الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أصول الجعد
هناك معلومة ذكرها ابن نباتة إن صحت فإن فيها إشارة إلى أصول الجعد العرقية التي يرجع إليها.
قال ابن نباتة: (ويروى أن أم مروان كانت أمة، وكان الجعد أخاها) 1 فهذه المعلومة إن ثبتت فإنها تفيد أن الجعد يرجع في نسبه إلى أصول كردية. لأن أم مروان بن محمد كانت أم ولد كردية كما ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين.
قال الطبري وابن الأثير في ترجمة مروان بن محمد: (وكانت أمه أم ولد كردية، كانت لإبراهيم ابن الأشتر أخذها محمد بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت مروان)
وقال ابن كثير: (وأمه أمة كردية يقال لها لبابة، وكانت لإبراهيم ابن الأشتر النخعي، أخذها محمد بن مروان يوم قتله، فاستولدها مروان هذا، ويقال إنها كانت لمصعب بن الزبير)
وقال البلاذري: (وأمه كردية أخذها أبوه من عسكر ابن الأشتر، فيقال إنه أخذها وبها حَبَل فولدت مروان على فراشه)
1- سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ص193.
2-
تار يخ الطبري 7/442، 443، الكامل 5/428.
3-
البداية 10/46، وانظر مروج الذهب 3/247.
4-
أنساب الأشراف 5/186.
وقال القلقشندي: (وأمه لبابة جارية إبراهيم بن الأشتر وكانت كردية)
ولكن ابن كثير يرى أن الجعد بن درهم يرجع إلى أصول فارسية حيث قال: "وأصله من خراسان2"3 دون أن يذكر اسم المدينة التي ينتسب إليها. ويدعم هذا الرأي حادثة وقعت للجعد انتصر فيها لفارسيته.
قال ابن الأثير: (وقيل إن الجعد كان زنديقاً4 وعظه ميمون بن مهران (117هـ) . فقال: "لشاة قباذ" أحب إلى مما تدين له) 5 فكلمة "شاة قباذ" كلمة فارسية فـ"شاة": معناها "ملك" و"قُباذ": ملك من ملوك الفرس6 وهو قباذ بن فيروز والد كسرى أنوشروان.
1- مآثر الإنافة في معالم الخلافة 1/162، ط: الكويت.
2-
خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق: أزاذوار، قصبة جوين، وبيهق. وآخر حدودها مما يلي الهند: طخارستان، وغزنة، وسجستان، وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها وتشمل على أمهات من البلاد منها: نيسابور، وهراة، ومرو، وبلخ، وطالقان، ونسا، وأبيورد، وسرخس وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون. ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها، ويعد ما رواء النهر منها وليس الأمر كذلك) معجم البلدان 2/409-415.
ويقع جزء كبير من خراسان اليوم في شمال غربي أفغانستان، والباقي موزع بين إيران من ناحية الجنوب الغربي، وتركمانستان وطاجكستان وأزبكستان.
3-
البداية 9/350.
4-
الزندقة: كلمة فارسية معربة، والزنادقة هم الثانوية ولحق بهم سائر من اعتقد القدم، وأبى حدوث العالم على رأسهم المانوبة) (مروج الذهب 1/251) .
5-
الكامل 5/429.
6-
قال الجواليقي في المُعْرَب (265) : و"قباذ" ملك من ملوك الفرس، اعجمي، وقد تكلمت به العرب قديماً. قال عدي بن زيد يذكر من هلك
سَلَبْنَ قُبَاذ رَبَّ فارِسَ مُلْكَهُوحَشَّتْ بِكَفَّيْهَا بَوَارِقُ آمِدِ
فمعنى كلامه للملك قباذ أحب إلى من دين الإسلام. وفي هذا انتصار واضح للمجوسية الفارسية.
وعلى كل حال فإن الرجل ثبتت أعجميته، وعلى القول بأن أصول الجعد فارسية، فإن ذلك يدعم مقولة ابن حزم التي يقول فيها: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى إنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم؛ فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق.... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام
…
) 1 وبلا شك أن الإسلام وأهله كانوا في تلك العصور في عزة ومنعة وتمكين، ولم يكن يجترئ كافر ولا منافق متعوذ بالإسلام من أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق أن يظهر ما في نفسه من الكفر وإنكار النبوة، فرقاً من السيف، وتخوفاً من الافتضاح. بل كانوا يتقلبون مع المسلمين بغم ويعيشون فيهم على رغم.2
ولو استقرينا أهل البدع لوجدنا أكثرهم من العجم فالجهم بن صفوان خليفة الجعد ووارث بدعته من العجم، وكذا غيلان الدمشقي وهو من أوائل من
1- الفصل 2/115،116، ولمن أراد الاستزادة فليطلع على كتاب "وجاء دور المجوس" للدكتور عبد الله محمد الغريب، وكتاب "بيان مذهب الباطنية وبطلانه" ص19 تأليف محمد بن الحسن الديلمي.
2-
الرد على الجهمية للدارمي ص6،7، «بتصرف»
تكلم في القدر كان من العجم، وكذا واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهم. وليس هذا غضاً من شأن العجم، ولكن أهل البدع منهم قد اجتمع فيهم الحقد على الإسلام وأهله، وجهلهم بهذا الدين ولغته التي نزل فيها، وقلة علمهم.
ومما يؤكد ذلك أن عمرو بن عبيد المعتزلي جاء إلى أبي عمرو بن العلاء يناظر في وجوب عذاب الفاسق، فقال له: يا أبا عمرو الله يخلف وعده؟ فقال: لن يخلف الله وعده، فقال عمرو: فقد قال، وذكر آية وعيد، فقال عمرو: من العجمة أتيت، الوعد غير الإيعاد ثم أنشد:
وإني وإن أوعدْتُه أو وعدْتُه
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي1
فأمثال هؤلاء لم يفهموا القرآن والسنة فهماً صحيحاً ولهذا لما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين: إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيما أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي فإذا كان كذلك اختلفوا....)
1- سير أعلام النبلاء 6/408،409، الاعتصام 2/299.
2-
الاعتصام 2/183.