الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَوَاهِد الْمسند
33 -
(فَانِي وقيار بهَا لغريب
…
)
قَائِله ضابئ بن الْحَارِث البرجمي وَهُوَ من قصيدة من الطَّوِيل قَالَهَا وَهُوَ مَحْبُوس فِي الْمَدِينَة المنورة فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه وَهِي
(وَمن يَك أمْسى بالمدينةِ رحلُهُ
…
فَانِي وقيار بهَا لَغريُب)
(وربَّ أُمُور لَا تَضيرُكَ ضَيرَةً
…
وللقلب من مَخْشاتهن وجِيب)
(وَمَا عاجلاتُ الطيرُ تُدني من الْفَتى
…
نجاحاً وَلَا عَن رَيْثِهِنَّ يخيب)
(وَلَا خَيرَ فِيمن لَا يُوَطن نَفسهُ
…
على نائبات الدَّهرِ حِين تنَوب)
(وَفِي الشَّك تَفْريط وَفِي الحزْم فَتْرَة
…
ويُخطئُ فِي الْحَدْس الْفَتى ويُصيب)
(ولَسْتَ بمستبْقٍ صَديقاً وَلَا أَخا
…
إِذا لم تُعِدَّ الشيءَ وَهُوَ مُريب) // الطَّوِيل //
وَمعنى الْبَيْت التحسر على الغربة والرحل السكن وَمَا يستصحبه من الأثاث وقيار جمل ضابئ أَو فرسه
وَالشَّاهِد فِيهِ ترك الْمسند وَهُوَ غَرِيب وَالْمعْنَى إِنِّي لغريب وقيار أَيْضا لقصد الِاخْتِصَار والاحتراز عَن الْعَبَث فِي الظَّاهِر مَعَ ضيق الْمقَام بِسَبَب التحسر ومحافظة الْوَزْن
وَلَا يجوز أَن يكون غَرِيب خَبرا عَنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لِامْتِنَاع الْعَطف على
مَحل اسْم إِن قبل مضى الْخَبَر وقيار مَرْفُوع إِمَّا عطفا على مَحل اسْم إِن أَو بِالِابْتِدَاءِ والمحذوف خَبره والسر فِي تَقْدِيم قيار على خبر إِن قصد التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي التحسر على الاغتراب كَأَنَّهُ أثر فِي غير ذَوي الْعُقُول أَيْضا إِذْ لَو أخر لجَاز أَن يتَوَهَّم مزيته عَلَيْهِ فِي التأثر عَن الغربة لَان ثُبُوت الحكم أَولا أقوى
وضابئ بالضاد الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة ثمَّ همزَة ابْن الْحَرْث البرجمي يَنْتَهِي نسبه إِلَى تَمِيم وَذكر فِيمَن أدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ إِنَّه جنى جِنَايَة فِي زمن عُثْمَان رضي الله عنه فحبسه فجَاء ابْنه عُمَيْر وَأَرَادَ الفتك بعثمان رضي الله عنه ثمَّ جبن عَنهُ وَفِي ذَلِك يَقُول
(هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني
…
تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) // الطَّوِيل //
وَيَقُول فِيهَا أَيْضا
(وقائلِةٍ لَا يُبعدِ الله ضابِئاً
…
وَلَا تَبَعدَنْ أخلاقه وشمائله)
إِلَى أَن يَقُول فِيهَا أَيْضا
(وَلَا تَقربنَ أَمرَ الصَّريمةَ بامرئ
…
إِذا رَام أمرا عوَّفَتْهُ عواذلُهْ)
(فَلَا الفَتْكُ مَا أمّرتَ فِيهِ وَلَا الَّذِي
…
تحدت مَنْ لاقيتَ أَنَّك قَاتله)
(وَمَا الفتك إِلَّا لامرئ ذِي حَفيظةٍ
…
إِذا هَّم لم تُرْعَدْ عَلَيْهِ مفاصِلُهْ)
ثمَّ لما قتل عُثْمَان رضي الله عنه وثب عَلَيْهِ عُمَيْر الْمَذْكُور فَكسر ضلعين من أضلاعه ثمَّ إِن الْحجَّاج قَتله كَمَا سَيَأْتِي مشروحاً فِي شَوَاهِد الإيجاز عِنْد قَوْله أَنا ابْن جلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَكَانَ السَّبَب فِي حبس عُثْمَان لضابئ أَنه كَانَ اسْتعَار من بعض بني حَنْظَلَة كَلْبا يصيد بِهِ فطالبوه بِهِ فَامْتنعَ من إِعْطَائِهِ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ قهراُ فَغَضب وَرمى أمّهم بالكلب وهجاهم بقوله
(تَجشّمَ نحوي وفْدُ قُرحانَ شُقة
…
تَظَل بِهِ الوَجناءُ وَهِي حَسيرُ)
(فأردَفتهُم كلْباً فراحوا كَأَنَّمَا
…
حَباهْم بتاج الهُرمزانِ أميرُ)
(وقلَدْتهم مَا لَو رميْت مُتالِعاً
…
بِهِ وَهْوَ مُغْبر لكاد يَطير)
(فَيا رَاكباً إِمَّا عرضت فبلغن
…
أسامَةَ عني والأمورُ تدورُ)
(فأمُّكمُ لَا تترُكُوها وكلْبَكم
…
فَإِن عقوقَ الْوَالِدين كَبير)
(فَإنَّك كلبٌ قد ضَرِيتَ بِمَا ترى
…
سَميع بِمَا فوقَ الفِراشِ بَصِير)
(إذَا عَبَقَتْ مِن آخر اللَّيْل دُخْنةٌ
…
يَبيت لَهُ فوْقَ الفِراشِ هرير) // الطَّوِيل //
فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فحبسه وَقَالَ وَالله لَو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ حَيا لنزلت فِيك آيَة وَمَا رَأَيْت أحدا رمى قوما بكلب قبلك
وَحدث أَبُو بكر بن عَيَّاش قَالَ كَانَ عُثْمَان رضي الله عنه يحبس فِي الهجاء فهجا ضابئ قوما فحبسه عُثْمَان رضي الله عنه ثمَّ استعرضه فَأخذ سكيناً فَجَعلهَا فِي أَسْفَل نَعله فَأعْلم عُثْمَان بذلك فَضَربهُ ورده إِلَى الْحَبْس
34 -
(نَحنُ بِمَا عِنْدَنا وأَنْتَ بِما
…
عِنْدِكَ راضٍ وَالرأي مُخْتَلِفُ)
الْبَيْت لقيس بن الخطيم من قصيدة من المنسرح أَولهَا
(رَدَّ الخليطُ الجِمالَ فانصرفوا
…
مَاذَا عَلَيْهِم لَو أَنَّهم وَقَفوا)
(لَو وقفُوا سَاعَة نُسائِلُهم
…
رَيْثَ يُضحي جِمَاله السلَفُ)
(فيهم لَعوبٌ لَعْساءُ آنسةُ الدَّل عَروبٌ يَسوءها الخلُفُ
…
)
(بَين شُكولِ النساءِ خِلقُتها
…
قَصْدٌ فَلَا جثلة وَلَا قَضَفُ)
(تَنامُ عَن كُبْرِ شَأْنهَا فَإِذا
…
قَامَت رُويْداً تكَاد تنع طف) // المنسرح //
إِلَى أَن قَالَ مِنْهَا أَيْضا
(أَبْلِغْ بني مَذْحِج وقَومَهمُ
…
خَطيم أَنا وَراءهم أُنُفُ)
(إِنَّا وَإِن قَلَّ نَصْرُنا لهُم
…
أكبادُنا من وَرائِهم تجِفُ)
(وإننا دون مَا يسومهم الْأَعْدَاء
…
من ضيم خُطةٍ نُكْفُ)
(الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا
…
يأتِيهُم من وَرَائِنَا وَكفُ)
(يَا مالِ وَالسَّيِّد المعَمَّم قد
…
يَطرأ فِي بعض رَأْيه السَّرَفُ)
(نحنُ المكيثونَ حيثُ يحمَدُ بالمُكثِ وَنحن المصالِتُ الأنُفُ
…
)
(يَا مَال والحقُّ إِن قَنعت بِهِ
…
فَالْحق فِيهِ لأمرنا نَصَفُ)
(خَالفْتَ فِي الرَّأْي كلَّ ذِي فَخَرٍ
…
والْبَغْيُ يَا مَال غير مَا تَصِفُ)
(إِنّ بُجيراً مولى لقومكم
…
وَالْحق نوفي بِهِ ونعترف) // المنسرح //
والرأي الِاعْتِقَاد وَيجمع على آراء وأرآء
وَالشَّاهِد فِيهِ ترك الْمسند وَهُوَ راضون فَقَوله رَاض خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخبر الأول مَحْذُوف على عكس الْبَيْت السَّابِق
وَمثله قَول الشَّاعِر
(رماني بِأَمْر كنت مِنْهُ ووالدي
…
بريّاً وَمن أجل الغوي رماني) // الطَّوِيل //
وَقَول المتنبي
(قَالَت وَقد رَأَتْ اصفراري من بِهِ
…
وتنهدت فأجبتها المتنهد) // الْكَامِل //
أَي المتنهد هُوَ المطالب بِهِ
وَقيس بن الخطيم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة شَاعِر جاهلي وَابْنه ثَابت رضي الله عنه مَذْكُور فِي الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَشهد مَعَ عَليّ كرم الله وَجهه صفّين والجمل والنهروان
وَقيس هَذَا قتل أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فَلَمَّا بلغ قتل قَاتل أَبِيه ونشأت بِسَبَب ذَلِك حروب بَين قومه وَبَين الْخَزْرَج فِي خبر يطول ذكره
وَكَانَ قيس بن الخطيم مقرون الحاجبين أدعج الْعَينَيْنِ أَحْمَر الشفتين براق الثنايا كَأَن بَينهمَا برقاً مَا رَأَتْهُ حَلِيلَة رجل قطّ إِلَّا ذهب عقلهَا
وَقَالَ حسان بن ثَابت رضي الله عنه للخنساء اهجي قيس بن الخطيم فَقَالَت لَا أهجو أحدا حَتَّى أرَاهُ فَجَاءَتْهُ يَوْمًا فرأته فِي مشربَة ملتفاً بكساء لَهُ فنخسته برجلها وَقَالَت قُم فَقَامَ فَقَالَت أقبل فَأقبل ثمَّ قَالَت أدبر فَأَدْبَرَ ثمَّ قَالَت أقبل فَأقبل قَالَ وَالله لكأنها والية تعترض عبدا تشتريه ثمَّ عَاد إِلَى حَاله نَائِما فَوَلَّتْ وَقَالَت وَالله لَا أهجو هَذَا أبدا
وَقَالَ حسان بن ثَابت رضي الله عنه قدم النَّابِغَة السُّوق فَنزل عَن رَاحِلَته ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ وَاعْتمد على عَصَاهُ ثمَّ أنشأ يَقُول
(عرَفتُ منازلاً بعُريتناتٍ
…
فأعلى الجزعِ للحَيّ المبن) // الوافر //
فَقلت هلك الشَّيْخ ورأيته تبع قافية مُنكرَة قَالَ وَيُقَال إِنَّه
قَالَهَا فِي مَوْضِعه فَمَا زَالَ ينشد حَتَّى أَتَى على آخرهَا ثمَّ قَالَ أَلا رجل ينشد فَتقدم قيس بن الخطيم فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ وَأنْشد
(أتعرف رسما كاطراد الْمذَاهب
…
) // الطَّوِيل //
حَتَّى فرغ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ أَنْت أشعر النَّاس يَا ابْن أخي قَالَ حسان رضي الله عنه فدخلني مِنْهُ من ذَلِك وَإِنِّي مَعَ ذَلِك لأجد الْقُوَّة فِي نَفسِي عَلَيْهِمَا ثمَّ تقدّمت فَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَ أنْشد فوَاللَّه إِنَّك لشاعر قبل أَن تَتَكَلَّم قَالَ وَكَانَ يعرفنِي قبل ذَلِك فَأَنْشَدته فَقَالَ أَنْت أشعر النَّاس
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ جلس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مجْلِس لَيْسَ فِيهِ إِلَّا خزرجي فاستنشدهم صلى الله عليه وسلم قصيدة قيس بن الخطيم وَهِي
(أتعرفُ رسماً كاطراد الْمذَاهب
…
لِعَمْرَةَ وحشاً غيرَ موقف راكبِ)
فأنشده بَعضهم إِيَّاهَا فَلَمَّا وصل إِلَى قَوْله مِنْهَا
(أَجالِدُهمْ يَوْم الحديقةِ حاسراً
…
كأنَّ يَدي بالسيفِ مِخْرَاق لاعبِ)
فَالْتَفت إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَل كَانَ كَمَا ذكر فَشهد ثَابت بن قيس بن شماس قَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله لقد خرج إِلَيْنَا يَوْم سَابِع عرسه عَلَيْهِ غلالة وَمِلْحَفَة مورسة فجالدنا كَمَا ذكر هَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة
وَهَذِه القصيدة من غرر القصائد وبيتها هُوَ قَوْله
(تبدّتْ لنَا كَالشَّمْسِ تحتَ غمّامةٍ
…
بدَا حاجبٌ مِنْهَا وضَنَّتْ بحاجِبِ)
وَعَن الْمفضل أَن حَرْب الْأَوْس والخزرج لما هدأت تذكرت الْخَزْرَج قيس بن الخطيم ونكايته فيهم فتآمروا وتواعدوا على قَتله فَخرج عَشِيَّة من منزله فِي ملاءتين يُرِيد مَالا لَهُ بِالشَّوْطِ قلت وَهُوَ حَائِط عِنْد جبل أحد فَلَمَّا مر بأطم بني حَارِثَة رمى من الأطم بِثَلَاثَة أسْهم فَوَقع أَحدهَا فِي صَدره فصاح صَيْحَة سَمعهَا رهطه فجاؤه فَحَمَلُوهُ إِلَى منزله فَلم يرَوا لَهُ كفوا إِلَّا أَبَا صعصعة يزِيد بن عَوْف بن مبذول النجاري فاندس إِلَيْهِ رجل حَتَّى اغتاله فِي منزله فَقتله بِأَن ضرب عُنُقه وَاحْتمل رَأسه وأتى بِهِ قيسا وَهُوَ بآخر رَمق فَأَلْقَاهُ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ يَا قيس قد أدْركْت بثارك فَقَالَ عضضت بأير أَبِيك إِن كَانَ غير أبي صعصعة قَالَ هُوَ أبي صعصعة وَأرَاهُ الرَّأْس فَلم يلبث قيسٌ بعد ذَلِك أَن مَاتَ وَكَانَ مَوته على كفره قبل قدوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة المنورة
وَمن شعره من قصيدة
(ومَا بعضُ الإقَامةِ فِي ديارٍ
…
يُهَانُ بهَا الْفَتى إِلَّا عناءُ)
(وبعضُ خلائقِ الأقوامِ داءٌ
…
كداء الْمَوْت ليسَ لَهُ دَوَاء)
(يُرِيد الْمَرْء أَن يُعْطَي مُناهُ
…
ويأْبَى اللهُ إِلَاّ مَا يشاءُ)
(وَكلّ شَدِيدَة نزلتْ بِقومٍ
…
سَيَأْتِي بعد شِدَّتهَا رخَاءُ)
(وَلا يُعطى الْحَرِيص غنى بِحِرْصٍ
…
وَقَدْ ينمي على الْجُود الثراءُ)
(غنَاء النفسِ مَا عمرتْ غناءٌ
…
وفقرُ النَّفس مَا عمرت شقَاءُ)
(وَلَيْسَ بِنافع ذَا الْبُخْل مالٌ
…
ولَا مُزْرٍ بِصاحبه السخَاءُ)
(وبعضُ القَوْل ليسَ لهُ عنَاجٌ
…
كمخص المَاء لَيْسَ لَهُ إتاءُ)
(وبعضُ الدَّاء مُلْتَمَسٌ شِفَاهُ
…
وداءُ النَّوْكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاء) // الوافر //
35 -
(إِن محلا وَإِن مرتحلا
…
)
قَائِله الْأَعْشَى الْأَكْبَر من قصيدة من المنسرح يمدح بهَا سَلامَة ذَا فايش واسْمه سَلامَة بن يزِيد الْيحصبِي وَكَانَ يظْهر للنَّاس فِي الْعَام مرّة مبرقعاً
حدث سماك بن حَرْب قَالَ قَالَ الْأَعْشَى أتيت سَلامَة ذَا فايش فأطلت الْمقَام بِبَابِهِ حَتَّى وصلت إِلَيْهِ بعد مُدَّة طَوِيلَة فَأَنْشَدته
(إِن محلا وَإِن مرتحلا
…
وَإِن فِي شِعْرِ مَنْ مضى مَثَلَا)
(استأثرّ اللُه بِالْوَفَاءِ وبالعدلِ وأوْلى الملامةَ الرجلَا
…
)
(والأرضُ حمالَة لما حملَ اللهُ وَمَا إِنْ يُردُّ مَا فعلا
…
)
(يَوْمًا تَراهَا كشبه أرديةِ العَصبِ وَيَوْما أَديمُهَا نَغِلَا
…
)
(الشّعْر قلدُتهُ سَلامَة ذَا
…
فايش والشيءُ حَيْثُمَا جُعلَا)
فَقَالَ صدقت الشَّيْء حَيْثُمَا جعل وَأمر لي بِمِائَة من الْإِبِل وكساني حللا وَأَعْطَانِي كرشاً مدبوغة مَمْلُوءَة عنبراً وَقَالَ لي إياك أَن تخدع عَمَّا فِيهَا قَالَ فَأتيت الْحيرَة فبعتها بثلثمائة نَاقَة حَمْرَاء
وَالْمحل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الْمنزل والمرتحل بِالْفَتْح أَيْضا الْمَكَان المرتحل عَنهُ
وَالشَّاهِد فِيهِ حذف الْمسند الَّذِي هُوَ هُنَا ظرف
وَالْمعْنَى إِن لنا فِي الدُّنْيَا حلولا وَلنَا عَنْهَا إِلَى الْآخِرَة ارتحالا
وَقد اخْتلف فِي حذف خبر إِن فَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ إِذا علم سَوَاء كَانَ الِاسْم معرفَة أَو نكرَة وَهُوَ الصَّحِيح وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ إِن كَانَ الِاسْم نكرَة وَقَالَ الْفراء لَا يجوز معرفَة كَانَ أَو نكرَة إِلَّا إِذا كَانَ بالتكرير كَهَذا الْبَيْت
والأعشى اسْمه مَيْمُون بن قيس بن جندل بن شرَاحِيل يَنْتَهِي نسبه لنزار وَكَانَ يُقَال لِأَبِيهِ قَتِيل الْجُوع سمي بذلك لِأَنَّهُ دخل غاراً ليستظل فِيهِ من الْحر فَوَقَعت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ فَم الْغَار فَمَاتَ فِيهِ جوعا وَفِيه يَقُول جهنام واسْمه عَمْرو وَكَانَ يتهاجى هُوَ والأعشى
(أَبوك قتيلُ الْجُوع قيس بن جندل
…
وخالك عبدٌ من خماعة راضع) // الطَّوِيل //
وَكَانَ الْأَعْشَى يكنى أَبَا بَصِير وَهُوَ أحد الْأَعْلَام من شعراء الْجَاهِلِيَّة وفحولها
وَسُئِلَ يُونُس النَّحْوِيّ من أشعر النَّاس فَقَالَ لَا أومئ إِلَى رجل بِعَيْنِه وَلَكِنِّي أَقُول امْرُؤ الْقَيْس إِذا ركب والنابغة إِذا رهب وَزُهَيْر إِذا رغب والأعشى إِذا طرب
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة من قدم الْأَعْشَى احْتج بِكَثْرَة طواله الْجِيَاد وتصرفه فِي المديح والهجاء وَسَائِر فنون الشّعْر وَلَيْسَ ذَلِك لغيره وَيَقُول هُوَ أول من سَالَ بِشعرِهِ وانتجع بِهِ أقاصي الْبِلَاد وَكَانَ يُغني بِشعرِهِ فَكَانَت الْعَرَب تسميه صناجة الْعَرَب
وَحدث يحيى بن سليم الْكَاتِب قَالَ بَعَثَنِي أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور بِالْكُوفَةِ إِلَى حَمَّاد الراوية أسأله من أشعر النَّاس قَالَ فَأتيت حماداً فاستأذنت وَقلت يَا غُلَام فَأَجَابَنِي إِنْسَان من أقْصَى بَيت فِي الدَّار فَقَالَ من أَنْت فَقلت يحيى بن سليم رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ادخل رَحِمك الله فَدخلت أتسمت الصَّوْت حَتَّى وقفت على بَاب الْبَيْت فَإِذا حَمَّاد عُرْيَان وعَلى سوءتيه شاهشفرم قلت وَهُوَ الريحان فَقلت لَهُ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَسْأَلك عَن أشعر النَّاس قَالَ نعم ذَلِك الْأَعْشَى صناجها
وَحدث رجل من أهل الْبَصْرَة أَنه حج فَقَالَ إِنِّي لأسير فِي لَيْلَة أضحيانة إِذْ نظرت إِلَى رجل شَاب رَاكب على ظليم قد زمه وخطمه وَهُوَ يذهب عَلَيْهِ وَيَجِيء قَالَ وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرتجز وَيَقُول
(هَل يُبْلغَنِّيهم إِلَى الصَّباحْ
…
هِقلٌ كَأَن رَأسه جماح) // الرجز //
فَعلمت أَنه لَيْسَ بإنسي فاستوحشت مِنْهُ فتردد عَليّ ذَاهِبًا وراجعاً حَتَّى أنست بِهِ فَقلت من أشعر النَّاس قَالَ الَّذِي يَقُول
(وَمَا ذَرَفَتْ عيناكِ إِلا لتضربي
…
بِسَهْمَيْك فِي أعشار قلب مقتل) // الطَّوِيل //
فقتلت وَمن هُوَ قَالَ امْرُؤ الْقَيْس قلت وَمن الثَّانِي قَالَ الَّذِي يَقُول
(تَطردُ القُرّ بحرٍّ ساخن
…
وعَكيكَ القَيْظِ إِن جَاءَ بِقُر) // الرمل //
قلت وَمن يَقُوله قَالَ طرفَة قلت وَمن الثَّالِث قَالَ الَّذِي يَقُول
(وَتبْرُدُ بَرْدَ زداء الْعَرُوس
…
بالصيف رَقْرَقْتَ فِيهِ العبيرا) // المتقارب //
قلت وَمن يَقُوله قَالَ الْأَعْشَى ثمَّ ذهب
وَقَالَ الشّعبِيّ رحمه الله الْأَعْشَى أغزل النَّاس فِي بَيت وَاحِد وأخنث النَّاس فِي بَيت وَاحِد وَأَشْجَع النَّاس فِي بَيت وَاحِد فَأَما أغزل بَيت فَقَوله
(غَرَّاءُ فَرعاءُ مصقولٌ عوارضها
…
تَمشي الهُوينا كَمَا يمشي الوجى الوجل) // الْبَسِيط //
وَأما أخنث بَيت فَقَوله
(قَالَت هُريرة لما جِئتُ زائِرها
…
ويلي عَلَيْك وويلي مِنْك يَا رجل) // الْبَسِيط //
وَأما أَشْجَع بَيت فَقَوله
(قَالُوا الطِّرادُ فَقُلْنَا تِلْكَ عادَتُنَا
…
أَو تَنْزلونَ فَإنَّا مَعْشر نزل) // الْبَسِيط //
وَهَذِه الأبيات من قصيدة للأعشى طنابة مطْلعهَا
(وَدَّعْ هريرةَ إِن الركب مرتحل
…
وَهل تُطيقُ وداعاً أَيهَا الرَّجُلُ)
وَقد ذكرت بهَا مَا أنْشدهُ السراج الْوراق مداعباً لشخص يدعى النَّجْم وَكَانَ اشْترى جَارِيَة اسْمهَا زبيدة من سيد لَهَا جميل الْوَجْه يُسمى فَخر الدّين بن عُثْمَان فَحملت سَيِّدهَا النَّجْم على أَن أزارها بَيت سَيِّدهَا الأول
(ذَابتْ زُبَيدة من شَوقٍ لسَيدها
…
عثمانَ والنَّجم بالنيرانِ مشتعلُ)
(وَمَا تلام ونيل الْفَخر يعجبها
…
وبالزيارة لم يبرح لَهَا شغل)
(فقُل لِطائر عقَل قد أتاهُ بهَا
…
ويلي عَلَيْك وويلي مِنْك يَا رجل)
(لَو كنْتَ يَا سَطْلُ ذَا أذْنٍ تُصيخ إِلَيّ
…
عَذْلٍ عذلتُك لَو يجدي لَك العَذَلُ)
(تَقود ظَبْيَة آرام إِلَى أسَدٍ
…
لَو التقى لمَضَتْ أنيابهُ العُصلُ)
(وَمن يرى ذَلِك الوجهَ الجميلَ وَلَا
…
يَوَدُّ من قَبحكَ الْمَشْهُور ينفَصلُ)
(هذي بُثينةُ وَالْمَجْنُون قائدُها
…
إِلَى جَميلٍ أَجَاد المح يَا جمل)
(وهبهُ عَفَّ أما تبقى محا سنّهَا
…
فِي قلبه يَا لَكَاع الْوَقْت يَا زُحَل)
(أفٍٍّ لعقلكَ يَا مَتبوعُ إِنَّك ذُو
…
رَأس خفيفٍ وذَاك الطودُ والجبل)
(وَالويلُ وَيلك إِن ذاقَتْ عُسَيلته
…
وَبَات يَجْتَمِعَانِ الزبدُ والعَسلُ)
(لأنشِدَنك إِن ودعتها سَفهاً
…
ودِّع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل)
(وَإِن يكن ذَاك أعشي كُنتَ أَنْت إِذا
…
أعمى فَلَا اتَّضحت يَوْمًا لَك السبل) // الْبَسِيط //
رَجَعَ إِلَى أَخْبَار الْأَعْشَى
قدم الأخطل الْكُوفَة فَأَتَاهُ الشّعبِيّ يسمع من شعره قَالَ فَوَجَدته يتغدى
فدعاني إِلَى الْغذَاء فأبيت فَقَالَ مَا حَاجَتك قلت أحب أَن أسمع من شعرك فأنشدني
(صرمت أُمامة حبلها ورعوم
…
) // الْكَامِل //
فَلَمَّا انْتهى إِلَى قَوْله
(وَإِذا تَعاوَرت الأكف ختامها
…
نفخت فَنالَ رياحهَا المزكُومُ) // الْكَامِل //
قَالَ لي يَا شعبي ناك الأخطل أُمَّهَات الشُّعَرَاء بِهَذَا الْبَيْت فَقلت الْأَعْشَى فِي هَذَا أشعر مِنْك يَا أَبَا مَالك قَالَ وَكَيف قلت لِأَنَّهُ قَالَ
(من خَمْر عانةَ قد أَتَى لختامِهِ
…
حَوْلٌ تَسُل غمامةَ المزكوم) // الْكَامِل //
فَقَالَ وَضرب بالكأس الأَرْض هُوَ والمسيح أشعر مني ناك وَالله أُمَّهَات الشُّعَرَاء إِلَّا أَنا
وَحدث هِشَام بن الْقَاسِم الْغَزِّي وَكَانَ عَلامَة بِأَمْر الْأَعْشَى أَنه وَفد
إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد مدحه بقصيدته الَّتِي أَولهَا
(ألم تكتحلْ عَيْنَاك ليْلةَ أرمَدَا
…
وعادَك مَا عادَ السليمَ المسهَّدا)
(وَمَا ذاكَ من عِشق النساءِ وَإِنَّمَا
…
تَناسيت قبلَ الْيَوْم خُلَّةً مَهْدَدا) // الطَّوِيل //
وفيهَا أَيْضا يَقُول لناقته
(فآليتُ لَا أرثي لَهَا من كلالةٍ
…
وَلَا من حَفىً حَتى تزورَ مُحَمَّدًا)
(نَبيٌّ يرى مَا لَا ترَوْن وذكرهُ
…
أَغارَ لعمري فِي الْبِلَاد وأَنجَدَا)
(مَتى مَا تُناخى عِنْد بَاب ابْن هَاشم
…
تُراحِي وتَلْقَىْ من فواضلِهِ نَدَى)
فَبلغ خَبره قُريْشًا فرصدوه على طَرِيقه وَقَالُوا هَذَا صناجة الْعَرَب مَا يمدح أحدا قطّ إِلَّا رفع من قدره فَلَمَّا ورد عَلَيْهِم قَالُوا أَيْن أردْت يَا أَبَا بَصِير قَالَ أردْت صَاحبكُم هَذَا لأسلم على يَدَيْهِ قَالُوا إِنَّه ينهاك عَن حَلَال ويحرمها عَلَيْك وَكلهَا بك رافق وَلَك مُوَافق قَالَ وَمَا هن قَالَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب الزِّنَى قَالَ لقد تركني الزِّنَى وَمَا تركته قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الْقمَار قَالَ لعَلي إِن لَقيته أصبت مِنْهُ عوضا من الْقمَار قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الرِّبَا قَالَ مَا دنت وَمَا أدنت قطّ قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الْخمر قَالَ أوه أرجع إِلَى صبَابَة بقيت لي فِي المهراس فأشربها فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان فَهَل لَك فِي شَيْء خير لَك مِمَّا هَمَمْت بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ نَحن وَهُوَ الْآن فِي هدنة فتأخذ مائَة من الْإِبِل وَترجع إِلَى بلدك سنتك هَذِه حَتَّى تنظر مَا يصير إِلَيْهِ أمرنَا فَإِن ظهرنا عَلَيْهِ كنت قد أخذت خلفا وَإِن ظهر علينا أَتَيْته قَالَ مَا أكره ذَاك قَالَ
أَبُو سُفْيَان يَا معشر قُرَيْش هَذَا الْأَعْشَى فوَاللَّه لَئِن أَتَى مُحَمَّدًا وَاتبعهُ ليضرمن عَلَيْكُم نيران الْعَرَب بِشعرِهِ فاجمعوا لَهُ مائَة من الْإِبِل فَفَعَلُوا فَأَخذهَا وَانْطَلق إِلَى بَلَده فَلَمَّا كَانَ بقاع منفوحة رَمَاه بعيره فَقتله
وَحدث مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن سُلَيْمَان بن أبي حَفْصَة قَالَ قبر الْأَعْشَى بمنفوحة وَأَنا رَأَيْته فَإِذا أَرَادَ الفتيان أَن يشْربُوا خَرجُوا إِلَى قَبره فَشَرِبُوا عِنْده وَصبُّوا عَلَيْهِ فضلات الأقداح انْتهى وَالله أعلم
36 -
(لِيبْكَ يزِيد ضارع لخصومة
…
)
قَائِله ضرار بن نهشل يرثي أَخَاهُ يزِيد من قصيدة من الطَّوِيل أَولهَا
(لَعمرِي لَئنْ أَمْسى يَزيدُ بنُ نَهشلٍ
…
حَشا جَدثٍ تَسفي عَليهِ الرَّوائحُ)
(لَقد كانَ ممنْ يَبسُطُ الكفَّ بالنَّدى
…
إِذَا ضَنَّ بِالخيرِ الأكفُّ الشَّحائحُ)
(فَبعدكَ أبْدَى ذُو الضَّغينةِ ضِغنهُ
…
وسَدَّد لي الطَّرفَ الْعيونُ الْكواشحُ)
(ذَكرتُ الذِي ماتَ النَّدَى عِندَ مَوْتِهِ
…
بِعافيةٍ إِذْ صَالحُ الْقومِ صَالحُ)
(إِذَا أَرَقِي أَفْنَى مِنَ اللَّيلِ مَا مَضى
…
تَمطَّي بهِ ثِنيٌ مِنَ اللَّيلِ رَاجحُ)
(لِيبكَ يَزيدُ ضَارعٌ لخُصومةٍ
…
وَمُختبطٌ مِمَّا تُطيحُ الطَّوائحُ)
(عَرى بَعد مَا جَفَّ الثَّرَى عَنْ نِقابهِ
…
بِعصماءَ تَدْري كَيفَ تَمشي المنَائحُ) // الطَّوِيل //
والضارع الخاضع المستكن من الضراعة وَهِي الخضوع والتذلل وَالْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بضارع وَإِن لم يعْتَمد على شَيْء لِأَن الْجَار وَالْمَجْرُور تكفيه رَائِحَة الْفِعْل أَي يبكيه من يذل لأجل خُصُومَة لِأَنَّهُ كَانَ ملْجأ وظهيراً للأذلاء والضعفاء وتعليقه بيبكي لَيْسَ بِقَوي والمختبط الَّذِي يَأْتِيك للمعروف من غير وَسِيلَة وَأَصله من الْخبط وَهُوَ ضرب الشّجر ليسقط وَرقهَا لِلْإِبِلِ والطوائح جمع مطيحة وَهِي القواذف على غير قِيَاس كلواقح جمع ملقحة يُقَال طوحته الطوائح أَي نزلت بِهِ المهالك وَلَا يُقَال المطوحات وَهُوَ نَادِر
وَالشَّاهِد فِيهِ وُقُوع الْكَلَام جَوَابا لسؤال مُقَدّر مُشْتَمل على الْمسند وَعدل عَن بنائِهِ للْمَفْعُول لتكرير الْإِسْنَاد إِجْمَالا وتفصيلاً إِذْ هُوَ أوكد وَأقوى فِي النَّفس وَالله أعلم
37 -
(أوَ كلما وَرَدَتْ عُكاظَ قَبِيلةٌ
…
بَعثُوا إِليَّ عَريفَهُمْ يَتَوَسَّمُ)
الْبَيْت لطريف بن تَمِيم الْعَنْبَري من أَبْيَات من الْكَامِل وَبعده
(فَتَوَّسموني إِنَّنِي أَنا ذَلِكمْ
…
شَاكي سلَاحي فِي الحَوادثِ مُعَلمُ)
(تَحتي الأغَرُّ وَفوقَ جِلدي نَثرةٌ
…
زعف تَرُدُّ السَّيفَ وَهوَ مُثْلَّمُ)
(حَوْلي أسَيِّدُ والهجيمُ وَمازنٌ
…
وَإذا حَللتُ فَحْولَ بَيتي خضم) // الْكَامِل //
وعكاظ سوق بصحراء بَين نَخْلَة والطائف كَانَت تقوم هِلَال ذِي الْقعدَة وتستمر عشْرين يَوْمًا تَجْتَمِع فِيهَا قبائل الْعَرَب فيتعاكظون أَي يتفاخرون ويتناشدون وَمِنْه الْأَدِيم العكاظي والقبيلة بَنو أَب وَاحِد والعريف رَئِيس الْقَوْم لِأَنَّهُ عرف بذلك أَو النَّقِيب وَهُوَ دون الرئيس والتوسم التخيل والتفرس
وَالْمعْنَى إِن لي على كل قَبيلَة جِنَايَة فَمَتَى وردوا عكاظ طلبني الْقيم بأمرهم وَكَانَت فرسَان الْعَرَب إِذا كَانَ أَيَّام عكاظ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَأمن بَعضهم
بَعْضًا تقنعوا حَتَّى لَا يعرفوا وَذكر عَن طريف هَذَا وَكَانَ من الشجعان أَنه كَانَ لَا يتقنع كَمَا يتقنعون فَوَافى عكاظ سنة وَقد حشدت بكر ابْن وَائِل وَكَانَ طريف هَذَا قبل ذَلِك قد قتل شرَاحِيل الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ حصيصة بن شرَاحِيل أروني طريفا فاروه إِيَّاه فَجعل كلما مر بِهِ طريف تَأمله وَنظر إِلَيْهِ حَتَّى فطن لَهُ طريف فَقَالَ لَهُ مَا لَك تنظر إِلَيّ مرّة بعد مرّة فَقَالَ أتوسمك لأعرفك فَللَّه عَليّ لَئِن لقيتك فِي حَرْب لأَقْتُلَنك أَو لتقتلني فَقَالَ طريف عِنْد ذَلِك الأبيات الْمَارَّة
وَالشَّاهِد فِيهِ مجي الْمسند فعلا ليُفِيد حُدُوث التجدد حَالا بعد حَال وَهُوَ هُنَا يتوسم أَي يتفرس الْوُجُوه ويتصفحها يحدث مِنْهُ ذَلِك شَيْئا فَشَيْئًا ولحظة فلحظة
ثمَّ إِن بني عائذة حلفاء بني ربيعَة من ذهل بن شَيبَان خرج مِنْهَا رجلَانِ يصيدان فَعرض لَهما رجل من بني شَيبَان فذعر عَلَيْهِمَا صيدهما فوثبا عَلَيْهِ فقتلاه فثارت بَنو مرّة بن ذهل بن شَيبَان يُرِيدُونَ قَتلهمَا فَأَبت بَنو ربيعَة عَلَيْهِم ذَلِك فَقَالَ هَانِئ بن مَسْعُود وَهُوَ رئيسهم يَا بني ربيعَة إِن إخْوَانكُمْ قد أَرَادوا ظلمكم فانحازوا عَنْهُم ففارقوهم فَسَارُوا حَتَّى نزلُوا بمبايض مَاء لَهُم فأبق عبد لرجل من بني ربيعَة وَسَار إِلَى بِلَاد تَمِيم فَأخْبرهُم أَن حَيا جريداً من بني بكر بن وَائِل نزل على مبايض وهم بَنو ربيعَة والحي الجريد المنتقي من قومه فَقَالَ طريف بن
الْعَنْبَري هَؤُلَاءِ ثَأْرِي يَا آل تَمِيم إِنَّمَا هم أَكلَة رَأس وَأَقْبل فِي بني عَمْرو بن تَمِيم فأنذرت بهم بَنو ربيعَة فانحاز بهم هَانِئ بن مَسْعُود رئيسهم إِلَى علم مبايض وَأَقَامُوا عَلَيْهِ وسرحوا بالأموال والسرح وصحبتهم تَمِيم فَقَالَ لَهُم طريف افرغوا من هَؤُلَاءِ الْأَكْلُب يصف لكم مَا وَرَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ بعض رُؤَسَاء قومه أنقاتل أكلباً أحرزوا أنفسهم ونترك أَمْوَالهم مَا هَذَا بِرَأْي وأبوا عَلَيْهِ وَقَالَ هَانِئ لأَصْحَابه لَا يُقَاتل رجل مِنْكُم فلحقت تَمِيم بِالنعَم والعيال فَأَغَارُوا عَلَيْهِمَا فَلَمَّا ملأوا أَيْديهم من الْغَنِيمَة قَالَ هَانِئ لأَصْحَابه احملوا عَلَيْهِم فهزموهم وَقتل يَوْمئِذٍ طريف بن الْعَنْبَري قَتله حصيصة الشَّيْبَانِيّ بن شرَاحِيل وَقَالَ فِي ذَلِك
(وَلقدْ دَعوتَ طَريفُ دَعوةَ جاهلٍ
…
سَفهاً وَأنت بُمعلمٍ قَدْ تَعلم)
(وَأتيتَ حَيّاً فِي الْحروبِ مَحلهمْ
…
والجيشُ باسمِ أبِيهمُ يُستهزمُ)
(فوجدتَ قَوماً يمنعونَ ذِمارهمْ
…
بُسْلاً إذَا هابَ الفوارسُ أقْدموا)
(وَإِذا دَعوْا بِبني رَبيعةَ شمرُوا
…
بِكتائبٍ دُونَ النِّساءِ تَلَمْلَمُ)
(حَشدُوا عَليك وَعجلوا بِقراهمُ
…
وَحموْا ذِمارَ أَبيهمُ أنْ يُشتمُوا)
(سَلبوكَ دِرعكَ وَالأغرّ كليهمَا
…
وَبنُو أسَيِّدٍ أسْلموك وخَضَّمُ)
38 -
(لَا يألَفُ الدَّرْهمُ المضْرُوبُ صُرَّتَنَا
…
لكِنْ يَمُرُّ عَلَيهَا وَهْوَ منطلق)
الْبَيْت للنضر بن جؤية أَو جؤية بن النَّضر من أَبْيَات من الْبَسِيط وَقَبله
(قالتْ طَريفةُ مَا تَبقى دَراهِمنا
…
ومَا بِنا سَرفٌ فِيها وَلَا خُرقُ)
(إِنا إِذا اجْتمعتْ يَوْماً دَراهِمنا
…
ظَلْتْ إِلى طُرقِ الْمَعْرُوف تستبق) // الْبَسِيط //
وبعدهما الْبَيْت وَبعده
(حَتى يَصيرَ إِلَى نَذْلٍ يُخلِّدهُ
…
يَكادُ مِنْ صَرِّهِ إِيَّاهُ ينمزق) // الْبَسِيط //
وَنسبه صَاحب الْمغرب لملك إفريقية يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ
وَالشَّاهِد فِيهِ مَجِيء الْمسند اسْما لإِفَادَة الثُّبُوت والدوام لَا التَّقْيِيد والتجدد يَعْنِي أَن الانطلاق ثَابت لَهُ من غير اعْتِبَار تجدّد
وَفِي معنى الْبَيْت قَول المتنبي
(وكلمّا لقَى الدينارُ صاحبهُ
…
فِي مِلْكهِ افترَقَا من قبلِ يصْطحبَا)
(مالٌ كأنّ غرابَ البينِ يرقبهُ
…
فَكلما قيلَ هَذَا مجتد نعبا) // الْبَسِيط //
وَمَا أحسن قَول ابْن النَّقِيب فِي مَعْنَاهُ
(ومَا بَين كفي وَالدَّرَاهِم عَامر
…
ولستُ لَهَا دونَ الورى بخليل)
(وَمَا استَوْطَنَتْهَا قطُّ يَوْمًا وَإِنَّمَا
…
تمرُّ عَلَيْهَا عابراتِ سَبِيل) // الطَّوِيل //
وَمَا ألطف قَول السراج الْوراق
(إِنّ الدراهمَ مسُّهَا
…
أَلمٌ يشق على الكرامِ)
(الضربُ أول أمرهَا
…
والحبسُ فِي أَيدي اللئام)
(مَاذَا على شُؤْم الدارهم
…
من مقاساةِ الأنَامِ)
(ولخَوْفها مِنْ ذَا وَذَاكَ
…
تفرُّ من أَيدي الْكِرَام) // من مجزوء الْكَامِل //
ولطيف قَول بَعضهم
(رَأَيْت الدَّرَاهِم أبغضنني
…
كَأَنِّي قتلتُ أَبَا الدِّرْهَم) // المتقارب //
39 -
(لَهُ همم لَا مُنْتَهى لِكِبَارِهَا
…
)
قَائِله حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه يمدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم من قصيدة من الطَّوِيل وَتَمَامه
(وهْمتُهُ الصُّغْرَى أَجلُّ من الدهرِ
…
)
وَذكر بَعضهم أَنه لبكر بن النطاح فِي أبي دلف الْعجلِيّ وَلَعَلَّ الْحَامِل لَهُ على هَذَا مَا حكى أَن أَبَا دلف لحق أكراداً قطعُوا الطَّرِيق فِي عمله وَقد أرْدف فارش مِنْهُم رَفِيقًا لَهُ خَلفه فطعنهما جَمِيعًا فأنفذهما فَتحدث النَّاس أَنا أنفذ بطعنة وَاحِدَة فارسين فَلَمَّا قدم من وَجهه دخل عَلَيْهِ ابْن النطاح فأنشده قَوْله فِيهِ
(قَالُوا وينظمُ فارسين بطعنةٍ
…
يومَ اللقَاء وَلَا يراهُ جليلَا)
(لَا تعجبُوا فلوَ أَن طولَ قناتهِ
…
مِيلٌ إذَن نظم الفوارس ميلًا) // الْكَامِل //
فَأمر لَهُ أَبُو دلف بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ بكر فِيهِ أَيْضا
(لَهُ رَاحَة لَو أَن معشار جودها
…
على الْبر كَانَ البرُّ أندى من الْبَحْر)
(وَلَو أَن خلقَ اللهِ فِي جسمِ فارسٍ
…
وبارَزَهُ كَانَ الخليَّ من الْعُمر)
(أَبَا دُلَفٍ بوركْتَ فِي كل بَلْدَة
…
كَمَا بوركت قي شهرها ليلةُ القدرِ) // الطَّوِيل //
فَلَمَّا كَانَت هَذِه الأبيات مُوَافقَة لذَلِك الْبَيْت فِي الْوَزْن والقافية نسب لبكر بن النطاح الْمَذْكُور وَالَّذِي يقوى أَنه لَيْسَ لبكر بن النطاح أَنه لم يُوجد فِي أخباره إِلَّا الأبيات الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وَهَذَا الْبَيْت جليل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَلَو كَانَ مِنْهَا لنَصّ عَلَيْهِ بِالذكر وَنقل بَعضهم أَن أَعْرَابِيًا دخل على أَمِير فَقَالَ يمدحه
(فَتى تهرْبُ الأموالُ مِن جود كفِّهِ
…
كَمَا يهرُبُ الشَّيطانُ من لَيْلَة القدرِ)
(لَهُ همم لَا مُنْتَهى لكبارهَا
…
وهْمتُهُ الصُّغْرَى أَجلُّ مْن الدَّهرِ)
(لهُ رَاحة لَو أَن معشار جودها
…
على الْبر كَانَ البرُّ أندى من الْبَحْر) // الطَّوِيل //
فَقَالَ لَهُ الْأَمِير احتكم أَو فوض إِلَيّ الحكم فَقَالَ الْأَعرَابِي بل أحتكم بِكُل بَيت ألف دِرْهَم فَقَالَ الممدوح لَو فوضت إِلَيْنَا الحكم لَكَانَ خيرا لَك فَقَالَ لم يكن فِي الدُّنْيَا مَا يسع حكمك فَقَالَ أَنْت فِي كلامك أشعر من شعرك وَأمر مَكَان كل ألف بأَرْبعَة آلَاف
والهمم وَاحِدهَا همة بِالْكَسْرِ وتفتح وَهِي مَا هم بِهِ من أَمر ليفعل
وَالشَّاهِد فِيهِ تَقْدِيم الْمسند وَهُوَ لَهُ للتّنْبِيه من أول وهلة على أَنه خبر لهمم لَا نعت لَهُ إِذْ لَو تَأَخّر لتوهم أَنه نعت لَهُ لَا خبر
وَحسان بن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام الخزرجي رضي الله عنه وَأمه
الفريعة ويكنى أَبَا الْوَلِيد وَهُوَ من فحول الشُّعَرَاء وَقد قيل إِنَّه أشعر أهل المدن وَكَانَ أحد المعمرين المخضرمين عمر مائَة وَعشْرين سنة مِنْهَا سِتُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتُّونَ فِي الْإِسْلَام
وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ رَأَيْت حسان بن ثَابت رضي الله عنه وَله نَاصِيَة قد سد لَهَا بَين عَيْنَيْهِ
وَعَن مُحَمَّد النَّوْفَلِي رحمه الله قَالَ كَانَ حسان بن ثَابت يخضب شَاربه وعنفقته بِالْحِنَّاءِ وَلَا يخضب سَائِر لحيته فَقَالَ لَهُ ابْنه عبد الرَّحْمَن يَا أَبَت لم تفعل هَذَا قَالَ لأَكُون كَأَنِّي أَسد ولغَ فِي دم
وَعَن أبي عبَادَة قَالَ فضل حسان بن ثَابت الشُّعَرَاء بِثَلَاثَة كَانَ شَاعِر الْأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة وشاعر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النُّبُوَّة وشاعر الْيمن كلهَا فِي الْإِسْلَام
وَعَن سعيد بن الْمسيب رحمه الله قَالَ جَاءَ حسان رضي الله عنه إِلَى نفر فيهم أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ أنْشدك الله أسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أجب عني ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس قَالَ أَبُو هُرَيْرَة اللَّهُمَّ نعم
وَحدث سماك بن حَرْب قَالَ قَامَ حسان فَقَالَ يَا رَسُول الله إيذن لي فِيهِ يَعْنِي أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَكَانَ يهجو النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأخرج لَهُ لِسَانا أسود وَقَالَ يَا رَسُول الله لَو شِئْت لفريت بِهِ المزاد
إيذن لي فِيهِ قَالَ اذْهَبْ إِلَى أبي بكر ليحدثك حَدِيث الْقَوْم وأيامهم وأحسابهم ثمَّ اهجهم وَجِبْرِيل مَعَك فَأتى أَبَا بكر فَأعلمهُ بِمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كف عَن فُلَانَة وَاذْكُر فُلَانَة وكف عَن فلَان وَاذْكُر فلَانا فَقَالَ
(هجوت مُحَمَّدًا فأجبت عنهُ
…
وَعند الله فِي ذاكَ الجزاءُ)
(فَإِن أَبى ووالدتي وعرضي
…
لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاءُ)
(أتهجوهُ ولستَ لهُ بند
…
فشركما لخيركما الفداءُ) // الوافر //
وَحدث جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أمرت عبد الله بن رَوَاحَة فَقَالَ وَأحسن وَأمرت كَعْب بن مَالك فَقَالَ وَأحسن وَأمرت حسان بن ثَابت فشفى وأشفى
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ لما كَانَ عَام الْأَحْزَاب ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من يحمي أَعْرَاض الْمُسلمين فَقَالَ كَعْب رضي الله عنه أَنا يَا رَسُول الله وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة أَنا يَا رَسُول الله وَقَالَ حسان بن ثَابت أَنا يَا رَسُول الله قَالَ عليه السلام نعم اهجهم أَنْت فَإِنَّهُ سيعينك الله بِروح الْقُدس
وَعَن سعيد بن جُبَير رحمه الله قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فَقَالَ قد جَاءَ اللعين حسان من الشَّام فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا هُوَ بلعين لقد نصر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِهِ وَنَفسه
وَعَن مَسْرُوق قَالَ دخلت على عَائِشَة وَعِنْدهَا حسان وَهُوَ يَقُول
(حصان رزان مَا تزن بريبة
…
وتصبح غَرْتَي من لحومِ الغوافل) // الطَّوِيل //
فَقَالَت لَهُ عَائِشَة رضي الله عنها لَكِن أَنْت لست كَذَلِك فَقلت لَهَا أَيَدْخُلُ هَذَا عَلَيْك وَقد قَالَ الله عز وجل {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عذابٌ عَظِيم} فَقَالَت أما ترَاهُ فِي عَذَاب عَظِيم وَقد ذهب بَصَره
وَحدث مَالك بن عَامر قَالَ بَينا نَحن جُلُوس عِنْد حسان بن ثَابت وَحسان مضطجعٌ مسندٌ رجلَيْهِ إِلَى فارع قد رفعهما عَلَيْهِ إِذْ قَالَ مَه مَا رَأَيْتُمْ مَا مر بكم السَّاعَة قَالَ مَالك فَقُلْنَا لَا وَالله وَمَا هُوَ فَقَالَ حسان فاخته مرت بكم السَّاعَة بيني وَبَين فارع فصدمتني أَو قَالَ فزحمتني قَالَ فَقُلْنَا وَمَا هِيَ قَالَ
(ستأتيكُمُ غَدا أحاديثُ جمةٌ
…
فأصغوا لَهَا آذانكم وتسمعوا) // الطَّوِيل // قَالَ مَالك بن عَامر فصبحنا من الْغَد حَدِيث صفّين
وَحدث الْعَلَاء بن جُزْء الْعَنْبَري قَالَ بَينا حسان بن ثَابت بالخيف وَهُوَ مكفوف إِذْ زفر زفرَة ثمَّ قَالَ
(وكأنَّ حافرها بِكُل خميلة
…
صَاع يكيلُ بِهِ شحيحٌ معِدمُ)
(عاري الأشاجع من ثَقِيف أَصله
…
عبدٌ ويزعمُ أنهُ من يقدم) // الْكَامِل //
قَالَ والمغيرة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ جَالس قَرِيبا فَسمع مَا يَقُول فَبعث إِلَيْهِ
بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ من بعث إِلَيّ بِهَذِهِ فَقَالُوا الْمُغيرَة بن شُعْبَة سمع مَا قلت فَقَالَ واسوأتاه وَقبلهَا
وَحدث الْأَصْمَعِي قَالَ جَاءَ الْحَارِث بن عَوْف إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أجرني من شعر حسان فَلَو مزج الْبَحْر بِشعرِهِ لمزجه وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الْحَارِث بن عَوْف أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ابْعَثْ معي من يَدْعُو إِلَى دينك فَإِنِّي لَهُ جَار فَأرْسل صلى الله عليه وسلم مَعَه رجلا من الْأَنْصَار فغدرت بِالْحَارِثِ عشيرته فَقتلُوا الْأنْصَارِيّ فَقدم الْحَارِث على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يؤنب أحدا فِي وَجهه فَقَالَ ادعوا لي حسان فَلَمَّا رأى الْحَارِث أنْشدهُ
(يَا حارِ مَنْ يَغدرْ بِذمَّةِ جارِه
…
مِنكمْ فإِن مُحمداً لمْ يَغدِر)
(إنْ تَغدرُوا فالْغدرُ مِنكم شَيمة
…
وَالغدرُ يَنبتُ فِي أصُولِ السَّخبر) // الْكَامِل // فَقَالَ الْحَارِث اكففه عني يَا مُحَمَّد وأؤدي إِلَيْك دِيَة الخفارة فَأدى إِلَيّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سبعين عشراء وَكَذَلِكَ كَانَت دِيَة الخفارة وَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنِّي عَائِذ بك من شعره فَلَو مزج الْبَحْر بِشعرِهِ لمزجه
وَحدث يُوسُف بن مَاهك عَن أمه قَالَت كنت أَطُوف مَعَ عَائِشَة رضي الله عنها فَذكرت حسان فسببته فَقَالَت بئس مَا قلت تسبينه وَهُوَ الَّذِي يَقُول
(فَإِن أَبى ووالدتي وعرضي
…
لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء) // الوافر // فَقَالَت أَلَيْسَ مِمَّن لَعنه الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِمَا قَالَ فِيك قَالَت لم يقل شَيْئا وَلكنه الَّذِي قَالَ
(حصان رزان مَا تزن بريبة
…
وتصبح غَرْتَي من لحومِ الغوافلِ)
(فإِنْ كانَ مَا قدْ جَاءَ عنيْ قلتهُ
…
فَلَا رَفعتْ سَوطِي إِليَّ أناملي) // الطَّوِيل //
وَكَانَ حسان رضي الله عنه جَبَانًا حدث عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ كَانَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب فِي فارع حصن حسان بن ثَابت يَوْم الخَنْدَق قَالَت وَكَانَ حسان مَعنا فِيهِ مَعَ النِّسَاء وَالصبيان فَمر بِنَا رجل من الْيَهُود فَجعل يطوف بالحصن وَقد حَارَبت بَنو قُرَيْظَة وَقطعت مَا بَينهَا وَبَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بَيْننَا وَبينهمْ أحد يدْفع عَنَّا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فِي نحور عدوهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن ينصرفوا إِلَيْنَا إِن أَتَانَا آتٍ قَالَت فَقلت يَا حسان إِن هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا ترى يطوف بالحصن وَإِنِّي وَالله مَا آمنهُ أَن يدل على عوراتنا من وَرَاءَنَا من يهود وَقد شغل عَنَّا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَانْزِل إِلَيْهِ فاقتله فَقَالَ يغْفر الله لَك يَا ابْنة عبد الْمطلب لقد عرفت مَا أَنا بِصَاحِب هَذَا قَالَت فَلَمَّا قَالَ ذَلِك وَلم أر عِنْده شَيْئا اعتجزت ثمَّ أخذت عموداً وَنزلت إِلَيْهِ من الْحصن فضربته بالعمود حَتَّى قتلته فَلَمَّا فرغت مِنْهُ رجعت إِلَى الْحصن فَقلت يَا حسان أنزل إِلَيْهِ فاسلبه فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي لم من سلبه إِلَّا أَنه رجل قَالَ مَالِي إِلَى سلبه حَاجَة يَا ابْنة عبد الْمطلب
وَرُوِيَ أَن حسان أنْشد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
(لَقَدْ غَدَوْتُ أمامَ القَوْمِ مُنْتَطقاً
…
بِصَارمٍ مِثلِ لونِ المِلْحِ قطّاعِ)
(تحفِزُ عني نجاد السَّيْف سابغة
…
فَضْفَاضةٌ مثلُ لونِ النَّهْي بالقاع) // الْبَسِيط //
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَظن حسان أَنه ضحك من صفته نَفسه مَعَ جبنه
وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ المنورة سنة أَربع وَخمسين من الْهِجْرَة رضي الله عنه
40 -
(ثَلَاثَة تشرق الدُّنْيَا ببهجتها
…
شمس الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاق وَالْقَمَر)
الْبَيْت لمُحَمد بن وهيب من الْبَسِيط يمدح المعتصم وَأَبُو إِسْحَاق كنيته واسْمه مُحَمَّد
حدث أَبُو محلم قَالَ اجْتمع الشُّعَرَاء على بَاب المعتصم فَبعث إِلَيْهِم مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات فَقَالَ لَهُم إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لكم من كَانَ مِنْكُم يحسن أَن يَقُول مثل قَول النميري فِي الرشيد
(خليفةَ الله إِن الجودَ أَوديَة
…
أحلَّكَ الله مِنْهَا حيثُ تجتمعُ)
(من لم يكن ببني الْعَبَّاس معتصماً
…
فَلَيْسَ بالصلوات الْخمس ينتفعُ)
(إِن أخلف القَطْر لم تخلف مخايلهُ
…
أَو ضَاقَ أَمر ذكرناهُ فيتسع) // الْبَسِيط //
فَلْيدْخلْ وَإِلَّا فلينصرف فَقَامَ مُحَمَّد بن وهيب فَقَالَ فِينَا من يَقُول مثله قَالَ وَأي شَيْء قلت فَقَالَ
(ثَلَاثَة تشرق الدُّنْيَا ببهجتها
…
شمس الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاق وَالْقَمَر)
(فالشمس تحكيه فِي الْإِشْرَاق طالعةً
…
إِذا تقطَّعَ عَن إِدْرَاكهَا النظرُ)
(والبدرُ يحكيه فِي الظلمَاء منبلجاً
…
إذَا استنارت لياليه بِهِ الغررُ)
(يَحْكِي أفاعيَلهُ فِي كل نائبةٍ
…
الغيثُ وَاللَّيْث والصمصامة الذَّكرُ)
(فالغيث يَحْكِي نَدَى كفَّيْه منهمرا
…
إِذا استهلَّ بصَوْب الديمةِ المطرُ)
(وَرُبمَا صالَ أَحْيَانًا على حنقِ
…
شبيهُ صولتهِ الضرغامة الهصر)
(والهندُوانيُّ يَحْكِي من عزائمهِ
…
صريمةَ الرَّأْي منهُ النقُض والمرَرُ)
(وكلُّهَا مشبهٌ شَيْئا على حدةٍ
…
وَقد تخَالف فِيهَا الفعلُ والصُّوَرُ)
(وأنتَ جامعُ مَا فيهنّ من حسنٍ
…
فقد تَكَامل فِيك النفُع والضررُ)
(فالخلْقُ جسمٌ لَهُ رأسٌ يدبِّرُهُ
…
وأنتَ جارحتَاهُ السمعُ والبصرُ) // الْبَسِيط //
فَأمر بإدخاله وَأحسن جائزته
وَمِمَّا يشبه ذَلِك قَول الْقَاسِم بن هَانِئ يمدح جعفراً صَاحب المسيلة
(المدنَفانِ من البريَّة كلهَا
…
جسمي وطَرفٌ بابليٌّ أحْوَرُ)
(والمُشرقاتُ النَّيرات ثَلَاثَة
…
الشَّمْس والقمرُ المنيرُ وجَعْفَرُ) // الْكَامِل //
وَمثله فِي الْحسن قَول مُحَمَّد بن شمس الْخلَافَة
(شَيْئَانِ حَدِّث بالقَساوة عَنْهُمَا
…
قلْبُ الْفَتى يهواهُ قلبِي وَالْحجر)
(وثلاثةٌ بالجودِ حدِّث عنُهُم
…
البحرُ وَالْملك الْمُعظم والمطر) // الْكَامِل //
وَيقرب مِنْهُ قَول ابْن مطروح فِي النَّاصِر دَاوُد
(ثَلَاثَة ليسَ لَهُم رَابعٌ
…
عليهمُ مُعتمدُ الجودِ)
(الغيْثُ وَالْبَحْر وعَزِّزْهما
…
بالمَلِكِ النَّاصِر دَاوُد) // السَّرِيع //
وَقَول أبي مُحَمَّد اليافي
(ثلاثةٌ مَا اجتمعْنَ فِي رَجُلٍ
…
إلَاّ وأسلمنهُ إِلَى الأجَلِ)
(ذُلُّ اغترابٍ وفاقَة وَهوى
…
وكُلها سائقٌ على عجلِ)
(يَا عاذِلَ العاشِقين إِنَّك لَو
…
عذَرتهم كنْتَ تبت من عذل) // المنسرح //
وَقَول ابْن سكرة
(فِي وَجه إنسانة كلفت بهَا
…
أَرْبَعَة مَا اجْتَمعْنَ فِي أحَدِ)
(الوَجهُ بَدر والصدغ غَالِيَة
…
والريق خمر والثغر من برد) // المنسرح //
وَمَا أصدق قَول السراج الْوراق
(ثلاثَة إِن صَحِبَتْ ثَلَاثَة
…
أعُيَتْ علاج بَدْوها والحضَرِ)
(عَدَاوَة مَعْ حَسدٍ وفاقةٌ
…
مَعَ كَسلٍ وَعلة مَعَ كبر) // الرجز //
وبديع قَول ابْن نَبَاته الْمصْرِيّ
(تناسَبَتْ فِيمَن تعشَّقتُهُ
…
ثلاثَةَ تُعجب كل البَشَرْ)
(من مُقلةٍ سهمٌ وَمن حاجِبٍ
…
قَوْسٌ وَمن نَغْمة صَوت وتر) // السَّرِيع //
وَمِمَّا يُنَاسب هَذَا الْمقَام مَا حَكَاهُ المدايني قَالَ بَينا سكينَة بنت الْحُسَيْن رضي الله عنهما تسير ذَات لَيْلَة إِذْ سَمِعت حَادِيًا يَحْدُو وَيَقُول
(لَوْلَا ثَلاثٌ هُنَّ عَيْش الدَّهْر
…
) // الرجز //
فَقَالَت لقائد قطارها الْحق بِنَا هَذَا الرجل حَتَّى نسْمع مِنْهُ مَا هَذِه الثَّلَاثَة فطال طلبه لذَلِك حَتَّى أتعبها فَقَالَت لغلام لَهَا سر أَنْت حَتَّى تسمع مِنْهُ فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَ سمعته يَقُول
(الماءُ والنومُ وَأم عَمْرو
…
)
فَقَالَت قبحه الله أتعبني مُنْذُ اللَّيْلَة
وَمِمَّا يجْرِي من ذَلِك مجْرى الْملح مَا أنْشدهُ الْخَلِيل فِي كتاب الْعين وَهُوَ
(أَن فِي دَارنَا ثَلَاث حَبَالي
…
فوَدِدنا لَو قد وَضَعن جَمِيعًا)
(جارتي ثمَّ هِرَّتي ثمَّ شاتي
…
فإِذا مَا وَلَدْنَ كُنَّ رَبيعا)
(جارتي للرَّضاع والهِرُّ للفار
…
وشاتي إِذا اشْتَهَيْنا مجيعا) // الْخَفِيف //
وَمن هَذَا الْبَاب قَول جرجيس يهجو طَبِيبا
(عَليله الْمِسْكِين من شُؤمهِ
…
فِي بَحر هُلْكِ مَا لَهُ ساحِلُ)
(ثلاثةٌ تدخلُ فِي دَفعَةٍ
…
طلعَتُه والنعش والغاسل) // السَّرِيع //
وَقَول الآخر
(ثَلَاثَة طَابَ بهَا المجلِسُ
…
الوَردُ والتفاح والنرجس) // السَّرِيع //
وَقَول الآخر
(ثَلَاثَة طَابَ بهَا الْعُمر
…
وجْهُكَ والبستانُ وَالْخمر) // السَّرِيع //
وَقَول الآخر
(ثَلَاثَة عَن غَيرهَا كافيْه
…
هِيَ المُنَا والأمن والعافية) // السَّرِيع //
وَقَول أبي بكر الْبَلْخِي
(ثَلَاثَة فَقْدُها كبيرُ
…
الخبزُ واللحمُ والشعَّيرُ)
(والبيتُ من كلِّها خلاءٌ
…
فَجُد بهَا أَيهَا الْأَمِير) // من مخلع الْبَسِيط //
وَقَول الآخر
(ثَلَاثَة ليسَ بهَا اشتراكُ
…
المُشطُ وَالْمَرْأَة والسواك) // الرجز //
وَقَول أبي الْحسن الْعلوِي
(ثَلَاثَة مَوْصوفَةٌ تجلو البَصرْ
…
الماءُ والوجهُ الْجَمِيل وَالْخضر) // الرجز //
وَقَول الآخر
(ثَلَاثَة تُذْهِبُ عَن قلبِي الحزَنْ
…
الماءُ والخضرةُ والوجهُ الحسَنِ) // الرجز //
وَقَول ابْن لنكك بديع هُنَا
(أعدَّ الورى للبَردِ جُنْداً من الصِّلا
…
ولاقيتُهُ من بينهْم بجنودْ)
(ثلاثةُ نيرانٍ فنارُ مُدامةٍ
…
ونارُ صَباباتٍ ونار وَقُود) // الطَّوِيل //
وَفِي مَعْنَاهُ قَول الصنوبري
(نَار راحٍ ونار خَدٍّ ونار
…
لحشا الصّبِّ بينهُنَّ استِعارُ)
(مَا أُبَالِي مَا كانَ ذَا الصَّيْفُ عِنْدِي
…
كَيفَ كَانَ الشتَاء والأمطار) // الْخَفِيف //
وظريف قَول بَعضهم
(ثَلَاثَة يَمْنَةً تَدور
…
الطَّستُ والكأس والبَخور) // من مخلع الْبَسِيط //
وَقَول غَانِم المالقي
(ثَلَاثَة يُجهَلُ مقدارُها
…
الْأَمْن والصِّحةُ والقوتُ)
(فَلَا تَثِقْ بِالْمَالِ من غيرِها
…
لَو أَنه درٌّ وياقوتُ) // السَّرِيع //
وظريف قَول عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ
(مَا العيشُ إِلَّا خمسةٌ لَا سادس
…
لهُم وَإِن قَصرت بهَا الأعمارُ)
(زمَنُ الرَّبيع وشَرْخُ أَيَّام الصِّبَا
…
والكأس والمعشوقُ وَالدِّينَار) // الْكَامِل //
وَأنْشد ثَعْلَب النَّحْوِيّ
(ثَلَاث خلال للصديق جَعلتهَا
…
مضارعة للصَّوْم والصلوات)
(مواساته والصفح عَن كل زلَّة
…
وَترك ابتذال السِّرّ فِي الخلوات) // الطَّوِيل //
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت تَقْدِيم الْمسند وَهُوَ ثَلَاثَة للتشويق إِلَى ذكر الْمسند إِلَيْهِ وَهُوَ شمس الضُّحَى وَمَا عطف عَلَيْهِ.
وَمثله قَول أبي الْعَلَاء المعري
(وكالنارِ الحياةُ فمِنْ رَمادٍ
…
أواخرُها وأوَّلُها دُخان) // الوافر // فتقديم كالنار وَمن رماد كِلَاهُمَا للتشويق
وَمُحَمّد بن وهيب حميري شَاعِر من أهل بَغْدَاد من شعراء الدولة العباسية وَأَصله من الْبَصْرَة وَكَانَ يستميح النَّاس بِشعرِهِ ويتكسب بالمديح ثمَّ توصل إِلَى الْحسن بن سهل برجاء بن أبي الضَّحَّاك ومدحه فأوصله إِلَيْهِ وَسمع شعره فأعجب بِهِ واقتطعه إِلَيْهِ وأوصله إِلَى الْمَأْمُون حَتَّى مدحه وشفع لَهُ فأسنى جائزته ثمَّ لم يزل مُنْقَطِعًا إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ يتشيع وَله مراثٍ فِي أهل الْبَيْت رضوَان الله عَلَيْهِم وَهُوَ متوسط بَين شعراء طبقته
حدث عَن نَفسه قَالَ لما تولي الْحسن بن رَجَاء بن أبي الضَّحَّاك الْجَبَل قلت فِيهِ شعرًا وأنشدته أَصْحَابنَا دعبل بن عَليّ الْخُزَاعِيّ وَأَبا سعيد المَخْزُومِي وَأَبا تَمام الطَّائِي فاستحسنوا الشّعْر وَقَالُوا هَذَا لعمري من الْأَشْعَار الَّتِي تلقى بهَا الْمُلُوك فَخرجت إِلَى الْجَبَل فَلَمَّا صرت إِلَى همذان أخبرهُ الْحَاجِب بمكاني فَأذن لي فَأَنْشَدته الشّعْر فَاسْتحْسن مِنْهُ قولي
(أجارَتنا إنَّ التَّعففَ بالياس
…
وَبرا على اسْتدرارِ دُنيا بإِبساسِ)
(حَرَّيان أنْ لَا يقَذفا بمذلةٍ
…
كَريماً وَأَن لَا يُحوجاهُ إِلَى النَّاسِ)
(أَجارَتنا إِن القداح كواذب
…
وَأكْثر أَسبَاب النجاح مَعَ الياس) // الطَّوِيل //
فَأمر حَاجِبه بإضافتي فأقمت بِحَضْرَتِهِ كلما دخلت إِلَيْهِ لم أنصرف إِلَّا بحملان وخلعة وجائزة حَتَّى انصرم الصَّيف فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد إِن الشتَاء عندنَا علج فأعد يَوْمًا للوداع فَقلت خدمَة الْأَمِير أحب إِلَى فَلَمَّا كَاد الشتَاء أَن يشْتَد قَالَ لي هَذَا يَوْم الْوَدَاع فأنشدني الثَّلَاثَة الأبيات فَلَقَد فهمت الشّعْر كُله فَلَمَّا أنشدته
(أَجارَتنا إِنَّ القداح كواذب
…
وَأكْثر أَسبَاب النجاح مَعَ الياس) // الطَّوِيل //
قَالَ صدقت ثمَّ قَالَ عدوا أَبْيَات القصيدة وَأَعْطوهُ بِكُل بَيت ألف دِرْهَم فعدت فَكَانَت اثْنَيْنِ وَسبعين بَيْتا فَأمر لي بِاثْنَيْنِ وَسبعين ألف دِرْهَم وَكَانَ فِيمَا أنشدته فِي مقَامي وَاسْتَحْسنهُ قولي
(دِمَاءُ المحِبِّينَ مَا تَعقلُ
…
أما فِي الهَوى حَكمٌ يَعدِلُ)
(تَعبَّدني حَورُ الْغانياتِ
…
وَدانَ الشَّبابُ لهُ الأخضلُ)
(وَنظرة عَينٍ تَعللتها
…
غِراراً كَمَا يَنظرُ الأحولُ)
(مُقَسَّمة بَينَ وَجهِ الحَبيبِ
…
وَطرفِ الرَّقيبِ مَتى يغْفل) // المتقارب //
وَحدث خَال أبي هفان قَالَ كنت عِنْد أبي دلف فَدخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بن وهيب الشَّاعِر فأعظمه جدا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ معقل أَخُوهُ يَا أخي فعلت بِهَذَا مَا لم يستأهله مَا هُوَ فِي بَيت من الشّرف وَلَا فِي كَمَال من الْأَدَب وَلَا بِموضع من السُّلْطَان فَقَالَ بلَى يَا أخي إِنَّه لحقيق بذلك أَولا يسْتَحقّهُ وَهُوَ الْقَائِل
(يدل على أَنه عاشقُ
…
مِنَ الدَّمعِ مُستشهدَ ناطقُ)
(وَلي مالكٌ أَنا عَبدٌ لهُ
…
مُقرٌّ بِأَنِّي لهُ وَامقُ)
(إِذا مَا سَموتُ إِلَى وصَلهِ
…
تَعرضَ لي دُونهُ عائقُ)
(وَحاربني فِيهِ رَيبُ الزَّمانِ
…
كأنَّ الزمانَ لهُ عاشق) // المتقارب //
وَحدث الْحسن بن رَجَاء قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن وهيب الْحِمْيَرِي لما قدم الْمَأْمُون من خُرَاسَان مضاعاً مطرحاً إِنَّمَا يتَصَدَّى للعامة وأوساط الْكتاب والقواد بالمديح ويسترفدهم ويحظي باليسير فَلَمَّا هذأت الْأُمُور واستقرت واستوثقت جلس أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن سهل يَوْمًا مُنْفَردا بأَهْله وخاصته وَذَوي مودته وَمن يقرب من أنسه فتوسل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن وهيب بِأبي حَتَّى أوصله إِلَيْهِ مَعَ الشُّعَرَاء فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ القَوْل استأذنه فِي الإنشاد فَأذن لَهُ فَأَنْشد قصيدته الَّتِي أَولهَا
(وَدائعُ أسْرارٍ طَوتها السَّرائرُ
…
وَباحتْ بمَكتوماتهنَّ النَّواظرُ)
(تمكنَ فِي طَيِّ الضَّمير وَتَحْته
…
شبا لوْعةٍ عَضبُ الغِرارين باتر)
(فأعجمَ عَنْهَا ناطقٌ وَهوَ مُعربٌ
…
وَأعربت العجمُ الجفون النواظر) // الطَّوِيل //
إِلَى أَن قَالَ فِيهَا
(تُعَظِّمهُ الأوهامُ قَبلَ عِيانهِ
…
وَيصدرُ عَنهُ الطَّرفُ وَالطرفُ حاسر)
(بهِ تجتدَي النُّعما وَيستدركُ المُني
…
وَتستكملُ الحُسنى وتُرْعَى الأواصرُ)
(أصات بِنَا دَاعي نَوالكَ مُؤذناً
…
بِجودكَ إِلَّا أنَّهُ لَا يُحاور)
(قسمت صروف الدَّهْر بَأْسا ونائلا
…
فمالك موتور وسيفك واتر)
إِلَى أَن قَالَ فِي آخرهَا
(وَلوْ لم تَكنْ إِلَاّ بنفسكَ فاخراً
…
لما انْتسبتْ إلَاّ إِليكَ المفاخرُ)
قَالَ فطرب أَبُو مُحَمَّد حَتَّى نزل عَن سَرِيره إِلَى الأَرْض وَقَالَ أَحْسَنت وَالله وأجملت وَلَو لم تقل قطّ وَلَا قلت فِي بَاقِي دهرك غير هَذَا لما احتجت إِلَى القَوْل وَأمر لَهُ بِخَمْسَة آلَاف دِينَار فأحضرت واقتطعه إِلَى نَفسه فَلم يزل فِي كنفه أَيَّام ولَايَته وَبعد ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ مَا تصدى لغيره
وَحدث مَيْمُون بن هَارُون قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن وهيب الشَّاعِر قد مدح عَليّ بن هِشَام وَتردد إِلَى بَابه دفعات فحجبه ولقيه يَوْمًا فِي طَرِيق فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرجع إِلَيْهِ طرفه وَكَانَ فِيهِ تيه شَدِيد فَكتب إِلَيْهِ رقْعَة يعاتبه فِيهَا فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ مزقها وَقَالَ أَي شَيْء يُرِيد هَذَا الثقيل السَّيئ الْأَدَب فَقيل لَهُ ذَلِك فَانْصَرف مغضباً وَقَالَ وَالله مَا أردْت مَاله وَإِنَّمَا أردْت التوسل بجاهه وسيغني الله عَنهُ وَالله ليذمن مغبة فعله وَقَالَ يهجوه
(أزْرَتْ عَلَيْهِ لجود خيفةَ العدمِ
…
فصدَّ مُنْهَزِمًا عَن شأوٍ ذِي الهممِ)
(لَو كَانَ من فارسٍ فِي بيتِ مكرُمةٍ
…
أَو كَانَ من ولد الأملاكِ والعجمِ)
(أَو كَانَ أولهُ أهْلَ البطاح أَو الركبَ الملبِّين إهلالاً إِلَى الحرمِ
…
)
(أَيامَ تنخذ الْأَصْنَام آلِهَة
…
فَلَا نرى عاكفاً إِلَّا على صنمِ)
(لشجعتهُ على فعلِ الملوكِ لهمْ
…
طبائعٌ لمْ تَرُعهَا خيفةُ العدمِ)
(لم تند كَفاك من بذل النوال كَمَا
…
لم يند سَيْفك مذ قلدته بِدَم)
(كنت امْرأ رفعته فتْنَة فعلَا
…
أَيَّامهَا غادراً بالعهد والذممِ)
(حَتَّى إِذا انكشفَتْ عَنَّا عمايتها
…
ورتب الناسُ بِالْأَحْسَابِ والقدمِ)
(ماتَ التخلق وارتادتك مرتجعاً
…
طبيعةٌ نذلةُ الْأَخْلَاق والشيمِ)
(كذاكَ من كانَ لَا رَأْسا وَلَا ذَنبا
…
كدَّ الْيَدَيْنِ حديثَ العهدِ بالنعمِ)
(هيهاتَ ليسَ بحمال الدياتِ وَلَا
…
معطي الجزيل وَلَا المرهوب ذِي النقم) // الْبَسِيط //
فَلَمَّا بلغت الأبيات عَليّ بن هِشَام نَدم على مَا كَانَ مِنْهُ وجزع لَهَا وَقَالَ لعن الله اللجاج فَإِنَّهُ شَرّ خلق تخلقه النَّاس ثمَّ أقبل على أَخِيه الْخَلِيل بن هِشَام وَقَالَ الله يعلم إِنِّي لأدخل على الْخَلِيفَة وَعلي السَّيْف وَأَنا مستحي مِنْهُ أذكر قَول مُحَمَّد بن وهيب فِي
(لم تند كَفاك من بذل النوال كَمَا
…
لم يند سَيْفك مذ قلدته بِدَم)
وَسمع ابْن الْأَعرَابِي وَهُوَ يَقُول: أهجي بَيت قَالَه المحدثون قَول مُحَمَّد ابْن وهيب وَأنْشد الْبَيْت
وَحدث الْحسن بن رَجَاء عَن أَبِيه قَالَ: لما قدم الْمَأْمُون ولقيه أَبُو مُحَمَّد الْحسن ابْن سهل دخلا جَمِيعًا فعارضهما ابْن وهيب فَقَالَ
(اليومَ جُدِّدتِ النعماء ُوالمِننُ
…
فالحمدُ لله حلّ العقدةَ الزمنُ)
(اليومَ أظهرتِ الدُّنْيَا محاسنَهَا
…
للنَّاس لما التقى المأمونُ والحسنُ) // الْبَسِيط //
قَالَ: فَلَمَّا جلسا سَأَلَهُ الْمَأْمُون عَنهُ فَقَالَ: هَذَا رجل من حمير شَاعِر مطبوع اتَّصل بِي متوسلاً إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وطالباً الْوُصُول مَعَ نظرائه فَأمر الْمَأْمُون بإيصاله مَعَ الشُّعَرَاء فَلَمَّا وقف بَين يَدَيْهِ وَأذن لَهُ فِي الإنشاد أنْشد قَوْله
(طللان طَال عَلَيْهِمَا الأمد
…
داثرا فَلَا عَلَمٌ وَلَا نضدُ)
(لبسَا البَلَى فَكَأَنَّمَا وجدَا
…
بعدَ الأحبةِ مثلَ مَا أجدُ)
(حُيِّيتما طَللين حالُهمَا
…
بعدَ الأحبَّة غيرُ مَا عهدُوا)
(إمّا طواكَ سُلوّ غانيةٍ
…
فهواكَ لَا مللٌ وَلَا فندُ)
(إِنْ كنتِ صادقةَ الْهوى فَرِدِي
…
فِي الحبِّ منهلُهُ الَّذِي أردُ)
(أدْمى أرقتِ وأنتِ آمِنَة
…
أَن ليسَ لي عَقْلٌ وَلَا قودُ)
(إِنْ كنت فتّ وخانني نشب
…
فلربما لم يحظ مُجْتَهد) // الْكَامِل //
حَتَّى انْتهى إِلَى مدح الْمَأْمُون فَقَالَ
(يَا خيرَ منتسب لمكرمةٍ
…
فِي الْمجد حَيْثُ تنحنح العددُ)
(فِي كل أنملةٍ لراحتهِ
…
نَوْء يَسحُّ وعارضٌ حشدُ)
(وَإِذا القنا رَعفت أسنَّتها
…
علقاً وصمٌّ كعوبها قِصَدُ)
(فَكَأَن ضوء جَبينه قمرٌ
…
وَكَأَنَّهُ فِي صولةٍ أسدُ)
(وكأنهُ روحٌ تُدَبرنا
…
حَرَكاتهُ وكأننا جسدُ)
فاستحسنها الْمَأْمُون وَقَالَ لأبي مُحَمَّد احتكم لَهُ فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أولي بالحكم وَلَكِن إِن أذن لي فِي الْمَسْأَلَة سَأَلت فَأَما الحكم فَلَا فَقَالَ سل فَقَالَ تلْحقهُ بجوائز مَرْوَان بن أبي حَفْصَة فَقَالَ ذَلِك وَالله أردْت وَأمر أَن تعد الأبيات فَكَانَت خمسين فاعطاه خمسين ألف دِرْهَم
وَعَن أَحْمد بن أبي كَامِل قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن وهيب تياهاً شَدِيد الزهاء بِنَفسِهِ فَلَمَّا قدم الأفشين وَقد قتل بابك مدحه بقصيدته الَّتِي أَولهَا
(طلُولٌ ومغانيهَا
…
تنَاجيهَا وتبكيها) // الهزج //
يَقُول فِيهَا
(بعثتُ الخيلَ والخيرُ
…
عقيدٌ بنواصيهَا)
وَهِي من جيد شعره فأنشدنا إِيَّاهَا ثمَّ قَالَ مَا بهَا عيب سوى أَنَّهَا لَا أُخْت لَهَا قَالَ وَأمر المعتصم للشعراء الَّذين مدحوا الأفشين بثلثمائة ألف دِرْهَم جرت تفرقتها على يَد ابْن أبي دوادٍ فَأعْطى مِنْهَا مُحَمَّد بن وهيب ثَلَاثِينَ أَلا ألفا وَأعْطى أَبَا تَمام عشرَة آلَاف قَالَ ابْن أبي كَامِل فَقلت لعلى بن يحيى ابْن المنجم أَو لَا تعجب من هَذَا الْحَظ يعْطى أَبُو تَمام عشرَة آلَاف دِرْهَم وَابْن وهيب ثَلَاثِينَ ألفا وَبَينهمَا كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ لذَلِك عِلّة
لَا تعرفها كَانَ ابْن وهيب مؤدب الْفَتْح بن خاقَان فَلذَلِك وصل إِلَى هَذَا الْحَال
وَحدث أَحْمد بن أبي كَامِل أَيْضا قَالَ كُنَّا فِي مجْلِس ومعنا أَبُو يُوسُف الْكِنْدِيّ وَأحمد بن أبي فنن فتذاكرنا شعر مُحَمَّد بن وهيب فطعن عَلَيْهِ ابْن أبي فنن وَقَالَ هُوَ متكلف حسود إِذا أنْشد شعرًا لنَفسِهِ قرظه وَوَصفه فِي نصف يَوْم وشكا أَنه مظلوم منحوس الْحَظ وَأَنه لَا يقصر بِهِ عَن مَرَاتِب القدماء حَال وَإِذا أنْشد شعر غَيره حسد وَإِن كَانَ على نَبِيذ عربد عَلَيْهِ وَإِن كَانَ صَاحِيًا عَادَاهُ واعتقد فِيهِ كل مَكْرُوه فَقلت لَهُ كلا كَمَا لي صديق وَمَا أمتنع من وصفكما جَمِيعًا بالتقدم وَحسن الشّعْر فَأَخْبرنِي عَمَّا أَسأَلك عَنهُ إِخْبَار منصف أيعد متكلفاً من يَقُول
(أَبى ليَ إغضَاء الجفُونِ على القَذَى
…
يقينِيَ أنْ لَا عُسْرَ إِلا مُفَرّجُ)
(أَلَا ربمَا ضَاقَ الفضَاءُ بأَهْله
…
فيظهرُ مَا بينَ الأسنةِ مخرج) // الطَّوِيل //
أَو يعد متكلفاً من يَقُول
(رَأَيْت وَاضحا فِي مفرقِ الرَّأْس راعها
…
شريجين مبيض بِهِ ويهيم) // الطَّوِيل //
فَأمْسك ابْن أبي فنن واندفع الْكِنْدِيّ فَقَالَ كَانَ ابْن وهيب ثنوياً فَقلت لَهُ من أَيْن علمت ذَلِك أُكَلِّمك على مَذْهَب الثنويه قطّ قَالَ لَا وَلَكِنِّي استدللت من شعره على مذْهبه فَقلت مَاذَا قَالَ حَيْثُ يَقُول
(طَلَلَانِ طَال عَلَيْهِمَا الأمد
…
)
وَحَيْثُ يَقُول
(تَفْترُّ عنْ سِمْطينِ منْ ذَهبٍ
…
)
إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَسْتَعْمِلهُ فِي شعره من ذكر الِاثْنَيْنِ فشغلني وَالله
الضحك عَن جَوَابه وَقلت لَهُ يَا أَبَا يُوسُف مثلك لَا يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّم فِيمَا لم ينفذ فِيهِ علمه
وَدخل مُحَمَّد بن وهيب على أَحْمد بن هِشَام يَوْمًا وَقد مدحه فَرَأى بَين يَدَيْهِ غلماناً روقة مردا وخدما بيضًا فرهاً فِي غَايَة الْحسن وَالْجمال والنظافة فدهش لما رأى وَبَقِي متحيراً متبلبلاً لَا ينْطق حرفا وَاحِدًا فَضَحِك أَحْمد مِنْهُ وَقَالَ لَهُ وَيحك مَالك تكلم بِمَا تُرِيدُ فَقَالَ
(قدْ كانتِ الأصنامُ وَهِي قديمةٌ
…
كسرَتْ وجَدّعَهُنّ إِبراهيمُ)
(ولديكَ أصنامٌ سلمنَ من الْأَذَى
…
وصفَتْ لَهُنّ نضَارةٌ ونعيمُ)
(وَبنَا إِلَى صنمٍ نلوذُ بركنهِ
…
فقرٌ وأنتَ إِذا هُززتَ كريمُ) // الْكَامِل //
فَقَالَ لَهُ اختر من شِئْت فَاخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُم فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَقَالَ يمدحه
(فضلَتْ مكارمُهُ عَلى الأقوامِ
…
وعَلَا فحازَ مكارمَ الأيامِ)
(وعلتهُ أبهةُ الجمَالِ كأنهُ
…
قمرٌ بدَا لكَ منْ خِلَالِ غَمامِ)
(إِنّ الأميرَ على البريةِ كلهَا
…
بعدَ الخليفةِ أحمدُ بنُ هِشَام) // الْكَامِل //
وَحدث مُحَمَّد بن وهيب قَالَ جَلَست بِالْبَصْرَةِ إِلَى عطار فَإِذا أعرابية سَوْدَاء قد جَاءَت فاشترت من الْعَطَّار خلوقاً فَقلت لَهُ تجدها اشترته لابنتها وَمَا ابْنَتهَا إِلَّا خنفساء فالتفتت إِلَى متضاحكة وَقَالَت لَا وَالله إِلَّا مهاةٌ جيداء إِن قَامَت فقناة وَإِن قعدت فحصاة
وَإِن مشت فقطاة أَسْفَلهَا كثيب وأعلاها قضيب لَا كفتياتكم اللواتي تسمنونهن بالقتوت ثمَّ انصرفت وَهِي تَقول
(إِن القتوت للفتاة مضرطة
…
يكربها فِي الْبَطن حَتَّى تثلطه) // الرجز //
فَلَا أعلم أَنِّي ذكرتها إِلَّا أضحكني ذكرهَا
وَبلغ مُحَمَّد بن وهيب أَن دعبلاً الْخُزَاعِيّ قَالَ أَنا ابْن قولي
(لَا تعجبي يَا سلم من رجل
…
ضحك المشيب بِرَأْسِهِ فَبكى) // الْكَامِل //
وَأَن أَبَا تَمام قَالَ أَنا ابْن قولي
(نَقِّلْ فُؤَادك حيثُ شِئْت من الْهوى
…
مَا الْحبّ إِلَّا للحبيبِ الأولِ)
(كم منزلٍ فِي الأَرْض يألَفُه الْفَتى
…
وحنينُهُ أبدا لأوّل منزل) // الْكَامِل //
فَقَالَ ابْن وهب وَأَنا ابْن قولي
(مَا لمن تمَّتْ محاسنُهُ
…
أَن يعادي طَرْفَ من رَمقَا)
(لَك أَن تُبدي لنا حُسناً
…
وَلنَا أَن نُعملَ الحدَقا) // المديد //
وَحدث أَبُو ذكْوَان فَقَالَ حَدثنِي من دخل إِلَى مُحَمَّد بن وهيب يعودهُ وَهُوَ عليل قَالَ فَسَأَلته عَن خَبره فتشكى مَا بِهِ ثمَّ قَالَ
(نفوس المنايا بالنفوس تَشَعَّبَتْ
…
وكلّ لَهُ من مْذهبِ الموتِ مذهبُ)
(نُراع لذكرِ الموْتِ ساعةَ ذكرِهِ
…
وتَعترضُ الدُّنْيَا فنلهو ونلعبُ)
(وآجالنُا فِي كلِّ يَوْم وليلَةٍ
…
إِلينا على غرّاتنا تتقرب
(أأيقن أَن الشيب ينقي حَيَاته
…
وهُوَّ لأخلاق الْخَطِيئَة يذهب)
(يَقِين كَأَن الشَّك أغلب أمره
…
عَلَيْهِ وعِرفانٌ إِلَى الْجَهْل يُنسُب)
(وَقد ذَمَّتِ الدُّنْيَا إِليَّ نَعيمها
…
وخاطبني إِعجامُهَا وَهُوَ مُعْرِبُ)
(ولكنني مِنْهَا خُلِقْتُ لغَيْرهَا
…
وَمَا كنُت منهُ فَهُوَ عِنْدِي محبب) // الطَّوِيل //
وَسَأَلَ مُحَمَّد بن وهيب مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات حَاجَة فَأَبْطَأَ فِيهَا فَوقف عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ
(طُبِعَ الكريمُ على وفائهِ
…
وعَلى التَّفضلِ فِي إخائهْ)
(تغني عنايتُهُ الصديقَ عَن التَّعرُّضِ لاقتِضائه
…
)
(حَسْبُ الْكَرِيم حياؤه
…
فَكِلِ الْكَرِيم إِلَى حيائه) // الْكَامِل //
فَقَالَ لَهُ حَسبك فقد بلغت إِلَى مَا أَحْبَبْت وَالْحَاجة تسبقك إِلَى مَنْزِلك وَمن شعره الْجيد قَوْله
(أيُّ خير يَرْجُو بَنو الدهرِ
…
وَمَا زالَ قَاتلا لِبَنِيهِ)
(من يُعمَّرْ يُفجع بفقدِ الأحباء
…
وَمن مَاتَ فالمصيبة فِيهِ) // الْخَفِيف //
وَمثله قَول الآخر
(من يتَمَنَّ العمرَ فليدَّرعْ
…
صبرا على فَقْدِ أحبائهِ)
(ومنْ يُعمَّرْ يلْقَ فِي نفسهِ
…
مَا يتمنَّاهُ لأعدائه) // السَّرِيع //