المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في شروط الاقتداء وآدابه] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ]

- ‌بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

- ‌[بَاب سَجَدَاتٌ التِّلَاوَةِ]

- ‌بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ]

الفصل: ‌[فصل في شروط الاقتداء وآدابه]

فَصْلُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا، وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقِبِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا تُكْرَهُ إذَا كَرِهَهَا الْبَعْضُ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسٌ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ وَفِيهِمْ أَبُوهُ» .

[فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ]

(فَصْلٌ) يَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ. وَشُرُوطُهُ سَبْعَةٌ:.

أَحَدُهَا: (لَا يَتَقَدَّمُ) الْمَأْمُومُ (عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ) وَلَا فِي مَكَانِ الْقُعُودِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَالِائْتِمَامُ: الِاتِّبَاعُ، وَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ تَابِعٍ (فَإِنْ تَقَدَّمَ) عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ) الْأَظْهَرِ، أَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ كَالتَّقَدُّمِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قِيَاسًا لِلْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ، وَلِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ أَفْحَشُ، وَالْقَدِيمُ لَا تَبْطُلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا لَوْ وَقَفَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُتَأَخِّرٌ كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَمَامِهِ لَمْ تَصِحَّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الثَّانِيَ أَوْجَهُ (وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ) لِإِمَامِهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ (وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ (قَلِيلًا) إذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ غَيْرَ عَارِيَّيْنِ بَصِيرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَارِيًّا وَالْمَأْمُومُ بَصِيرًا وَلَا ظُلْمَةَ تَمْنَعُ النَّظَرَ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ وَلِتَظْهَرَ رُتْبَةُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَأَمَّا إمَامَةُ النِّسْوَةِ وَإِمَامُ الْعُرَاةِ فَسَيَأْتِي (وَالِاعْتِبَارُ) فِي التَّقَدُّمِ وَغَيْرِهِ لِلْقَائِمِ (بِالْعَقِبِ) وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبِ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ. نَعَمْ إنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ضَرَّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْعَقِبِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمَنْكِبِ، وَالْمُرَادُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَ الْأُخْرَى عَلَى رِجْلِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ قَدَّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَاعِدِ بِالْأَلْيَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ: أَيْ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ. أَمَّا فِي حَالِ السُّجُودِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الرَّاكِبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِيهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ بَعِيدٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَقَدُّمُ رَاكِبِهَا عَلَى

ص: 490

وَيَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ. وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا، وَيَقِفُ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ، وَهُوَ أَفْضَلُ.

ــ

[مغني المحتاج]

رَاكِبِ الْأُخْرَى وَفِي الْمُضْطَجِعِ بِالْجَنْبِ، وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ: وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ، وَفِي الْمَصْلُوبِ بِالْكَتِفِ وَفِي الْمَقْطُوعَةِ رِجْلُهُ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاعْتِبَارُ بِالْكَتِفِ.

(وَ) الْجَمَاعَةُ (يَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ) نَدْبًا لِاسْتِقْبَالِ الْجَمِيعِ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَمْ لَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، لَكِنَّ الصُّفُوفَ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِدَارَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَلَوْ وَقَفَ صَفٌّ طَوِيلٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِلَا اسْتِدَارَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ جَازَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُهُمْ عَنْ سَمْتِهَا لَوْ قَرُبُوا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ (وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ) مِنْهُ إلَيْهَا فِي جِهَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ جِهَتِهِ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ مُنْكَرَةٌ، فَلَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ مَثَلًا فَجِهَتُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ لَهُ وَلَا لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (لَوْ وَقَفَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي الْكَعْبَةِ) أَيْ دَاخِلَهَا (وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا) بِأَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى وَجْهِهِ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِهِ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى جَنْبِهِ، أَوْ وَجْهُهُ إلَى جَنْبِهِ قِيَاسًا لِدَاخِلِ الْكَعْبَةِ عَلَى خَارِجِهَا، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَأْمُومِ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْإِمَامِ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ. أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ يَكُونَ ظَهْرُ الْمَأْمُومِ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِيهَا وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا، وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهَا وَالْإِمَامُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَتَوَجَّهُ الْمَأْمُومُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِتَقَدُّمِهِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ. (وَيَقِفُ) الْمَأْمُومُ (الذَّكَرُ) نَدْبًا وَلَوْ صَبِيًّا إذَا لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» (1) فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ سُنَّ لَهُ أَنْ يَنْدَارَ مَعَ اجْتِنَابِ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: سُنَّ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ (فَإِنْ حَضَرَ) ذَكَرٌ (آخَرُ أَحْرَمَ) نَدْبًا (عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ) بَعْدَ إحْرَامِهِ وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ) حَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (وَهُوَ) أَيْ تَأَخُّرُهُمَا (أَفْضَلُ) مِنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْت عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا التَّقَدُّمُ أَوْ

ص: 491

وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صُفَّا خَلْفَهُ وَكَذَا امْرَأَةٌ أَوْ نِسْوَةٌ، وَيَقِفُ خَلْفَهُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ.

ــ

[مغني المحتاج]

التَّأَخُّرُ لِضِيقِ مَكَان مَثَلًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنْهُمَا، وَخَرَجَ بِحَالَةِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ فِيهِ إلَّا بِأَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ غَالِبًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لِلْعَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْجَائِيَ الثَّانِيَ الْمَوْقِفُ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ أَحْرَمَ خَلْفَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ.

(وَلَوْ حَضَرَ) مَعَ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً (رَجُلَانِ) أَوْ صَبِيَّانِ (أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صَفًّا) أَيْ قَامَا صَفًّا (خَلْفَهُ) بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَكَذَا مَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ أَمَّا الرَّجُلَانِ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْت أَنَا وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» (1) فَلَوْ وَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ خَلْفَ الْأَوَّلِ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. (وَكَذَا امْرَأَةٌ) وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجَةً (أَوْ نِسْوَةٌ) تَقُومُ أَوْ يَقُمْنَ خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ وَقَفَا خَلْفَهُ وَهِيَ خَلْفَهُمَا، أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ (وَيَقِفُ) إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ (خَلْفَهُ الرِّجَالُ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ لِفَضْلِهِمْ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ ثُمَّ الْخَنَاثَى كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ (ثُمَّ النِّسَاءُ) لِتَحَقُّقِ أُنُوثَتِهِمْ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا» (2) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَوْلُهُ: لِيَلِيَنِّي بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ رِوَايَتَانِ، وَأُولُو: أَيْ أَصْحَابُ. وَالْأَحْلَامُ: جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّأَنِّي فِي الْأَمْرِ. وَالنُّهَى: جَمْعُ نُهْيَةٍ بِالضَّمِّ: وَهِيَ الْعَقْلُ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ النُّهَى: الْعُقُولُ، وَأُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ. وَقِيلَ: الْبَالِغُونَ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى، وَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَا إذَا حَضَرَ الْجَمِيعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ سَبَقَ الصِّبْيَانُ بِالْحُضُورِ لَمْ يُؤَخَّرُوا لِلرِّجَالِ اللَّاحِقِينَ كَمَا لَوْ سَبَقُوا إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ عَنْ الرِّجَالِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا لَمْ يَسَعْهُمْ صَفُّ الرِّجَالِ وَإِلَّا كُمِّلَ بِهِمْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الصِّبْيَانُ أَفْضَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَأَنْ كَانُوا فَسَقَةً وَالصِّبْيَانُ صُلَحَاءُ قُدِّمُوا

ص: 492

وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ، وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا،

ــ

[مغني المحتاج]

عَلَيْهِمْ.

قَالَهُ الدَّارِمِيُّ (وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ) نَدْبًا (وَسْطَهُنَّ) بِسُكُونِ السِّينِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ فِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

أَمَّا إذَا أَمَّهُنَّ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ.

فَائِدَةٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ وَسْطٌ إنْ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ كَمَا هُنَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ ذَلِكَ كَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ عَارٍ أَمَّ بَصْرَاءَ فِي ضَوْءٍ، فَلَوْ كَانُوا عُرَاةً فَإِنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ فِي ضَوْءٍ لَكِنَّ إمَامَهُمْ مُكْتَسٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ إمَامُهُمْ كَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا بُصَرَاءَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَالْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ وَانْفِرَادِهِمْ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ صَفًّا وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ وَالْجَمِيعُ عُرَاةٌ لَا يُصَلِّينَ مَعَهُمْ لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يَتَنَحَّيْنَ وَيَجْلِسْنَ خَلْفَهُمْ وَيَسْتَدْبِرْنَ الْقِبْلَةَ حَتَّى تُصَلِّيَ الرِّجَالُ، وَكَذَا عَكْسُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَكَانٍ آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَالْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَالنِّسَاءِ كَذَلِكَ أَوَّلُهَا، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهَا لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مَعَ الرِّجَالِ آخِرُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ. نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صُفُوفُهَا كُلُّهَا فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصُّفُوفِ فِيهَا مَطْلُوبٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَجِهَةُ يَمِينِهِ أَفْضَلُ.

وَيُسَنُّ سَدُّ فُرَجِ الصُّفُوفِ، وَأَنْ لَا يُشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ، فَلَوْ خَالَفُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ (وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا) عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أَوْ خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى فَلَا كَرَاهَةَ، بَلْ يُنْدَبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ «دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» (1) وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ، وَكَانَ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ لَوْ ثَبَتَ قُلْت بِهِ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ «فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ»

ص: 493

بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً، وَإِلَّا فَلْيَجُرَّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلِيُسَاعِدَهُ الْمَجْرُورُ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا،

ــ

[مغني المحتاج]

مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَوَاتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَارَنَةِ (بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ فُرْجَةً، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْحَاشِيَةِ الْفُرْجَةُ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ. وَالسَّعَةُ أَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ وَيَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَوَسِعَهُ اهـ.

فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّعَةِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ غَيْرِهِ عَلَى الْفُرْجَةِ، إذْ يُفْهَمُ مِنْ السَّعَةِ الْفُرْجَةُ وَلَا عَكْسَ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ فُرْجَةً وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِهَا اهـ.

وَالسَّعَةُ كَالْفُرْجَةِ فِي ذَلِكَ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِمَا ذَكَرَ فِي أَيِّ صَفٍّ كَانَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِصَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ كَمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ بِمَسْأَلَةٍ، فَإِنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ إنَّمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالتَّخَطِّي: هُوَ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقَاعِدِينَ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي شَقِّ الصُّفُوفِ وَهُمْ قِيَامٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ بِكَوْنِهِمَا مَسْأَلَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ الَّتِي فِي الصُّفُوفِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لَهُ وَلِلْقَوْمِ بِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ، فَإِنْ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، «وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِسَدِّ الْفُرَجِ وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا» بِخِلَافِ تَرْكِ التَّخَطِّي، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ حَتَّى يُسَوِّيَ بَيْنَ الصُّفُوفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَعَةً (فَلْيَجُرَّ) نَدْبًا فِي الْقِيَامِ (شَخْصًا) وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ (بَعْدَ الْإِحْرَامِ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا جُوِّزَ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَإِلَّا فَلَا جَرَّ، بَلْ يَمْتَنِعُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلْيُسَاعِدْهُ الْمَجْرُورُ) نَدْبًا لِمُوَافَقَتِهِ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا يَجُرُّ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا، وَلِهَذَا كَانَ الْجَرُّ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخَرْقُ لِيَصْطَفَّ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَخْرِقَ فِي الْأَوَّلِ وَيَجُرَّهُمَا مَعًا فِي الثَّانِيَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ عَنْ الصَّفِّ لَا إلَى صَفٍّ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ. (وَ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ أَنَّهُ (يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ (بِأَنْ يَرَاهُ) الْمَأْمُومُ (أَوْ) يَرَى (بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: يُقْبَلُ خَبَرُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ بِأَنْ يَهْدِيَهُ ثِقَةٌ إذَا كَانَ أَعْمَى أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ: أَنْ يُعَدَّا مُجْتَمِعِينَ لِيَظْهَرَ الشِّعَارُ

ص: 494

وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ، وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ

ــ

[مغني المحتاج]

وَالتَّوَادُّ وَالتَّعَاضُدُ، إذْ لَوْ اكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِالِانْتِقَالَاتِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ لَبَطَلَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالدُّعَاءُ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي فِي سُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا عَلِمَ بِانْتِقَالَاتِهِ. وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فِي فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ:(وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) بَيْنَهُمَا فِيهِ (وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ) كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تُنَفِّذُ أَبْوَابُهَا، وَإِنْ أُغْلِقَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بَابٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيرَ لِلْأَبْوَابِ يُخْرِجُهَا عَنْ الِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ لَمْ تَتَنَافَذْ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَا يُعَدُّ الْجَامِعُ بِهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ، فَلَوْ وَقَفَ مِنْ وَرَائِهِ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ ضَرَّ وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الْحِصْنِيُّ: وَهُوَ سَهْلٌ، وَالْمَنْقُولُ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ أَخْذًا مِنْ شَرْطِهِ تَنَافُذُ أَبْنِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَعُلْوُ الْمَسْجِدِ كَسُفْلِهِ: فَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَكَذَا رَحْبَتُهُ مَعَهُ وَهِيَ مَا كَانَ خَارِجَهُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ انْفَصَلَتْ فَكَمَسْجِدٍ آخَرَ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ يَكُونَانِ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ اهـ.

وَمَعَ هَذَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْآتِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا فَيَضُرَّ أَوْ حَادِثًا فَلَا، وَسَيُبَيَّنُ عَنْ قُرْبٍ، وَتَوَقَّفَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ أُوقِفَتْ مَسْجِدًا أَمْ لَا هَلْ تَكُونُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَهَا حُكْمَ مَتْبُوعِهَا، أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَقْفِ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَخَرَجَ بِالرَّحْبَةِ الْحَرِيمُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحْبَةِ مِنْ الْحَرِيمِ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يَنْفُذُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْنِيَةُ وَانْفَرَدَ كُلُّ مَسْجِدٍ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ. نَعَمْ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ قَدِيمٌ بِأَنْ حُفِرَ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَلَا تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، بَلْ تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. أَمَّا النَّهْرُ الطَّارِئُ الَّذِي حُفِرَ بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَكَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ (وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِفَضَاءٍ) أَيْ مَكَان وَاسِعٍ كَصَحْرَاءَ (شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، هُوَ شِبْرَانِ لِقُرْبِ ذَلِكَ وَبُعْدِ مَا وَرَاءَهُ فِي

ص: 495

تَقْرِيبًا، وَقِيلَ ِتَحْديدًا.

فَإِنْ تَلَاحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوَقْفُ وَالْمُبَعَّضُ وَلَا يَضُرُّ الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ، وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.

فَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْعَادَةِ (تَقْرِيبًا) لِعَدَمِ وُرُودِ ضَابِطٍ مِنْ الشَّارِعِ (وَقِيلَ تَحْدِيدًا) وَنُسِبَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ غَلَطٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ وَهُمْ يَعُدُّونَهُمَا فِي ذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، إذْ سِهَامُ الْعَرَبِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَعَلَى الثَّانِي يَضُرُّ أَيُّ زِيَادَةٍ كَانَتْ.

(فَإِنْ تَلَاحَقَ) أَيْ وَقَفَ (شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ) خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ (اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ) الْمَذْكُورَةُ (بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ) مِنْ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِمَامِ الْأَخِيرِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ الْأَشْخَاصُ أَوْ الصُّفُوفُ وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ فَرَاسِخَ لَا يَضُرُّ (وَسَوَاءٌ) فِيمَا ذَكَرَ (الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوُقُوفُ وَالْمُبَعَّضُ) أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَالْمَوَاتُ الْخَالِصُ وَالْمُبَعَّضُ أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مَوَاتٌ وَبَعْضُهُ مِلْكٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَكِنْ نَسِيَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٌ فِي الْخَالِصِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرَكًا مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَحُوطِ وَالْمُسَقَّفِ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَضُرُّ) بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ (الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ الْعَوْمُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ حَائِلًا فِي الْعُرْفِ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، وَالثَّانِي: يَضُرُّ ذَلِكَ. أَمَّا الشَّارِعُ فَقَدْ تَكْثُرُ فِيهِ الزَّحْمَةُ فَيَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَحْوَالِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا النَّهْرُ فَقِيَاسًا عَلَى حَيْلُولَةِ الْجِدَارِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِمَنْعِ الْعُسْرِ وَالْحَيْلُولَةِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ جَزْمًا الشَّارِعُ غَيْرُ الْمَطْرُوقِ وَالنَّهْرُ الَّذِي يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ سِبَاحَةٍ بِالْوُثُوبِ فَوْقَهُ أَوْ الْمَشْيِ فِيهِ أَوْ عَلَى جِسْرٍ مَمْدُودٍ عَلَى حَافَّتَيْهِ.

(فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ) مِنْ مَكَان وَاحِدٍ كَالْمَدْرَسَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَكَانَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَكِنْ مَعَ مُرَاعَاةِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ مِنْ مُحَاذَاةِ الْأَسْفَلِ لِلْأَعْلَى بِجُزْءٍ مِنْهُمَا (فَطَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا) لِبِنَاءِ الْإِمَامِ (وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ) كَأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ بِطَرَفِ الصُّفَّةِ وَآخَرُ بِالصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَبْنِيَةِ يُوجِبُ الِافْتِرَاقَ فَاشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ لِيَحْصُلَ الرَّبْطُ بِالِاجْتِمَاعِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِبِنَاءِ الْمَأْمُومِ مَوْقِفُهُ: أَيْ مَوْقِفُ الْمَأْمُومِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ، وَفُهِمَ مِنْ

ص: 496

وَلَا تَضُرُّ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ كَالْفَضَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَافِذٌ.

فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ فَوَجْهَانِ أَوْ جِدَارٌ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ قُلْت الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتِّصَالُ صَفٍّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي الْبِنَاءَيْنِ وَكَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ وَالشِّقُّ الْآخَرُ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي حُصُولِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِصَفٍّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ اتِّصَالَ الْمَنَاكِبِ بَيْنَ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ وَبِنَاءِ الْإِمَامِ فَقَطْ، فَأَمَّا مَنْ عَلَى يَمِينِ هَذَا فِي بِنَائِهِ وَعَلَى يَسَارِ الْآخَرِ فِي بِنَائِهِ فَكَالْفَضَاءِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّصَالُ الْوَاقِفِينَ بِمَنْ حَصَلَ بِهِ اتِّصَالُ الصَّفِّ فِي الْبِنَاءِ (وَلَا تَضُرُّ) فِي الِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ (فُرْجَةٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا كَغُرْفَةٍ (لَا تَسَعُ وَاقِفًا) أَوْ تَسَعُ وَاقِفًا لَكِنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا كَعَتَبَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ صَفًّا وَاحِدًا، وَالثَّانِي: يَضُرُّ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ وَسِعَتْ وَاقِفًا فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا ضَرَّ (وَإِنْ كَانَ) بِنَاءُ الْمَأْمُومِ (خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ) مِنْ وَجْهَيْنِ:.

أَحَدُهُمَا: مَنْعُ الْقُدْوَةِ لِانْتِفَاءِ الرَّبْطِ بِمَا تَقَدَّمَ (صِحَّةُ الْقُدْوَةِ) لِلْحَاجَةِ (بِشَرْطِ) الِاتِّصَالِ الْمُمْكِنِ بَيْنَ أَهْلِ الصُّفُوفِ، وَهُوَ (أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) أَوْ الشَّخْصَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ بِطَرَفِ الْبِنَاءَيْنِ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) تَقْرِيبًا؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ الْعُرْفِيُّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ الشَّخْصَيْنِ لِإِمْكَانِ السُّجُودِ (.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ) بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا أَمْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ لِلْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَالْفَضَاءِ) هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ) يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ (أَوْ حَالَ) مَا فِيهِ (بَابٌ نَافِذٌ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِفَ بِحِذَائِهِ صَفٌّ أَوْ رَجُلٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: حَالَ بَابٌ نَافِذٌ مُعْتَرِضٌ فَإِنَّ النَّافِذَ لَيْسَ بِحَائِلٍ، وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ حَائِلٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ نَافِذٌ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُحَرَّرُ كَانَ أَوْلَى.

(فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ) كَالشُّبَّاكِ أَوْ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ لَا الْمُرُورَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ (فَوَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ الْآتِي فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَوَاتِ.

فَائِدَةٌ: لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ ذِكْرُ خِلَافٍ بِلَا تَرْجِيحٍ سِوَى هَذَا، وَقَوْلُهُ فِي النَّفَقَاتِ: وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِيهِ إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ كَالْأَقْوَالِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ هَلْ يُقْرَعُ أَمْ يُوقَفُ أَمْ يُقْسَمُ؟ أَقْوَالٌ بِلَا تَرْجِيحٍ فِيهَا (أَوْ) حَالَ (جِدَارٌ) أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ (بَطَلَتْ) أَيْ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ (بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ) لِأَنَّ الْجِدَارَ مُعَدٌّ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَمَاكِنِ (قُلْت: الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ مُعْظَمُ

ص: 497

وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ.

وَلَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ أَوْ عَكْسُهُ شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْأَوْلَى طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ.

(وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ بِنَاءِ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ أَوْ الثَّانِي بِلَا شَرْطٍ (صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ) أَوْ بِجَنْبِهِ (وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ) أَيْ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ (وَبَيْنَ الْإِمَامِ) وَيَصِيرُ مَنْ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِمَنْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ كَالْإِمَامِ لَهُ فَلَا يُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَلَا يَرْكَعُ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِمَامِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ الرَّابِطَةِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا جَازَ لِلْغَيْرِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ الِانْعِقَادِ لَا لِلدَّوَامِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّوَامِ أَقْوَى، وَفِيهَا وَلَوْ رَدَّ الرِّيحُ الْبَابَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُهُ حَالًا فَتَحَهُ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ وَإِلَّا فَارَقَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ، فَلَوْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ اهـ.

فَلَعَلَّ الْإِفْتَاءَ تَعَدَّدَ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ كَنَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ صُورَتَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُوَ وَحْدَهُ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بَعْدَ رَدِّ الْبَابِ وَبِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِعَدَمِ إحْكَامِهِ فَتْحَهُ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَائِلَ أَشَدُّ مِنْ الْبُعْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ يَضُرُّ بِخِلَافِ الْبُعْدِ.

(وَ) عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى (لَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ) فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَصُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَسَطَ دَارٍ مَثَلًا (وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ) كَصَحْنِ تِلْكَ الدَّارِ (أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ الْوُقُوفِ - أَيْ وُقُوفًا عَكْسَ الْوُقُوفِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْضَحَ (شُرِطَ) مَعَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ اتِّصَالِ صَفٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بَعْضَ بَدَنِهِ) أَيْ الْإِمَامِ بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى مَعَ اعْتِدَالِ قَامَةِ الْأَسْفَلِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا لَحَصَلَتْ الْمُحَاذَاةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَاعِدًا وَلَوْ قَامَ لَحَاذَى كَفَى.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعُلْوِ الْبِنَاءُ وَنَحْوُهُ. أَمَّا الْجَبَلُ الَّذِي يُمْكِنُ صُعُودُهُ فَدَاخِلٌ فِي الْفَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِيهَا عَالٍ وَمُسْتَوٍ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ، فَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ فِيهِ بِالْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ حَالَتْ أَبْنِيَةٌ هُنَاكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُحَاذَاةِ يَأْتِي عَلَى الطَّرِيقَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَجْزُومًا بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ ذِكْرِ الطَّرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنَّمَا هُوَ يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ اشْتِرَاطِ

ص: 498

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ، وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ

ــ

[مغني المحتاج]

الِاتِّصَالِ فِي الْبِنَاءِ كَمَا قَدَّرْته. أَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ مِنْ رَأْسِ السَّافِلِ إلَى قَدَمِ الْعَالِي، فَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا الْإِيهَامِ، ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَيْسَ كَافِيًا وَحْدَهُ بَلْ يُضَمُّ إلَى مَا تَقَدَّمَ كَمَا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي الصَّحْنِ فَلَا بُدَّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وُقُوفِ رَجُلٍ عَلَى طَرَفِ الصُّفَّةِ وَوُقُوفِ آخَرَ فِي الصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَا إذَا كَانَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الْفَضَاءِ، فَيَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ تُشَدَّ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي بَيْتَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ وُجُودُ الْوَاقِفِ بِالْمَنْفَذِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ كَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ وَالسُّرَادِقَاتِ بِالصَّحْرَاءِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُدَارُ حَوْلَ الْخِيَامِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ.

(وَلَوْ وَقَفَ) الْمَأْمُومُ (فِي) نَحْوِ (مَوَاتٍ) كَشَارِعٍ (وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ) مُتَّصِلٍ بِنَحْوِ الْمَوَاتِ (فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ) وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ عَلَى مَا مَرَّ (مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ (وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ) فِيهِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَخْرُجْ الصُّفُوفُ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْهُ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ صَفٍّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَطْعًا، فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ مِنْ طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: " فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ " مُتَعَقَّبٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ بَابٌ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ أَحَدٌ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ (وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ) لَا بَابَ فِيهِ (أَوْ) فِيهِ (بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ) الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ (وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ) يَمْنَعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْحَائِلِ مِنْ وَجْهٍ، إذْ الْبَابُ الْمَرْدُودُ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، وَالشُّبَّاكُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ، وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ لِحُصُولِ الِاتِّصَالِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الِاسْتِطْرَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشَاهَدَةُ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ بِهِ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمُحَاذَاةِ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِلْحَائِلِ كَمَا سَبَقَ (قُلْت: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ وَعَكْسُهُ) أَمَّا الثَّانِي فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ،

ص: 499

إلَّا لِحَاجَةٍ فَيُسْتَحَبُّ، وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَتَمَّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقِيَاسًا عَلَى الثَّانِي، هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمَا عَلَى مُسْتَوٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ لَا (إلَّا لِحَاجَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَتَعْلِيمِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ صِفَةَ الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَكَتَبْلِيغِ الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ (فَيُسْتَحَبُّ) ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ (وَلَا يَقُومُ) نَدْبًا غَيْرُ الْمُقِيمِ مِنْ مُرِيدِي الصَّلَاةِ قَائِمًا (حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ) أَوْ غَيْرُهُ (مِنْ الْإِقَامَةِ) وَلَوْ كَانَ شَيْخًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُمَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الدُّخُولِ، وَهُوَ قَبْلَ التَّمَامِ مَشْغُولٌ بِالْإِجَابَةِ. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فَيَقْعُدُ أَوْ يَضْطَجِعُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ التَّوَجُّهُ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238][الْبَقَرَةَ] .

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْمُؤَذِّنَ فِي الْإِقَامَةِ يَجْلِسُ لِيَقُومَ إلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الْمُؤَذِّنِ وَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَلِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته، إذْ قَدْ يُقِيمُ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. أَمَّا الْمُقِيمُ فَيُقِيمُ قَائِمًا إذَا كَانَ قَادِرًا فَإِنَّ الْقِيَامَ مِنْ سُنَنِهَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا يَبْتَدِئُ) مُرِيدُ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ الْمُقَامِ لَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ نَدْبًا (نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ) أَيْ الْمُقِيمِ (فِيهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» (1)، وَفِي مَعْنَى الشُّرُوعِ قُرْبُ إقَامَتِهَا (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ النَّفْلِ (أَتَمَّهُ) نَدْبًا (إنْ لَمْ يَخْشَ) أَيْ يَخَفْ بِإِتْمَامِهِ (فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) بِسَلَامِ الْإِمَامِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33][مُحَمَّدٌ] فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَطَعَ النَّافِلَةَ لَهَا نَدْبًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا. نَعَمْ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِتَلَاحُقِ النَّاسِ، فَالْمُتَّجَهُ إتْمَامُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْجِنْسِ لَا الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الَّتِي أُقِيمَتْ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَالْمُنْفَرِدُ يُصَلِّي حَاضِرَةً صُبْحًا أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً وَقَدْ قَامَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إلَى ثَالِثَةٍ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِيهِمَا إلَى ثَالِثَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَلْبُهَا نَفْلًا وَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ. نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَتَمَّ الرَّكْعَتَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهَا جَمَاعَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ السَّلَامُ مِنْهُمَا. أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي فَائِتَةٍ فَلَا يَقْلِبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فِي حَاضِرَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ فَوْرِيًّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ

ص: 500