الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ، قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ
ــ
[مغني المحتاج]
هَذَا الْوَجْهَ فَقَالَ: اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْغُسْلِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ خِلَافٌ كَالْوُضُوءِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ (وَقِيلَ الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْعَلِيلِ، وَطَهَارَةُ الْعَلِيلِ بَاقِيَةٌ إذْ يَتَنَفَّلُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِضَعْفِهِ عَنْ أَدَاءِ فَرْضٍ ثَانٍ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ لَمْعَةً، فَإِنَّ طَهَارَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَمْ تَحْصُلْ (قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ) لِمَا قُلْنَاهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَيُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّيَمُّمَ فَقَطْ. وَهَلْ إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّدًا هَلْ يُعِيدُهُ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَ تَيَمُّمَاتٍ يُعِيدُهَا كُلَّهَا أَوْ لَا؟ . اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا.
قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَ بِالتَّعَدُّدِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، خَرَجَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَا إذَا أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ جَمِيعَ مَا مَرَّ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ اغْتَسَلَ وَتَيَمَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي إيجَابِ النَّزْعِ مَشَقَّةً، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَتَيَمَّمَ عَنْ جِرَاحَةٍ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي بِوُضُوئِهِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَوْ بَرَأَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَوَجَبَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْعُذْرِ، جُنُبًا كَانَ أَوْ مُحْدِثًا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْعُذْرِ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ إعَادَةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ لِبُطْلَانِهِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ تَامَّ الطُّهْرِ، فَإِذَا أَتَمَّهُ وَجَبَ إعَادَةُ مَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَغْفَلَ لَمْعَةً بِخِلَافِ نَحْوِ الْجُنُبِ وَلَا يَسْتَأْنِفَانِ الطَّهَارَةَ، وَبُطْلَانُ بَعْضِهَا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ كُلِّهَا وَلَوْ تَوَهَّمَ الْبُرْءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا فَرَفَعَ السَّاتِرَ فَبَانَ خِلَافَهُ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَاءَ؛ لِأَنَّ تَوَهُّمَهُ يُوجِبُ الطَّالِبَ، وَتَوَهُّمُ الْبُرْءِ لَا يُوجِبُ الْبَحْثَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأَ كَانْخِلَاعِ الْخُفِّ فَيَشْكُلُ عَلَى مَا هُنَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا بِأَنْ يَكُونَ اللُّصُوقِ عَلَى قَدْرِ الْجِرَاحَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعَلِيلُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ عَلَيْهِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عُضْوِهِ جَبِيرَتَانِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ رَفْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُمَا جَمِيعًا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْجَبِيرَتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ]
ِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي (يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ) وَهُوَ اسْمُ
طَاهِرٍ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ لَا بِمَعْدِنِ وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ،
ــ
[مغني المحتاج]
جِنْسٍ، وَقِيلَ: جَمْعٌ وَاحِدَتُهُ تُرَابَةٌ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلْقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ ثَلَاثٌ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ (طَاهِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43][الْمَائِدَةُ] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَابٌ لَهُ غُبَارٌ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6][الْمَائِدَةُ] فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِمِنْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ يَقْتَضِي أَنْ يَمْسَحَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْضُهُ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ التُّرَابَ بِأَنْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَضَعَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ لَا يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ الدُّهْنِ وَمِنْ الْمَاءِ وَمِنْ التُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَالْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ اهـ.
وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي فِيهَا «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .
وَاسْمُ التُّرَابِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَصْفَرُ وَالْأَعْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ (حَتَّى مَا) يُؤْكَلُ سَفَهًا، وَهُوَ الْخُرَاسَانِيُّ أَوْ (يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْإِرْمَنِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ إذَا سُحِقَ لِوُقُوعِ اسْمِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَالْبَطْحَاءِ وَهُوَ تُرَابٌ بِمَسِيلِ الْمَاءِ فِيهِ دِقَاقُ حَصًى، وَالسَّبِخُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ مَا لَا يَنْبُتُ إذَا لَمْ يَعْلُهُ الْمِلْحُ، فَإِنْ عَلَاهُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَالتُّرَابُ الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ أَرْضُهُ مِنْ مَدَرٍ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ، لَا مِنْ خَشَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ وَإِنْ أَشْبَهَهُ، وَلَا أَثَرَ لِلُعَابِهَا الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ، وَلَا أَثَرَ لِتَغَيُّرِ طِينٍ أَسْوَدَ وَلَوْ شُوِيَ وَتَسَوَّدَ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الشَّيْءِ إلَّا مَا صَارَ رَمَادًا، وَإِنْ انْتَقَضَ مِنْ نَحْوِ كَلْبِ تُرَابٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَرَطُّبُهُ عِنْدَ الْتِصَاقِهِ بِهِ بِمَاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً وَأَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (وَبِرَمْلٍ) لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَلَوْ كَانَ نَاعِمًا (فِيهِ غُبَارٌ) مِنْهُ وَلَوْ بِسَحْقِهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ بِرَمْلٍ وَلَوْ نَاعِمًا لَا غُبَارَ فِيهِ أَوْ فِيهِ غُبَارٌ، لَكِنَّ الرَّمْلَ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التُّرَابِ الْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا شَرْطٌ آخَرُ فِي التُّرَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ جَرْشًا أَوْ نَدِيًا لَا يَرْتَفِعُ لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَكْفِ (لَا بِمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ كَنَفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَنُورَةٍ (وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ) وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُشْوَى كَالْكِيزَانِ، إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ تُرَابًا. وَمِثْلُهُ سِحَاقَةُ نَحْوِ آجُرٍّ، وَلَا بِتُرَابٍ مُتَنَجِّسٍ كَمَقْبَرَةٍ تُيُقِّنَ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى (وَ) لَا بِتُرَابٍ (مُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَزَعْفَرَانٍ وَجِصٍّ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِطِ بِرَمْلٍ لَا يَلْصِقُ بِالْعُضْوِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عُجِنَ التُّرَابُ بِنَحْوِ خَلٍّ فَتَغَيَّرَ بِهِ ثُمَّ جَفَّ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ (وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي عَلِقَ بِهِ نَحْوُ الدَّقِيقِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ التُّرَابُ لِكَثَافَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَطِيفٌ فَيَجْرِي عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْخَلِيطُ.
وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ، وَنَوَى لَمْ يُجْزِئْ
وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ جَازَ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ عُذْرٌ.
وَأَرْكَانُهُ:
ــ
[مغني المحتاج]
وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ الْإِمَامُ: الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ فِي التُّرَابِ، وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَظْهَرُ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: تُعْتَبَرُ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الْمَاءِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا (وَلَا ب) تُرَابٍ (مُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَ بِهِ فَرْضٌ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَالْمَاءِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فِي طَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ، فَإِنَّ حَدَثَهُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّحِيحِ
(وَهُوَ) أَيْ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ (مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) حَالَ التَّيَمُّمِ (وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ) بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ مَسِّهِ الْعُضْوَ حَالَةَ التَّيَمُّمِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَقْطُوعِ بِهِ كَالْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ. وَالثَّانِي لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ كَثِيفٌ إذَا عَلِقَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ مَنَعَ غَيْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَلْصَقْ بِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ رَقِيقٌ يُلَاقِي جَمِيعَ الْمَحَلِّ، وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ غَلَطٌ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ أَوْلَى. أَمَّا مَا تَنَاثَرَ، وَلَمْ يَمَسَّ الْعُضْوَ بَلْ لَاقَى مَا لَصَقَ بِالْعُضْوِ فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ قَطْعًا كَالْبَاقِي بِالْأَرْضِ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُتَنَاثِرِ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَعْرَضَ الْمُتَيَمِّمُ عَنْهُ مُرَادُهُ - كَمَا قَالَ شَيْخِي - أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ لَا مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ قَبْلَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ أَنَّهُ يَكْفِي. وَعَلِمَ مَنْ حَصَرَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْجَمَاعَةُ أَوْ الْوَاحِدُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مَرَّاتٍ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ
(وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ) أَيْ التُّرَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43][الْمَائِدَةُ] أَيْ اقْصِدُوا، فَالْآيَةُ آمِرَةٌ بِالتَّيَمُّمِ: وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ (فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ) أَيْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ (فَرَدَّدَهُ) عَلَيْهِ (وَنَوَى لِمَا يُجْزِئُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ مِنْ جِهَتِهِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقِّقِ لَهُ، وَالْقَصْدُ الْمَذْكُورُ لَا يَكْفِي هُنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَزَ لِلْمَطَرِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ فَانْغَسَلَتْ أَعْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِ الْغُسْلُ، وَاسْمُهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ
(وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ) بِأَنْ نَقَلَ الْمَأْذُونُ التُّرَابَ إلَى الْعُضْوِ وَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ (جَازَ) عَلَى النَّصِّ كَالْوُضُوءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْآذِنِ عِنْدَ النَّقْلِ وَعِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَيَمِّمَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا كَمَا لَوْ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَتَعَرُّضِهِ لِلرِّيحِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) لِجَوَازِ أَنْ يُيَمِّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ (عُذْرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِإِقَامَةِ فِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا
(وَأَرْكَانُهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ هُنَا خَمْسَةٌ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةً فَجَعَلَ التُّرَابَ وَالْقَصْدَ رُكْنَيْنِ وَأَسْقَطَ فِي الْمَجْمُوعِ
نَقْلُ التُّرَابِ فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ كَفَى فِي الْأَصَحِّ.
ونِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَا رَفْعِ حَدَثٍ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
التُّرَابَ وَعَدَّهَا سِتَّةً وَجَعَلَ التُّرَابَ شَرْطًا، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْكِتَابِ، إذْ لَوْ حَسُنَ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا لَحَسُنَ عَدُّ الْمَاءِ رُكْنًا فِي الطُّهْرِ بِهِ. وَأَمَّا الْقَصْدُ فَدَاخِلٌ فِي النَّقْلِ الْوَاجِبِ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ. الرُّكْنُ الْأَوَّلُ (نَقْلُ التُّرَابِ) إلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَأْذُونِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ عَلَى الْعُضْوِ تُرَابٌ فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَكْفِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْقَصْدِ مَعَ أَنَّ النَّقْلَ الْمَقْرُونَ بِالنِّيَّةِ مُتَضَمِّنٌ لَهُ رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ (فَلَوْ) تَلَقَّى التُّرَابَ مِنْ الرِّيحِ بِكُمِّهِ أَوْ يَدِهِ وَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْحَدَثَ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ يَضُرُّ، وَكَذَا الضَّرْبُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي دُخُولِهِ مَعَ أَنَّ الْمَسْحَ بِالضَّرْبِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ التَّمَعُّكِ وَالضَّرْبِ بِمَا عَلَى الْكُمِّ أَوْ الْيَدِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ فِي ذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ التُّرَابُ عَلَى يَدَيْهِ ابْتِدَاءً، وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ تَجْدِيدِهَا لِبُطْلَانِهَا وَبُطْلَانِ النَّقْلِ الَّذِي قَارَنَتْهُ وَلَوْ (نَقَلَ) التُّرَابَ (مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ) بِأَنْ حَدَثَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ تُرَابٍ مَسَحَهُ عَنْهُ تُرَابٌ (أَوْ عَكَسَ) أَيْ نَقَلَهُ مِنْ يَدٍ إلَى وَجْهٍ أَوْ نَقَلَهُ مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ عُضْوٍ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ (كَفَى فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ مُسَمَّى النَّقْلِ. وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَهُوَ كَالنَّقْلِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ بِالتَّرْدِيدِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ بِالِانْفِصَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَرْدِيدِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَسَحَ بِمَا سَفَّتْهُ الرِّيحُ عَلَى كُمِّهِ مَثَلًا كَفَى لِوُجُودِ النَّقْلِ
(وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي: (نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا تَفْتَقِرُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَى طَهَارَةٍ كَطَوَافٍ وَحَمْلِ مُصْحَفٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ. وَأَمَّا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَسَيَأْتِي، وَلَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ أَصْغَرُ فَبَانَ أَكْبَرَ أَوْ عَكْسُهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِتَلَاعُبِهِ، فَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ، وَنَسِيَ وَكَانَ يَتَيَمَّمُ وَقْتًا وَيَتَوَضَّأُ وَقْتًا أَعَادَ صَلَاةَ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً عِنْدَ جَوَازِهِ فَلَهُ الْإِتْمَامُ أَوْ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِعِصْيَانِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ (لَا) نِيَّةَ (رَفْعِ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدَثُ الَّذِي يَنْوِي رَفْعَهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ، نَحْوِهَا، وَهَذَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَثَ مَنَعَ مُتَعَلِّقُهُ كُلَّ صَلَاةِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً، وَكُلَّ طَوَافٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَنْعُ الْعَامُّ لَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِهِ مَنْعٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ فَرِيضَةٍ فَقَطْ أَوْ وَنَوَافِلَ أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ، وَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْحَدَثَ الْخَاصَّ صَحَّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ) أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ أَوْ التَّيَمُّمَ الْمَفْرُوضَ أَوْ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ (لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عَنْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُجْعَلُ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ.
وَالثَّانِي يَكْفِي كَالْوُضُوءِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ
وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا أُبِيحَا
ــ
[مغني المحتاج]
بِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ بَدَلَ الْغُسْلِ (وَيَجِبُ قَرْنُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (بِالنَّقْلِ) الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ إلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ (وَكَذَا) يَجِبُ (اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَلَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَهُمَا، وَإِنْ عَزَبَتْ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامٍ لِأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ (1) ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا قَالَ شَيْخِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الزَّمَنَ يَسِيرُ لَا تَعْزُبُ فِيهِ النِّيَّةُ غَالِبًا، بَلْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ مَسْحِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّقْلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّ النَّقْلَ الْمُعْتَدَّ بِهِ الْآنَ هُوَ النَّقْلُ مِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْوَجْهِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ الِاسْتِدَامَةُ كَمَا لَوْ قَارَنَتْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ أَوَّلَ غَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ نَقَلَ التُّرَابَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَى الْآذِنُ عِنْدَ ضَرْبِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَضُرَّ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ لَيْسَ بِنَاقِلٍ فَلَا يَبْطُلُ بِحَدَثِهِ، وَالْمَأْمُورَ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَبْطُلَ بِحَدَثِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنِ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى الْمَفْرُوضَاتِ وَقَارَنَتْ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ كَالتَّسْمِيَةِ وَالسِّوَاكِ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ تُنْقَضُ وَعَلَيْهَا تُرَابٌ، فَإِنْ مَنَعَ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ بِنِيَّتِهِ، فَقَالَ:(فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ اسْتِبَاحَتَهُمَا (أُبِيحَا) لَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَعُلِمَ مِنْ تَنْكِيرِهِ الْفَرْضَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِذَا أَطْلَقَ صَلَّى أَيَّ فَرْضٍ شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِي الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ الْمَنْوِيَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا وَأَخْطَأَ فِي التَّعْيِينِ كَمَنْ نَوَى فَائِتَةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَصْرٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ التَّعْيِينُ، فَإِذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَالْمَيِّتُ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الْوُضُوءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهَا كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْمُصَلِّي الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ وَلِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيَسْتَبِيحُ مَا شَاءَ، وَالتَّيَمُّمُ يُبِيحُ
أَوْ فَرْضًا فَلَهُ النَّفَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ نَفْلًا أَوْ الصَّلَاةُ تَنَفَّلَ لَا الْفَرْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَمَسْحُ وَجْهِهِ
ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَا يَرْفَعُ، فَنِيَّتُهُ صَادَفَتْ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ (أَوْ) نَوَى (فَرْضًا فَلَهُ النَّفَلُ) مَعَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَابِعَةٌ، وَإِذَا صَلُحَتْ طَهَارَتُهُ لِلْأَصْلِ فَلِلتَّابِعِ أَوْلَى كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ يُعْتَقُ الْحَمْلُ، وَعَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفَرْضِ فِيهَا قَوْلَانِ، وَالْمُتَأَخِّرَةُ تَجُوزُ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: وَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لَهُ النَّفَلُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَالثَّالِثُ: لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُقَدَّمُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ قِيلَ يَسْتَبِيحُ النَّافِلَةَ التَّابِعَةَ لِتِلْكَ الْفَرِيضَةِ دُونَ مَا عَدَاهَا لَمْ يَبْعُدْ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ، وَمَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) نَوَى (نَفْلًا) مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفَرْضِ (أَوْ) نَوَى (الصَّلَاةَ) وَأَطْلَقَ (تَنَفَّلَ) أَيْ لَهُ فِعْلُ النَّفْلِ الْمَنْوِيِّ وَغَيْرِهِ (لَا الْفَرْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِمَا.
أَمَّا فِي الْأُولَى: فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ، وَالنَّفَلُ تَابِعٌ فَلَا يُجْعَلُ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا. وَالثَّانِي: يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: فَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ نَفْلًا، وَالثَّانِي: يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ فَيَسْتَبِيحُهُمَا كَمَا لَوْ نَوَاهُمَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِلْعُمُومِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالْأَقْوَالُ تَحَصَّلَتْ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى بِعَدَمِهِ، فَسَاغَ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَذْهَبِ. وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْخِلَافَ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ حَمْلَ الْمُصْحَفِ أَوْ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرَ أَوْ نَوَى نَحْوُ الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ الْحَائِضُ اسْتِبَاحَةَ الْوَطْءِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ وَلَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا جَازَ لَهُ فِعْلُ الْبَقِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ لِلْفَرْضِ. وَالثَّالِثُ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَعَلَى الصَّحِيحِ يَسْتَبِيحُ مَعَهَا النَّفَلَ لَا الْفَرْضَ وَيَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ، وَلَوْ نَوَى فَرِيضَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ أَوْ فَائِتَةً وَمُؤَدَّاةً، أَوْ مَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مَنْذُورَةً وَفَرِيضَةً أُخْرَى صَحَّ تَيَمُّمُهُ لِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضَيْنِ فَقَدْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ
(وَ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ (مَسْحُ وَجْهِهِ) حَتَّى ظَاهِرِ مُسْتَرْسِلِ لِحْيَتِهِ وَالْمُقْبِلِ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى شَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6][الْمَائِدَةُ]
وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ) مَسَحَ (يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ، إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وَلَا يَجِبُ إيصَالَهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ.
وَتُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْقَدِيمُ يَكْفِي مَسْحُهُمَا إلَى الْكُوعَيْنِ، وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْقِيحِ.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ اهـ.
وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَإِلَّا فَالْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ.
وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ: التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ثَمَّ، وَلِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْلِ وَوَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُسْلَ لِمَا وَجَبَ فِيهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ صَارَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَالتَّيَمُّمُ يَجِبُ فِي عُضْوَيْنِ فَقَطْ فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ (وَلَا يَجِبُ إيصَالَهُ) أَيْ التُّرَابِ (مَنْبَتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فَالْكَثِيفُ أَوْلَى (وَلَا تَرْتِيبَ) وَاجِبٌ (فِي نَقْلِهِ) أَيْ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوَيْنِ (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) التُّرَابَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرَبَ الْيَمِينَ قَبْلَ الْيَسَارِ (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ) أَوْ عَكَسَ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ الْمَسْحُ وَالنَّقْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْمَسْحِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ فِي الْمَسْحِ الِاشْتِرَاطُ فِي وَسِيلَتِهِ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ لِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ يَمْسَحُهُ: أَيْ أَوْ يُطْلِقُ، فَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ لِيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ التُّرَابِ يَدَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ لِيَدَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ مَسَحَ الْوَجْهَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ بَعْضِ سُنَنِهِ، فَقَالَ (وَتُنْدَبُ) لِلْمُتَيَمِّمِ وَلَوْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ (التَّسْمِيَةُ) أَوَّلَهُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ) لِوُرُودِهِمَا فِي الْأَخْبَارِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالضَّرْبَةِ إذَا حَصَلَ بِهَا التَّعْمِيمُ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ وَقَدْ حَصَلَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا) بِأَنْ يَأْخُذَ خِرْقَةً كَبِيرَةً فَيَضْرِبَهَا ثُمَّ يَمْسَحَ بِبَعْضِهَا وَجْهَهُ وَبِبَعْضِهَا يَدَيْهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ» لَكِنَّ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِي فِيهِ رَاوٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَمَعَ هَذَا صَحَّحَ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ غَالِبًا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِمَا فَأَشْبَهَا الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ قِيلَ: يُسْتَحَبُّ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ ضَرْبَةٌ، فَلَوْ جَازَ أَيْضًا النُّقْصَانُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ.
فَائِدَةٌ: فَإِنْ قِيلَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ»
وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ.
وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ. وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ
ــ
[مغني المحتاج]
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ، لَا بَيَانُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي عَلَى مَرَّتَيْنِ: أَيْ إنْ حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا وَإِلَّا لَمْ تُكْرَهْ بَلْ تَجِبُ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ ضَرْبَةً وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَّا جُزْءًا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَأُصْبُعٍ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى وَمَسَحَ بِهَا ذَلِكَ الْجُزْءَ أَنَّهُ يَكْفِي لِوُجُودِ الضَّرْبَتَيْنِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ يُخَالِفُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الضَّرْبُ، فَلَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تُرَابٍ نَاعِمٍ وَعَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَفَى، فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى وُجُوبِ ضَرْبَتَيْنِ تَصْحِيحُ جَوَازِ التَّمَعُّك بِالتُّرَابِ (وَيُقَدِّمُ) نَدْبًا (يَمِينَهُ) عَلَى يَسَارِهِ (وَأَعْلَى وَجْهِهِ) عَلَى أَسْفَلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِأَسْفَلِهِ ثُمَّ يَسْتَعْلِي وَفَارَقَ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْحَدِرُ بِطَبْعِهِ فَيَعُمُّ الْوَجْهَ، وَالتُّرَابُ لَا يَجْرِي إلَّا بِإِمْرَارِهِ بِالْيَدِ، فَيَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ لِيُقِلَّ مَا يَحْصُلُ فِي أَعْلَاهُ مِنْ الْغُبَارِ، فَيَكُونُ أَسْلَمَ لِعَيْنَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْبَابَ فِي الْبُدَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ دُونَ شَيْءٍ اهـ
وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ ذِكْرَ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَيْهَا فِي الدَّقَائِقِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ شَيْئًا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَصُورَتُهَا: أَنْ يَضَعَ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى سِوَى الْإِبْهَامِ عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى سِوَى الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ أَنَامِلُ الْيُمْنَى عَنْ مُسَبَّحَةِ الْيُسْرَى وَلَا مُسَبَّحَةُ الْيُمْنَى عَنْ أَنَامِلِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ ضَمَّ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ إلَى حَرْفِ الذِّرَاعِ وَيُمِرُّهَا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ فَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ رَافِعًا إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ أَمَرَّ إبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى إبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَيُمِرُّ التُّرَابُ عَلَى الْعُضْوِ كَالْوُضُوءِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ) مِنْ كَفَّيْهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا إنْ كَانَ كَثِيرًا بِالنَّفْضِ أَوْ النَّفْخِ بِحَيْثُ يَبْقَى قَدْرُ الْحَاجَةِ لِخَبَرِ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَلِئَلَّا تَتَشَوَّهَ بِهِ خِلْقَتُهُ.
أَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَالْأَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ) فَيَأْتِي فِيهِ الْقَوْلَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَاكَ الْجَفَافَ اعْتَبَرْنَاهُ هُنَا أَيْضًا بِتَقْدِيرِهِ مَاءً، وَتُسَنُّ الْمُوَالَاةُ أَيْضًا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَتَجِبُ الْمُوَلَّاةُ بِقِسْمَيْهَا فِي تَيَمُّمٍ دَائِمِ الْحَدَثِ كَمَا تَجِبُ فِي وُضُوئِهِ تَخْفِيفًا لِلْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَتَكَرَّرُ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ بِالْمُوَالَاةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ شَبَّهَ التَّيَمُّمَ بِالْوُضُوءِ (قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ) أَيْ تُسَنُّ مُوَالَاتُهُ كَالْوُضُوءِ (وَيُنْدَبُ) أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ الْمَاسِحَةَ عَنْ عُضْوٍ قَبْلَ تَمَامِهِ مَسْحًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِالْمَاسِحَةِ يَصِيرُ بِالْفَصْلِ مُسْتَعْمَلًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ
تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
هُوَ الْبَاقِي بِالْمَمْسُوحَةِ.
وَأَمَّا الْبَاقِي بِالْمَاسِحَةِ فَفِي حُكْمِ التُّرَابِ الَّذِي تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْيَدُ مَرَّتَيْنِ، وَيُسَنُّ (تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ الضَّرْبِ فِي الضَّرْبَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ إثَارَةِ الْغُبَارِ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِ الْأَصَابِعِ إذَا تَفَرَّقَتْ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَسْتَغْنِ بِالْوَاصِلِ عَنْ الْمَسْحِ بِمَا عَلَى الْكَفِّ.
فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى عَدَمُ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ بِمَنْعِ الْغُبَارِ الْحَاصِلِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وُصُولُ الْغُبَارِ فِي الثَّانِيَةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ النَّقْلِ كَمَا مَرَّ، فَحُصُولِ التُّرَابِ الثَّانِي إنْ لَمْ يُزِدْ الْأَوَّلَ قُوَّةً لَمْ يُنْقِصْهُ، وَأَيْضًا الْغُبَارُ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَشِيَهُ غُبَارُ السَّفَرِ لَا يُكَلَّفُ نَفْضُهُ لِلتَّيَمُّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ يُكَلَّفُ نَفْضُ التُّرَابِ مَحْمُولٌ عَلَى تُرَابٍ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَيُنْدَبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ بَعْدَ مَسْحِ الْيَدَيْنِ احْتِيَاطًا، وَيَجِبُ إنْ لَمْ يُفَرِّقْ أَصَابِعَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي حُصُولِ الْمَسْحِ، وَيُنْدَبُ مَسْحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كَمَا مَرَّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا تَأَدَّى بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَلِلْحَاجَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ تَقَاذُفَهُ الَّذِي يَغْلِبُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُرَادُهُ بِلَا شَكٍّ (وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ كَثِيفٌ لَا يَسْرِي إلَى مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَافْهَمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْأُولَى، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِيَكُونَ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ بِالْيَدِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَإِيجَابُ النَّزْعِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الثَّانِي، وَإِيجَابُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِإِيصَالِ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِالنَّزْعِ، فَإِنْ فُرِضَ وُصُولُهُ إلَى مَا تَحْتَهُ لِوُسْعِهِ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَالْخَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا.
قَالَ تَعَالَى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40][الْأَحْزَابَ] قُرِئَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ خَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَخَتَمٌ بِفَتْحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَخِتَامٌ عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ، وَيُسَنُّ عَدَمُ تَكْرَارِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ تَخْفِيفُ التُّرَابِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَقِبَهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كَالْوُضُوءِ فِيهِمَا، وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ النَّجِسَةِ لَمْ يَجُزْ كَالْمَسْحِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَصِحُّ غَسْلُهَا عَنْ الْحَدَثِ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَتَقَدَّمَ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَيَجِبُ أَيْضًا تَقْدِيمُ إزَالَةِ نَجِسٍ بِبَاقِي الْبَدَنِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ.
وَلَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ.
وَيَصِحُّ تَيَمُّمُ الْعُرْيَانِ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى السُّتْرَةِ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ كَتَيَمُّمِ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّحَّةِ مَعَ الْعُرْيِ بِأَنَّ السِّتْرَ أَخَفُّ
وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ.
أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بِهِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ،
ــ
[مغني المحتاج]
مِنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِهَا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ هَذَا، وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَصِحَّتِهِ قَبْلَ السِّتْرِ، وَيُفَارِقُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالتَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ لَا يَسْتَلْزِمُ اتِّحَادَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي التَّرْجِيحِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ التَّيَمُّمِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُهُ غَيْرُ الْحَدَثِ الْمُبْطِلِ لَهُ، وَقَدْ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ) تَيَمُّمُهُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ «التُّرَابُ كَافِيكَ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (1) وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ وَوُجُودِ ثَمَنِ الْمَاءِ عِنْدَ إمْكَانِ شِرَائِهِ كَوُجُودِ الْمَاءِ، وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ، وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا لِوُجُوبِ طَلَبِهِ بِخِلَافِ تَوَهُّمِهِ السُّتْرَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وِجْدَانِهَا بِالطَّلَبِ لِلْبُخْلِ بِهَا، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا الرِّدَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَمِنْ التَّوَهُّمِ رُؤْيَةُ سَرَابٍ وَهُوَ مَا يُرَى نِصْفَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ مَاءٌ أَوْ رُؤْيَةُ غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ أَوْ رُؤْيَةُ رَكْبٍ طَلَعَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْمَاءُ، فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ لِغَائِبٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعِلْمِهِ بِالْمَاءِ قَبْلَ الْمَانِعِ، أَوْ يَقُولُ عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وُجُودَ الْمَاءِ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي لِحَاضِرٍ مَاءٌ وَجَبَ طَلَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ مَاءٌ وَلَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ غَيْبَتَهُ وَلَا حُضُورَهُ وَجَبَ السُّؤَالُ عَنْهُ أَيْ وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الطَّلَبِ يُبْطِلُهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ وَرَدَ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعَرَّضَ لَهُ وَجَزَمَ بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَوُجُودُ مَا ذُكِرَ قَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا.
فَإِنْ قُلْت: هَلَّا كَانَ وُجُودُ الْمَاءِ كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَكَحَيْضِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْأَشْهُرَ مَقْصُودَانِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. أَمَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا فَلَا بُطْلَانَ بِتَوَهُّمٍ أَوْ شَكٍّ أَوْ ظَنٍّ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ التَّيَقُّنِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لِفَقْدِ مَاءٍ عَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَلَا أَثَرَ لِوُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمُهُ (إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ) يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ (كَعَطَشٍ) وَسَبُعٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ، وَالْحَالَةَ هَذِهِ كَالْعَدَمِ.
(أَوْ) إنْ وَجَدَهُ (فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ) أَيْ لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ صَلَّى فِي مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) إذْ لَا فَائِدَةَ بِالِاشْتِغَالِ بِهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَيُعِيدُهَا، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فَالْخِلَافُ كَمَا فِي
وَإِنْ أَسْقَطَهَا فَلَا، وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ.
ــ
[مغني المحتاج]
الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ، فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجْهُ الْبُطْلَانِ لِلتَّيَمُّمِ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهَا بُطْلَانُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي بُطْلَانِهِ لَا فِي بُطْلَانِهَا (وَإِنْ أَسْقَطَهَا) أَيْ أَسْقَطَ التَّيَمُّمُ قَضَاءَهَا (فَلَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ فَكَانَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا. لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ كَالْمُصَلِّي بِالْخُفِّ يَتَخَرَّقُ فِيهَا، إذْ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُهَا مَعَ تَخَرُّقِهِ بِحَالٍ وَلِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ، وَلَا كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَتَحِيضُ فِيهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فِيهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَظُهْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَالنَّفَلِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ (وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ) لِقُصُورِ حُرْمَتِهِ عَنْ حُرْمَةِ الْفَرْضِ، إذْ الْفَرْضُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ بِخِلَافِ النَّفْلِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، كَمَا لَوْ قَلَّدَ الْأَعْمَى غَيْرَهُ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَبْصَرَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ مَعَ أَنَّ الضَّرُورَةَ زَالَتْ فِيهِمَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا قَدْ فَرَغَ مِنْ الْبَدَلِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُقَلِّدٌ، وَلَوْ رَأَى الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاصِرٌ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأُولَى وَلِحُدُوثِ مَا لَمْ يَسْتَبِحْهُ فِيهَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْدَفَعَ بِتَصْوِيرِ الْأُولَى بِالْقَصْرِ كَالثَّانِيَةِ مَا اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، أَوْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ عَدَمُهُ فَلَا وَإِنْ نَوَاهَا فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَاتَانِ الصُّورَتَانِ وَارِدَتَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ شَرَعَ فِيهِمَا فِي مَحَلٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِيهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَسْقَطَهَا أَخْرَجَ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ صَارَتْ مِمَّا لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ، وَخَرَجَ بِعِنْدَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مَا لَوْ تَأَخَّرَتْ رُؤْيَتُهُ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ الْإِتْمَامِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَارَنَتْ الرُّؤْيَةُ الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ هَلْ هِيَ كَالْمُتَقَدِّمَةِ فَتَضُرُّ أَوْ كَالْمُتَأَخِّرَةِ فَلَا تَضُرُّ؟ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِعِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَمَا عَبَّرْت بِهِ تَبَعًا لِابْنِ الْمُقْرِي الْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَمُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِبَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ الْمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ، وَشِفَاءِ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِهِ فِي الصَّلَاةِ: كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِيهَا فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ مِمَّا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَأَنْ تَيَمَّمَ وَقَدْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَى حَدَثٍ بَطَلَتْ (وَالْأَصَحُّ إنْ قَطَعَهَا) أَيْ الْفَرِيضَةَ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ (لِيَتَوَضَّأَ) وَيُصَلِّيَ بَدَلَهَا (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهَا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا إلَّا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَالَ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33][مُحَمَّدُ] وَقِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْلِبَ فَرْضَهُ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. أَمَّا النَّفَلُ فَقَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ جَزْمًا.
وَأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ إلَّا مَنْ نَوَى عَدَدًا فَيُتِمُّهُ.
وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
1 -
فُرُوعٌ: لَوْ يُمِّمَ مَيِّتٌ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَمْ بَعْدَهَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ وَمَا قَالَهُ مَحَلُّهُ فِي الْحَضَرِ. أَمَّا فِي السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَيِّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي تَلْقِينِهِ، لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْوِجْدَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَغَيْرِهَا وَأَنَّ تَيَمُّمَ الْمَيِّتِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ.
وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِسَلَامِهِ مِنْهَا، وَإِنْ عَلِمَ تَلَفَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَكَانَ مُقْتَضَاهُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَكِنْ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا، وَيُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ
، وَلَوْ رَأَتْ حَائِضٌ تَيَمَّمَتْ لِفَقْدِ الْمَاءِ - الْمَاءَ وَهُوَ يُجَامِعُهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَوَجَبَ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِبُطْلَانِ طُهْرِهَا، وَلَوْ رَآهُ هُوَ دُونَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِبَقَاءِ طُهْرِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ وُجُوبِ النَّزْعِ.
وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةٍ قَدْ تَيَمَّمَ لَهَا بَطَلَ تَيَمُّمَهُ بِالرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ أَنَوَى قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ أَمْ لَا لِبُعْدِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ) الْوَاجِدَ لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ قَدْرًا (لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ) بَلْ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ فِي النَّفْلِ. هَذَا إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلثَّالِثَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَإِلَّا أَتَمَّ مَا هُوَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ كَمَا لَهُ تَطْوِيلُ الْأَرْكَانِ، وَقِيلَ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَمْلَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا (إلَّا مَنْ نَوَى) شَيْئًا (عَدَدًا) أَوْ رَكْعَةً (فَيُتِمُّهُ) لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ الْمُقَدَّرَةَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَافْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهَا إلَى قَصْدٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْته لِيَشْمَلَ الرَّكْعَةَ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْدَأُ الْعَدَدِ، وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ. قَالَ الْفُورَانِيُّ: إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَكَالصَّلَاةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ فَقَالَ (وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6][الْمَائِدَةُ] وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ ".
وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً، وَمِثْلُ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ فَرْضُ الطَّوَافِ، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَ طَوَافَيْنِ مَفْرُوضَيْنِ وَبَيْنَ طَوَافِ فَرْضٍ وَفَرْضِ صَلَاةٍ، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا عَلَى مَا رَجَّحَاهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ أُلْحِقَتْ بِفَرْضِ الْعَيْنِ، إذْ قِيلَ إنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَمَعَ بَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ بِتَيَمُّمٍ، وَهُمَا فَرْضَانِ؟ . .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَفْعَلُ بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ كَانَ أَوْلَى لِيَعُمَّ الطَّوَافَيْنِ وَالطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالصَّبِيُّ لَا يُؤَدِّي بِتَيَمُّمِهِ غَيْرَ فَرْضٍ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ كَالْفَرْضِ فِي النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يُصَلِّ بِهِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ كَمَا صَحَّحَهُ
وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ، وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ
ــ
[مغني المحتاج]
فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جُعِلَ كَالْبَالِغِ فِي أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِتَيَمُّمٍ فَرْضَيْنِ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ إذَا بَلَغَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرْضِ الثَّانِي وَيَتَيَمَّمُ إذَا بَلَغَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاطِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ تَمْكِينُ الْحَائِضِ مِنْ الْوَطْءِ مِرَارًا، وَجَمْعُهَا بَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ، وَقَوْلُ الدَّمِيرِيِّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمُتَيَمِّمُ لِلْجَنَابَةِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ إذَا تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ فَرَائِضَ ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمِصْبَاحِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ مَانِعَةٌ (وَيَتَنَفَّلُ) مَعَ الْفَرِيضَةِ وَبِدُونِهَا بِتَيَمُّمٍ (مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَيُؤَدِّي إيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا إلَى التَّرْكِ أَوْ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ فَخُفِّفَ فِي أَمْرِهَا كَمَا خُفِّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ، وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ صَلَاةٍ دَخَلَ فِيهَا فَلَهُ جَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا جَمَاعَةً بِهِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَاهَا فِي الْوَقْتِ وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا كَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بِتَيَمُّمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَالْمَنْسِيَّةِ مِنْ خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهَا بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِمَا ذُكِرَ (وَالنَّذْرُ) بِالْمُعْجَمَةِ (كَفَرْضٍ) عَيْنِيٍّ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَى النَّاذِرِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ مَعَ فَرْضٍ آخَرَ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِعَارِضٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ فَلَهُ مَا ذُكِرَ، وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَى ذِي حَدَثٍ أَكْبَرَ تَعَلُّمُ فَاتِحَةٍ أَوْ حَمْلُ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: كَحَائِضٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، وَأَرَادَ الزَّوْجُ وَطَأْهَا وَتَيَمَّمَ مَنْ ذُكِرَ لِفَرِيضَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ مَعَهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ كَالْمَنْذُورِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ) أَوْ جِنَازَتَيْنِ أَوْ جِنَازَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى (مَعَ فَرْضٍ) بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، فَهِيَ كَالنَّفْلِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ قِوَامُهَا لِعَدَمِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا فَتَرْكُهُ يَمْحَقُ صُورَتَهَا، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ، وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَحَّتْ كَالنَّفْلِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَا كَالْفَرْضِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ مُرَادُهُ إذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ ذَلِكَ الْفَرْضَ وَيُصَلِّيَ مَعَهُ أَيْضًا عَلَى جَنَائِزَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجِنَازَةَ لِأَنَّهَا كَالنَّفْلِ كَمَا مَرَّ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَصَّلَ تَفْصِيلًا غَرِيبًا فَقَالَ: صَلَاةُ الْجِنَازَةِ رُتْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ: أَيْ فَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ الْجِنَازَةَ وَبِتَيَمُّمِ الْجِنَازَةِ النَّافِلَةَ وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ الْجِنَازَةَ وَلَا بِتَيَمُّمِ الْجِنَازَةِ الْفَرِيضَةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ صَحِيحٌ فِي الْبَاقِي.
(وَ) الْأَصَحُّ
وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ.
وَإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا وَلَاءً، وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، وَإِذَا أَرَادَ صَلَاتَهُنَّ بِالتَّيَمُّمِ (كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِنَّ وَاحِدَةٌ وَالْبَاقِي وَسِيلَةٌ، وَلَوْ قَدَّمَ لَهُنَّ عَلَى تَيَمُّمٍ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ إذَا نَوَى بِهِ الْخَمْسَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لِلْمَنْسِيَّةِ وَيُصَلِّي بِهِ الْخَمْسَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِقَ لَهُنَّ بِتَيَمُّمٍ، فَإِنْ عُلِّقَ بِكَفَاهُ وَهُوَ أَوْلَى زَالَ التَّوَهُّمَ، وَالثَّانِي: يَجِبُ خَمْسُ تَيَمُّمَاتٍ لِوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَلَوْ تَرَدَّدَ هَلْ تَرَكَ طَوَافَ فَرْضٍ أَوْ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ صَلَّى الْخَمْسَ وَطَافَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ أَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْجَمِيعِ، وَأَغْرَبَ الْمُزَنِيّ فَقَالَ: يَنْوِي الْفَائِتَةَ وَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْأَخِيرَةِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آتِيًا بِمَا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ وَيُعْذَرُ فِي زِيَادَةِ الْقُعُودِ وَتَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اهـ.
وَإِنَّمَا قَالَ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةٌ، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ نَسِيَ) مِنْهُنَّ صَلَاتَيْنِ وَعَلِمَ كَوْنَهُمَا (مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَصُبْحٍ وَظُهْرٍ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ شَاءَ (صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ) مِنْهُنَّ (بِتَيَمُّمٍ) فَيُصَلِّي الْخَمْسَ بِخَمْسِ تَيَمُّمَاتٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ (وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ) مِنْ التَّيَمُّمَيْنِ (أَرْبَعًا) وَقَوْلُهُ (وَلَاءً) كَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ مِثَالٌ لَا شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ (وَبِالثَّانِي) مِنْ التَّيَمُّمَيْنِ (أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا) شَرْطٌ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ. إمَّا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ أَوْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمِ. أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَأَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَلَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءَ وَوَاحِدَةً غَيْرَ الصُّبْحِ، فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ دُونَ الْعِشَاءِ، وَبِالثَّانِي لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَاسْتَحْسَنَهَا الْأَصْحَابُ وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَا زَادَ مِنْ الْمَنْسِيِّ، وَفِي ضَبْطِهَا ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ. الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ تَيَمُّمٍ عَدَدًا غَيْرَ الْمَنْسِيِّ وَزِيَادَةَ صَلَاةٍ. وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَنْسِيِّ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّ ثِنْتَانِ وَيَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةً وَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ أَرْبَعًا. الثَّانِيَةُ: مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ فِي الْمَنْسِيِّ فِيهِ، وَتَزِيدَ عَلَى الْحَاصِلِ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ ثُمَّ تَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ فِي نَفْسِهِ وَتُسْقِطَ الْحَاصِلَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَالْبَاقِي عَدَدُ الصَّلَوَاتِ، وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنْ تَضْرِبَ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ يَحْصُل عَشْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ اثْنَيْنِ ثُمَّ تَضْرِبَهُمَا فِيهِمَا يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ تُسْقِطُهَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ. الثَّالِثَةُ: مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَتَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ عَدَدًا لَا يَنْقُصُ عَمَّا يَبْقَى مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَيَنْقَسِمُ
أَوْ مُتَّفِقَتَيْنِ صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ
وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
صَحِيحًا عَلَى الْمَنْسِيِّ، وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَنْسِيَّ صَلَاتَانِ، وَالْمَنْسِيَّ فِيهِ خَمْسٌ تَزِيدُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَمَّا يَبْقَى مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الِاثْنَيْنِ بَلْ تُسَاوِيهِ، وَعَلَى الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتْرُكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا بَدَأَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ قَبْلَهَا كَمَا عُرِفَ.
(أَوْ) نَسِيَ صَلَاتَيْنِ وَعَلِمَ كَوْنَهُمَا (مُتَّفِقَتَيْنِ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا كَظُهْرَيْنِ (صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ) فَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَلَا يَكُونَانِ ذَلِكَ إلَّا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ لَا بُدّ مِنْ عَشْرِ تَيَمُّمَاتٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ اتِّفَاقَهُمَا وَلَا اخْتِلَافَهُمَا أَخَذَ بِالِاتِّفَاقِ احْتِيَاطًا وَلَا يَكْفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ صُبْحَانِ أَوْ عِشَاءَانِ، وَقِسْ مَا زَادَ مِنْ الْمَنْسِيِّ عَلَى صَلَاتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ: ثَانِيهِمَا: تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا لَوْ ظَنَّ حَدَثًا فَتَوَضَّأَ لَهُ ثُمَّ تَيَقَّنَهُ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
(وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِ فِعْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6][الْمَائِدَةُ] الْآيَةَ، وَالْقِيَامُ إلَيْهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، خَرَجَ الْوُضُوءُ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَلَا تُبَاحُ إلَّا عِنْدَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ قَبْلَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَضْرُورٍ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِدُخُولِهِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، فَلَوْ تَيَمَّمَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَخْذُ التُّرَابِ الْمَقْرُونِ بِالنِّيَّةِ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا، فَلَوْ أَخَذَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْفَرْضِ الْفَائِتَةَ وَوَقْتَهَا بِالتَّذَكُّرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ صَلَّى بِهِ حَاضِرَةً أَوْ عَكْسَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ صَحَّ لِمَا قَصَدَهُ فَصَحَّ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ غَيْرَهُ. وَالْمَنْذُورَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالْجِنَازَةُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْقِضَاءِ طُهْرِ الْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ وَإِنْ لَمْ يُكَفَّنْ، لَكِنْ يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَ التَّكْفِينِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِمَا مَرَّ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْتِ مَا تُجْمَعُ فِيهِ الثَّانِيَةُ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى، فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا صَحَّ، فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بَطَلَ الْجَمْعُ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَبَطَلَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ، بَلْ كَلَامُهُ يَقْتَضِي بَقَاءَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً غَيْرَهَا وَنَافِلَةً صَحَّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْأَوْلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا صَحَّ تَبَعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ بِانْحِلَالِ رَابِطَةِ الْجَمْعِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ غَيْرَ مَا نَوَاهُ دُونَ مَا نَوَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَكِنْ بَطَلَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ مَثَلًا أَنَّهُ يَبْطُلُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ مُرِيدُ تَأَخُّرِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ صَحَّ، أَوْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِلْعَصْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَدْخُلْ، وَلَوْ نَوَى
وَكَذَا النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ فِي الْأَصَحِّ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ. وَيُعِيدَ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَقْصُورَةً ثُمَّ أَرَادَ تَامَّةً أَوْ نَوَى الصُّبْحَ ثُمَّ أَرَادَ الظُّهْرَ مَثَلًا جَازَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِمُؤَدَّاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَصَلَّاهَا بِهِ فِي آخِرِهِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ، وَلَوْ تَيَمَّمَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِلْجُمُعَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الْخُطْبَةِ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ السَّتْرِ وَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الصِّحَّةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ الْخَطِيبُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً لَا لِكَوْنِ زَوَالِهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا عَنْ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ.
(وَكَذَا النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ) كَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْفَرْضِ، وَأَوْقَاتُ النَّفَلِ الْمُؤَقَّتِ مَعْرُوفَةٌ فِي أَبْوَابِهَا، وَوَقْتُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إنْ صُلِّيَتْ جَمَاعَةً فَوَقْتُهَا بِالِاجْتِمَاعِ وَإِلَّا فَمَنْ أَرَادَ صَلَاتَهَا تَيَمَّمَ لَهَا عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهَا، وَوَقْتُ التَّحِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ، وَلِهَذَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوَافِلَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي قُوَّةَ الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ طَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالْمَنْعِ، فَقَالَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ وَجْهَانِ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُؤَقَّتِ عَنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا مَتَى شَاءَ إلَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لَهَا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَ فِي وَقْتِهَا، فَلَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِيُصَلِّيَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ، وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ أَيُّ وَقْتٍ شَاءَ فَهُوَ وَقْتُ الْمُطْلَقَةُ، فَسَاوَتْ الْمُؤَقَّتَةَ إذْ لَمْ يَتَيَمَّمْ أَيْضًا إلَّا فِي وَقْتِهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، فَقَالَ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا) بِأَنْ فَقَدَهُمَا حِسًّا كَأَنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ شَرْعًا كَأَنْ وَجَدَ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِنَحْوِ عَطَشٍ؛ أَوْ وَجَدَ تُرَابًا نَدِيًّا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْفِيفِهِ بِنَحْوِ نَارٍ (لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) الْمُؤَدِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا رَجَا أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ حَتَّى يُضَيِّقَ الْوَقْتُ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ وَلَوْ سَبَقَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيُعِيدُ) إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُذْرَ نَادِرٌ وَلَا دَوَامَ لَهُ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يُعِيدُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ بِهِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ فِي نُكَتِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَى أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التُّرَابِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يُغْنِي التَّيَمُّمُ فِيهِ عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي الشِّقِّ
وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ لَا الْمُسَافِرُ إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43][الْمَائِدَةَ] وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ.
قَالَ فِي الْعُبَابِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ عَلَى نَحْوِ الصَّخْرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يُجَوِّزُهُ أَيْ التَّيَمُّمَ، ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ إنْ سَقَطَ فَرْضُهُ بِهِ. وَمَنْ فَوَّتَ صَلَاةً عَمْدًا وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا حِينَئِذٍ لِلتَّسَلْسُلِ اهـ.
وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا: تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ.
ثَانِيهَا: يُنْدَبُ لَهُ الْفِعْلُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ.
ثَالِثُهَا: يُنْدَبُ لَهُ الْفِعْلُ وَلَا إعَادَةَ.
رَابِعُهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، فَفِي مُسْلِمٍ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطَّهَارَةِ، فَأَشْبَهَ الْحَائِضَ، وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا شَيْئًا مِمَّا مَرَّ فِي مُبِيحَاتِ التَّيَمُّمِ أَوْ حُبِسَ عَلَيْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُومِئَ بِالسُّجُودِ فِيمَا إذَا حُبِسَ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ سَجَدَ لَسَجَدَ عَلَيْهَا بِأَنْ يَنْحَنِيَ لَهُ بِحَيْثُ لَوْ زَادَ لَأَصَابَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَضْعَ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ: وَهُمْ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا، وَمَنْ حُبِسَ عَلَيْهَا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ فَقَطْ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يُصَلُّونَ النَّافِلَةَ، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ فِي أَنَّهَا تُؤَدَّى مَعَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُصَلُّونَهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَقَلَهُ فِي بَابِهَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ.
قَالَ فِي الْعُبَابِ: قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَلَا يَتَنَفَّلُ الْعَارِي وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ. وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ هَؤُلَاءِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ مَنْعُهُمْ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ، وَلَا يَقْرَأُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَيُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهَا أَيْضًا عِنْدَ الرَّافِعِيِّ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَضَاءُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِعَادَةَ حَقِيقَةٌ: مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ. وَالْقَضَاءُ: مَا وَقَعَ خَارِجَهُ، وَهَذِهِ لَا تُعَادُ فِي الْوَقْتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا عِنْدَ ضِيقِهِ.
(وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ) وُجُوبًا (لِفَقْدِ الْمَاءِ) لِنُدُورِ الْفَقْدِ وَعَدَمِ دَوَامِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْدُورِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ هَلْ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْكَافِي الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (لَا الْمُسَافِرُ) الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِهِ وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ الْفَقْدِ فِيهِ (إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ، وَمَنْ سَافَرَ لِيُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَيَقْضِي (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَارَ
وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ.
أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَزِيمَةً، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: لَا يَسْتَبِيحُ التَّيَمُّمَ أَصْلًا، وَيُقَالُ: إنْ تُبْتَ اسْتَبَحْتَ وَإِلَّا أَثِمْتَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ فَيَقْضِي، وَالْجُمُعَةُ لَا تُقْضَى فَيُصَلِّيهَا وَيَقْضِي الظُّهْرَ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَدَمِهِ فِي السَّفَرِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً وَعَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ: أَيْ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ، فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا قَضَاءَ.
فَائِدَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَصَلَّى فِي آخَرَ يَنْدُرُ فِيهِ أَوْ عَكْسُهُ: هَلْ الْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ الصَّلَاةِ أَوْ التَّيَمُّمِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَانِي شَيْخِي بِالْأَوَّلِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِعِبَارَاتِ كُتُبٍ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَطُولُ الْكَلَامُ بِذَكَرِهَا، فَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ.
(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ) فِي السَّفَرِ وَصَلَّى بِهِ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْبَرْدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا نَادِرًا فَالْعَجْزُ عَمَّا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ وَعَنْ ثِيَابٍ يَتَدَفَّأُ بِهَا نَادِرٌ لَا يَدُومُ إذَا وَقَعَ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ، وَبِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، وَيُوَافِقُهُ الْمُخْتَارُ الْمَارُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ؛؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانٍ. أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ الْمُقِيمُ لِلْبَرْدِ فَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْجُمْهُورَ قَطَعُوا بِهِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ.
(أَوْ) تَيَمَّمَ (لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (أَوْ) يَمْنَعُهُ (فِي عُضْوٍ) مِنْ أَعْضَائِهَا (وَلَا سَاتِرَ) عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنْ لُصُوقٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَلَا) قَضَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَاضِرًا أَمْ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ عَامٌّ تَشُقُّ مَعَهُ الْإِعَادَةُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78][الْحَجُّ] ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ) بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَيَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ، فَيُصَلِّي مَعَهُ وَيَقْضِي لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ فِيمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إزَالَتِهِ بِمَاءٍ مُسَخَّنٍ وَنَحْوِهِ نَادِرٌ لَا يَدُومُ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ كَثِيرٍ.
وَقَالَ فِي الدَّقَائِقِ: لَا بُدَّ مِنْهَا. قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ فِي مُرَادِ الرَّافِعِيِّ لِلْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ فِي مَحَلِّهِ، وَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُنْتَقِلِ عَنْ مَحِلِّهِ. وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ الْعَفْوَ عَنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا لَمْ يُعْفَ عَنْ الْكَثِيرِ هُنَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ الدَّمُ الْكَثِيرُ كَمَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِنْجَاءِ عَنْهُ بِخِلَافِ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى كَثِيرٍ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْأَصَحَّ عَدَمَ الْعَفْوِ أَخْذًا مِمَّا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ ثُمَّ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ خِلَافًا لِمَا
وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ نَزْعُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ.
ــ
[مغني المحتاج]
صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ اهـ. .
وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوْجَهُ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ مَحِلِّ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتُرِزَ عَنْ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ وَكَانَ كَثِيفًا يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحِلِّ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ الْقَضَاءُ لَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ بَلْ لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ.
(وَإِنْ كَانَ) بِالْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا (سَاتِرٌ) كَجَبِيرَةٍ (لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَضَعَ) السَّاتِرَ (عَلَى طُهْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ لِلضَّرُورَةِ هُنَا. وَالثَّانِي: يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ دَائِمٍ. هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَبِيرَةُ عَلَى مَحِلِّ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِلَا خِلَافٍ لِنَقْصِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ جَمِيعًا وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ اهـ.
وَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْجَهُ لِمَا ذُكِرَ (فَإِنْ وُضِعَ) السَّاتِرُ (عَلَى حَدَثٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ أَمْ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (وَجَبَ نَزْعُهُ) إنْ أَمْكَنَ بِلَا ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى سَاتِرٍ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْوَضْعُ عَلَى طُهْرٍ كَالْخُفِّ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ طَهَارَةُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَقَطْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَالْخُفِّ، إذْ الْمُشَبَّهُ قَدْ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْجَبِيرَةَ وُضِعَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهَا بِالْمَسْحِ، وَإِذَا نَزَعَ إحْدَى الْجَبِيرَتَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يُوهِمُ تَخْصِيصُ وُجُوبِ النَّزْعِ بِالْوَضْعِ عَلَى حَدَثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ إذَا وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي نَزْعِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ نَزْعُهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ عِنْدَ تَعَذُّرِ النَّزْعِ فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) نَزْعُهُ وَمَسَحَ وَصَلَّى (قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ) لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ عَلَى طَهَارَةٍ، فَانْتَفَى تَشْبِيهُهُ حِينَئِذٍ بِالْخُفِّ. وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِلْعُذْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْجَدِيدِ. أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَلَا قَضَاءَ كَمَا سَبَقَ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِالْقَضَاءِ.
قَالَ الشَّارِحُ: لَكِنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالْمَشْهُورِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفٍ عَنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ بِأَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ: أَيْ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ فِي اصْطِلَاحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُقَابِلَهُ ضَعِيفٌ، فَيُغْنِي ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَغْنِ بِذَلِكَ فِي إفَادَةِ كَوْنِ الْخِلَافِ طَرِيقَيْنِ، فَالِاعْتِذَارُ بِمَا ذُكِرَ ضَعِيفٌ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الْأَصْغَرُ لَا الْأَكْبَرُ، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ بِلَا مَانِعٍ، فَلَوْ وَجَدَ خَابِيَةَ مَاءٍ مُسْبَلٍ تَيَمَّمَ، وَلَا يَجُوزُ الطُّهْرُ مِنْهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا وُضِعَتْ لِلشُّرْبِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْبَلٌ لِلشُّرْبِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَلَمْ يَقْضِ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَصَلَّى بِهِ، وَلَوْ غَسَلَ نَحْوُ جُنُبٍ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ فَقَدْ الْمَاءَ وَأَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ وَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ كَافِيًا لِرِجْلَيْهِ فَقَطْ تَعَيَّنَ لَهُمَا وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِتَمَامِ غُسْلِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ كَافِيَهُمَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ الْأَوَّلُ وَلِلرَّجُلِ جِمَاعُ