المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: القرآن الكريم - مصادر تلقي السيرة النبوية

[محمد أنور البكري]

الفصل: ‌المبحث الأول: القرآن الكريم

‌الفصل الثاني: أهم مصادر السيرة النبوية

‌المبحث الأول: القرآن الكريم

الفصل الثاني: أهم مصادر السيرة النبوية خلال القرون الثلاثة الأولى

المبحث الأول: القرآن الكريم

لابد لأي باحث يريد أن يصنف في السيرة النبوية أو يكتب فيها أن يجعل من القرآن الكريم مصدراً أساسياً له.

لقد ضم القرآن الكريم جزءاً كبيراً من أخبارها الصحيحة التي لا يتطرق إليها الشك أو الظن، وبهذا فقد وفر القرآن الكريم قدراً عظيماً من الأخبار الصحيحة للسيرة وصاحبها عليه الصلاة والسلام.

لهذا فإن القرآن الكريم يعدُّ في مقدمة مصادر السيرة في حالة

أي مشروع موسوعي يتعلق بتدوينها، وروايتها، وحفظها، لأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه لفظاً بطريقة الوحي (1) ولا يأتيه الباطل، وقد وعد الله تعالى بحفظه فقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

فالناظر المدقق في القرآن الكريم يرى إشاراته إلى سيرته صلى الله عليه وسلم، إما بتصريح العبارة، أو بطريق الإشارة، أو بطريق التضمين، أو الموازنة (2) ، فهو في ذلك أصل الأصول، ومصدر النور، ليس وراء حجته حجة، ولا مع دليله دليل، ونصه هو القاطع للخصومة، وقوله هو الفصل (3) .

ولأن الصورة الواضحة الصادقة لشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، هي أصدق ما وصلنا عنه من أخبار، وهي أصح وصفاً لحقيقة سيرته،

(1) السيرة النبوية الصحيحة: 1/47-48.

(2)

دلالة القرآن المبين: ص:5.

(3)

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1/8.

ص: 21

وشمائله، ودلائل نبوته، وأخلاقه، وخصائصه، وهي أوثق تقرير لما كان عليه صلى الله عليه وسلم في جميع حالاته (1) .

ففي ثنايا القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تعرضت لحياته صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وأثناءها، وبعدها....

فحديث القرآن عن يُتْمِه ورد في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:6-7] .

وحديثه عن بدء نزول الوحي عليه، كما في قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] .

وحديثه عن حاله صلى الله عليه وسلم عند تلقيه الوحي، كما في قوله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:16-17] .

وحديث القرآن عن عداوة الأعداء وخصومة الكافرين له، واتهامه بشتى أنواع المعايب في قوله تعالى (2) :{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات:35-36] .

كذلك حديث القرآن عن بشريته واضحاً في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [فصلت: 6] . وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلَاّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً} [الإسراء:94] .

(1) شخصية الرسول ودعوته في القرآن والسنة: ص:7.

(2)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:23.

ص: 22

كما تحدث القرآن عن أمته الأمية في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة:2](1) .

وتحدث القرآن الكريم عن أمِّيَّته، في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] .

أما حديث القرآن عن غزواته فقد ورد في القرآن الكريم ما يقارب (280) آية، وهي تساوي نسبة 4،65% من كتاب الله تعالى (2) جاء بعضها صريحاً كالغزوات الكبرى، بدر، وأحد، والخندق، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة العظيم (3) ، كما شمل هذا التصريح بعض قضايا الجهاد، ومواجهة الخصوم والأعداء.

لقد خصص القرآن الكريم قدراً وافياً للحديث عن أساليب دعوته للناس كما في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] .

وقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:94-95] .

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم:9] .

(1) شخصية الرسول ودعوته: ص:20-21.

(2)

علم المغازي بين الرواية والتدوين: 1/40.

(3)

سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: 2/269.

ص: 23

وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف:35] .

ولم يقف القرآن عند ذلك، بل تعدى إلى أمر في غاية الأهمية، وهو تأييد المولى تعالى لنبيه ورعايته له في دعوته وجهاده، كما في قوله تعالى في الآيات الآتية:{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] .

وقوله تعالى: {إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة:40] .

كما أوضح القرآن الكريم على أن دينه ناسخ للأديان كلها كما في قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] .

وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران:19] .

أمَّا إذا نظرنا إلى المساحة والحيز الذي أفرده القرآن الكريم لعلاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، فإننا سوف نقف على قدر كبير من الآيات القرآنية تتجاوز المئات بل قد تفوق الألف آية عن هذه الجماعات، ويكفي أن نذكر بعضاً منها على سبيل المثال، لا الحصر:

فعن علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس:15] .

ص: 24

وقوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43] .

وقوله عن أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] .

وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ} [المائدة:19] .

وقوله تعالى عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَاّ قَلِيلاً} [النساء:142] .

لقد تحدَّث القرآن الكريم عن حياته وسيرته، وفضائله وأخلاقه، ورحمته، وصلاته، وتهجده، ودعائه وذكره وتسبيحه، وقبلَتِهِ، وما أوحى إليه، وعلاقته بأصحابه من المهاجرين والأنصار، كما تحدث القرآن الكريم عن هجرته، وقضائه، وعن حياته العائلية حتى عن بعض الجوانب الخاصة في حياته صلى الله عليه وسلم (1) .

بل إن القرآن الكريم انفرد بشيء مهم دون المصادر كلها ألا وهو الحديث عن حالته النفسية والشعورية (2) ، كما صَوَّرَ حسرته الباطنية، وحرقته

(1) تحدث صاحب كتاب "شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته في القرآن الكريم" عن هذه الجوانب في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو مفصل وضمَّن كتابه موضوعات عديدة عن بشريته إلى أميته، أخلاقه، وعبادته، وأساليب دعوته، وتبليغه للرسالة إلى علاقته بالمشركين والمنافقين، وقد تم اقتباس بعض هذه الموضوعات من هذا الكتاب دون تحديد الصفحات.

(2)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:27.

ص: 25

على مَن لم يؤمن مِن قومه، وهم يتساقطون في طريق جهنم واحداً بعد الآخر (1) .

ولعل الصورة تكون أوضح إذا عرفنا أن القرآن الكريم أشار إلى مجمل السيرة النبوية من غير تفصيل، عندما تحدث حتى عن العرب قبل بعثته في كثير من مناحي حياتهم الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية والتركيبية، والعقائدية.

كما حدثنا عن الحضارات الغائرة، والأقوام الغابرة في الجزيرة العربية، مما يعطينا فكرة صحيحة عن المجتمع الإنساني قبيل ظهور الإسلام (2) .

إن كل هذه الصور، والمواقف، والإرشادات، عن سيرته، وعن شمائله، وأخباره لتدل دلالة واضحة في الجملة والتفصيل على أن القرآن هو المعجزة الخالدة التي وَضَّحت وأظهرت نبوته صلى الله عليه وسلم (3) ، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد العالمين.

(1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:28.

(2)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:30-31.

(3)

الصحيح المسند من دلائل النبوة: ص:39-44.

ص: 26