الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَقَالَةُ الْتَّعْطِيْلِ
تأليف الدكتور: مُحَمَّد بْنُ خَلِيْفَة الْتَّمِيْمِيّ
ال
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ} الآية 102 من سورة آل عمران {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} الآية 1 من سورة النساء {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} الآيتان 71 - 72 من سورة الأحزاب.
أما بعد:
فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الباطل يسعون قديماً وحديثاً لطمس نور الحق الذي أنزله الله لعباده، ولكن الله عز وجل حفظ هذا النور لتقوم الحجة على العباد
وقد قال عز من قائل {وَمَنْ أَظْلَم مِمّن افْتَرَىْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُو يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظّالمِين يُرِيْدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِم وَاللهُ مُتمّ نُورِه وَلَو كَرِه الكَافِرُون هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ} الآيات 7-8-9 من سورة الصف.
فهذه الآيات جسدت حقيقة الصراع القائم وأوضحت وكشفت بجلاء عن محاولات أهل الباطل لصد الناس عن الحق وسعيهم الحثيث في إطفاء نوره.
ومن بين حلقات الصراع الدائر بين أهل الحق وخصومهم ما يتعلق بأهم مسائل الدين وقضاياه ألا وهي مسألة الإيمان بالله عز وجل.
فقد سعى أعداء هذا الدين من اليهود والمجوس والمشركين في طمس الحقائق الشرعية التي وردت بها النصوص، وأخذ ذلك السعي أنماطاً مختلفة ومن بين تلك الأنماط والأشكال ما يسمى عند أهل العلم بمقالة التعطيل التي أخذ أصحابها الأوائل1 على عاتقهم الكيد والدس والكذب والافتراء على الله في هذا الأصل العظيم من أصول هذا الدين، وقصدهم في ذلك حجب العباد عن المعرفة الصحيحة بالله عز وجل التي جاءت بها نصوص الوحي.
وتعد مقالة التعطيل من أكثر المقالات خطورة نظراً لأبعادها الخطيرة التي تشكلها على الإسلام وأهله:
فالبعد الأول الذي يدلل على خطورة هذه المقالة كونها تمس أعظم جوانب هذا الدين وأكبر مسائله ألا وهو الإيمان بالله عز وجل الذي هو أول أركان الإيمان وأعظم مبانيه.
فأصحاب هذه المقالة الأوائل سعوا في صد الناس عن هذا الدين من طريق الوقوف على
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثم أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل للصفات- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين
…
) ، انظر الفتوى الحموية الكبرى ص46-47.
بابه الذي يدخل منه، ذلك لأن من عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل. فأرادوا بتعطيلهم لأسماء الله وصفاته قطع الطريق من أوله.
ولله در سليمان التيمي (143هـ) إذ قال: "ليس قوم أشد نقضاً للإسلام من الجهمية والقدرية، وأما الجهمية فقد بارزوا الله؛ وأما القدرية فقد قالوا في الله عز وجل"1
وأما البعد الثاني في خطورة هذه المقالة فهو كونها أول مقالة تعارض الوحي بالعقل، فلم تكن المقالات السابقة لهذه المقالة تطعن في الدين من هذا الجانب، فالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة عند ظهورهم لم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم للنصوص والاستبداد بما ظهر لهم منها دون من قبلهم، فكانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، ولا يدعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص.
فأصحاب مقالة التعطيل هم الذين فتحوا هذا الباب العظيم من أبواب الشر إذ طعنوا في نصوص الوحي وقدموا شبههم العقلية عليها.
وأما البعد الثالث لهذه المقالة فهو ما أفرزته هذه المقالة من الفرق والآراء المنحرفة، فقد تولد عن هذه المقالة أنماط مختلفة وطروحات غريبة عن جوهر الإسلام وصفائه.
وضربت هذه المقالة أطنابها في الفكر الإسلامي، ولا يتصور مدى الضرر الذي الحقته بحياة المسلمين وعقيدتهم.
1- السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/104،105 رقم (8) .
فالتيار الفلسفي والكلامي بتفرعاته ومدارسه وطوائفه إنما هو نتاج هذه المقالة الخبيثة التي تولى كبر إظهارها شيخ المعطلة النفاة الجعد بن درهم، وتبعه في ذلك تلميذه الجهم بن صفوان ثم توالت طوائف الباطل تذكى نار هذه المقالة وتنفث من خلالها سمومها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه.
ونظراً لهذه الأبعاد الخطيرة لهذه المقالة، فقد أحببت أن أطلع القارئ الكريم من خلال هذا الطرح العلمي على مضامين هذه المقالة وبدء ظهورها والنشأة التاريخية والأطوار التي مرت بها، وكذا التعريف بطوائفها ومسالكها، مع تسليط الضوء على أول من أظهرها وبذرها.
فهذه الجوانب لم تنل حظها وحقها من الدراسة مع كونها جديرة بالعناية والإهتمام لأنها تمد الدارس لباب الأسماء والصفات وتزوده بمعلومات مهمة عن هذه المسألة وبالأخص في جانبيها التاريخي والمقالي بالإضافة إلى كونها تساعده في فهم وتصور جوانب الخلاف العقدي الدائر في هذه القضية.
وقد سرت في عرضي لجوانب هذه الدراسة وفق الترتيب التالي:
قسمت الموضوع إلى بابين:
الباب الأول: التعريف بالتعطيل وأطواره
وفيه فصلان
الفصل الأول: تعريف التعطيل ودرجاته.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف التعطيل وأنواعه.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التعطيل
المطلب الثاني: أنواع التعطيل.
المبحث الثاني: درجات التعطيل.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً.
المطلب الثاني: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى.
المطلب الثالث: درجات التعطيل في باب صفات الله العلى.
الفصل الثاني: أطوار مقالة التعطيل.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المقالات السابقة لمقالة التعطيل.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: مقالة الخوارج.
المطلب الثاني: مقالة الشيعة.
المطلب الثالث: مقالة القدرية.
المطلب الرابع: مقالة المعتزلة.
المطلب الخامس: مقالة المرجئة.
المبحث الثاني: نشأة التعطيل وأطواره.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: خطورة مقالة التعطيل.
المطلب الثاني: مراحل التعطيل الأولى.
المطلب الثالث: مراحل اتساع دائرة التعطيل.
الباب الثاني: الجعد بن درهم
وفيه فصلان:
الفصل الأول: تاريخ الجعد بن درهم.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: نسبه ونشأته.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: اسمه ونسبه.
المطلب الثاني: أصول الجعد.
المطلب الثالث: مولده وموطنه.
المبحث الثاني: بدء ظهوره وقصة قتله.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: بدء ظهور مقالة الجعد.
المطلب الثاني: مقتل الجعد.
المطلب الثالث: موقف خلفاء بني أمية من أهل البدع.
الفصل الثاني: بدع الجعد ومقالاته والرد على بعض الشبه والمغالطات التي تثار حوله.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: بدع الجعد ومقالته.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أقول العلماء فيه.
المطلب الثاني: بدعه ومقالاته.
المبحث الثاني: الردود على بعض الشبه والمغالطات التي أثيرت حول الجعد بن درهم.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المغالطة الأولى.
المطلب الثاني: المغالطة الثانية.
المطلب الثالث: المغالطة الثالثة.
وبعد: فقد بذلت قصارى جهدي وغاية وسعي في توضيح المسائل السالفة الذكر، وهناك جوانب أخرى للموضوع سوف استوفى الحديث عنها في دراسة أخرى بإذن الله تعالى.
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه وأن يجعله عملاً صالحاً ولوجهه خالصاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حرر في 25/رمضان/1417هـ
كتبه: د/محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية