الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَلَا قَصْرَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَصْلٌ وَطَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
صِفَةِ الصَّلَاةِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقِتَالَ لَيْسَ هُوَ الْمُرَخِّصَ، وَإِنَّمَا الْمُرَخِّصُ السَّفَرُ، وَالْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِ اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ: لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِيهِ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ: لَوْ خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ، فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لَمْ يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْقَصْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَطَّرِدُ فِي بَاقِي الرُّخَصِ كَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْوَجِيزِ بِالتَّرَخُّصِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ سَائِرُ الرُّخَصِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَوَجُّهُ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا سُقُوطَ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ (وَلَوْ عَلِمَ) الْمُسَافِرُ (بَقَاءَهَا) أَيْ حَاجَتِهِ (مُدَّةً طَوِيلَةً) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا كَأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ شُغْلُهُ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ (فَلَا قَصْرَ) لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ سَاكِنٌ مُطْمَئِنٌّ بَعِيدٌ عَنْ هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ، بِخِلَافِ الْمُتَوَقِّعِ لِلْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِيَرْحَلَ، وَوَجْهُ الْقَصْرِ الْقِيَاسُ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيهِ غَلَطٌ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ.
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، أَمَّا شُرُوطُهُ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلًا (وَطَوِيلُ السَّفَرِ) بِالْأَمْيَالِ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ غَيْرَ الْإِيَابِ، فَلَوْ قَصَدَ مَكَانًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَا قَصْرَ لَهُ ذَهَابًا وَلَا إيَابًا وَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهِيَ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِتَحَقُّقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ ظَنًّا بِخِلَافِ تَقْدِيرَيْ الْقُلَّتَيْنِ وَمَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَمْيَالِ ثَابِتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ تَقْدِيرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي تَقْدِيرِهِمَا بِالْأَرْطَالِ، وَكَذَا مَسَافَةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْأَذْرُعِ: فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا التَّقْرِيبُ، وَالْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ: سِتَّةَ عَشَرَ
قُلْت: وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ.
وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ قَصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ، وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَآبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالْمِيلُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خَطْوَةٍ، وَالْخَطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ. وَالْقَدَمَانِ: ذِرَاعٌ، وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ، وَالشُّعَيْرَةُ: سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ. وَهَاشِمِيَّةٌ: نِسْبَةٌ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لَهَا، لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْيَالَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هُوَ الشَّائِعُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُونَ، وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ، وَبِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ، وَبِالثَّالِثِ الْأَمْيَالَ الْأُمَوِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ بِقَوْلِهِ هَاشِمِيَّةٍ، وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَالْمَسَافَةُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ مِيلًا، إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا قَدْرُ سِتَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ.
(قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَهُوَ) أَيْ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (مَرْحَلَتَانِ) وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ بِلَا لَيْلَةٍ مُعْتَدِلَيْنِ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ بِلَا يَوْمٍ مُعْتَدِلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَذَلِكَ (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ) أَيْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ، وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ النُّزُولِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِقْدَارُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ.
(وَالْبَحْرُ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ) الْمَذْكُورَةِ (كَالْبَرِّ) فَيُقْصَرُ فِيهِ (فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ) مَثَلًا لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ أَوْ نَحْوِهِ (قَصَرَ) فِيهَا لِأَنَّهَا مَسَافَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقَصْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا يَقْصُرُ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي الْبَرِّ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ فِي بَعْضِ يَوْمٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُولِ سَفَرِهِ اجْتَهَدَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ حَمْلُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَصْرِ.
وَثَانِي الشُّرُوطِ قَصْدُ مَحَلٍّ مَعْلُومٍ كَمَا قَالَ (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ) مَعْلُومٍ (مُعَيَّنٍ) أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرُ أَوَّلًا (فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ (وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ) إذْ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيُّ: هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْهَائِمُ الْخَارِجُ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا، وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُ الْغَزَالِيِّ بَيْنَهُمَا (وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ وَآبِقٍ وَيَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ) أَيْ مَطْلُوبَهُ مِنْهُمَا (وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ قَبْلَهُمَا قَصَرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَكَذَا قَصْدُ الْهَائِمِ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا شَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ
وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
شَيْخِي، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّمَا يَتَرَخَّصُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ.
وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ بِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ.
فَائِدَةٌ: مَتَى فَاتَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ صَلَاةٌ فِيهِمَا قَصَرَ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ طَوِيلٍ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تُقْصَرُ فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي.
وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَمَّا إذَا نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ أَوْ السُّورِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ، أَوْ أَنْ يُقِيمَ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ إلَى أَنْ يَجِدَ غَرَضَهُ أَوْ يَدْخُلَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَدْ انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا غَيَّرَ النِّيَّةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرَ.
فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا قَالُوهُ - مِنْ مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ - مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلرُّخَصِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَدَخَلَ فِيمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَصَدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَقْصِدِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بِنِيَّةِ أَنْ يَصِلَ إلَى بَطْنِ مَرْوَ ثُمَّ يُشَرِّقَ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ يُغَرِّبَ إلَى يَنْبُعَ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِأَنَّهُ سَفَرٌ طَوِيلٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا.
وَلَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ - ذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ - الزِّيَادَةَ فِي الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ مَكَانِ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقُ مَكَانَهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرًا سَفَرًا جَدِيدًا.
وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى.
(وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ (طَرِيقَانِ طَوِيلٌ) يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (وَقَصِيرٌ) لَا يَبْلُغُهَا (فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ) دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ (كَسُهُولَةٍ) لِلطَّرِيقِ (أَوْ أَمْنٍ) أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ، أَوْ لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْمَكَّاسِينَ، أَوْ لِرُخَصِ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا (قَصَرَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فَلَا) يَقْصُرُ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ، وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَيَسَارًا حَتَّى قَطَعَهَا فِي مَرْحَلَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ مُبَاحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقْصُرُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ النُّزْهَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ إذَا سَافَرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلَ عَلَى السَّفَرِ، بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ
وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُ مَقْصِدَهُ، فَلَا قَصْرَ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ، دُونَهُمَا.
وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا انْقَطَعَ، فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ.
وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا، أَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَقَصِيرٌ مَا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ، فَسَلَكَ الْأَطْوَلَ وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ قَصَرَ فِيهِ جَزْمًا.
(وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ) أَيْ السَّيِّدَ أَوْ الزَّوْجَ أَوْ الْأَمِيرَ (فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ) لَهُمْ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَحَقَّقْ: وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصَرُوا كَمَا مَرَّ فِي الْأَسِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمَتْبُوعُونَ لِتَيَقُّنِ طُولِ سَفَرِهِمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْغَرِيمِ وَنَحْوَهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَا يَقْصُرُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ، لِأَنَّ الْمَسَافَةَ هُنَا مَعْلُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، إذْ الْمَتْبُوعُ يَعْلَمُهَا بِخِلَافِهَا ثُمَّ، وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّ مَقْصِدَهُ مَرْحَلَتَانِ وَقَصَدُوهُ قَصَرُوا (فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ وَجَهِلُوا (قَصَرَ الْجُنْدِيُّ) أَيْ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ (دُونَهُمَا) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ. أَمَّا الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَهُوَ مِثْلُهُمَا، لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَتَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ، إذْ لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالْآحَادِ لِعِظَمِ الْفَسَادِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَالِكَ أَمْرِهِ لَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُنْدِيِّ غَيْرِ الْمُثْبَتِ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ لَا يُبَالِي بِانْفِرَادِهِ عَنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْجَيْشِ: أَيْ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ إذْ يَخْتَلُّ بِهَا نِظَامُهُ.
(وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى) وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ (رُجُوعًا) عَنْ مَقْصِدِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْإِقَامَةِ (انْقَطَعَ) سَفَرُهُ، سَوَاءٌ أَرَجَعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّرَخُّصَ قَدْ انْقَطَعَتْ وَانْتَهَى سَفَرُهُ، فَلَا يَقْصُرُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي مَا قَصَرَهُ أَوْ جَمَعَهُ قَبْلَ هَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ قَبْلَهَا (فَإِنْ سَارَ) إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ (فَسَفَرٌ جَدِيدٌ) فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا قَصَرَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. أَمَّا لَوْ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ، أَوْ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ كَمَا مَرَّ. .
وَثَالِثُ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ جَائِزًا فَلَا قَصْرَ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَ (وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (وَنَاشِزَةٍ) مِنْ زَوْجِهَا، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّرَخُّصِ لِلْإِعَانَةِ وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَنْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ أَوْ يُعَذِّبُ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ. .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِسَفَرِهِ عَنْ الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ بِأَنْ
فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ.
وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ لَحْظَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.
وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ وَاسْتَخْلَفَ
ــ
[مغني المحتاج]
يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا وَيَعْصِي فِي سَفَرِهِ فَيَتَرَخَّصُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُبَاحٌ (فَلَوْ أَنْشَأَ) سَفَرًا طَوِيلًا (مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً) كَالسَّفَرِ لِأَخْذِ مَكْسٍ أَوْ لِلزِّنَا بِامْرَأَةٍ (فَلَا تَرَخُّصَ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) مِنْ حِينِ الْجَعْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي: يَتَرَخَّصُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِ السَّفَرِ مُبَاحًا فِي ابْتِدَائِهِ وَلَوْ تَابَ تَرَخَّصَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ مُبَاحَانِ (وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا) بِهِ (ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ (لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ) فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا.
نَعَمْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا مِنْ التَّوْبَةِ.
وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِي الطَّرِيقِ قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْصُرُ دُونَ مَنْ أَسْلَمَ. .
وَرَابِعُ الشُّرُوطِ عَدَمُ اقْتِدَائِهِ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَوْ بِمُتِمٍّ كَمَا قَالَ (وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ) مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ أَوْ بِمُصَلٍّ صَلَاةَ جُمُعَةٍ أَوْ صُبْحٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَلَوْ (لَحْظَةً) أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَحْدَثَ هُوَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " سُئِلَ: مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ تِلْكَ السُّنَّةُ ".
فَإِنْ قِيلَ: تَعْبِيرُهُ بِمُتِمٍّ يُخْرِجُ الظُّهْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوْ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُقَالُ لَهُ مُتِمٌّ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ مُتِمٌّ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِصَلَاةٍ تَامَّةٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ وَلَوْ فِي صُبْحٍ وَجُمُعَةٍ فَذَكَرَ مَعَ لَفْظِ الْإِتْمَامِ الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ اللَّتَيْنِ لَا قَصْرَ فِيهِمَا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ كَمُصَلِّي عِيدٍ وَرَاتِبَةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَتَعْبِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ مِثَالٌ إذْ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ فِي نَافِلَةٍ كَذَلِكَ وَلَهُ قَصْرُ الْمُعَادَةِ إنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً وَصَلَّاهَا ثَانِيًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي مَقْصُورَةً أَوْ صَلَّاهَا إمَامًا. قُلْت ذَلِكَ تَفَقُّهًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَأْمُومِ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْإِتْمَامُ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَلَوْ قَدَّمَ لَحْظَةً عَلَى مُتِمٍّ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ خَلْفَ الْمُتِمِّ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ، وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا.
(وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ) أَيْ سَالَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ أَوْ أَحْدَثَ (وَاسْتَخْلَفَ
مُتِمًّا أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ، وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ.
وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ، أَوْ بِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ،
وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا
أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَتَمَّ، وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ.
ــ
[مغني المحتاج]
مُتِمًّا) مِنْ الْمُقْتَدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ) بِهِ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوُوا، وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ صَارُوا مُقْتَدِينَ بِهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوَهُ. نَعَمْ لَوْ نَوَوْا فِرَاقَهُ حِينَ أَحَسُّوا بِرُعَافِهِ أَوْ حَدَثِهِ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِخْلَافِ قَصَرُوا.
فَائِدَةٌ: رَعَفَ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَالْأَفْصَحُ فَتْحُ عَيْنِهِ، وَالضَّمُّ ضَعِيفٌ وَالْكَسْرُ أَضْعَفُ مِنْهُ. حَكَى فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَانَتْ سَبَبَ لُزُومِ سِيبَوَيْهِ الْخَلِيلَ فِي الطَّلَبِ لِلْعَرَبِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ يَوْمًا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ أَحَدَّثَكَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ رَعُفَ فِي الصَّلَاةِ وَضَمَّ الْعَيْنَ؟ فَقَالَ لَهُ أَخْطَأَتْ: إنَّمَا هُوَ رَعَفَ بِفَتْحِهَا فَانْصَرَفَ إلَى الْخَلِيلِ وَلَزِمَهُ. وَسِيبَوَيْهِ لَقَبٌ فَارِسِيٌّ مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: رَائِحَةُ التُّفَّاحِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِي عَلَى الْقَطْرِ سَبَبَ لَقَبِهِ بِذَلِكَ (وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فَرْعٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْأَصْلِ أَنْقَصَ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْعِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا عَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا أَوْ اسْتَخْلَفُوهُ أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا أَحَدًا فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.
(وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ أَوْ لِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (أَتَمَّ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَمَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُهُ، وَلَوْ بَانَ لِلْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالضَّابِطُ أَيْ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَعْرِضُ الْفَسَادُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَحَيْثُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْإِتْمَامِ بِذَلِكَ اهـ.
وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَلَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: قَصَرَ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ تُشْبِهُهَا وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا.
(وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا) فَنَوَى الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ بِأَنْ يَنْوِيَهُ (فَبَانَ مُقِيمًا) فَقَطْ أَوْ مُقِيمًا ثُمَّ مُحْدِثًا أَتَمَّ لُزُومًا. أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذْ لَا قُدْوَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا.
(أَوْ) اقْتَدَى نَاوِيًا الْقَصْرَ (بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ) أَيْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ (أَتَمَّ) لُزُومًا وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَالْأَصْلُ: الْإِتْمَامُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيمَا إذَا بَانَ كَمَا ذُكِرَ (وَلَوْ عَلِمَهُ) أَوْ ظَنَّهُ (مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ) الْقَصْرَ فَجَزَمَ هُوَ بِالنِّيَّةِ (قَصَرَ) جَوَازًا إنْ بَانَ الْإِمَامُ قَاصِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ
وَلَوْ شَكَّ فِيهَا، فَقَالَ: إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ
وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَلَيْسَ لِلنِّيَّةِ شِعَارٌ تُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُقْصِرٍ فِي الِاقْتِدَاءِ عَلَى التَّرَدُّدِ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مُتِمٌّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ عَمَّا إذَا عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَلَمْ يَشُكَّ كَالْإِمَامِ الْحَنَفِيِّ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا إذَا أَخْبَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ عَزْمَهُ الْإِتْمَامُ.
(وَلَوْ شَكَّ فِيهَا) أَيْ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ الْقَصْرَ (فَقَالَ) مُعَلِّقًا عَلَيْهَا فِي ظَنِّهِ (إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِلَّا) بِأَنْ أَتَمَّ (أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ) إنْ قَصَرَ إمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى وَالثَّانِي لَا يَقْصُرُ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُتِمًّا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ: كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ، أَوْ نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا. وَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْإِمَامِ. .
وَخَامِسُ الشُّرُوطِ نِيَّةُ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ) بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَيَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (فِي الْإِحْرَامِ) كَأَصْلِ النِّيَّةِ، وَمِثْلُ نِيَّةِ الْقَصْرِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَا لَوْ قَالَ: أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ مَا ذُكِرَ فِيهِ بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ فِي الْأُولَى وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ. .
وَسَادِسُ الشُّرُوطِ التَّحَرُّزُ عَمَّا يُنَافِيهَا كَمَا قَالَ (وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا) أَيْ نِيَّةِ الْقَصْرِ (دَوَامًا) أَيْ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ كَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ، فَلَوْ نَوَاهُ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ، وَعُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ) أَتَمَّ (أَوْ) تَرَدَّدَ: أَيْ شَكَّ (فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ) أَمْ لَا أَتَمَّ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ التَّرَدُّدِ عَلَى التَّمَامِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَلَمْ يُصَدِّرْهُمَا بِالْفَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: لِضَمِّهِ إلَيْهِمَا فِي الْجَوَابِ مَا لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ اخْتِصَارًا فَقَالَ: (أَوْ قَامَ) وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَحْرَمَ (إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ) وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ نَفْسِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا فَزَمَانُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَهُنَا الْمَوْجُودُ حَالَ الشَّكِّ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ الْإِتْمَامَ؛ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، فَصَارَ مُؤَدِّيًا لِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمَامِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ تَرْكِيبٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمًا مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِتَدَافُعِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَوْ شَكَّ كَمَا قَدَّرْته فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَاسْتَقَامَ لِأَنَّهُ
أَوْ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ.
وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَادَ ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَتَمَّ.
وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَصِيرُ حِينَئِذٍ عَطْفًا عَلَى أَحْرَمَ.
(وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ) كَنِيَّةٍ أَوْ نِيَّةِ إقَامَةٍ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) كَمَا لَوْ قَامَ الْمُتِمُّ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ) قِيَامُهُ (سَهْوًا) ثُمَّ تَذَكَّرَ (عَادَ) وُجُوبًا (وَسَجَدَ لَهُ) نَدْبًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يُبْطِلُ عَمْدُهُ (وَسَلَّمَ) وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: هَذَا إنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا وَهُوَ وَاضِحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَنْ قَامَ (فَإِنْ أَرَادَ) عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَهُوَ قَائِمٌ (أَنْ يُتِمَّ عَادَ) لِلْقُعُودِ وُجُوبًا (ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا) أَيْ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَاصِرٌ، وَالْجَهْلُ كَالسَّهْوِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ نَدْبًا.
وَسَابِعُ الشُّرُوطِ دَوَامُ سَفَرِهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ كَمَا قَالَ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الشَّخْصِ النَّاوِي لِلْقَصْرِ (مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ) الْقَاطِعَةَ لِلتَّرَخُّصِ (فِيهَا) أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَوْ لَا (أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ) فِيهَا (دَارَ إقَامَتِهِ) أَوْ شَكَّ هَلْ بَلَغَهَا أَوْ لَا (أَتَمَّ) لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِمَرَضٍ فَزَالَ الْمَرَضُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَلِلشَّكِّ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ. .
وَثَامِنُ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ، فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ تَرْكَهُ لِبُعْدِ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ (وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ) سَفَرُهُ (ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْمَلَّاحَ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَالِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْأَكْثَرُ عَمَلًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الرَّضَاعِ يُكْرَهُ الْقَصْرُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ اهـ.
فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ دَائِمُ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى حَدَثُهُ فِيهَا فَيَكُونُ الْقَصْرُ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلَا عَنْ الْحَدَثِ، وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ، وَكِلَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْحَدَثِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ خَلَا عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قُعُودٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ مِنْ قُعُودٍ