المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: أهمية علم السيرة النبوية في حياة المسلمين - مصادر تلقي السيرة النبوية

[محمد أنور البكري]

الفصل: ‌المبحث الأول: أهمية علم السيرة النبوية في حياة المسلمين

‌الفصل الأول: مدخل إلى عالم السيرة النبوية

‌المبحث الأول: أهمية علم السيرة النبوية في حياة المسلمين

الفصل الأول: المدخل إلى علم السيرة النبوية

المبحث الأول: أهمية علم السيرة النبوية في حياة المسلمين

إن لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة، سِجِلاً حافلاً بالمآثر، مليئاً بالمكرمات، مفعماً بالفضائل والدروس، إنها كثيرة المواعظ والعبر التي تنبض بالنور، وترشد إلى الخير، وتوقظ الهمم، وتشحذ العزائم، وتزيد الإيمان، وترسم الطريق إلى مرضاة الله عز وجل، وتضع المعالم أمام الدعاة والمصلحين.

إنها تجسد القيم العليا والمبادئ الرفيعة في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واقعاً محسوساً لحياة كريمة فاضلة، سار على هديها الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم، ومَنْ جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسان، فاستنارت العقول، وصلحت القلوب، وزكت النفوس، واستقامت الأخلاق، فكانوا بحق خير أمةٍ أُخرجت للناس.

لقد كان السلف الصالح يعلِّمون أبناءهم هذه السيرة كما يعلمونهم السورة من القرآن، فنشؤوا على الفضائل، ونهضوا إلى المكارم، وطمحوا إلى معالي الأمور، واتخذوا من الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى، ومناراً شامخاً، وقدوة حسنة ينالون باتباعه واقتفاء أثره والعمل بسنته خير الدنيا وسعادة الآخرة (1) .

يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] .

ويقول تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] .

(1) خاتم النبيين: ص/7-8، وانظر كذلك مصادر السيرة وتقويمها: ص:13.

ص: 9

ويقول تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132]، ويقول تعالى:{وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة:92] .

فالسيرة النبوية هي الترجمة العملية للقرآن الكريم، وهي التطبيق الصحيح للكتاب والسنة المطهرة، في واقع الحياة على جميع محاورها، ولهذا تقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:"كان خلقه القرآن".

ففي العبودية والتعلق بالله سبحانه وتعالى كان المثل الأعلى حيث عرف ربه وعبده، وتوكل عليه حتى أتاه اليقين، وفي دعوته إلى الله تعالى دعا بالحسنى، فحاز على رضوان الله عز وجل، وفي تربيته لأصحابه كان من أرفق الناس بهم، وذلك بتوفيق وأمر من الله تعالى.

وفي جهاده، وفي علاقاته، وفي بيعه وشرائه، وفي سفره وحضره، وفي طعامه وشرابه، ومع أهل بيته وجيرانه، ومع الفقراء والمساكين، والأطفال والنساء، حتى مع الجمادات والحيوانات، ومع كل شيء يحيط به، ويدخل في دائرة احتياجاته كان القدوة والمثل الكامل....

لقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة من المولى عز وجل لجميع مخلوقاته. يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، ويقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28] .

من هنا يجمع المحدثون، والمؤرخون، وجمهور هذه الأمة، على أن السيرة

ص: 10

النبوية تجسيد حي للتاريخ الإسلامي المجيد في عصر النبوة، من الناحية العملية؛ لأن حوادثها ارتبطت بشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم في كل جوانب حياته العملية والفكرية والنفسية والاجتماعية، حتى الإنسانية (1) .

فعلم السيرة النبوية من أشرف العلوم وأعزها وأسناها هدفاً ومطلباً، بها يعرف المسلم أحوال دينه، ونبيه صلى الله عليه وسلم، وما شَرَّفه المولى عز وجل من أصل كريم، ثم ما أكرمه به من اختياره للوحي والرسالة، وحمل عبء الدعوة الكاملة.

ثم ما قام به من بذل الجهود المتواصلة، وما عاناه من البلاء والمحن في هذا السبيل، وما حظي به صلى الله عليه وسلم من نصرة الله وتأييده بجنود غيبية، وملائكة كرام بررة، وتوجيه الأسباب له، وإنزال البركات، وخوارق العادات (2) .

إن التاريخ لم يتحدث عن سيرة أحدٍ وصفاته، ولا عن أطوار حياة إنسان ومنهجه مثلما تحدث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما هذا إلا لأنه جاء بالرسالة الجامعة، والدين الخاتم، فنسخ ما قبله، ولاشيء بعده.

لقد انقطع بعده حديث السماء إلى الأرض، فكان خليقاً به أن يكون طرازاً من البشرية النقية الصرفة التي تعطي البشر القدوة والمثالية في الاستقامة على النهج الواضح، وجادة السواء، وسبيل التوحيد (3) .

إن الواقع اليوم وفي ظل الإمكانات الهائلة التي وفرها عصر المعلوماتية عبر

(1) علم المغازي بين الرواية والتدوين: 1/4.

(2)

السيرة النبوية للشعراوي: ص:8.

(3)

فقه السيرة من زاد المعاد: ص:6.

ص: 11

وسائله المختلفة، كالبرامج، والموسوعات الحديثية، والتاريخية، أو عبر وسائل الاتصال بالمكتبات العالمية، وما تزخر به من مصادر ومراجع عن المعرفة الإنسانية، وبخاصة التاريخ الإسلامي يحتم علينا أن نستثمر هذه الإمكانات والخدمات لجمع مرويات السيرة النبوية وأخبارها، وبداياتها الأولى رواية وحفظاً وتدويناً عبر العصور والعصور الثلاثة الأولى على وجه الخصوص، جيلاً بعد جيل، وطبقة بعد طبقة (1) ، اعتماداً على المراجع الصحيحة الموثوقة التي اعتمدت صحة الأسانيد والمتون. وهذا ما سوف يكون بإذن الله تعالى الاعتماد عليه في هذه الدراسة.

(1) علم المغازي بين الرواية والتدوين: 1/4.

ص: 12