، وفي البيوت والاجتماعات العامة والخاصة، وذلك قبل الشروع في الكتابة (1) .

المرحلة الثانية: مرحلة التدوين الجزئي:

قام بها بعض التابعين فدوَّنوا بعض الجوانب من السيرة والمغازي وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يمكن أن نطلق عليها مرحلة التدوين الجزئي، لأن كل طرف اهتم بالواقعة أو الحادثة التي شارك فيها والده أو قريبه، فهذا اهتم ببيعة العقبة، والآخر اهتم بأحداث الهجرة، والآخر اهتم بغزوة بدر، وأحد، ورابع اهتم بالأحزاب والصلح، وهكذا تألف من مجموعة هذه الأخبار والروايات ما يعرف بكتب السيرة الأصلية في القرن الأول، وبداية الثاني (2) .

المرحلة الثالثة: مرحلة التأليف والتصنيف:

وهي مرحلة التأليف والتصنيف عند تابعي التابعين، ممَّن تخصَّص في هذا الفن، وهذه الصناعة، وبرع فيها وألف مصنفات كبيرة (3) تعتز المكتبة الإسلامية وتفتخر بها، لأنها تعد في عداد الموسوعات الإنسانية العظيمة، حيث

(1) أضواء على كتب السيرة النبوية: ص:22.

(2)

أضواء على كتب السيرة النبوية: ص:22.

(3)

أضواء على كتب السيرة النبوية: ص:23.

ص: 46

استوعبت تفاصيل دقيقة عن حياة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وسيد البشر في جميع أطوار حياته، وليست لإنسان منذ آدم عليه السلام وحتى آخر نبي قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيرة كاملة شاملة عامة غطت كل كبيرة وصغيرة عن حياته وخلجات نفسه في الظاهر والباطن، كما هي سيرة هذا النبي العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وهذا بعون الله تعالى ما سيوضحه البحث في الفصل الثالث الذي سيكون عن أشهر من صنف في السيرة النبوية في القرون الثلاثة الأولى في أطوارها المختلفة مع ذكر خصائص كل مرحلة على حدة.

ص: 47