المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة النفل - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ]

- ‌بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

- ‌[بَاب سَجَدَاتٌ التِّلَاوَةِ]

- ‌بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ]

الفصل: ‌باب صلاة النفل

‌بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ

قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً،

ــ

[مغني المحتاج]

[بَابٌ صَلَاةِ النَّفْلِ]

بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُرَادِفُ النَّفَلَ السُّنَّةُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْحَسَنُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: غَيْرُ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ: تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ، بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً، وَسُنَّةٌ وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا، أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ لِعُمُومِهَا لِلثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ، وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» . وَقِيلَ: الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . وَقِيلَ: إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالصَّلَاةُ، أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَالصَّوْمُ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ مَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ، وَمَنْعِ الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، وَيُقْتَلُ تَارِكُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: الْحَجُّ أَفْضَلُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: الْجِهَادُ أَفْضَلُ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلهَا.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْخِلَافُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ، وَخَرَجَ بِإِضَافَةِ الْعِبَادَاتِ إلَى الْبَدَنِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: عِبَادَةُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَالثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لِتَعَدِّي النَّفْعِ بِهَا، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْقَاصِرِ أَرْجَحَ فَهُوَ أَرْجَحُ، أَوْ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ أَرْجَحُ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا مَرَّ، فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَرِدُ حِفْظُهُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا قَالَ (صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ: أَيْ لَا تُسَنُّ فِيهِ

ص: 449

فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَقِيلَ لَا رَاتِبَ لِلْعِشَاءِ. وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ. وَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. قُلْت: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا

ــ

[مغني المحتاج]

الْجَمَاعَةُ لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِهِ فُرَادَى لَا عَلَى الْحَالِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَعْنَاهُ نَفْيَ السُّنَّةِ عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ قَالَ: يُسَنُّ فُرَادَى كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ جَازَ بِالْجَمَاعَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِاقْتِدَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ فِي التَّهَجُّدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ) وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّتِي (مَعَ الْفَرَائِضِ) . وَقِيلَ: هِيَ مَا لَهُ وَقْتٌ، وَالْحِكْمَةُ فِيهَا تَكْمِيلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ بِنَقْصِ نَحْوِ خُشُوعٍ كَتَرْكِ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ

(وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ» (وَقِيلَ لَا رَاتِبَ لِلْعِشَاءِ) لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ (وَقِيلَ) مِنْ الرَّوَاتِبِ «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ» لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا) لِحَدِيثِ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ) رَاتِبَةٌ قَطْعًا لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُجْمِعِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْجَامِعِ بِمُزْدَلِفَةَ تَرْكُ التَّنَفُّلِ لَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَاهُ عَلَى النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ) مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمِيعُ مُؤَكَّدٌ، وَعَلَى الرَّاجِحِ: الْمُؤَكَّدُ الْعَشْرُ الْأُوَلُ فَقَطْ لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا (وَ) قِيلَ مِنْ الرَّوَاتِبِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لِمَا سَيَأْتِي (قُلْت: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا) وَلَفْظُهُ «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ» .

قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ

ص: 450

وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ. وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهُ الْوِتْرُ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

سُنَّةً: أَيْ طَرِيقَةً لَازِمَةً، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ بِرَكْعَتَيْنِ. نَعَمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ " أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهُمَا: أَيْ لِلرَّكْعَتَيْنِ إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ ". وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا.

وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ نَافٍ، وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ خُصُوصًا مَنْ أَثْبَتَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ نَفَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ، وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَدَمَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ رَأَى، وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا عِنْدَ مَنْ اسْتَحَبَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُمَا عَنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الرَّوَاتِبِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ عَطْفُهُمَا عَلَى أَمْثِلَةِ الرَّوَاتِبِ يُفْهِمُ أَنَّهُمَا مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَاسْتِحْبَابهمَا قَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهَا كُرِهَ الشُّرُوعُ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقْدِيمُ الْإِجَابَةِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَدَّى الِاشْتِغَالُ بِهِمَا إلَى عَدَمِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ.

وَفِي الْمَجْمُوعِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِخَبَرِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» . وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ (وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ) رَكْعَتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ كَمَا فِي الظُّهْرِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» (وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ) أَيْ رَكْعَتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ وَمَا قَرَّرْت بِهِ عِبَارَتُهُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ مُخَالِفَةٌ لِلظُّهْرِ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ قَالَ: وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي الرَّوَاتِبِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لَكَانَ أَوْلَى.

(وَمِنْهُ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الْوِتْرُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. أَمَّا كَوْنُهُ مَطْلُوبًا فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ الرَّوَاتِبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَسِيمٌ لَهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَمِنْهَا لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الرَّوَاتِبِ لَكَانَ أَوْلَى (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» . وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِيتَارُ بِرَكْعَةٍ،

ص: 451

وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ. وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا نَهْيَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» .

وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ» وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ، وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ، ثُمَّ سَبْعٌ، ثُمَّ تِسْعٌ، ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ أَكْثَرُهُ كَمَا قَالَ (وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا خَبَرُ عَائِشَةَ «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» فَلَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ صَحَّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ. السَّادِسُ: فَلَا يَصِحُّ وِتْرًا، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمَنْعَ وَتَعَمَّدَ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا كَإِحْرَامِهِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا غَالِطًا (وَقِيلَ) أَكْثَرُهُ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ) رَكْعَةً لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ مُبَاعِدٌ لِلْأَخْبَارِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَأَنَا أَقْطَعُ بِحِلِّ الْإِيتَارِ بِذَلِكَ وَصِحَّتِهِ، وَلَكِنْ أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَيُسَنُّ لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى " الْأَعْلَى "، وَفِي الثَّانِيَةِ " الْكَافِرُونَ ".

وَفِي الثَّالِثَةِ " الْإِخْلَاصَ "، ثُمَّ " الْفَلَقَ "، ثُمَّ " النَّاسَ " مَرَّةً مَرَّةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إنْ قَرَأَ فِيهَا ذَلِكَ (وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ) فِي الْوِتْرِ (الْفَصْلُ) بَيْنَ الرَّكَعَاتِ بِالسَّلَامِ فَيَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا مِنْ الْوِتْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ» (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الْوَصْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ أَكْثَرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْوَصْلُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ الْفَصْلَ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ قَالُوا: إنَّمَا يُرَاعِي الشَّافِعِيُّ الْخِلَافَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى مَحْظُورٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ الْوَصْلَ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَكْرُوهٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ خَيْرَانَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَصِحُّ وَصْلُهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِخَبَرِ «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تُشَبِّهُوا الْوِتْرَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» وَقِيلَ الْفَصْلُ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ دُونَ الْإِمَامِ إذْ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ حَنَفِيٌّ، وَعَكَسَهُ الرُّويَانِيُّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خَلَلٌ فِيمَا صَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِتْيَانِ بِثَلَاثٍ، فَإِنْ زَادَ فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَثَلَاثٌ فَأَكْثَرُ مَوْصُولَةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ فَرْدَةٍ لَا شَيْءَ قَبْلَهَا (وَ) لِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ (الْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ) فِي الْأَخِيرَةِ (أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي غَيْرِهِمَا فَقَطْ أَوْ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تُفْهِمُ عِبَارَتُهُ اسْتِوَاءَ التَّشَهُّدِ وَالتَّشَهُّدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ وَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ

ص: 452

وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِيلَ شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ. وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

مُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرِينَ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْوَصْلَ بِتَشَهُّدٍ أَفْضَلُ مِنْهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَشْبِيهِ الْوِتْرِ بِالْمَغْرِبِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ «إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ: وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالْبَاقِي وَقْتُ جَوَازٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ التَّهَجُّدَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُوتِرَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَقِيلَ شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ) مِنْ سُنَنِهَا أَوْ غَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ يُوتِرُ النَّفَلَ قَبْلَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ وِتْرًا فِي نَفْسِهِ أَوْ وِتْرًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ سُنَّةً (وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَلَوْ نَامَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ أَخَّرَ الْوِتْرَ إلَى أَنْ يَتَهَجَّدَ وَإِلَّا أَوْتَرَ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِيَقَظَتِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ» وَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُهُ أَيْضًا «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَثِقْ بِيَقَظَتِهِ آخِرَ اللَّيْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ آخِرَ اللَّيْلِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» (فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَهَجَّدْ (لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ الْوِتْرَ ثَانِيًا: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهُ لِخَبَرِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَالْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً عَدَمُ الِانْعِقَادِ فَلَوْ أَوْتَرَ ثَانِيًا لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ (وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ) أَيْ يُصَلِّي رَكْعَةً حَتَّى يَصِيرَ وِتْرُهُ شَفْعًا ثُمَّ يَتَهَجَّدَ مَا شَاءَ (ثُمَّ يُعِيدُهُ) كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ لِيَقَعَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَيُسَمَّى

ص: 453

وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ كُلَّ السَّنَةِ، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

هَذَا نَقْضَ الْوِتْرِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ صِحَّةُ النَّهْيِ عَنْ نَقْضِ الْوِتْرِ، وَالْوِتْرُ نَفْسُهُ تَهَجُّدٌ إنْ فُعِلَ بَعْدَ نَوْمٍ وَإِلَّا فَوِتْرٌ لَا تَهَجُّدٌ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ تَغَايُرِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجُّدُ بَعْدَ الْوِتْرِ، لَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ تَعَمُّدُهُ، وَإِذَا أَوْتَرَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَلْيُؤَخِّرْ قَلِيلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: يُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ قَاعِدًا مُتَرَبِّعًا يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] . وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَأَنْكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ. وَقَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بَعْدَ وِتْرِهِ، وَصَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ. اهـ.

(وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ) بِثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا لَوْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَنَتَ فِيهِ لَمَّا جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ، أَيْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ (وَقِيلَ) يَقْنُتُ فِيهِ فِي (كُلِّ السَّنَةِ) لِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَنَتَ فِيهِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ وَلَمْ يَطُلْ بِهِ الِاعْتِدَالُ كُرِهَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ طَالَ بِهِ الِاعْتِدَالُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ) فِي لَفْظِهِ وَمَحَلِّهِ وَالْجَهْرِ بِهِ، وَاقْتِضَاءِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ إمَامُ غَيْرِ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ (وَيَقُولُ) غَيْرُهُ (قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَنَسْتَهْدِيك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك: اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى، وَنَحْفِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ نُسْرِعُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ: أَيْ الْحَقُّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ: أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ، فَهُوَ كَأَنْبَتَ الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْحَقَهُ بِهِمْ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ: أَيْ يَمْنَعُونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك: أَيْ أَنْصَارَك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ: أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ، وَأَلِّفْ: أَيْ اجْمَعْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَهِيَ كُلُّ مَا مَنَعَ الْقَبِيحَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ، وَأَوْزِعْهُمْ: أَيْ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِك الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ كُلَّ كَافِرٍ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ، مِنْ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْقُنُوتِ: رَبَّنَا لَا

ص: 454

قُلْت: الْأَصَحُّ بَعْدَهُ. وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهُ الضُّحَى، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ.

ــ

[مغني المحتاج]

تُؤَاخِذْنَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ) أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قُنُوتِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْوِتْرِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقُنُوتُ الصُّبْحِ أَفْضَلُ لِمَا ذُكِرَ (وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ) فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَصُلِّيَتْ التَّرَاوِيحُ أَمْ لَا صُلِّيَتْ، فُرَادَى أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ صَلَاةٌ عَقِبَهَا أَمْ لَا، فَقَوْلُهُ (عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ:«سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالثَّالِثَةِ وَأَنَّهُ يَقُولَ بَعْدَهُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» .

(وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الضُّحَى وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مِنْ الضُّحَى» وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَكْمَلُ مِنْهُ سِتٌّ وَاخْتُلِفَ فِي أَكْثَرِهَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ) رَكْعَةً لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، أَوْ أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، أَوْ سِتًّا كُتِبْتَ مِنْ الْقَانِتِينَ، أَوْ ثَمَانِيَةً كُتِبْتَ مِنْ الْفَائِزِينَ، أَوْ عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْك ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ، وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ. وَنُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ فَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ اهـ.

وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ «صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَرِيبٌ مِنْهُ.

وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ: الصَّلَاةُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ، وَيَنْوِيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى، وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى

ص: 455

وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ. وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ لَا بِرَكْعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْت: وَكَذَا الْجِنَازَةُ. وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

الزَّوَالِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَوَقَعَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالطُّلُوعِ، وَأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى الِارْتِفَاعِ مُسْتَحَبٌّ، وَنُسِبَ إلَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا عِنْدَ مُضِيِّ رُبْعِ النَّهَارِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» بِفَتْحِ الْمِيمِ: أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي خِفَافِهَا، وَلِئَلَّا يَخْلُوَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ عِبَادَةٍ.

(وَ) مِنْهُ (تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) لِدَاخِلِهِ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهِيَ (رَكْعَتَانِ) قَبْلَ الْجُلُوسِ لِكُلِّ دُخُولٍ، وَلَوْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الدُّخُولَاتِ أَوْ دَخَلَ مِنْ مَسْجِدٍ إلَى آخَرَ وَهُمَا مُتَلَاصِقَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَمِنْ ثَمَّ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ غَيْرِ تَحِيَّةٍ بِلَا عُذْرٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي سَنِّهَا بَيْنَ مُرِيدِ الْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمُتَطَهِّرِ وَغَيْرِهِ إذَا تَطَهَّرَ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ بِمُرِيدِ الْجُلُوسِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مُعَلَّقٌ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ، وَإِقَامَةً لِلشِّعَارِ كَمَا يُسَنُّ لِدَاخِلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِهَا أَمْ لَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذَا أَتَى بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَتَكُونُ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَإِنْ فَصَلَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ مُحْتَمَلٌ. اهـ. .

وَالْمَنْعُ أَظْهَرُ (وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ) وَإِنْ لَمْ تَنْوِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا أَنْ لَا يُنْتَهَكَ الْمَسْجِدُ بِلَا صَلَاةٍ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَيَحْصُلُ فَضْلُهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُنْوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي بَهْجَتِهِ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ (لَا بِرَكْعَةٍ) أَيْ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (قُلْت: وَكَذَا الْجِنَازَةُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَ) سَجْدَةُ (الشُّكْرِ) فَلَا تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ.

وَالثَّانِي: تَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ لِحُصُولِ الْإِكْرَامِ بِهَا الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَبَرِ (وَتَتَكَرَّرُ) التَّحِيَّةُ. أَيْ طَلَبُهَا (بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي كَالْبُعْدِ. وَالثَّانِي: لَا لِلْمَشَقَّةِ، وَتَفُوتُ بِجُلُوسِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ إلَّا إنْ جَلَسَ سَهْوًا، وَقَصُرَ الْفَصْلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَتَفُوتُ بِطُولِ الْوُقُوفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْقُعُودَ لِإِتْمَامِهَا فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْمَنْعِ، وَلَوْ دَخَلَ زَحْفًا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّحِيَّةِ. أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا تُسَنُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ قَرُبَ إقَامَتُهَا بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالتَّحِيَّةِ فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، أَوْ دَخَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَطِيبِ مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ وَهُوَ فِي آخِرِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَرُبَّمَا يُدَّعَى دُخُولُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ: أَوْ قُرْبَ إقَامَتِهَا إلَخْ، أَوْ دَخَلَ الْخَطِيبُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ

ص: 456

وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ.

وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

حَانَتْ الْخُطْبَةُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، أَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ، أَوْ خَافَ فَوْتَ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَمَا فِي الرَّوْنَقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِنْ دَخَلَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ، وَفِي أَذْكَارِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِحَدِيثٍ أَوْ شُغْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ وَلَا بَأْسَ بِهِ، زَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.

فَائِدَةٌ: إنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ سَائِرِ الْخَلِيقَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أَيْ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ وَالذِّكْرُ الْكَثِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] .

فَرْعٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحِيَّاتُ أَرْبَعٌ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ، وَالْبَيْتِ بِالطَّوَافِ، وَالْحَرَامِ بِالْإِحْرَامِ، وَمِنًى بِالرَّمْيِ وَزِيدَ عَلَيْهِ تَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ، وَتَحِيَّةُ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ بِالسَّلَامِ، وَالْخُطْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ التَّحِيَّةُ هُنَا بِالْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ) الَّتِي (قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَ) وَقْتِ الَّتِي (بَعْدَهُ) وَلَوْ وِتْرًا (بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ) أَيْ وَقْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ) لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ، فَفِعْلُ الْقَبَلِيَّةِ بَعْدَهُ أَدَاءٌ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ وَالصَّلَاةُ تُقَامُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي، وَفِعْلُ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَهُ لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَقْضِيَّةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ الرَّاتِبَةِ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حُكِيَ عَنْ الشَّامِلِ خِلَافُهُ، وَيُسَنُّ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ أَقَصَرَ أَمْ أَتَمَّ لَكِنَّهَا فِي الْحَضَرِ آكَدُ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الرَّاتِبَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.

(وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ) سُنَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ لَا كَصَلَاةِ الضُّحَى (نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَفِي مُسْلِمٍ نَحْوُهُ «وَقَضَى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَقُضِيَتْ كَالْفَرَائِضِ، وَسَوَاءٌ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي كَغَيْرِ الْمُؤَقَّتِ. وَالثَّالِثُ: إنْ لَمْ يَتْبَعْ غَيْرَهُ كَالضُّحَى قَضَى لِشَبَهِهِ بِالْفَرْضِ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَإِنْ تَبِعَ غَيْرَهُ كَالرَّوَاتِبِ فَلَا.

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُؤَقَّتَ أَبَدًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالثَّانِي يَقْضِي فَائِتَةَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ وَفَائِتَةَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ، وَالثَّالِثُ: يَقْضِي مَا لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَخَرَجَ بِالْمُؤَقَّتِ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالتَّحِيَّةِ وَالْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ ابْتَدَأَ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ قَطَعَهُ نُدِبَ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَكَذَا لَوْ فَاتَهُ وِرْدٌ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

تَتِمَّةٌ: بَقِيَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ صَلَوَاتٌ لَمْ يَذْكُرْهَا. مِنْهَا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ، وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا ثَلَاثَمِائَةِ مَرَّةٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَفِي الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَكَذَلِكَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسُّجُودِ الثَّانِي، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي أَرْبَعٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَحَدِيثُهَا فِي أَبِي دَاوُد وَالْمُسْتَدْرَكِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلَهُ طُرُقٌ يَعْضُدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُعْمَلُ بِهِ، لَا سِيَّمَا فِي الْعِبَادَاتِ، وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَعَدَّهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَقَدْ عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنهما، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ. فَإِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ صَلَّاهَا نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِحْبَابِهَا عَنْ جَمْعٍ: وَفِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ، وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ صَلَاتِهَا الْمَعْرُوفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ.

وَمِنْهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَفْلَةِ لِغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهَا بِسَبَبِ عَشَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا وَيَقُولُ هَذِهِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ» . وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِنْ خَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَوَّابِينَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ هَذِهِ وَصَلَاةِ الضُّحَى. وَمِنْهَا رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمُورِهِ وَمِنْ شَقَاوَتِهِ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ» . وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ اللَّهَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ قَلْبُكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» وَرَكْعَتَا الْحَاجَةِ، وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ، وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ، وَعِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ دُخُولِ أَرْضٍ لَمْ يُعْبَدْ اللَّهُ فِيهَا كَدَارِ الشِّرْكِ، وَعِنْدَ مُرُورِهِ بِأَرْضٍ لَمْ يَمُرَّ بِهَا

ص: 458

وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ.

ــ

[مغني المحتاج]

قَطُّ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقَتْلِ إنْ أَمْكَنَهُ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَزُفَّتْ إلَيْهِ، إذْ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْوِقَاعِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَدِلَّةُ هَذِهِ السُّنَنِ مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةِ رَجَبٍ، وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَلَا يَغْتَرُّ بِمَنْ ذَكَرَهُمَا، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ غَيْرَ سُنَّةِ الْوُضُوءِ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ سَوَاءٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، ثُمَّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ مُقَابِلُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، دَلِيلُهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ، فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

(وَقِسْمٌ) مِنْ النَّفْلِ (يُسَنُّ جَمَاعَةً) أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ، إذْ فِعْلُهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ لَا (كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ جِنْسِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ) لِلْفَرَائِضِ (عَلَى التَّرَاوِيحِ) لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّاتِبَةِ لَا التَّرَاوِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَالثَّانِي تَفْضِيلُ التَّرَاوِيحِ عَلَى الرَّاتِبَةِ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا: تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي التَّرَاوِيحِ وَإِلَّا فَالرَّاتِبَةُ أَفْضَلُ مِنْهَا قَطْعًا، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْعِيدَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ عِيدُ الْفِطْرِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى عِيدَ الْفِطْرِ فَكَأَنَّمَا حَجَّ، وَمَنْ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فَكَأَنَّمَا اعْتَمَرَ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَفِيهِ نُسُكَانِ: الْحَجُّ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ اهـ.

وَرُوِيَ «إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَصَلَاتُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ، وَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْبِيرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ كُسُوفُ الشَّمْسِ، ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ، ثُمَّ التَّرَاوِيحُ. وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَعَلَى

ص: 459

وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ

ــ

[مغني المحتاج]

أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ: إيمَانًا: أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَقِدًا فَضِيلَتَهُ، وَاحْتِسَابًا: أَيْ إخْلَاصًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغَائِرِ. .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» وَرَوَى ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا» الْحَدِيثَ، وَكَانَ جَابِرٌ إنَّمَا حَضَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ.

وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ قَدْ انْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ فُرَادَى خَشْيَةَ الِافْتِرَاضِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم «خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ» {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] فَكَيْفَ يَقَعُ الْخَوْفُ مِنْ الزِّيَادَةِ؟ .

أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَأَمِنَ مَعَ إذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ.

وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ.

وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً» كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا: أَيْ يَسْتَرِيحُونَ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ: أَيْ

ص: 460

وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْت: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُؤَكَّدَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ اهـ.

وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ، فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ وَبِدَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَفِعْلُهَا بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ تَقْدِيمًا وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَاوِيحَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَتْ، وَأَخَذَ شَيْخِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا وَصَلَّاهَا بَعْدَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا مَعَ سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبَ أَيْ لَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِهِ. «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ اسْتَكْثِرْ أَوْ أَقِلَّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ قَالَ «كُنْت أَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ، فَإِذَا صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ أَجْلِسُ بِبَابِهِ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ لَعَلَّهُ يَحْدُثُ لَهُ صلى الله عليه وسلم حَاجَةٌ حَتَّى تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: يَا رَبِيعَةُ سَلْنِي، فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي ثُمَّ أُعْلِمُك، قَالَ: فَفَكَّرْت فِي نَفْسِي وَعَلِمْت أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ وَمُنْقَطِعَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا يَأْتِينِي، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَسْأَلُك أَنْ تَشْفَعَ لِي أَنْ يُعْتِقَنِي اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَأَنْ أَكُونَ رَفِيقَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ؟ . قُلْت: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، فَصَمَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِرَكْعَةٍ وَبِمِائَةِ رَكْعَةٍ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي) آخِرِ صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ جَازَ، وَفِي (كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَفِي كُلِّ أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْجُمْلَةِ (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَرْدَةً وَيَتَحَلَّلَ عَنْهَا كَمَا مَرَّ، وَإِذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ جَازَ الْقِيَامُ إلَى الْأُخْرَى (قُلْت: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُعْهَدْ، وَإِذَا صَلَّى بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدَيْنِ فَأَكْثَرَ قَرَأَ فِي الرَّكَعَاتِ الَّتِي قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالتَّشَهُّدُ آخِرَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ كَسَائِرِ التَّشَهُّدَاتِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، بَلْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الَّذِي يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ رَكْعَتَانِ (وَإِذَا

ص: 461

نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ.

فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ. قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ.

وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ،

ــ

[مغني المحتاج]

نَوَى) قَدْرًا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ (عَدَدًا) أَوْ رَكْعَةً (فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ) عَلَى مَا نَوَاهُ (وَ) أَنْ (يَنْقُصَ) عَنْهُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِلْمُصَنِّفِ، عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْعَدَدِ إذْ الرَّكْعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةُ لَا تُسَمَّى عَدَدًا إذْ الْعَدَدُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحُسَّابِ مَا سَاوَى نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ. نَعَمْ الْعَدَدُ عِنْدَ النُّحَاةِ مَا وُضِعَ لِكَمِّيَّةِ الشَّيْءِ فَالْوَاحِدُ عِنْدَهُمْ عَدَدٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّكْعَةُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا) أَيْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إذْ لَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ الْمُتَيَمِّمُ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ عَدَدٍ نَوَاهُ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ النِّيَّةَ قَبْلَهُمَا (فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا لَمْ تَشْمَلْهَا نِيَّتُهُ.

(فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ) مَثَلًا (ثُمَّ قَامَ إلَى) رَكْعَةٍ (ثَالِثَةٍ سَهْوًا) ثُمَّ تَذَكَّرَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ) الزِّيَادَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِزِيَادَةِ الْقِيَامِ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ فِي إرَادَةِ الزِّيَادَةِ، بَلْ يَمْضِي فِيهَا كَمَا لَوْ نَوَاهَا قَبْلَ الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الزِّيَادَةَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ. أَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ الْمُطْلَقِ كَالْوِتْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ عَمَّا نَوَاهُ (قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ) أَيْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (أَفْضَلُ) مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّهَارِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» وَلِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت النَّفَلَ بِالْمُطْلَقِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ. مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى تَفْضِيلُ رَوَاتِبِ اللَّيْلِ عَلَى رَوَاتِبِ النَّهَارِ لِتَفْضِيلِهِمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى مَا عَدَا الْوِتْرَ (وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ) مِنْ طَرَفَيْهِ إذَا قَسَّمَهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالْعِبَادَةَ فِيهِ أَثْقَلُ، فَإِنْ أَرَادَ الْقِيَامَ فِي ثُلُثٍ مَا فَالْأَفْضَلُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» (ثُمَّ آخِرُهُ) أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ قَسَّمَهُ نِصْفَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى أَيْ يَنْزِلُ أَمْرُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» .

(وَ) يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ (أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا نَوَاهُمَا أَوْ أَطْلَقَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.

وَالْمُرَادُ بِمَثْنَى مَثْنَى أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا مَثْنَى مَثْنَى. أَمَّا التَّنَفُّلُ بِالْأَوْتَارِ فَلَا يُسْتَحَبُّ (وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ)

ص: 462

وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ، وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا.

وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وقَوْله تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وَهُوَ لُغَةً دَفْعُ النَّوْمِ بِالتَّكَلُّفِ: وَالْهُجُودُ النَّوْمُ. يُقَالُ هَجَدَ إذَا نَامَ، وَتَهَجَّدَ: إذَا أَزَالَ النَّوْمَ بِالتَّكَلُّفِ، وَاصْطِلَاحًا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ الْقَيْلُولَةُ، وَهُوَ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّحُورِ لِلصَّائِمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْجُنَيْدَ رُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ، وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا عِنْدَ السَّحَرِ (وَيُكْرَهُ) قِيَامٌ بِلَيْلٍ يَضُرُّ، وَمِنْ ذَلِكَ (قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ الْبَدَنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ، وَبِمَا قَرَّرْته سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ التَّقْيِيدَ بِكُلِّ اللَّيْلِ ظَاهِرَةُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ تَعَلُّقُهَا بِالْقَدْرِ الْمُضِرِّ وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ اهـ.

أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إنْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ مَشَقَّةً اُسْتُحِبَّ لَهُ لَا سِيَّمَا الْمُتَلَذِّذُ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ وَجَدَ نُظِرَ إنْ خَشِيَ مِنْهَا مَحْذُورًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا، وَرِفْقُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ دَائِمًا عَنْ إحْيَاءِ بَعْضِ اللَّيَالِي كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ، فَيُنْدَبُ إحْيَاؤُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ.

(وَ) يُكْرَهُ (تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ) بِصَلَاةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» أَمَّا إحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي خُصُوصًا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِيهَا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ

ص: 463

وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إحْيَاؤُهَا مَضْمُومَةً إلَى مَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ يَوْمِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِحْيَاءِ: يُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا، وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ (وَ) يُكْرَهُ (تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ) بِلَا عُذْرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ.

خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ بِاضْطِجَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ لِلِاتِّبَاعِ فَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بِاضْطِجَاعٍ فَبِحَدِيثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ مِنْ مَكَان أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الِاضْطِجَاعُ أَفْضَلَ، وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الِاضْطِجَاعِ إلَّا عِنْدَ الْعُذْرِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي أُولَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]- وَفِي الثَّانِيَةِ " الْإِخْلَاصَ "، أَوْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ فِي الْأُولَى " قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ "، وَفِي الثَّانِيَةِ " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا "، وَأَنْ يُوقِظَ مَنْ يَطْمَعُ فِي تَهَجُّدِهِ لِيَتَهَجَّدَ فَاسْتِحْبَابُ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلرَّاتِبَةِ أَوْلَى. قَالَ تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأُوتِرُ» هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَأَنْ يَمْسَحَ الْمُسْتَيْقِظُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] إلَى آخِرِهَا، وَأَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِير عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَنَامَ مَنْ نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَذْهَبَ نَوْمُهُ وَلَا يُعْتَادُ مِنْهُ غَيْرُ مَا يُظَنُّ إدَامَتُهُ عَلَيْهِ، وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ.

ص: 464