الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: كتب الشمائل المحمدية
وهي الكتب التي قصد أصحابها العناية بذكر أخلاقه، وعاداته وفضائله، وسلوكه القويم في الليل والنهار (1) ،كما تناولت آداب النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخَلْقية والخُلُقية (2) .
والشمائل فن يشتمل على صفاته السَّنيِة، ونعوته البهيَّة، وأخلاقه الزكية، التي هي وسيلةٌ إلى امتلاء القلب بتعظيمه ومحبته صلى الله عليه وسلم، وذلك سبب لاتباع هديه وسنته، ووسيلةٌ إلى تعظيم شرعه وملته، وتعظيم الشريعة واحترامها وسيلة إلى العمل بها والوقوف عند حدودها، والعمل بها وسيلة إلى السعادة الأبدية، والفوز برضا رب العالمين (3) .
وإذا كان من تمام الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إلى الناس من نفوسهم التي بين جنوبهم (4) ، فقد ملأ حبه صلى الله عليه وسلم شغاف قلوب المؤمنين، مما جعلهم يسيرون على هداه مترسمين خطاه، يصفون شمائله وأحواله، ويسجلون خلجات ذاته، وملامح صفاته صلى الله عليه وسلم (5) .
لقد حفظ لنا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين صوراً كاملةً شاملةً تامةَ المبنى والمعنى، جامعةً لكل لمحةٍ وخلجةٍ، وحركةٍ، وإشارة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مولده الشريف إلى اختياره إلى الرفيق الأعلى (6) .
(1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:42.
(2)
السيرة النبوية الصحيحة: 1/52.
(3)
منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول: 1/31-32.
(4)
انظر أحاديث سيدنا عمر وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم السابقة في ص15.
(5)
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه: ص:5.
(6)
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه: ص:6.
وموضوع الشمائل اهتم به علماء المسلمين منذ القدم، وكان أحد أغراض كتب الحديث، التي تهتم بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم، في عبادته وخلقه، وهديه، ومعاملته (1) مع كل شيء حوله في الطعام، والشراب، واللباس، والأدوات، والدواب، والسلاح، والكبير، والصغير، وعلى عدّ صفاته وأحواله جانباً من جوانب سنته الشريفة (2) .
ثم أفرد المحدثون والعلماء موضوع الشمائل في كتب مستقلة، كان في مقدمتهم أبو البختري وهب بن وهب الأسدي (ت 200هـ) في مؤلفه "صفة النبي صلى الله عليه وسلم" ثم أبو الحسن علي بن محمد المدائني (ت224هـ) في كتابه "صفة النبي"، ثم كتاب الشمائل المحمدية للإمام الترمذي (ت 279هـ) ، ثم داود بن علي الأصبهاني (ت270هـ) في كتابه "الشمائل المحمدية"(3) ، ثم إسماعيل القاضي المالكي (ت282هـ) في كتابه "الأخلاق النبوية"، كذلك أبو الحسن أحمد بن فارس اللغوي (ت295هـ) في كتابه "أخلاق النبي"(4) . ثم جاء بعدهم في القرون التالية خلق كثيرٌ.
كما نجد أن كتب الصحاح (5) والسنن والمسانيد ضمت كثيراً من أبواب
(1) من مقدمة محقق شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير: ص:5.
(2)
من مقدمة محقق شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم: ص:5.
(3)
السيرة النبوية الصحيحة: 1/52.
(4)
مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:43.
(5)
يعد صحيح البخاري مثلاً غنياً وافراً مضبوطاً في الحديث عن أحداث السيرة النبوية فقد بدأه بالحديث عن الوحي، كما تحدث عن قصة بئر زمزم، وذكر شيئاً من أخبار النسب النبوي، والقربى، وبوب باب علامات النبوة، كما عرض الكثير من صفاته الخَلقية والخُلقية، وهذا باب الشمائل في الكتاب، وبوب للمعجزات والخوارق، وتحدث عن زواجه من أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم أفرد جزءاً كبيراً لغزواته، وآخر لجهاده، وكتبه للرؤساء والملوك في عصره، وفي مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم، بهذا عين السيرة وقلبها وروحها إن صح هذا التشبيه، على أن السيرة كيان مستقل لا يمكن لأي مسلم أن يستغني عنه في دينه ودنياه، انظر (مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:37-38) .
الشمائل، فقد جاءت منثورةً بين أبواب العبادات والمعاملات والأخلاق، والآداب والزهد، والرقاق (1) .
ولهذا فإن كتب الشمائل تعد من المصادر الأساسية في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولا يمكن مَنْ يؤلف في السيرة أو يؤرخ لبدايتها من الرواية أو التدوين إلا أن يقف على هذه الكتب، لينهل منها ما يتعلق بأوصافه صلى الله عليه وسلم، وصفاته، وتصرفاته في كل حياته ودقائقه أثناء الليل وأطراف النهار لنتعرف على خُلُقِهِ (2) وخَلْقِهِ (3) في الظاهر والباطن، في الخاص والعام، والتي تعد كلها من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
(1) من مقدمة شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير: ص:5.
(2)
الخُلق: بضم الخاء: المراد الصورة الباطنة كالحلم، والعلم والصبر وغيرها.
(3)
الخَلق: بفتح الخاء: الصورة الظاهرة للإنسان كالبياض والطول ولون البشرة وغيرها.