المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ النَّجَاسَةِ ــ ‌ ‌[مغني المحتاج] أَوْجُهٌ لَا طُرُقٌ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ]

- ‌بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ

- ‌[بَاب سَجَدَاتٌ التِّلَاوَةِ]

- ‌بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ:

- ‌[فَصْلٌ فِي مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ]

الفصل: ‌ ‌بَابُ النَّجَاسَةِ ــ ‌ ‌[مغني المحتاج] أَوْجُهٌ لَا طُرُقٌ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ

‌بَابُ النَّجَاسَةِ

ــ

[مغني المحتاج]

أَوْجُهٌ لَا طُرُقٌ.

وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ: فَالطَّرِيقَانِ فِي مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الثَّانِيَةُ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: أَيْ لَا فِي جَمِيعِهِمَا فَيَكْفِي فِي صِدْقِ كَوْنِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ كَوْنِهِ فِي الْجَمِيعِ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ جَازَ أَنْ يُتِمَّهُ وَلَا يَمْنَعُ الْحَدَثُ صِحَّتَهُ، لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ فَرَاغِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، أَمَّا قَبْلَ الْفَرَاغِ فَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبَةً وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِهِ.

خَاتِمَةٌ: يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَصَوْنُ عَوْرَتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَنَهْيُهُمْ الْغَيْرَ عَنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ» . رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:{كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11]{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا الْعَادَةِ، وَآدَابُهُ أَنْ يَقْصِدَ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنْعِيمَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَكَذَا فِي تَقْدِيمِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى دُخُولًا وَالْيُمْنَى خُرُوجًا، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشِبْهِهِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عُرْيَانًا، وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ، وَأَنْ يَدْخُلَ وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبْدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ - تَعَالَى - وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ، وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ وَلِلصَّائِمِ وَمِنْ جِهَةِ الطِّبِّ صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ وَشُرْبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ إلَّا عَوْرَةً أَوْ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: عَافَاكَ اللَّهُ، وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ التَّنَظُّفُ بِالسِّوَاكِ وَإِزَالَةُ شَعْرٍ وَرِيحٍ كَرِيهَةٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ

[بَابُ النَّجَاسَةِ]

(بَابُ النَّجَاسَةِ) وَفِي الْبَابِ إزَالَتُهَا وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ

ص: 224

هِيَ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

اللَّائِقُ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ النَّجَاسَةِ فَتُذْكَرُ تَبَعًا، وَهِيَ لُغَةً كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرْ، وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِكُلِّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا وَإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا وَلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ، فَاحْتُرِزَ بِمُطْلَقًا عَمَّا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ، الِاخْتِيَارِ عَنْ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فِيهَا تَنَاوُلُ النَّجَاسَةِ، وَبِسُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا عَنْ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا، وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَبِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا عَنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ كَالْحَجَرِ، وَبِالْبَقِيَّةِ عَنْ الْآدَمِيِّ وَعَنْ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ وَالسُّمِّ الَّذِي يَضُرُّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ تَنَاوُلُهَا لِنَجَاسَتِهَا، بَلْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَضَرَرِ الْبَقِيَّةِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِعَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ مُضِرٌّ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ غَالِبَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَالْقَيْءِ وَالْقَيْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ، وَحَرُمَتْ لِاسْتِقْذَارِهَا وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ، وَعَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِالْعَدِّ فَقَالَ (هِيَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ) لَكِنَّ ظَاهِرَهُ حَصْرُهَا فِيمَا عَدَّهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ مِنْهَا أَشْيَاء لَمْ يَذْكُرْهَا وَسَأُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا، فَلَوْ ذَكَرَ لَهَا ضَابِطًا إجْمَالِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ أَوْلَى، بَلْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِيمَا ذَكَرَهُ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِالْأَعْيَانِ، بَلْ مَا ذُكِرَ حَدٌّ لِلنَّجِسِ لَا لِلنَّجَاسَةِ اهـ.

وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْخَمْرَ وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَبِبَاطِنِ عُنْقُودٍ وَمُثَلَّثَةً وَهِيَ الْمَغْلِيُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى صَارَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالنَّبِيذَ: وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِ. أَمَّا الْخَمْرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] وَالرِّجْسُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ هُوَ النَّجَسُ صَدَّ عَمَّا عَدَاهَا الْإِجْمَاعُ فَبَقِيَتْ هِيَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى نَجَاسَتِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَحَمَلَ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى طَهَارَتِهَا، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَجَاسَتِهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِكَوْنِ شَرَابِ الْآخِرَةِ طَهُورًا.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] أَيْ طَاهِرًا، وَعَبَّرَ بِطَهُورًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي طَهَارَتِهِ بِخِلَافِ خَمْرِ الدُّنْيَا. وَأَمَّا النَّبِيذُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ مَعَ التَّنْفِيرِ عَنْ الْمُسْكِرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَلِيلُنَا مَا ذُكِرَ. وَالْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَا فِي الْغَصْبِ هِيَ مَا عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَفِي الرَّهْنِ: مَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَعَمُّ. وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَتَذْكِيرُهَا لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَتَلْحَقُهَا التَّاءُ عَلَى قِلَّةٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَائِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ ذُكِرَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَخَرَجَ بِهِ الْبَنْجُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا: قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالْأَصَالَةِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ الْخَمْرُ إذَا جَمَدَتْ وَالْحَشِيشَةُ إذَا أُذِيبَتْ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَمْرَ مَائِعَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا وَهِيَ مَائِعَةٌ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُطَهِّرُهَا بِخِلَافِ الْحَشِيشِ الْمُذَابِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَنِّتِينَ: إنَّ الْكَشْكَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَمَّرْ كَالْبُوظَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ

ص: 225

وَكَلْبٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

يَكُونُ جَفَافُهُ كَالتَّخَلُّلِ (1) فِي الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ أَوْ يَكُونُ كَالْخَمْرِ الْمَعْقُودَةِ فَلَا يَطْهُرُ؟ قَالَ شَيْخِي: لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَارَ مُسْكِرًا لَكَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَائِعٍ اهـ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبُوظَةَ طَاهِرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مُسْكِرُ الْجِنْسِ لِئَلَّا تَرِدَ عَلَيْهِ الْقَطْرَةُ مِنْ الْخَمْرِ مَثَلًا.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ مَا أَسْكَرَهُ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ شَارِبُهُ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَةُ الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ، فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ.

وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَكَلْبٍ)

ص: 226

وَخِنْزِيرٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرِمَةً وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرِمَةَ فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ: وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهُ أَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ إلَى دَارِ قَوْمٍ فَأَجَابَ، ثُمَّ دُعِيَ إلَى دَارٍ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا، قِيلَ لَهُ: وَإِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ هِرَّةً فَقَالَ: إنَّ الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسٌ، وَأَدْخَلَ شَيْخُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَكْرِمَةً لِأَجْلِ دُخُولِ غُسْلِ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا (وَخِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى

ص: 227

وَفَرْعِهِمَا،

ــ

[مغني المحتاج]

بِحَالٍ، وَنُقِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، لَكِنْ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيُرَدُّ النَّقْضُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَالْمُرَادُ جُمْلَتُهُ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْتَةِ (وَفَرْعِهِمَا) أَيْ فَرْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا

ص: 228

وَمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَالسَّمَكِ، وَالْجَرَادِ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَلَوْ آدَمِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ مَثَلًا بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ وَلِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا، وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَشْرَفَهُمَا فِي الدِّينِ وَإِيجَابِ الْبَدَلِ وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ، وَأَخَفَّهُمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمِ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ (وَمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ) وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا.

قَالَ

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ وَلَا مُسْتَقْذَرٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ. وَالْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ حَيَاتُهُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ، وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ، وَدَخَلَ الْجَنِينُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَصَيْدٌ لَمْ

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ، وَالْبَعِيرُ النَّادُّ وَالْمُتَرَدِّي إذَا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدَخَلَ فِي نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ دُودُ نَحْوِ: خَلٍّ وَتُفَّاحٍ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا، وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ. أَمَّا الْآدَمِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبَدَانِ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» (1) فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ

ص: 231

وَدَمٍ، وَقَيْحٍ، وَقَيْءٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي الْحَيَاةِ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَيْتَاتِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ مَيْتَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِهِمْ الشُّهَدَاءَ، وَأَمَّا مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى طَهَارَتِهِمَا. «وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (1)«وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (2) وَالْمُرَادُ بِالسَّمَكِ كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ جَرَادَةٌ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى

(وَ) الْمُسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ نَجِسٌ وَهُوَ (دَمٌ) وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَلِخَبَرِ «اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ فَقِيلَ إنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ، وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ «قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كُنَّا نَطْبُخُ الْبُرْمَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْلُوهَا الصُّفْرَةُ مِنْ الدَّمِ فَنَأْكُلُ وَلَا يُنْكِرُهُ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِقِلَّتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ دَمًا؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ لَيْسَتَا بِدَمٍ وَهُمَا نَجِسَانِ (وَقَيْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ لَا يُخَالِطُهُ دَمٌ، وَصَدِيدٍ: وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يُخَالِطُهُ دَمٌ، وَمَاءِ قُرُوحٍ وَنِفَاطَاتٍ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَقَيْءٍ) وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ كَالْبَوْلِ. وَقِيلَ: غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ، وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. أَمَّا الرَّاجِعُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَعِدَةِ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ، وَالْبَلْغَمُ الصَّاعِدُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسٌ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَالْمَاءُ السَّائِلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ فَنَجِسٌ، لَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شُكَّ فِي أَنَّهُ مِنْهَا أَوْ لَا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ، وَالْجِرَّةُ نَجِسَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ، وَكَذَا الْمِرَّةُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا فِي الْمَرَارَةِ، وَالزُّبَّادُ طَاهِرٌ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ

ص: 232

وَرَوْثٍ، وَبَوْلٍ، وَمَذْيٍ، وَوَدْيٍ، وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِهَذَا، لَكِنْ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ الْبَرِّيِّ، وَيَنْبَغِي الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ وَلْيُحْتَرَزْ أَيْضًا أَنْ يُصِيبَ النَّجَاسَةَ الَّتِي عَلَى دُبُرِهِ فَإِنَّ الْعِرْقَ الْمَذْكُورَ مِنْ نَقْرَتَيْنِ عِنْدَ دُبُرِهِ لَا مِنْ سَائِرِ جَسَدِهِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِهِ. وَأَمَّا الْمِسْكُ فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسِّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حَتَّى تُلْقِيَهَا. وَقِيلَ إنَّهَا فِي جَوْفِهَا كَالْإِنْفَحَةِ تُلْقِيهَا كَالْمَشِيمَةِ، وَلَوْ انْفَصَلَ كُلٌّ مِنْ الْمِسْكِ وَالْفَأْرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَنَجِسٌ كَاللَّبَنِ وَالشَّعْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَنْبَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ بَطْنِ دُوَيْبَّةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ وَيَلْفِظُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَرَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجَسُ، وَالْعَذِرَةُ وَالرَّوْثُ: قِيلَ مُتَرَادِفَانِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ الْعَذِرَةُ مُخْتَصَّةٌ بِفَضْلَةِ الْآدَمِيِّ، وَالرَّوْثُ أَعَمُّ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُمْنَعُ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَابْنِ الْأَثِيرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِذِي الْحَافِرِ.

قَالَ: وَعَلَيْهِ فَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي سَائِرِ الْبَهَائِمِ تَوَسُّعٌ (وَبَوْلٍ) لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقِيسَ بِهِ سَائِرُ الْأَبْوَالِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ (2) فَكَانَ لِلتَّدَاوِي، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجِسِ جَائِزٌ عِنْدَ فَقْدِ الطَّاهِرِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَمَّا «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ (وَمَذْيٍ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَوَدْيٍ) وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِجْمَاعًا، وَهَذِهِ الْفَضَلَاتُ - مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَاهِرَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ «؛ لِأَنَّ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَنْ تَلِجَ النَّارَ بَطْنُكِ» صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: دَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَبَا طَيْبَةَ شَرِبَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَ حِجَامَتِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» . وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حَصَاةٍ تَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَتُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْحَصِيَّةِ هَلْ هِيَ نَجِسَةٌ أَوْ مُتَنَجِّسَةٌ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ إنْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ عَدْلٌ بِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ مِنْ الْبَوْلِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَمُتَنَجِّسَةٌ (وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ) وَنَحْوِ الْكَلْبِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْمُسْتَحِيلَاتِ. أَمَّا مَنِيُّ نَحْوِ الْكَلْبِ

ص: 233

قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ

ــ

[مغني المحتاج]

فَنَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْأَظْهَرِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ كُنْتُ أَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ رَوَاهَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا، وَأُلْحِقَ مَنِيُّ الْخُنْثَى بِمَنِيِّ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَوْ بَالَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ تَنَجَّسَ مَنِيُّهُ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ بِمُلَاقَاةِ الْمَنْفَذِ لَا أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ كَمَا قِيلَ، فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ قَدْ شُقَّ ذَكَرٌ بِالرُّومِ فَوُجِدَ مُخْتَلِفًا، وَلَوْ ثَبَتَ اتِّحَادُهُمَا لَمْ تَلْزَمْ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ تَلَاقِيهِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ تَلَاقِيهِمَا فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ اسْتَنْجَتْ الْمَرْأَةُ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ جَامَعَهَا الرَّجُلُ فَمَنِيُّهُمَا مُتَنَجِّسٌ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ ذَكَرَهُ، وَيَنْجُسُ دُودُ مَيْتَةٍ وَحَبُّ رَوْثٍ وَقَيْءٍ فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ وَإِلَّا فَنَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنْ الْمَأْكُولِ، نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ. وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ مَيْتَةٍ إنْ تَصَلَّبَ، وَبَزْرِ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ، وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ هُنَا وَصَحَّحَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ.

فَائِدَةٌ: يُقَالُ مَذِرَتْ الْبَيْضَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ إذَا فَسَدَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ شَرُّ النِّسَاءِ «الْمَذِرَةُ الْوَذِرَةُ» (1) أَيْ الْفَاسِدَةُ الَّتِي لَا تَسْتَحِي عِنْدَ الْجِمَاعِ (وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ) لَبَنِ (الْآدَمِيِّ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ. أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ.

قَالَ تَعَالَى: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ، إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا، وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَلَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الصَّيْمَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَلْبَانُ الْآدَمِيِّينَ وَالْآدَمِيَّاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي طَهَارَتِهَا وَجَوَازِ بَيْعِهَا.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ: لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَالذَّكَرِ نَجِسٌ مُفَرَّعٌ عَلَى

ص: 234

وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ، وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ، وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ بِنَجَسٍ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ خَرَجَ اللَّبَنُ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ فَالْقِيَاسُ طَهَارَتُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ عَلَى هَيْئَةِ الدَّمِ هَذَا إذَا كَانَتْ خَوَاصُّ اللَّبَنِ مَوْجُودَةً فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْخَادِمِ، وَالْإِنْفَحَةُ: وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ لَبَنٌ فِي جَوْفِ نَحْوِ سَخْلَةٍ فِي جِلْدَةٍ تُسَمَّى إنْفَحَةً أَيْضًا إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ طَاهِرَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي عَمَلِ الْجُبْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ مِنْ مَذْبُوحٍ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي الْبَاطِنِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: أَوْ أَكَلَ لَبَنًا نَجِسًا: كَلَبَنِ أَتَانٍ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ.

قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ الْبَاطِنَ يُحِيلُ مَا يَدْخُلُهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَغَيْرِهِ، وَهَلْ يُقَالُ: إنَّ الْبَهِيمَةَ إذَا طَعِمَتْ شَيْئًا لِلتَّدَاوِي لَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْإِنْفَحَةِ كَمَا قَالُوا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي إجْزَاءِ الرَّشِّ مِنْ بَوْلِهِ أَوْ لَا. الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ كَرِشًا لَا إنْفَحَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ سِنَّهَا بِالْحَوْلَيْنِ كَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى التَّغَذِّي وَعَدَمِهِ، وَشُرْبُهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ يُسَمَّى تَغَذِّيًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِيهَا مَا يُسَمَّى إنْفَحَةً، وَهِيَ مَا دَامَتْ تَشْرَبُ اللَّبَنَ لَا تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ

(وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ) الْحَيَوَانِ (الْحَيِّ) وَمَشِيمَتِهِ (كَمَيْتَتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحَيِّ: إنْ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ، وَإِنْ نَجِسًا فَنَجِسٌ، لِخَبَرِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ أَوْ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ طَاهِرٌ، وَمِنْ غَيْرِهَا نَجِسٌ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَشِيمَةِ وَهِيَ غِلَافُ الْوَلَدِ، مَشِيمَةُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. أَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ بِلَا شَكٍّ (إلَّا شَعْرَ) أَوْ صُوفَ أَوْ رِيشَ أَوْ وَبَرَ (الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نُتِفَ مِنْهَا أَوْ اُنْتُتِفَ.

قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَذَلِكَ مُخَصِّصٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. أَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ فَنَجِسٌ وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ هَلْ انْفَصَلَ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ مِنْ نَجِسٍ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَشَكَكْنَا فِي النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ، وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ إنْ كَانَ الْعُضْوُ نَجِسًا تَبَعًا لَهُ، وَشَعْرُ الْمَأْكُولِ الْمُنْتَتَفُ الطَّالِعُ بِأُصُولِهِ مِنْ الْجِلْدِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ، فَإِنْ انْفَصَلَ أَصْلُهُ مَعَ شَيْءٍ مِمَّا نَبَتَ فِيهِ مِنْ الْجِلْدِ وَفِيهِمَا رُطُوبَةٌ.

قَالَ شَيْخِي: فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ (وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ) وَهِيَ الدَّمُ الْغَلِيظُ الْمُسْتَحِيلُ مِنْ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَعْلَقُ لِرُطُوبَتِهَا بِمَا تَمُرُّ عَلَيْهِ (وَالْمُضْغَةُ) وَهِيَ الْعَلَقَةُ تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ قِطْعَةَ لَحْمٍ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ (وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ) مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (بِنَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَصْلُ حَيَوَانٍ

ص: 235

وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ إلَّا خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ

ــ

[مغني المحتاج]

طَاهِرٍ كَالْمَنِيِّ، وَالثَّالِثَ كَعِرْقِهِ، وَالْقَائِلُ بِالنَّجَاسَةِ يُلْحِقُ الْأُولَى بِالدَّمِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمَيْتَةِ، وَيَقُولُ الثَّالِثَةُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ يَنْجُسُ بِهَا ذَكَرُ الْمُجَامِعِ وَالْبَيْضُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَحَلِّ، فَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ وَغَسْلُ الْبَيْضِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَلَدِ إجْمَاعًا.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعِرْقِ. وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ فَنَجِسَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّاصِقَةِ لِقِلَّتِهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهَا فِي الْأَنْوَارِ بِاللَّاصِقَةِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَالشَّارِحُ قَيَّدَ الثَّلَاثَةَ بِكَوْنِهَا مِنْ الْآدَمِيِّ لِيُفِيدَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ آخِرَ الْمَقَالَةِ، وَالثَّلَاثَةُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الثَّلَاثَةِ جَارٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْآدَمِيِّ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْتُهُ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ عَلَى اصْطِلَاحِهِ أَنْ يُعَبِّرَ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ بِالْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ.

فُرُوعٌ: دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَعَنْ يَسِيرِهِ عُرْفًا مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. أَمَّا شَعْرُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ فَلَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ، وَبُخَارُ النَّجَاسَةِ إنْ تَصَاعَدَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَفْصِلُهَا النَّارُ بِقُوَّتِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ كَالْبُخَارِ الْخَارِجِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَنِيفِ فَطَاهِرٌ كَالرِّيحِ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ كَالْجُشَاءِ، وَبِهَذَا جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ مَنْ أَطْلَقَ الطَّهَارَةَ كَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَيْنَ مَنْ أَطْلَقَ النَّجَاسَةَ.

وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إذَا خَرَجَ مِنْ الْإِنْسَانِ رِيحٌ وَكَانَتْ ثِيَابُهُ مَبْلُولَةً تَنَجَّسَتْ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَلَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ دُخَانُ كُلِّ نَجَاسَةٍ أَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا كَمَا إذَا دَخَلَ اصْطَبْلًا رَاثَتْ فِيهِ دَوَابُّ وَتَصَاعَدَ دُخَانُهُ فَإِنْ أَصَابَ رَطْبًا نَجَّسَهُ اهـ.

وَالْأَوْجَهُ الْجَمْعُ، وَلِمَا يَغْلِبُ تَرَشُّحُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَاللُّعَابِ حُكْمُ حَيَوَانِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا مَعْرُورًا وَرَكَضَهُ وَلَمْ يَجْتَنِبْ عَرَقَهُ» (1) وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، وَالزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى نَجَاسَةٍ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبُّهُ طَاهِرٌ بِلَا غَسْلٍ وَكَذَا الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهَا وَأَغْصَانُ شَجَرَةٍ سُقِيَتْ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَثَمَرُهَا

(وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ) بِغَسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ كَالْكَلْبِ إذَا وَقَعَ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، أَوْ احْتَرَقَ فَصَارَ رَمَادًا. أَمَّا الْمُتَنَجِّسُ فَسَيَأْتِي (إلَّا) شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا (خَمْرٌ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةِ (تَخَلَّلَتْ) بِنَفْسِهَا فَتَطْهُرُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ غَالِبًا لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ، فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لَتَعَذَّرَ إيجَادُ حِلِّ الْخَلِّ وَهُوَ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَيَطْهُرُ دَنُّهَا مَعَهَا، وَإِنْ غَلَتْ حَتَّى ارْتَفَعَتْ وَتَنَجَّسَ بِهَا مَا فَوْقَهَا مِنْهُ

ص: 236

وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فَلَا وَجِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ

ــ

[مغني المحتاج]

وَيُشْرَبُ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ (وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ) وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ التَّخَلُّلِ أَوْ فَتْحِ رَأْسِ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةِ خِلْقَتِهَا تَطْهُرُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تَطْهُرُ لِمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءِ) فِيهَا كَالْبَصَلِ وَالْخُبْزِ الْحَارِّ وَلَوْ قَبْلَ التَّخَمُّرِ (فَلَا) تَطْهُرُ لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ بِهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، وَقِيلَ لِاسْتِعْجَالِهِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُقُوعِ بَدَلَ الطَّرْحِ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ طَرْحٍ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْقَائِلِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيمَا ذَكَرَ كَذَلِكَ. نَعَمْ لَوْ عَصَرَ الْعِنَبَ وَوَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ حَبَّاتٍ فِي عَصِيرِهِ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَوْ نَزَعَ الْعَيْنَ الطَّاهِرَةَ مِنْهَا قَبْلَ التَّخَلُّلِ لَمْ يَضُرَّ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ يَقْبَلُ التَّنْجِيسَ فَلَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَمْ يَطْهُرْ الدَّنُّ، إذْ لَا ضَرُورَةَ، وَلَا الْخَلُّ؛ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ، فَلَوْ غَمَرَ الْمُرْتَفِعَ بِخَمْرٍ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ وَلَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِقَبْلِ الْجَفَافِ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ. وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيذَ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ كَالتَّمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الِاشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الِانْقِلَابِ خَلًّا.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ أَوْ خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ صَحَّ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أَوْ بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْخَلِّ الْغَالِبِ لِمَا ذُكِرَ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ: قَدْ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ:

إحْدَاهَا أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعْتَقِ بِالْخَلِّ.

ثَانِيهَا: أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ، فَيَصِيرَ بِمُخَالَطَتِهِ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَصِيرُ غَالِبًا.

ثَالِثُهَا: إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَيَمْلَأُ مِنْهَا الدَّنَّ وَيُطَيِّنُ رَأْسَهُ، وَيَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا غُسِلَتْ وَإِمْسَاكُ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَجِبُ إرَاقَتُهَا، فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ (وَ) ثَانِيهِمَا (جِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ) يَعْنِي بِانْدِبَاغِهِ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ رِيحٍ أَوْ إلْقَائِهِ عَلَى الدَّابِغِ كَذَلِكَ (ظَاهِرُهُ) وَهُوَ مَا لَاقَى الدَّابِغَ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ وَفِي

ص: 237

وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْبُخَارِيِّ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» (1)، (وَكَذَا بَاطِنُهُ) وَهُوَ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقُولُ آلَةُ الدَّبْغِ لَا تَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ أَوْ رُطُوبَةِ الْجِلْدِ، فَعَلَى الثَّانِي لَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الرَّطْبِ.

وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا سَيَأْتِي، وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ بَاطِنُ الْجِلْدِ أَنَّهُ لَوْ نَتَفَ الشَّعْرَ بَعْدَ الدَّبْغِ صَارَ مَوْضِعُهُ مُتَنَجِّسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا. وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَطْهُرُ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ اهـ.

وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُعْفَى، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَبَعْضُهُمْ وَجَّهَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأُفْتِي بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ مُطْلَقًا لِخَبَرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اهـ.

وَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ جِلْدُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ، مِنْ الدَّبْغِ، وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ (وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ) وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَاتُهُ الَّتِي يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهَا وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ (بِحِرِّيفٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَا يُحَرِّفُ الْفَمَ: أَيْ يَلْذَعُ اللِّسَانَ بِحَرَافَتِهِ.

قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَالْقُرْطِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَالشَّثِّ بِالْمُثَلَّثَةِ: وَهُوَ شَجَرٌ مُرُّ الطَّعْمِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُدْبَغُ بِهِ، وَالشَّبِّ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ مَعْرُوفٌ يُشْبِهُ الزَّاجَ يُدْبَغُ بِهِ أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّاهِرِ كَمَا مَرَّ وَالنَّجِسِ: كَذَرْقِ الطُّيُورِ (لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ) وَتَجْمِيدٍ وَتَمْلِيحٍ مِمَّا لَا يَنْزِعُ الْفُضُولَ وَإِنْ جَفَّ الْجِلْدُ وَطَابَتْ رَائِحَتُهُ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ لَمْ تَزُلْ، وَإِنَّمَا جَمَدَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ.

(وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الدَّبْغِ (فِي الْأَصَحِّ) تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِحَالَةِ، وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ:«إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالثَّانِي: يَجِبُ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُطَهِّرُهَا: أَيْ الْإِهَابَ الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ إحَالَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ إزَالَةٌ فَيُشْتَرَطُ (وَ) يَصِيرُ (الْمَدْبُوغُ) وَالْمُنْدَبِغُ (كَثَوْبٍ نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٍ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ أَوْ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهِ قَبْلَ طُهْرِ عَيْنِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ نَقْعِهِ فِي الْمَاءِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ ثَانِيًا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ نَقْعُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، وَإِذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَيُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحِلُّ

ص: 238

وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ

ــ

[مغني المحتاج]

أَكْلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» (1) فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمِسْكُ وَاللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ، فَإِنَّهَا كَانَتْ دَمًا نَجِسَ الْعَيْنِ وَصَارَتْ طَاهِرَةً.

أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَهَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي الْجَوْفِ وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِخَارِجٍ، وَيَطْهُرُ كُلُّ نَجِسٍ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا: كَدَمِ بَيْضَةٍ اسْتَحَالَ فَرْخًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَلَوْ كَانَ دُودَ كَلْبٍ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَاةِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلِهَذَا تَطْرَأُ بِزَوَالِهَا وَلِأَنَّ الدُّودَ مُتَوَلِّدٌ فِيهِ لَا مِنْهُ، وَلَوْ صَارَ الزِّبْلُ الْمُخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ عَلَى هَيْئَةِ التُّرَابِ لِطُولِ الزَّمَانِ لَمْ يَطْهُرْ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ إمَّا مُغَلَّظَةٌ، أَوْ مُخَفَّفَةٌ، أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ (وَمَا نَجُسَ) مِنْ جَامِدٍ وَلَوْ بَعْضًا مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُعَابُهُ وَبَوْلُهُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِهِ وَأَجْزَائِهِ الْجَافَّةِ إذَا لَاقَتْ رَطْبًا (غُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ) فِي غَيْرِ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ (بِتُرَابٍ) طَهُورٍ يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَكُونَ قِدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَزْجِهِ بِالْمَاءِ إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ ثُمَّ يُمْزَجَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَحَلِّ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَزْجِ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ:" وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ": أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبَ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا التِّرْمِذِيُّ " أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ": وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ "، فَنَصَّ عَلَى اللُّعَابِ وَأَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ أَشْرَفُ فَضَلَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ فَغَيْرُهُ مِنْ بَوْلٍ وَرَوْثٍ وَعَرَقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْلَى، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ غَيْرَ لُعَابِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ اقْتِصَارًا عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا سِتٌّ وَإِنْ قَوَّاهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ.

فَرْعٌ: حَمَّامٌ غُسِلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ وَلَمْ يُعْهَدْ تَطْهِيرُهُ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى دُخُولِهِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَانْتَشَرَتْ النَّجَاسَةُ إلَى حُصْرِ الْحَمَّامِ وَفُوَطِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا تُيُقِّنَ إصَابَةُ شَيْءٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَيَطْهُرُ الْحَمَّامُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. إحْدَاهُنَّ بِطَفْلٍ مِمَّا يُغْتَسَلُ بِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّفْلَ يَحْصُلُ بِهِ التَّتْرِيبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الطِّينِ الَّذِي فِي نِعَالٍ دَاخِلِيَّةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي

ص: 239

وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ، وَأَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ.

وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلَا مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ غَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا طَهَارَةُ فَمِهَا (وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ) وَلَوْ غُبَارَ رَمْلٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَيَّنُ وَيَقُومُ مَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ مَقَامَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ. وَالثَّالِثُ: يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ فَقْدِهِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَقُومُ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَقِيلَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ دُونَ مَا لَا يُفْسِدُهُ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ) وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ كَمَا مَرَّ، وَلِلْمُتَوَلِّدِ حُكْمُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ كَمَا سَلَفَ. وَالثَّانِي: يَكْفِي لِذَلِكَ الْغَسْلُ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي الْكَلْبِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى كَلْبًا، وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَتْرِيبِ مَا يَتَرَشَّشُ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ.

فُرُوعٌ: لَوْ تَعَدَّدَ نَحْوُ الْكَلْبِ وَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ وَلَغَ فِيهِ وَاحِدٌ مِرَارًا كَفَى لَهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِالتُّرَابِ، وَقِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعٌ وَقِيلَ إنْ تَكَرَّرَ مِنْ وَاحِدٍ كَفَى سَبْعٌ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ سَبْعٌ، وَلَوْ لَاقَى مَحَلَّ التَّنَجُّسِ مِمَّا ذُكِرَ نَجِسٌ آخَرُ كَفَى لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ انْغَمَسَ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ مِنْهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ حُسِبَ مَرَّةً وَإِنْ مَكَثَ، فَإِنْ حُرِّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَنْ حُرِّكَ دَاخِلَ الْمَاءِ حُسِبَتْ سَبْعًا، أَوْ فِي جَارٍ وَجَرَى عَلَى الْمَحَلِّ سَبْعَ جَرْيَاتٍ حُسِبَتْ سَبْعًا، وَلَوْ كَانَ فِي إنَاءٍ مَاءٌ كَثِيرٌ فَوَلَغَ فِيهِ نَحْوُ الْكَلْبِ وَلَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَلَا الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ جِرْمَهُ الَّذِي لَمْ يَصِلْهُ الْمَاءُ مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَا وَصَلَهُ الْمَاءُ مِمَّا هُوَ فِيهِ لَمْ يَنْجُسْ وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةً مِنْ تَنَجُّسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِ التَّحْقِيقِ لَمْ يَنْجُسْ الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يُصِبْ جِرْمَهُ، وَلَوْ وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ ثُمَّ كُوثِرَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ دُونَ الْإِنَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ طَهَارَتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَالَةَ الْوُلُوغِ لَمْ يَنْجُسْ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالدَّمِيرِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَهَلْ تَجِبُ إرَاقَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِوُلُوغِهِ أَوْ تُنْدَبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فَمُهُ جَافًّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ، أَوْ رَطْبًا فَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَرُطُوبَتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ لُعَابِهِ (وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ) مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ وَلَا (نَجِسٌ) فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةً.

وَالثَّانِي: يَكْفِي كَالدِّبَاغِ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ، وَالْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى مِنْهُ (وَلَا) يَكْفِي (مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ) كَخَلٍّ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَنْصِيصِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَغْسِلُهُ سَبْعًا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْخَلُّ فِي غَيْرِ مَرَّةِ التُّرَابِ. نَعَمْ لَوْ مُزِجَ

ص: 240

وَمَا تَنَجَّسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ نُضِحَ.

وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِمَا إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ

ــ

[مغني المحتاج]

التُّرَابُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا كَفَى، وَالثَّانِي: يَكْفِي التُّرَابُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْغَسْلَةِ إنَّمَا هُوَ التُّرَابُ وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ فَيَكْفِي تَسْبِيعُهَا بِمَاءٍ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبًا مَثَلًا مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ هَلْ يَجِبُ تَتْرِيبُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَرْضِ لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؟ أَوْ لَا يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ إفْتَاءُ شَيْخِي فَأَفْتَى أَوَّلًا بِالثَّانِي وَثَانِيًا بِالْأَوَّلِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ أَوَّلًا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كُنْت مَشَيْت عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ثَانِيًا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ حُكْمُ الْمُنْتَفِلِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّجَاسَةِ وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ فَقَالَ: (وَمَا تَنَجَّسَ) مِنْ جَامِدٍ (بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ: أَيْ يَتَنَاوَلُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (غَيْرَ لَبَنٍ) لِلتَّغَذِّي (نُضِحَ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِ طَاهِرٍ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي الْأُولَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِلَبَنِ الْمُرْضِعِ، وَلِلزَّرْكَشِيِّ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ النَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ قِيَاسًا مِنْهُ عَلَى لَبَنِ الْإِنْفَحَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ مَاءً يَعُمُّهُ وَيَغْلِبُهُ بِلَا سَيَلَانٍ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (1) وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» (2) وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِائْتِلَافِ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ أَكْثَرَ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى، وَبِأَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ وَبَوْلَهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْقَصِيرِ.

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ، وَهُوَ الْمَنِيُّ وَبُلُوغُهَا بِمَائِعٍ كَذَلِكَ وَبِنَجِسٍ، وَهُوَ الْحَيْضُ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي حُكْمِ طَهَارَةِ الْبَوْلِ.

قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ هُوَ آدَم وَمِنْ ضِلْعٍ هِيَ حَوَّاءُ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمَا فَالْكُلُّ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ وَمُتَغَذٍّ بِدَمِ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُقَالُ يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّغَذِّي تَحْنِيكُهُ بِنَحْوِ تَمْرٍ وَتَنَاوُلُهُ نَحْوَ سَفُوفٍ لِإِصْلَاحٍ فَلَا يَمْنَعَانِ النَّضْحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِقَبْلِ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ مَا بَعْدَهُمَا، إذْ اللَّبَنُ حِينَئِذٍ كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَلَا بُدَّ مَعَ النَّضْحِ مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سُهُولَةُ زَوَالِهَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ لَا يَضُرُّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَهِيَ الْمُتَوَسِّطَةُ فَقَالَ (وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِمَا) أَيْ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَبَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ (إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ) أَيْ عَيْنِيَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ حُكْمِيَّةً، وَهُوَ مَا تَيَقَّنَ وُجُودُهَا وَلَا يُدْرَكُ

ص: 241

كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَجَبَ إزَالَةُ الطَّعْمِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعًا ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ، لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ.

ــ

[مغني المحتاج]

لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ (كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ) عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَا يُزَالُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَرْيِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَسِيلُ عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى النَّضْحِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَقْرَبَ إلَى مُرَادِهِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْعَيْنِ نَفْيُ الْأَثَرِ (وَإِنْ كَانَتْ) عَيْنِيَّةً (وَجَبَ) بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا (إزَالَةُ الطَّعْمِ) وَإِنْ عَسُرَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَوَجَبَ مُحَاوَلَةُ إزَالَةِ غَيْرِهِ (وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ) كَلَوْنِ الدَّمِ (أَوْ رِيحٍ) كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ (عَسُرَ زَوَالُهُ) فَيَطْهُرُ لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَ فَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ (وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ) أَنَّهُ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا كَسَهْلِ الزَّوَالِ.

قَالَ فِي الْبَسِيطِ: هَذَا فِي رَائِحَةٍ تُدْرَكُ عِنْدَ شَمِّ الثَّوْبِ دُونَ مَا يُدْرَكُ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي اللَّوْنِ وَجْهٌ كَذَلِكَ فَتُرْتَكَبُ الْمَشَقَّةُ فِي زَوَالِهِمَا (قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا) بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (مَعًا ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ. وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ لِاغْتِفَارِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَكَذَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَالْعُسْرُ مِنْ زَوَالِ رِيحِ الْمُغَلَّظَةِ أَوْ لَوْنِهَا كَغَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي خِلَافُهُ وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَصَابُونٍ وَحَتٍّ بِالْمُثَنَّاةِ وَقَرْصٍ بِالْمُهْمَلَةِ، بَلْ تُسَنُّ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهَا، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ مِنْ إطْلَاقِ وُجُوبِ الِاسْتِعَانَةِ.

فَرْعٌ: مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ فَوُضِعَ فِي زِيرٍ فَوُجِدَ فِيهِ طَعْمُ زِبْلٍ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: وَلَا يُحَدُّ بِرِيحِ الْخَمْرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قُرْبِهِ جِيفَةً لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مَنِيًّا، فَإِنَّهُ إنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغَسْلُ وَإِلَّا وَجَبَ (وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ) عَلَى الْمَحَلِّ إنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْأَصَحِّ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عُكِسَ لَمَا عُلِمَ مِمَّا سَلَفَ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالْغَمْسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ طَهُرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ وَارِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ (لَا الْعَصْرُ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ إذْ الْبَلَلُ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى أَنَّ الْغُسَالَةَ طَاهِرَةٌ أَوْ نَجِسَةٌ إنْ طَهَّرْنَاهَا لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ. أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ، وَيُسَنُّ عَصْرُ مَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ) قَلِيلَةٍ (تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ) ؛ لِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَحَلِّ هُوَ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، فَلَوْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا لَكَانَ الْمَحَلُّ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ طَاهِرًا لَا طَهُورًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي خَبَثٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَجِسَةٌ

ص: 242

وَلَوْ نَجُسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

لِانْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهَا، فَإِنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ، وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ فَنَجِسَةٌ قَطْعًا، وَزِيَادَةُ وَزْنِهَا بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَأْخُذُهُ الْمَحَلُّ مِنْ الْمَاءِ وَيُعْطِيهِ مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ كَالتَّغَيُّرِ، وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ فِيمَا إذَا انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ زَائِدَةَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَحَلِّ هُوَ بَعْضُ مَا انْفَصَلَ كَمَا مَرَّ. أَمَّا الْكَثِيرَةُ فَطَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ.

وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَزْنُهُ ضَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ لِتَعَقُّدِهِ بِهِ لَمْ يَطْهُرْ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَالصَّقِيلُ مِنْ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَنَحْوِهِمَا كَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَلَوْ صُبَّ عَلَى مَوْضِعٍ نَحْوُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ مِنْ أَرْضِ مَاءٍ غَمَرَهُ طَهُرَ وَلَوْ لَمْ يُغْمَرْ. أَمَّا إذَا صُبَّ عَلَى نَفْسٍ نَحْوُ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ شَرْطَ طَهَارَةِ الْغُسَالَةِ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَزِيدُ وَزْنُهُ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ خَالَطَ نَجَاسَةً جَامِدَةً كَالرَّوْثِ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ طُبِخَ بِأَنْ صَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ، وَكَذَا بَاطِنُهُ إنْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ مَطْبُوخًا إنْ كَانَ رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ، أَوْ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ يَصِيرُ تُرَابًا وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَلَا إلَى عَصْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي الْآجُرِّ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْمَاءِ فِي الْآجُرِّ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ لَهُ فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَةِ بَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ.

وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ الْمُتَنَجِّسُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تَقَطُّعٌ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَقَطَّعُ عِنْدَ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَافٌّ. فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ وَلَا رُطُوبَةَ لَمْ يَنْجُسْ.

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً عَلَى مَكَانِهَا وَانْتَشَرَ حَوْلَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَحَلِّ الِانْتِشَارِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ طَهُورٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ لِقُوَّتِهِ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا، فَإِنْ تَغَيَّرَ تَنَجَّسَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ طَهُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَإِذَا أَدَارَهُ فِي الْإِنَاءِ طَهُرَ

(وَلَوْ نَجُسَ مَائِعٌ) غَيْرُ الْمَاءِ وَلَوْ دُهْنًا (تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ) إذْ لَا يَأْتِي الْمَاءُ عَلَى كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ بِطَبْعِهِ يَمْنَعُ إصَابَةَ الْمَاءِ (وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ) قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ النَّجِسِ. وَكَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُكَاثِرَهُ ثُمَّ يُحَرِّكَهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَظُنُّ وُصُولَهُ لِجَمِيعِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ لِيَعْلُوَ ثُمَّ يَثْقُبُ أَسْفَلَهُ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ سُدَّ.

قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَنَجَّسَ الدُّهْنُ بِمَا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ كَالْبَوْلِ، فَإِنْ تَنَجَّسَ بِمَا لَهُ دُهْنِيَّةٌ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» (1) وَفِي رِوَايَةٍ

ص: 243