المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أسباب الحدث - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ]

- ‌بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

- ‌[بَاب سَجَدَاتٌ التِّلَاوَةِ]

- ‌بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ]

الفصل: ‌باب أسباب الحدث

‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

ــ

[مغني المحتاج]

لَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا، وَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ، وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي فَمِهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ، وَفِيهَا دَرَاهِمُ، فَإِنْ جَعَلَ لِلْإِنَاءِ حَلَقَةً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ سِلْسِلَةً مِنْهَا أَوْ رَأْسًا جَازَ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِنَاءِ لَا يُسْتَعْمَلُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكَ مَنْعُهُ بِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ سَلِمَ فَلْيَكُنْ فِيهِ خِلَافُ الِاتِّخَاذِ، وَيُمْنَعُ بِأَنَّ الِاتِّخَاذَ يَجُرُّ إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ هَذَا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْعَلُ فِي فَمِ الْكُوزِ فَهُوَ قِطْعَةُ فِضَّةٍ. أَمَّا مَا يُجْعَلُ كَالْإِنَاءِ، وَلَوْ يُغَطَّى بِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ. أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيُسَنُّ إذَا جَنَّ اللَّيْلُ تَغْطِيَةُ الْإِنَاءِ وَلَوْ بِعَرْضِ عُودٍ، وَإِيكَاءُ السِّقَاءِ، وَإِغْلَاقُ الْأَبْوَابِ مُسَمِّيًا لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي الثَّلَاثَةِ، وَكَفُّ الصِّبْيَانِ وَالْمَاشِيَةِ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِطْفَاءُ الْمِصْبَاحِ لِلنَّوْمِ.

خَاتِمَةٌ: أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إنْ كَانُوا لَا يَتَعَبَّدُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ كَآنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ مِنْ جُرِّ نَصْرَانِيَّةٍ، وَالْجُرُّ وَالْجِرَارُ جَمْعُ جَرَّةٍ، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَجُوسِ يَغْتَسِلُونَ بِبَوْلِ الْبَقَرِ تَقَرُّبًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا وَجْهَانِ، أَخَذَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانَيْهِمْ وَمَلْبُوسِهِمْ وَمَا يَلِي إسَافَهُمْ. أَيْ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ أَشَدُّ، وَأَوَانِي مَائِهِمْ أَخَفُّ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ الَّذِينَ لَا يَحْتَرِزُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ: أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَخَذًا مِمَّا مَرَّ.

[بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ]

ِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا هُنَا الْأَصْغَرُ غَالِبًا، وَالْأَسْبَابُ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْبَابِ، وَالْحَدَثِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْأَسْبَابُ نَفْسُهَا، وَلَكِنَّ إضَافَتَهَا إلَيْهِ تَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْحَدَثِ بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79][الْوَاقِعَةُ] وَتَعْبِيرُهُ كَالْمُحَرَّرِ بِالْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: انْتَقَضَ الْوُضُوءُ، بَلْ انْتَهَى كَمَا يُقَالُ انْتَهَى الصَّوْمُ لَا بَطَلَ. قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ بِقَوْلِهِ: فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نُقِضَ وَيُؤَوَّلُ بِمَعْنَى انْتَهَى الطُّهْرُ بِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا بَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنْ كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا خَتَمَ بَابًا مِنْ كِتَابٍ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ

ص: 139

هِيَ أَرْبَعَةٌ

أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، أَوْ دُبُرِهِ

ــ

[مغني المحتاج]

كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى الدَّرْسِ وَالتَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُسَافِرُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَطَعَ مِيلًا أَوْ طَوَى فَرْسَخًا نَفَّسَ ذَلِكَ عَنْهُ وَنَشِطَ لِلْمَسِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ سُوَرًا وَجَزَّأَهُ الْقُرَّاءُ عُشُورًا وَأَسْبَاعًا وَأَخْمَاسًا وَأَحْزَابًا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هَذَا الْبَابَ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَى الْغُسْلِ، وَهُوَ تَرْتِيبٌ طَبِيعِيٌّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَقَدَّمَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَدِّمْ الْغُسْلَ عَلَى مُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا فَيَعْرِفُ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ، وَلَا يُولَدُ جُنُبًا فَقَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَيْهِ (هِيَ) أَيْ: الْأَسْبَابُ (أَرْبَعَةٌ) ثَابِتَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ.

ثُمَّ أَجَابَ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّا يُضْعِفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى، وَدَمُهُ يَجْرِي وَعَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ» ، وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ، وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لِلْحَدَثِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ. وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ

(أَحَدُهَا) أَيْ الْأَسْبَابِ (خُرُوجُ شَيْءٍ) عَيْنًا كَانَ أَوْ رِيحًا، طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، جَافًّا أَوْ رَطْبًا، مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ انْفَصَلَ أَوْ لَا، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا (مِنْ قُبُلِهِ) أَيْ: الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ الْوَاضِحِ، وَلَوْ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ أَوْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا، أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخَرِ، فَإِنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ حَاضَ بِهِ فَقَطْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَإِنْ خَرَجَ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهَا (أَوْ) خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ (دُبُرِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43][الْمَائِدَةُ] الْآيَةَ، وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ لِلْمُجَاوَرَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -

ص: 140

إلَّا الْمَنِيَّ، وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ

ــ

[مغني المحتاج]

تَعَالَى عَنْهُمَا تَقْدِيرُهَا: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184][الْمَائِدَةُ]، فَيُقَالُ عَقِبَهُ:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) قَالَ: وَزَيْدٌ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَهَا تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ.

وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِمَا اشْتَكَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعُهُ، وَلَا شَمُّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ، بَلْ نَفَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسُ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالسَّبِيلَيْنِ؛ إذْ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ مَخَارِجَ اثْنَانِ مِنْ قُبُلِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ دُبُرِهَا، وَلِشُمُولِهِ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (إلَّا الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيَّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْهُ أَوَّلًا كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدُهُ فَلَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْغُسْلَ بِخُصُوصِهِ: أَيْ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا، وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ: أَيْ بِعُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا كَزِنَا الْمُحْصَنِ لِمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يُصْبِحُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ النَّقْضِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ فَهَاهُنَا تَصِحُّ قَطْعًا، وَفِيمَا إذَا فَعَلَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا: يُنْقَضُ نَوَى بِالْوُضُوءِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَإِلَّا نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ. أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْتَقِضُ خُرُوجُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِي أَخَذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفُ: إنَّ صَوْمَهَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّ غَيْرِهَا (وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ (وَانْفَتَحَ) مَخْرَجٌ بَدَلَهُ (تَحْتَ مَعِدَتِهِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ: مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ. وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كَمَا قَالَهُ

ص: 141

فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نَقَضَ وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فَوْقَهَا، وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ هَذَا حَقِيقَتُهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (الْمُعْتَادُ) خُرُوجُهُ كَبَوْلٍ (نَقَضَ) ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فَأُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ (وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ) وَدَمٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ، وَكَمَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ النَّادِرُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي خُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِاشْتِرَاطِ انْسِدَادِهِمَا، وَقَالَ: لَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ (أَوْ) انْفَتَحَ (فَوْقَهَا) أَيْ الْمَعِدَةِ، وَالْمُرَادُ فَوْقَ تَحْتِهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَوْ فَوْقَهُ: أَيْ فَوْقَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ حَتَّى تَدْخُلَ هِيَ بِأَنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ بِمُحَاذِيهَا أَوْ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْأَصْلِيُّ (مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا) يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ (فِي الْأَظْهَرِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ مُحَاذِيهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مَخْرَجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ فِيهِمَا وَلَوْ نَادِرًا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَخْرَجٍ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ كَالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَحَيْثُ أَقَمْنَا الْمُنْفَتِحَ كَالْأَصْلِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا مِنْ الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ. أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ، وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ، وَقَالَ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ: إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالِانْسِدَادِ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لِلْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا حَتَّى يَجِبَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَالْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّا يَرُدُّ الِاسْتِبْعَادَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرٌ فَوْقَ سُرَّتِهِ يَبُولُ مِنْهُ وَيُجَامِعُ بِهِ، وَلَا ذَكَرَ لَهُ سِوَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّا نُدِيرُ الْأَحْكَامَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّا نَجْعَلُ لَهُ حُكْمَ النَّقْضِ فَقَطْ، وَلَا حُكْمَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: انْفَتَحَ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْفَمِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.

(الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ) أَيْ: التَّمْيِيزِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَجُنُونٍ،

ص: 142

الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ. إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ: حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ: الْخَيْطُ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ الشَّيْءَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقِظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ فَكَيْفَ عُدِلَ عَنْهُ، وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى احْتِمَالِ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَخَرَجَ بِزَوَالِ التَّمْيِيزِ النُّعَاسُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ السُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بِهَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا، وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ لَا لَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا، وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِهِ. وَالْعَقْلُ لُغَةً: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَلِذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ لَا يُعْطَى لِكَافِرٍ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ لَآمَنَ. إنَّمَا يُعْطَى الذِّهْنَ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ، فَقَالَ: مَهْ إنَّ الْكَافِرَ لَا عَقْلَ لَهُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] » الْمُلْكُ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْعَقْلِ النَّافِعِ. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ آلَةُ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّهُ فِي الدِّمَاغِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) أَيْ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا بِالْمُنْفَتِحِ النَّاقِضِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفُقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ، وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.

وَدَخَلَ فِي

ص: 143

الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ

ــ

[مغني المحتاج]

ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ، أَنَّ النَّحِيفَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى نَحِيفٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَقَرِّهِ وَمَقْعَدِهِ تَجَافٍ، وَالشَّرْحُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ فَيَكُونُ الْفَرْقُ التَّجَافِيَ الْكَامِلَ، وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَكَذَا لَوْ تَحَفَّظَ بِخِرْقَةٍ وَنَامَ غَيْرَ قَاعِدٍ، وَلَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا فَسَقَطَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْتَقِضْ مَا لَمْ تَزُلْ أَلْيَتُهُ عَنْ التَّمَكُّنِ. وَمِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُتَمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِالنَّوْمِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِهِ مُطْلَقًا.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِجُنُونٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ، وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ لِيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِمَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ

(الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43][الْمَائِدَةُ] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ كَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ، لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّكَ لَمَسْت» (1) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ يَكُونَ الذَّكَرُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً، أَوْ الْعُضْوُ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا، سَلِيمَا أَوْ أَشَلَّ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ فَأُلْحِقَ بِهِ، بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَاللَّمْسُ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ، وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ كَلَحْمِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا.

نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَالسِّنُّ وَالشَّعْرُ وَالظُّفْرُ كَمَا

ص: 144

إلَّا مَحْرَمًا فِي الْأَظْهَرِ، وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

سَيَأْتِي، وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْخُنْثَيَانِ وَالْخُنْثَى مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا، وَلِاحْتِمَالِ التَّوَافُقِ فِي صُوَرِ الْخُنْثَى، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إذْ بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي لَا الْبَالِغُ وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَا الْبَالِغَةُ، وَلَوْ لَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا جِنِّيًّا أَوْ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَا؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (إلَّا مَحْرَمًا) لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا وَلَوْ بِشَهْوَةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالرَّجُلِ. وَهِيَ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَالثَّانِي تَنْقُضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا؟ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ، وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ الْمَحْرَمُ مِنْ النَّسَبِ وَيَنْقُضُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لِحُرْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم لَا لِحُرْمَتِهِنَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يُورِدُ ذَلِكَ عَلَى الضَّابِطِ إلَّا قَلِيلُ الْفِطْنَةِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ اللَّمْسَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا جَازَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِالظَّنِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالنِّكَاحُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ.

نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُمَّهُ أَوْ لَا، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى أُمِّهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُخْتَهُ أَوْ لَا، فَيَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالشَّكِّ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا لَا نُبَعِّضُ الْأَحْكَامَ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي (وَالْمَلْمُوسُ) وَهُوَ مَنْ لَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلُ اللَّمْسِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (كَلَامِسٍ) فِي نَقْضِ وُضُوئِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرِكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ، فَهُمَا كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالثَّانِي لَا وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي مَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ، وَمَنْ لَمَسَ إنْسَانًا فَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْآخَرِ اللَّمْسُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَمْسُوسُ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مَسُّ الْيَدِ، وَالشَّارِعُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِمَسِّ الذَّكَرِ.

وَأُجِيبَ عَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ

ص: 145

وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعَرٌ، وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ.

الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

«فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِرَاشِ لَيْلَةً فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي سُجُودِهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِك مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» (1) بِاحْتِمَالِ الْحَائِلِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلَّامِسِ حُكْمٌ لِيُحِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِالْتِقَاءَ يَشْمَلُ اللَّامِسَ وَالْمَلْمُوسَ، فَإِنْ فُرِضَ الِالْتِقَاءُ مِنْهُمَا دَفْعَةً بِحَرَكَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَامِسَانِ صَحَّ، وَلَكِنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ لَا شُعُورَ لِلَفْظِهِ بِهَا فَتَبْعُدُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهَا (وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ) وَلَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا.

وَقِيلَ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) لَا (شَعَرٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا (وَسِنٌّ وَظُفْرٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِهِ مَعَ إسْكَانِهَا وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ: أُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظَافِرَ وَأَظَافِيرَ، وَعَظْمٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مُتَّصِلَاتٍ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَالثَّانِي تَنْقُضُ.

أَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلِعُمُومِ الْآيَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَوَاقِي فَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مَنْ لَمَسَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، أَمَّا إذَا انْفَصَلَتْ فَلَا تَنْقُضُ قَطْعًا، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ، وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ أَعْظَمَ نَقَضَ دُونَ غَيْرِهِ اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كُنْتُ جَرَيْتُ عَلَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، أَمَّا الْفَرْجُ فَسَيَأْتِي، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ رَجَّحَ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتِ، وَعُدَّ مِنْ السَّهْوِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ

(الرَّابِعُ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا (بِبَطْنِ الْكَفِّ) مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (2) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ، الْكَفِّ فَثَبَتَ

ص: 146

وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

النَّقْضُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ مَسُّ جُزْءٍ مِنْ الْفَرْجِ بِجُزْءٍ مِنْ بَطْنِ الْكَفِّ، وَبَطْنُ الْكَفِّ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ إنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنِ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ بِالْمَسِّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ بِهَا، وَالْكَفُّ مُؤَنَّثَةٌ، وَسُمِّيَتْ كَفًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ عَنْ الْبَدَنِ الْأَذَى، وَبِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ عَلَى الْمَنْفَذِ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ وَلَا مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَا الْعَانَةِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ أَنَّ مَنْ مَسَّ شَعْرَ الْفَرْجِ يَنْقُضُ ضَعِيفٌ، وَمَسُّ بَعْضِ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَسِّ كُلِّهِ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ؛ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ، وَالدُّبُرُ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَرَ لَوْ قُطِعَ وَدُقَّ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا وَلَا بَعْضَهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نَقَضَتَا بِالْمَسِّ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةً مَعَ عَامِلَةٍ فَلَا تَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ الْحُكْمُ لِلْعَامِلَةِ فَقَطْ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ النَّقْضَ بِغَيْرِ الْعَامِلِ أَيْضًا، وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ نَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فَقَطْ.

وَجَمَعَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ، وَكَلَامُ التَّحْقِيقِ فِيمَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ. أَيْ وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ: وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَا عَامِلَيْنِ، أَمْ غَيْرَ عَامِلَيْنِ لَا زَائِدًا مَعَ عَامِلٍ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفُورَانِيِّ (1) : إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ (وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ، وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْقَدِيمُ لَا نَقْضَ بِمَسِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِمَسِّهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ لَا مَا وَرَاءَهُ جَزْمًا، وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ) أَوْ طَيْرٍ، أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَالْقَدِيمِ وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدٌ أَنَّهُ

ص: 147

وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ، وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا.

وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ

ــ

[مغني المحتاج]

يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمَسِّ (وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ) لِشُمُولِ الِاسْمِ (وَمَحَلُّ الْجَبِّ) أَيْ الْقَطْعِ لِلْفَرْجِ (وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ) وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ الَّذِي يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيَنْبَغِي، أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْجُ الْأَشَلُّ (وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي بَطَلَ عَمَلُهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ، الْجَبِّ فِي مَعْنَى الْفَرْجِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا جُبَّ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَاخِصٌ نَقَضَ قَطْعًا؛ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي الْبَاقِي، وَالثَّانِي لَا تَنْقُضُ الْمَذْكُورَاتُ لِانْتِفَاءِ الْفَرْجِ فِي مَحَلِّ الْجَبِّ وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ نَبَتَ مَوْضِعَ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسُّهَا كَمَسِّهِ بِلَا جِلْدَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَمْسُوسُ وَاضِحًا فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاسُّ لَهُ وَاضِحًا أَوْ مُشْكِلًا، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ مَسَّ مُشْكِلٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ أَوْ فَرْجَيْ مُشْكِلَيْنِ بِأَنْ مَسَّ آلَةَ الرِّجَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَآلَةَ النِّسَاءِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ فَرْجَيْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ وَمَسَّ أَوْ لَمَسَ فِي الثَّانِيَةِ الصَّادِقَةِ بِمُشْكِلَيْنِ غَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَمُشْكِلٍ آخَرَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ مَحْرَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الصُّبْحَ مَثَلًا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا أَعَادَ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَ الْمَسَّيْنِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ عَنْ الْمَسِّ احْتِيَاطًا.

وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهَا قَطْعًا بِخِلَافِ الصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ وَإِنْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى أَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْمَسِّ، وَإِلَّا فَبِاللَّمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَ الْخُنْثَى، وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ، وَالْآخَرُ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَدْ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَدَثُ فِيهِمَا فَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ لَا تَقْتَدِي بِالْآخَرِ (وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا) وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ. وَضَابِطُ مَا يَنْقُضُ مَا يَسْتُرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَمَا الْمُرَادُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَحَرْفِهَا، فَقِيلَ بَيْنَهَا النُّقَرُ الَّتِي بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا جَوَانِبُهَا، قِيلَ حَرْفُهَا جَانِبُ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَمَا عَدَاهَا بَيْنَهَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ

(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) حَيْثُ لَا

ص: 148

الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ، وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،

ــ

[مغني المحتاج]

عُذْرَ (الصَّلَاةُ) بِأَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَالْقَبُولُ يُقَالُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ، وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَكِنْ فِيهَا خِلَافٌ لِلشَّعْبِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ فَلَا تَحْرُمُ بَلْ قَدْ تَجِبُ كَأَنْ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَضَاقَ الْوَقْتُ، فَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (وَالطَّوَافُ) فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الطَّوَافُ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ نَقْلُهُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ (وَمَسُّ وَرَقِهِ) الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَغَيْرِهِ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ أَوْ مَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَيْهِ أَوْ مَسَّ مَا كَانَ مَنْسُوخَ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ. قَالَ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79][الْوَاقِعَةُ] أَيْ الْمُتَطَهِّرُونَ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» (3) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ. نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ، وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ لِزَوَالِ حُرْمَتِهَا بِالنَّسْخِ بَلْ وَبِالتَّبْدِيلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ (وَكَذَا جِلْدُهُ) الْمُتَّصِلُ بِهِ يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ

ص: 149

وَخَرِيطَةٌ، وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مُتَّصِلًا حَقِيقَةً، فَإِنْ انْفَصِلْ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ؛ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (وَخَرِيطَةٌ) وَهِيَ وِعَاءٌ كَالْكِيسِ مِنْ أُدْمٍ وَغَيْرِهِ (وَصُنْدُوقٌ) وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا: وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ مُعَدَّانِ لِلْمُصْحَفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (فِيهِمَا مُصْحَفٌ) يَحْرُمُ مَسُّهُمَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا فِي بَيْعِهِ، وَالْعِلَاقَةُ كَالْخَرِيطَةِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَرَدَتْ فِي الْمُصْحَفِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُمَا جَزْمًا وَإِنْ جَوَّزْنَا تَحْلِيَةَ الْمُصْحَفِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَسِّ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَتُهُ. أَمَّا الْحَمْلُ فَيَحْرُمُ قَطْعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ فِيهِمَا أَوْ هُوَ فِيهِمَا، وَلَمْ يُعَدَّا لَهُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُمَا (وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ) وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ (كَلَوْحٍ) يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ كَالْمُصْحَفِ. أَمَّا مَا كُتِبَ لِغَيْرِ الدِّرَاسَةِ كَالتَّمِيمَةِ، وَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ، وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] آلُ عِمْرَانَ الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ» ، وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جُعِلَ عَلَيْهَا شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا (وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (فِي) مَتَاعٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ (أَمْتِعَةٍ) تَبَعًا لِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ بِأَنْ قَصَدَ حَمْلَ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ حَمْلِ حَامِلِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ، وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحِلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا، وَالثَّانِي يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَمُنِعَ مَعَ التَّبَعِيَّةِ كَحَامِلِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ.

ص: 150

وَتَفْسِيرٍ، وَدَنَانِيرَ لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ. وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَ مُصْحَفًا مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ فَحُكْمُ حَمْلِهِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ، وَأَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي (وَ) فِي (تَفْسِيرٍ) سَوَاءٌ أَتَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ بِلَوْنٍ أَمْ لَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، أَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّحْقِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلرِّجَالِ كَبَرْدٍ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَثْرَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمَسِّ بِحَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالْجَمِيعِ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ: أَيْ وَلَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْحَرِيرُ أَكْثَرُ أَوْ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ هُنَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أَقَلُّ أَوْ لَا بَلْ أَوْلَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كُرْهًا (وَ) فِي دَرَاهِمَ وَ (دَنَانِيرَ) كَالْأَحَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ دُونَهُ. وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ (لَا) حِلُّ (قَلْبِ وَرَقِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ (بِعُودٍ) وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْوَرَقَةِ فَهُوَ كَحَمْلِهَا.

وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ لِمَا سَيَأْتِي، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (1) : وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ اهـ.

وَعَلَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا قَلَبَهُ بِكُمِّهِ فَقَطْ كَأَنْ فَتَلَهُ وَقَلَبَ بِهِ فَهُوَ كَالْعُودِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الصَّبِيَّ) الْمُمَيِّزَ (الْمُحْدِثَ) وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ (لَا يُمْنَعُ) مِنْ مَسٍّ وَلَا مِنْ حَمْلِ لَوْحٍ، وَلَا مُصْحَفٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ. أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ كَانَ

ص: 151

قُلْتُ: الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ بِعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،

ــ

[مغني المحتاج]

لِغَرَضٍ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ (قُلْتُ الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ) أَيْ وَرَقِ الْمُصْحَفِ (بِعُودٍ) وَنَحْوِهِ (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً فَصَفْحُهَا بِعُودٍ جَازَ إنْ احْتَاجَ فِي صَفْحِهَا إلَى رَفْعِهَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا اهـ.

وَمَا قَالَهُ عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ.

فَوَائِدُ: يُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا يَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَأَكْلُ الطَّعَامِ. كَشُرْبِ الْمَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ رضي الله عنه الْمَصَاحِفَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - بِنَجِسٍ وَعَلَى نَجِسٍ وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْو سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ نَحْوِ حَرْقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ، وَيَجُوزُ كَتْبُ آيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ مُعَانِدًا، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ، وَتَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ بِحَمَّامٍ وَطَرِيقٍ إنْ لَمْ يُتَلَهَّ عَنْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ بِمَحَلٍّ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَعَوَّذَ لَهَا جَهْرًا إنْ جَهَرَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ مُطْلَقًا، وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَأَنْ يَجْلِسَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَخَشُّعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ، وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فِي

ص: 152

وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ عَمِلَ بِيَقِينِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ السَّابِقَ فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

حَقِّهِ، وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَهُوَ: مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَ " أَيْمَانَهُمَا " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38][الْمَائِدَةُ] وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ: أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنَيْ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ. وَعِنْدَ آخَرِينَ: مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ: السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأَوَّلِ وَبِعَكْسِ الْآيِ لَا بِعَكْسِ السُّوَرِ وَلَكِنْ تُكْرَهُ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِلَا عِلْمٍ. وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: أُنْسِيتُ كَذَا لَا نَسِيتُهُ، وَيُنْدَبُ خَتْمُهُ أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ وَالشُّرُوعُ بَعْدَهُ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، وَكَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ، وَقَدْ أُفْرِدَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ بِالتَّصَانِيفِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ (فِي ضِدِّهِ) هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لَا (عَمِلَ بِيَقِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَمَنْ ظَنَّ الضِّدَّ لَا يَعْمَلُ بِظَنِّهِ؛ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْهُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ اسْتِصْحَابُهُ وَإِلَّا فَالْيَقِينُ لَا يُجَامِعُهُ شَكٌّ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يُعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ ظَنَّ الطُّهْرِ يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ النَّشَائِيُّ: إنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ أَوْهَامِهِ (فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الشَّمْسِ مَثَلًا (وَجَهِلَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا (فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا) يَأْخُذُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، هَذَا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ عَادَتُهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَدْ التَّجْدِيدَ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَخَذَ بِمَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ عَكْسَ مَا مَرَّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أَوْ شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ

ص: 153