الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الإمام الكاساني أيضًا في كتابه المذكور (1): «وَحَدِيثٌ صَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ لأَحَدٍ مَطْعَنٌ» .
عِدَادُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحُفَّاظِ:
وقد أطبق الحفاظ الجهابذة المحدثون الذين صنفوا في طبقات الحفاظ على ذكر الإمام فيهم، فهذا الحافظ الذهبي، يترجم له في " تذكرة الحفاظ " ويثني عليه، وقد قال في مبدأ كتابه:«هذه تذكرة بأسماء مُعَدِّلِي حَمَلَةِ العِلْمِ النبوي، ومن يُرْجَعُ إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف» . وكتابه " تذكرة الحفاظ " مطبوع متداول، وقد طبع مرارًا.
وتبعه الإمام المحدث الحافظ ذو الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي في كتابه " المختصر في طبقات علماء الحديث " فأورده في كتابه، وترجم له وأثنى عليه خيرًا، والكتاب غير مطبوع إلى الآن (2)، فَأُحِبُّ أن أذكر ما قاله بِرُمَّتِهِ.
قال - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «(ت، س) أبو حنيفة، النعمان بن ثابت بن زُوْطَى، التَّيْمِيُّ مولاهم، الكوفي، الإمام، فقيه العراق، مولده سَنَةَ ثمانين، رأى أنس بن مالك غير مرة، لما قدم عليهم الكوفة، رواه ابن سعد عن سيف بن جابر، أنه سمع أبا حنيفة يقول.
(1) 2/ 97.
(2)
نسخة هذا الكتاب محفوظة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي نسخة مصورة. وقد طبع شطر منه، وحين نقل المؤلف عنه كان غير مطبوع. (عبد الفتاح أبو غدة).
وَحَدَّثَ عن عطاء، ونافع، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعدي بن ثابت، وسلمة بن كُهَيْلٍ، وأبي جعفر محمد بن علي، وقتادة، وعمرو بن دينار، وأبي إسحاق، وخلق.
تفقه به زُفَرُ بْنُ الهُذَيْلِ، وداود الطائي، وأبو يوسف، ومحمد، وأسد بن عمرو، والحسن بن زياد اللؤلؤي، ونوحُ الجامع، وأبو مطيع البلخي، وَعِدَّةٌ، وكان قد تفقه بحماد بن أبي سليمان، وغيره.
وحدث عنه وكيع، ويزيد بن هارون، وسعد بن الصلت، وأبو عاصم، وعبد الرزاق، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن المقري، وخلق.
وكان إمامًا، وَرِعًا، عَالِمًا، عاملاً، متعبدًا، كبير الشأن، لا يقبل جوائز السلطان، بل يتجر ويكتسب.
قال ضرار بن صُرد: سئل يزيد بن هارون، أيهما أفقه، الثوري أو أبو حنيفة؟ فقال:«أَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ لِلْحَدِيثِ» .
وقال ابن المبارك: «أَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ النَّاسِ» ، وقال الشافعي:«النَاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ» ، وقال يزيد:«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَوْرَعَ وَلَا أَعْقَلَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ» ، وقال أبو داود:«رَحِمَ اللهُ أَبَا حَنِيفَةَ، كَانَ إِمَامًا» .
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ:[بَيْنَمَا أَنَا](*) أَمْشِي مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ لآخَرَ: هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ:«وَاللهِ لَا يُتَحَدَّثُ عَنِّي بِمَا لَمْ أَفْعَلْ» ، فَكَانَ يَقُومُ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً، وَدُعَاءً،
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) قارن نفس القول بما ورد في صفحة 94 من هذا الكتاب.
وَتَضَرُّعًا، وَمَنَاقِبُهُ وَفَضَائِلُهُ كَثِيرَةٌ. وَكَانَ مَوْتُهُ فِي رَجَبَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةَ.- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -». انتهى.
وقال في مبدأ كتابه: «وبعد، فهذا كتاب مختصر، يشتمل على جملة من الحفاظ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، ومن بعدهم، لا يسع من يشتغل بعلم الحديث الجهل بهم» .
ومع كون الكتاب مختصرًا، ذكر الإمامَ فيه، وهذا يدل على كون الإمام من الحفاظ المعدودين الذين ينبغي الاعتناء بتراجمهم.
ثم ذكره في الحفاظ الإمام العلامة الحافظ مؤرخ الديار الشامية وحافظها، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن ناصر الدين الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، في كتابيه:" بديعة البيان عن موت الأعيان " منظومة، وَشَرْحِهَا " التبيان لبديعة البيان "، وهي طبقات الحفاظ نظمًا ونثرًا، وقد رأيت منها نسخة مخطوطة في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، بالمدينة المنورة، حين سافرتُ للحج في 1387 هـ، ضِمْنَ كُتُبِ التواريخ رقم (48) جاء فيها ما نصه:
بَعْدَهُمَا فَتَى جُرَيْجِ الدَّانِي
…
مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِي
أي بعد وفاة الحَجَّاجِ، وَالزُّبَيْدِيِّ بعام (1)، وفاة ابن جريج، وأبي حنيفة الإمام.
(1) الحَجَّاجُ هو أبو أرطأة الحجاج بن أرطأة الكوفي النخعي الإمام أحد الأعلام. وَالزُّبَيْدِيُّ بضم الزاي بصيغة التصغير: أبو الهذيل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، قاضي حمص. وكلاهما توفيا سنة 149 هـ، قبل وفاة ابن جريج وأبي حنيفة اللذين توفيا سنة 150 هـ، رحمهم الله أَجْمَعِينَ -. (عبد الفتاح أبو غدة).
فالأول عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد، وقيل: أبو خالد الأموي مولاهم المكي
…
والثاني النعمان بن ثابت بن زُوطَى التيمي مولاهم الكوفي، وقيل: هو من أبناء فارس، قال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة فيما رُوِيَ عنه:«أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ بْنِ المَرْزِبَانِ، مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ الأَحْرَارِ، واللهِ مَا وَقَعَ عَلَيْنَا رِِقٌّ قَطُّ» . انتهى.
رأى الإمامُ أنسَ بن مالك غير مرة، لما قدم عليهم الكوفة، فيما رواه سيف بن جابر سماعًا من أبي حنيفة، وَحَدَّثَ عن عطاء، ونافع، وعمرو بن دينار، والأعرج، وقتادة، وخلق من الأخيار.
وكان أحد أئمة الأمصار، فقيه العراق، متعبدًا، كبير الشأن، وكان يتجر، ولا يقبل جوائز السلطان.
وهو أحد من كان يختم في ركعة القرآنَ، ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العتمة، وفضائله كثيرة معروفة. قال الشافعي:«النَاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ» . انتهى.
وذكره أيضًا الإمام المحدث جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي الصالحي الحنبلي الشهير بابن المِبْرَدِ (بكسر الميم وسكون الموحدة، وفتح الراء الخفيفة) في كتابه " طبقات الحفاظ " وقد نقل عنه الشيخ العلامة المحدث عبد اللطيف بن المخدوم العلامة محمد هاشم السندي، في كتابه " ذَبُّ ذُبَابَاتِ الدراسات، عن المذاهب الأربعة
المتناسبات " (1).
ثم ذكره بعدهم خاتمة الحفاظ الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه " طبقات الحفاظ " وقد ذكرتُ ما قاله السيوطي في ترجمة الإمام أبي حنيفة في " التعليقات على ذب ذبابات الدراسات عن المذاهب الأربعة المتناسبات " فليراجع، وقد طبع كتاب " طبقات الحفاظ " للسيوطي في أوروبا وبيروت. وقال في مبدأ كتابه:
ثم ذكره مِنْ بَعْدِهِ الشيخ العلامة المحدث محمد بن رستم بن قُبَادٍ الحارثي البَدَخْشِيِّ، أحد البارعين في علم الحديث والرجال، في كتابه " تراجم الحفاظ "، وهو مجلد ضخم في تراجم الحفاظ، استخرجها من كتاب " الأنساب " للإمام الحافظ السمعاني، مع اختصار في بعض التراجم وزيادة مفيدة في أكثرها، فرغ من تصنيفه يوم الخميس لتسع خَلَوْنَ من ربيع الأول سنة ست وأربعين ومائة وألف بمدينة دِهْلِي عاصمة الهند، فقال ما نصه:
«النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام الأعظم، أحد الأئمة
(1) 1/ 445، قامت بنشره لجنة إحياء الأدب السِّنْدِي بكراتشي 1379 هـ.
الأربعة المتبوعين، ذكره في نسبة «الخَزَّازِ» وقال: بفتح الخاء المعجمة وتشديد [الزاي] الأولى، اشتهر بهذه الصنعة والحرفة جماعة من أهل العِرَاقَيْنِ، من أئمة الدين وعلماء المسلمين: فأما من أهل الكوفة، فأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، مع تبحره في العلم وَغَوْصِهِ عَلَى دقائق المعاني وَخَفِيِّهَا، كان يبيع الخَزَّ ويأكل منه طلبًا للحلال، وقيل: كان ذلك في ابتداء أمره، وَشُهْرَتُهُ تُغْنِي عن الإطناب في ذكره. ولد سَنَةَ سبعين، وتوفي سَنَةَ خمسين ومائة، انتهى كلامه في الخزاز.
ثم أعاد ذكره في «الرَّائِي» ، وقد مَرَّ تحقيقه في ترجمة ربيعة بن أبي عبد الرحمن (1) فقال: «وأبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المَرْزُبَانِ التَّيْمِيِّ الكوفي، صاحب الرأي، وإمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق. رأى انس بن مالك رضي الله عنه.
وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبا إسحاق السبيعي، ومحارب بن دثار، وحماد بن أبي سليمان، والهيثم بن حبيب، وقيس بن مسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافعًا مولى ابن عمر رضي الله عنهما، وهشام بن عروة، وسماك بن حرب».
روى عنه هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن
(1) قال فيها: «الرَّائِي» بتشديد الراء المفتوحة وفي آخرها الياء
…
وإنما قيل له: الرائي لعلمه به - أي بالرأي - وكان عارفًا بِالسُنَّةِ وقائلاً بالرأي.
الحسن الشيباني، وعمرو بن محمد العَنْقَزِيِّ، وَهَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، وأبو عبد الرحمن المُقْرِئ، وعبد الرزاق بن همام، وغيرهم.
وهو كُوفِيٌّ تَيْمِيٌّ من رهط حمزة بن حبيب الزيات، وُلِدَ بالكوفة، ونقله أبو جعفر المنصور إلى بغداد، فسكنها إلى حين وفاته. قيل: إن أباه ثابت بن النعمان المَرْزُبَانُ من أبناء فارس الأحرار، ذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته. وقيل: إن جده النعمان بن المرزبان هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الفَالُوذَجْ في يَوْمِ النَّيْرُوزِ، فقال:«نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمِ» ، وفي رواية: كان في يوم المِهرجان، فقال:«مَهْرِجُونَا كُلَّ يَوْمِ» .
وَكَلَّمَهُ ابُنُ هُبَيْرَةُ عَلَى أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ، فَأَبَى، فَضَرِبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَعَشَرَةَ أَسْوَاطٍ، كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ، فَصَبَرَ وَامْتَنَعَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُ.
واشتغل بطلب العلم وبالغ فيه حتى حصل له ما لم يحصل لغيره. ودخل يومًا على المنصور فكان عنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور:«هَذَا عَالِمُ الدُّنْيَا اليَوْمَ» .
ورأى أبو حنيفة في المنام أنه يَنْبِشُ قَبْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل لمحمد بن سيرين، فقال:«صَاحِبُ هَذِهِ الرُّؤْيَا رَجُلٌ يُثَوِّرُ عِلْمًا - أي يستخرج علمًا - لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ» .
وكان مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ يقول: «ما أحسد أحدًا بالكوفة إلا رجلين:
أبو حنيفة في فقهه، والحسن بن صالح في زهده»، وقال مسعر أيضًا:«من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رَجَوْتُ أن لا يخاف، ولا يكون فَرَّطَ في الاحتياط لنفسه» .
وقال الفضيل بن عياض: «كَانَ أََبُو حَنِيفَةَ رَجُلاً فَقِيهًا مَعْرُوفًا بِالفِقْهِ، مَشْهُورًا بِالوَرَعِ، وَاسِعَ المَالِ، مَعْرُوفًا بِالإِفْضَالِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَطِيفُ بِهِ، صَبُورًا عَلَى تَعْلِيمِ العِلْمِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، حَسَنُ [اللَّيْلِ] (*)، كَثِيرُ الصَّمْتِ، قَلِيلُ الكَلَامِ، حَتَّى تَرِدَ مَسْأَلَةٌ فِي حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَكَانَ يُحْسِنُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الحَقِّ هَارِبًا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ» وَ «إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ اتَّبَعَهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَاّ قَاسَ فَأَحْسَنَ القِيَاسَ» (**).
وكانت ولادته سنة ثمانين، ومات في رجب سنة خمسين ومائة، ودُفِنَ بمقبرة الخَيْزُرَان بباب الطاق، وَصُلِّيَ عليه سِتُّ مَرَّاتٍ من كثرة الزحام، آخرهم صَلَّى عليه ابنه حماد، وغسله الحسن بن عمارة ورجل آخر، قلتُ: وزرتُ قبره غير مرة. انتهى.
قلتُ: ذكره الذهبي وابن ناصر الدين في طبقات الحفاظ. انتهى ما ذكره البَدَخْشِيُّ.
ورأيت من هذا الكتاب نسخة خطية في خزانة الكتب بدار العلوم لندوة العلماء لكنو بالهند.
وقد عقد الشيخ العلامة الثقة المُطَّلِعُ، والحافظ المُتَّبِعُ، الشيخ الإمام، شمس الدين محمد بن يوسف الصالحي الدمشقي الشافعي، مؤلف " السيرة الشامية " في كتابه " عقود الجمان في مناقب الإمام
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) في الكتاب المطبوع (الدِّينِ) والصواب (الليل)، انظر " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف: 15/ 459، الطبعة الأولى: 1422هـ - 2002 م، نشر دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان.
[قارن هذا القول بما ورد في ص 113 من هذا الكتاب].
(**) هو قول لابن الصباح، انظر المصدر السابق: 15/ 459.
الأعظم أبي حنيفة النعمان " (1)، «الباب الثالث والعشرين» في «بيان كثرة حديثه، وكونه من أعيان الحفاظ من المحدثين» قال فيه - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «اعلم رحمك الله تعالى أن الإمام أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، من كبار حفاظ الحديث، وذكره الذهبي في كتابه " الممتع " و" طبقات الحفاظ المحدثين " منهم، ولقد أصاب وأجاد، لولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط مسائل الفقه، فإنه أول من استنبطه من الأدلة». انتهى.
وقال العلامة المحدث إسماعيل العجلوني بن محمد جَرَّاح الشافعي في رسالته المسماة " عِقْدُ الجوهر الثمين في أربعين حديثًا من أحاديث سيد المرسلين " وهي ثَبَتُهُ المَعْرُوفُ بـ " الرسالة العجلونية "(2): «وَزِدْتُ عَلَى مَا فِيهَا " مُسْنَدَ " الإمام أبي حنيفة النعمان، تَنْوِيهًا بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ» .
ثم علق على قوله: «الإمام أبي حنيفة النعمان» ، بالحاشية ما نصه (3): «هو إمام الأئمة، هادي الأمة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولد سنة ثمانين، وتوفاه الله تعالى سنة مائة وخمسين من الهجرة
(1) في ص 319. طُبِعَ بالهند في حيدر آباد الدكن، طبعته لجنة إحياء المعارف النعمانية سنة 1394 هـ.
(2)
ص 4.
(3)
ص 4 و 5 و 6 من طبعة مصر سنة 1322 هـ.
أَحَدُ مَنْ عُدَّ من التابعين، إمام المجتهدين بلا نزاع، أول من فتح باب الاجتهاد بالإجماع، لا يَشُكُّ من وقف على فقهه، وفروعه، في سَعَةِ علومه، وجلالة قدره، وأنه كان أعلم الناس بالكتاب والسنة، لأن الشريعة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، ومن كان قليل البضاعة من الحديث فيتعين عليه طلبه وتحمله، والجد والتشمير في ذلك، ليأخذ الدين من أصول صحيحة، ويتلقى الأحكام عن صاحبها المبلغ لها.
وقد أجمع الناقلون عنه من أهل الأصول وأهل الحديث أنه يُقَدِّمُ الحديث الصحيح على القياس المُعْتَبَرِ، نعم لم يكن هو رضي الله عنه، من المُكْثِرِينَ كسائر الأئمة، وليس من شروط الإمامة والاجتهاد الإكثار في الرواية، لأن الاجتهاد إنما يتوقف على حفظ السُّنَنِ، وتحملها، لا على أدائها وتبليغها.
فَالصِدِّيقُ رضي الله عنه إمام الصحابة، وأفقههم، وأحفظهم، لا يشك فيه مسلم: لم يكثر، وإنما رَوَى أحاديث معدودة، وإمام المحدثين بالإجماع إمام الأئمة وإمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه، لم يصح عنده إلا ما في كتاب " الموطأ "(1)، فهل يقول قائل فيه شيئًا.
ونحن لا ننكر أن في السنن سُنَنًا لم تبلغ الإمام أبا حنيفة، أَوْ بَلَغَتْهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عنده صحتها، لكن هذا أمر لا يمس شأن المجتهد، وقد كان عُمَرُ رضي الله عنه يرى رَأْيًا ثم تبلغه السُنَّةُ فيرجع، مع أنه ثبت عند أهل العلم بالأثر أن عمر أفقه الصحابة - بعد أبي بكر -.
(1) يعني إذا قصرنا النظر على ما دَوَّنَهُ في " الموطأ ". (عبد الفتاح أبو غدة).