الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَخَرَجَ ذَلِكَ بِتَقْيِيدِي لِعِبَارَتِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ، أَيْ إذَا كَانَ سَمِعَ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ. وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِلَّا كَبَّرَ.
(وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا) نَدْبًا (إنْ كَانَ) جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ (مَوْضِعَ جُلُوسِهِ) لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ لَهُ الْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ (فَلَا) يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الِانْتِقَالُ عَنْ ذِكْرٍ، وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. .
خَاتِمَةٌ: الْجَمَاعَةُ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ «إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» (1)، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْحَقُّ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِتَأَكُّدِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا اهـ.
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالُوهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ لِمَا فِي قِيَامِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَيَلِيهَا فِيهَا الْعِشَاءُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا اُخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُخَفِّفْ فِيهَا بِالْقَصْرِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ لِتَقَابُلِ فَضِيلَتِهِمَا. .
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
(بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَصُّ الْمُسَافِرُ بِجَوَازِهِمَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ
إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ.
وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ
ــ
[مغني المحتاج]
السَّفَرِ غَالِبًا، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ. وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101][النِّسَاءَ] الْآيَةَ. قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِعُمَرَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101][النِّسَاءَ] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» (1) ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ أَخْبَارٌ تَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ: (إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ) فَلَا تُقْصَرُ الصُّبْحُ وَلَا الْمَغْرِبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ لَوْ قُصِرَتْ لَمْ تَكُنْ شَفْعًا فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةً فَلَا تُقْصَرُ الْمَنْذُورَةُ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَا النَّافِلَةُ كَأَنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ) فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ.
وَأَمَّا فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَيْضًا (الطَّوِيلِ) فَلَا تُقْصَرُ فِي الْقَصِيرِ وَالْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فِي الْأَمْنِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» (2) ، فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى (الْمُبَاحِ) أَيْ الْجَائِزِ لَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ فَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ، أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ. وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَتْمَمْتُ بِضَمِّهَا، وَأَفْطَرْتَ بِفَتْحِهَا وَصُمْتُ بِضَمِّهَا. قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ» (3) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَمَا ضَبَطْت بِهِ الْحَدِيثَ قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ عَكْسُ الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. ثُمَّ بَيَّنَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: مُؤَدَّاةٍ فَقَالَ (لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ) أَيْ لَا تُقْصَرُ إذَا قُضِيَتْ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً، وَكَذَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ فَائِتَةٌ مَشْكُوكٌ فِي أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ.
(وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ) الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ (فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ
دُونَ الْحَضَرِ.
وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: لَا يُشْتَرَطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورُ الْبَلْدَةِ فَأَوَّلُهُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ
ــ
[مغني المحتاج]
غَيْرَ سَفَرِ الْفَائِتَةِ (دُونَ الْحَضَرِ) نَظَرًا إلَى وُجُودِ السَّبَبِ، وَالثَّانِي: يَقْصُرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَدَاءِ، وَالثَّالِثُ: يُتِمُّ فِيهِمَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رُدَّتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَاتَتْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ كَالْجُمُعَةِ، وَالرَّابِعُ إنْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْحَصْرِ لِلْقَصْرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى الرَّاجِحِ فَيَضُمُّ مِنْهُ إلَى الْمُؤَدَّاةِ مَقْضِيَّةً فَائِتَةَ السَّفَرِ فِيهِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ قَصَرَ عَلَى النَّصِّ، فَإِنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً إلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَصَرَ أَيْضًا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا أَدَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ سَيَأْتِي فِي الْجَمْعِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّأْخِيرَ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ بِكَمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَحَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِيرُ قَضَاءً وَلَا جَمْعَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ النِّيَّةَ ضَعِيفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَدَاءً، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي السَّفَرِ وَإِلَّا فَتَكُونُ مَقْضِيَّةَ حَضَرٍ فَلَا تُقْصَرُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَقَدْ عَرَضْت ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ فَقَبِلَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ.
(وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ) لَهَا سُوَرٌ (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا) الْمُخْتَصِّ بِهَا وَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَوْ كَانَ دَاخِلَهُ مَزَارِعُ وَخَرَابُ؛ لِأَنَّ مَا فِي دَاخِلِ السُّوَرِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَعْضُ سُورٍ وَهُوَ صَوْبُ سَفَرِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ (فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ) كَدُورٍ مُلَاصِقَةٍ لَهُ عُرْفًا (اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ تَوَابِعِ الْبَلَدِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ) مُجَاوَزَتُهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّوْمِ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا: وَإِذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَكَالسُّورِ وَهُوَ بِالْوَاوِ لَا بِالْهَمْزِ الْخَنْدَقُ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ لِلسُّوَرِ الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ لَهُ حُكْمَهُ خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ كَالْعَدَمِ.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهَا (سُورٌ) مُطْلَقًا أَوْ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ أَوْ لَهَا سُورٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا كَأَنْ جَمَعَ مَعَهَا قَرْيَةً أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ (فَأَوَّلُهُ) أَيْ سَفَرِهِ (مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ) وَإِنْ تَخَلَّلَهُ نَهْرٌ أَوْ بُسْتَانٌ أَوْ خَرَابٌ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ لِيُفَارِقَ مَحَلَّ
لَا الْخَرَابِ وَالْبَسَاتِينِ، وَالْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ.
وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ.
وَإِذَا رَجَعَ
ــ
[مغني المحتاج]
الْإِقَامَةِ (لَا) مُجَاوَزَةَ (الْخَرَابِ) الَّذِي هُجِرَ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ زُرِعَ أَوْ انْدَرَسَ بِأَنْ ذَهَبَتْ أُصُولُ حِيطَانِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ إقَامَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ (وَ) لَا مُجَاوَزَةَ (الْبَسَاتِينِ) وَالْمَزَارِعِ بِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتَا بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتَا مُحَوِّطَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا تُتَّخَذَانِ لِلْإِقَامَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبَسَاتِينِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قُصُورٌ أَوْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ: أَيْ وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الرَّوْضَةِ مُجَاوَزَتَهَا، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُحَرَّرِ الْمَزَارِعَ الَّتِي زِدْتهَا لِأَنَّهَا تُفْهَمُ مِنْ الْبَسَاتِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالْقَرْيَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَبَلْدَةٍ) وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا، وَالْمُنْفَصِلَتَانِ وَلَوْ يَسِيرًا يَكْفِي مُجَاوَزَةُ إحْدَاهُمَا.
(وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ) كَالْأَعْرَابِ (مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ) فَقَطْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَدْخُلُ فِي مُجَاوَزَتِهَا عُرْفًا مَرَافِقُهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ، وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْمَرَافِقِ مُجَاوَزَةُ عَرْضِ الْوَادِي إنْ سَافَرَ عَرْضَهُ وَالْهُبُوطُ إنْ كَانَ فِي رَبْوَةٍ وَالصُّعُودُ إنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ. هَذَا إنْ اعْتَدَلَتْ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا أَكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عُرْفًا، وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى مُحْتَطِبٍ أَوْ مَاءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّازِلِينَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ سَاكِنَ غَيْرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْخِيَامِ كَنَازِلٍ بِطَرِيقٍ خَالٍ عَنْهُمَا رَحْلُهُ كَالْحِلَّةِ فِيمَا تَقَرَّرَ
فَائِدَةٌ: الْخَيْمَةُ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ تُنْصَبُ وَتُسْقَفُ بِشَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهَا خَيْمٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَتُجْمَعُ الْخِيَمُ عَلَى خِيَامٍ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَأَمَّا مَا يُتَّخَذُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَالُ لَهُ خِبَاءٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ تَجَوُّزًا.
وَيُعْتَبَرُ فِي سَيْرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تَرَخَّصَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ مَا لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لَهَا بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا قَرْيَةً، بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ بِأُخْرَى، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعَلُّقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ.
(إذَا) فَارَقَ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ثُمَّ (رَجَعَ)
انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً.
وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ.
وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
ــ
[مغني المحتاج]
إلَيْهِ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ كَتَطَهُّرٍ أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَهُ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ، وَحَكَى فِيهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ اهـ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهُ وَلَوْ كَانَ دَارَ إقَامَتِهِ لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ.
فَإِنْ رَجَعَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ (انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً) مِنْ سُورٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ إلَّا بِدُخُولِ الْعُمْرَانِ أَوْ السُّورِ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ الْمَنْقُولُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحَقُّقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مُبْتَدَأَ سَفَرِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ لَا مِنْ بَلَدٍ يَقْصِدُهُ وَلَا بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ وَيَنْتَهِي أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.
(وَلَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ الْمُسْتَقِلُّ وَلَوْ مُحَارِبًا (إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) تَامَّةٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَأَطْلَقَ (بِمَوْضِعٍ) عَيَّنَهُ صَالِحٌ لِلْإِقَامَةِ، وَكَذَا غَيْرُ صَالِحٍ كَمَفَازَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ) أَيْ بِوُصُولِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودُهُ أَمْ فِي طَرِيقِهِ أَوْ نَوَى بِمَوْضِعٍ وَصَلَ إلَيْهِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ مُكْثِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا.
وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلَا نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَالْمُقِيمُ وَالْعَازِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرُ ضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ، وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ لَا يَقْطَعُ السَّفَرَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ، فَالتَّرَخُّصُ فِي الثَّلَاثِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ فِي الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ، وَفِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ مَا فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا.
(وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ) إذَا دَخَلَ نَهَارًا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَطَّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلَ وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ، وَالثَّانِي: يُحْسَبَانِ كَمَا يُحْسَبُ فِي مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ يَوْمَ الْحَدَثِ وَيَوْمَ النَّزْعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ بِالسَّيْرِ، وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ فِي يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ سَائِرٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ
وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ أَبَدًا، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
بِخِلَافِ اللُّبْسِ. فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ إنَّمَا يُحْسَبَانِ بِالتَّلْفِيقِ لَا يَوْمَانِ كَامِلَانِ، فَلَوْ دَخَلَ زَوَالُ السَّبْتِ لِيَخْرُجَ زَوَالُ الْأَرْبِعَاءِ أَتَمَّ، أَوْ قَبْلَهُ قَصَرَ، فَإِنْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ، وَيُحْسَبُ الْغَدُ وَمُقَامُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا يُقِيمُهُ لَوْ دَخَلَ نَهَارًا، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ بَلْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَيَتَرَخَّصُ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ، وَعَلَى الصَّحِيحِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ خِلَافًا لِتَعْبِيرِهِ هُنَا بِالصَّحِيحِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
(وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَحْرِ (قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ (1) وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ. وَرُوِيَ " خَمْسَةَ عَشَرَ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ ". رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ، فَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ.
وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ، وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ آنِفًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ بِأَنَّ رَاوِيَ الْعِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ اهـ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عِمْرَانَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَفِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ (وَقِيلَ) يَقْصُرُ (أَرْبَعَةً) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إذَا امْتَنَعَ بِنِيَّةِ إقَامَتِهَا فَبِإِقَامَتِهَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْفِعْلَ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَقْصُرُ (أَبَدًا) أَيْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ حَاجَتُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لَقَصَرَ فِي الزَّائِدِ أَيْضًا (وَقِيلَ: الْخِلَافُ) الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (فِي خَائِفِ الْقِتَالِ) وَالْمُقَاتِلِ (لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُتَفَقِّهِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا فِي تَغْيِيرِ