المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: مقتل الجعد - مقالة التعطيل والجعد بن درهم

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: تعريف مقالة التعطيل وأطواره

- ‌الفصل الأول: التعريف بالتعطيل وأطواره

- ‌المبحث الأول: تعريف التعطيل وأنواعه

- ‌المطلب الأول: تعريف التعطيل

- ‌المطلب الثاني: أنواع التعطيل في توحيد الله

- ‌المبحث الثاني: درجات التعطيل

- ‌المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً

- ‌المطلب الثاني: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثالث: درجات التعطيل في باب صفات الله تعالى

- ‌الفصل الثاني: أطوار مقالة التعطيل

- ‌المبحث الأول: المقالات السابقة لمقالة التعطيل

- ‌المطلب الأول: مقالة الخوارج

- ‌المطلب الثاني: مقالة الشيعة

- ‌المطلب الثالث: مقالة القدرية

- ‌المطلب الرابع: مقالة المعتزلة

- ‌المطلب الخامس: مقالة المرجئة

- ‌المبحث الثاني: نشأة التعطيل وأطواره

- ‌المطلب الأول: خطورة مقالة التعطيل

- ‌المطلب الثاني: مراحل التعطيل الأولى

- ‌المطلب الثالث: مراحل اتساع دائرة التعطيل

- ‌الباب الثاني: الجعد بن درهم

- ‌الفصل الأول: تاريخ الجعد بن درهم

- ‌المبحث الأول: نسبه ونشأته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: أصول الجعد

- ‌المطلب الثالث: مولده وموطنه

- ‌المبحث الثاني: بدء ظهوره وقصة قتله

- ‌المطلب الأول: بدء ظهور مقالة الجعد

- ‌المطلب الثاني: مقتل الجعد

- ‌المطلب الثالث: مواقف خلفاء بني أمية من أهل البدع

- ‌الفصل الثاني: بدع الجعد ومقالاته والرد على بعض الشبه والمغالطات التي تثار حوله

- ‌المبحث الأول: بدع الجعد ومقالته

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء فيه

- ‌المطلب الثاني: بدعه ومقالته

- ‌المبحث الثاني: الردود على بعض الشبه والمغالطات التي أثيرت حول الجعد ابن درهم

- ‌المطلب الأول: المغالطة الأولى

- ‌المطلب الثاني: المغالطة الثانية

- ‌المطلب الثالث: المغالطة الثالثة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: مقتل الجعد

‌المطلب الثاني: مقتل الجعد

قتل الجعد بن درهم بالعراق في مدينة واسط في أوائل المائة الثانية على عهد علماء التابعين مثل الحسن البصري (ت110هـ) وغيره.1

"سبب قتله"

ويروى ابن الأثير سبب قتله فيقول: (وقيل: إن الجعد كان زنديقاً، وعظه ميمون بن مهران. فقال: لشاه قباذ2 أحب إلي مما تدين به. فقال له: قتلك الله، وهو قاتلك، وشهد عليه ميمون، وطلبه هشام فظفر به وسيره إلى خالد القسري فقتله)

فهذه الرواية التاريخية تظهر أن ميمون بن مهران (ت117هـ) -وهو أحد الأربعة الذين كانوا هم علماء الناس في زمن هشام بن عبد الملك4 وهم مكحول والحسن والزهري وميمون بن مهران5 - هو الذي رفع أمر الجعد لهشام وأعد الشهود الذين شهدوا على الجعد بالكفر.6

وفي هذا رد على زعم من زعم أن قتل الجعد كان بدافع سياسي من أمثال

1- مجموع الفتاوى 12/350.

2-

«لشاه قباذ» كلمة فارسية معناها الملك قباذ، قال الجواليقي:(وقُبَاذُ ملك من ملوك الفرس) وهو والد كسرى أنوشروان.

3-

الكامل لابن الأثير 5/429.

4-

تهذيب التهذيب 10/391.

5-

سير أعلام النبلاء 5/426.

6-

أنساب الأشراف للبلاذري 8/241.

ص: 154

"شارل بلاذا" في كتابه "الجاحظ" حيث قال: (وقد تكون هناك أسباب سياسية أو عداء شخصي بين هشام والجعد لا تشير إليه المصادر، وجعلت هشام بن عبد الملك يأمر بقتل الجعد)

وعلي سامي النشار حيث قال: (لا نستطيع أن نصدق أن قتله -أي الجعد- كان لآرائه الفكرية، بل يبدو أنه لسبب سياسي)

وهذا التشكيك لا مستند له إلا التخرصات والأوهام ولذلك لم يستطع أحد منهما أن يبرهن لذلك ويدلل عليه.

"تاريخ قتل الجعد"

حددت المصادر التاريخية وغيرها الساعة واليوم والشهر والبلد والمكان الذي قتل فيه الجعد والطريقة والأداة والذابح الذي ذبح الجعد.

فالساعة: هي صباح يوم عيد الأضحى بعد انتهاء الخطبة.

واليوم: هو اليوم العاشر.

والشهر: شهر ذي الحجة.

والبلد: هي واسط.

والمكان: أسفل المنبر.

والطريقة والأداة والذابح: ذبح بالسكين ذبحاً بيد خالد بن عبد الله القسري.

ولكن مع كل هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة، يبقى أن العام الذي قتل فيه

1- الجاحظ ص308، نقلا عن كتاب الجهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي ص53.

2-

نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/331.

ص: 155

الجعد لم يعرف بالتحديد، ولم أقف على من حدد وقت قتله إلا الهروي في ذم الكلام حيث قال:(فأما الجعد بن درهم فضحى به خالد ابن عبد الله القسري على رؤوس الخلائق وماله يومئذ نكير ذلك سنة نيف وعشرين ومائة)

ولكن هذه المعلومة غير صحيحة لأن عزل خالد بن عبد الله القسري عن إمارة العراق كان سنة عشرين ومائة. فكيف يكون قتل الجعد بعد العشرين ومائة؟ فخالد بن عبد الله القسري تولى إمارة العراق سنة ست ومائة وعزل في جمادى الأولى سنة عشرين ومائة2

والذهبي ذكر قتل الجعد في حوادث سنة عشرين ومائة3 ولكن هذا لا يتفق مع عزل خالد الذي كان في شهر جمادى الأولى من هذه السنة والقتل وقع في شهر ذي الحجة، ولكن ربما يحمل قول الذهبي على جبر الكسر، وعلى هذا فإن قتل الجعد يكون قد وقع قبل سنة عشرين ومائة، فالقتل وقع في أوائل المائة الثانية فيما بين سنة ست ومائة وسنة تسع عشرة ومائة. وهي مدة إمارة خالد القسري على العراق.

ولكن يمكن أن نستشف من عبارة شيخ الإسلام التي قال فيها: (فضحى بالجعد خالد بن عبد الله القسري بواسط على عهد علماء التابعين وغيرهم من علماء المسلمين، وهم بقايا التابعين في وقته مثل الحسن البصري وغيره الذين حمدوه على ما فعل وشكروا ذلك) 4 أن قتله كان قبل سنة (110هـ)

1- ذم الكلام ص305.

2-

الكامل 5/224، وسير أعلام النبلاء 5/426.

3-

تارخ الإسلام (حوادث ووفيات 101-120هـ (7/337-338) .

4-

مجموع الفتاوى 12/350.

ص: 156

فالحسن البصري مات سنة (110هـ) فإذا اعتمدنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية فإن الحادثة تكون قد وقعت ما بين (106هـ) و (110هـ) . ولكن يبقى التحديد الدقيق لسنة قتل الجعد غير معروف.

"سبب قتل الجعد"

وقد ضحى بالجعد خالد بن عبد الله القسري بواسط على عهد علماء التابعين وغيرهم من علماء المسلمين وهم بقايا التابعين في وقته مثل الحسن البصري وغيره، الذين حمدوه على ما فعل وشكروا ذلك.1

قال الدارمي: (أظهر الجعد بن درهم بعض رأيه في زمن خالد القسري، فزعم أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليما، فذبحه بواسط يوم الأضحى على رؤوس من حضره من المسلمين، لم يعبه به عائب، ولم يطعن عليه طاعن، بل استحسنوا ذلك من فعله وصوبوه.2

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولهذا لما ظهر هذا القول في أوائل الإسلام قُتل من أظهره، وهو الجعد بن درهم يوم الأضحى، فقتله خالد بن عبد الله القسري برضا علماء الإسلام)

وقال النديم في الفهرست: (وقَتَلَ الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته بعد أن طال حبسه في يد خالد بن عبد الله القسري. فيقال إن آل الجعد رفعوا قصته إلى هشام، يشكون ضعفهم وطول حبس الجعد، فقال

1- مجموع الفتاوى 12/350.

2-

الرد على الجهمية ص110، ط: المكتب الإسلامي.

3-

منهاج السنة ص165.

ص: 157

هشام: أهو حي بعد، وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى، وجعله بدلاً من الأضحية بعد أن قال ذلك على المنبر بأمر هشام.1

وقال ابن القيم: (فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين أولاً مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه، فلما اشتهر أمره في المسلمين طلبه خالد بن عبد الله القسري، وكان أميراً على العراق، حتى ظفر به، فخطب الناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: "أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر فكان ضحية. ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رمي بها والناس إذ ذاك عنق واحد)

وقال ابن العماد الحنبلي: (خطب خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم أضحى وكان ممن حضره الجعد بن درهم. فقال خالد في خطبته الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً وموسى كليماً. فقال الجعد وهو بجانب المنبر لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماً ولكن من وراء وراء3 فلما أكمل خالد خطبته قال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد

1- الفهرست ص401، ط: طهران.

2-

الصواعق المرسلة 3/1070-1072.

3-

(من وَرَاءَ وَرَاءَ) : قال ابن الأثير هكذا يروى مبيناً على الفتح: أي من خلف حجاب) النهاية 5/178.

ص: 158

بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا موسى كليماً في كلام طويل ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر. فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية)

وقال ابن عساكر: (وأما الجعد بن درهم فقتله خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالكوفة، وكان خالد والياً عليها، أتي به في الوثاق حتى صلى وخطب ثم قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني أريد أن أضحى اليوم بالجعد بن درهم، فإنه يقول ما كلم الله موسى تكليماً، ولا اتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً؛ ثم نزل وجز رأسه بيده بالسكين)

وقد أخرج البخاري في كتابه خلق أفعال العباد، وغيره، قال: حدثنا قتيبة حدثني القاسم بن محمد ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم أضحى وقال: ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد بن درهم. زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الجعد بن درهم ثم نزل فذبحه)

1- شذرات الذهب 1/169.

2-

مختصر تاريخ بن عساكر 6/50.

3-

انظر خلق أفعال العباد للبخاري ص7، والتاريخ الكبير للبخاري (1/1/64، 1/2/158 ت143-542) وعزاها ابن كثير في البداية (10/21) لابن أبي حاتم في السنة، والسنة للخلال (5/87، 88، رقم 1690) والرد على الجهمية للدارمي (ص7) ، والرد على بشر المريسي (118) ، والشريعة للآجري (97،328) ، والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد (54) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (2/319 رقم 512) والسنن الكبرى للبيهقي (10/205) والأسماء والصفات للبيهقي (325) وابن بطة في الإبانة، الكتاب الثالث الرد على الجهمية (2/120 رقم 386) وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/425) ، وتهذيب الكمال للمزي (8/118) ، وتاريخ دمشق لابن عساكر (5/487) ، واللباب لابن الأثير 3/392، ومنهاج السنة 3/165، 166، الصواعق المرسلة 3/1071، شذرات الذهب 1/169.

ص: 159

قال ابن عساكر: (ثم نزل وجز رأسه بيده بالسكين)

وقال الذهبي في العلو للعلي الغفار: (قرأت في كتاب الرد على الجهمية لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب التصانيف حدثنا عيسى ابن أبي عمران الرملي حدثنا أيوب بن سويد عن السري بن يحي قال: خطبنا خالد القسري وقال: انصرفوا إلى ضحاياكم تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد، وذكر القصة)

والقصة مشهورة كما قال عنها الذهبي3 وقد تناقلها جمع من علماء السنة منهم البخاري، والدارمي، وابن أبي حاتم واللالكائي، والأجري، وابن كثير، والذهبي، وابن تيمية، وابن القيم وغيرهم.

وقد شكر علماء المسلمين هذا العمل وأثنوا عليه، وعلى رأس أولئك الحسن البصري4.

قال ابن القيم:

ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ال

ـقسري يوم ذبائح القربان

إذ قال ابراهيم ليس خليله

كلا ولا موسى الكليم الداني

1- مختصر تاريخ دمشق 6/50.

2-

العلو للعلي الغفار ص100.

3-

ميزان الاعتدال (1/399 ت1482) ، تاريخ الإسلام 7/338.

4-

مجموع الفتاوى 13/177، 12/350.

ص: 160

شكرا لضحية كل صاحب سنة

لله درك من أخي قربان1

وقال أبو محمد اليمني: (فاستحسن الناس منه ذلك، وقالوا نفى الغل عن الإسلام جزاه الله خيراً)2.

وقال الدارمي: (وأما الجعد، فأخذه خالد بن عبد الله القسري، فذبحه ذبحاً بواسط في يوم الأضحى، على رؤوس من شهد العيد معه من المسلمين، ولا يعيبه به عائب، ولا يطعن عليه طاعن. بل استحسنوا ذلك من فعله، وصوبوه من رأيه)3.

وقال الذهبي بعد ذكره قصة قتل خالد القسري للجعد (هذه من حسناته هي وقتله مغيرة4 الكذاب)5. وكذلك من حسناته قتله لبيان بن سمعان النهدي.6

1- شرح القصيدة النونية للهراس 1/25.

2-

عقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/287.

3-

الرد على الجهمية للدارمي (7-110) ط: المكتب الإسلامي.

4-

المغيرة بن سعيد البجلي، كان رافضياً خبيثاً كذاباً ساحراً ادعى النبوة، وفضل علياً على الأنبياء، وكان مجسماً) تاريخ الطبري (7/128، 129) ، سير أعلام النبلاء 5/426) ، ميزان الاعتدال (4/160،161) .

5-

سير أعلام النبلاء 5/432.

6-

بيان بن سمعان من الغلاة القائلين بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقتله خالد القسري على ذلك.) الملل والنحل 1/151،152.

ص: 161