المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: كتب الحديث الشريف (كتب السنة المطهرة) - مصادر تلقي السيرة النبوية

[محمد أنور البكري]

الفصل: ‌المبحث الثاني: كتب الحديث الشريف (كتب السنة المطهرة)

‌المبحث الثاني: كتب الحديث الشريف (كتب السنة المطهرة)

المبحث الثاني: كتب الحديث الشريف

لقد شغلت السيرة النبوية حيزاً كبيراً من كتب الحديث الشريف، وكل من ألف في الحديث لم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثته، ودعوته، وجهاده وهجرته، ومغازيه، بل حتى عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين (1) .

وتأتي أهمية كتب الحديث في دراسة السيرة النبوية المطهرة لأنها توضح العقائد، والآداب الإسلامية، وكثيراً من الأحكام التعبدية، والتشريعية، والأخلاقية (2) .

كما أن كثيراً من كتب الحديث تخصص أقساماً، وأبواباً وكتباً لجهاده، ومغازيه، وجوانب كثيرة من سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم وليس ثمة كتاب في الحديث إلا وقد خصص باباً أو كتاباً، أو ضمن الأبواب المختلفة مادة عن السيرة النبوية وحوادثها المختلفة (3) ، غير أنها غير مرتبة حسب التتابع الزمني للأحداث (4) .

وقد استمر هذا المنهج عند المحدثين حتى بعد انفصال السيرة عن الحديث، وجعلها علماً مستقلاً عنه (5) ؛ ذلك لأن كتب الحديث موثقة، ومنهجها أدق،

(1) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 1/27.

(2)

السيرة النبوية الصحيحة: 1/49.

(3)

السيرة النبوية الصحيحة: 1/50.

(4)

فقه السيرة للبوطي: ص:21.

(5)

السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 1/27.

ص: 27

لذا يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على غيرها من الكتب، حتى على روايات كتب المغازي والسير (1) .

غير أن هذه الكتب وهي كتب الحديث اعتنت بجمع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته، وأحكامه، وقضاياه،

وأفردت في الوقت نفسه أبواباً لمولده، وبعثته، وهجرته، ومغازيه

إلا أن مقصد مؤلفي هذه الكتب كان منصَبًّا على قضية الأحكام الفقهية (2) .

وكانت مشاهد السيرة تأتي في ثناياها ليستدل بها على الحكم الشرعي، كما في أبواب حجته صلى الله عليه وسلم، وبعض ما وقع له من المعجزات والخوارق (3) وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

وهنا يجب أن نشير إلى قضية مهمة، وهي أن كتب الحديث بحكم عدم تخصصها، لا تورد التفاصيل، عن مولده، ونشأته، وبعثته، وهجرته، وغزواته، وجهاده،

وبقية أخبار حياته (4) بل كانت تقتصر على بعض تلك الأخبار وفق منهج أهل الحديث في الرواية.

لكننا نستطيع ومن خلالها أن نكوِّن فكرة شاملة، وإن كانت غير متكاملة أحياناً عن سيرته صلى الله عليه وسلم، لأنها رويت بالسند المتصل إلى صحابته رضوان الله عليهم، وهم أكمل وأصدق أجيال هذا التاريخ العظيم عن حياته وسيرتهصلى الله عليه وسلم (5) .

(1) السيرة النبوية الصحيحة: 1:50.

(2)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:36، وانظر فقه السيرة للبوطي: ص:21.

(3)

مصادر السيرة النبوية وتقويمها: ص:36.

(4)

السيرة النبوية الصحيحة: 1/50.

(5)

السيرة النبوية دروس وعبر: ص:27.

ص: 28

كما يمكننا استكمال هذه الأخبار بتفاصيلها من كتب السيرة المتخصصة؛ التي نثق بها والتي كتبها الأوائل، لنقف على الصور الكاملة الواضحة عن أحداث السيرة النبوية (1) .

لقد اتفق العلماء على أن أشهر وأقدم كتب الحديث التي زخرت بأخبار السيرة النبوية، وحياة صاحبها عليه الصلاة والسلام، هو الكتاب العظيم: موطأ الإمام مالك - يرحمه الله - (ت 179هـ) ، حيث أورد جملة من الأحاديث تتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه، وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد (2) .

كذلك فعل صاحب أعظم كتاب في الحديث بعد القرآن الكريم الإمام الشهير أبو عبد الله البخاري رحمه الله (ت256هـ) في صحيحه، حيث ذكر جوانب من حياته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وبعدها، وخصص كتاباً في المغازي وآخر في الجهاد (3) كما ذكر كثيراً من خصائصه، ودلائل معجزاته، وشمائله العطرة، بما يوازي عُشْرَ الجامع الصحيح (4) .

وهكذا سار من بعده الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ت261هـ) صاحب الصحيح، وهو الكتاب الثاني بعد البخاري بلا خلاف بين المسلمين، حيث اشتمل على جزء كبير من سيرته، وفضائله، وجهاده، وأفرد كتاباً سماه (كتاب الجهاد والسير)(5) .

(1) السيرة النبوية الصحيحة: 1/50.

(2)

السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة: 1/27، السيرة النبوية الصحيحة: 1/50، وانظر على سبيل المثال الموطأ: 2/443: 464، 2/919، 2/1004.

(3)

صحيح البخاري: 4/1453: 1621.

(4)

السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة: 1/27.

(5)

السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة:1/28، وانظر على سبيل المثال، صحيح مسلم: 5/139:201.

ص: 29

وكان كل من جاء بعدهم من أئمة هذا العلم يسير على المنهج نفسه مع اختلاف في التبويب والترتيب، كأصحاب السنن: الإمام أبي

داود (ت275هـ) ، والترمذي (ت 279هـ) ، وابن ماجه (ت 273هـ) ، والدارمي (ت 255هـ) ، والإمام أحمد في المسند (ت 241هـ)(1) ، وهكذا بقية كتب الحديث، فالطبراني في كتبه الثلاثة، وصاحب المجمع، والحاكم في المستدرك.

بل إن أغلب كتب المتون المعتمدة، لم تَخْلُ مِنْ ذكر لسيرة هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يجعل الدارس المتعمق في السيرة النبوية، وتاريخ تطورها عبر العصور، أن يجزم بأن السيرة ومروياتها، تجاوزت كتب الحديث إلى كتب الرجال والطبقات، وبخاصة طبقة الصحابة رضي الله عنهم الذين شاركوا في الغزوات النبوية، والسرايا والبعوث المختلفة (2) .

ولعله يأتي على الأمة المسلمة يوم تستطيع فيه جَمْعَ كل ما روي وكتب عن السيرة النبوية من مولده إلى وفاته في ظل الإمكانات التي توفرها الموسوعات الحديثية، وموسوعات الرجال والطبقات من خلال جهاز الحاسب الآلي (3) ومن خلال الوقوف على القدر الكبير من المراجع والمكتبات والتي يمكن التواصل معها من خلال شبكة (الإنترنت) العالمية.

(1) السيرة النبوية دروس وعبر: ص:26، فقه السيرة للبوطي: ص:27.

(2)

إن نظرة إلى أي ترجمة من تراجم الصحابة الذين شاركوا في الغزوات في كتب منها سوف تجعل القارئ يقف على إشارات عن مشاركاتهم في تلك الغزوات التي شاركوا فيها، كطبقات ابن سعد، والاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة وغيرها من كتب التراجم.

(3)

لقد قمت على سبيل المثال بحصر المرويات لبعض الغزوات من خلال الموسوعة الذهبية للحديث الشريف فتحصلت على أعداد لا يمكن حصرها قبل ظهور الحاسب الآلي، فمثلاً يوجد: 3554 مروية

عن غزوة بدر بالمكرر، وهذا أمر عظيم سيخدم تحقيق السيرة وإخراجها من كتب الحديث إن شاء الله تعالى.

ص: 30

إن هذه الثورة (المعلوماتية) التي وفرتها الشبكة العنكبوتية سوف تجعل من السهل بإذن الله، عمل الموسوعة الضخمة التي يتطلع إليها المسلمون، سواء من كتب الحديث أو من كتب الرجال والطبقات، وكتب السيرة المتخصصة المعتمدة في هذا الميدان، تلك التي كتب أغلبها في بداية القرن الثاني الهجري بمشيئة الله تعالى.

ص: 31