الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تَكسوهُ نَشَر العرفِ كَفٌّ
…
منْ جُفونِ الطَّلِّ أنْدَى)
(لَا زْلتَ يَا أملَ العفاة لفارطِ الإِملاقِ وِردّا)
(فَالقَ اللَّيالِي لابساً
…
عَيشاً بَرودَ الظِّلِّ رغدا) // الْكَامِل //
فاستحسنها الصاحب وَلَام الطاعن عَلَيْهِ على كذبه وادعائه أَنه انتحل شعر غَيره فَقَالَ يَا مَوْلَانَا هَذَا وَالله مَعَه سِتُّونَ فيلية كلهَا على هَذَا الْوَزْن لِابْنِ نباتة فَضَحِك مِنْهُ
وَكَانَ الصاحب قد برز أمره لِابْنِ بابك وَغَيره من الشُّعَرَاء الَّذين بِحَضْرَتِهِ أَن يصفوا الْفِيل على هَذَا الْوَزْن فَمن قصيدة لأبي الْحسن الْجَوْهَرِي
(يَزهو بِخُرْطومٍ كَمثلِ
…
الصَّولجانِ يردّ رَدّا)
(متمدد كالأفعوان
…
تَمدُّهُ الرّمضاء مدَّا)
(أَوْ كمِّ رَاقصةٍ تُشيرُ
…
بهِ إِلَى الندْمانِ وَجدَا)
(وكأنهُ بوق يحركه
…
لينفح فيهِ جدّا)
(يَسطو بِصارِمَتي لحيّ
…
يحطمان الصخر هدّا)
(أذُناهُ مِروحتانِ أسندتا
…
إِلَى الفودينِ غمدا)
(عَيناه غائرتانِ ضيقتا
…
لجمع الضّوء عمدَا)
وَمن قصيدة لأبي مُحَمَّد الخازن
(وَكأنما خُرطومهُ
…
رَاووُق خَمر مدّمدّا)
(أوْ مثلُ كمٍّ مُسبلٍ
…
أرْخته لِلّتوديع سُعدَى)
(وَإِذا التوى فَكأنه الثعبانُ
…
منْ جَبلٍ تَردَّى)
(وَكأنما انْقلبتْ عَصا
…
مُوسى غَداة بهَا تحدَّى)
وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد رَحمَه الله تَعَالَى
شَوَاهِد الْفَنّ الأول وَهُوَ علم الْمعَانِي
11 -
(جَاءَ شَقِيق عارضا رُمْحَهُ
…
إِنَّ بَنِي عمك فيهم رماح)
الْبَيْت لحجل بن نَضْلَة من السَّرِيع وَبعده
(هَلْ أحدْثَ الدّهرُ لنَا ذِلَّةً
…
أَمْ هَلْ رَمتْ أُمُّ شَقيقٍ سلَاح) // السَّرِيع //
شَقِيق هُنَا اسْم رجل
وَالْمعْنَى جَاءَ هَذَا الرجل وَاضِعا رمحه عرضا مفتخراً بتصريف الرماح مدلاً بشجاعته دَالا ذَلِك على إعجاب شَدِيد مِنْهُ واعتقادٍ بِأَنَّهُ لَا يقوم إِلَيْهِ أحد من بني أَعْمَامه كَأَنَّهُمْ كلهم عزلٌ لَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم رمح فَقيل لَهُ تنكب وخل لَهُم طريقهم لِئَلَّا تتزاحم عَلَيْك رماحهم وتتراكم عَلَيْك أسنتها إِن بني عمك فيهم رماح كَثِيرَة
وَالشَّاهِد فِيهِ تَنْزِيل غير الْمُنكر للشَّيْء منزلَة الْمُنكر لَهُ إِذا ظهر عَلَيْهِ شَيْء من أَمَارَات الْإِنْكَار وَقد تقدم مَعْنَاهُ
وَمَا أحسن قَول ابْن جَابر الأندلسي مُشِيرا إِلَى شطر الْبَيْت الأول
(سَامحَ بالوَصلِ عَلى بُخلهِ
…
وقالَ لِي أنْتَ بِوصلِيَ حَقيقْ)
(فَقلتُ مَا رَأيكَ فيِ نُزهةٍ
…
مَا بَينَ كَاسَاتٍ وَروضٍ أَنِيقْ)
(فَقالَ يَعني خَدَّه واللَّما
…
هَذَا هُوَ الرَّوضُ وَهَذَا الرَّحيقْ)
(فَبتُّ مِنْ دَمعي وَمِنْ خَدِّه
…
مَا بينَ نُعمانَ وَبَين العقيق)
(وَإِذ تَدللَّتُ عَلى حُبِّهِ
…
فَقال مَا تَخشى أمَا تَستفيقْ)
(قَدِّي وَخَدِّي خَفْهمَا يَا فَتى
…
هَذَا هُوّ الرُّمُح وَهذا شَقيقْ) // السَّرِيع //
وَقد ضمنه أَبُو جَعْفَر الأندلسي أَيْضا فَقَالَ
(أَبدَتْ لنا الصُّدْغَ على خدِّها
…
فأطْلَعَ الليلُ لنا صبحَهُ)
(فخدها مَعْ قدِّها قَائِل
…
هذَا شَقِيق عَارض رمحه) // السَّرِيع //
وَقد ضمنه ابْن الوردي أَيْضا فَقَالَ
(لما رأى الزَّهرُ الشقيقَ انثنى
…
مُنهزماً لم يَستطعْ لَمْحَهُ)
(وَقَالَ مَنْ جَاءَ فقُلنا لهُ
…
جاءَ شَقِيق عارضا رمحه) // السَّرِيع //
وَأما حجل بن نَضْلَة فَهُوَ أحد بني عَمْرو بن عبد قيس بن معن بن أعصر
12 -
(أشَابَ الصّغيرَ وأفْنَى الكَبيرَ
…
كَرُّ الْغَداةِ ومَرُّ العَشِيّ)
الْبَيْت للصلتان الْعَبْدي الحماسي من قصيدة من المتقارب وَنسب الْحَافِظ فِي كتاب الْحَيَوَان هَذِه الأبيات للصلتان السَّعْدِيّ وَقَالَ هُوَ غير الصلتان الْعَبْدي وَبعد الْبَيْت
(إِذا لَيلةٌ أهرَمت يَوْمها
…
أَتَى بعدَ ذلكَ يَوْم فَتى)
(نرُوحُ ونغدو لحاجاتنا
…
وحاجةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي)
(تموتُ معَ الْمرء حاجاتُهُ
…
وتَبْقَى لَهُ حاجةٌ مَا بَقِي)
(إِذا قُلتَ يَوْمًا لمنْ قدْ تَرَى
…
أَرُوني السَّريَّ أرَوكَ الْغنى)
(بُنيَّ بداخِبُّ نجْوَى الرِّجال
…
فكنْ عنْدَ سرِّك خبَّ النجي)
(فسرُّك مَا كَانَ عِنْد امرئٍ
…
وسرُّ الثلاثةِ غيرُ الْخَفي)
(فَكُنْ كَابْن لَيلٍ على أسْودٍ
…
إِذا مَا سَوادٌ بِلَيْلٍ خشِي)
(فكلُّ سوادٍ وَإِن هِبْته
…
من اللَّيْل يُخْشى كَمَا تختشي)
(أرد مُحكم الشّعْر وَإِن قُلْته
…
فإنّ الْكَلَام كثيرُ الروي)
(كَمَا الصمت أدنى لبَعض اللَّسان
…
وَبعض التكَلُّم أدنى لعي) // المتقارب //
وَمعنى الْبَيْت أَن كرور الْأَيَّام ومرور اللَّيَالِي يَجْعَل الصَّغِير كَبِيرا والطفل شائباً وَالشَّيْخ فانياً
وَالشَّاهِد فِيهِ حمل إِسْنَاد الافناء إِلَى كرور الْأَيَّام ومرور اللَّيَالِي على الْحَقِيقَة لكَون إِسْنَاده إِلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم فِي الظَّاهِر
والصلتان الْعَبْدي هُوَ قثم بن خبية بن عبد الْقَيْس وَهُوَ شَاعِر مَشْهُور قيل لَهُ اقْضِ بَين جرير والفرزدق فَقَالَ
(أَنا الصَّلتانُ الَّذْ بهِ قَدْ عَلمْتُمو
…
مَتى مَا يُحكَّمْ فَهُوَ بالْحَقِّ صادعُ)
(أَتَتني تَمِيم حِينَ هابتْ قُضاتُها
…
وَإِنِّي لبِالفَصل المُبيِّن قاطعُ)
(كَمَا أنفَذَ الأعْشى قَضيّة عامِر
…
وَمَا لتميم فِي قَضائي رَواجعُ)
(سَأقضي قَضاءَ بَينهُمْ غيْرَ جَائِر
…
فَهلْ أنْتَ للْحكم المُبيِّن سامعُ)
(قَضَاء امرىء لَا يتَّقي الشتمَ منْهمُ
…
وليْسَ لَهُ فِي المدْح مِنْهُم منافعُ)
(فَإن كُنتما حكَّمتُماني فأنصتَا
…
وَلَا تَجزعا ولَيرضَ بالحقِّ قَانِع)
(فَإِن يستويك بحْرُ الحَنظليين وَاحِدًا
…
فَمَا تَستوي حيتانُهُ والضفادعُ)
(وَمَا يَستوي صَدْرُ القناةِ وزُجُّهَا
…
وَمَا يَستوي شُمُّ الذرى والأرجاع)
(وَلَيْسَ الذبابي كالقُدَامي وَريشِهِ
…
وَما تَستوي فِي الكفِّ مِنْك الأصابعُ)
(أَلَا إِنما تحظى كليبٌ بِشعرها
…
وَبالمجدِ تحظى دَارمٌ والأقارعُ)
(أرى الخطفى الفرزدقَ شعره
…
وَلكنْ خيرا من كليبٍ مُجاشُعُ)
(فَيا شَاعِرًا لَا شاعرَ اليومَ مِثلهُ
…
جَريرٌ وَلكنْ فِي كليبٍ تواضعُ)
(وَيرفعُ منْ شِعر الْفرزدقِ أَنه
…
لَهُ باذخٌ لِذي الخسيسةِ رافعُ)
(وَقدْ يُحمدُ السّيفُ الرَّديء بغمدِه
…
وَتلقاهُ رَثَّا جَفنُهُ وهَوَ قَاطع)
(يُناشدني النصرَ الفرزدقُ بَعدما
…
أناختْ عَليهِ منْ جَريرٍ صَواقعُ)
(فَقلتُ لَهُ إِنِّي ونَصرَكَ كالذِي
…
يُثبِّتُ أنفًا كشمته الجوادع) // الطَّوِيل //
وَفِي ذَلِك يَقُول جرير رَحمَه الله تَعَالَى
(أَقولُ وَلم أملك سَوابقَ عَبرةٍ
…
مَتى كانَ حكم الله فِي كَرب النَّخْلِ)
13 -
(مَيَّزَ عَنْه قُنْزُعاً عَنْ قُنْزُعِ
…
جَذْبُ اللَّيَالِي أبطئ أوْ أسْرعي)
(أفْنَاهُ قِيلُ اللهِ للشَّمْسِ اطْلُعِي
…
)
هَذِه الأبيات لأبي النَّجْم الْعجلِيّ من قصيدة من الرجز أَولهَا
(قدْ أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي
…
عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع)
(من أَن رَأَتْ رَأْسِي كرأس الأصلع) // الرجز //
وَبعده الأبيات وَبعدهَا
(حَتَّى إذَا وَاراكِ أفقٌ فارجعي)
والقنزعة الْخصْلَة من الشّعْر تتْرك على رَأس الصَّبِي أَو هِيَ مَا ارْتَفع من الشّعْر وَطَالَ أَو الشّعْر حوالي الرَّأْس وَجَمعهَا قنازع وقنزعات وجذب اللَّيَالِي هُوَ مضيها واختلافها وَيُقَال جذب الشَّهْر إِذا مضى عامته وأبطئ أَو أرعى أسرعي صفة اللَّيَالِي أَي الْمَقُول فِيهَا أبطىء أَو أسراعي وَقيل حَال مِنْهَا أَي اللَّيَالِي مقولاً فِيهَا أبطئ أَو أسرعي والصلع انحسار شعر مقدم الرَّأْس لنُقْصَان مَادَّة الشّعْر فِي تِلْكَ الْبقْعَة وقصورها عَنهُ واستيلاء الْجَفَاف عَلَيْهَا ولتطامن الدِّمَاغ عَمَّا يماسه من القحف فَلَا يسْقِيه سقيه إِيَّاه وَهُوَ ملاق لَهُ والمواراة السّتْر
وَمعنى الأبيات أَن هَذِه الحبيبة يَعْنِي أم الْخِيَار زَوجته أَصبَحت تَدعِي عَليّ ذنوباً لم أرتكب شَيْئا مِنْهَا لرؤيتها رَأْسِي كرأس الأصلع لكبري وشيخوختي ميز وَفصل مر الْأَيَّام ومضي اللَّيَالِي الشّعْر الَّذِي بَقِي حوالي الرَّأْس وجوانبه ثمَّ قَالَ أفناه قيل الله وَأمره للشمس بالطلوع والغروب
وَالشَّاهِد فِيهَا هُوَ أَن حمل إِسْنَاد تَمْيِيز الشّعْر إِلَى جذب اللَّيَالِي مجَاز بِقَرِينَة قَوْله أفناه إِلَى آخِره
وَأَبُو النَّجْم تقدم التَّعْرِيف بِهِ فِي شَوَاهِد الْمُقدمَة
14 -
(يَزيدُكَ وَجْهُهُ حسنا
…
إِذا مَا زِدْتَهُ نَظَرَا)
الْبَيْت لأبي نواس من قصيدة من الوافر يهجو فِيهَا الْأَعْرَاب والأعرابيات ويذم عيشهم وأولها
(دَع الرَّسْم الَّذِي دثَرا
…
يُقاسي الرِّيحَ والمطرَا)
(وَكُن رجلا أضاع الْعرض
…
فِي اللذَّاتِ والخَطَرا)
(ألمْ تَرَ مَا بنى كسْرَى
…
وسابور لمن غَبَرَا)
(مَنازل بَين دِجْلة
…
والفُرَات أحَفَّهَا شَجرا)
(بِأرضِ باعَدَ الرحمنُ
…
عَنها الطَّلحُ والعُشَرَا)
(وَلم يَجْعَل مصاينها
…
يَرابِيعاً وَلَا وَحَرَا)
(وَلكن حُورَ غِزلانٍ
…
تُراعى بالمَلَا بَقرَا)
(وَإِن شيئنا أحشَنا الطيرَ
…
من حافاتها زمرا) // الوافر //
إِلَى أَن قَالَ
(أما وَالله لَا أشَرَا
…
حَلفتُ بِهِ وَلا بطرَا)
(لَو أَن مُرقَّشاً حَيُّ
…
تعلقَ قَلبهُ ذكرَا)
(كَأَن ثِيابهُ أطلَعنَ
…
من أزْرارِه قَمَرا)
(ومَرّ بِهِ بِدِيوانِ الْخَراجِ
…
مُضمخاً عَطرا)
(بِوَجهٍ سَابريّ لَو
…
تَصوَّبَ ماؤْه قَطرا)
(وقَدْ خَطّتْ حَوَاضنه
…
لَهُ من عَنبرِ طُررا)
(بِعين خَالطَ التَّفتيرُ
…
فِي أجْفانها حَوَرا)
(يزيدكَ وجهْهُ حسنا
…
إِذا مَا زدتَهُ نَظرا)
(لأيْقَنَ أَن حب المرد
…
يُلفي سهَلهُ وَعَرا)
(وَلَا سِيَمَا وَبعضهُم
…
إِذا حَييتُه انتهرا) // الوافر //
وَالْمعْنَى فِي الْبَيْت أَن وَجهه لما فِيهِ من نِهَايَة الْحسن وَغَايَة الْكَمَال كلما كررت النّظر فِيهِ زَاده الله عنْدك حسنا وبهاء مَعَ أَن تكْرَار النّظر إِلَى الشَّيْء قَلما يحلو
وَفِي مَعْنَاهُ قَول الآخر
(كُلمَا زِدتَ إليهِ نَظراً
…
زَاد حُسناً عِنَد تَكرارِ النّظَرْ) // الرمل //
وَقَول ابْن الرُّومِي
(لَا شَيْء إِلَّا وَفِيه أحسَنُهُ
…
فالْعيْن مِنهُ إِلَيْهِ تَنتقلُ)
(فَوَائد الْعين فيهِ طارفةٌ
…
كَأَنَّمَا أخرياتُها أول) // المنسرح //
وَقَول المتنبي
(وَهُوَ المُضاعَفُ حُسنُهُ إِن كررا
…
) // الْكَامِل //
وَقَول عَبدُوس المغربي
(يَا غزالاً وهِلَالاً
…
خُلِقَاً خَلْقاً عجيبا)
(وقَضيباً وكثيباً
…
جَمَعا قدّاً غريبَا)
(قَدْ غضضنا دُونك الألحاظ
…
خوفًا أَن تذُوبَا)
(كُلما زدْناكَ لَحْظاً
…
زِدتنَا حُسناً وطيبا) // من مجزوء الرمل //
وَقَول ابْن الخيمي
(مَا يَنتهي نَظري مِنْهُم إِلَى رُتَبٍ
…
فِي الْحسن إِلَّا ولَاحتْ فَوقها رُتبُ) // الْبَسِيط //
وَقَول قوام الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الطراح
(وَعْدُكَ لَا يَنقضي لهُ أمَدُ
…
وَلَا لِليلِ المِطالِ مِنكَ غَدُ)
(عَللتني بِالْمنا غَدا فغداً
…
إنَّ غَدا سَرمداً هُوَ الأبدُ)
(تَضحكُ عَنْ وَاضحٍ مُقبَّلهُ
…
عَذْبٌ بَرودٌ كأنَّهُ البَرَدُ)
(أحومُ مِنْ حَوْلهِ وَبي ظَمأ
…
إِلَى جَنيَ رِيقهِ وَلَا أرِدُ)
(وَكلما زِدتُ وَجههُ نَظراً
…
بَدَتْ عَليهِ مَحاسنٌ جدُدُ) // المنسرح //
وَقَرِيب مِنْهُ قَول ابْن الْمُطَرز
(يَا حبيباً كلهُ حَسنٌ
…
لمحبٍّ كلهُ نَظرُ)
(وَجههُ مِنْ كلِّ ناحيةٍ
…
حَيثما قابلته قمر) // المديد //
وَمن ظريف مَا يذكر هُنَا أَن يَعْقُوب بن الدقاق مستملي أبي نصر صَاحب الْأَصْمَعِي قَالَ كُنَّا يَوْم جُمُعَة بقبة الشُّعَرَاء فِي رحبة مَسْجِد الْمَنْصُور نتناشد وَكنت أعلاهم صَوتا إِذْ صَاح بِي صائح من ورائي يَا منتوف فتغافلت كَأَنِّي لم أسمع شَيْئا فَقَالَ وَيلك يَا أعمى يَا أعمى لم لَا تَتَكَلَّم فَقلت من هَذَا فَقَالُوا أَبُو دانق الموسوس فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ وَيلك هَل تعرف أحسن من هَذَا الْبَيْت أَو أشعر من قَائِله وَهُوَ
(مَا تَنظرُ العَينُ مِنهُ نَاحيَة
…
إِلَّا أقامتْ مِنهُ على حسن) // المنسرح //
فَقلت كالمحاجر لَهُ لَا فَقَالَ لَا أم لَك هلا قلت نعم قَوْله
(يزيدك وَجهه حسنا
…
إِذا مَا زِدْته نظرا) // من مجزوء الوافر //
ثمَّ وثب وثبة فَجَلَسَ إِلَى جَانِبي وَأَقْبل عَليّ وَقَالَ لي يَا أعمى صف لي صُورَتك السَّاعَة وَإِلَّا أخرجتك من بزتك ثمَّ أقبل عَليّ من كَانَ حَاضرا فَقَالَ ظلمناه ظلمناه وَهُوَ ضَرِير لم ير وَجهه فَمن أحسن منا أَن يصفه فليصفه وَكَانَ على الْحَقِيقَة أقبح النَّاس وَجها وَكَانَ يحلق شعر رَأسه وَشعر لحيته وَشعر حاجبيه ويدهن قَالَ فَلم يتَكَلَّم أحد فَقَالَ اكتبوا صفته فِي رَأسه وَأنْشد
(أُشَبِّهُ رَأَسَهُ لَولَا وجار
…
بِعَيْنيهِ ونضنضة اللِّسَان)
(بأضحم قَرعةٍ عظَمتْ وَتمْت
…
فَليسَ لَهَا لَدى التَّمْيِيز ثانِ)
(إِذا عليت أسَافلها أمَالتْ
…
دَعائمَ رَأَسِها نَحو اللَّبَانِ)
(فكانَ لَهَا مكانَ الجيدِ مِنها
…
إِذا اتَّصلتْ بمُمسِكة الجرانِ)
(لَهَا فِي كل شَارِقَةٍ وَبيضٌ
…
كَأَن بريقَها لمع الدِّهانِ)
(فَلَا سُلِّمْتَ من حَذَري وخوفي
…
مَتى سَلِمَتْ صَفاتُكَ من بنانى) // الوافر //
ووثب إِلَيّ فحالت الْأَيْدِي بيني وَبَينه
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت معرفَة حَقِيقَة الْمجَاز الْعقلِيّ الْخفية الَّتِي لَا تظهر إِلَّا بعد نظر وَتَأمل
وَمثله قَول مُحَمَّد اليزيدي
(أتَيتُكَ عائذاً بك مِنْك
…
لمّا ضَاقَتِ الحِيَلُ)
(وصير ني هواكَ وَبِي
…
لَِحْيِني يُضرَبُ المثَلُ)
(فَإِن سَلِمَتْ لكم نَفسي
…
فَمَا لاقيتُهُ جَلَلُ)
(وَإِن قتل الْهوى رجلا
…
فَإِنِّي ذَلِك الرجل) // من مجزوء الوافر //
أَي صيرني الله بهواك وحالي هَذِه وَهِي أَن يضْرب الْمثل بِي لحيني أَي أهلكني الله ابتلاءً بِسَبَب هَوَاك
وَالْبَيْت الْأَخير مَأْخُوذ من قَول مُسلم بن الْوَلِيد
(مَتى مَا تَسمعي بِقتيِل أَرض
…
أُصيبَ فإنني ذَاك القتيلُ)
وَأَبُو نواس هُوَ أَبُو عَليّ الْحسن بن هَانِئ بن عبد الأول بن الصَّباح الْحكمِي الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ جده مولى الْجراح بن عبد الله الْحكمِي وَالِي خُرَاسَان ونسبته إِلَيْهِ قيل إِنَّه ولد بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأ بهَا ثمَّ خرج إِلَى الْكُوفَة مَعَ والبة بن الْحباب ثمَّ صَار إِلَى بَغْدَاد وَقيل إِنَّه ولد بالأهواز وَقيل إِنَّه ولد بكورة من كورخوزستان فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَنقل إِلَى الْبَصْرَة فَنَشَأَ بهَا ثمَّ انْتقل إِلَى بَغْدَاد وَقد زَاد سنة على الثَّلَاثِينَ وَلم يلْحق بهَا أحدا من الْخُلَفَاء قبل الرشيد وَكَانَ أول مَا قَالَه من الشّعْر وَهُوَ صبي قَوْله
(حَامِلُ الهَوَى تَعِبُ
…
يَستخِفُّهُ الطَّربُ)
(إِنْ بَكَى يحقَ لَهُ
…
لَيسَ مَا بهِ لَعِبُ)
(تَضحكينَ لاهيةً
…
وَالمحبُّ يَنتحِبُ)
(كُلَّما انْقَضى سَببٌ
…
منكِ جَاءَنِي سَببُ)
(تَعْجَبينَ مِنْ سَقَمي
…
صِحَّتِي هِيَ العجبُ) // المقتضب //
وَهِي أَبْيَات مَشْهُورَة
وَرُوِيَ أَن الخصيب صَاحب مصر سَأَلَ أَبَا نواس عَن نسبه فَقَالَ أغناني أدبي عَن نسبي
وَمَا زَالَ الْعلمَاء والأشراف يروون شعر أبي نواس ويتفكهون بِهِ ويفضلونه على أشعار القدماء
قَالَ مُحَمَّد بن دَاوُد الْجراح كَانَ أَبُو نواس من أَجود النَّاس بديهةً وأرقهم حَاشِيَة لسناً بالشعر يَقُوله فِي كل حَال والردى من شعره مَا حفظ عَنهُ فِي سكره
قَالَ الجاحظ لَا أعرف بعد بشار مولداً أشعر من أبي نواس وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَا أروي لأحد من أهل الزَّمَان مَا أرويه لأبي نواس وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَبُو نواس للمحدثين كامرئ الْقَيْس للأولين لِأَنَّهُ الَّذِي فتح لَهُم بَاب هَذِه الفطن ودلهم على هَذِه الْمعَانِي وَقَالَ ذهبت الْيمن بجد الشّعْر وهزله فامرؤ الْقَيْس بجده وَأَبُو نواس بهزله وَقَالَ أَبُو الْحسن الطوسي شعراء الْيمن ثَلَاثَة امْرُؤ الْقَيْس وَحسان وَأَبُو نواس
وَكَانَ لخلف الْأَحْمَر وَلَاء فِي الْيمن فِي الأشاعرة وَكَانَ عصبياً وَكَانَ من أميل خلق الله إِلَى أبي نواس وَهُوَ الَّذِي كناه بِهَذِهِ الكنية لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْت من أهل الْيمن فتكن باسم من أسامي الذوين ثمَّ أحصى لَهُ أَسْمَاءَهُم وخيره فَقَالَ ذُو جدن وَذُو كلال وَذُو يزن وَذُو كلاع وَذُو نواس فَاخْتَارَ ذَا نواس فكناه أَبَا نواس فسارت لَهُ وعلبت على أبي عَليّ كنيته الأولى
وَكَانَ أَبُو نواس يُعجبهُ شعر النَّابِغَة ويفضله على زُهَيْر تَفْضِيلًا شَدِيدا ثمَّ يَقُول الْأَعْشَى لَيْسَ مثلهمَا وَكَانَ يتعصب لجرير على الفرزدق وَيَقُول هُوَ أشعر ويأتم ببشار وَيَقُول هُوَ غزير الشّعْر كثير الافتنان وَيَقُول أدمنت قِرَاءَة شعر الْكُمَيْت فَوجدت قشعريرة ثمَّ قَرَأت شعر الخريمي فتشققت عَليّ حمى مبردة
ثمَّ قَالَ يَوْمًا شعري أشبه بِشعر جرير فَقيل لَهُ فَمَا تَقول فِي الأخطل قَالَ إمامي فِي الْخمر فَقيل الفرزدق قَالَ ذَاك الْأَب الْأَكْبَر
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي قد ختمت بِشعر أبي نواس فَمَا رويت لشاعر بعده
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لَوْلَا مَا أَخذ فِيهِ أَبُو نواس من الأرفاث لاحتججنا بِشعرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحكم القَوْل لَا يخلط
وَقَالَ ابْن دُرَيْد سَأَلت أَبَا حَاتِم عَن أبي نواس فَقَالَ إِن جد حسن وَإِن هزل ظرف وَإِن وصف بَالغ يلقِي الْكَلَام على عواهنه لَا يُبَالِي من حَيْثُ أَخذه
وَقَالَ أَبُو الْغَيْث بن البحتري سَأَلت أبي لما حَضرته الْوَفَاة من أشعر النَّاس فَقَالَ اعن الْمُتَقَدِّمين تسال أم عَن الْمُحدثين فَقلت عَن الْمُحدثين فَقَالَ يَا بني لَو قسم إِحْسَان أبي نواس على جَمِيع النَّاس لوسعهم وَإِن لأشجع السّلمِيّ لإحساناً وَمَا علم الشُّعَرَاء أكل الْخبز بالشعر إِلَّا أَبُو تَمام فَقلت لَهُ أَنْت أشعر أم أَبُو تَمام فَقَالَ سَأَلت عَمَّا لَا يزَال يسال عَنهُ جيد أبي تَمام خير من جيدي وردئيي خير من رديئه
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي بعث إِلَيّ الْمَأْمُون فسرت إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ يحيى بن أَكْثَم يطوفان فِي حديقة فَلَمَّا نظر أَنِّي ولياني ظهورهما فَجَلَست فَلَمَّا أَقبلَا قُمْت فَقَالَ الْمَأْمُون يَا مُحَمَّد بن زِيَاد من أشعر الشُّعَرَاء فِي نعت الْخمر فَجعلت أنْشدهُ للأعشى وَقلت هُوَ الَّذِي يَقُول
(تريك القَذَى من دونهَا وَهِي فوقهُ
…
إِذا ذَاقها من ذاقها يتمطق) // الطَّوِيل //
ثمَّ أنشدته للأخطل فَلم يحفل بِشَيْء مِمَّا أنشدته ثمَّ قَالَ يَا ابْن زِيَاد اشعر النَّاس فِي نعتها الَّذِي يَقُول
(فتمشت فِي مفاصلهم
…
كتمشي الْبُرْء فِي السَّقمِ)
(فَعلتْ فِي اللّب إِذْ مزجت
…
مِثلَ فِعلِ النَّار فِي الظُّلم)
(فاهتدى ساري الظلام بهَا
…
كاهتداء السَّفْرِ بالعَلَم) // المديد //
وَعَن عَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ جَاءَ أَبُو الْعَتَاهِيَة وَمُسلم وَأَبُو نواس إِلَى أبي فأنشده أَبُو الْعَتَاهِيَة
(وعَظّتْكَ أجْداثٌ صْمُتْ
…
ونعتك أزمته خُفُتْ)
(وأرَتك قَبرَكَ فِي القُبور
…
وأنْتَ حيّ لم تمت)
(وتَكلَّمت عَن أعين تَبْلى
…
وَعَن صُوَر شتت)
(وحَكَتْ لَك السَّاعَات سَاعَات
…
أتيات بَغت) // الْكَامِل //
وأنشده شعرًا آخر يَقُول فِيهِ
(على سرعَة الشَّمْس فِي مرها
…
دَبِيب الخلوقة فِي الْجدّة) // المتقارب //
قَالَ وَانْصَرفُوا فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام عَاد إِلَيْهِ مُسلم وَأَبُو نواس فأنشده مُسلم
(أجررت حَبل خليع فِي الصِّبَا غزل
…
) // الْبَسِيط //
حَتَّى بلغ قَوْله
(ينَال بالرفق مَا يَعيا الرِّجالُ بِه
…
كالموت مستعجلا يَأْتِي على مَهل)
فَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْسَنت إِلَّا أَنَّك أخذت قَول أبي الْعَتَاهِيَة
(وحكت لَك السَّاعَات سَاعَات
…
أتيات بَغت)
قَالَ ثمَّ أنْشدهُ أَبُو نواس قَوْله
(يَا شَقِيق النَّفس من حكم
…
) // المديد //
إِلَى أَن بلغ إِلَى قَوْله
(فَتمشتْ فِي مفاصلهم
…
كتمشي الْبُرْء فِي السقم)
قَالَ لَهُ أَحْسَنت إِلَّا أَنَّك أَخَذته أَيْضا من قَول أبي الْعَتَاهِيَة
(على سرعَة الشَّمْس فِي مرها
…
دَبِيب الخلوقة فِي الجِدةِ)
وَقد ذكر بعض أهل الْعلم أَن بَيت أبي نواس هَذَا مَأْخُوذ من قَول بعض
الهذليين يصف قانصاً ظفر بصيد بِسُرْعَة مَشى
(فتمشى لَا يحس بِه
…
كَتمشِّي النّارِ فِي الضرم) // المديد //
وَيُقَال إِن أَبَا نواس أنْشد بَيته هَذَا بعض الشُّعَرَاء فَقَالَ لَهُ أما كَفاك أَن سرقت حَتَّى أحلّت فَقَالَ وَمن أَيْن سرقت فأنشده بَيت الْهُذلِيّ فَقَالَ كَيفَ أحلّت فَقَالَ بِقَوْلِك كتمشي الْبُرْء فِي السقم وهما جَمِيعًا عرضان وَالْعرض لَا يدْخل على الْعرض فَانْقَطع أَبُو نواس ثمَّ غير بَيته بعد ذَلِك بِأَن قَالَ
(كتمشي النَّار فِي الفَحَمِ
…
)
وَهَذَا بَيت الْهُذلِيّ بِعَيْنِه وَمَعْنَاهُ
وَعَن الْأَصْمَعِي أَن أَبَا نواس سرق بَيته من قَول مُسلم بن الْوَلِيد
(تجْرِي محبتها فِي قَلبِ وَامقها
…
جَرَىَ السَّلامَة أَعْضَاء منتكس) // الْبَسِيط //
وَهُوَ أَخذه من قَول عمر بن أبي ربيعَة حَيْثُ يَقُول
(لَقدْ دَبَّ الهوَى لَك فِي فؤادِي
…
دَبيبَ دَم الحياةِ إِلَى الْعُرُوق) // الوافر //
وَهُوَ أَخذه من قَول بعض العدويين حَيْثُ يَقُول
(وأُشْربَ قَلبي حُبها وَمشى بِهِ
…
كمشي حُمَيّاً الكأسِ فِي عَقلِ شَارب)
(ودَبّ هَواها فِي عِظامي وَحُبُّهَا
…
كَمَا دَبَ فِي الملسوعِ سُم العقارب) // الطَّوِيل //
وَهُوَ أَخذه من أَسْقُف نَجْرَان حَيْثُ يَقُول
(منع الْبَقَاء ثَقَلُّبُ الشَّمْس
…
وطلوعها من حَيْثُ لَا تمسي)
(وَطلوعها حَمراء صَافِيَة
…
وَغروبها صَفراء كالورسِ)
(تجْرِي على كبد السَّمَاء كَمَا
…
يجْرِي حمام الْمَوْت فِي النَّفس) // الْكَامِل //
ذكرت بِهَذِهِ الأبيات مَا قَالَ الْأَعْشَى وَهُوَ أعشى قيس فِي سَكرَان
(فَراحَ ملسا كأنّ الذُّبابَ
…
يَدِبُّ على كلِّ عُضوٍ دَبيبا) // المتقارب //
وَقد أَخذ أَبُو الشيص قَول عمر بن أبي ربيعَة فَقَالَ
(لَقدْ جَرى الحُبُّ مِني
…
مَجرَى دَمي فِي عروقي) // المجتث // وَأَخذه أَبُو الطّيب فَقَالَ
(جَرَى حُبها مَجرَى دَمى فِي مَفاصلي
…
فأصبحَ لي عَنْ كلِّ شُغلٍ بهَا شغل) // الطَّوِيل //
وَقَالَ أَبُو الْفرج بن هندو
(فَتمشتْ فِي قْلبيَ المْهمومِ
…
كتَمشَّي الدِّرياقِ فِي المسموم) // الْخَفِيف //
وأتى عبد الله بن الْحجَّاج بِهَذَا الْمَعْنى من غير تَشْبِيه فَقَالَ
(فَبِتُّ أسَقَّاها سُلافاً مُدامَةً
…
لهَا فِي عِظام الشَّاربين دَبيبُ) // الطَّوِيل //
وَمَا أحسن قَول بَعضهم
(وَفي الظّعائنِ مَهضومُ الحَشا غَنِجٌ
…
يَخطو بأعطْافِ كَسلان الخُطا ثَملِ)
(ظَبيٌ مَشيَ الوردُ مِنْ لحظي بوجنتهِ
…
مَشْيَ اللواحظِ مِنْ عينيهِ فِي أجلى) // الْبَسِيط //
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَوْلَا أَن الْعَامَّة ابتذلت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما لأبي نواس لكتبتهما بِالذَّهَب وهما قَوْله
(وَلوْ أنيِّ استزدتك فَوقَ مَا بيِ
…
منَ الْبلوى لأعْجزَكَ الْمزيدُ)
(وَلو عُرِضَتْ عَلَى المَوْتَى حَياةٌ
…
بِعيشٍ مِثْلِ عيشي لم يُرِيدُوا) // الوافر //
وَكَانَ الْمَأْمُون يَقُول لَو وصفت الدُّنْيَا نَفسهَا لما وصفت بِمثل قَول أبي نواس
(ألَا كلُّ حيٍّ هَالكٌ وابْنُ هالكٍ
…
وَذُو نسب فِي الْهالكين عَريقِ)
(إِذا متحن الدُّنيا لَبيبٌ تَكشَّفَتْ
…
لهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيابِ صَديِقِ) // الطَّوِيل //
وَالْبَيْت الأول ينظر إِلَى قَول امْرِئ الْقَيْس
(فَبعضَ اللَّومِ عَاذِلتي فإِنِّي
…
سَيكفيني التَّجاربُ وَانْتسَابي)
(إِلى عِرْقِ الثرى وَشجَتْ عُرُوقي
…
وَهذا الْموتُ يَسلبني شَبَابِي) // الوافر //
وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لرجل من أهل الْبَصْرَة أَنْشدني لأبي نواسكم فَأَنْشد
(مَا هَوى إلَاّ لَهُ سَبَب
…
يَبتدِى مِنهُ وَينشعبُ) // المديد //
فَقَالَ سُفْيَان آمَنت بِاللَّه الَّذِي خلقه
وَاجْتمعَ أَبُو نواس مَعَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف فِي مجْلِس فَقَامَ الْعَبَّاس فِي حَاجَة فَسئلَ أَبُو نواس عَن رَأْيه فِيهِ وَفِي شعره فَقَالَ لَهو أرق من الْوَهم وأنفذ من الْفَهم وأمضي من السهْم ثمَّ عَاد الْعَبَّاس وَقَامَ أَبُو نواس كَذَلِك فَسئلَ الْعَبَّاس عَنهُ وَعَن رَأْيه فِيهِ وَفِي شعره فَقَالَ إِنَّه لأقر للعين من وصل بعد هجر ووفاء بعد غدر وإنجاز وعد بعد يأس فَلَمَّا صَارا إِلَى النَّبِيذ أعلم كل وَاحِد قَول الآخر فِيهِ فَقَالَ أَبُو نواس
(إِذَا ارْتدتَ فَتى الْكاس
…
فَلا تَعدلْ بِعباس)
(فَنعَم المرْءُ إنْ أرْضعتَ
…
يَوماً درة الكاس) // الهزج //
فَقَالَ الْعَبَّاس
(إِذَا نازعتَ صَفَو الكاس يَوماً
…
أخاثقةٍ فَمثلَ أبي نُواس)
(فَتى يَشتدُّ حَبلُ الوُدّ مِنهُ
…
إِذا مَا خُلَّةٌ رَثتْ لناس) // الوافر //
فَتَنَاول أَبُو نواس قدحا وَقَالَ
(أَبا الفضلِ اشربنْ كاسكْ
…
فإِني شاربٌ كاسى) // الهزج //
فَقَالَ الْعَبَّاس
(نَعمْ يَا أوْحد النّاس
…
على العينينِ والراس)
فَقَالَ أَبُو نواس
(فَقَدْ حُفَّ لنا المجلسُ
…
بالنِّسرين والآسِ)
فَقَالَ الْعَبَّاس
(وَإخوانٍ بَهاليلَ
…
سَراةٍ سَادة الناسِ)
فَقَالَ أَبُو نواس
(وَخَوْدٍ لذِة المسموع
…
مِثْلِ الغُصُنِ الكاسِي)
فَقَالَ الْعَبَّاس
(وقَدْ ألبسها الرَّحْمَن
…
أحْسنِ إِلباس)
فَقَالَ أَبُو نواس
(وَقد زِينَتْ بإكليلِ
…
يَواقيتَ على الرَّأْس)
فَقَالَ الْعَبَّاس
(فَلَا تَحْبِسْ أخي كاسي
…
فإِني غْيرُ حبَّاس)
فَكَانَ مَا نسي من معارضتهما فِي ذَلِك الْمجْلس أَكثر مِمَّا حفظ إِلَّا أَنه انْصَرف الْعَبَّاس وَبَقِي أَبُو نواس فَسئلَ عَن العتابي وَالْعَبَّاس فَقَالَ العتابي يتَكَلَّف وَالْعَبَّاس يتدقق طبعا وَكَلَام هَذَا سهل عذب وَكَلَام ذَاك متدقق كزٌّ وَفِي شعر هَذَا مَاء ورقة وحلاوة وَفِي شعر ذَاك جساوة وفظاظه
وَكَانَ لأبي نواس مَعَ أهل عصره مناقضات ومعارضات يطول شرحها فنورد
مِنْهَا مَا خف ذكره
حضر أَبُو نواس مَعَ جمَاعَة سطحاً عَالِيا يطْلبُونَ هِلَال الْفطر وَكَانَ سُلَيْمَان ابْن أبي سهل فِي عينه سوء فَقَامَ أَبُو نواس بإزائه ثمَّ قَالَ يَا أَبَا أَيُّوب كَيفَ ترى الْهلَال من بعد وَأَنت لَا تراني من قرب فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان قد رَأَيْتُك تمشي الْقَهْقَرِي حَتَّى تدخل فِي رحم جلبان يَعْنِي أمه فأحفظ ذَلِك أَبَا نواس فَقَالَ فِي سُلَيْمَان
(قُلْ لسُليمانَ وَمَا شِيمتي
…
أَن أُهْدِىَ النُّصحَ لَهُ مُخْلصا)
(مَا أَنت بِالْحرِّ فأَلْحىَ وَلَا
…
بالعَبْدِ أسْتَعْتِبُهُ بِالعَصا)
(فَرحَمةُ الله عَلى آدم
…
رَحمةَ من عَمَّ وَمن خَصَّصا)
(لَو كَانَ يدْرِي أَنه خارجٌ
…
مِثلُكَ من إحليله لاختصى) // السَّرِيع //
فَأَجَابَهُ سُلَيْمَان فَقَالَ
(إِن ابْن هاني سِفْلَةٌ خَالص
…
مَا وَحَّدَ الله وَلَا أخْلَصا)
(أَغْلى بِذِكرى شِعره فاغْتَدى
…
بالقرض فِي أشباهه مُرخصا)
(وَكان فِي شِعري وتغريده
…
لخوف مَنْ يأتيهِ قد قَلَّصا)
(كَالْكَلْبِ هرّ الليْثَ حَتَّى إِذا
…
أهدي إِلَيْهِ مِخْلباً بصيصا)
وَكَانَ لأبي الشمقمق ضريبة على الشُّعَرَاء فجَاء يَوْمًا إِلَى أبي نواس فَقَالَ هَات ضريبتك فَدخل الْمنزل وَأخرج إِلَيْهِ رقْعَة فِيهَا
(أخَذْت بأيرِ بَغلٍ حِينَ أدْلى
…
فُوَيقَ الباعِ كالجذْعِ المطوّقْ)
(فَمَا إنْ زِلتُ أمرسُهُ بكفي
…
إِلَى أنْ صارَ كالسَّهم المفوقْ)
(فَلما أَن طَمى ونما وأنْدى
…
جلدت بِهِ حرأم أبي الشمقمق) // الوافر //
فَوَقَعت هَذِه الأبيات فِي أَفْوَاه الصّبيان وأجابه أَبُو الشمقمق بِأَبْيَات فَلم تسر لَهُ
وَحدث الجمان قَالَ اجْتمعت أَنا وَأَبُو نواس وَالرَّقَاشِيُّ فِي بعض متنزهات الْبَصْرَة فنفذ شرابنا فَقُلْنَا هَلُمَّ فَلْيقل كل وَاحِد منا بَيْتا فِي السقيا لنبعث بِهِ إِلَى عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم فابتدأ أَبُو نواس فَقَالَ
(يَا ابْن إبراهيمَ يَا عَبْدَ الملكْ
…
واثِقاً أقْبلتُ بِاللَّه وبِكْ)
(أَنْت لِلْمَالِ إِذا أصلَحتُه
…
فَإِذا أنْفقتُه فَالْمَال لَك)
وَقَالَ الرقاشِي
(اسْقني الخَمر ودع من لَامني
…
فِي هَوَى نَفْسي فغَيري مَنْ نَسَكْ)
(وَنِكِ المُرْدَ فَمَا من لذةٍ
…
نِلْتَها إِن لم تَنكهم وتُنَكْ)
فَوَقع الْبَيْت الرَّابِع بموافقته وَبعث إِلَيْنَا بِمَا كفانا
وَاجْتمعَ أَبُو نواس يَوْمًا مَعَ الرقاشِي فِي مجْلِس فتذاكرا الشّعْر فَقَالَ لَهُ أَبُو نواس لقد سبقتني إِلَى أَبْيَات وددت أَنَّهَا لي بِجَمِيعِ شعري قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ قَوْلك
(نبهت نَدْمَانِي الموفي بذمّتهِ
…
مِن بَعدِ إيْعَاب طاساتٍ وأقداح)
(فَقَالَ خُذ واسقني واشرب وغَنِّ لنا
…
يَا دارَ مَثَواي بالقاعين فالساح)
(فَمَا حَسَا ثَانِيًا أَو بعضَ ثالثةٍ
…
حَتَّى اسْتَدارَ وَرَدَّ الراح بِالرَّاحِ) // الْبَسِيط //
فَقَالَ لَهُ الرقاشِي لكنك أَنْت سبقتني ببيتين وددت أَنَّهُمَا لي بِكُل شعري فَقَالَ أَبُو نواس وَمَا هما قَالَ قَوْلك
(ومُستطيلٍ على الصَّهباء باكَرها
…
فِي فِتيةٍ باصْطباحِ الرَّاحِ حُذَّاقِ)
(فَكلُّ شَيْء رَآهُ ظَّنهُ قَدحا
…
وكل شخصٍ رَآهُ قَالَ يَوْمًا ذَا ساقي) // الْبَسِيط //
وَاجْتمعَ يَوْمًا أَبُو نواس مَعَ عنان فاقبل عَلَيْهَا وَقَالَ
(إِنَّ لي أيْراً خبيثاً
…
عارِمَ الرَّأْس فلوتا)
(لوْ َرأى فِي الجوِّ فَرْجاً
…
لنزَا حَتَّى يَموتا)
(أَو رأى فِي السّقف دبراً
…
لتحول عنكبوتا)
(أَوْ رَآهُ جَوْف بحرٍ
…
صَار للإنغاظ حوتا) // من مجزوء الرمل //
فَقَالَت عنان
(زَوَّجوا هَذَا بألفٍ
…
وأظُنُّ الألفَ قوتا)
(إِنَّنِي أخْشَى عَليه
…
دَاء سُوء أَن يَموتا)
(قَبْلَ أَن ينقلبَ الدَّاء
…
فَلَا يأتِي ويُوتى)
فَقَالَ أَبُو نواس
(ألمَ تَرِقِّى لصبٍّ
…
يَكْفِيهِ مِنكِ قُطَيْره) // المجتث //
فَقَالَت عنان
(إِيّايَ تَعني بهذَا
…
عَليك فَاجلدْ عُميرهْ)
فَقَالَ أَبُو نواس
(أخافُ إِن رُمتُ هذَا
…
عَلى يَدِي مِنكِ غَيرهْ)
فَقَالَت عنان
(عَليكَ أمَّكَ نِكُها
…
فَإنها كندفيرة)
وَدخل أَبُو نواس يَوْمًا على الناطفي وعنان جالسة تبْكي وخدها على رزة بَاب فَقَالَ
(بَكَتْ عنانٌ فَجرى دَمعُها
…
كَاللُّؤْلُؤِ المرفَضِّ من خيطه) // السَّرِيع //
فَقَالَت عنان وَالْعبْرَة تخنقها
(فَليتَ مَنْ يَضربُها ظَالِما
…
تَجفُّ يُمناهُ على سَوطهِ)
وَكَانَ الرشيد قد هم بشرَاء عنان جَارِيَة الناطفي فَقيل لَهُ إِن أَبَا نواس قد هجاها بقوله
(إنَّ عِنانَ النطاف جاريةٌ
…
قد صارَ حرهَا للأير مَيْدانا)
(لَا يَشْتَرِيهَا إلَاّ ابنُ زانيةٍ
…
أَو قُلْطُبان يكونُ من كَانَا) // المنسرح //
فَقَالَ لَعنه الله لَا حَاجَة لنا فِيهَا فأجابته عنان عَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَقَالَت
(عَجباً مِنْ حَلقيٍّ
…
يَدَّعى أصلَ اللواط)
(فَإِذا صَار إِلَى الْبَيْت
…
وَخسف عَن تواطي)
(فَالَّذِي يَعلم يَدْري
…
مَنْ يَلِي وَجه الْبسَاط) // من مجزوء الرمل //
فَقَالَ أَبُو نواس
(فتحت حرِها عِنانٌ
…
ثمَّ نَادَت مَنْ ينيك)
(ثُمَّ أبدَتْ عَن مشق
…
مِثلِ صَحراء العتيك)
(فِيهِ دراح وَبطّ
…
ودَجاجات وَدِيكْ) // من مجزوء الرمل //
فَقَالَت عنان
(إِن ابْن هَانِئ بِدَائهِ كَلفٌ
…
يَبيتُ عَن نَفسه يخادِعُها)
(أمسي بروس الحملان يُعرَف فِي النَّاس
…
ومضماره كوارعها) // المنسرح //
ووجهت عنان مرّة إِلَى أبي نواس بوصيفة لَهَا مَعَ رقْعَة فِيهَا
(زرنا لتأكُلَ مَعْنا
…
وَلَا تَغيبَنّ عَنَّا)
(فَقدْ عزمنا على الشّرْب
…
صُحْبَة واجتمعنا) // المجتث //
فَلَمَّا وَردت الوصيفة على أبي نواس قَرَأَ رقعتها ثمَّ تأملها فاستحلاها فخدعها وَقضى وطره مِنْهَا ثمَّ كتب فِي جَوَاب الرقعة
(نكنا رسولَ عنانٍ
…
والرأيُ فِيمَا فَعلْنا)
(فَكَانَ خبْزًا بملحٍ
…
قَبل الشِّواء أكلْنا)
(جذبِتها فتجافَتْ
…
كالغُصْن لما تَثنىَّ)
(فقلتُ لَيْسَ عَليّ ذَا الفعال
…
كُنَّا افْترقنا)
(قَالَت فكم تتجنىّ
…
طوَّلْتَ نكنا وَدْعنا) // المجتث //
فَلَمَّا قَرَأت عنان الرقعة قَالَت إِن كَانَ صَادِقا فقد زنى وهجرته
وَلَقَد ظرف ابْن الْأَبَّار بمتابعته أَبَا نواس فِي هَذَا الْمَعْنى حَيْثُ قَالَ
(زَارني خِيفةَ الرَّقِيب مريباً
…
يتَشكَّى القضيبُ مِنْهُ الكثيبا)
(رَشَاْ رَاش لي سِهَام المنايا
…
من جُفونٍ يُصمِي بِهن القلوبا)
(قَالَ لي مَا تَرَى الرقيبَ مُطلاًّ
…
قلت ذره أَتَى الجنابَ الرحيبا)
(عاطِهِ أكؤس المدَامِ دِراكاً
…
وأدِرها عَليه كوباً فكوبا)
(واسقنيها بخَمرِ عينيكَ صِرفاً
…
واجعَلِ الكأس مِنْك ثغرا شنيبا)
(نم لما نامَ الرقِيبُ سَريعاً
…
وتَلَقَّى الكَرى سَمِيعاً مُجِيبا)
(قالَ لَا بُد أَن تَدِبَّ إِلَيْهِ
…
قُلتُ أبغي رَشَّاَ وآخذ ذيبا)
(قَالَ فابدأ بِنَا وثَنِّ عَليه
…
قلت كلا لقد دَفَعت قَرِيبا)
(فوثبنا على الغزال ركوباً
…
ودَبَبْنا إِلَى الرَّقِيب دبيبا)
(فهلَ أبْصَرت أَو سَمِعت بصَبّ
…
نَاكَ مَحْبوبه وناك الرقيبا) // الْخَفِيف //
قَالَ ابْن بسام وَلَقَد ظرف ابْن الْأَبَّار واستهتر مَا شَاءَ وَأَظنهُ لَو قدر على إِبْلِيس الَّذِي تولى لَهُ نظم هَذَا المسلك لدب إِلَيْهِ ووثب أَيْضا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَأَبُو نواس سهل للنَّاس هَذَا السَّبِيل حَيْثُ يَقُول وَذكر الأبيات انْتهى
وَمن أناشيد الثعالبي فِي هَذَا الْمَعْنى
(ليَ أير أرَاحْني الله مِنْهُ
…
صَار همي بِهِ عَريضاً طَويلا)
(نَام إِذْ زارني الحبيبُ عناداً
…
ولعهدي بِهِ ينيك الرسولا)
(حسبت زورةً لشِقْوَةٍ جَدى
…
فافترقنا وَمَا شفينا غليلا) // الْخَفِيف //
رَجَعَ إِلَى أَخْبَار أبي نواس
وأشرف يَوْمًا أَبُو نواس من دَار على منزل عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَقد مَاتَ بعض أَهله وَعِنْدهم مأتم وجنان جَارِيَة عبد الْوَهَّاب واقفة مَعَ النِّسَاء تلطم وَفِي يَديهَا خضاب وَكَانَت حسناء أديبة عَاقِلَة ظريفة وَكَانَ أَبُو نواس يهواها فَقَالَ
(يَا قَمراً أبرَزَه مأتم
…
ينْدب شجوا بَين أترابِ)
(يَبكي فيذري الدمع من نرجسٍ
…
ويلطم الْورْد بعُنابِ)
(لَا تَبْكِ مَيتا حَلَّ فِي حُفرةٍ
…
وابك قَتِيلا لكِ بالبابِ)
(أبرَزَه المأتم لي كَارِهًا
…
بَرَغْمِ داياتٍ وحُجَّابِ)
(لَا زالَ دَأَباً موتُ أَصْحَابه
…
ودابُ أَن أبصرِهُ دَابيَ) // السَّرِيع //
وَذكرت بِالْبَيْتِ الأول وَالثَّانِي مَا عَكسه بَعضهم مِنْهُمَا فِي هجاء أَعور وَهُوَ
(يَا أعْوَراً أبرزه مأتم
…
ينْدب شجوا بتخاليط)
(يَبكي فَيذري الدمع من كُوةٍ
…
ويلطم الشَّوكَ ببلُّوطِ) // السَّرِيع //
وَحدث أَبُو نواس قَالَ رَأَيْت النَّابِغَة الذبياني فِي مَنَامِي فَقَالَ لي بِمَاذَا حَبسك الرشيد فَقلت لَهُ بِقَوْلِي
(اهْجُ نزاراً وَأفْرِ جِلْدَتها
…
وَهتِّكِ السِّترَ عَن مثاليها) // المنسرح //
فَقَالَ لي أهل ذَاك أَنْت يَا ابْن الزَّانِيَة فقد استوحيت من كل نزاري عُقُوبَة مثلهَا بِمَا ارتكبت مِنْهَا فَقلت وَأَنت بِمَاذَا حَبسك النُّعْمَان قَالَ بِبَيْت قلته ستره النُّعْمَان عَن النَّاس قلت بِقَوْلِك
(سقط النصيف وَلم ترد إِسْقَاطه
…
فتناولته واتقتنا بِالْيَدِ) // الْكَامِل //
فَقَالَ أَو هَذَا مَسْتُور قلت فبقولك
(وإِذا لَمستَ لَمستَ أَضخمَ جاثماً
…
مُتحيزاً بِمكانهِ مِلء الْيدِ) // الْكَامِل //
قَالَ اللَّهُمَّ غفرا قلت فَمَاذَا قَالَ بِقَوْلِي
(فملكت عُلياها وَأسْفلها مَعًا
…
وأخذتها قَسراً وَقلتُ لَهَا اقعدي) // الْكَامِل //
فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث اليزيدي فَألْحق الْبَيْت بقصيدة النَّابِغَة
وَحكى الْأَصْمَعِي قَالَ رَأَيْت أَبَا نواس بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقلت هَل نسي من خمرياتك شَيْء قَالَ أَجودهَا قلت فاذكره فَقَالَ
(أَذكى سِرَاجًا وساقي الشّرْب يمزجها
…
فَلَاحَ فِي البيتِ كالمصباحِ مِصباحُ)
(كِدنْا على عِلمنا بالشّك نَسألهُ
…
أرَاحنا نارُنا أمْ نارنا الراح) // الْبَسِيط //
وَحكى عَن عبد الله بن المعتز أَنه قَالَ رَأَيْت أَبَا نواس فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ لقد أَحْسَنت فِي قَوْلك
(جاءتْ بإبريقها مِنْ بَيتِ تاجرها
…
رُوحاً مِنَ الخمرِ فِي جِسمٍ مِنَ النّارِ) // الْبَسِيط //
فَقَالَ لَا بل أَحْسَنت فِي قولي
(يَا قَابض الرّوح مِنْ جِسم أسى زَمنا
…
وَغافَر الذنبِ زحزحني عَن النَّار) // الْبَسِيط //
وَقد أحسن أَبُو نواس ظَنّه بربه حَيْثُ يَقُول
(تَكثَّرْ مَا اسْتطعْتَ مِنَ الْخَطَايَا
…
فإنّكَ بالِغٌ رَبَّاً غَفورَا)
(سَتُبْصر إِن وَردْتَ عَلَيْهِ عَفواً
…
وَتلْقي سيِّداً مَلكاً كَبِيرا)
(تَعضُّ نَدامة كَفيكَ مِمَّا
…
تَركتَ مخافةَ النَّار السرورا) // الوافر //
وَمن شعره
(سُبحانَ ذِي المْلكوتِ أيّة ليلةٍ
…
مخضَتْ صَبيحتها بيومِ الموقِفِ)
(لوْ أنّ عَيناً وهمتها نَفسهَا
…
مَا فِي المعادِ مُحَصلاً لم تطرف) // الْكَامِل //
وَمِنْه
(خلِّ جَنبيك لرامِ
…
وامْضِ عَنهُ بسلامِ)
(مُتْ بداءِ الصمتِ خيرٌ
…
لكَ من دَاء الكلامِ)
(إِنما العاقلُ مَنْ ألْجَمَ
…
فَاهُ بِلجِامِ)
(شِبْتَ يَا هَذَا ومَا
…
تَتركُ أخلاقَ الغُلامِ)
(والمْنَايا آكِلاتٌ
…
شارباتٌ للأنام) // من مجزوء الرمل //
وأخباره كَثِيرَة وديوان شعره مُخْتَلف التَّرْتِيب لاخْتِلَاف جامعيه
وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَقيل سِتّ وَقيل ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة بِبَغْدَاد وَدفن فِي مَقَابِر الشونيزي رَحمَه الله تَعَالَى