الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: المغالطة الثانية
قال المؤلف ثانياً: ترجمة خالد بن عبد الله القسري مظلمة، وفيها ما يفيد أنه كان ظالماً، ولذا قال الذهبي في "السير" (5/432) عقب القصة:"قلت: هذه من حسناته"!. انتهى كلامه.
قلت: المؤلف متناقض في مواقفه ويكيل بمكيالين ويزن بميزانين، فهو في قصة قتل الجعد يريد تطبيق شروط المحدثين في ثبوت الحديث المرفوع على قصة تاريخية. وهنا في سيرة خالد القسري أصدر حكماً بأنها مظلمة دون أن يحقق في أسانيد سيرته أو أن يُفصل شيئا من ذلك وهذا الغمز في هذه القصة من هذا الوجه لم يكن المؤلف أول من طعن في ذلك بل هو مجارٍ لغيره فيه.
فمن قبله جمال القاسمي في كتابه تاريخ الجهمية والمعتزلة1 الذي نقل خليطاً من الروايات في الطعن في خالد بن عبد الله القسري بأنه جعل الولاية للنصارى والمجوس على المسلمين، وأنه كان ناصبياً يبغض علياً رضي الله عنه، وأن الإسلام كان في عهده ذليلاً، وأحال من أراد استيفاء أحواله وأخباره إلى كتاب الأغاني للأصفهاني الشيعي2
ولنا مع كلام المؤلف وكلام القاسمي وقفات:
الوقفة الأولى: زعْمُ المؤلف بأن ترجمة القسري مظلمة وكذا التهم التي ذكرها القاسمي، على فرض صحتها، لا تطعن في صحة القصة، فلو قرأ
1- تاريخ الجهمية والمعتزلة ص38-42.
2-
انظر كتاب السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني لوليد الأعظمي.
المؤلف ومن قبله القاسمي التاريخ بتأمل لعلموا أن صاحب القرار في إعدام وقتل الجعد هو هشام بن عبد الملك، فالفضل يعود إليه في المقام الأول فلو اعتمدنا رواية ابن الأثير للقصة، لعلمنا أن هشاماً هو الذي قبض على الجعد وأرسله إلى خالد القسري وأن خالداً القسري اكتفى بحبسه ولم ينفذ أمر القتل وأن هشاماً أرسل إلى خالد يلومه ويعزم عليه بقتله. قال ابن الأثير:(وقيل إن الجعد بن درهم أظهر مقالته بخلق القرآن أيام هشام بن عبد الملك، فأخذه هشام وأرسله إلى خالد القسري وهو أمير العراق، وأمره بقتله، فحبسه خالد ولم يقتله، فبلغ الخبر هشاماً، فكتب إلى خالد يلومه ويعزم عليه أن يقتله)
ولو اعتمدنا رواية ابن عساكر وابن كثير لوجدنا كذلك هشام بن عبد الملك هو الذي طلب القبض على الجعد في بداية الأمر عندما كان في دمشق لكن الجعد هرب إلى الكوفة.
قال ابن عساكر: (كان الجعد أول من أظهر القول بخلق القرآن في أمة محمد فطلبه بنو أمية فهرب من دمشق إلى الكوفة)
وقال ابن كثير: (وأما الجعد فإنه أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلبه بنو أمية فهرب منهم، فسكن الكوفة..)
والنديم في الفهرست ينص على أن هشاماً هو الذي أمر بقتل الجعد حيث قال: (وقتَلَ الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته بعد أن طال حبسه في يد
1- الكامل 5/263.
2-
مختصر تاريخ دمشق 6/50.
3-
البداية 9/350.
خالد بن عبد الله القسري. فيقال إن آل الجعد رفعوا قصته إلى هشام، يشكون ضعفهم وطول حبس الجعد، فقال هشام: أهو حي بعد؟! وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى، وجعله بدلاً من الأضحية بعد أن قال ذلك على المنبر، بأمر هشام..) 1 فالروايات التاريخية السابق ذكرها تؤكد أن هشام بن عبد الملك هو صاحب القرار في ذلك.
الوقفة الثانية: لا يسلم للمؤلف زعمه بأن ترجمة خالد بن عبد الله القسري مظلمة، وفيها ما يفيد أنه كان ظالماً، وليس الأمر كما زعم فالرجل له وعليه، وهناك صفحات مشرقة في تاريخه، وبعض ما نسب إليه لا يصح عنه. فهذا الذهبي ينصفه ويقول في ترجمته: (الأمير الكبير أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد ين أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان وكان جواداً ممدحاً معظماً عالي الرتبة من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف
…
) وقد اعتذر له بعد أن ذكر شيئاً مما له وعليه فقال: (وكان خالد على هناته يرجع إلى الإسلام.)
وقد أشاد الذهبي بقتله للجعد بن درهم وقال: هذه من حسناته هي وقتله مغيرة الكذاب.
وقد دافع عنه ابن كثير في البداية بعد أن أورد بعضاً من تلك المثالب التي نسبت إليه وقال: (والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه، فإنه كان قائماً
1- الفهرست ص401.
2-
سير أعلام النبلاء 5/425-432.
في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الإلحاد1 وقد نسب إليه صاحب العقد2 أشياء لا تصح، لأن صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع ومغالاة لأهل البيت)
وحال صاحب كتاب الأغاني الذي اعتمد عليه القاسمي في ترجمة القسري ليس ببعيد عن صاحب العقد الفريد فقد قال عنه ابن كثير: (وكان فيه تشيع، قال ابن الجوزي: ومثله لا يوثق به، فإنه يصرح في كتبه بما يوجب العشق ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني رأى فيه كل قبيح ومنكر) 4 والأصفهاني قد روى الكثير من أخبار كتابه عن طائفة من الرواة الكذابين.5
وأما عن اتهامه بالنصب وشتم علي رضي الله عنه فأجاب عنه ابن الأثير فقال: (قيل كان يفعل ذلك نفيا للتهمة وتقرباً إلى القوم) 6 وقال: وكان خالد يصل الهاشميين ويبرهم.7
وفي العموم فإن خالداً القسري ليست ترجمته مظلمة بالصورة التي حاول المؤلف والقاسمي رسمها عنه في ذهن القارئ وأترك الحكم للقارئ الكريم ليقارن بين كلام الذهبي وابن كثير من جهة -وهما إمامان من أئمة أهل السنة في المعتقد
1- يقصد قتله للمغيرة الكذاب، وبيان بن سمعان.
2-
صاحب العقد الفريد ابن عبدربه.
3-
البداية 10/21.
4-
البداية 11/263.
5-
مقالات في المذاهب والفرق ص73، جمع عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف.
6-
الكامل 5/224.
7-
الكامل 5/224.
والتاريخ- وبين كلام صاحب العقد الفريد وصاحب الأغاني -الشيعيين الحاقدين على أعلام أهل السنة. فأي الفريقين خير مقاماً.
الوقفة الثالثة: أساء المؤلف استخدام عبارة الذهبي في السير (5/432) حيث قال الذهبي بعد إيراده لقصة قتل الجعد (قلت: هذا من حسناته هي وقتله مغيرة الكذاب) فقد أراد المؤلف إفهام القارئ أن الذهبي يذم خالد بن عبد الله القسري، والأمر في حقيقته على العكس من ذلك، فلقد أنصف الذهبي خالداً القسري، ولم يقصد بتلك العبارة انتقاصه أو التقليل من حسناته، ومن يقرأ سير أعلام النبلاء، يدرك صواب ما أقول.
وقد شكر علماء المسلمين هذا العمل وأثنوا عليه، وعلى رأس أولئك الحسن البصري.1
وقال ابن القيم:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ال
…
ـقسري يوم ذبائح القربان
إذ قال ابراهيم ليس خليله
…
كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة
…
لله درك من أخي قربان2
وقال أبو محمد اليمني (فاستحسن الناس منه ذلك، وقالوا نفى الغل عن الإسلام جزاه الله خيراً)
1- مجموع الفتاوى 13/177، 12/350.
2-
شرح القصيدة النونية للهراس 1/25.
3-
عقائد الثلاث والسبعين فرقة 1/287.
وقال الدارمي: (وأما الجعد فأخذه خالد بن عبد الله القسري، فذبحه ذبحاً بواسط يوم الأضحى، على رؤوس من شهد العيد معه من المسلمين، ولا يعيبه به عائب، ولا يطعن عليه طاعن بل استحسنوا ذلك من فعله، وصوبوه من رأيه)
1- الرد على الجهمية للدارمي (7-110) ط: المكتب الإسلامي.