الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ
ــ
[منح الجليل]
لِعُسْرِهَا لَا لِلْحَضَانَةِ ابْنُ عَرَفَةَ وَاخْتُلِفَ فِي خِدْمَتِهِ فَفِيهَا إنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ خَادِمٍ لِضَعْفِهِمْ عَنْ خِدْمَةِ أَنْفُسِهِمْ وَالْأَبُ يَقْوَى عَلَى إخْدَامِهَا أَخْدَمَهُمْ وَلِابْنِ وَهْبٍ لَا خِدْمَةَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْخِدْمَةِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِسْكَانِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[بَابُ فِي الْبَيْع]
(بَابٌ) فِي الْبَيْعِ الشَّامِلِ لِلصَّرْفِ وَالْمُبَادَلَةِ وَالْمُرَاطَلَةِ (يَنْعَقِدُ) أَيْ يُوجَدُ (الْبَيْعُ) وَهُوَ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ إخْرَاجُ ذَاتٍ عَنْ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ، وَالشِّرَاءُ إدْخَالُهَا فِيهِ بِعِوَضٍ وَهِيَ أَفْصَحُ وَعَلَيْهَا اصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ، وَشَرْعًا عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ وَالنِّكَاحُ، وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالسَّلَمِ وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ وَدُفِعَ عِوَضٌ فِي مَعْلُومِ قَدْرِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَجْلِ سَلَمٍ لَا بَيْعٍ لِأَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ فَلَا يَنْفَسِخُ بَيْعُهُ. وَلَوْ بِيعَ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ بَيْعُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ وَحُصُولُ عَارِضِ تَأْجِيلِ عِوَضِهِ الْعَيْنُ وَرُؤْيَةُ عِوَضِهِ غَيْرُ الْعَيْنِ حِينَ عَقَدَهُ وَبَتَّهُ وَعَدَمُ تَرْتِيبِ ثَمَنٍ سَابِقٍ وَصِحَّتُهُ، وَمُقَابِلُ كُلٍّ مِنْهَا يُعَدِّدُهُ لِمُؤَجَّلٍ ونَقْدٍ وَحَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَبَتٍّ وَمُرَابَحَةٍ وَغَيْرِهَا كُلٌّ مِنْهَا لِمُقَابِلِهِ وَأَعَمُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ اهـ قَوْلُهُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ إلَخْ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا الْمُبَادَلَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَتَخْرُجُ مِنْ الْأَخَصِّ بِقَوْلِهِ ذُو مُكَايَسَةٍ وَهَذَا
بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ
ــ
[منح الجليل]
ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ كَبَعْضِ مَسَائِلِ الصُّلْحِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْحَطّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ وَقَوْلُهُ مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ إضَافَةُ غَيْرِ لِلْعُمُومِ أَيْ مُعَيَّنٌ فِيهِ كُلُّ مَا غَايَرَ الْمُعَيَّنَ وَأَرَادَ بِالْعَيْنِ الْمَسْكُوكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا تَرِدُ عَلَيْهِ صُورَةُ سَلَمٍ عَرَضَ فِي آخَرَ وَلَا صُورَةُ دَفْعٍ عَرَضَ فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مَسْكُوكٍ لِأَجَلٍ وَهِيَ سَلَمٌ لَا بَيْعٌ لِأَجَلٍ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَسْكُوكِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَرَضٌ لَا عَيْنٌ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمَسْكُوكِ فَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ غَيْرُ الْعَيْنِ خِلَافًا لِلْحَطِّ وَقَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ أَيْ تَخْرُجُ هِبَةُ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَيْ مُغَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْوَاهِبِ بِقَبُولِ مَا يُبَاعُ بِهِ الْمَوْهُوبُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَا مُكَايَسَةَ فِيهَا، وَخَرَجَ الصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَالْمُبَادَلَةُ بِقَوْلِهِ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ إذْ عِوَضَا الصَّرْفِ أَحَدُهُمَا ذَهَبٌ وَالْآخَرُ فِضَّةٌ، وَعِوَضَا الْمُرَاطَلَةِ وَالْمُبَادَلَةِ ذَهَبَانِ أَوْ فِضَّتَانِ، وَخَرَجَ السَّلَمُ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ.
وَمِنْ شُرُوطِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ مَا لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا فَشَمِلَ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ لِلْغَائِبِ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ شَرْطِ خِيَارٍ بِالرُّؤْيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَوَازُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «أَفْضَلُ الْكَسْبِ بَيْعٌ مَبْرُورٌ وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ» وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ كَبَيْعِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِمُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَنَدَبَهُ لِمُقْسَمٍ عَلَيْهِ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ مَنْدُوبٌ وَكَرَاهَتَهُ كَبَيْعِ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ لِلَحْمِهِ وَتَحْرِيمِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهِ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ التَّوَصُّلُ إلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ بِرِضَاهُ فَيَنْسَدُّ أَبْوَابُ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْخِدَاعِ وَالْحِيَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَصِلَةُ يَنْعَقِدُ (بِمَا) أَيْ كُلِّ شَيْءٍ (يَدُلُّ) دَلَالَةً عَادِيَّةً (عَلَى الرِّضَا) بِخُرُوجِ الْمُثَمَّنِ مِنْ مِلْكِ بَائِعِهِ وَدُخُولِهِ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهِ فِي نَظِيرِ الثَّمَنِ وَخُرُوجِ الثَّمَنِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فِي نَظِيرِ الْمُثَمَّنِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فِعْلًا كَذَلِكَ أَوْ قَوْلًا مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلًا مِنْ الْآخَرِ غَيْرَ مُعَاطَاةٍ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مُصَوَّرًا (بِمُعَاطَاةٍ) بِأَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعُ الْمُثَمَّنَ
وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْت
ــ
[منح الجليل]
لِلْمُشْتَرِي وَيُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ مُطْلَقًا وِفَاقًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرَاتِ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا ابْنُ عَمَّارٍ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَمْعِ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عَقْدِهِ بِالْقَوْلِ فِي غَيْرِ الْمُحَقَّرَاتِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ قَطُّ بِعَقْدِهِ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ فِي الْعَقَارَاتِ وَالْجَوَارِي وَنَحْوِهَا الْبُنَانِيُّ مَا وَافَقَ الْعَادَةَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ هُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا الدَّلَالَةُ الْعَادِيَّةُ فَإِنْ حَصَلَ الْإِعْطَاءُ مِنْ جَانِبٍ فَقَطْ وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا غَيْرَ الْإِعْطَاءِ وَالْقَوْلِ صَحَّ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِإِعْطَاءٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلِمَنْ أَخَذَ طَعَامًا عَلِمَ ثَمَنَهُ كَرَغِيفٍ وَرَضِيَ بَائِعُهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ لَهُ رَدَّهُ وَأَخَذَ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مَعَ الشَّكِّ فِي التَّمَاثُلِ لِمَا عَلِمْت مِنْ انْحِلَالِ الْبَيْعِ فَرَدُّهُ فَسْخٌ لَهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ إنْشَاءُ بَيْعٍ آخَرَ فَإِنْ دَفَعَ ثَمَنَهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ وَأَخَذَ بَدَلَهُ لِذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَهُ أَرْكَانٌ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعَاطَاةً فِي جَعَالَتِهَا مَا فُهِمَ أَنَّ الْأَخْرَسَ فَهِمَهُ مِنْ كَفَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ الْبَاجِيَّ كُلُّ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهَا الْبَيْعُ.
ثُمَّ قَالَ بِيَاعَاتُ زَمَانِنَا فِي الْأَسْوَاقِ إنَّمَا هِيَ بِالْمُعَاطَاةِ فَهِيَ مُنْحَلَّةٌ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَلَا يَعْقِدُونَهَا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ بِحَالٍ.
(وَ) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى إنْ تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (بِعْنِي) هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا دِرْهَمًا (فَيَقُولُ) الْبَائِعُ (بِعْتُ) كه بِهِ وَنَحْوُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَلَوْ رَجَعَ وَقَالَ لَمْ أَرْضَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّضَا بِهِ أَوْ رَجَعَ وَلَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ فَتُسَاوِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ التَّسَوُّقِ الْآتِيَةِ الْحَلِفُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ الْحَلِفِ فِي الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُضَارِعِ عَلَى الرِّضَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَمِثْلُ قَوْلِ الْمُشْتَرِي بِعْنِي قَوْلُ الْبَائِعِ اشْتَرِ مِنِّي فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت.
وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا وَحَلَفَ، وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ أَبِيعُكهَا بِكَذَا. أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ
ــ
[منح الجليل]
الْبُنَانِيُّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَمَّا اسْتَنَدَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ، وَكَانَ قِيَاسُهُ مَطْعُونًا فِيهِ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ الْبَحْثَ فِيهِ، وَجَزَمَ بِاللُّزُومِ وَلَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي وَحَلَفَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُهُ الْحَلِفُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ الْآتِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْأَمْرِ عَلَى الرِّضَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ وَيُفِيدُهُ كَلَامُ ضَيْح وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مُحْتَمَلًا.
(وَ) يَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِنْ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي (ابْتَعْت) أَيْ اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا بِكَذَا (أَوْ) قَوْلِ الْبَائِعِ (بِعْتُك) كَذَا بِكَذَا (وَيَرْضَى) الشَّخْصُ (الْآخَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ (فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَحَلَفَ) الْبَادِي بِصِيغَةِ مُضَارِعٍ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ لَا أَرْضَى وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ (لَزِمَ) هـ الْبَيْعُ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ (إنْ قَالَ) لِلْبَائِعِ ابْتِدَاءً (أَبِيعُهَا) أَيْ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِشِرَائِهَا بِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَرْضِ، وَإِنَّمَا أَرَدْت الْمُسَاوَمَةَ أَوْ الْمَزْحَ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ (أَوْ قَالَ) الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً (أَنَا أَشْتَرِيهَا) أَيْ السِّلْعَةَ مِنْك (بِهِ) أَيْ الثَّمَنِ الْمَعْلُومِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِبَيْعِهَا لَهُ بِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أُرِدْ الشِّرَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَدْت الِاخْتِبَارَ أَوْ الْمَزْحَ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُ الْبَادِي قَبْلَ رِضَا الْآخَرِ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا يَمِينٍ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدُ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي صِيغَةِ الْمَاضِي الَّتِي يَلْزَمُ بِهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَمَا هُنَا فِي صِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَإِنْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِمَاضٍ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَرَجَعَ قَبْلَ رِضَا الْآخَرِ فَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ، وَلَوْ حَلَفَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ وَإِلَّا عَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ.
أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ بِكَمْ؟ فَقَالَ بِمِائَةٍ، فَقَالَ أَخَذْتهَا.
وَشَرْطُ عَاقِدِهِ: تَمْيِيزٌ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) أَيْ وَحَلَفَ أَنْ (تَسَوَّقَ) أَيْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهَا الْمُعَدِّ لِبَيْعِهَا (فَقَالَ) لَهُ الْمُشْتَرِي (بِكَمْ) تَبِيعُهَا (فَقَالَ) الْبَائِعُ أَبِيعُهَا (بِمِائَةٍ) مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ، (فَقَالَ) السَّائِلُ (أَخَذْتهَا) أَيْ السِّلْعَةَ بِالْمِائَةِ فَقَالَ الْمُسَوِّقُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَرَدْت الْمُسَاوَمَةَ مَثَلًا فَيَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ وَلَا مَفْهُومَ لِتَسَوَّقَ عَلَى مَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى إرَادَتِهِ بِأَنْ حَصَلَ تَمَاكُسٌ وَتَرَدُّدٌ فِي السَّوْمِ أَوْ سَكَتَ مُدَّةً ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرْضَ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ تَسَوَّقَ بِهَا أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ضَعَّفَهُ.
(وَشَرْطُ) صِحَّةِ عَقْدِ (عَاقِدِهِ) أَيْ الْبَيْعِ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا (تَمْيِيزٌ) أَيْ فَهْمُ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ بِالْكَلَامِ وَحُسْنُ رَدِّ جَوَابِهِ لَا مُجَرَّدُ الْإِجَابَةِ بِالدَّعْوَةِ وَالِانْصِرَافِ بِالزَّجْرِ لِوُجُودِ هَذَا فِي الْبَهَائِمِ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ. وَدَلِيلُ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَلُزُومُهُ، وَدَلِيلُ تَقْدِيرِ عَقْدَانِ الشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَقْدٍ أَوْ عِبَادَةٍ لَا لِذَاتٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَوْمٍ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَقْدُ الْمَجْنُونِ حِينَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ فِيهِ السُّلْطَانُ بِالْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ وَفَسْخِهِ إنْ كَانَ مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ لِقَوْلِهِ مَنْ جُنَّ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ نَظَرَ لَهُ السُّلْطَانُ، وَلِسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُ الْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا كَبَيْعِ السَّكْرَانِ، وَاعْتَرَضَ الْحَطَّابُ دَلِيلَهُ الْأَوَّلَ بِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ، إذْ الْمَقِيسُ الْجُنُونُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فِيهِ طَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَعَلَّ دَلِيلَهُ الثَّانِيَ فِيمَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كَالْمَعْتُوهِ.
طفي اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ كَوْنُ عَاقِدِهِ مُمَيِّزًا فَلَا يَصِحُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ شَاسٍ وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمْ صِحَّتُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مُوجِبَ لِفَسْخِهِ شَرْعًا وَالرِّوَايَةُ كَذَلِكَ، سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُ الْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا كَبَيْعِ السَّكْرَانِ عِنْدَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ شَرْطُ الْعَاقِدِ إطْلَاقُ الْيَدِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ، فَسَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَمُرَادُهُ شَرْطُ اللُّزُومِ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ لِلْبَيْعِ مَا نَصُّهُ وَعِلَّتُهُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالسَّفَهِ وَالصِّغَرِ وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَالسُّكْرِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ هَاهُنَا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ شَرْعًا اهـ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَا لِهَؤُلَاءِ مُعْرِضًا عَنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لَهُ بِرَدٍّ وَلَا قَبُولٍ، وَتَقَدَّمَ نَصُّهُ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ كَبَيْعِ السَّكْرَانِ تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي الِانْعِقَادِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ وَلَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. وَقَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّمْيِيزِ كَالْمَعْتُوهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِمَا يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِيهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ اهـ.
الْبُنَانِيُّ بَلْ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْحَطَّابُ كَلَامَهُمْ هُوَ الصَّوَابُ لِيُوَافِقَ مَا لِلْمُصَنِّفِ وَمَتْبُوعِيهِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَشْبِيهُ ابْنِ رُشْدٍ بِالسَّكْرَانِ الْمُخْتَلَفِ فِي بَيْعِهِ، وَيَأْتِي أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ عِنْدَهُ السَّكْرَانُ الَّذِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ وَفَسَادِ الْبَيْعِ لِوُجُودِهَا مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَبِيعِ اهـ. ابْنُ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ بَيْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَقَوْلُ الْمُقْرِئ فِي قَوَاعِدِهِ. إنَّ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَاسِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِتَوَقُّفِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ عَلَى الرِّضَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» فَلَا بُدَّ مِنْ رِضًا مُعْتَبَرٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَهَذِهِ
إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ
ــ
[منح الجليل]
النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَتْبُوعَاهُ عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ طفي عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْمُعْلِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَمْيِيزٌ فَقَالَ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ (بِسُكْرٍ) حَرَامٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَحْوِ خَمْرٍ (فَ) فِي عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ (تَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ، فَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهِ اتِّفَاقًا. وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَدَمُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ فِي الطَّافِحِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ بِسُكْرٍ إلَخْ.
ابْنُ رُشْدٍ سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَسَكْرَانَ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ وَالْعُقُودُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ اهـ.
فَقَوْلُهُ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَخْ ظَاهِرُهُ وُجُودُ الْخِلَافِ وَقَدْ بَحَثَ مَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ يَقْضِيهَا بِلَا خِلَافٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَلَى مَا فِي الْحَطّ خِلَافَ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ مِنْ إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ فِي النَّوْعَيْنِ. وَأَطْلَقَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ بَيْعِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَبِعَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ طَرِيقَةَ ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى مَا فَهِمَاهُ مِنْ كَلَامِهِ، وَنَصَّ ابْنُ شَاسٍ الْعَاقِدُ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ فَاقِدِهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ إذَا كَانَ سُكْرُهُ مُتَحَقِّقًا.
الشَّيْخُ وَيَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ مَا عَقَلَ حِينَ فَعَلَ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَنْعَقِدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مِنْ السَّكْرَانِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بِسُكْرِهِ يَقْصُرُ مَيْزُهُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَصَالِحِ عَنْ السَّفِيهِ وَالسَّفِيهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ اهـ. طفي ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ أَنَّهُ فِي الِانْعِقَادِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ، وَاَلَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الطُّرُقُ أَنَّهُ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ، هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيِّ وَعِيَاضٌ وَاللَّخْمِيُّ وَنَقَلَ نَصَّ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بِيَاعَاتُهُ فِيهَا عِنْدَنَا قَوْلَانِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى اللُّزُومِ وَلِلْبَاجِيِّ نَحْوُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ التَّفْصِيلِ.
وَأَطْلَقَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ بَيْعِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَى طَرِيقَتَيْ اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَالسُّكْرُ بِغَيْرِ خَمْرٍ مِثْلُهُ أَيْ الْجُنُونِ وَفِيهِ بِهِ طَرِيقَانِ اللَّخْمِيُّ فِي لُزُومِ بَيْعِهِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَرِوَايَةُ سَحْنُونٍ قَائِلًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ، وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُمَرَ غَيْرَهُ، وَزَادَ وَيَحْلِفُ مَا كَانَ حِينَ بَيْعِهِ عَاقِلًا. ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَالْقَوْلَانِ أَيْ اللَّذَانِ فِي طَرِيقَةِ اللَّخْمِيِّ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْخِلَافِ فِي اللُّزُومِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ وَعِيَاضٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ لِغَيْرِ الطَّافِحِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ بِالْعَكْسِ. الْبُنَانِيُّ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ فِي الطَّافِحِ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا كَمَا فِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ لَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ كَمَا فَهِمَهُ طفي بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مَا فِيهِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ أَيْضًا فِي حِكَايَةِ الْمَازِرِيِّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ لِمَا فِي الْحَطَّابِ، وَسَلَّمَهُ طفي أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُعَلِّمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَشُرْبِهِ خَمْرًا لِظَنِّهَا غَيْرَهَا فَكَالْمَجْنُونِ الْمُطِيقِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ السَّكْرَانِ بِحَرَامٍ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ كَإِقْرَارِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ،
وَلُزُومِهِ تَكْلِيفٌ
، لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا
ــ
[منح الجليل]
بِخِلَافِ جِنَايَاتِهِ وَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ وَحُدُودِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ مَا بِيَدِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِ لَأَدَّى إلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجِنَايَاتُ وَنَحْوُهَا لَتَسَاكَرَ النَّاسُ وَأَتْلَفُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَنْفُسَ وَغَيْرَهَا.
(وَ) شَرْطُ (لُزُومِهِ) أَيْ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (تَكْلِيفٌ) أَيْ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ فِي بَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَكَالَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ أَيْ وَرُشْدٌ وَطَوْعٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَجْرِ، وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلسَّفِيهِ، وَقَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا " غ " لَوْ قَالَ وَلُزُومُهُ رُشْدٍ لَكَانَ أَوْلَى أَيْ لِاسْتِلْزَامِ الرُّشْدِ التَّكْلِيفَ
(لَا) يَلْزَمُ الْبَيْعُ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ (إنْ أُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ (جَبْرًا حَرَامًا) إجْمَاعًا أَبُو عَلِيٍّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَبْرِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ اهـ. قُلْت هُمَا مُتَلَازِمَانِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْجَبْرِ عَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ الْجَبْرُ عَلَى شِرَاءِ ثَمَنِهَا، وَمِنْ الْجَبْرِ عَلَى شِرَائِهَا الْجَبْرُ عَلَى بَيْعِ ثَمَنِهَا فَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْمِعْيَارِ عَنْ الْقَلْشَانِيِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا يَدْفَعُهَا فِي مَظْلِمَةٍ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ بِضَغْطِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمَضْغُوطِ. قَالَ وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ أَوْ بِأَعْيَانِهَا إنْ وُجِدَتْ عِنْدَ الضَّاغِطِ، قَالَ وَلَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً. وَأَمَّا إنْ أُجْبِرَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ طَلَبُ مَالٍ ظُلْمًا فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ لُزُومِهِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَلْزَمُ وَبِهِ أَفْتَى اللَّخْمِيُّ وَلِلسُّيُورِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ هِلَالٍ وَالْعَقَبَانِيُّ وَالسَّرَقُسْطِيُّ وَالْقِشْتَالِيُّ قَاضِي فَاسَ نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ، وَنَقَلَ الْقَصَّارُ عَنْ الْمَاوِسِيِّ مُفْتِي فَاسَ أَنَّهُ جَرَى بِهِ الْحُكْمُ فِي مَدِينَةِ فَاسَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَفِي الْعَمَلِيَّاتِ وَبَيْعُ مَضْغُوطٍ لَهُ نُفُوذٌ إلَخْ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ جَبْرًا حَرَامًا مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانِ عَلَى الْبَيْعِ لِوَفَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُنْفِقِ لِلنَّفَقَةِ أَوْ مُلْتَزِمِ الْإِقْلِيمِ أَوْ الْبَلَدِ بِمَالٍ فَيَعْجِزُ عَنْهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ لِذَلِكَ أَوْ لِلْجِزْيَةِ أَوْ الْخَرَاجِ الْحَقِّ فَهُوَ لَازِمٌ، وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَكَالْجَبْرِ عَلَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِتَوْسِعَةِ الْجَامِعِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ أَوْ الطَّرِيقِ وَالطَّعَامِ الْمُحْتَاجِ لَهُ وَالْكَافِرِ عَلَى بَيْعِ عَبْدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمُصْحَفِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ.
وَرُدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ
، وَمَضَى فِي جَبْرِ عَامِلٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ جُبِرَ الْمَالِكُ عَلَى بَيْعِ شَيْئِهِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ جَبْرًا حَرَامٌ وَزَادَ جَبْرًا (رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِّ أَيْ الْمَبِيعُ بِالْجَبْرِ الْحَرَامِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ سَوَاءٌ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ وُهِبَ أَوْ اُسْتُوْلِدَ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي جَبْرَ الْبَائِعَ عَلَى بَيْعِ أَمَتِهِ وَوَطِئَهَا حُدَّ وَإِنْ عَلِمَ بِجَبْرِهِ عَلَى سَبَبِهِ فَلَا يُحَدُّ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ (بِلَا) رَدِّ (ثَمَنٍ) مِنْ الْمُكْرَهِ فِي الْجَبْرِ عَلَى سَبَبِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِجَبْرِ الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ عَلِمَ بِهِ وَإِلَّا رُدَّ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَمُقْتَضَى التَّوْضِيحِ أَنَّهُ مُقَابِلٌ، وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَلَامُ سَحْنُونٍ إذَا كَانَ الْمَضْغُوطُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَا يَغْرَمُهُ مُطْلَقًا، هَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ سَلْمُونٍ، وَقَيَّدَ ابْنُ النَّاظِمِ كَلَامَ وَالِدِهِ فِي التُّحْفَةِ بِكَلَامِ سَحْنُونٍ فَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِالْمُضِيِّ فِي الْجَبْرِ عَلَى السَّبَبِ. وَأَمَّا إنْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا عِنْدَهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبِهِ فَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ تَلَفُهُ بِلَا سَبَبِهِ رُدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ.
(وَمَضَى) الْبَيْعُ الْمَجْبُورُ عَلَيْهِ مِنْ السُّلْطَانِ (فِي جَبْرِ عَامِلٍ) لِلسُّلْطَانِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ عَلَى بَيْعِ مَا بِيَدِهِ لِيُوَفِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا ظَلَمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ شَرْعِيٌّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُهُ ابْتِدَاءً، فَلَوْ قَالَ وَجَازَ أَوْ طَلَبِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَمَحَلُّ الْبَيْعِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَعْيَانُ الْمَغْصُوبَةُ بَاقِيَةً بِأَعْيَانِهَا بِيَدِ الْعَامِلِ وَإِلَّا رُدَّتْ بِأَعْيَانِهَا. ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقَضَاءِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ لِلسُّلْطَانِ فِي أَخْذِ الْمَالِ وإعْطَائِهِ أَنَّهُ إذَا ضُغِطَ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي هَذَا الْمَالِ وَلَا إعْطَائِهِ فَلَا. يَشْتَرِي مِنْهُ إذَا ضُغِطَ. فَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ فَلَهُ الْقِيَامُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضُغِطَ فِيمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ فَلَمْ يُضْغَطْ إلَّا فِيمَا صَارَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ حَقٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ عَلَى الْعَامِلِ مَا زَادَ عَلَى مَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَحَقِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَهَذَا إذَا أُحْصِيَ مَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَهَا وَعُلِمَ، فَإِنْ لَمْ يُحْصَ وَلَمْ
وَمُنِعَ بَيْعُ: مُسْلِمٍ، وَمُصْحَفٍ، وَصَغِيرٍ لِكَافِرٍ
وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ
ــ
[منح الجليل]
يُعْلَمْ فَلَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى شَطْرِ مَا بِيَدِهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُوَضِّحُ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَمَحَلُّ أَخْذِ الشَّطْرِ إنْ وَفَّى مَا ظُلِمَ فِيهِ وَإِلَّا أَخَذَ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ إنْ تَوَقَّفَتْ التَّوْفِيَةُ عَلَيْهِ وَلَا يَتْرُكُ إلَّا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ.
(وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بَيْعُ) رَقِيقٍ (مُسْلِمٍ) صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ (وَمُصْحَفٍ) وَجُزْئِهِ وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَعِلْمٍ شَرْعِيٍّ (وَ) رَقِيقٍ (صَغِيرٍ) كَافِرٍ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَجُوسِيُّ اتِّفَاقًا وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الرَّاجِحِ، وَصِلَةُ بَيْعُ (لِ) شَخْصٍ (كَافِرٍ) وَمَفْهُومُ صَغِيرٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا جَازَ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ إنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ وَإِلَّا فَلَا وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَوْلُهَا هِبَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ جَائِزَةٌ مَعْنَاهُ مَاضِيَةٌ بَعْدَ وُقُوعِهَا ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَيُمْنَعُ بَيْعُ آلَةِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّينَ مِنْ سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ وَسُرُوجٍ وَنَحْوِهَا كَنُحَاسٍ وَخِبَاءٍ وَآلَةِ سَفَرٍ وَمَاعُونِهِ، وَيُجْبَرُونَ عَلَى بَيْعِهِ إنْ وَقَعَ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُمْنَعُ بَيْعُ الدَّارِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً، وَالْخَشَبَةِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا صَلِيبًا، وَالْعِنَبِ لِمَنْ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، وَالنُّحَاسِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ نَاقُوسًا، وَكُلِّ شَيْءٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ بِهِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ جَارِيَةٍ لِأَهْلِ الْفَاسِدِ الَّذِينَ لَا غِيرَةَ لَهُمْ، أَوْ يُطْعِمُونَهَا مِنْ حَرَامٍ وَمَمْلُوكٍ لِمَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ بِهِ.
الْحَطَّابُ وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْحَرْبِيِّينَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ وَيُمْنَعُ فِي غَيْرِهَا. وَكَلَامُ الشَّاطِبِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُهُ مُطْلَقًا، وَعَزَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ جُزَيٍّ لِابْنِ الْقَاسِمِ. الشَّاطِبِيُّ يَمْنَعُ بَيْعَ الشَّمْعِ لَهُمْ إذَا كَانُوا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ لِأَعْيَادِهِمْ فَيُكْرَهُ.
(وَ) إنْ بِيعَ مُسْلِمٌ أَوْ مُصْحَفٌ أَوْ صَغِيرٌ لِكَافِرٍ مَضَى بَيْعُهُ فَلَا يُفْسَخُ وَ (أُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْكَافِرُ الَّذِي اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ صَغِيرًا (عَلَى إخْرَاجِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ مَعَ الْقِيَامِ، وَمُقْتَضَى ابْنِ عَرَفَةَ
بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَوْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ
، لَا بِكِتَابَةٍ
ــ
[منح الجليل]
أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِفَسْخِهِ مَعَ الْقِيَامِ ضَعِيفٌ، وَيُعَاقَبُ الْمُتَبَايِعَانِ إنْ لَمْ يُعْذَرَا بِجَهْلٍ، وَصِلَةُ إخْرَاجِهِ (بِعِتْقٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي الْكَافِرِ لِلرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ بِبَيْعٍ وَيَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ لَا الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهَا إهَانَةٌ لِلْمُسْلِمِ (أَوْ) بِ (هِبَةٍ) لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِوَلَدٍ كَبِيرٍ مُسْلِمٍ بَلْ (وَلَوْ لِوَلَدِهَا) أَيْ الْكَافِرَةِ الْمُشْتَرِيَةِ مَا ذَكَرَ (الصَّغِيرِ) الْمُسْلِمِ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ أَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ وَقُدْرَتِهَا عَلَى اعْتِصَارِ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ لَا تُمْنَعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي الْإِخْرَاجِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْكَاتِبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ مَنَاسٍ لَا تَكْفِي فِيهِ هِبَتُهَا لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ مُحْتَجًّا بِعَدَمِ كِفَايَتِهَا فِي حَلَبَةِ الْأُخْتِ.
وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ مَالِكَ الْأُخْتَيْنِ لَهُ الِاعْتِصَارُ وَالْكَافِرَةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ، فَإِنْ اعْتَصَرَتْ أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِخْرَاجِ. الْحَطّ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَتَرْجِيحُ ابْنِ يُونُسَ إنَّمَا هُوَ فِي عَبْدِ النَّصْرَانِيَّةِ يُسْلِمُ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي اشْتِرَاءِ الْكَافِرَةِ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ. طفي هَذَا لَا يُنَجِّي مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ، فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي تَخْلِيطِهِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجَعْلِ الْمُبَالَغَةَ عَلَى فَرْضٍ فِي فَرْضٍ آخَرَ غَيْرَهُ.
وَهَبْ أَنَّ نَظَرَهُ يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُمَا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِي مَحَلِّهَا وَحَيْثُ فَرَضَهَا الْأَوَّلُونَ إذْ هَذِهِ وَظِيفَةُ الْمُقَلِّدِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الْحَطّ وَالذَّكَرُ الْكَافِرُ كَالْأُنْثَى فَإِنَّهَا فَرْضُ مَسْأَلَةٍ. أَبُو عَلِيٍّ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْأُمِّ لَا يَنْهَضُ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ لِلْأَبِ تَسَلُّطًا عَلَى مَالِ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ فَلَا حَجْرَ لَهَا عَلَيْهِ غَالِبًا. وَإِنْ شَارَكَتْ الْأَبَ فِي الِاعْتِصَارِ فَلَعَلَّ فَرْضَهَا فِي الْأُمِّ مَقْصُودٌ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَعَ تَوَلِّي الْكَافِرِ قَبْضَ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَتُبَاعُ لِمُسْلِمٍ وَسَيُفِيدُ مُضِيَّهَا وَوُجُوبَ بَيْعِهَا بِقَوْلِهِ وَمَضَتْ كِتَابَةُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ وَبِيعَتْ، وَالْأَوْلَى كَكِتَابَةٍ لِيَشْمَلَ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ وَيُؤَاجِرَ الْمُدَبَّرُ، وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ
وَرَهْنٍ وَأَتَى بِرَهْنِ ثِقَةٍ، إنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، وَإِلَّا عُجِّلَ: كَعِتْقِهِ.
ــ
[منح الجليل]
أَنَّ أَمَتَهُ أَسْلَمَتْ وَوَطِئَهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَيُنْجَزُ عِتْقُهَا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ عِتْقِهَا، أَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَهِيَ قِنٌّ ثُمَّ أَسْلَمَتْ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِيهِمَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ عَنْهَا، وَتُبَاعُ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ، وَبِيعَ عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ مُعْتَقٍ بَعْضُهُ أَسْلَمَ، فَإِنْ أَعْتَقَ هُوَ بَعْضَهُ قُوِّمَ بَاقِيهِ عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ.
(وَ) لَا يَكْفِي الْإِخْرَاجُ بِ (رَهْنٍ) مِنْ الْكَافِرِ لِلرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ لِمُسْلِمٍ فَيُبَاعُ عَلَيْهِ (وَأَتَى) أَيْ يَأْتِي الْكَافِرُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ (بِرَهْنِ ثِقَةٍ) أَيْ مُوفٍ لِلدَّيْنِ (إنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ) أَيْ الْمُتَوَثِّقُ بِالرَّقِيقِ فِي دِينِهِ (بِإِسْلَامِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الَّذِي رَهَنَهُ الْكَافِرُ حِينَ عَقَدَ الرَّهْنَ، هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ مُحْرِزٍ (وَلَمْ يُعَيَّنْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُثْقَلَةً أَيْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ رَهْنُهُ، وَهَذَا الْقَيْدُ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ سَوَاءٌ عُيِّنَ أَمْ لَا أَمْ عُيِّنَ لِلرَّهِينَةِ (عَجَّلَ) الْكَافِرُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ بِأَنْ كَانَ عَيْنًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ عَرَضًا مِنْ قَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ فِي قَبُولِ التَّعْجِيلِ وَإِبْقَاءِ ثَمَنِ الرَّقِيقِ رَهْنًا إلَى الْأَجَلِ وَالْإِتْيَانِ بِرَهْنِ ثِقَةٍ، وَلَيْسَ إبْقَاءُ الرَّقِيقِ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْرَارُ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ جَبْرُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى بَقَاءِ دِينِهِ بِلَا رَهْنٍ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا فِي إتْيَانِ الرَّاهِنِ بِرَهْنِ ثِقَةٍ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الرَّاهِنُ أَخْذَ ثَمَنِ الرَّقِيقِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ تَعْجِيلَهُ فِي الدَّيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الرَّهْنِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَتْبَعُ بِبَاقِي الدَّيْنِ.
وَشَبَّهَ فِي التَّعْجِيلِ فَقَالَ (كَعِتْقِهِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ الْكَافِرِ رَقِيقَهُ الْمُسْلِمَ الَّذِي رَهَنَهُ عِنْدَ أَمْرِهِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَيُعَجِّلُ الدَّيْنَ لِمَرْهُونٍ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَلَا يَبْقَى الرَّقِيقُ رَهْنًا فِي عُسْرِهِ لِئَلَّا يَسْتَمِرَّ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْحَقِّ مِنْ الْمُعْسِرِ إنَّمَا يَكُونُ بِرَدِّ عِتْقِهِ وَبَيْعِ رَقِيقِهِ فِي الدَّيْنِ،
وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ
: وَفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ وَيُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ
ــ
[منح الجليل]
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ فِي الرَّهْنِ وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ وَعُجِّلَ وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى فِي غَيْرِ الْكَافِرِ الَّذِي أَعْتَقَ، الرَّهْنُ الْمُسْلِمُ قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِ أَحْمَدَ وَأَحْمَدَ بَابَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَرَدَّهُ عج غَيْرُ صَحِيحٍ.
(وَ) إنْ بَاعَ الْكَافِرُ رَقِيقَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْكَافِرَ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَظَهَرَ لِمُشْتَرِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ (جَازَ) لَهُ (رَدُّهُ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ (بِعَيْبٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ لَا يُقَالُ الَّذِي يَتَوَلَّى بَيْعَهُ السُّلْطَانُ وَبَيْعُهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى رَدُّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَيْعُهُ هُنَا لَيْسَ بَيْعَ بَرَاءَةٍ قَالَهُ عج، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، فَالصَّوَابُ إبْقَاءُ الْقَاعِدَةِ عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يَشْمَلُ إسْلَامَ الرَّقِيقِ قَبْلَ بَيْعِهِ كَالْمُصَنِّفِ وَبَعْضِ مَنْ شَرَحَهُ كَالْحَطِّ، وَأَمَّا مَنْ فَرَضَهَا فِي خُصُوصِ إسْلَامِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ كَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ و " ق " فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَ) إنْ بَاعَ كَافِرٌ رِقَّهُ الْكَافِرَ لِمُسْلِمٍ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَأَسْلَمَ الرَّقِيقُ (فِي) زَمَنِ (خِيَارِ) شَخْصٍ (مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ) فَإِنَّهُ (يُمْهَلُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ الْمُشْتَرِي الْمُسْلِمُ (لِانْقِضَائِهِ) أَيْ الْخِيَارِ، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ مِنْ خُرُوجِ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ مِنْ مِلْكِ الْكَافِرِ، وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ جُبِرَ الْكَافِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ (وَ) إنْ بَاعَ كَافِرٌ رَقِيقَهُ الْكَافِرَ لِكَافِرٍ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا وَأَسْلَمَ الرَّقِيقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ (يُسْتَعْجَلُ) الشَّخْصُ (الْكَافِرُ) الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ وَلَا يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ، وَيُجْبَرُ مَنْ يَصِيرُ لَهُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا لِئَلَّا يَلْزَمَ بَقَاءُ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ كَافِرٍ.
فَإِنْ قُلْت هَذَا فِي إسْلَامِهِ فِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ أَيْضًا فَلِمَ أُمْهِلَ. قُلْت لِسَبْقِ حَقِّهِ وَمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْعَقِدٌ وَالْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فِيهَا لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ
كَبَيْعِهِ إنْ أَسْلَمَ، وَبَعُدَتْ غِيبَةُ سَيِّدِهِ
وَفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنْ الْإِمْضَاءِ.
ــ
[منح الجليل]
فَلَا يُفْسَخُ وَيُقَالُ لِمَالِكِ الْخِيَارِ اخْتَرْ أَوْ رُدَّ، ثُمَّ يُبَاعُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ إلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ اسْتِعْجَالُ الْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَاقِدُ مَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَاَلَّذِي فِي نَصِّ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْعَاقِدَانِ كَافِرَيْنِ، وَنَصُّهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ كَافِرَيْنِ عُجِّلَ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَلَا يُعَجَّلُ إذْ قَدْ يَصِيرُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا.
وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ التُّونُسِيِّ اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الثَّلَاثَةُ كُفَّارًا وَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَبَائِعُهُ فَهَلْ يُعَجَّلُ تَخْيِيرُ الْكَافِرِ، وَكَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَحْدَهُ أَوْ يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْخَرَاجَ لِمُسْلِمٍ. قُلْت يُرِيدُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. الْبُنَانِيُّ لَمْ أَرَ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرِهِ. وَلَا يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ وَاعْتَمَدَهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَى ضَعْفِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ مِثْلَ الَّذِي لِلتُّونُسِيِّ وَأَقَرَّ كَلَامَهُمَا.
وَشَبَّهَ فِي التَّعْجِيلِ فَقَالَ (كَبَيْعِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ مِنْ السُّلْطَانِ (إنْ أَسْلَمَ) الرَّقِيقُ الْمَمْلُوكُ الْكَافِرُ فِي غَيْبَةِ الْكَافِرِ (وَبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ) بِكَوْنِهَا عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَ خَوْفِهِ وَهَلْ يُتَلَوَّمُ لَهُ إنْ رَجَا قُدُومَهُ أَمْ لَا، فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْخِيَارِ بِقَوْلِهِ فَتُلُوِّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إنْ رُجِيَ قُدُومُهُ، كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، وَفِيهَا نَفْيُ التَّلَوُّمِ. وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ تَأْوِيلَانِ، وَمَفْهُومُهُ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ فَلَا يُبَاعُ وَيُكْتَبُ لَهُ لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهِ قَبْلَ إسْلَامِ الرَّقِيقِ أَوْ قَبْلَ بَيْعِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ بِيعَ فِي بَعْدِ الْغَيْبَةِ وَقَدِمَ السَّيِّدُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَهُ نُقِضَ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نُقِضَ عِتْقُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا أَفَادَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(وَ) إنْ بَاعَ مُسْلِمٌ رَقِيقًا كَافِرًا لِكَافِرٍ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَأَسْلَمَ الرَّقِيقُ (فِي) زَمَنِ خِيَارِ (الْبَائِعُ) الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ (يُمْنَعُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْبَائِعُ الْمُسْلِمُ (مِنْ الْإِمْضَاءِ) لِلْبَيْعِ. الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ شَاسٍ وَالْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ فَيُمْنَعُ الْإِمْضَاءُ؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ بَيْعٍ أَوْ مُتَبَرِّمٍ فَيَجُوزُ الْمُوَضَّحُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ انْحِلَالُهُ، ثُمَّ
وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ: تَرَدُّدٌ
ــ
[منح الجليل]
قَالَ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ مُتَبَرِّمٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا بِيَدِ الْمُسْلِمِ رَفْعُ تَقْرِيرِهِ وَبَيْنَ ابْتِدَاءِ بَيْعِهِ بِجَامِعِ تَمْلِيكِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَا هُوَ مُخْرَجٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ لِابْنِ مُحْرِزٍ خِلَافُهُ، وَنَصُّهُ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا وَالْخِيَارُ لَهُ وَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فَوَاضِحٌ كَوْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى خِيَارِهِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اُحْتُمِلَ بَقَاءُ الْخِيَارِ لِمُدَّتِهِ إذْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَتَعْجِيلُهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لِعَقْدِ الْكَافِرِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ، وَبِهِ نَظَرَ " ق " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ.
نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ اُسْتُحْسِنَ عَدَمُ إمْضَائِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَضَى وَمِثْلُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ فَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ، وَالصُّوَرُ الْعَقْلِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ تِسْعٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إمَّا كَافِرَانِ مَعًا أَوْ الْكَافِرُ الْبَائِعُ فَقَطْ أَوْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا الْخِيَارُ فِيهِ إمَّا لِلْبَائِعِ فَقَطْ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ أَوْ لَهُمَا مَعًا فَهَذِهِ تِسْعٌ، أُخِذَ مِمَّا تَقَدَّمَ حُكْمُ سِتٍّ مِنْهَا وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَهِمَ مِنْهُ حُكْمَ التِّسْعِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْخِيَارُ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ بَائِعًا مُنِعَ مِنْ الْإِمْضَاءِ عَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا بَقِيَ الْخِيَارُ لِمُدَّتِهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ أَوْ الْإِمْضَاءِ عُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَضَى لِمَنْ رَدَّ مِنْهُمَا، وَفِي ذَلِكَ إنْ صَارَ لِلْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ وَلِلْكَافِرِ أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ، وَمِثْلُ مَا قُلْنَاهُ يَأْتِي إذَا كَانَا مَعًا كَافِرَيْنِ، لَكِنْ مَعَ الِاسْتِعْجَالِ، وَمَنْ صَارَ لَهُ مِنْهُمَا عُجِّلَ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ) أَيْ رَقِيقٍ كَانَ كَافِرًا وَ (أَسْلَمَ) فِي مِلْكِ كَافِرٍ وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ (بِخِيَارٍ) لَهُ لِلِاسْتِقْصَاءِ فِي ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَهَلْ مُدَّتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَكَجُمُعَةٍ فِي رَقِيقٍ أَوْ جُمُعَةٍ طَرِيقَتَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ عَازِيًا الْأُولَى لِعِيَاضٍ، وَالثَّانِيَةَ لِابْنِ رُشْدٍ، وَعَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ بِخِيَارٍ (تَرَدُّدٌ) تت لِلْمَازِرِيِّ وَحْدَهُ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِخِيَارٍ يُخَالِفُ اسْتِعْجَالَ الْكَافِرِ. قُلْت لَا يُخَالِفُهُ
وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ؟ تَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ لَمَّا وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ بِخِيَارٍ حَصَلَ الِاسْتِقْصَاءُ فِي الثَّمَنِ فَلَا مَضَرَّةَ فِي الِاسْتِعْجَالِ، وَلَوْ مُنِعَ هُنَا مِنْ بَيْعِهِ بِخِيَارٍ ابْتِدَاءً لَفَاتَ الِاسْتِقْصَاءُ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ عَقْدِ الْخِيَارِ فِيهِ اسْتِقْصَاءٌ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْبَتِّ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ قَدْ يُسْلِمُ عَقِبَ بَيْعِهِ بِخِيَارٍ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ. وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ أَنَّ إسْلَامَ الْعَبْدِ طَرَأَ عِنْدَ الْكَافِرِ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْمَازِرِيِّ. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَجُبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ بِخِيَارٍ لِتَعَدِّيهِ بِشِرَاءِ الْمُسْلِمِ.
(وَهَلْ مَنْعُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ بَيْعِ الرَّقِيقِ (الصَّغِيرِ) لِكَافِرٍ (إذَا لَمْ يَكُنْ) الصَّغِيرُ (عَلَى دِينِ) كَافِرٍ (مُشْتَرِيهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَيْ مُعْتَقَدِهِ الْخَاصِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ جَازَ بَيْعُهُ لَهُ (أَوْ) الْمَنْعُ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ دِينِ مُشْتَرِيهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ الصَّغِيرِ (أَبُوهُ) فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فِيهِ فَلَا كَلَامَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ لِتَبَعِيَّتِهِ أَبَاهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ. قَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي مَعَهُ أَبُوهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ وَالْحُكْمُ قَوْلُهُ وَلَهُ شِرَاءُ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) الْبِسَاطِيُّ هَذَا كُلُّهُ تَعَسُّفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَمْ لَا، كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ أَمْ لَا، وَالْعِلَّةُ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الصَّغِيرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَذَا ثَانِيهَا، فَحَمَلَهُ الْحَطّ فِي هَذَا وَمَا بَعْدُ عَلَى الْكِتَابِيِّ قَالَ وَالْأَوَّلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِيَجْرِيَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَتَكُونَ أَلْ فِيمَا بَعْدَهُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَكُونَ حُكْمُ الْمَجُوسِيِّ مَأْخُوذًا بِالْأَحْرَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَجُوسَ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمَجُوسِيَّ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ التَّأْوِيلَيْنِ بِالْكِتَابِيِّ وَكَأَنَّهُ قَبِلَ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ لِلْمُدَوَّنَةِ بِكَوْنِ الْكِتَابِيِّ لَيْسَ مَعَهُ أَبُوهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ شَرْطٌ فِي كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمَا فَقَالَ وَهَلْ مُنِعَ الصَّغِيرُ إذَا لَمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ مُطْلَقٌ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا فَقَالَ وَهَلْ مُنِعَ الصَّغِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ، أَوْ مُطْلَقٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ لَكَانَ أَوْلَى، يَدُلُّ عَلَى هَذَا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَعِيَاضٍ اُنْظُرْ ضَيْح وَالْحَطّ.
وَجَبْرُهُ: تَهْدِيدٌ، وَضَرْبٌ.
وَلَهُ شِرَاءُ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ، إنْ أَقَامَ بِهِ
لَا غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ
وَالصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ رَقِيقًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَجُوسِيُّ مُطْلَقًا وَالْكِتَابِيُّ الصَّغِيرُ الْحَرْبِيُّونَ جَبْرًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَ (جَبْرُهُ تَهْدِيدٌ) أَيْ تَخْوِيفٌ بِالضَّرْبِ (وَضَرْبٌ) بِالْفِعْلِ إنْ لَمْ يُفِدْ التَّهْدِيدُ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ. تت كَذَا فَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ فَحَلَّ الشَّارِحُونَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ إذَا امْتَنَعَ فَجَبْرُهُ بِالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ، وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فِي نَفْسِهِ. اهـ. عب لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَأُجْبِرَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْإِمَامُ وَلَا يَتَوَلَّاهُ هُوَ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى جَبْرُهُ بِمَا ذَكَرَ.
(وَلَهُ) أَيْ الْكَافِرِ (شِرَاءُ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ) أَيْ مُعْتَقَدِهِ الْخَاصِّ فَلَا يَكْفِي مُوَافَقَتُهُ فِي مُطْلَقِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِلَلٌ مَنْ تَمَسَّكَ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَكَمَ بِكُفْرِ غَيْرِهِ وَعَادَاهُ (إنْ أَقَامَ) الْكَافِرُ الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الَّذِي عَلَى دِينِهِ أَيْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إقَامَتَهُ بِهِ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا خُصَّ بِالذَّكَرِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَنْ هِيَ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِاَلَّتِي لَيْسَتْ كَالذَّكَرِ فِي كَشْفِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ
(لَا) يَجُوزُ لِكَافِرٍ شِرَاءُ (غَيْرِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الَّذِي عَلَى دِينِهِ وَهُوَ الصَّغِيرُ مُطْلَقًا وَالْبَالِغُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى دِينِهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ. ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ
(وَالصَّغِيرِ) تت يُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى بَالِغٍ أَيْ وَلَهُ شِرَاءُ الصَّغِيرِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الْمُدَوَّنَةَ. وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ وَلَهُ شِرَاءُ الصَّغِيرِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا. وَمُنِعَ بَيْعُ صَغِيرٍ لِكَافِرٍ وَأَتَى بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ.
ابْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُقَدِّمْهُ هُنَاكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ لِلثَّلَاثَةِ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ. طفي يَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَكُونُ إشَارَةً لِتَرْجِيحِ التَّأْوِيلِ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَمْ لَا. وَالْمُصَحَّحُ هُوَ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ التَّأْوِيلَ الْآخَرَ. وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ فَلَمْ يُوجَدْ هُنَا تَرْجِيحٌ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْحَطّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا.
وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: طَهَارَةٌ لَا: كَزِبْلٍ.
وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ
ــ
[منح الجليل]
وَشُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (لِ) صِحَّةِ بَيْعِ الشَّيْءِ (الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا (طَهَارَةٌ) حَاصِلَةٌ بِالْفِعْلِ أَوْ يُمْكِنُ حُصُولُهَا كَثَوْبٍ تَنَجَّسَ مَعَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ الْمُبِيحِ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ النَّجِسِ فَلَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ، فَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ النَّجِسِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الطَّهَارَةَ. (كَزِبْلٍ) لِمُحْرِمٍ كَفَرَسٍ، وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ، أَوْ مَكْرُوهٍ كَسَبُعٍ وَهِرٍّ.
الْبُنَانِيُّ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمَنْعِ الزِّبْلِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَنْعِ بَيْعِ الْعُذْرَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْعُذْرَةِ مَمْنُوعٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ، وَقَدْ حَصَّلَ الْحَطّ فِي بَيْعِهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى فَهْمِ الْأَكْثَرِ الْمُدَوَّنَةَ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَفَهْمِهَا أَبُو الْحَسَنِ، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ لَهَا فَيَجُوزُ وَعَدَمِهِ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الزِّبْلُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَيْعِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَيْعَ الْعُذْرَةِ، وَقَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ، وَقَوْلَ أَشْهَبَ فِيهَا الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ، وَتُزَادُ الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْعُذْرَةِ، وَفَهْمُ أَبِي الْحَسَنِ. وَفِي التُّحْفَةِ:
وَنَجِسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَةٌ
…
وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعُذْرَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ.
(وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ) بِفَتَحَاتٍ مُثْقَلًا، وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ الْمُتَنَجِّسَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَالزَّيْتُ الْمُتَنَجِّسُ يُمْنَعُ فِي الْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ. ضَيْح صَرَّحَ الْمَازِرِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَبِهَا أَفْتَى ابْنُ اللَّبَّادِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَالْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ بِهِ إذَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ بِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَهُ عَنْهُ وَلَا يُذْهِبُ جُمْلَةَ الْمَنَافِعِ مِنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ
وَانْتِفَاعٌ لَا: كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ
وَعَدَمُ نَهْيٍ، لَا: كَكَلْبِ صَيْدٍ
ــ
[منح الجليل]
فِيمَا كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ، وَهَذَا فِي الزَّيْتِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُجِيزُ غَسْلَهُ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَ غَسْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فَسَبِيلُهُ فِي الْبَيْعِ سَبِيلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَكِنَّهُ عَيْبٌ فِي الْجَدِيدِ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ إنْ أَفْسَدَهُ الْغَسْلُ. الْحَطّ الظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا خَشْيَةَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُشْتَرِيهِ خُصُوصًا إنْ كَانَ بَائِعُهُ مِمَّنْ يُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ. تت يَجِبُ بَيَانُهُ إنْ كَانَ الْغَسْلُ يُفْسِدُهُ أَوْ كَانَ مُشْتَرِيهِ مُصَلِّيًا.
(وَانْتِفَاعٌ) بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا حَالًا أَوْ مَآلًا كَرَقِيقٍ صَغِيرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ صَغِيرَةٍ فَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ (كَ) حَيَوَانٍ (مُحَرَّمٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثْقَلًا أَكْلُهُ كَبَغْلٍ (أَشْرَفَ) عَلَى الْمَوْتِ تَبِعَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُحَرَّمِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ مَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْمُشْرِفِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ السِّيَاقِ. وَأَمَّا الْبَالِغُ حَدَّ السِّيَاقِ فَاتُّفِقَ عَلَى مَنْعِهِ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا. وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ السِّيَاقِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا كَالْحَامِلِ الْمُقَرَّبِ وَذِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ.
(وَعَدَمُ نَهْيٍ) عَنْ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ فَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ مَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ (كَكَلْبِ صَيْدٍ) وَحِرَاسَةِ زَرْعٍ وَبُسْتَانٍ وَمَاشِيَةٍ. أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلْمَنَافِعِ كُلِّهَا وَدَفْعِ الْمَضَارِّ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْبَادِيَةِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُخَوَّفِ فِيهَا السِّرَاقُ. ابْنُ نَاجِي عَلَى قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا يُتَّخَذُ كَلْبٌ فِي الدُّورِ فِي الْحَضَرِ مَا نَصُّهُ مَا لَمْ يَضْطَرَّ لِحِفْظِهِ فَيُتَّخَذَ حَتَّى يَزُولَ الْمَانِعُ، وَقَدْ اتَّخَذَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ كَلْبًا فِي دَارِهِ حِينَ وَقَعَ حَائِطٌ مِنْهَا وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشِّيعَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " عَنْهُ زَمَنَنَا لَاتَّخَذَ أَسَدًا ضَارِيًا.
وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَأَوْلَى غَيْرُهُ، وَمَنَعَ بَيْعَهُ قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ نَافِعٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ. سَحْنُونٌ أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. وَالْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ. وَيُمْنَعُ قَتْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ. طفي لَمْ يَجْعَلْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ، وَلَا الْمَازِرِيُّ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمْ عَدَمَ النَّهْيِ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَأَدْرَجُوهُ فِي شَرْطِ كَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ مَا فُقِدَ مِنْهُ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالنَّجِسِ وَغَيْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ وَغَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ فِي الْمُعَلِّمِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَيْعِ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، بَلْ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدُومِ شَرْعًا وَالْمَعْدُومِ حِسًّا، وَمَا تَنَوَّعَتْ مَنَافِعُهُ إلَى مُحَلَّلَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ خَاصَّةً كَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا وَتَبِعَهَا الْحُكْمُ، وَصَارَ النَّوْعُ الْآخَرُ كَالْمَعْدُومِ. وَإِنْ تَوَزَّعَتْ فِي النَّوْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمُحَرَّمَ مِنْهُمَا مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمُحَرَّمِ مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مَقْصُودَةً كَمَا يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمَنَافِعِ كُلِّهَا مُحَرَّمَةً، وَهَذَا النَّوْعُ وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَمِلْكُهُ صَحِيحٌ لِيَنْتَفِعَ بِهِ مَالِكُهُ بِمَنْفَعَتِهِ الْمُبَاحَةِ.
وَلَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَوَقَعَ الِالْتِبَاسُ فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً مِنْهُ أَمْ لَا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ وَقَفَ فِي حُكْمِ بَيْعِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْأَصْلِ الْمُتَّسَعِ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ فَإِذَا بُنِيَ الْخِلَافُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قِيلَ فِي الْكَلْبِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَذَا وَكَذَا، وَعُدِّدَتْ مَنَافِعُهُ ثُمَّ نُظِرَ فِيهَا فَمَنْ رَأَى جُمْلَتَهَا مُحَرَّمَةً مَنَعَ، وَمَنْ رَأَى
وَجَازَ: هِرٌّ، وَسَبُعٌ لِلْجِلْدِ
ــ
[منح الجليل]
جَمِيعَهَا مُحَلَّلَةً أَجَازَ، وَمَنْ رَآهَا مُنَوَّعَةً إلَى مُحَلَّلَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ نَظَرَ هَلْ الْمَقْصُودُ الْمُحَرَّمُ أَوْ الْمُحَلَّلُ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ لِلْمَقْصُودِ وَلَوْ مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مُحَرَّمَةً. وَمَنْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ وَقَفَ أَوْ كَرِهَ. اهـ. وَنَقْلَة الْحَطّ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ، وَقَدْ اعْتَرَفَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كِلَابِ الصَّيْدِ وَالسِّبَاعِ قَوْلَانِ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْقَيْدِ الثَّانِي، وَهُوَ كَوْنُهُ مُنْتَفِعًا بِهِ قَائِلًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي جَعْلِهِ عَدَمَ النَّهْيِ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا نَظَرًا، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ كُلِّهَا، فَالْعَامُّ لَا يُذْكَرُ خَاصًّا فَتَأَمَّلْهُ اهـ كَلَامُ طفي. ابْنُ عَاشِرٍ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَرْتَضِ رُجُوعَ بَيْعِ الْكَلْبِ لِشَرْطِ الِانْتِفَاعِ لِوُجُودِ الِانْتِفَاعِ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ، فَبَنَى حُكْمَ بَيْعِهِ هُنَا عَلَى شَرْطِ عَدَمِ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ بِهِ مَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ مِمَّا لَمْ يُفْقَدْ فِيهِ شَرْطٌ آخَرُ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ وَابْنَ شَاسٍ وَغَيْرَهُمَا ذَكَرُوا أَنَّ مِثْلَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ كَالدَّمِ أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مُحَرَّمٌ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ، بِخِلَافِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا مُحَلَّلَةٌ كَالزَّيْتِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مُحَرَّمٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ أَشْكَلَ الْأَمْرُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْنَعْ بِأَخْذِهِ مِنْ شَرْطِ الِانْتِفَاعِ لِإِشْكَالِهِ وَخَفَائِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَأَدْرَجُوهُ أَيْ بَيْعَ الْكَلْبِ لَا عَدَمَ النَّهْيِ وَإِلَّا نَافَى مَا بَعْدَهُ، الْمُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ النَّهْيِ هُوَ الْعَامُّ، وَالشُّرُوطَ كُلَّهَا جُزْئِيَّاتُهُ. وَقَوْلُهُ فَالْعَامُّ لَا يُذْكَرُ خَاصًّا فِيهِ. «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» . وَقَالَ الْفُقَهَاءُ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَسَيَأْتِي لِلْمَتْنِ وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا لِدَلِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَجَازَ) أَنْ يُبَاعَ (هِرٌّ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ (وَسَبُعٌ لِ) قَصْدِ أَخْذٍ (لِجِلْدٍ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَاللَّحْمُ لِلْمُشْتَرِي. وَأَمَّا شِرَاؤُهُمَا لِلَحْمٍ فَقَطْ أَوْ لَهُ وَلِلْجِلْدِ فَمَكْرُوهٌ. وَلَوْ قَالَ وَجَازَ كَهِرٍّ لِلْجِلْدِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ لِشُمُولِ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ وَالْفِيلِ لِعَظْمِهِ، وَقِطِّ الزَّبَادَةِ لِزَبَادِهِ. الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ لِلْجِلْدِ قَيْدٌ فِي بَيْعِ السَّبُعِ. وَأَمَّا الْهِرُّ فَيَجُوزُ
وَحَامِلُ مُقْرِبٍ
، وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ، لَا: كَآبِقٍ
ــ
[منح الجليل]
لِيُنْتَفَعَ بِهِ حَيًّا. وَلِلْجِلْدِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ شَرْحُ " ق "
(وَ) جَازَ أَنْ تُبَاعَ (حَامِلٌ) بِجَنِينٍ (مُقْرِبٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ قَرِيبَةُ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا فَخِيفَ غَرَرُهَا. الْبُنَانِيُّ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ بَيْعِ ذِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ، نَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازَ، وَقَطَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ سَلْمُونٍ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ مُحْرِزٍ ذُو مَرَضِ السِّيَاقِ وَمُقَارِبِ الْمَوْتِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَجَوَازُ بَيْعِ ذِي مَرَضِ غَيْرِهِ يُوجِبُ قَصْرَ تَصَرُّفِ الْحُرِّ عَلَى ثُلُثِهِ. نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَعَ دَلِيلٍ فِي قَوْلِهَا فِي الْخِيَارِ إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَوَلَدُهَا مَعَهَا فِي بَتِّ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ.
(وَ) شُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا (قُدْرَةٌ) لِبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ حِسْبَةً (عَلَيْهِ) أَيْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ، وَمِنْهُ النَّحْلُ فِي جُبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَدُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ عَادَةً. وَيُمْنَعُ شِرَاؤُهُ وهُوَ طَائِرٌ عَنْهُ وَإِنْ اشْتَرَى وَهُوَ فِيهِ تَبِعَهُ الْجُبْحُ. وَإِنْ اشْتَرَى الْجُبْحَ دَخَلَ النَّحْلُ الَّذِي فِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْعَسَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (فَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (كَآبِقٍ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ رَقِيقٍ هَارِبٍ مِنْ مَالِكِهِ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ لِأَحَدٍ فِيهِ فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ مَنْ يَتَيَسَّرُ خَلَاصُهُ مِنْهُ وَعُلِمَتْ صِفَتُهُ جَازَ بَيْعُهُ.
الْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ إذَا عَلِمَ الْمُبْتَاعُ مَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ بِصِفَتِهِ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَصَحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ الثَّمَنَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْآبِقِ إذَا كَانَ فِي وَثَاقٍ. الصِّقِلِّيُّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ رَجُلٍ فِي حِيَاطَتِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ. صَالِحٌ يُرِيدُ وَقَدْ حَاطَهُ عَلَيْك وَعَلِمَ أَنَّهُ لَك احْتِرَازًا مِنْ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ لَمْ يُجِزْ سَحْنُونٌ بَيْعَ الْآبِقِ وَإِنْ عَرَفَ الْمُبْتَاعُ مَوْضِعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا لِصَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا خُصُومَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ. فَإِنْ وَقَفَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ كَانَتْ فِيهِ خُصُومَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَإِبِلٍ أُهْمِلَتْ
، وَمَغْصُوبٍ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، وَهَلْ إنْ رَدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً؟ تَرَدُّدٌ.
وَلِلْغَاصِبِ، نَقْضُ مَا بَاعَهُ إنْ وَرِثَهُ
ــ
[منح الجليل]
وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ (إبِلٍ أُهْمِلَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ تُرِكَتْ فِي الْمَرْعَى حَتَّى تَوَحَّشَتْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَجَهْلِ صِفَتِهَا
(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (مَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ غَاصِبِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَمْضِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ أَقَرَّ بِهِ أَمْ لَا اتِّفَاقًا، أَوْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَأَنْكَرَ الْغَصْبَ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَهُوَ غَرَرٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَأَقَرَّ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ (إلَّا) بَيْعَ الْمَغْصُوبِ (مِنْ غَاصِبِهِ) أَيْ لَهُ فَيَجُوزُ.
(وَهَلْ) جَوَازُ بَيْعِهِ لِغَاصِبِهِ (إنْ رُدَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثْقَلًا الْمَغْصُوبُ (لِرَبِّهِ) وَبَقِيَ عِنْدَهُ (مُدَّةً) حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا طَرِيقُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ إنْ عَلِمَ عَزْمَهُ عَلَى رَدِّهِ جَازَ بَيْعُهُ لَهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ عَزْمَهُ عَلَى عَدَمِ رَدِّهِ مُنِعَ اتِّفَاقًا. وَإِنْ أَشْكَلَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الْجَوَازُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ (تَرَدُّدٌ) لَا يُقَالُ دُخُولُ صُورَةِ الْإِشْكَالِ فِي التَّرَدُّدِ لَا يُوَافِقُ اصْطِلَاحَ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَنْصُوصَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَصِحُّ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَقْلِهِمَا، ثُمَّ الرَّاجِحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الرَّدِّ مُدَّةً إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ " غ ". مِنْهُ يَسْتَرْوِحُ إنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ عَزْمٌ لِلْغَاصِبِ عَلَى الرَّدِّ. اهـ. فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ فَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَطْوِيَّةٌ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ كَلَامِهِ.
(وَلِ) لِشَخْصِ ا (الْغَاصِبِ) شَيْئًا وَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ (نَقْضُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ أَيْ فَسْخُ بَيْعِ (مَا) أَيْ الْمَغْصُوبِ الَّذِي (بَاعَهُ) الْغَاصِبُ أَوْ هِبَةِ مَا وَهَبَهُ، أَوْ صَدَقَةِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ فُضُولِيٌّ، وَبَيْعُهُ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِمَالِكِهِ فَلَهُ نَقْضُهُ (إنْ وَرِثَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِنَسَبٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ وَلَاءٍ لِانْتِقَالِ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ لَهُ إنْ أَرَادَ نَقْضَهُ بِفَوْرِ إرْثِهِ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ عَامٍ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْغَاصِبِ بِمَا ذَكَرَ فَيَجْرِي فِي بَيْعِ كُلِّ فُضُولِيٍّ، فَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ لَوْ تَعَدَّى شَرِيكٌ فِي دَارٍ فَبَاعَ جَمِيعَهَا ثُمَّ وَرِثَ
لَا اشْتَرَاهُ
، وَوُقِفَ مَرْهُونٌ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ
وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ. وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي
ــ
[منح الجليل]
حَظَّ شَرِيكِهِ فَلَهُ نَقْضُ بَيْعِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَأَخْذُ حِصَّتِهِ بِالشُّفْعَةِ
(لَا) أَيْ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ شَيْئًا، وَبَاعَهُ نُقِضَ بَيْعُهُ إنْ (اشْتَرَاهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ بَعْدَ بَيْعِهِ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَتَحَلَّلَ صَنِيعُهُ، أَوْ احْتَمَلَ الْأَمْرُ شِرَاءَهُ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا إنْ بَيَّنَ قَبْلَ شِرَائِهِ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَتَمَلَّكَهُ فَلَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. ابْنُ عَاشِرٍ اُنْظُرْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ شِرَاؤُهُ بَعْدَ بَيْعِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ رَدِّهِ لِرَبِّهِ مُدَّةً، بَلْ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الِاشْتِرَاطِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْغَاصِبِ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ، وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ لَهُ بِلَا شَرْطٍ وَعَلَيْهِ مَا هُنَا.
(وَ) إنْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنِهِ صَحَّ بَيْعُهُ وَ (وُقِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ شَيْءٌ. (مَرْهُونٌ) أَيْ بَيْعُهُ مِنْ رَاهِنِهِ (عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ الْمُتَوَثَّقِ بِهِ فِي حَقِّهِ إذَا بَاعَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْمُرْتَهَنَ فَلَهُ إجَازَةُ بَيْعِهِ وَلَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ دَيْنُهُ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ بَيْعٍ بِغَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ أَوْ بِنَقْدٍ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ لَهُ، وَكَذَا إنْ بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَالْآخَرُ يَمْضِي كَبَيْعِهِ قَبْلَهُ مَعَ تَفْرِيطِهِ، وَقَدْ أَفَادَ هَذَا فِي بَابِ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ، وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ أَوْ دَيْنُهُ عَرَضًا وَإِنْ أَجَازَ تُعُجِّلَ، وَلِذَا قَالَ " غ " مَا هُنَا مُجْمَلٌ وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الرَّهْنِ.
(وَ) إنْ بَاعَ شَخْصٌ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ بَيْعُهُ وَوُقِفَ (مِلْكُ غَيْرِهِ) أَيْ بَيْعُهُ وَالضَّمِيرُ لِلْبَائِعِ (عَلَى رِضَاهُ) أَيْ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ فُضُولِيٌّ، بَلْ (وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي) أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَظَاهِرُهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَبِيعَ مِلْكُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْمُبْتَاعُ يَجْهَلُهُ الْمَذْهَبُ لِرَبِّهِ إمْضَاؤُهُ، وَفِيهَا كَانَ بَائِعُهُ غَاصِبًا أَوْ مُتَعَدِّيًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْمَازِرِيُّ لَوْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ غَصْبَهُ فَفِي إمْضَائِهِ بِإِمْضَاءِ مُسْتَحِقِّهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى بَتِّ الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَعَدَمِ تَمْكِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ رَدِّهِ، وَلَوْ دَخَلَا عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ حِلِّهِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ، وَفِيهَا لَوْ عَلِمَ مُبْتَاعُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَغْصُوبٌ وَرَبَّهُ غَائِبٌ فَلَهُ رَدُّهُ لِحُجَّتِهِ بِتَخْيِيرِ رَبِّهِ إذَا قَدِمَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْغَيْبَةَ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ بِالْبَعِيدَةِ وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَهُ " ح ". وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْفُضُولِيِّ فَقَطْ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ صَارَ وَكِيلًا لَهُ، وَشَرَطَ فِي رَدِّهِ أَنْ لَا يَسْكُتَ عَامًا مَعَ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْكُت مُدَّةَ الْحِيَازَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
وَقُيِّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَحْضُرَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ، فَإِنْ حَضَرَهُ وَسَكَتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. ثَانِيهَا: كَوْنُ الْعَقْدِ غَيْرَ صِرْفٍ، وَأَمَّا فِيهِ فَفَسْخٌ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُخْبِرْ الْمُصْطَرِفَ. ثَالِثُهَا: فِي غَيْرِ الْوَقْفِ فَيَبْطُلُ فِيهِ وَلَوْ رَضِيَ وَاقِفُهُ وَمَحَلُّ نَقْضِ بَيْعِ فُضُولِيٍّ إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ بِذَهَابِ عَيْنِهِ، فَإِنْ فَاتَ بِذَهَابِ عَيْنِهِ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ لَا جَوَازُهُ وَلَا نَدْبُهُ قَالَهُ الْحَطّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لَهُ، وَحُكْمُ اشْتِرَائِهِ كَحُكْمِ بَيْعِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ لَزِمَ الشِّرَاءُ الْمُشْتَرِيَ، وَلَا يَرْجِعُ مَالِكُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا إذَا أَشْهَدَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الشِّرَاءَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ، أَوْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ إذَا صَدَّقَ الْبَائِعُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِ الْبَائِعِ ذَلِكَ، وَلَا يُنْتَقَضُ إذَا شَهِدَتْ بِأَنَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرَى لَهُ، وَيَرْجِعُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ.
وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى رِضَا مُسْتَحَقِّهَا.
وَحُلِّفَ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ، ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ، إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ.
وَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِهِ؛
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ بَاعَ الْمَالِكُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ قَبْلَ تَخْلِيصِهِ مِنْ جِنَايَتِهِ بِلَا إذْنِ مُسْتَحِقِّهَا صَحَّ بَيْعُهُ وَوَقَفَ (الْعَبْدُ الْجَانِي) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ مَالٍ أَيْ بَيْعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ قَبْلَ تَخْلِيصِهِ مِنْ جِنَايَتِهِ (عَلَى رِضَا مُسْتَحِقِّهَا) أَيْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيَّهُ فَلَهُ رَدُّ بَيْعِ الْمَالِكِ وَإِمْضَاؤُهُ الْبُنَانِيُّ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ عِلْمِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي هِبَاتِهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِجِنَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَرْشُ وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَرَادَ حَمْلَهُ. اهـ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ، وَاسْتَحْسَنَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْإِقْدَامِ.
(وَ) إنْ بَاعَ الْمَالِكُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ قَبْلَ تَخْلِيصِهِ مِنْهَا فَادَّعَى عَلَيْهِ مُسْتَحِقُّهَا أَنَّهُ رَضِيَ بِتَحَمُّلِ أَرْشِهَا وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ الرِّضَا بِهِ (حَلَفَ) السَّيِّدُ الَّذِي بَاعَ عَبْدَهُ الْجَانِيَ عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ رَاضِيًا بِحَمْلِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ (إنْ ادَّعَى) الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْمُشْتَرِي (عَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ (الرِّضَا) بِتَحَمُّلِ أَرْشِهَا (بِ) سَبَبِ (الْبَيْعِ) لِلْجَانِي مَعَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ.
(ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحَمْلِ الْأَرْشِ (لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ) أَيْ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الْعَبْدِ فِي جِنَايَتِهِ (إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ (السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ) أَيْ مُشْتَرِي الْجَانِي (الْأَرْشَ) فَالْخِيَارُ أَوَّلًا لِلسَّيِّدِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِ نَفْسٍ عَمْدًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى نَفْسٍ خَطَأً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَالْخِيَارُ أَوَّلًا لِلْوَلِيِّ فِي الْقِصَاصِ وَالِاسْتِحْيَاءِ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ خُيِّرَ السَّيِّدُ فَإِنْ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ دَفْعِ الْأَرْشِ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فِي دَفْعِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَيْضًا مِنْ دَفْعِهِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّ بَيْعِهِ وَأَخْذُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ إمْضَاءُ بَيْعِهِ وَ (أَخْذُ ثَمَنِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْجَانِي الَّذِي بَاعَهُ سَيِّدُهُ بِهِ
وَرَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ، إنْ كَانَ أَقَلَّ.
وَلِلْمُشْتَرِي: رَدُّهُ، إنْ تَعَمَّدَهَا
وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ، وَرُدَّ لِمِلْكِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَالْأَوْلَى تَأْخِيرٌ إنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَخْ عَنْ قَوْلِهِ، وَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا، وَلِذَا قَالَ السُّودَانِيُّ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَأَصْلُهُ ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَخْ، ثُمَّ إنْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْأَرْشَ فَلَا إشْكَالَ (وَ) إنْ دَفَعَهُ الْمُبْتَاعُ (رَجَعَ) الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ (بِهِ) أَيْ الْأَرْشِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ (أَوْ بِثَمَنِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْجَانِي (إنْ كَانَ) الثَّمَنُ (أَقَلَّ) مِنْ الْأَرْشِ لِحُجَّةِ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا دَفَعَهُ الْمُبْتَاعُ لَهُ، وَأَنَّهُ يَخْتَارُ حِينَئِذٍ إسْلَامَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِهِ لِحُجَّةِ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا دَفَعَهُ الْمُبْتَاعُ لِلْعَبْدِ فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَقَيَّدَ قَوْلَهُ أَوْ بِثَمَنِهِ بِإِسْلَامِ الْبَائِعِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ فَدَاهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَدَفَعَ لَهُ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ أَوْ الثَّمَنَ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ أَنْتَ أَخَذْت الثَّمَنَ مِنِّي فِي مُقَابَلَةِ الْعَبْدِ وَسَلَّمْته لِلْمُسْتَحِقِّ فَرُدَّ عَلَيَّ مَا أَخَذْته مِنِّي وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَمَّدٌ كَمَا أَفَادَهُ السُّودَانِيُّ.
(وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ) أَيْ الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى بَائِعِهِ (إنْ) كَانَ (تَعَمَّدَهَا) أَيْ الْعَبْدُ الْجِنَايَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِهَا حِينَ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ
(وَ) إنْ قَالَ الْمَالِكُ لِرَقِيقِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ بِك كَذَا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ بِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ فِعْلِهِ بِهِ ذَلِكَ (رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ (الْبَيْعُ فِي) حَلِفِهِ قَبْلَهُ بِحُرِّيَّةِ رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِصِيغَةِ حَنِثَ (لَأَضْرِبَنَّهُ) أَيْ الرَّقِيقَ أَوْ أَحْبِسَنَّهُ أَوْ أَفْعَلُ بِهِ (مَا) أَيْ فِعْلًا (يَجُوزُ) فَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ سَوَاءٌ قَيَّدَ يَمِينَهُ بِأَجَلٍ أَمْ لَا فَتَجَرَّأَ وَبَاعَهُ قَبْلَ بِرِّهِ. فِي يَمِينِهِ فَيُرَدُّ بَيْعُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. الْحَطّ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرَّقِيقَ قَبْلَ رَدِّ بَيْعِهِ مِلْكُ مُشْتَرِيهِ وَضَمَانِهِ.
(وَرُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ الرَّقِيقُ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ بِصِيغَةِ حَنِثَ عَلَى فِعْلِهِ بِهِ مَا يَجُوزُ (لِمِلْكِهِ) أَيْ الْحَالِفِ الْمُسْتَمِرِّ دَفَعَ بِهَذَا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ رَدِّهِ لِفِعْلِ مَا يَجُوزُ ثُمَّ جَبَرَهُ عَلَى رَدِّهِ لِمُشْتَرِيهِ
وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ، إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ وَأُمِنَ كَسْرُهُ وَنَقَضَهُ
ــ
[منح الجليل]
وَرَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ دِينَارٍ الْقَائِلِ بِهَذَا، فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ كَضَرْبِهِ أَلْفَ سَوْطٍ وَبَاعَهُ رُدَّ بَيْعُهُ وَنُجِزَ عِتْقُهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَجَّلْت عِتْقَهُ أَيْ بَعْدَ رَدِّ بَيْعِهِ إذْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهِ، فَإِنْ تَجَرَّأَ وَفَعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ تَنْجِيزِ عِتْقِهِ، فَإِنَّ شَأْنَهُ نَجْزُ عِتْقِهِ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ.
(وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ) مَثَلًا أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُعْتَمَدُ فَيَعُمُّ الْخَشَبَةَ وَالْحَجَرَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَمُودِ (بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ) أَوْ غَيْرِهِ كَمُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ (إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ) لِمَالِ مَنْ لَهُ الْبِنَاءُ الَّذِي عَلَى الْعَمُودِ. اللَّخْمِيُّ بِأَنْ أَضْعَفَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ. الْحَطّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِضَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ عَرْضٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَفِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَا نَصُّهُ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ إتْلَافُهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ، وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ رَأْيٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَخْطَأَ فِيهِ أَوْ أَصَابَ فَغَيْرُ مُرَادٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمِمَّا تَنْتَفِي بِهِ الْإِضَاعَةُ إمْكَانُ تَعْلِيقِ الْبِنَاءِ وَتَدْعِيمِهِ وَكَوْنِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ مُشْرِفًا عَلَى السُّقُوطِ أَوْ يَسِيرًا، فَإِنْ لَمْ تَنْتَفِ الْإِضَاعَةُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ وَقَعَ صَحَّ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النَّفِيسِ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ رَاجِعٌ إلَى بَابِ الْغَبْنِ أَوْ السَّفَهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَصِحُّ تَرْكُهُ. وَلَوْ تَوَاطَأَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَيْهِ فَهَذَا الَّذِي يُذْكَرُ فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَالْمَوَانِعِ. اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ مَا ضَاعَ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْغَبْنِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْآخَرُ، وَنَقْضَ الْبِنَاءِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ فَهِيَ إضَاعَةٌ مَحْضَةٌ فَهِيَ مِنْ الْفَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالُوا إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَدْعِيمُهُ وَتَعْلِيقُهُ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ نَزْعُ الْعَمُودِ إلَّا بِهَدْمِهِ لَكَانَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَا يَجُوزُ.
(وَ) إنْ (أُمِنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (كَسْرُهُ) أَيْ الْعَمُودِ حِينَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْبِنَاءِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ خِيفَ كَسْرُهُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (وَنَقَضَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ الَّذِي عَلَى
الْبَائِعُ
وَهَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْعَمُودِ أَوْ عَلَّقَهُ وَأَدْعَمَهُ (الْبَائِعُ) اتِّفَاقًا، فَإِنْ انْكَسَرَ الْعَمُودُ حِينَئِذٍ فَضَمَانُهُ مِنْهُ. وَأَمَّا قَلْعُهُ مِنْ مَحَلِّهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، فَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّامِلِ. وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَصَدَّرَ بِهِ الْقَرَافِيُّ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِلْقَابِسِيِّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَضَمَانُهُ حَالَ قَلْعِهِ مِنْ بَائِعِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ مُشْتَرِيهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي غَرَرِهَا أَيَجُوزُ إنْ اشْتَرَى عَمُودًا عَلَيْهِ بِنَاءُ الْبَائِعِ وَأَنْقَضَ الْعَمُودَ إنْ أَحْبَبْت، قَالَ نَعَمْ. اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إنْ قَدَرَ عَلَى تَعْلِيقِ مَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ عَلَى سُقُوطٍ أَوْ أَضْعَفَ لَهُ فِي الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَفِي النُّكَتِ إذَا اشْتَرَى عَمُودًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِبَائِعِهِ فَقَطْعُ الْعَمُودِ عَلَى الْبَائِعِ. الصِّقِلِّيُّ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ قَلْعُهُ عَلَى بَائِعِهِ. عِيَاضٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِهَا وَانْقُضْ الْعَمُودَ إنْ أَحْبَبْت أَنَّ قَلْعَهُ عَلَى بَائِعِهِ. الصِّقِلِّيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ عَنْ الشَّيْخِ وَأَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا عَلَيْهِ إزَالَةُ مَا عَلَيْهِ وَقَلْعُهُ عَلَى مُبْتَاعِهِ. زَادَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ وَمَا أَصَابَهُ فِي قَلْعِهِ فَعَلَى مُبْتَاعِهِ.
التُّونُسِيُّ كَمَنْ بَاعَ غَنَمًا اسْتَثْنَى صُوفَهَا، أَوْ أَصْلًا اسْتَثْنَى ثَمَرَتَهُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الصُّوفِ وَالثَّمَرِ. الْمَازِرِيُّ لَا وَجْهَ لِاسْتِبْعَادِ كَوْنِ أَجْرِ الْقَلْعِ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِمَا تَحْتَهُ يَمْنَعُ تَمَكُّنَ مُبْتَاعِهِ مِنْ أَخْذِهِ. عِيَاضٌ قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ قَوْلَانِ، هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ كَبَيْعِ صُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ وَنَحْوِهِ لِلَّخْمِيِّ إنْ كَانَ حَوْلَهُ بِنَاءٌ لِبَائِعِهِ فَعَلَيْهِ إزَالَتُهُ، وَشَرْطُهُ كَوْنُ أَخْذِهِ بَعْدَ إزَالَةِ مَا عَلَيْهِ لَا غَرَرَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ بَعْدَ حَطِّهِ قُلْت هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ الْمَانِعَ مَانِعٌ وَلَوْ اشْتَرَطَ سَلَامَةَ تَمَكُّنٍ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَعَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مَحَلِّ (هَوَاءٍ) بِالْمَدِّ أَيْ الرِّيحُ الْمَالِئُ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ (فَوْقَ) مَحَلِّ (هَوَاءٍ) مُتَّصِلٍ بِأَرْضٍ أَوْ بِنَاءٍ بِأَنْ كَانَ لِشَخْصٍ أَرْضٌ خَالِيَةٌ مِنْ الْبِنَاءِ أَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا، أَوْ بِنَاءٌ أَرَادَ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ، فَيَشْتَرِي شَخْصٌ مِنْهُ قَدْرًا
إنْ وُصِفَ الْبِنَاءُ
وَغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ وَهُوَ مَضْمُونٌ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةً، فَإِجَارَةٌ تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ.
وَعَدَمُ حُرْمَةٍ،
ــ
[منح الجليل]
مُعَيَّنًا مِنْ الْفَرَاغِ الْمَوْهُومِ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الْبِنَاءِ الَّذِي أَرَادَ إحْدَاثَهُ فَيَجُوزُ (إنْ وُصِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (الْبِنَاءُ) الَّذِي أُرِيدَ إحْدَاثُهُ أَسْفَلَ وَأَعْلَى لِيَقِلَّ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَسْفَلِ رَغْبَتُهُ فِي خِفَّةِ الْأَعْلَى، وَصَاحِبَ الْأَعْلَى رَغْبَتُهُ فِي مَتَانَةِ الْأَسْفَلِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي زِيَادَةُ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَا فَوْقَ بِنَائِهِ بِغَيْرِ الْبِنَاءِ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ الِانْتِفَاعُ بِمَا فَوْقَ بِنَاءِ الْأَعْلَى لَا بِالْبِنَاءِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا مِرْفَقَ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ فِي سَطْحِ الْأَعْلَى إذْ لَيْسَ مِنْ الْأَفْنِيَةِ تت الظَّاهِرُ أَنَّ مَفْهُومَ فَوْقَ وَهُوَ هَوَاءٌ تَحْتَ هَوَاءٍ بِأَنْ يَبْنِيَ الْمُشْتَرِي الْأَسْفَلُ وَالْبَائِعُ الْأَعْلَى مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ.
وَغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ (وَ) جَازَ (غَرْزُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ إدْخَالُ (جِذْعٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ سَاقُ الشَّجَرَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْجَائِزَةَ، أَيْ جِنْسَهُ الصَّادِقَ بِالْمُتَعَدِّدِ أَيْضًا (فِي حَائِطٍ) لِجَارٍ أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَخَرْقُ مَوْضِعِ الْجِذْعِ مِنْ الْحَائِطِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُكْتَرِي (وَهُوَ) أَيْ الْغَرْزُ (مَضْمُونٌ) أَيْ فِي ضَمَانِ صَاحِبِ الْحَائِطِ أَوْ وَارِثِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَبَدًا لِبَيْعِهِ مَوْضِعَ الْغَرْزِ مِنْ الْحَائِطِ كَبَيْعِ عُلُوٍّ عَلَى سُفْلٍ، فَإِنْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ فَعَلَى رَبِّهِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ أَحَدِهِمَا، عَالِمًا بِالْغَرْزِ بِنَاؤُهُ، وَيَسْتَمِرُّ مِلْكُ وَضْعِ الْغَرْزِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ أَحَدِهِمَا. وَإِنْ اخْتَلَّ مَوْضِعُ الْغَرْزِ فَقَطْ فَإِصْلَاحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْجِذْعِ وَالضَّمَانُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَذْكُرَ) فِي الْعَقْدِ عَلَى الْغَرْزِ (مُدَّةً) مُعَيَّنَةً كَعَشْرِ سِنِينَ (فَ) الْعَقْدُ (إجَارَةٌ تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِانْهِدَامِهِ) أَيْ الْحَائِطِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَيَرْجِعَانِ لِلْمُحَاسَبَةِ فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ بِنَاؤُهُ.
(وَ) شُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (عَدَمُ حُرْمَةٍ) لِتَمَلُّكِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا حُرِّمَ تَمَلُّكُهُ كَحُرٍّ وَخِنْزِيرٍ وَإِنَاءِ نَقْدٍ، هَذَا مُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ قَالُوا؛ لِأَنَّ ذَاتَهُ مَمْلُوكَةٌ، فَلَعَلَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ لِجَمِيعِهِ، بَلْ
وَلَوْ لِبَعْضِهِ
، وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ، أَوْ ثَمَنٍ وَلَوْ تَفْصِيلًا: كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا،
ــ
[منح الجليل]
وَلَوْ) كَانَتْ (لِبَعْضِهِ) أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِحُرْمَتِهِ كَبَيْعِ حُرٍّ وَرَقِيقٍ مَعًا وَمِلْكٍ وَحُبْسٍ مَعًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ لِجَمْعِ الصَّفْقَةِ حَلَالًا وَحَرَامًا مَعَ عِلْمِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِالْحَرَامِ. وَأَمَّا إنْ جَهِلَا الْحَرَامَ حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَرَامُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْحَلَالِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ أَوْ التَّمَسُّكُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ التَّمَسُّكُ بِالْحَلَالِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. أَبُو الْحَسَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ قَوْلِ التَّهْذِيبِ مَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي إلَخْ مَا نَصُّهُ اُنْظُرْ لَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ كَالصَّفْقَةِ الْجَامِعَةِ حَلَالًا وَحَرَامًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلُوهُ مِنْ قَبِيلِ الْعُيُوبِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُمَا إنْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ تَخْرِيجًا بِإِبْطَالِ الْحَرَامِ وَإِمْضَاءِ الْحَلَالِ بِمَا يُقَابِلُهُ.
(وَ) شُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَدَمُ (جَهْلٍ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (بِمَثْمُونٍ أَوْ ثَمَنٍ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مَجْهُولٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا كَبَيْعِ مَا فِي بَيْتٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ مَا وَرِثَهُ أَوْ مَا وُهِبَ لَهُ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِهِ، بَلْ (وَلَوْ) جُهِلَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (تَفْصِيلًا) وَعُلِمَتْ جُمْلَتُهُ (كَ) بَيْعِ (عَبْدَيْ) بِفَتْحِ الدَّالِ مُثَنَّى عَبْدٍ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ لِ (رَجُلَيْنِ بِكَذَا) أَيْ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَبْدَيْنِ، وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمَا لَهُ عَبْدٌ لِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَثُلُثُ الْعَبْدِ الْآخَرِ، وَلِلثَّانِي نِصْفُ الْأَوَّلِ وَثُلُثَا الثَّانِي مَثَلًا وَبِيعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَا لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْ الثَّمَنِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا، فَجُمْلَتُهُ مَعْلُومَةٌ وَتَفْصِيلُهُ مَجْهُولٌ. وَمَحَلُّ الْفَسَادِ بِجَهْلِ الْمَثْمُونِ إذَا تَيَسَّرَ الْعِلْمُ بِهِ كَشِرَاءِ حَضَرِيٍّ بِحَاضِرَةٍ بِمِكْيَالِ بَادِيَةٍ مَجْهُولٍ لَهُ، وَشِرَاءِ بَادٍ بِبَادِيَةٍ بِمِكْيَالِ حَاضِرَةٍ مَجْهُولٍ لَهُ، وَإِلَّا جَازَ كَشِرَاءِ حَضَرِيٍّ بِبَادِيَةٍ بِمِكْيَالِهَا الْمَجْهُولِ لَهُ وَشِرَاءِ بَادٍ بِحَاضِرَةٍ بِمِكْيَالِهَا الْمَجْهُولِ لَهُ. وَالْمُرَادُ عِلْمُ الْمُثَمَّنِ حَقِيقَةً أَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
حُكْمًا كَبَيْعِ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عَسَلٍ وُزِنَ بِظَرْفِهِ كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يُفَرَّغَ وَيُوزَنَ ظَرْفُهُ وَيُطْرَحَ وَزْنُهُ مِنْ وَزْنِ الْمَجْمُوعِ أَوْ عَلَى أَنْ يَتَحَرَّى وَزْنَ الظَّرْفِ وَيُطْرَحَ مِنْهُ. أَفْتَى بِجَوَازِهِ ابْنُ سِرَاجٍ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ زِقًّا وَغَيْرَهُ خَصَّهُ بِالزِّقِّ.
قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَرَفُوا وَزْنَهَا أَيْ الزِّقَاقِ، أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ فَلَا يَجُوزُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أَنْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ وَيَتَسَاهَلُونَ فِيهِ وَيَجْعَلُونَ الزَّائِدَ عَلَى الظَّرْفِ إنْ كَانَ هِبَةً. وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ تَنْقِيصُ الْوَزْنِ لِيَزِيدَهُ بَعْدَهُ شَيْئًا يَسِيرًا يَرَى أَنَّهُ وَفَّى لَهُ بِهِ حَقَّهُ. وَشَدَّدَ فِي مَنْعِهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَمَنْ جَهِلَ الثَّمَنَ الْبَيْعُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِلَا بَيَانٍ صِفَتُهَا مَعَ تَعَدُّدِهَا فِي الْبَلَدِ وَعَدَمِ غَلَبَةِ إطْلَاقِهَا عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَاخْتِلَافِهَا فِي الْقِيمَةِ، فَإِنْ غَلَبَ إطْلَاقُهَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ حَمْلًا عَلَيْهِ. وَإِنْ اتَّفَقَتْ نِفَاقًا وَقِيمَةً صَحَّ الْبَيْعُ وَجُبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ مَا يُدْفَعُ لَهُ مِنْهَا، وَمَنْ جَهِلَ الْمُثَمَّنَ بِيعَ نِصْفُ شُقَّةٍ بِلَا بَيَانِ مَا يَدْفَعُهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ مِنْهَا، وَلَا عَادَةَ لَهُمْ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيَانِ حَلَفَا وَفُسِخَ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيَانًا وَلَا نِيَّةً كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الشُّقَّةِ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَإِنْ جُهِلَتْ الْجُمْلَةُ مَعَ عِلْمِ التَّفْصِيلِ كَبَيْعِ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الْقَدْرِ بِتَمَامِهَا كُلُّ صَاعٍ بِكَذَا فَيَجُوزُ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إذَا جَهِلَ أَحَدُهُمَا التَّفْصِيلَ إذَا عَلِمَ الْعَالِمُ بِجَهْلِ الْجَاهِلِ وَإِلَّا فَلَا يَفْسُدُ، وَحُكْمُهُ كَبَيْعِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ فَلِلْجَاهِلِ مِنْهُمَا إذَا عَلِمَ الْخِيَارُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ، وَإِنْ ادَّعَى الْجَاهِلُ عِلْمَ الْعَالِمِ بِجَهْلِهِ حَلَفَ لِرَدِّ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَفُسِخَ. الْبُنَانِيُّ هَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْبَيَانِ وَجَزَمَ بِهِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمِعْيَارِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ اللَّخْمِيِّ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ. وَنَظَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي تَفْصِيلِ ابْنِ رُشْدٍ بِدُخُولِهِمَا عَلَى الْغَرَرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَهْمَا جَهِلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلِمَ الْعَالِمُ بِجَهْلِ صَاحِبِهِ أَمْ لَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ عِيَاضٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. أَبُو عَلِيٍّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي النَّازِلَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ
أَوْ رِطْلٍ مِنْ شَاةٍ
تُرَابٌ صَائِغ، وَتُرَابٍ صَائِغٍ، وَرَدَّهُ مُشْتَرِيهِ وَلَوْ خَلَّصَهُ وَلَهُ الْأَجْرُ
ــ
[منح الجليل]
خِلَافُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ هُوَ الصَّوَابُ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِاغْتِفَارِ جَهْلِ التَّفْصِيلِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ شِرَاءُ (رِطْلٍ) مَثَلًا (مِنْ) لَحْمِ (شَاةٍ) مَثَلًا قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا أَوْ قَبْلَ سَلْخِهَا لِلْجَهْلِ بِصِفَةِ اللَّحْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي هُوَ بَائِعُ الشَّاةِ عَقِبَ بَيْعِهَا لِعِلْمِهِ بِصِفَةِ لَحْمِهَا بِحَسَبِ عَلَفِهَا، وَلِأَنَّ اللَّاحِقَ لِلْعَقْدِ كَالْوَاقِعِ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مَا اشْتَرَاهُ. وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِعَدَمِ شَرْطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِالرُّؤْيَةِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (تُرَابٍ صَائِغٍ) إنْ لَمْ يُرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولُ التَّفْصِيلِ فَقَطْ. وَيُقَدَّرُ دُخُولُ الْكَافِ عَلَى صَائِغٍ لِيَشْمَلَ تُرَابَ الْعَطَّارِ وَكُلَّ صَنْعَةٍ تَخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ وَيَعْسُرُ تَخْلِيصُهُ (وَ) إنْ وَقَعَ فَسْخٌ (وَرَدَّهُ مُشْتَرِيهِ) لِبَائِعِهِ إنْ لَمْ يُخَلِّصْهُ، بَلْ (وَلَوْ خَلَّصَهُ) فَلَهُ تَخْلِيصُهُ مَانِعًا مِنْ رَدِّهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْأَجْرُ) فِي تَخْلِيصِهِ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ وَإِلَّا فَهَلْ لَهُ الْأَجْرُ أَيْضًا أَمْ لَا قَوْلَانِ، وَعَلَى
الْأَوَّلِ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ، فَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ عَلَى غَرَرِهِ أَنْ لَوْ جَازَ بَيْعُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ فَاتَ بِتَخْلِيصِهِ فَفِي لُزُومِ الْبَائِعِ أَخْذُ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَدَفْعُ أُجْرَةِ خَلَاصِهِ وَتَخْيِيرِهِ فِي أَخْذِهِ بِذَلِكَ وَتَرْكِهِ مَجَّانًا. ثَالِثُهَا: يَبْقَى لِمُبْتَاعِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ عَلَى غَرَرِهِ لَوْ جَازَ بَيْعُهُ كَغُرْمِ قِيمَتِهِ إنْ تَلِفَ بِيَدِهِ. وَرَابِعُهَا: يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا.
لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ الْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَشْهُورِ وَلِاخْتِيَارِ الصِّقِلِّيِّ وَلِنَقْلِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَلِتَخْرِيجِ التُّونُسِيِّ. وَفِي التَّوْضِيحِ إنْ خَلَّصَهُ الْمُشْتَرِي رُدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ عَلَى غَرَرِهِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَلَهُ أَجْرُ تَخْلِيصِهِ. وَأَجْرَى الْأَشْيَاخُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ اشْتَرَى أَشْجَارًا بِوَجْهِ شُبْهَةٍ فَسَقَى وَعَالَجَ ثُمَّ رُدَّتْ إلَى رَبِّهَا. وَمَنْ اشْتَرَى آبِقًا وَأَنْفَقَ عَلَى رَدِّهِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَرُدَّ إلَى رَبِّهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَمْ لَا.
لَا مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
، وَشَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا
وَحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وَتِبْنٍ
ــ
[منح الجليل]
وَأَصْلُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لَهَا عَيْنٌ قَائِمَةٌ رَجَعَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَّا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ، وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ الرُّجُوعُ بِنَفَقَةِ الْآبِقِ، وَحَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فَزَادَتْ عَلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا أَوْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْخَارِجِ، ثُمَّ قَالَ وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى الْخَارِجِ اهـ. الْبُنَانِيُّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ هُوَ الثَّانِي فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ.
(لَا) يُمْنَعُ بَيْعُ تُرَابِ (مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بِغَيْرِ صِنْفِهِ وَأَمَّا بِصِنْفِهِ فَيُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ. وَيَنْبَغِي جَوَازُ بَيْعِ تُرَابِ مَعْدِنِ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعَادِنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَبَيْنَ تُرَابِ الصَّائِغِ شِدَّةُ الْغَرَرِ فِي تُرَابِ الصَّائِغِ وَنَحْوِهِ دُونَ تُرَابِ الْمَعْدِنِ. " د " بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَيْعُ جِزَافٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شُرُوطِهِ الْمُمَكِّنَةِ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَا مَانِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِالْكَيْلِ مَثَلًا فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فِي الْكَيْلِ وَالْجِزَافِ فَيُجْزِي عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (شَاةٍ) مَثَلًا مُذَكَّاةٍ (قَبْلَ سَلْخِهَا) جِزَافًا لَا وَزْنًا فَيُمْنَعُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَالْحَطّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَرَضٍ وَلَحْمٍ وَزْنًا لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ. بِخِلَافِ رِطْلٍ مِنْ شَاةٍ وَبَيْعِهَا وَزْنًا. طفي يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِهَا جُمْلَةً لَا عَلَى الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ وَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ مَغِيبٍ، وَلِيُطَابِقَ مَا أَصَّلَهُ. ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ كَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْحَطّ وَغَيْرُهُ فَتَشْهِيرُ الْبُرْزُلِيُّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (حِنْطَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِهْمَالِ الطَّاءِ أَيْ قَمْحٍ مَثَلًا بَعْدَ يُبْسِهَا (فِي سُنْبُلٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ سُنْبُلَةٍ كَذَلِكَ قَائِمَةٌ بِأَرْضِهَا قَبْلَ حَصْدِهَا أَوْ بَعْدَهُ قَتًّا أَوْ مَنْفُوشًا قَبْلَ دَرْسِهَا (وَ) فِي (تِبْنٍ) بَعْدَ دَرْسِهَا وَقَبْلَ تَذْرِيَتِهَا
إنْ بِكَيْلٍ
وَقَتٍّ جِزَافًا
، لَا مَنْقُوشًا
ــ
[منح الجليل]
إنْ) كَانَ الْبَيْعُ (بِكَيْلٍ) فِيهِمَا كَكُلِّ إرْدَبٍّ بِكَذَا، أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ تَمَامُ حَصْدِهِ وَدَرْسِهِ وَتَذْرِيَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (قَتٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ مَقْتُوتٍ أَيْ حُزَمًا رُءُوسُهَا كُلُّهَا فِي نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا ثَمَرَتُهُ فِي رَأْسِهِ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ (جِزَافًا) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَإِعْجَامِ الزَّايِ ثُمَّ بِالْفَاءِ، أَيْ مَحْزُورًا قَدْرَ كَيْلِهِ دُونَ فِعْلِهِ لِإِمْكَانِ حَزْرِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لَا نَحْوَ فُولٍ وَحِمَّصٍ وَعَدْسٍ مِمَّا ثَمَرَتُهُ فِي جَمِيعِ قَصَبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَتِّهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ حَزْرِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَكَالْقَتِّ الْقَائِمِ بِأَرْضِهِ قَبْلَ حَصْدِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ جِزَافًا لِإِمْكَانِ حَزْرِهِ اتِّفَاقًا لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهَى، وَعَنْ ثَمَرِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» وَلَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: بَيْعُهُ جِزَافًا لَا بِالْفَدَّانِ وَنَحْوِهِ. ثَانِيهَا: كَوْنُ ثَمَرَتِهِ فِي رَأْسِ قَصَبَتِهِ. ثَالِثُهَا: بَيْعُهُ مَعَ تِينِهِ. رَابِعًا: كَوْنُ بَيْعِهِ بَعْدَ يُبْسِهِ.
(لَا) يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ جِزَافًا حَالَ كَوْنِهِ (مَنْفُوشًا) أَيْ مَجْعُولًا رُؤْسُهُ إلَى جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ حَزْرِهِ إذَا لَمْ يُحْزَرْ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مَقْتُوتٌ. الْبُنَانِيُّ أَحْوَالُ الزَّرْعِ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا قَائِمٌ أَوْ مَحْصُودٌ وَالْمَحْصُودُ إمَّا قَتٌّ وَإِمَّا مَنْفُوشٌ؛ وَإِمَّا فِي تِينِهِ وَإِمَّا مُخْلَصٌ مِنْهُ، وَالْمَبِيعُ إمَّا الْحَبُّ وَحْدَهُ وَإِمَّا مَعَ تِينِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ الْحَبَّ وَحْدَهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْكَيْلِ فِي الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ كُلِّهَا، وَيَجُوزُ جِزَافًا فِي الْمُخْلَصِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ الْمَجْمُوعَ جَازَ جِزَافًا فِي الْقَائِمِ وَالْقَتِّ لَا فِي الْمَنْفُوشِ، وَمَا فِي تِبْنِهِ. الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْرِدَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا فِي الشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَاءُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجِزَافِ مَا دَامَ فِيهِ. وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَا يَنْفَعُهُ الْمَاءُ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَاءُ. وَمِنْ الْقَتِّ جِزَافًا الْأَنْدَرُ الْمَجْعُولُ فَرْشَةً أَوْ فَرَاشَاتٍ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ جِزَافًا لِإِمْكَانِ حَزْرِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَنْفُوشِ فَتَمْثِيلُ عِيَاضٍ لِلْمَنْفُوشِ بِمَا فِي الْأَنْدَرِ يَعْنِي بِهِ مَا يُنْفَشُ لِيُدْرَسَ
وَزَيْتِ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ؛ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إلَّا أَنْ يُخَيَّرَ
وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ
ــ
[منح الجليل]
فَيَخْتَلِطُ فَلَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَقَلَّ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الصَّوَابَ جَوَازُ بَيْعِ الْقَمْحِ فِي أَنْدَرِهِ قَبْلَ دَرْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَى سُنْبُلُهُ فَيُحْزَرُ وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (زَيْتِ زَيْتُونٍ) أَيْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ قَبْلَ عَصْرِهِ (بِوَزْنٍ) كَرِطْلٍ أَوْ قِنْطَارٍ (إنْ) لَمْ (يَخْتَلِفْ) وَصْفُهُ بِأَنْ عُرِفَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ تَمَامُ عَصْرِهِ عَنْ نِصْفِ شَهْرٍ، وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ كَمَا تُقَيِّدُهُ الْمُدَوَّنَةُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ وَصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ عَصْرِهِ وَعِلْمِ صِفَتِهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُخَيَّرَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ أَيْ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْبَيْعِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ صِفَتَهُ بَعْدَ عَصْرِهِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ حِينَئِذٍ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. تت وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ زَيْتِ بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى زَيْتُونًا عَلَى أَنَّ عَلَى رَبِّهِ عَصْرَهُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِيهَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ سِمْسِمٍ وَزَيْتُونٍ وَحَبِّ فُجْلٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ عَصْرَهُ أَوْ زَرْعٍ قَائِمٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ حَصْدَهُ وَدَرْسَهُ، وَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ. أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ الشَّيْخُ إنْ قَالَ أَشْتَرِي مِنْك مَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ قَالَ أَشْتَرِي مِنْك هَذَا وَأُؤَاجِرُك بِكَذَا عَلَى عَصْرِهِ فَهَذَا جَائِزٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَإِنْ قَالَ أَشْتَرِيهِ مِنْك عَلَى أَنَّ عَلَيْك عَصْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ. اهـ. وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ ابْنِ عَاشِرٍ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ مَنْعِهِ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَصَاعٍ أَوْ إرْدَبٍّ مِنْ (دَقِيقِ حِنْطَةٍ) قَبْلَ طَحْنِهَا إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ وَصْفُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ وَصْفُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي جُعْلِ الْمُدَوَّنَةِ، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لِيَعْلَمَ رُجُوعَهُمَا إلَيْهِ أَيْضًا، وَفِيهَا وَإِنْ ابْتَعْت قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ لَك فَاسْتَخَفَّهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " بَعْدَ أَنْ كَرِهَهُ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْقَمْحَ يُعْرَفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَجُلُّ قَوْلِهِ ذَلِكَ التَّخْفِيفُ وَالِاسْتِحْسَانُ لَا الْقِيَاسُ.
وَصَاعٍ، أَوْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَإِنْ جُهِلَتْ، لَا مِنْهَا، وَأُزِيدَ الْبَعْضُ
وَشَاةٍ، وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) جَازَ بَيْعُ (صَاعٍ) مِثْلًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ صُبْرَةٍ مَعْلُومَةٍ جُمْلَةُ مَا فِيهَا مِنْ الصِّيعَانِ أَوْ مَجْهُولَتِهَا وَالْمُشْتَرِي عَدَدٌ مَعْلُومٌ مِنْ صِيعَانِهَا (أَوْ كُلِّ صَاعٍ) أَيْ جَازَ بَيْعُ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ مِثْلًا (مِنْ صُبْرَةٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُشْتَرَى جَمِيعُهَا إنْ عُلِمَتْ جُمْلَةَ مَا فِيهَا مِنْ الصِّيعَانِ، بَلْ (إنْ جُهِلَتْ) جُمْلَةُ صِيعَانِهَا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ اغْتِفَارُ جَهْلِ الْجُمْلَةِ إذَا عُلِمَ التَّفْصِيلُ فَهَذِهِ عَكْسُ عَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا وَكَذَا ذِرَاعٍ أَوْ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ شُقَّةٍ وَرِطْلٌ أَوْ كُلُّ رِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ (لَا) يَجُوزُ بَيْعُ صِيعَانٍ أَوْ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْطَالٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْعَدَدِ (مِنْهَا) أَيْ الصُّبْرَةِ أَوْ الشُّقَّةِ أَوْ نَحْوِ الزَّيْتِ (وَأُرِيدَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الدَّالِ (الْبَعْضُ) أَيْ شِرَاؤُهُ فَقَطْ لَا الْجَمِيعِ لِتَعَلُّقِ الْجَهْلِ بِالتَّفْصِيلِ أَيْضًا وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، وَمَفْهُومُ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ الْجَوَازُ إذَا لَمْ يُرَدْ شَيْءٌ كَإِرَادَةِ الْكُلِّ.
فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا قَالَ أَبِيعُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ حِسَابَ كُلِّ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ بِدِينَارٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا بَاعَهُ مِنْهَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَا عَلِمْتُ فِيهَا نَصًّا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه " الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ. اهـ. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي مِنْ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ، فَلِذَا قَيَّدَ الْمَنْعَ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاكِهَانِيُّ اعْتَرَضَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي مِنْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَاعِدَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ كَوْنَ مِنْ هُنَا لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ مِعْيَارَهَا عِنْدَ النُّحَاةِ صِحَّةُ تَقْدِيرِهَا بِبَعْضٍ نَحْوَ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ، وَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ هُنَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ مِنْ لَا تُزَادُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْكَلَامُ هُنَا مُوجَبٌ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا فِيهِ صِلَةً. وَالْفَرْقُ بَيْنَ إرَادَةِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْكُلَّ أَمْكَنَ حَزْرُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ حَزْرُ الْبَعْضِ الْمُبْهَمِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (شَاةٍ) حَيَّةٍ أَوْ مَذْبُوحَةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا (وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ) مِنْهَا وَنَحْوَهَا مِمَّا دُونَ ثُلُثِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ سَلْخِهَا جَازَ اسْتِثْنَاءُ قَدْرِ ثُلُثِهَا فَقَطْ. الْحَطّ التَّحْدِيدُ
وَلَا يَأْخُذُ لَحْمَ غَيْرِهَا
ــ
[منح الجليل]
بِأَرْبَعَةٍ هُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ. أَبُو الْحَسَنِ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَ الثُّلُثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهَا وَلَمْ يَبْلُغْ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " الثُّلُثَ. الْحَطّ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارَ قَدْرِ صِغَرِ الْمَبِيعِ أَوْ كِبَرِهِ كَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِاسْتِثْنَاءِ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ.
اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ يَجُزْ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، بِخِلَافِ كَوْنِ الصُّوفِ هُوَ الْمَبِيعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. أَبُو الْحَسَنِ هَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا تَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ اسْتِثْنَاءُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ فَهَذَا جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْجَزِّ أَوْ يَتَأَخَّرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ كَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِ الدَّابَّةِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ شَائِعٍ، فَهَذَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ، الثَّالِثُ: اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ.
الرَّابِعُ: اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَفَخِذٍ وَكَبِدٍ مَنَعَهُ نَصًّا فِي الْكِتَابِ. الْخَامِسُ: اسْتِثْنَاءُ الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ثَلَاثَةٌ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ خَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ مِمَّا دُونَ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الثُّلُثَ، وَقِيلَ الثُّلُثُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ رَأْسًا؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيْعَ لَحْمٍ مَغِيبٍ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ مُبْقًى؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا زَادَ عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ مَغِيبٌ. وَيُجَابُ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرِي بِأَنَّ اشْتِرَاءَ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ مُغْتَفَرٌ لِبَائِعِ الشَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى أَنَّهُ مُبْقًى بِأَنَّ اشْتِرَاءَ مَا زَادَ عَلَى الْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ جُمْلَةِ الشَّاةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَبْلَ سَلْخِهَا وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَا يَأْخُذُ) بَائِعُ الشَّاةِ الْمُسْتَثْنِي أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ مِنْهَا (لَحْمَ غَيْرِهَا) أَيْ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ عِوَضًا عَنْهَا. وَلَوْ قَالَ بَدَلَهَا أَيْ الْأَرْطَالِ لَشَمِلَ أَخْذَ بَدَلِهَا لَحْمًا وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ طَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى وَبِيعَ لَحْمٌ مَغِيبٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى، وَإِنْ مَاتَتْ الشَّاةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ذَبَحَهَا وَأَكَلَهَا كُلَّهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْأَرْطَالِ.
وَصُبْرَةٍ، وَثَمَرَةٍ، وَاسْتِثْنَاءَ قَدْرِ ثُلُثٍ
، وَجِلْدٍ، وَسَاقِطٍ بِسَفَرٍ فَقَطْ؛
ــ
[منح الجليل]
وَ) جَازَ بَيْعُ (صُبْرَةٍ وَثَمَرَةٍ) عَلَى أَصْلِهَا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ جِزَافًا فِيهِمَا (وَاسْتِثْنَاءُ) كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ (قَدْرِ ثُلُثٍ) مِنْ الصُّبْرَةِ أَوْ الثَّمَرَةِ لَا أَكْثَرَ، وَمِثْلُ الثَّمَرَةِ الْمَقَائِيُّ وَالْخُضَرُ وَمُغَيَّبُ الْأَصْلِ، وَمَفْهُومُ قَدْرِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ جَائِزٌ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَجُزْءٌ مُطْلَقًا.
(وَ) جَازَ بَيْعُ حَيَوَانٍ وَاسْتِثْنَاءُ (جِلْدٍ وَسَاقِطٍ) مِنْهُ أَيْ رَأْسِهِ وَأَكَارِعِهِ لَا كِرْشِهِ وَكَبِدِهِ فَإِنَّهُمَا مِنْ اللَّحْمِ، فَيَجْرِي عَلَيْهِمَا حُكْمُهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ إنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا، وَالْمَنْعُ إنْ اسْتَثْنَى الْبَطْنَ كُلَّهُ أَوْ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْهُ لِقَوْلِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْفَخِذَ أَوْ الْبَطْنَ أَوْ الْكَبِدَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ (بِسَفَرٍ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ فِي الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ فَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي السَّفَرِ إذْ لَا ثَمَنَ لَهُ هُنَاكَ، وَكَرِهَهُ فِي الْحَضَرِ، فَمَذْهَبُهَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ. عِيَاضٌ وَتَسْوِيَةُ حُكْمِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُمَا فِي السَّفَرِ، وَحَمْلُ الْمُسَافِرِ لَهُمَا أَوْ عَمَلُهُمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَاللَّحْمُ يَأْكُلُهُ لِحِينِهِ وَيُمَلِّحُهُ وَيَتَزَوَّدُهُ، وَفِي الْحَضَرِ لَهُمَا قِيمَةٌ وَصُنَّاعٌ وَإِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّأْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى التَّفْرِقَةِ وَأَنَّ جَوَابَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ. وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَهُ حُكْمُ قَلِيلِ اللَّحْمِ الْمُشْتَرَطِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ لَا فِي السُّؤَالِ وَلَا فِي الْجَوَابِ وَلَا فِي التَّعْلِيلِ.
ابْنُ مُحْرِزٍ وَمِنْ الْمُذَاكِرِينَ مَنْ قَالَ إنَّمَا وَقَعَ جَوَابُهُ عَلَى الْجِلْدِ دُونَ الرَّأْسِ، وَإِنَّ سَبِيلَ الرَّأْسِ سَبِيلُ اللَّحْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ اسْتِثْنَاءُ الرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ لَا يُكْرَهُ فِي سَفَرٍ وَحَضَرٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ اسْتَثْنَى الْجِلْدَ وَالرَّأْسَ فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ مُخَالِفٌ لَهَا وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ وَاخْتَارَ جَوَازَ
وَجُزْءٍ مُطْلَقًا، وَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي
، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ
ــ
[منح الجليل]
اسْتِثْنَاءِ الرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الرَّأْسِ كَاسْتِثْنَاءِ الْفَخِذِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك الْحَقُّ إنْ كُنْت مُنْصِفًا قَالَهُ طفي. (وَ) جَازَ بَيْعُ شَيْءٍ وَاسْتِثْنَاءُ (جُزْءٍ) شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبُعِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِالسَّفَرِ وَقَدْ بَاعَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى، وَسَوَاءٌ بَاعَ الْحَيَوَانَ عَلَى ذَبْحِهِ أَوْ اسْتِحْيَائِهِ وَيَصِيرُ الْبَائِعُ شَرِيكًا لِلْمُشْتَرِي بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى (وَتَوَلَّاهُ) أَيْ الْمَبِيعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالٌ أَوْ جِلْدٌ وَرَأْسٌ بِذَبْحٍ وَسَلْخٍ وَعَلَفٍ وَسَقْيٍ وَحِفْظٍ وَغَيْرِهَا (الْمُشْتَرِي) فِي صُورَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ وَلَهُ دَفْعُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ لِلْبَائِعِ صَارَا كَأَنَّهُمَا فِي ذِمَّتِهِ، وَكَأَنَّ الْبَائِعَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَهَذَا لَازِمٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَنَّ أُجْرَةَ الذَّبْحِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ " ق " فَانْدَفَعَ قَوْلُ طفي، اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ سَوَاءٌ عَادَ ضَمِيرُ تَوَلَّاهُ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ عَلَى الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ وَأُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْعَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءٌ شَائِعٌ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَيَتَوَلَّيَانِ مَعًا عَلَفَهُ وَسَقْيَهُ بِحَسَبِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ وَأُجْرَةُ ذَبْحِهِ وَسَلْخِهِ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ.
(وَلَمْ يُجْبَرْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (الْمُشْتَرِي عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ وَمَسْأَلَةِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ (بِخِلَافِ) اسْتِثْنَاءِ (الْأَرْطَالِ) فَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَوَصَّلُ لِحَقِّهِ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ إلَّا بِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذَّبْحِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ بِيعَ عَلَيْهِمَا وَأَعْطَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَأُجْرَةُ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ مَا لِكُلٍّ فِي الْجُزْءِ وَالْأَرْطَالِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي السَّاقِطِ. الْحَطّ وَفِي كَوْنِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَبْحِهِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ قَوْلَانِ، وَأَمَّا السَّلْخُ فَفِي الْجِلْدِ إنْ قُلْنَا الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى فَعَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا مُشْتَرًى فَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ تَكُونُ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا
وَخُيِّرَ فِي دَفْعِ رَأْسٍ أَوْ قِيمَتِهَا وَهِيَ أَعْدَلُ، وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ قَوْلَانِ.
وَلَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ: ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا،
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ عَاشِرٍ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ أُجْرَةَ السَّلْخِ فِي الرَّأْسِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِضَمَانِهِ فِي الْمَوْتِ.
(وَخُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً (فِي دَفْعِ) بَدَلِ أَوْ مِثْلِ (رَأْسٍ) وَبَقِيَّةِ سَاقِطٍ وَمِثْلِ جِلْدٍ، فَلَوْ قَالَ كَرَأْسٍ لَشَمِلَهُ (أَوْ) دَفْعِ (قِيمَتِهَا) أَيْ الرَّأْسِ أَنَّثَهُ وَإِنْ كَانَ مُذَكَّرًا اتِّفَاقًا بِتَأْوِيلِهِ بِبِضْعَةٍ أَوْ هَامَةٍ حَيْثُ لَمْ يُذْبَحْ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ مِنْ جِلْدٍ وَسَاقِطٍ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَقِيمَتُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْقِيمَةُ (أَعْدَلُ) لِبُعْدِهَا عَنْ شَائِبَةِ الرِّبَا. (وَهَلْ التَّخْيِيرُ) بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ (لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي قَوْلَانِ) الرَّجْرَاجِيُّ تُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي أَسْعَدُ بِظَاهِرِهَا وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ. طفي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَفْرُوضٌ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ فِي الْجِلْدِ فَعَلَيْهِ ذِكْرُهُ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّأْسِ مَقِيسَةٌ فَفِيهَا قِيلَ فَإِنْ أَبَى الْمُبْتَاعُ فِي السَّفَرِ مِنْ ذَبْحِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ رَأْسَهَا أَوْ جِلْدَهَا قَالَ قَدْ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِيمَنْ وَقَفَ بَعِيرَهُ فَبَاعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيَاهِ لِيَنْحَرُوهُ، وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ فَاسْتَحْيَوْهُ فَعَلَيْهِمْ شَرْوَى جِلْدِهِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَجَدْوَى، أَيْ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك. اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ عِيَاضٌ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ وَقَفْت عَلَيْهِ لِذِكْرِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الرَّأْسِ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَالْخِلَافُ وَإِنْ كَانَ مَفْرُوضًا فِي الْجِلْدِ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ وَابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ كَلَامَهَا الَّذِي تُؤُوِّلَ بِهِمَا صَرِيحٌ فِي تَسْوِيَةِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ فِي الْحُكْمِ، فَلَا يُقَالُ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْجِلْدُ.
(وَلَوْ مَاتَ مَا) أَيْ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَبِيعُ وَ (اُسْتُثْنِيَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ النُّونِ (مِنْهُ) جُزْءٌ (مُعَيَّنٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةُ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ وَالْأَرْطَالُ (ضَمِنَ) الشَّخْصُ (الْمُشْتَرِي) لِلْبَائِعِ (جِلْدًا وَسَاقِطًا) لِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى الذَّبْحِ
لَا لَحْمًا
وَجِزَافٍ إنْ رُئِيَ
ــ
[منح الجليل]
فِيهِمَا. طفي أَطْلَقَ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَفْرِيطٌ أَمْ لَا وَهُوَ مُرْتَضًى. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: وَلَيْسَ مَعْنَى الضَّمَانِ أَنَّهُ يَغْرَمُ لِلْبَائِعِ قِيمَةَ الْجِلْدِ أَوْ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ وَكَانَ بَاعَ الشَّاةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِسُدُسِ قِيمَةِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ بَاعَهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعَرْضُ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ فَاسْتُحِقَّ الْعَرْضُ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَدْ فَاتَتْ الشَّاةُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ وَقَبِلُوهُ فَهُوَ مُرَادُهُ بِالضَّمَانِ، فَقَوْلُ " س " لَهُ دَفْعُ مِثْلِهَا خِلَافُهُ (لَا) يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (لَحْمًا) وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ قَبْلُ بِالْأَرْطَالِ لِجَبْرِهِ عَلَى الذَّبْحِ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْبَائِعُ كَانَ مُفَرِّطًا، وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَيَّنِ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَلَا يَضْمَنُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ وَهُوَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ كَالْمُودِعِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ (جِزَافٍ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْجِزَافُ مُثَلَّثُ الْجِيمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ. وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ، وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخَفَّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ يُرِيدُ مِنْ الْمَعْدُودِ وَقَلَّ جَهْلُهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذْ لَا تُشْتَرَطُ الْمَشَقَّةُ فِيهِمَا (إنْ رُئِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوْ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ يَلِيهَا هَمْزٌ، أَيْ أَبْصَرَ حَالَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَاسْتَمَرَّا عَلَى مَعْرِفَتِهِ إلَى حِينِ بَيْعِهِ عَلَى مُخْتَارِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ الْغَائِبَةِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ لَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ رَأَى الصُّبْرَةَ أَوْ الزَّرْعَ ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ عَلَى رُؤْيَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ غَائِبٌ لَجَازَ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَيْنَ الصُّبْرَةِ وَالزَّرْعِ الْقَائِمِ فَمَنَعَ شِرَاءَ الصُّبْرَةِ غَائِبَةً بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَأَجَازَهُ فِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَهِيَ تَفْرِقَةٌ لَا حَظَّ لَهَا فِي النَّظَرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا.
ابْنُ عَرَفَةَ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ يَطْلُبُ فِي الصُّبْرَةِ مَعْرِفَةَ قَدْرِهَا زِيَادَةً عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا فِي الْحِرْزِ حِينَ الْعَقْدِ وَلِلرُّؤْيَةِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ الْغَائِبِ. الْحَطَّابُ
وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا، وَجَهِلَاهُ، وَحَزَرَا،
ــ
[منح الجليل]
الظَّاهِرُ مِنْ الْمَدَنِيَّةِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ عَدَمُ حُضُورِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ حَالَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا جِزَافًا لِظُهُورِ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ وَنَحْوِهَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجِزَافِ الْحُضُورُ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ أَوْ سَابِقَةً عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا فِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْجِزَافِ كُلِّهِ حُضُورُهُ حِينَ الْعَقْدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ وَالثِّمَارُ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، فَقَدْ اُغْتُفِرَ فِيهِمَا عَدَمُ الْحُضُورِ إنْ تَقَدَّمَتْ الرُّؤْيَةُ، وَبِالثَّانِي قَرَّرَ الْحَطَّابُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ مُرَادُهُ بِالْمَرْئِيِّ الْحَاضِرُ، كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ضَيْح، وَيَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهِ رُؤْيَتُهُ كُلِّهِ أَوْ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يُبَاعُ بِالصِّفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا لِعُسْرِ رُؤْيَتِهِ، كَقِلَالِ الْخَلِّ الْمَخْتُومَةِ وَفِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ وَفَسَادٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ فَتْحٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ رُؤْيَتِهِ مَعَ قَبُولِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِيهَا، وَكَذَلِكَ حَوَائِطُ التَّمْرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ تَمْرُهَا كَيْلًا أَوْ جِزَافًا وَهِيَ عَلَى مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ وَإِنْ بَعُدَتْ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَةَ مِنْ مِصْرَ فَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ تَمْرِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا يَابِسًا مُتَنَافٍ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ بَيْعِهَا غَائِبَةً جِزَافًا، وَفِي كَوْنِ الصِّفَةِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِيَانِ فِي الْحَزْرِ نَظَرٌ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبَاعُ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِزَافِ بِصِفَةٍ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
(وَ) إنْ (لَمْ يَكْثُرْ) الْمَبِيعُ كَثْرَةً (جِدًّا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ كَثْرَةً مَانِعَةً مِنْ حَزْرٍ قَدْرُهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدِّ، فَإِنْ كَثُرَ جِدًّا مُنِعَ بَيْعُهُ جِزَافًا لِعَدَمِ حَزْرِهِ، وَإِنْ قَلَّ جِدًّا فَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا جَازَ بَيْعُهُ جِزَافًا، وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جِزَافًا.
(وَ) إنْ (جَهِلَاهُ) أَيْ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ أَيْ وَزْنَهُ وَكَيْلَهُ وَعَدَدَهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ عِلْمِهِ أَحَدُهُمَا لَا عَنْ عِلْمِهِمَا لِخُرُوجِهِمَا حِينَئِذٍ عَنْ بَيْعِ الْجِزَافِ (وَ) إنْ (حَزَرَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ
وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ
، وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ، إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ
ــ
[منح الجليل]
الْمَبِيعَ أَيْ عَرَفَا قَدْرَهُ بِالْحَزْرِ أَيْ الظَّنِّ وَكَانَا مُعْتَادَيْنِ لِلْحَزْرِ، وَلِذَا أَسْقَطَ الْمَفْعُولَ لِيُؤْذِنَ بِالْعُمُومِ إنْ حَزَرَا كُلَّ شَيْءٍ أَيْ اعْتَادَاهُ وَحَزْرُ الْمَبِيعِ بِالْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ.
(وَ) إنْ (اسْتَوَتْ أَرْضُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا أَيْ عَلِمَ الْعَاقِدَانِ أَوْ ظَنَّا اسْتِوَاءَهَا حِينَ الْبَيْعِ، فَإِنْ عَلِمَا أَوْ ظَنَّا عَدَمَهُ أَوْ شَكَّا فِيهِ فَسَدَ لِلْغَرَرِ، وَإِنْ عَلِمَا أَوْ ظَنَّا الِاسْتِوَاءَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَالْخِيَارُ فِي الِانْخِفَاضِ لِلْبَائِعِ وَفِي الِارْتِفَاعِ لِلْمُشْتَرِي.
(وَ) إنْ (لَمْ يُعَدَّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَبِيعُ جِزَافًا (بِلَا مَشَقَّةٍ) مَنْطُوقُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْمَوْزُونُ وَالْمَكِيلُ مُطْلَقًا وَالْمَعْدُودُ بِمَشَقَّةٍ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا جِزَافًا. وَمَفْهُومُهُ صُورَةُ الْمَعْدُودِ بِلَا مَشَقَّةٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ جِزَافًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَّ يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُمَيِّزٍ وَالْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يَفْتَقِرَانِ لِآلَةٍ وَتَحْرِيرٍ (وَلَمْ تُقْصَدْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (أَفْرَادُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ جِزَافًا فَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادُهُ تُقْصَدُ وَتَخْتَلِفُ الرَّغْبَةُ فِيهَا كَالرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جِزَافًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُ) الْإِفْرَادِ مِنْ (هـ) كَبَيْضٍ وَبِطِّيخٍ وَرُمَّانٍ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ بُيُوعِ ابْنِ جَمَاعَةَ مَا نَصُّهُ قَيَّدُوا لِجَوَازٍ فِي الْمَعْدُودِ بِمَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي عَدَدِهِ لِكَثْرَتِهِ وَتَتَسَاوَى أَفْرَادُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ، أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مُبَالَغَةً لَا آحَادَهُ كَالْبِطِّيخِ فَيَجُوزُ الْجِزَافُ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ وَالنُّصُوصُ بِذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يُبَاعُ الْجَوْزُ جِزَافًا إلَّا إذَا عُرِفَ عَدَدُهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْقِثَّاءِ جِزَافًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَالْعَدْلُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ عَدَدًا أَكْبَرُ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا. ابْنُ رُشْدٍ مَعْرِفَةُ عَدَدِ الْقِثَّاءِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ جِزَافًا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ وَزْنِهِ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ لِاخْتِلَافِهِ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، بِخِلَافِ الْجَوْزِ الَّذِي يَقْرَبُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَهَذَا بَيِّنٌ. ابْنُ بَشِيرٍ الْمَعْدُودَاتُ إنْ قَلَّتْ أَثْمَانُهَا جَازَ بَيْعُهَا جِزَافًا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِعَدَدِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ جِزَافًا
لَا غَيْرِ مَرْئِيٍّ؛ وَإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ،
ــ
[منح الجليل]
إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُ هَذَا النَّوْعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ جِزَافًا.
(لَا) يَجُوزُ بَيْعُ (غَيْرِ مَرْئِيٍّ) جِزَافًا إلَّا الْخَلَّ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْفَتْحُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِلْءَ ظَرْفٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (مِلْءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ (ظَرْفٍ) بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ وِعَاءٍ كَغِرَارَةٍ وَقَارُورَةٍ إنْ كَانَ فَارِغًا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ مَلْآنَ وَبَاعَ مَا فِيهِ مَعَ مِلْئِهِ (ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ رُؤْيَةِ مِلْئِهِ ثَانِيًا حِينَ بَيْعِهِمَا مَعًا، وَلَيْسَ الظَّرْفُ مِكْيَالًا مُعْتَادًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جِزَافًا.
وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مِكْتَلًا مَلْآنَ طَعَامًا فَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ فَفَرَّغَهُ ثُمَّ قَالَ امْلَأْهُ لِي ثَانِيَةً بِدِينَارٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي الْآنَ كَيْلَهَا بِدِينَارٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ، وَلَوْ وَجَدَ غِرَارَةً مَلْأَى لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدِينَارٍ، وَلَوْ جَاءَهُ بِغِرَارَةٍ فَقَالَ لَهُ امْلَأْ لِي هَذِهِ الْغِرَارَةَ بِدِينَارٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّمَا يَجُوزُ شِرَاءُ ذَلِكَ جِزَافًا إذَا لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ إلَى الْغَرَرِ بِأَنْ وَجَدَهُ جِزَافًا فِي وِعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَشْتَرِيهِ كَمَا وَجَدَهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ شِرَاءِ الطَّعَامِ يَجِدُهُ فِي الْمِكْتَلِ أَوْ الْغِرَارَةِ جِزَافًا بِدِينَارٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ امْلَأْ لِي ذَلِكَ ثَانِيَةً بِدِينَارٍ أَنَّ الْأُولَى لَمْ يَقْصِدْ إلَى الْغَرَرِ إذَا اشْتَرَاهُ كَمَا وَجَدَهُ جِزَافًا، وَالثَّانِي قَصْدًا إلَى الْغَرَرِ إذْ تَرَكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِكْيَالٍ مَعْلُومٍ فَاشْتَرَاهُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ إلَّا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مِكْيَالٌ مَعْلُومٌ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ مَكَايِيلُ، فَلَمَّا كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ابْتِدَاءً امْلَأْ لِي هَذِهِ الْغِرَارَةَ بِدِينَارٍ إذْ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ كَيْلِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا مَلْأَى كَمَا وَجَدَهَا إذْ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِتَقَدُّمِ شِرَائِهِ إيَّاهَا جِزَافًا.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ صَبِّرْ لِي مِنْ طَعَامِك هَاهُنَا صُبْرَةً وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك جِزَافًا لَمَا انْبَغَى أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى الْغَرَرِ عَلَى قِيَاسِ مَا قُلْنَاهُ، وَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا فِي الْمِكْيَالِ الْمَجْهُولِ عَلَى أَنَّهُ جِزَافٌ بِشُرُوطِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَكِيلٌ بِهِ مَعَ تَيَسُّرِ الْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ.
إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ، وَعَصَافِيرَ حَيَّةٌ بِقَفَصٍ، وَحَمَامِ بُرْجٍ
ــ
[منح الجليل]
الْمَازِرِيُّ هَجَسَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ وَمَا مَنَعُوهُ إذْ لَا يَخْتَلِفُ حَزْرُ الْحَازِرِ لِزَيْتٍ فِي قَارُورَةٍ وَلِمِقْدَارِ مِلْئِهَا مِنْهُ، وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ لِمَا يُفِيدُ جَوَابَهُ بِأَنَّ مَا أَجَازُوهُ لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ إلَى الْغَرَرِ لِحُضُورِهِ فَخَفَّ أَمْرُهُ بِخِلَافِ مِلْئِهِ ثَانِيًا، فَإِنَّهُ غَرَرٌ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْحَاضِرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ " غ " عَنْ الْقَبَّابِ أَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إعْطَاءِ الْبَزَّارِ دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ بِهِ أَبْزَارًا نَحْوَ فُلْفُلٍ فَيَجْعَلُ شَيْئًا فِي وَرَقَةٍ وَيَطْوِيهَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ حَزْرِهِ وَلَا رُؤْيَتِهِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَتَحَهُ وَرَآهُ جَازَ.
وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ جَوَابِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ شَرْطَ الْجِزَافِ مُصَادَفَتُهُ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَ الْفَوَّالَ أَوْ الْعَطَّارَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَك شَيْئًا جِزَافًا وَخُصُوصًا مَعَ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَعَدَمِ حَزْرِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَلَّالٍ وَمُعَاصِرُوهُ قَوْلَ الْقَبَّابِ، فَإِنْ فَتَحَهُ وَرَآهُ جَازَ بِأَنَّ فِيهِ جَزَفَ لِي وَاشْتَرَى مِنْك، وَقَدْ نَصَّ فِي الْبَيَانِ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْبَيَانِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ جَازَ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ وَإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ إلَخْ فَقَالَ (إلَّا) أَنْ يَقَعَ بَيْعُ مِلْءِ ظَرْفٍ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ (فِي كَسَلَّةِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ، أَيْ إنَاءٍ مَضْفُورٍ مِنْ خَشَبٍ رَقِيقٍ أَوْ قَصَبٍ فَارِسِيٍّ لِ (تِينٍ) وَزَبِيبٍ وَقِرْبَةِ مَاءٍ وَجَرَّتِهِ وَرَاوِيَتِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِجَعْلِهِ كَالْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ مِلْئِهِ فَارِغًا وَبَيْعُ مِلْئِهِ الْحَاضِرِ مَعَ مِلْئِهِ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (عَصَافِيرَ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يَتَدَاخَلُ مِنْ الطَّيْرِ (حَيَّةٍ بِقَفَصٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بَعْضُهُ تَحْتَ بَعْضٍ فَلَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ، وَمَفْهُومُ حَيَّةٍ جَوَازُ بَيْعِ الْمَذْبُوحَةِ جِزَافًا (وَهُوَ كَذَلِكَ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ (حَمَامِ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ (بُرْجٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ آخِرُهُ جِيمٌ بِنَاءً مِنْ قَوَادِيسَ لِسُكْنَى الْحَمَامِ لِعَدَمِ إمْكَانِ حَزْرِهِ، فَإِنْ حَزَرَهُ جَازَ
وَثِيَابٍ
وَنَقْدٍ، إنْ سُكَّ، وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ، وَإِلَّا جَازَ
، فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ
ــ
[منح الجليل]
قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الْبُرْجِ بِمَا فِيهِ، وَبَيْعَ جَمِيعِ مَا فِيهِ إذَا رَآهُ وَأَحَاطَ بِهِ مَعْرِفَةً وَحَزْرًا. اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَا فِي الْبُرْجِ مِنْ حَمَامٍ أَوْ بَيْعِهِ بِحَمَامِهِ جِزَافًا وَالْمَنْعُ فِيهِمَا لِابْنِ نَافِعٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ. الْحَطَّابُ وَرَجَّحَ فِي الشَّامِلِ الْجَوَازَ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (ثِيَابٍ) وَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَنَحْوَهَا جِزَافًا لِقَصْدِ إفْرَادِهَا
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (نَقْدٍ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ جِزَافًا (إنْ سُكَّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ صِيغَ بِالْكَيْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَخُتِمَ أَيْ النَّقْدُ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ (وَالتَّعَامُلُ) بِهِ بَيْنَ النَّاسِ (بِالْعَدَدِ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْوَزْنِ لِقَصْدِ إفْرَادِهِ، وَكَذَا فُلُوسُ النُّحَاسِ، الْمُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا. قَالَ ابْنُ نَاجِي إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَكَذَا الْجَوَاهِرُ الْكِبَارُ، وَخُصَّ النَّقْدُ لِكَثْرَةِ غَرَرِهِ لِحُصُولِهِ مِنْ جِهَةِ الْكَمِّيَّةِ وَجِهَةِ قَصْدِ الْآحَادِ وَلَا يُعَلَّلُ بِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لِئَلَّا تُرَدَّ الْجَوَاهِرُ الصِّغَارُ وَاللُّؤْلُؤُ وَنَحْوُهَا الَّتِي تُبَاعُ جِزَافًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا سَوَاءٌ تُعُومِلَ بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا أَوْ كَانَ مَسْكُوكًا، وَإِنْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ عَدَدًا بِأَنْ تُعُومِلَ بِهِ وَزْنًا (جَازَ) بَيْعُهُ جِزَافًا لِعَدَمِ قَصْدِ آحَادِهِ.
الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ رُجُوعُ قَوْلِهِ وَإِلَّا لِلْقَيْدَيْنِ مَعًا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ الشَّرْطَانِ بِأَنْ فُقِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا جَازَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ وَإِلَّا ثَلَاثُ صُوَرٍ، لَكِنْ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ الْمُتَعَامَلِ بِهِ عَدَدًا مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ الْمَنْعُ. وَقَدْ يُقَالُ لِبُعْدِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَسْتَثْنِهَا عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ بَحَثَ فِي جَوَازِهِ فِي الْمَسْكُوكِ الْمُتَعَامَلِ بِهِ وَزْنًا بِأَنَّ آحَادَهُ مَقْصُودَةٌ لِلرَّغْبَةِ فِي كَثْرَتِهَا لِسُهُولَةِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْيَسِيرَةِ كَنِصْفِ دِرْهَمٍ وَرُبْعِهِ.
وَأَفَادَ تَفْصِيلًا فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَجَهِلَاهُ فَقَالَ (فَإِنْ) تَبَايَعَا شَيْئًا جِزَافًا وَأَحَدُهُمَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ (عَلِمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ جِزَافًا بَعْدَ الْبَيْعِ (بِعِلْمِ الْآخَرِ) حِينَ
بِقَدْرِهِ، خُيِّرَ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوَّلًا: فَسَدَ كَالْمُغَنِّيَةِ
، وَجِزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْضٍ
وَجِزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ
، لَا مَعَ حَبٍّ.
ــ
[منح الجليل]
الْبَيْعِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ جِزَافًا (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثْقَلَةً غَيْرُ الْعَالِمِ بِقَدْرِهِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِقَدْرِهِ غَرَّهُ. ابْنُ رُشْدٍ مَا يُعَدُّ أَوْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جِزَافًا إلَّا مَعَ اسْتِوَاءِ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي الْجَهْلِ بَعْدَمَا يُعَدُّ مِنْهُ وَوَزْنِ مَا يُوزَنُ وَكَيْلِ مَا يُكَالُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ كَانَ الْعَالِمُ بِذَلِكَ قَدْ غَرَّ الْجَاهِلَ وَغَشَّهُ، فَإِذَا عَلِمَ عَدَدَ الْجَوْزِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ جِزَافًا وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ أَنَّهُ يُبَاعُ كَيْلًا لِمَعْرِفَةِ كَيْلِهِ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ عَدَدِ الْقِثَّاءِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا جِزَافًا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ وَزْنِهِ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ لِاخْتِلَافِهِ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بِخِلَافِ الْجَوْزِ الَّذِي يَقْرُبُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَهَذَا بَيِّنٌ اهـ.
(وَإِنْ أَعْلَمَهُ) أَيْ الْعَالِمُ الْجَاهِلَ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ وَالْخَطَرِ فَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ لِبَائِعِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ رُدَّتْ قِيمَتُهُ وَمَا فِيهِ التَّخْيِيرُ وَفَاتَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ. وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ (كَ) بَيْعِ الْأَمَةِ (الْمُغَنِّيَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُغَنِّيَةً لِاسْتِزَادَةِ ثَمَنِهَا فَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَظَهَرَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ خُيِّرَ فِي رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَ لِلتَّبَرِّي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَفْسُدُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُغَنِّي بِشَرْطِ غِنَاهُ لِلِاسْتِزَادَةِ، نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَعَ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَتْ شَرْعِيَّةَ عَدَمُ خَشْيَةِ تَعَلُّقِ الْقُلُوبِ بِهِ غَالِبًا.
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (جِزَافِ حَبٍّ) كَقَمْحٍ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا (مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ) أَيْ الْحَبِّ كَإِرْدَبٍّ لِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَصْلِهِ (أَوْ) مَعَ مَكِيلِ (أَرْضٍ) وَنَحْوِهَا مِمَّا أَصْلُهُ الْبَيْعُ جِزَافًا لِخُرُوجِهِمَا مَعًا عَنْ أَصْلِهِمَا
(وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (جِزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ لِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَصْلِهِ
(لَا) يُمْنَعُ بَيْعُ جِزَافِ أَرْضٍ (مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ)
وَيَجُوزُ جُزَافَانِ
، وَمَكِيلَانِ، وَجِزَافٌ مَعَ عَرْضٍ، وَجُزَافَانِ عَلَى كَيْلٍ، إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ
، وَلَا يُضَافُ لِجِزَافٍ عَلَى كَيْلٍ، غَيْرُهُ مُطْلَقًا
ــ
[منح الجليل]
لِمَجِيءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ
(وَيَجُوزُ) أَنْ يُبَاعَ (جُزَافَانِ) صَفْقَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُمَا أَنْ يُبَاعَا جِزَافًا أَوْ كَيْلًا، أَوْ أَحَدُهُمَا كَيْلًا وَالْآخَرُ جِزَافًا؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى جِزَافٍ وَاحِدٍ.
(وَ) يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ (مَكِيلَانِ) كَذَلِكَ صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَ) يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ (جِزَافٌ) عَلَى غَيْرِ كَيْلٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يُضَافُ لِجِزَافٍ عَلَى كَيْلٍ إلَخْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جِزَافًا كَقِطْعَةِ أَرْضٍ أَوْ كَيْلًا كَصُبْرَةِ حَبٍّ (مَعَ عَرْضٍ) لَا يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا وَزْنًا كَرَقِيقٍ وَحَيَوَانٍ (وَ) يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ (جُزَافَانِ) صَفْقَةً وَاحِدَةً (عَلَى كَيْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ) أَيْ ثَمَنُهُ كَبَيْعِ صُبْرَتَيْ قَمْحٍ كُلُّ إرْدَبٍّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدِينَارٍ (وَ) اتَّحَدَتْ (الصِّفَةُ) لِلْجِزَافَيْنِ الْمَبِيعَيْنِ عَلَى كَيْلٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَجِزَافٍ وَاحِدٍ، وَاحْتُرِزَ بِاتِّحَادِ الْكَيْلِ مِنْ اخْتِلَافِهِ كَصُبْرَتَيْ قَمْحٍ إحْدَاهُمَا ثَلَاثَةُ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ وَالْأُخْرَى أَرْبَعَةٌ بِهِ، وَبِاتِّحَادِ الصِّفَةِ مِنْ اخْتِلَافِهَا كَصُبْرَةِ قَمْحٍ وَصُبْرَةِ شَعِيرٍ كُلٍّ مِنْهُمَا كُلُّ ثَلَاثَةِ أَرَادِبَ مِنْهَا بِدِينَارٍ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ مَعَ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ جِزَافٌ عَلَى كَيْلٍ مَعَهُ غَيْرُهُ وَالْأَظْهَرُ إنْ اتَّحَدَتْ الصِّفَةُ وَثَمَنُ الْكَيْلِ.
(وَلَا يُضَافُ لِجِزَافٍ) بَيْعٌ (عَلَى كَيْلٍ) كَصُبْرَةِ قَمْحٍ كُلُّ إرْدَبٍّ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ (غَيْرُهُ) أَيْ الْجِزَافِ كَسِلْعَةِ كَذَا بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ لَهَا وَثَمَنُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ الْمَكِيلَ لِجَهْلِ مَا يَخُصُّهَا مِنْهُ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِ السِّلْعَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْجِزَافِ لَا يُقَالُ الْجِزَافُ عَلَى كَيْلٍ مَعَ مَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ بَيْعِ مَكِيلَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ،؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجِزَافُ عَلَى كَيْلٍ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَكِيلِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ جِزَافًا عَلَى كَيْلٍ بِأَرْضِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى كَيْلٍ أَيْ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ فَلَا يُضَافُ الْجِزَافُ عَلَى وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ ذَرْعِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَجَازَ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ وَالصِّوَانِ
؛ وَعَلَى الْبَرْنَامَجِ
ــ
[منح الجليل]
وَقَالَ الْقَبَّابُ أَصْلُ اللَّبَنِ الْكَيْلُ وَأَصْلُ الزُّبْدِ الْوَزْنُ فَلَا تُبَاعُ قِرْبَةُ لَبَنٍ جِزَافًا مَعَ رِطْلِ زُبْدٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَمْعِ الْجِزَافِ، وَمَا فِي حُكْمِ الْمَكِيلِ إذْ الْمَوْزُونُ كَالْمَكِيلِ، وَلَا أَنْ تُبَاعَ الْقِرْبَةُ بِزُبْدِهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ زُبْدِهَا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ جِزَافٌ عَلَى وَزْنٍ مَعَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا جِزَافًا فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا جِزَافَانِ.
(وَجَازَ) الْبَيْعُ الَّذِي عُلِمَ وَصْفُ مَبِيعِهِ (بِرُؤْيَةِ بَعْضِ) الْمَبِيعِ (الْمِثْلِيِّ) أَيْ الَّذِي يُكَالُ كَقَمْحٍ أَوْ يُوزَنُ كَقُطْنٍ أَوْ يُعَدُّ كَبَيْضٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْمِثْلِيِّ عَنْ الْمُقَوَّمِ فَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ مُشَارَكَةُ الْمُقَوَّمِ الْمِثْلِيَّ. (وَ) جَازَ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ (الصِّوَانِ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَخِفَّةِ الْوَاوِ أَيْ مَا يَصُونُ الشَّيْءَ كَقِشْرِ رُمَّانٍ وَبَيْضٍ وَبِطِّيخٍ، وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ وَإِنْ لَمْ يُكْسَرْ شَيْءٌ مِنْهُ لِيَرَى مَا بِدَاخِلِهِ، وَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي إذَا خَرَجَ الْبَاقِي مُخَالِفًا قَلِيلًا بِمَا لَا يَنْفَكُّ كَمَا يَأْتِي وَإِلَّا خُيِّرَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَاقِي الْمُوَافِقَ لَا، وَلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَعِيبًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْت الْبَاقِيَ سَلِيمًا فَاغْتَفَرْت عَيْبَ الْأَوَّلِ الَّذِي رَأَيْته. اهـ. وَهَذَا فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي الْأَوَّلِ وَتَغْلِبُ السَّلَامَةُ مِنْهُ فِي الْبَاقِي كَسَوَادٍ بِأَعْلَى مَطْمُورَةٍ، وَأَمَّا الْعَيْبُ الَّذِي لَا يَحْدُثُ فِي الْأَوَّلِ إلَّا وَيَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي الْبَاقِي كَسُوسٍ فَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ وُجُودِهِ فِي الْأَوَّلِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ عُرُوضٍ أَوْ طَعَامٍ فِي عِدْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَعَ الِاعْتِمَادِ فِي مَعْرِفَتِهَا (عَلَى) رُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعِ مَا كَتَبَ فِي (الْبَرْنَامِجِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ يَلِيهَا نُونٌ وَكَسْرِ الْمِيمِ آخِرُهُ جِيمٌ اسْمُ جِنْسٍ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ الدَّفْتَرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا حَفِظَ مَا فِي الْعِدْلِ وَوَصَفَهُ لِلْمُشْتَرِي كَفَى عَنْ الْبَرْنَامَجِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ كَسَاجٍ مُدْرَجٍ وَهُوَ الطَّيْلَسَانُ. وَقِيلَ الثَّوْبُ الرَّفِيعُ عَلَى الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ نَشْرِهِ وَتَقْلِيبِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِلَا ضَرَرٍ غَرَرٌ كَثِيرٌ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ الْعِدْلِ وَالثَّوْبِ عَمَلُ الْمَاضِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي نَشْرِهِ إفْسَادٌ لَهُ إذَا لَمْ يَرْضَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ كَمَا فِي الْعِدْلِ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فَإِنْ بَاعَ عِدْلًا عَلَى الْبَرْنَامَجِ عِدَّةُ مَا فِيهِ خَمْسُونَ فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي أَحَدًا وَخَمْسِينَ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَةً وَثَمَنًا رَدَّ لِلْبَائِعِ وَاحِدًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَخَمْسَةِ أَصْنَافٍ كُلُّ صِنْفٍ عَشَرَةٌ وَوَجَدَ وَاحِدًا زَائِدًا فِي صِنْفٍ مِنْهَا كَانَ الْبَائِعُ شَرِيكًا لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ. وَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَاتُهَا وَاخْتَلَفَ ثَمَنُهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ كَانَ شَرِيكًا بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا رَوَاهُ الْأَخَوَانِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَوْنَهُ شَرِيكًا بِجُزْءٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ جُزْءًا، وَغَلَّطَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَاعْتَذَرَ ابْنُ اللَّبَّادِ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدْخَلَ اللِّفَافَةَ فِي الْعَدَدِ وَلَمْ يَرْضَهُ. ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ، وَلِأَنَّهَا مُلْغَاةٌ لِلْمُشْتَرِي كَحِبَالِ الشَّدِّ فِيهَا. وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلًا بِبَرْنَامَجِهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ خَمْسِينَ ثَوْبًا فَوَجَدَهُ فِيهِ أَحَدًا وَخَمْسِينَ. قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " يَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا مَعَهُ فِي الثِّيَابِ بِجُزْءٍ مِنْ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ الثِّيَابِ، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " يَرُدُّ ثَوْبًا مِنْهَا كَيْفَ وَجَدَهُ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ اهـ. أَبُو الْحَسَنِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ ثَمَنُهَا. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا اتَّفَقَ. لَكِنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلَ أَعْجَبُ إلَيَّ يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ. عِيَاضٌ فِي كَوْنِهِمَا خِلَافًا أَوْ وِفَاقًا قَوْلَا الْأَكْثَرِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ وَالْأَقَلُّ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ اهـ وَهَذَا يَجْرِي أَيْضًا فِي وُجُودِ الزَّائِدِ فِي صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافٍ، وَقَوْلُهَا يَرُدُّ ثَوْبًا مِنْهَا.
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يَرُدُّ ثَوْبًا مِنْ أَوْسَطِهَا وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَيَّ ثَوْبٍ شَاءَ لِقَوْلِهِ يَرُدُّ ثَوْبًا كَيْفَ وَجَدَهُ فَإِنْ وَجَدَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ وُضِعَ مِنْ ثَمَنِهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ، وَإِنْ نَقَصَتْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ، وَنَصُّهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ وَجَدَ فِيهِ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَوْبًا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا. قِيلَ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ أَرْبَعِينَ ثَوْبًا قَالَ إنْ
وَمِنْ الْأَعْمَى
، وَبِرُؤْيَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدُهَا
، وَحَلَفَ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ
ــ
[منح الجليل]
وَجَدَ مِنْ الثِّيَابِ أَكْثَرَ مَا سَمَّى لَزِمَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَإِنْ كَثُرَ النَّقْصُ لَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذٌ وَرَدَّ بِهِ الْبَيْعَ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ كَثُرَ النَّقْصُ يُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ اهـ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ غَيْرِ الْجِزَافِ (مِنْ) الشَّخْصِ (الْأَعْمَى) أَيْ لَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ عَدَمُ جَوَازِهِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ مَا مَلَكَهُ فَلَا يُتَوَهَّمُ مَنْعُهُ. وَقَالَ " د " وَجَازَ الْعَقْلُ فَشَمِلَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَحَقِيقَةُ الْأَعْمَى مَنْ وُلِدَ بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ. وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ غَيْرَ بَصِيرٍ فَهُوَ أَكْمَهُ وَلَكِنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يُمْنَعُ الْبَيْعُ لِمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَوْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِ الْأَلْوَانِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا الْمَشْمُومُ كَمِسْكٍ وَالْمَذُوقُ كَعَسَلٍ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَعْمَى أَخْرَسَ أَصَمَّ وَإِلَّا مُنِعَتْ مُعَامَلَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ إلَّا مِنْ وَلِيِّهِ الْمُجْبَرِ.
(وَ) جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْرِفَةِ مَبِيعِهِ (بِرُؤْيَةٍ) سَابِقَةٍ عَلَى وَقْتِ الْعَقْدِ (لَا يَتَغَيَّرُ) الْمَبِيعُ (بَعْدَهَا) إلَى حِينِ الْعَقْدِ عَادَةً وَلَوْ حَضَرَ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا عَادَةً فَلَا يَجُوزُ بَتًّا، وَيَجُوزُ عَلَى شَرْطِ خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ
(وَ) إنْ بِيعَ مَا فِي عِدْلٍ عَلَى الْبَرْنَامَجِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ وَغَابَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَى بِثِيَابٍ وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهَا فِي الْعِدْلِ وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا كُتِبَ فِي الْبَرْنَامَجِ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ضَاعَ الْبَرْنَامَجُ أَوْ بَقِيَ، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيَّرَ مَا وَجَدَهُ فِي الْعِدْلِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَرْنَامَجِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَ (حَلَفَ) أَيْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّ مَا فِي الْعِدْلِ مُوَافِقٌ لِمَا كُتِبَ فِي الْبَرْنَامَجِ (لِبَيْعِ) أَيْ فِي صُورَةِ بَيْعِ مَا كَتَبَ صِفَاتِهِ (بَرْنَامِجَ) وَمَعْمُولُ حَلَفَ (أَنَّ مُوَافَقَتَهُ) أَيْ مَا وَجَدَ فِي الْعِدْلِ مِنْ نَحْوِ الثِّيَابِ (لِلْمَكْتُوبِ) فِي الْبَرْنَامَجِ ثَابِتَةٌ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يُغَيِّرُ مَا وَجَدَهُ فِي الْعِدْلِ. فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا أَتَى بِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَجِدُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُقَلِّبُ وَيَنْظُرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ.
وَعَدَمَ دَفْعِ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ
، وَبَقَاءِ الصِّفَةِ، إنْ شَكَّ
، وَغَائِبٍ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ دَفَعَ شَخْصٌ لِآخَرَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ صَرْفًا أَوْ ثَمَنَ سِلْعَةٍ أَوْ قَضَاءَ دَيْنٍ أَوْ سَلَفًا وَقَبَضَهَا الْمَدْفُوعُ لَهُ مُصَدِّقًا دَافِعَهَا فِي عَدَدِهَا وَجَوْدَتِهَا وَغَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ رَدِيئًا أَوْ نَاقِصَ وَزْنٍ، أَوْ أَنَّهُ وَجَدَهَا نَاقِصَةَ عَدَدٍ وَأَنْكَرَ دَافِعُهَا ذَلِكَ حَلَفَ دَافِعٌ مُدَّعٍ (عَدَمَ دَفْعٍ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ) أَنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا جَيِّدًا فِي عِلْمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا أَتَى بِهِ الْقَابِضُ مِنْ نَقْدِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ كَحَلِفٍ عَلَى عَدَمِ نَقْصِ الْعَدَدِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ قَابِضُهَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ. فَإِنْ حَلَفَ فَيَلْزَمُ الدَّافِعَ إتْمَامُ الْعَدَدِ وَإِبْدَالُ مَا اتَّفَقَ النُّقَّادُ عَلَى رَدَاءَتِهِ لَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا غَيْرَ مُصَدِّقٍ دَافِعَهَا فِي عَدَدِهَا وَجَوْدَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ قَابِضِهَا بِيَمِينِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ قَبْضِهَا عَلَى التَّصْدِيقِ أَوْ عَدَمِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ دَافِعِهَا بِيَمِينِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ النُّقَّادُ فِي جَوْدَةِ نَقْدٍ أَرَادَ دَافِعُهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنٍ فَلَا يَلْزَمُ. الْمَدْفُوعَ لَهُ قَبُولُهُ.
(وَ) إنْ بِيعَ شَيْءٌ بِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَبِيعُ بَعْدَهَا عَادَةً وَقَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ ظَانًّا بَقَاءَهُ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي رَآهُ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَخَالَفَهُ الْبَائِعُ وَادَّعَى بَقَاءَهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي رَآهُ بِهَا (حَلَفَ) الْبَائِعُ (عَلَى بَقَاءِ الصِّفَةِ) الَّتِي رَآهُ الْمُشْتَرِي بِهَا (إنْ شُكَّ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شَكَّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ هَلْ يَتَغَيَّرُ فِيمَا بَيْنَ رُؤْيَتِهِ وَقَبْضِهِ أَمْ لَا، كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْعَقْدِ بِمَا يُمْكِنُ التَّغَيُّرُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الرُّؤْيَةِ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ، فَإِنْ قُطِعَ بِعَدَمِ التَّغَيُّرِ بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ قُطِعَ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَذَلِكَ، وَتَرْجِيحُ قَوْلِ أَحَدِهِمَا كَالْقَطْعِ بِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ إنْ شُكَّ قَالَهُ عج. وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ يَحْلِفُ الْمُرَجِّحُ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ مُعَيَّنٍ (غَائِبٍ) عَنْ مَحَلِّ الْعَقْدِ مَعْرُوفٌ بِوَصْفٍ، بَلْ (وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ)
عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ
ــ
[منح الجليل]
لِنَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ (عَلَى شَرْطِ خِيَارِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ (بِالرُّؤْيَةِ) لِلْمَبِيعِ لَا عَلَى اللُّزُومِ أَوْ السُّكُوتِ فَيَفْسُدُ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ سَلَمُهَا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ جِنْسِ السِّلْعَةِ أَهِيَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ هَذَا فِي التَّوْلِيَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي هَذَا.
الْحَطّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّوْلِيَةِ فَاغْتَفَرَهُ فِي التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهَا فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ نَقَلَ نَصَّ سَلَمِهَا وَسَلَّمَهُ لَهُ طفي. الْبُنَانِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ سَلَمِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَ فَقْدِ الْوَصْفِ وَالرُّؤْيَةِ تَسْتَوِي التَّوْلِيَةُ وَالْبَيْعُ فِي الْمَنْعِ عَلَى الْإِلْزَامِ، وَالْجَوَازُ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْرِقَةِ أَصْلًا، وَنَصُّ مَا نَقَلَ عَنْ سَلَمِهَا وَإِذَا اشْتَرَيْت سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتهَا رَجُلًا وَلَمْ تُسَمِّهَا لَهُ وَلَا ثَمَنَهَا أَوْ سَمَّيْت أَحَدَهُمَا، فَإِنْ كُنْت أَلْزَمْته إيَّاهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ إلْزَامٍ جَازَ. وَأَمَّا إنْ بِعْت مِنْهُ عَبْدًا فِي بَيْتِك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَمْ تَصِفْهُ لَهُ وَلَا رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَلَا يَكُونُ الْمُبْتَاعُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْمُكَايَسَةِ، وَلَوْ كُنْت جَعَلْته عَلَى الْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَايَسَةِ. اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ ظُهُورَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ تِسْعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ عَلَى صِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ بِدُونِهِمَا، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يُبَاعَ عَلَى خِيَارٍ أَوْ بَتٍّ أَوْ سُكُوتٍ، وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَهُمَا الْبَتُّ وَالسُّكُوتُ فِيمَا بِيعَ بِدُونِهِمَا، فَقَوْلُهُ أَوْ غَائِبٍ أَيْ عَلَى صِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بَتًّا أَوْ خِيَارًا أَوْ سُكُونًا، وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى خِيَارٍ بِالرُّؤْيَةِ قُيِّدَ فِيمَا بَعْدُ وَلَوْ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ
أَوْ عَلَى يَوْمٍ
أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ، إنْ لَمْ يَبْعُدْ: كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ،
ــ
[منح الجليل]
الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَزَاهُ لَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُبَاعُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُهُ وَهُوَ قَوْلُهَا فِي بَيْعِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ الْغَائِبَةِ لَا تُبَاعُ إلَّا بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ اهـ.
وَعَطَفَ عَلَى بِلَا وَصْفٍ فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ بِيعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ غَائِبٌ (عَلَى يَوْمٍ) ذَهَابًا فَقَطْ، فَيَجُوزُ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ رَدًّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ مَا عَلَى يَوْمٍ فَدُوِّنَ كَالْحَاضِرِ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِهِ بِالصِّفَةِ لِسُهُولَةِ إحْضَارِهِ. وَاعْتَرَضَ الْحَطّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِالْبَلَدِ لَا يُبَاعُ بِالصِّفَةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ حَاضِرَ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ إلَّا مَا فِي فَتْحِهِ ضَرَرٌ وَفَسَادٌ وَغَيْرُ حَاضِرِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَجُوزُ بِالصِّفَةِ وَلَوْ بِالْبَلَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إحْضَارِهِ مَشَقَّةٌ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ خَمْسَةِ مَوَاضِعَ. قُلْت هَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَفْهُومِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَعَطَفَ عَلَى وَصْفٍ فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَجَازَ بَيْعُ غَائِبٍ بِالصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ، بَلْ وَلَوْ بِلَا (وَصَفَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلُهُ (غَيْرُ بَائِعِهِ) بِأَنْ وَصَفَهُ بَائِعُهُ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْضًا رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَائِبٍ بِوَصْفِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَاوَزُ فِي صِفَاتِهِ لِتَنْفِيقِ سِلْعَتِهِ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ) الْغَائِبُ الْمَبِيعُ بَتًّا أَوْ رُؤْيَةً مُتَقَدِّمَةً، فَإِنْ بَعُدَ فَلَا يَجُوزُ أَمَّا الْمَبِيعُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِدُونِهِمَا كَذَلِكَ فَيَجُوزُ وَلَوْ بَعُدَ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَا بِيعَ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بَعْدَهَا وَأَنْ لَا يَبْعُدَ وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَبْعُدَ، وَأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُشْتَرَطُ فِي قُرْبٍ وَلَا عَدَمِ تَغَيُّرٍ.
وَمَثَّلَ لِلْبَعِيدِ فَقَالَ فَإِنْ بَعُدَ (كَخُرَاسَانَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِهْمَالِ السِّينِ مَدِينَةٌ بِأَقْصَى الْمَشْرِقِ (مِنْ إفْرِيقِيَّةَ) بِتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِهَا مَدِينَةٌ بِوَسَطِ الْمَغْرِبِ
وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ
، وَالنَّقْدُ فِيهِ وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ
ــ
[منح الجليل]
فَلَا يَجُوزُ، وَعَطَفَ عَلَى لَمْ يَبْعُدْ فَقَالَ (وَ) إنْ (لَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ بِالصِّفَةِ بِاللُّزُومِ (بِلَا مَشَقَّةٍ) بِأَنْ أَمْكَنَتْ بِمَشَقَّةٍ كَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ أَمْكَنَتْ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ، وَإِنْ غَابَ عَنْهُ جَازَ بَيْعُهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْحَطِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
(وَ) جَازَ (النَّقْدُ) أَيْ تَعْجِيلُ دَفْعِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ تَطَوُّعًا بِلَا شَرْطٍ (فِيهِ) أَيْ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى اللُّزُومِ عَقَارًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ غَيْرَهُ لَا عَلَى الْخِيَارِ الْمُبَوَّبِ لَهُ أَوْ الِاخْتِيَارِ فَيُمْنَعُ النَّقْدُ فِيهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا (وَ) جَازَ النَّقْدُ (مَعَ الشَّرْطِ) مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَأَوْلَى بِلَا شَرْطٍ (فِي) بَيْعِ (الْعَقَارِ) عَلَى اللُّزُومِ بِوَصْفِ غَيْرِ بَائِعِهِ وَإِنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ تَغَيُّرُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بِوَصْفِ بَائِعِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا.
فِي ضَيْح إنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي الْعَقَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ إذْ لَمْ يَشْتَرِهِ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ، وَنَحْوُهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِبَيْعِ الْعَقَارِ جِزَافًا فَإِنْ بِيعَ مُذَارَعَةً فَلَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فِيهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ. الْحَطّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ. وَأَمَّا الدَّارُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَرْعِهَا كَمَا يَأْتِي وَذَرْعُهَا كَصِفَةٍ لَهَا. طفي الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ هَذَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ بِدَلِيلِ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ جَوَازَ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِي الْعَقَارِ. قَوْلُ الْحَطّ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَرْعِهَا هَكَذَا فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَبَيَّنَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بُدَّ فِي وَصْفِهَا مِنْ تَسْمِيَةِ ذَرْعِهَا بِأَنْ يُقَالَ الدَّارُ الَّتِي فِي بَلَدِ كَذَا بِمَوْضِعِ كَذَا، وَحْدَهَا كَذَا وَصِفَتُهَا كَذَا، وَذَرْعُ سَاحَتِهَا فِي الطُّولِ كَذَا وَفِي الْعَرْضِ كَذَا، وَطُولُ بَيْتِهَا كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَسَاكِنِهَا وَمَنَافِعِهَا بِالصِّفَةِ وَالذَّرْعِ، وَلَوْ ذَكَرَ صِفَتَهَا وَاكْتَفَى عَنْ تَذْرِيعِهَا بِأَنْ يَقُولَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا لَجَازَ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عَلَى الصِّفَةِ إلَّا كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا مَا بَلَغَتْ، بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ أَيْ الدَّارَ وَوَقَفَ عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا
وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي
، وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ: كَالْيَوْمَيْنِ، وَضَمِنَهُ بَائِعُ، إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ مُنَازَعَةٍ
ــ
[منح الجليل]
عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا وَكَالصُّبْرَةِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهُ مُعْتَمِدًا لَهُ، وَعَادَتُهُ فِي الْبَيَانِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَلِذَا اعْتَمَدَهُ الْحَطّ وَمَنْ تَبِعَهُ ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ إذَا بَاعَ مِنْهُ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ الْخَشَبَةَ أَوْ الشُّقَّةَ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَشْتَرِي مِنْك كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرَ كَانَ الْبَائِعُ شَرِيكًا، وَإِنْ وُجِدَ أَقَلَّ كَانَ مَا نَقَصَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَقِّ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَاقِي بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِمَا يَنُوبُهُ أَوْ رَدِّهِ. وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ لِلْمَبِيعِ، فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرَ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلَّ كَانَ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
(وَضَمِنَهُ) أَيْ الْعَقَارَ الْمَبِيعَ غَائِبًا جِزَافًا وَأَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ سَالِمًا (الْمُشْتَرِي) بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَمْ لَا، فَفِي ضَيْح بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي ضَمَانِ الْعَقَارِ هَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَبِيعِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ مُذَارَعَةً فَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ بِلَا إشْكَالٍ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ كَانَ دَارًا عَلَى مُذَارَعَةٍ أَوْ نَخْلًا عَلَى عَدَدِهَا فَفِي كَوْنِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ رِوَايَةُ الْمَازِرِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ الْأَخَوَيْنِ فَخَرَّجَهُمَا عَلَى أَنَّ الذَّرْعَ وَالْعَدَّ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ مُجَرَّدُ صِفَةٍ اهـ.
وَعَطَفَ عَلَى الْعَقَارِ فَقَالَ (وَ) جَازَ النَّقْدُ مَعَ الشَّرْطِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ غَائِبًا (إنْ قَرُبَ) مَحَلُّهُ (كَالْيَوْمَيْنِ) ذَهَابًا وَبِيعَ عُلِمَ اللُّزُومُ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ بِوَصْفِ غَيْرِ بَائِعِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ (وَضَمِنَهُ) أَيْ غَيْرَ الْعَقَارِ الْمَبِيعَ غَائِبًا بِشَرْطِ النَّقْدِ أَمْ لَا (بَائِعٌ إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ بَائِعِ غَيْرِ الْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ (أَوْ مُنَازَعَةٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ الْعَقَارَ الْمَبِيعَ غَائِبًا بَاقِيًا أَوْ
وَقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي
: وَحُرِّمَ فِي نَقْدٍ وَطَعَامٍ: رِبَا فَضْلٍ وَنَسَاءٍ
ــ
[منح الجليل]
هَالِكًا سَالِمًا أَوْ مَعِيبًا فَضَمَانُهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ انْتِفَاءُ ضَمَانِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ قَالَهُ جَدّ عج وَتَبِعَهُ " د "، وَقَالَ غَيْرُهُ إلَّا لِشَرْطٍ رَاجِعٍ لَهُمَا وَاسْتَشْكَلَهُ فِي ضَيْح بِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الضَّمَانِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ مَا لَزِمَهُ عَلَى قَوْلٍ وَحَاصِلُهُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ اهـ.
(وَقَبْضُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْ الْخُرُوجُ لِلْإِتْيَانِ بِهِ (عَلَى الْمُشْتَرِي) وَشَرْطُهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ كَوْنِ ضَمَانِهِ مِنْهُ يَفْسُدُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ فِي إتْيَانِهِ مِنْ مُبْتَاعِهِ فَجَائِزٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً غَائِبَةً بِعَيْنِهَا وَهُوَ بِبَلَدٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهَا بِمَوْضِعِهِ لَا خَيْرَ فِيهِ لِلضَّمَانِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلضَّمَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ جَوَازِ شَرْطِ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْوُصُولِ إلَيْهِ لَا فِي مُدَّةِ إيصَالِهِ. اللَّخْمِيُّ الْإِتْيَانُ بِالْغَائِبِ عَلَى مُبْتَاعِهِ وَشَرْطُهُ إيَّاهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ ضَمَانِهِ يُفْسِدُ بَيْعَهُ وَضَمَانَهُ فِي وُصُولِهِ مِنْ بَائِعِهِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ فِي إتْيَانِهِ مِنْ مُبْتَاعِهِ جَازَ وَكَانَ بَيْعًا وَإِجَارَةً.
(وَحَرُمَ فِي) بَيْعِ (نَقْدٍ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِنَقْدٍ (وَ) فِي بَيْعِ (طَعَامٍ) بِطَعَامٍ (رِبًا) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَقْصُورًا (فَضْلٍ) أَيْ زِيَادَةٍ (وَ) رِبَا (نَسَاءٍ) بِفَتْحِ النُّونِ مَمْدُودًا، أَيْ تَأْخِيرٍ وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ، وَدَلِيلُ حُرْمَةِ رِبَا الْفَضْلِ فِي النَّقْدِ خَبَرُ «لَا تُشِفُّوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» ، بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ مُثْقَلَةً، أَيْ لَا تُفَضِّلُوا. وَحُرْمَةُ رِبَا النَّسَاءِ فِيهِ خَبَرُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبَا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . بِالْمَدِّ أَشْهَرُ مِنْ الْقَصْرِ، وَتُفْتَحُ الْهَمْزَةُ حَالَ الْمَدِّ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ أَصْلُهُ هَاكَ أُبْدِلَتْ الْكَافُ هَمْزَةً. وَدَلِيلُ حُرْمَتِهِمَا فِي الطَّعَامِ وَفِي النَّقْدِ خَبَرُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَسَوَاءً بِسَوَاءٍ وَيَدًا بِيَدٍ، فَإِذْ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا
لَا دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ تَقَابُضًا أَيْ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْمَطْعُومِيَّةِ وَالنَّقْدِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالنَّقْدِ مَعَ التَّأْخِيرِ.
وَاعْتَرَضَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ نَقْدٌ يُوهِمُ قَصْرَ حُرْمَةِ الرِّبَا عَلَى الْمَسْكُوكِ لِاخْتِصَاصِ النَّقْدِ بِهِ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي التِّبْرِ وَالْمَصُوغِ وَالْمَكْسُورِ أَيْضًا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ النَّقْدِ بِالْمَسْكُوكِ طَرِيقَةٌ لِابْنِ عَرَفَةَ وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَعُمُّ غَيْرَ الْمَسْكُوكِ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَنَقْدٌ إنْ سُكَّ، وَقَوْلُهُ الْآتِي أَوْ غَابَ رَهْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ وَلَوْ سُكَّ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ رِبَا فَضْلٍ يَشْمَلُ فَضْلَ الصِّفَةِ وَالْحُرْمَةِ خَاصَّةً بِزِيَادَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الْوَزْنِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي وَجَازَ قَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلُ صِفَةً إلَخْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا الْفَضْلُ فِي الْقَدْرِ دُونَ الصِّفَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ يَدْخُلُ النَّقْدَ مُطْلَقًا وَالطَّعَامَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيمَا اتَّحَدَ جِنْسُهُ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ فِيمَا اخْتَلَفَ جِنْسُهُ فِيهِمَا يَدًا بِيَدٍ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا كَالتَّرْجَمَةِ لِمَا بَعْدَهُ فَهَذَا مُجْمَلٌ وَالْآتِي تَفْصِيلٌ لَهُ.
(لَا) يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ (دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ) بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ بِاحْتِمَالِ رَغْبَةِ أَحَدِهِمَا فِي دِينَارِ الْآخَرِ فَيُقَابِلُهُ بِدِينَارِهِ وَبَعْضِ دِرْهَمِهِ، وَيَصِيرُ بَاقِي دِرْهَمِهِ فِي مُقَابَلَةِ دِرْهَمِ الْآخَرِ وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ وَالْفَضْلُ الْمُتَوَهَّمُ كَالْفَضْلِ الْمُحَقَّقِ. ابْنُ شَاسٍ تَوَهُّمُ الرِّبَا كَتَحَقُّقِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ نَوْعِهِ أَوْ سِلْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْقَصْدَ إلَى التَّفَاضُلِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَوْ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِمَا (أَوْ) أَنْ يُبَاعَ (غَيْرُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ كَشَاةٍ وَدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ (بِمِثْلِهِمَا) أَيْ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَشَاةٍ وَدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثَالِ الثَّانِي فَأَوْلَى بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ مَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَيْعَ دِينَارٍ وَثَوْبٍ بِدِينَارَيْنِ لِلْفَضْلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ تَتَقَسَّطُ مَعَ دِينَارِهَا عَلَى الدِّينَارَيْنِ فَيُصِيبُ كُلُّ دِينَارٍ نِصْفَيْهِمَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ
وَمُؤَخَّرٌ وَلَوْ قَرِيبًا، أَوْ غَلَبَةٍ
، أَوْ عَقَدَ، وَوَكَّلَ فِي الْقَبْضِ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ أَقَلَّ فَيُقَابِلُ نِصْفُهَا أَكْثَرَ الدِّينَارِ أَوْ أَقَلَّهُ، وَيُقَابِلُ نِصْفُ الدِّينَارِ الَّذِي مَعَهَا أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَلِهَذَا مَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه ". وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالذَّرَائِعِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٌ لِفَرْضِهَا فِي بَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رضي الله عنه " وَأَجَازَ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ دِينَارًا وَدِرْهَمًا بِمِثْلِهِمَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " مَنَعَ الصُّورَتَيْنِ، وَأَجَازَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا.
(وَ) حَرُمَ صَرْفُ (مُؤَخَّرٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُشَدَّدَةً عَوَّضَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ طَوِيلًا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (قَرِيبًا) مَعَ فُرْقَةِ بَدَنٍ لِقَوْلِ سَنَدٍ إذَا تَصَارَفَا فِي مَجْلِسٍ وَتَقَايَضَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ، وَأَمَّا التَّأْخِيرُ الْيَسِيرُ بِدُونِ فُرْقَةِ بَدَنٍ كَأَنْ تَصَرَّفَ مِنْهُ دِينَارًا فَيُدْخِلُهُ تَابُوتَه ثُمَّ يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ وَكَأَنْ تَصَرَّفَ مِنْهُ الدِّينَارَ فَيَمْشِي إلَى حَانُوتٍ أَوْ حَانُوتَيْنِ لِتَقْلِيبِهِ فِيهِ قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَتُهُ وَمَذْهَبُ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ جَوَازُهُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُودِ قَوْلٍ بِمَنْعِهِ قَالَهُ الْحَطّ خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ التَّوْضِيحُ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى التَّأْخِيرِ فَسَدَ الصَّرْفُ وَلَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ شَيْءٌ.
(أَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (غَلَبَةً) أَيْ وَحَرُمَ صَرْفُ الْمُؤَخَّرِ إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِلْعِوَضَيْنِ أَوْ بَعْضِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْضِهِ اخْتِيَارًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهُمَا غَلَبَةً بِحَيْلُولَةِ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ أَوْ عَدُوٍّ بَيْنَهُمَا قَبْلِ قَبْضِهِمَا، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا غَلَبَةً مَضَى الصَّرْفُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَاجُزُ، وَاخْتُلِفَ فِي مُضِيِّ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّأْخِيرُ فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ، التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لِلْكُلِّ أَوْ لِلْبَعْضِ، وَالتَّأْخِيرُ غَلَبَةً، كَذَلِكَ وَكُرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إدْخَالُ صَيْرَفِيٍّ دِينَارًا أُعْطِيَ لَهُ لِيَصْرِفَهُ فِي تَابُوتِهِ أَوْ خَلْطِهِ ثُمَّ يُخْرِجَ الْفِضَّةَ وَيَدْعُهُ حَتَّى يَزِنَ الْفِضَّةَ فَيَأْخُذَ وَيُعْطِيَ وَأَبْقَى أَبُو الْحَسَنِ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا.
(أَوْ عَقَدَ) شَخْصٌ الصَّرْفَ (وَوَكَّلَ) بِشَدِّ الْكَافِ غَيْرَهُ (فِي الْقَبْضِ) فَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّأْخِيرِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ فَيَجُوزُ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنْ شُهِرَ فِي الشَّامِلِ
أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا وَطَالَ
، أَوْ نَقْدَاهُمَا
ــ
[منح الجليل]
مَنْعُهُ وَعَكْسُ صُورَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَّلَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ حُكْمُهُ الْمَنْعُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الَّذِي عَقَدَ الصَّرْفَ فِيهَا إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَصْرِفُ لَك دِينَارًا، فَلَمَّا صَرَفَهُ أَتَيْته قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَأَمَرَك بِالْقَبْضِ، وَقَامَ فَذَهَبَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْرِفَ ثُمَّ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ، وَلَكِنْ يُوَكِّلُ مَنْ يَصْرِفُ لَهُ وَيَقْبِضُ لَهُ. اهـ. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ ذَهَبَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا جَازَ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ مَا عَقَدَهُ بِحَضْرَتِهِ فَطَرِيقَانِ. ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا يَفْسُدُ زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ وَيُكْرَهُ. الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِيهِ. أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ إنْ وَقَعَ. ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْعَاقِدِ هُوَ الْقَابِضُ، وَإِذَا كَانَ دِينَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَرَفَا مَعًا، ثُمَّ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ فِي الْقَبْضِ وَذَهَبَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ بِحَضْرَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَظَاهِرُ رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَسْمِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ وَنَصُّ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ جَائِزٌ فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْقَبْضِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَذْهَبَ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ بِحَضْرَتِهِ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ بِحَضْرَتِهِ، وَبَيْنَ تَوْكِيلِ الشَّرِيكِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ قَبَضَ بَعْدَ ذَهَابِهِ أَفَادَهُ الْحَطّ.
وَعَطَفَ عَلَى شَرْطِ لَوْ وَهُوَ كَانَ الْمَحْذُوفَةُ مَعَ اسْمِهَا فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَحَرُمَ صَرْفُ مُؤَخَّرَانِ غَابَ الْعِوَضَانِ مَعًا، بَلْ وَلَوْ (غَابَ نَقْدُ) أَيْ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَصَارِفَيْنِ (وَطَالَ) زَمَنُ غَيْبَتِهِ فَيَفْسُدُ الصَّرْفُ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ بِأَنْ اقْتَرَضَهُ مِنْ رَجُلٍ بِجَنْبِهِ أَوْ حَلَّ صُرَّتَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ افْتِرَاقُ بَدَنٍ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا تَقَدَّمَ
وَعَطَفَ عَلَى نَقْدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ (أَوْ) غَابَ (نَقْدَاهُمَا) أَيْ دِينَارِ وَدَرَاهِمَ الْمُتَصَارِفَيْنِ مَعًا فَيَحْرُمُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ وَلَا فُرْقَةُ بَدَنٍ فِيهَا إنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ ثُمَّ
أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ
ــ
[منح الجليل]
اقْتَرَضْت دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِك وَاقْتَرَضَ الدَّرَاهِمَ مِمَّنْ بِجَانِبِهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْت الدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ وَاقْتَرَضْت الدِّينَارَ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ صُرَّةٍ وَلَا يُبْعَثُ وَرَاءَهُ وَلَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ لِذَلِكَ جَازَ وَلَمْ يُجِزْهُ أَشْهَبُ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ تَسَلَّفَا فَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الطُّولِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظَّنِّ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ تَسَلَّفَ أَحَدُهُمَا وَطَالَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَالْخِلَافُ، وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ الْخِلَافُ فِي تَسَلُّفِ أَحَدِهِمَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ عِلْمِ مَنْ عَقَدَ عَلَى مَا عِنْدَهُ بِأَنَّ الْآخَرَ عَقْدٌ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ اتَّفَقَا عَلَى الْبُطْلَانِ أَوْ الْخِلَافُ مُطْلَقُ عِلْمٍ أَمْ لَا طَرِيقَانِ نَقَلَهُمَا الْمَازِرِيُّ.
وَعَطَفَ عَلَى شَرْطِ لَوْ أَيْضًا فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ حَصَلَ التَّأْخِيرُ (بِمُوَاعَدَةٍ) مِنْهُمَا بِالطَّرَفِ أَيْ جَعْلِهَا عَقْدًا لَا يَأْتَنِفَانِ غَيْرَهُ كَاذْهَبْ بِنَا إلَى السُّوقِ بِدَرَاهِمِك، فَإِنْ كَانَتْ جِيَادًا أَخَذْتهَا مِنْك كُلَّ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ فَتَحْرُمُ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَ الْمَازِرِيُّ الْكَرَاهَةَ وَنَسَبَهَا اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَسَبَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ فَتُكْرَهُ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ فَلَا يُفْسَخُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُفْسَخُ، وَلَعَلَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى السَّوْمِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَذْهَبُ مَعَك لِأَصْرِفَ مِنْك، وَقَوْلَ أَصْبَغَ إذَا رَاوَضَهُ عَلَى السَّوْمِ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ مَعِي لِأَصْرِفَ مِنْك ذَهَبَك بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ وَحُمِلَتْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلِابْنِ نَافِعٍ الْجَوَازُ اللَّخْمِيُّ وَالثَّلَاثَةُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. سَنَدٌ الْأَحْسَنُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَتْ وَلَمْ يَتَصَارَفَا كُرِهَ أَنْ يَتَصَارَفَا وَإِنْ تَصَارَفَا وَفَاتَ الْعَقْدُ فَلَا يُرَدُّ. ابْنُ يُونُسَ أَجَازَ أَبُو مُوسَى بْنُ مَنَاسٍ التَّعْرِيضَ فِي الصَّرْفِ نَحْوَ إنِّي مُحْتَاجٌ إلَى دَرَاهِمَ أَصْرِفُهَا وَنَحْوَ إنِّي أُحِبُّ دَرَاهِمَك وَأَرْغَبُ
أَوْ بِدَيْنٍ، إنْ تَأَجَّلَ، وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا
، أَوْ غَابَ رَهْنٌ، أَوْ وَدِيعَةٌ، وَلَوْ سُكَّ
ــ
[منح الجليل]
فِي الصَّرْفِ مِنْك وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ. خَلِيلٌ وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَعَطَفَ عَلَى شَرْطِ لَوْ أَيْضًا فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ حَصَلَ التَّأْخِيرُ (بِ) صَرْفِ (دَيْنٍ) بِدَيْنٍ (إنْ تَأَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثْقَلًا الدَّيْنَانِ عَلَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَنَانِيرُ مُؤَجَّلَةٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا وَتَصَارَفَا قَبْلَ حُلُولِهِمَا بِأَنْ أَسْقَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالَهُ عَلَى الْآخَرِ فِي نَظِيرِ إسْقَاطِ الْآخَرِ مَالَهُ عَلَيْهِ، بَلْ (وَإِنْ) تَأَجَّلَ (مِنْ أَحَدِهِمَا) وَحَلَّ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي أَجَلِ دَيْنِ الْعَيْنِ لِلْمَدِينِ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ، فَإِنْ تَأَجَّلَا فَقَدْ اشْتَرَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُهُ فَيَقْتَضِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَقَدْ تَأَخَّرَ قَبْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ بِالصَّرْفِ عَنْ عَقْدِهِ بِمُدَّةِ الْأَجَلِ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، وَإِنْ تَأَجَّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ اشْتَرَى الْمَدِينُ الْمُؤَجَّلُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِهِ فَيَقْتَضِيهِ مِنْ نَفْسِهِ فَقَدْ تَأَخَّرَ قَبْضُهُ عَنْ صَرْفِهِ بِهَا كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُمَا إنْ حَلَّا جَازَ الصَّرْفُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَأَخُّرِ الْقَبْضِ لِاسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْضَ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَيَقْبِضُهُ مِنْ نَفْسِهِ.
وَعَطَفَ عَلَى شَرْطِ لَوْ أَيْضًا فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِصَرْفِ مُرْتَهِنٍ مِنْ رَاهِنٍ رَهْنًا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ مُودَعٍ بِالْفَتْحِ مِنْ مُودِعٍ بِالْكَسْرِ وَدِيعَةً وَ (غَابَ رَهْنٌ) مَصْرُوفٌ (أَوْ وَدِيعَةٌ) مَصْرُوفَةٌ عَنْ مَجْلِسِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَيَحْرُمُ لِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ حِيَازَةَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ حِيَازَةُ أَمَانَةٍ، وَضَمَانَ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ بِالْكَسْرِ أَصَالَةً وَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُمَا إلَّا بِقَبْضِهِمَا مِنْ أَنْفُسِهِمَا بَعْدَ وُصُولِهِمَا إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي هُمَا بِهِ فَقَدْ تَأَخَّرَ قَبْضُهُمَا عَنْ صَرْفِهِمَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ مَصُوغًا، بَلْ (وَلَوْ سُكَّ) الْمَذْكُورُ مِنْ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ صِيغَ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ وَخُتِمَ عَلَيْهِ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ صَرْفِ الرَّهْنِ الْمَسْكُوكِ الْوَدِيعَةِ الْمَسْكُوكَةِ غَائِبَيْنِ عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ.
كَمُسْتَأْجَرٍ، وَعَارِيَّةٍ وَمَغْصُوبٍ، وَإِنْ صِيغَ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ فَيَضْمَنَ قِيمَتَهُ: فَكَالدَّيْنِ
ــ
[منح الجليل]
الْحَطّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْكُوكَيْنِ لَا فِي الْمَصُوغَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ. وَمَفْهُومُ غَابَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ جَازَ صَرْفُهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التَّأْخِيرِ. اللَّخْمِيُّ لَوْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ أَنَّ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَحَلِّهَا فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ وَقَبِلَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَالَ اللَّخْمِيُّ جَازَ اتِّفَاقًا، وَاعْتَرَضَهُ سَنَدٌ قَائِلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ مَعَ الْغَيْبَةِ فَقَالَ (كَ) صَرْفِ حُلِيِّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (مُسْتَأْجَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَعَارِيَّةٍ) أَيْ أَوْ مُعَارٍ فَيَحْرُمُ صَرْفُهُمَا غَائِبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ (وَ) كَصَرْفِ نَقْدٍ غَائِبٍ (مَغْصُوبٍ) مِنْ مَالِكِهِ سَوَاءٌ صَرَفَهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ (إنْ) كَانَ قَدْ (صِيغَ) الْمَغْصُوبُ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِهِ وَلُزُومِ قِيمَتِهِ الْغَاصِبَ لِالْتِحَاقِهِ بِالْمُقَوَّمِ بِصِيَاغَتِهِ، وَصَرْفُهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَأَدَّى صَرْفُهُ فِي غَيْبَتِهِ لِاحْتِمَالِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ كَتَحَقُّقِهِ، فَإِنْ حَضَرَ الْمَغْصُوبُ جَازَ صَرْفُهُ لِغَاصِبِهِ كَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِهِ وَتَنَالُهُ الْأَحْكَامُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَفْهُومُ إنْ صِيغَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَسْكُوكًا أَوْ تِبْرًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ غَائِبًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِتَرَتُّبِ مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ غَاصِبِهِ بِمُجَرَّدِ غَصْبِهِ حَالًّا، وَصَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ الْحَالِّ جَائِزٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْمَصُوغِ الَّذِي يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
(إلَّا أَنْ يَذْهَبَ) أَيْ يَخْرُجَ الْمَغْصُوبُ الْمَصُوغُ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ بِتَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَيَضْمَنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) حَالَّةً (فَ) هِيَ (كَالدَّيْنِ) الْحَالِّ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ إذَا ذَهَبَ الْمَصُوغُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا صِيغَ صَارَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ وَمُقَابِلُهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فَتَصِحُّ مُصَارَفَةُ وَزْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَغْصُوبُ بِعَيْبٍ يُوجِبُ
وَبِتَصْدِيقٍ فِيهِ: كَمُبَادَلَةِ رِبَوِيَّيْنِ، وَمُقْرَضٍ: وَمَبِيعٍ لِأَجَلٍ،
ــ
[منح الجليل]
لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ فِي أَخْذِهِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ جَازَ صَرْفُهُ إنْ أَحْضَرَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِنْ اخْتَارَ قِيمَتَهُ جَازَ صَرْفُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(وَ) حَرُمَ الصَّرْفُ (بِتَصْدِيقٍ) مِنْ أَحَدِ الْمُتَصَارِفَيْنِ الْآخَرَ (فِي) عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ جَوْدَةِ نَقْدٍ (هـ) الَّذِي يَدْفَعُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَبِرُهُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا فَيَجِدُهُ نَاقِصًا أَوْ رَدِيئًا فَيَرْجِعُ فَيُؤَدِّي إلَى صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ ثِقَةً صَادِقًا جَازَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ يُكْرَهُ التَّصْدِيقُ حَكَى الْأَرْبَعَةَ ابْنُ عَرَفَةَ. وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ التَّصْدِيقِ فَقَالَ (كَمُبَادَلَةِ) شَخْصَيْنِ بِشَيْئَيْنِ (رِبَوِيَّيْنِ) نَقْدَيْنِ كَدَنَانِيرَ بِمِثْلِهَا أَوْ دَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا أَوْ طَعَامَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ أَوْ مُخْتَلِفِيهِ أَيْ يَدْخُلُهُمَا الرِّبَا وَلَوْ رِبَا النَّسَاءِ لِئَلَّا يُوجَدَ نَقْصٌ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ إنْ لَمْ يَرْجِعَ أَوْ التَّأْخِيرِ إنْ رَجَعَ. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ وَقَعَ الصَّرْفُ أَوْ مُبَادَلَةُ الرِّبَوِيَّيْنِ بِتَصْدِيقٍ فَلَا يُفْسَخُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الصَّرْفِ وَلَا فِي بَدَلِ الطَّعَامَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَهُ سِوَارَيْنِ عَلَى أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي وَزْنِهِمَا وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ وَإِنْ افْتَرَقَا وَوَجَدَهُمَا كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْقُضَ، فَلَوْ وَزَنَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَوَجَدَ نَقْصًا فَرَضِيَهُ أَوْ زِيَادَةً فَتَرَكَهَا الْآخَرُ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي افْتِرَاقِهِمَا عَلَى التَّصْدِيقِ فَيَجِدُ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا فَيَتْرُكُ الْفَضْلَ مَنْ هُوَ لَهُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِيهَا رَدِيئَةً أَوْ دُونَ مَا قَالَ مِنْ الْوَزْنِ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ وَلَا يَتْبَعُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا أَفَادَهُ الْحَطّ.
(وَ) كَكُلِّ شَيْءٍ (مُقْرَضٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَيَحْرُمُ التَّصْدِيقُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ نَقْصٍ أَوْ عَيْبٍ فِيهِ فَيَغْتَفِرُهُ لِحَاجَتِهِ، أَوْ عِوَضًا عَنْ مَعْرُوفِ التَّسْلِيفِ فَيَلْزَمُ السَّلَفُ بِزِيَادَةٍ (وَ) كَكُلِّ شَيْءٍ (مَبِيعٍ) بِثَمَنٍ (لِأَجَلٍ) مَعْلُومٍ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَيَحْرُمُ التَّصْدِيقُ فِيهِ لِئَلَّا يَجِدَ نَقْصًا فَيَغْتَفِرَهُ لِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ فَيُؤَدِّي لِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
وَرَأْسِ مَالٍ سَلَمٍ، وَمُعَجَّلٍ قَبْلَ أَجَلِهِ
وَبَيْعٌ وَصَرْفٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا، أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) كَكُلِّ (رَأْسِ) أَيْ أَصْلِ (مَالٍ سَلَمٍ) أَيْ مُسْلَمٍ فِيهِ فَيَحْرُمُ التَّصْدِيقُ فِيهِ لِئَلَّا يَجِدَ نَقْصًا فَيَغْتَفِرَهُ لِتَأْجِيلٍ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَاعْتَرَضَ " ق " الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ جَوَازُ التَّصْدِيقِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ جَمْعَ النَّظَائِرِ يُغْتَفَرُ فِيهِ الْمَشْيُ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ (وَ) كَكُلِّ دَيْنٍ (مُعَجَّلٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَبْلَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ) فَيَحْرُمُ التَّصْدِيقُ فِيهِ لِئَلَّا يَجِدَ نَقْصًا فَيَغْتَفِرَهُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَصِيرَ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مُسَلَّفٌ.
(وَ) حَرُمَ أَنْ يُجْمَعَ (بَيْعٌ وَصَرْفٌ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَبَيْعِ ثَوْبٍ وَدِينَارٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَصَرْفُ الدِّينَارِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا لِجَوَازِ الْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالتَّصْدِيقِ فِي الْبَيْعِ وَامْتِنَاعِهَا فِي الصَّرْفِ وَلِتَأْدِيَتِهِ إلَى الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ لِاحْتِمَالِ اسْتِحْقَاقٍ فِيهَا فَلَا يُعْلَمُ مَا يَنْوِيهِ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ. سَنَدٌ هَذِهِ جَهَالَةٌ لَا نَسِيئَةٌ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ مَعَ الْقِيَامِ وَمَضَى مَعَ الْفَوَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْحَطّ أَيْ وَحَرُمَ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ وَقَعَ فَقِيلَ هُوَ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَيُفْسَخُ وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ. وَقِيلَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَيُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ لَا مَعَ الْفَوَاتِ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ وَالصَّرْفُ. ابْنُ رُشْدٍ هُوَ أَضْيَقُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ أَوْ رَدَّهُ جَازَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَإِذَا تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ فِي السَّلَفِ وَالصَّرْفِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَاسْتَثْنَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ مَنْعِ جَمْعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ صُورَتَيْنِ أُولَاهُمَا قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ) أَيْ النَّقْدُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ (دِينَارًا) وَاحِدًا كَأَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً وَدَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ تَابِعًا أَوْ مَتْبُوعًا أَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (أَوْ) يَكُونَ الْجَمِيعُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَ (يَجْتَمِعَا) أَيْ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ (فِيهِ) أَيْ الدِّينَارِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارَيْنِ، وَصَرْفُ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الصُّورَتَيْنِ تَعْجِيلُ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالنَّقْدِ بِمُصَاحَبَتِهِ، وَقَالَ السُّيُورِيُّ كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ.
وَسِلْعَةٌ بِدِينَارٍ، إلَّا دِرْهَمَيْنِ، إنْ تَأَجَّلَ الْجَمِيعُ، أَوْ السِّلْعَةُ، أَوْ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ، بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
الْقَرَافِيُّ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْبَيْعِ سِتَّةٌ مَعَ عُقُودٍ يَجْمَعُهَا جِصٌّ مُنَقَّشٌ، فَالْجِيمُ لِلْجُعْلِ، وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ، وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ، وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ، وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ، وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ لِتَضَادِّ أَحْكَامِهَا وَأَحْكَامِ الْبَيْعِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ وَلَا شَرِكَةٌ وَبَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَلَا جُعْلٌ وَبَيْعٌ وَلَا قِرَاضٌ وَبَيْعٌ وَلَا مُسَاقَاةٌ وَبَيْعٌ. اللَّخْمِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " بِالْمَنْعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَزَادَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ السَّلَمَ وَالْإِقَالَةَ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ حَصْرُهُ أَنْ تَقُولَ كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهُ السَّلَفَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَاوَضَةٍ كَالصَّدَقَةِ نَظَرْت فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُسَلِّفِ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ لِيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَالسَّلَفُ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَظَمَهَا الشَّيْخُ مَيَّارَةُ فَقَالَ:
عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ
…
لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ
فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شِرْكَةٌ
…
نِكَاحٌ قِرَاضٌ قَرْضٌ بَيْعٌ مُحَقَّقُ
ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا يَقُومُ مِنْهَا أَنَّ السِّتَّةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا فِيمَا بَيْنَهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَصْلُحُ مَعَ الشَّرِكَةِ صَرْفٌ وَلَا قِرَاضٌ.
(وَ) حَرُمَ (سِلْعَةٌ) أَيْ بَيْعُهَا (بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) فَدُونَ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَيُمْنَعُ مَعَ تَعْجِيلِ السِّلْعَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ مُرَاعًى حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ (إنْ تَأَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثْقَلًا أَيْ تَأَخَّرَ عَنْ الْعَقْدِ (الْجَمِيعُ) أَيْ الدِّينَارُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالسِّلْعَةُ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ الْبَائِعِ (أَوْ) تَعَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمَانِ وَتَأَجَّلَتْ (السِّلْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ تَأَخَّرَ عِوَضَاهُ فِي الْأُولَى وَبَعْضُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ وَتَأْجِيلَ بَعْضِ السِّلْعَةِ كَتَأْجِيلِهَا كُلِّهَا إلَّا بِقَدْرِ خِيَاطَتِهَا، أَوْ بَعْثِ مَنْ يَأْخُذُهَا وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (أَوْ) تَعَجَّلَتْ السِّلْعَةُ وَأَحَدُ النَّقْدَيْنِ وَتَأَجَّلَ (أَحَدُ النَّقْدَيْنِ) أَوْ بَعْضُهُ. (بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ، وَتَعْجِيلِ السِّلْعَةِ، فَهَذَا جَائِزٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى
أَوْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ: كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ، وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ.
ــ
[منح الجليل]
قَصْدِ الْبَيْعِ وَتَبَعِيَّةِ الصَّرْفِ مَعَ يَسَارَتِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ أَجَلُهُمَا مُنِعَ (أَوْ) أَيْ وَبِخِلَافِ (تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ) فَيَجُوزُ بِالْأَوْلَى مِنْ تَعْجِيلِ السِّلْعَةِ وَحْدَهَا فَذِكْرُهُ تَتْمِيمٌ لِلْأَقْسَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِ كَوْنِ الْجَمِيعِ دِينَارًا. الْحَطّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا فِيهَا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا فِيهَا تَعْجِيلَ السِّلْعَةِ مَعَ تَأْجِيلِ النَّقْدَيْنِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَوَّزُوا هُنَا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ وَلَعَلَّهُمْ رَاعُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا وَالضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، وَتَعْجِيلُ السِّلْعَةِ دَلَّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْعِ وَتَبَعِيَّةِ الصَّرْفِ وَعَدَمِ قَصْدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَالْبَيْعُ وَالصَّرْفُ مَقْصُودَانِ فِيهِ فِيهَا لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا إنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ نَقْدًا، فَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ أَوْ الدِّرْهَمُ أَوْ السِّلْعَةُ وَتَنَاقَدَا الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إنْ كَانَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَقْدًا وَالسِّلْعَةُ مُؤَخَّرَةً فَجَائِزٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ وَعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَتْ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ إلَّا نَقْدًا. وَجَعَلَ رَبِيعَةُ الثَّلَاثَةَ كَالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ " رضي الله عنه " الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ إلَّا زَحْفًا. وَأَمَّا الدِّينَارُ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةً فَيَجُوزُ هَذَا نَقْدًا، وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِلْغَرَرِ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لَمْ أُحِبَّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا خَيْرَ فِيهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ إلَّا زَحْفًا أَيْ اسْتِثْقَالًا وَكَرَاهَةً. وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِالْغَرَرِ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَى حَالِهَا كَاشْتِرَاءِ سِلْعَةٍ بِدِينَارَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَشَبَّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ فَقَالَ (كَ) اسْتِثْنَاءِ (دَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِ) شَرْطِ (الْمُقَاصَّةِ) أَيْ كُلَّمَا يَجْتَمِعُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَثْنَاةِ صَرْفُ دِينَارٍ أُسْقِطَ لَهُ دِينَارٌ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَفْضُلْ)
وَفِي الدِّرْهَمَيْنِ كَذَلِكَ، وَفِي أَكْثَرَ: كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ
، وَصَائِغٌ يُعْطَى الزِّنَةَ،
ــ
[منح الجليل]
شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ فَيَجُوزُ، كَشِرَاءِ عَشْرِ سِلَعٍ كُلُّ سِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ، وَصَرْفُ الدِّينَارِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَشَرَطَا الْمُقَاصَّةَ، فَكَأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ ثَمَنَهَا تِسْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ فَيَجُوزُ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ لِتَمَحُّضِ الْبَيْعِ بِالدَّنَانِيرِ وَانْتِفَاءِ الصَّرْفِ.
(وَ) الْحُكْمُ (فِي) فَضْلِ الدِّرْهَمِ وَ (الدِّرْهَمَيْنِ) بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ كَشِرَاءِ عَشْرِ سِلَعٍ كُلَّ سِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا وَعُشْرَ أَوْ خُمْسَ دِرْهَمٍ، فَمَجْمُوعُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ يَسْقُطُ بِالْمُقَاصَّةِ عَشَرَةٌ فِي نَظِيرِ إسْقَاطِ دِينَارٍ، وَيَبْقَى دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ (كَ) حُكْمِ (ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمِ مِنْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ مِنْ أَنَّهُ إنْ تَعَجَّلَ الْجَمِيعُ أَوْ السِّلْعَةُ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ، (وَ) الْحُكْمُ (فِي) فَضْلِ (أَكْثَرَ) مِنْ دِرْهَمَيْنِ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ دِينَارٍ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ دِرْهَمًا وَنِصْفًا، فَمَجْمُوعُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَثْنَاةِ خَمْسَةَ عَشَرَ تَسْقُطُ عَشَرَةٌ بِالْمُقَاصَّةِ وَتَبْقَى خَمْسَةٌ (كَ) حُكْمِ اجْتِمَاعِ (الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ) مِنْ الْجَوَازِ إنْ اجْتَمَعَا فِي دِينَارٍ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ. وَمَفْهُومُ بِالْمُقَاصَّةِ أَنَّهُمَا إنْ شَرَطَا عَدَمَهَا مُنِعَ مُطْلَقًا لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ أُجِّلَ الْجَمِيعُ وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ إنْ عُجِّلَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ سَكَتَا عَنْهَا جَازَ مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ أَوْ السِّلْعَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ. فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَنَقَصَ عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ، وَجَازَ إنْ عُجِّلَ الْجَمِيعُ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ صَرْفَ دِينَارٍ مُنِعَ مُطْلَقًا قَالَهُ عج. وَقَالَ " د " وَأَمَّا لَوْ سَكَتَا عَنْهَا فَيَجُوزُ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ أَوْ صَرْفَ دِينَارٍ فَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. الْحَطّ هَذَا تَحْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(وَ) حَرُمَ (صَائِغٌ) أَيْ مُعَاقَدَتُهُ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ (يُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ الصَّائِغُ (الزِّنَةَ) مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ التِّبْرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ نُقَارِ الْفِضَّةِ لِحُلِيٍّ، مَصُوغٍ عِنْدَهُ أَوْ لِسَبِيكَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
وَالْأُجْرَةَ
كَزَيْتُونٍ، وَأُجْرَتِهِ لِمُعْصِرِهِ
ــ
[منح الجليل]
عِنْدَهُ يَصُوغُهَا حُلِيًّا (وَ) يُعْطَى (الْأُجْرَةَ) لِصِيَاغَتِهِ فَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ صَائِغٍ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ بِوَزْنِهَا دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا، أَوْ سَبِيكَةَ فِضَّةٍ بِوَزْنِهَا دَرَاهِمَ أَوْ نَقَّارًا وَيَتْرُكَ السَّبِيكَةَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ يُصَيِّغُهَا لَهُ حُلِيًّا مَثَلًا، وَيَزِيدَهُ أُجْرَةَ الصِّيَاغَةِ. وَفِي هَذِهِ رِبَا نَسَاءٍ وَرِبَا فَضْلٍ.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ حُلِيًّا مَصُوغًا عِنْدَهُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَيَزِيدَهُ الْأُجْرَةَ، وَفِي هَذِهِ رِبَا الْفَضْلِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْهُ الْأُجْرَةَ جَازَتْ الثَّانِيَةُ وَامْتَنَعَتْ الْأُولَى لِلنَّسَاءِ، فَإِنْ اشْتَرَى الذَّهَبَ بِفِضَّةٍ أَوْ الْفِضَّةَ بِذَهَبٍ جَازَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ زَادَهُ الْأُجْرَةَ وَامْتَنَعَتْ الْأُولَى وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ أُجْرَةً لِلتَّأْخِيرِ أَيْضًا.
فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَنْبَغِي لِصَائِغٍ وَسَكَّاكٍ أَنْ يَعْمَلَ لَك إلَّا فِضَّتَك أَوْ ذَهَبَك. وَأَمَّا عَمَلُ أَهْلِ السِّكَّةِ فِي جَمْعِهِمْ ذَهَبَ النَّاسِ وَسَكِّهِ مُجْتَمِعًا، فَإِذَا فَرَغَتْ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ ذَهَبِهِ وَقَدْ عَرَفُوا مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَحَقَّقُوهُ فَلَا يَجُوزُ، هَكَذَا قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اهـ. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا عَرَفُوا مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَحَقَّقُوهُ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ.
وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَ) دَفْعِ (زَيْتُونٍ) وَسِمْسِمٍ وَبِزْرِ كَتَّانٍ وَقُرْطُمٍ وَحَبِّ فُجْلٍ أَحْمَرَ وَقَصَبٍ (وَ) دَفْعِ (أُجْرَةِ) عَصْرِ (هـ لِمُعْصِرِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ فَاعِلِ أَعْصِرُ مُضَافٌ لِضَمِيرِ الْغَائِبِ أَوْ بِفَتْحِهَا آخِرُهُ هَاءُ تَأْنِيثٍ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ لِذِي مَعْصَرَةٍ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْحَبِّ مِنْ الْمُعْصِرِ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ الزَّيْتِ بِالتَّحَرِّي أَنْ لَوْ عَصَرَ الْآنَ فَيُمْنَعُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَدْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِدَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُمْنَعُ أَيْضًا جَمْعُ الْحُبُوبِ وَعَصْرُهَا جُمْلَةً ثُمَّ قِسْمَةُ زَيْتِهَا عَلَيْهَا بِحَسَبِهَا لِلنَّسِيئَةِ أَيْضًا، وَالْجَائِزُ دَفْعُهُ لَهُ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ وَحْدَهُ وَيَدْفَعَ لَهُ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَيْتِهِ وَيُعْطِيَهُ أُجْرَةَ عَصْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي جَوَازِ جَمْعِ حُبُوبِ ذَوَاتِ زَيْتٍ لِنَاسٍ شَتَّى بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَقْسِمَ زَيْتَهَا عَلَى أَقْدَارِهَا سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ لَا خَيْرَ فِيهِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ سَأَلْت عَنْهُ مَنْ لَقِيته مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَلَمْ يُرَخِّصُوهُ قُلْت يُتَّفَقُ الْيَوْمَ عَلَى
بِخِلَافِ تِبْرٍ يُعْطِيهِ الْمُسَافِرُ، وَأُجْرَتُهُ دَارَ الضَّرْبِ لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ، وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ
وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ، وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ
ــ
[منح الجليل]
مَنْعِهِ لِكَثْرَةِ الْمَعَاصِرِ وَيَسْتَخِفُّ جَمِيعَ مَا لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ وَحْدَهُ لَقِلَّتِهِ مَعَ اتِّحَادِ أَرْضِ الزَّيْتُونِ.
وَأَخْرَجَ مِنْ الْمَنْعِ فَقَالَ (بِخِلَافِ تِبْرٍ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرُهُ رَاءٌ أَيْ ذَهَبُ تُرَابٍ غَيْرِ مَسْبُوكٍ وَمِثْلُهُ سَبِيكَةٌ وَحُلِيٌّ وَمَسْكُوكٌ بِسِكَّةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِلشِّرَاءِ بِهَا كَسِكَّةِ غَرْبٍ بِمِصْرَ وَالْحِجَازِ (يُعْطِيهِ) أَيْ التِّبْرَ الشَّخْصُ (الْمُسَافِرُ وَ) يُعْطِي (أُجْرَتَهُ) أَيْ أُجْرَةَ سَكِّهِ (دَارَ الضَّرْبِ) أَيْ أَهْلَهُ (لِيَأْخُذَ) الْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الضَّرْبِ (زِنَتَهُ) أَيْ التِّبْرِ مَسْكُوكًا عَاجِلًا، فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ لِاحْتِيَاجِ الْمُسَافِرِ لِلرَّحِيلِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ (خِلَافُهُ) أَيْ الْجَوَازِ وَهُوَ مَنْعُهُ، وَلَوْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَإِلَّا جَازَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. الْبُنَانِيُّ لَا مَفْهُومَ لِتِبْرٍ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ عَبَّرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِالْمَالِ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وضيح بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.
(وَبِخِلَافِ) إعْطَاءِ (دِرْهَمٍ) شَرْعِيٍّ أَوْ مَا يُرَوَّجُ رَوَاجَهُ زَادَ وَزْنُهُ عَنْهُ أَوْ نَقَصَ كَثَمَنِ رِيَالٍ (بِنِصْفٍ) أَيْ لِدِرْهَمٍ أَيْ مَا يُرَوَّجُ رَوَاجَ النِّصْفِ زَادَ وَزْنُهُ أَوْ نَقَصَ (وَفُلُوسٍ) أَيْ يَدْفَعُهُ لِيَأْخُذَ بِنِصْفِهِ فِضَّةً وَبِبَاقِيهِ فُلُوسًا (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفُلُوسِ كَطَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ. الْحَطّ تُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ وَصُورَتُهَا أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ بَدَلَ نِصْفِهِ فُلُوسًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا وَبِالنِّصْفِ الْبَاقِي فِضَّةً وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمَنْعُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ لِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الصَّرْفِ جِنْسٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَهُوَ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " بِكَرَاهَةِ الرَّدِّ، ثُمَّ خَفَّفَهُ
لِضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهِ
، وَبِذَا أَخَذَ
فِي بَيْعٍ؛ وَسُكَّا،
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ حَيْثُ لَا فُلُوسَ، وَمَنَعَهُ فِي بَلَدٍ فِيهِ فُلُوسٌ، هَذَا طَرِيقُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ، وَجَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي بَلَدٍ فِيهِ الْفُلُوسُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَذَكَرُوا لِلْجَوَازِ شُرُوطًا، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ غَالِبَهَا
الْأَوَّلُ كَوْنُهُ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَلَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ دِرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذَ نِصْفًا. وَإِنْ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ ثَلَاثَةً وَيَأْخُذَ نِصْفًا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْقَبَّابُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ كَبِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَيَسْتَرِدَّ دِرْهَمًا صَغِيرًا فَيَرْجِعَ إلَى أَصْلِ الْمَنْعِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ حُكْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا هُوَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ. ابْنُ نَاجِي وَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ رَدِّ الذَّهَبِ فِي مِثْلِهِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الرَّدِّ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَقِبَ نَقْلِ مَنْعِ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ. وَقُلْت نَقْلُ بَعْضِهِمْ جَوَازَهُ فِيهِ لَا أَعْرِفُهُ وَأَفْتَى بَعْضُ عُدُولِ بَلَدِنَا الْمُدَرِّسِينَ بِجَوَازِهِ فِيهِ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ فَتْوَاهُ بِهِ. الشَّرْطُ الثَّانِي: كَوْنُ الْمَرْدُودِ نِصْفًا فَأَقَلَّ فَلَا يَجُوزُ رَدًّا أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَقَوْلُهَا وَإِنْ أَخَذْت بِثُلُثِهِ أَيْ الدِّرْهَمِ طَعَامًا وَبَاقِيهِ فِضَّةً فَمَكْرُوهٌ اهـ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ حَرَامٌ، وَفِي الْأُمَّهَاتِ لَا يَجُوزُ، وَأَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِنِصْفٍ. الثَّالِثُ كَوْنُهُ:(فِي بَيْعٍ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ فَلَا يَجُوزُ فِي هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا قَرْضٍ. الْقَبَّابُ إنَّمَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الْكِرَاءِ وَالْإِجَارَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ نَعْلَهُ أَوْ دَلْوَهُ لِمَنْ يَخْرِزُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا كَبِيرًا، وَيَرُدَّ إلَيْهِ الْعَامِلُ دِرْهَمًا صَغِيرًا وَيَتْرُكَ عِنْدَهُ شَيْئًا حَتَّى يَصْنَعَهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ إنْ لَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. الرَّابِعُ قَوْلُهُ:(وَسُكَّا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ الدِّرْهَمُ وَالنِّصْفُ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْكُوكَيْنِ وَلَا فِي مَسْكُوكٍ وَغَيْرِهِ.
وَاتَّحَدَتْ، وَعُرِفَ الْوَزْنُ، وَانْتُقِدَ الْجَمِيعُ: كَدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا،
ــ
[منح الجليل]
الْخَامِسُ قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَتْ) سِكَّةُ الدِّرْهَمِ وَنِصْفِهِ الْحَطّ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ وَمَا الْمُرَادُ مِنْهُ هَلْ هُوَ كَوْنُهُمَا سِكَّةَ مَلِكٍ وَاحِدٍ أَوْ سِكَّةَ مَمْلَكَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمُلُوكُ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ بِتِلْكَ السِّكَكِ، أَوْ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمُ سِكَّةَ مَلِكٍ وَالنِّصْفُ سِكَّةَ مَلِكٍ آخَرَ وَجَرَى التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَنَّ هَذَا نِصْفُ هَذَا، وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاحْتَرَزُوا بِهِ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا وَرَدِّ نِصْفِهِ مِنْ سِكَّةٍ يُتَعَامَلُ بِهَا وَعَكْسُهُ، أَوْ مِنْ سِكَّتَيْنِ لَا يُتَعَامَلُ بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.
السَّادِسُ قَوْلُهُ: (وَعُرِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (الْوَزْنُ) لِلدِّرْهَمِ وَنِصْفِهِ. الْقَبَّابُ مِنْ شَرْطِ الرَّدِّ مَعْرِفَةُ الْوَزْنِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ جِزَافًا وَلَا خَفَاءَ فِي مَنْعِهِ. الْحَطّ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الشَّرْطِ هَلْ هُوَ كَوْنُ وَزْنِ النِّصْفِ قَدْرَ وَزْنِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ، أَوْ الْمُرَادُ مَعْرِفَةُ وَزْنِهِمَا وَإِنْ زَادَ وَزْنُ النِّصْفِ عَنْ وَزْنِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُ النِّصْفِ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ اعْتِبَارًا بِالْوَزْنِ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الْبَابِ الضَّرُورَةُ، فَإِذَا جَرَى التَّعَامُلُ بِأَنَّ هَذَا نِصْفُ هَذَا فَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ وَزْنِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ لِلرَّدِّ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الشَّرْطَ وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ.
السَّابِعُ قَوْلُهُ: (وَانْتُقِدَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ عُجِّلَ (الْجَمِيعُ) أَيْ الدِّرْهَمُ وَمُقَابِلُهُ مِنْ النِّصْفِ وَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ مَعَ تَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا (كَ) بَيْعِ سِلْعَةٍ (بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) فِي الْجَوَازِ إنْ تَعَجَّلَ الْجَمِيعُ أَوْ السِّلْعَةُ وَتَأَجَّلَ النَّقْدَانِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يُنْقَدَ الْجَمِيعُ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ إذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ. طفي هَذَا الَّذِي أَرَادَ فِي مُخْتَصَرِهِ لَكِنْ
وَرُدَّتْ زِيَادَةٌ بَعْدَهُ لِعَيْبِهِ، لَا لِعَيْبِهَا
ــ
[منح الجليل]
لَمْ أَرَ هَذَا الْإِجْرَاءَ لِغَيْرِهِ لَا فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا ابْنِ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرِهِمَا، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الرَّدِّ، وَلِذَا حَادَّ فِي الشَّامِلِ عَنْهُ فَقَالَ وَجَازَ لِلضَّرُورَةِ دِرْهَمٌ بِنِصْفٍ فَأَقَلَّ وَفُلُوسٌ أَوْ طَعَامٌ فِي بَيْعٍ إنْ عُجِّلَ الْجَمِيعُ. اهـ. وَقَدْ أَطْبَقَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الشَّارِحِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ مِنْ نَقْدِ الْجَمِيعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَوَّاقِ وَمِنْ شَرْطِ الرَّدِّ كَوْنُ الْجَمِيعِ نَقْدَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ وَعِوَضَهُ وَهُوَ السِّلْعَةُ وَالدِّرْهَمُ الصَّغِيرُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ فَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِمَسْأَلَةِ الدِّينَارِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ إذْ تَقَدَّمَتْ لَهُ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَسْأَلَةِ الرَّدِّ. اهـ. " غ " صَوَّبَهُ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا فَلَا) كَدِينَارٍ وَدِرْهَمَيْنِ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ الشُّرُوطُ فَلَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الدِّينَارِ وَلَا فِي الدِّرْهَمَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(وَ) مَنْ صَرَفَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَقَالَ لَهُ قَدْ اسْتَرْخَصْت مِنِّي الدِّينَارَ فَزِدْنِي فَزَادَهُ دَرَاهِمَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَجَائِزٌ وَلَا يُنْقَضُ الصَّرْفُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَالْهِبَةِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّرْفِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا ثُمَّ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الدَّرَاهِمِ الْأَصْلِيَّةِ وَرَدَّهَا (رُدَّتْ) بِضَمِّ الرَّاءِ (زِيَادَةٌ بَعْدَهُ) أَيْ الصَّرْفِ الْمَرْدُودِ (لِعَيْبِهِ) أَيْ الْمَصْرُوفِ؛ لِأَنَّهَا زِيدَتْ لِأَجْلِهِ (لَا) تُرَدُّ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ (لِعَيْبِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ رَدُّهَا لِعَيْبِهَا.
وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا، أَوْ إنْ عُيِّنَتْ؟ تَأْوِيلَاتٌ
وَإِنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَةِ بِنَقْضِ وَزْنٍ، أَوْ بِكَرَصَاصٍ بِالْحَضْرَةِ،
ــ
[منح الجليل]
وَهَلْ) عَدَمُ رَدِّهَا لِعَيْبِهَا ثَابِتٌ (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِتَعْيِينِهَا وَعَدَمِ إيجَابِهَا فَبَيْنَ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ (أَوْ) عَدَمُ رَدِّهَا لِعَيْبِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا) دَافِعُهَا عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهَا لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ نَقَصْتنِي عَنْ صَرْفِ النَّاسِ فَزِدْنِي، أَوْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ صَرْفِ النَّاسِ أَنْ أَزِيدَك فَتُرَدُّ لِعَيْبِهَا فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى عَدَمِ إيجَابِهَا، وَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى إيجَابِهَا فَبَيْنَهُمَا وِفَاقٌ (أَوْ) عَدَمُ رَدِّهَا لِعَيْبِهَا (إنْ عُيِّنَتْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثْقَلَةً الزِّيَادَةُ عِنْدَ دَفْعِهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ رُدَّتْ لِعَيْبِهَا وَعَلَيْهِ حَمْلُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَاتٌ) ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ بِالْخِلَافِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ بِالْوِفَاقِ. وَتَعَقَّبَ الْمَازِرِيُّ الثَّالِثَ بِأَنَّ قَوْلَهَا فَزَادَهُ دِرْهَمًا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ إشَارَةً إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا إلَى أَجَلٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنَا أَزِيدُك عِنْدَ أَجَلِ كَذَا، فَجَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا فَوَجَدَهُ زَائِفًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَزِيدُك دِرْهَمًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَيِّدِ.
(وَإِنْ) صَرَفَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ اطَّلَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَيْبٍ فِيمَا قَبَضَهُ وَ (رَضِيَ) وَاجِدُ الْعَيْبِ (بِالْحَضْرَةِ) أَيْ الْمَصْرِفِ وَهِيَ مَلْزُومَةٌ لِحَضْرَةِ الْإِطْلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ، وَصِلَةُ رَضِيَ (بِنَقْصِ وَزْنٍ) فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضَهَا صَحَّ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّ لَهُ الصَّرْفَ بِهِ ابْتِدَاءً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُنْقَصُ قَدْرٌ وَهُوَ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ نَقْصَ الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ (أَوْ) رَضِيَ (بِكَرَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ مِمَّا هُوَ نَاقِصُ الصِّفَةِ (بِالْحَضْرَةِ) أَيْ حَضْرَةِ عَقْدِ الصَّرْفِ وَيَلْزَمُهَا حَضْرَةُ الِاطِّلَاعِ صَحَّ الصَّرْفُ. وَقَوْلُ أَوَّلًا بِالْحَضْرَةِ يُغْنِي عَنْ هَذَا لِانْصِبَابِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ (أَوْ) لَمْ يَرْضَ وَجْدَ الْعَيْبِ بِهِ وَ
أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ، أَوْ بِمَغْشُوشٍ مُطْلَقًا: صَحَّ. وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إنْ لَمْ تُعَيَّنْ
: وَإِنْ طَالَ: نُقِضَ إنْ قَامَ بِهِ:
ــ
[منح الجليل]
رَضِيَ) دَافِعُ الْعَيْبِ (بِإِتْمَامِهِ) أَيْ الصَّرْفِ بِتَكْمِيلِ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَتَبْدِيلٍ كَالرَّصَاصِ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ صَحَّ (أَوْ) رَضِيَ آخِذُ الْمَعِيبِ (بِ) نَقْدٍ (مَغْشُوشٍ) بِأَدْنَى مِنْهُ كَدِينَارٍ مَغْشُوشٍ بِفِضَّةٍ أَوْ نُحَاسٍ وَدِرْهَمٍ مَغْشُوشٍ بِنُحَاسٍ، أَوْ رَضِيَ دَافِعُهُ بِإِبْدَالِهِ صَحَّ الصَّرْفُ سَوَاءٌ كَانَ الرِّضَا بِالْمَغْشُوشِ أَوْ بِإِبْدَالِهِ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ أَمْ لَا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النَّقْدُ مُعَيَّنًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَ بِهِ (س) وعج وَهُوَ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ وَلَا يُنَافِيهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْجَبْرِ وَالتَّأْوِيلِ فِي الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الرِّضَا بِهِ وَالْآتِي فِيمَا إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى تَفْسِيرِ الْإِطْلَاقِ بِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تُعَيَّنْ وَجَوَابُ إنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَةِ إلَخْ (صَحَّ) الصَّرْفُ وَحَذْفُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَغْشُوشِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَغْشُوشَ هُوَ الْعِوَضُ بِتَمَامِهِ وَقَدْ قُبِضَ فَكَانَ لَهُ الرِّضَا بِهِ مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ. بِخِلَافِ نَقْصِ الْقَدْرِ، فَإِنَّ الْعِوَضَ لَمْ يُقْبَضْ بِتَمَامِهِ، فَلِذَا اُشْتُرِطَ فِي الرِّضَا بِهِ كَوْنُهُ بِالْحَضْرَةِ وَأَفَادَهُ تت، وَإِنْ تَصَارَفَا دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَوَجَدَ أَحَدُهُمَا عَيْبًا فِيمَا قَبَضَهُ وَقَامَ بِحَقِّهِ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ فِي نَقْصِ الْقَدْرِ وَنَحْوَ الرَّصَاصِ، وَفِي الْمَغْشُوشِ مُطْلَقًا وَتَنَازَعَا فِي إتْمَامِ الصَّرْفِ وَفَسْخِهِ (أُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُمْتَنَعُ مِنْهُمَا مِنْ إتْمَامِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ إتْمَامِ الْعَقْدِ بِتَكْمِيلِ الْقَدْرِ وَتَبْدِيلِ نَحْوِ الرَّصَاصِ وَالْمَغْشُوشِ (إنْ لَمْ تُعَيَّنْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةُ مُثْقَلَةٌ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ لِلصَّرْفِ عِنْدَ عَقْدِهِ بِأَنْ قَالَ يَعْنِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ وَعَيَّنَ السَّلِيمَ، فَإِنْ عُيِّنَا مَعًا أَوْ مَا وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ طَالَ) مَا بَيْنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَعَقْدِ الصَّرْفِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ افْتَرَقَا بِالْبَدَنِ بِلَا طُولٍ (نُقِضَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ فُسِخَ الصَّرْفُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الرِّضَا بِهِ بِالْحَضْرَةِ (إنْ قَامَ) وَاجِدُ الْعَيْبِ (بِهِ) الْحَطّ هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ بِالْحَضْرَةِ،
كَنَقْصِ الْعَدَدِ، وَهَلْ مُعَيَّنٌ مَا غُشَّ
ــ
[منح الجليل]
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ نَقْصُ قَدْرٍ أَوْ نَحْوِ رَصَاصٍ أَوْ مَغْشُوشٍ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ وَقَامَ وَاجِدُهُ بِطَلَبِ تَكْمِيلِ الْقَدْرِ وَتَبْدِيلِ نَحْوِ الرَّصَاصِ الْمَغْشُوشِ فَيُنْقَضُ الصَّرْفُ. (غ) وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ قَامَ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ بِهِ صَحَّ. فَإِنْ قُلْت هَذَا خِلَافُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ أَوْ لَا بِالْحَضْرَةِ. قُلْت قُصَارَاهُ تَعَارُضُ مَفْهُومَيْنِ فِي حُكْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَخَطَبَهُ سَهْلٌ اهـ. قُلْت لَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ الْمَفْهُومَيْنِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا هُوَ الْمَفْهُومُ الْأَخِيرُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهِ صَحَّ وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ شَرْطٍ وَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ ظَرْفٍ، إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ وَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ قَامَ بِهِ أَيْ وَأَخَذَ بَدَلَهُ. وَأَمَّا إنْ قَامَ بِهِ بَعْدَ الطُّولِ فَأَرْضَاهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ فَلَا يُنْقَضُ الصَّرْفُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الزَّائِفِ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ مُطْلَقًا أَوْ حَتَّى يَتَفَاسَخَا قَوْلَا مُحَمَّدٍ وَابْنِ شَعْبَانَ.
وَشَبَّهَ فِي النَّقْضِ لَا بِقَيْدِ الْقِيَامِ فَقَالَ (كَنَقْضِ الْعَدَدِ) إذَا وُجِدَ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ فَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ وَيُنْقَضُ الصَّرْفُ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِيهَا وَإِنْ صَرَفْت مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَصَبْتهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ زُيُوفًا أَوْ نَاقِصَةً فَرَضِيتهَا جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَرْضَهَا انْتَقَضَ الصَّرْفُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ مِنْ الْعَدَدِ دِرْهَمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الصَّرْفِ فَاسِدًا. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ زُيُوفًا أَيْ مَغْشُوشَةً، وَقَوْلُهُ نَاقِصَةً أَيْ نَاقِصَةَ الْآحَادِ لَا نَاقِصَةَ الْعَدَدِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَقْصِ الْعَدَدِ وَنَقْصِ الْآحَادِ أَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَفْرِيطٍ فِي الْأَغْلَبِ وَنُقْصَانَ الْآحَادِ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ. وَفِي النَّوَادِرِ وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ نَقْصَ الْوَزْنِ فِيمَا يُتَعَامَلُ بِهِ وَزْنًا بِنَقْضِ الْعَدَدِ. (وَهَلْ مُعَيَّنُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةُ مُشَدَّدَةٌ (مَا) أَيْ النَّقْدِ الَّذِي (غُشَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْيِينُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبِعْنِي هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَشَرَةِ، أَوْ أَحَدِهِمَا كَبِعْنِي هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ الْعَشَرَةَ
كَذَلِكَ يَجُوزُ فِيهِ الْبَدَلُ؟ تَرَدُّدٌ
وَحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَأَكْبَرُ مِنْهُ،
ــ
[منح الجليل]
بِدِينَارٍ (كَذَلِكَ) أَيْ نَقْصُ الْعَدَدِ فِي تَعَيُّنِ نَقْضِ الصَّرْفِ إنْ قَامَ بِهِ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ، وَعَزَا هَذِهِ فِي الْجَوَاهِرِ لِجُلِّ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَصْلُهَا لِابْنِ الْكَاتِبِ.
(أَوْ يَجُوزُ فِيهِ) أَيْ الْمُعَيَّنِ الْمَغْشُوشِ (الْبَدَلُ) وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ، وَأَصْلُهَا لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَائِلًا إنَّ الْمَذْهَبَ كُلَّهُ عَلَى إجَازَةِ الْبَدَلِ فِي الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَذِمَّةُ أَحَدِهِمَا مَشْغُولَةٌ فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الْمُعَيَّنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَرَاجَحَهُ النَّقْضُ فِي الْمُعَيَّنِ مِنْ جَانِبٍ إنْ قَامَ بِحَقِّهِ. فِي التَّوْضِيحِ إذَا كَانَ الصَّرْفُ عَلَى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَوْلَانِ النَّقْضُ. الْمَازِرِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي جَوَازُ الْبَدَلِ لِابْنِ وَهْبٍ وَحَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ فِي التَّعْيِينِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ طُولٍ أَوْ تَفَرُّقٍ فَفِي الْغِشِّ وَمِثْلُهُ نَقْصُ الْوَزْنِ فِي مُتَعَامَلٍ بِهِ عَدَدًا، فَإِنْ رَضِيَ وَلَمْ يَقُمْ صَحَّ، وَإِنْ طَلَبَ الْبَدَلَ نُقِضَ إلَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَفِي جَوَازِ الْبَدَلِ تَرَدُّدٌ، وَفِي نَقْصِ الْعَدَدِ وَمِثْلِهِ نَقْصُ الْوَزْنِ فِي مُتَعَامَلٍ بِهِ وَزْنًا يُنْقَضُ الصَّرْفُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهِ أَوْ طَلَبَ الْإِتْمَامَ. فَإِنْ وَجَدَ كَرَصَاصٍ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمَغْشُوشِ لَهُ الرِّضَا بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِثْلَ نَقْصِ الْقَدْرِ الْغُبَابُ، وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى خِلَافٍ مَرَضِيٍّ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنَّ الرِّضَا بِالزَّائِفِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا خَالِصًا، وَهُوَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ. وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَحَيْثُ نُقِضَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ حُكِمَ بِفَسْخِ الصَّرْفِ (فَ) الَّذِي يُنْقَضُ صَرْفُهُ (أَصْغَرُ دِينَارٍ) لَا جَمِيعِهَا إذَا كَانَ فِيهَا كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ كَدِينَارٍ صَرْفُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَآخَرَ صَرْفُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَآخَرُ صَرْفُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي دِرْهَمٍ إلَى خَمْسَةٍ فَاَلَّذِي يُنْقَضُ صَرْفُهُ دِينَارُ الْخَمْسَةِ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) صَرْفَ (هـ) أَيْ الْأَصْغَرُ مَا فِيهِ الْعَيْبُ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَسِتَّةٍ إلَى عَشَرَةٍ (فَ) الَّذِي يُنْقَضُ صَرْفُهُ دِينَارٌ (أَكْبَرُ مِنْهُ) أَيْ
لَا الْجَمِيعُ. وَهَلْ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ؟ تَرَدُّدٌ.
وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي السِّكَكِ أَعْلَاهَا أَوْ الْجَمِيعُ؟
ــ
[منح الجليل]
الْأَصْغَرِ، وَهُوَ ذُو الْعَشَرَةِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ كَأَحَدَ عَشَرَ إلَى عِشْرِينَ فَيُنْقَضُ ذُو الْعِشْرِينَ (لَا) يُنْقَضُ (الْجَمِيعُ) مِنْ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دِينَارٍ كَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ إذْ لَا يَخْتَلِفُ صَرْفُهُ سَوَاءٌ صُرِفَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُنْقَضُ الْجَمِيعُ.
(وَهَلْ) فُسِخَ الْأَصْغَرُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَأَكْبَرُ مِنْهُ مُطْلَقٌ إذَا سُمِّيَ لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُسَمَّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ (لِكُلِّ دِينَارٍ) أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ سُمِّيَ لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ لَمْ يُسَمَّ فَيُنْقَضُ صَرْفُ الْجَمِيعِ فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ. الْحَطّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذَا التَّرَدُّدِ، بَلْ ذِكْرُهُ يُشَوِّشُ الْفَهْمَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لِلْمَازِرِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُنْقَضُ صَرْفُ الْجَمِيعِ أَوْ إنَّمَا يُنْقَضُ صَرْفُ أَصْغَرَ دِينَارٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، سَوَاءٌ سَمَّيَا لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدًا أَمْ لَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لِلْبَاجِيِّ أَنَّهُمَا إنْ سَمَّيَا لِكُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْقَضُ صَرْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا فَقَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا صَرْفُ دِينَارٍ، فَالطَّرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا صَرْفُ دِينَارٍ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ رَجَّحَ نَقْضَ الْجَمِيعِ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهِ بِالتَّرَدُّدِ فَافْهَمْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عب يُجَابُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِلطُّرُقِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مَشْهُورًا.
(وَ) إذَا صُرِفَتْ دَنَانِيرُ مِنْ سِكَكٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالْعُلُوِّ وَالدَّنَاءَةِ وَظَهَرَ عَيْبٌ فِي الدَّرَاهِمِ مُقْتَضٍ نَقْضَ الصَّرْفِ فَ (هَلْ يَنْفَسِخُ) الصَّرْفُ لِوُجُودِ نَقْصٍ أَوْ غِشٍّ أَوْ نَحْوِ رَصَاصٍ (فِي) الدَّرَاهِمِ الَّتِي صُرِفَتْ بِهَا الدَّنَانِيرُ ذَاتُ (السِّكَكِ) الْمُخْتَلِفَةِ بِالْعُلُوِّ وَالدَّنَاءَةِ فَيَنْفَسِخُ (أَعْلَاهَا) أَيْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ دَافِعَ الدَّرَاهِمِ إنْ عَلِمَ عَيْبَهَا وَكَتَمَهُ فَهُوَ مُدَلِّسٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي النَّقْدِ فَأُمِرَ بِرَدِّ الْأَعْلَى تَأْدِيبًا لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ زَادَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَعِيبَةُ عَنْ صَرْفِ الْأَعْلَى وَفِي الدَّنَانِيرِ مُتَوَسِّطٌ وَأَدْنَى فُسِخَ الْمُتَوَسِّطُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ الْأَدْنَى، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ (أَوْ) يَنْفَسِخُ (الْجَمِيعُ) الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي السِّكَكِ الْمُخْتَلِفَةِ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
قَوْلَانِ
، وَشُرِطَ لِلْبَدَلِ: جِنْسِيَّةٌ،
ــ
[منح الجليل]
وَظَاهِرُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ تَرْجِيحُهُ فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) مَحَلُّهُمَا إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ، كَذَا يَنْبَغِي، وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ وَحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ.
(وَشُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (لِلْبَدَلِ) عَنْ الْمَعِيبِ بِغِشٍّ أَوْ نَقْصِ وَزْنٍ أَوْ نَحْوِ رَصَاصٍ، وَكَالْبَدَلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ نَقْصُ الْعَدَدِ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ عَلَى مَا يَشْمَلُهُ (جِنْسِيَّةٌ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ نَوْعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَا ذَهَبَيْنِ أَوْ وَرَقَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ دِينَارٍ بِدَرَاهِمَ وَلَا دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٍ وَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، وَلَا إبْدَالُ دِينَارٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِعَرْضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يُغْتَفَرُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِيهِ.
ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطُ الْبَدَلِ الْجِنْسِيَّةُ وَالتَّعْجِيلُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِيهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ بِعَرْضٍ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ يَسَارَةِ الْعَرْضِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. وَيَقْتَضِي عُمُومَ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ تُشْتَرَطُ الْخُصُومَةُ أَوْ تُوقِعُهَا بِقَرِينَةٍ. عب وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الصِّنْفِيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ ود فَيَجُوزُ إبْدَالُ الزَّائِفِ بِأَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَرْدَأَ أَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْحَضْرَةِ وَيَجُوزُ الرِّضَا فِيهَا بِأَنْقَصَ أَوْ أَرْدَأَ.
الْبُنَانِيُّ مَا مَنَعَهُ الشَّارِحُ مِنْ اخْتِلَافِ الصِّنْفِيَّةِ هُوَ مَا دَارَ فِيهِ الْفَضْلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِصَرْفِ دَرَاهِمَ مُتَوَسِّطَةٍ فِي الْجَوْدَةِ اطَّلَعَ فِي بَعْضِهَا عَلَى زَائِفٍ وَأَخَذَ عَنْهُ دِرْهَمًا أَجْوَدَ وَأَنْقَصَ فِي الْوَزْنِ، أَوْ أَدْنَى صِفَةً وَأَرْجَحَ وَزْنًا. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ لَأَدَّى إلَى التَّفَاضُلِ الْمَعْنَوِيِّ أَوْ الْحِسِّيِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى عَنْ الدِّرْهَمِ الزَّائِفِ ذَهَبًا مَعَ زِنَةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي دَفَعَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ وَأَخَذَ ذَهَبًا، وَهَذَا تَفَاضُلٌ مَعْنَوِيٌّ. وَأَمَّا التَّفَاضُلُ الْحِسِّيُّ فَقَدْ تَكُونُ الْمُصَارَفَةُ عَنْ دَرَاهِمَ مُتَوَسِّطَةٍ فِي الْجَوْدَةِ مَثَلًا فَيَطَّلِعُ آخِذُهَا عَلَى دِرْهَمٍ زَائِفٍ فَيَرُدُّهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ أَجْوَدَ وَأَنْقَصَ وَزْنًا أَوْ أَدْنَى صِفَةً وَأَرْجَحَ وَزْنًا، وَهَذَا تَفَاضُلٌ حِسِّيٌّ. قُلْت مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ إلَّا أَنَّ خُرُوجَهُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِيَّةِ اتِّحَادُ الصِّفَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْأَجْوَدِ وَالْأَرْدَأِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَتَعْجِيلٌ
وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ: سُكَّ: بَعْدَ مُفَارَقَةٍ، أَوْ طُولٍ، أَوْ مَصُوغٌ مُطْلَقًا: نُقِضَ، وَإِلَّا صَحَّ، وَهَلْ إنْ تَرَاضَيَا؟ تَرَدُّدٌ
ــ
[منح الجليل]
وَ) شُرِطَ لِلْبَدَلِ (تَعْجِيلٌ) لِلسَّلَامَةِ مِنْ رِبَا النَّسَا، وَأَجَازَ أَشْهَبُ التَّأْخِيرَ، قَالَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَفْعِ الْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ لَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقِيَّةٌ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ جِنْسِيَّةٌ قَوْلُهَا فِي بَيْعِ طَوْقِ ذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ فَوُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ فَصَالَحَ بَائِعَهُ بِدَرَاهِمَ نَقْدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ عَيْبٍ لَا بَدَلٍ
(وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ نَقْدٌ مَصْرُوفٌ (مُعَيَّنٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثْقَلَةً، وَكَذَا غَيْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (سُكَّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ مَسْكُوكٌ، وَكَذَا مَكْسُورٌ وَتِبْرٌ، وَصِلَةُ اُسْتُحِقَّ (بَعْدَ مُفَارَقَةٍ) بَيْنَ الْمُتَصَارِفَيْنِ بِالْبَدَنِ أَوْ طُولٍ فِي الزَّمَنِ (أَوْ) اُسْتُحِقَّ مَصْرُوفٌ (مَصُوغٌ مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ (نُقِضَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِعَيْنِهِ، فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلِأَنَّ أَخْذَ عِوَضِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِمَثَابَةٍ مَنْ عَقَدَ وَوَكَّلَ فِي الْقَبْضِ.
الْحَطّ اسْتِحْقَاقُ الْمَصُوغِ يُوجِبُ نَقْضَ الصَّرْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِعَيْنِهِ فَيُنْقَضُ بَيْعٌ بِاسْتِحْقَاقِهِ، فَكَيْفَ بِصَرْفِهِ. وَأَمَّا الْمَسْكُوكُ الْمُعَيَّنُ الْمُسْتَحَقُّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ فَانْتِقَاضُ صَرْفِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَعْنَى انْتِقَاضِهِ فَسْخُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ وَلَوْ رَضِيَا بِهِ، وَهَكَذَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ مَعَ الْمُرَاضَاةِ وَلَوْ بَعْدَ افْتِرَاقٍ أَوْ طُولٍ (وَإِلَّا) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِّ اللَّامِ مُرَكَّبٌ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِحْقَاقُ الْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ بِأَنْ اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ (صَحَّ) الصَّرْفُ.
(وَهَلْ) مَحَلُّ الصِّحَّةِ فِيهِ (إنْ تَرَاضَيَا) أَيْ الْمُتَصَارِفَانِ بِالْبَدَلِ وَمَنْ أَبَاهُ مِنْهُمَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَمَنْ أَبَاهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِنُدُورِ اسْتِحْقَاقِهِ، بِخِلَافِ وُجُوبِ عَيْبٍ فِيهِ فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرَاضِي اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ فِي الْعَيْبِ. وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تُعَيَّنْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ التَّرَدُّدَ جَارِيًا فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
غَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَنْشَأُ غَالِبًا عَنْ تَفْرِيطٍ وَتَدْلِيسٍ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ. الْحَطَّابُ أَيْ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ الْمُعَيَّنُ وَلَمْ يَحْصُلْ طُولٌ وَلَا مُفَارَقَةٌ بَلْ اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ فَإِنَّ الصَّرْفَ صَحِيحٌ لَا يُنْتَقَضُ وَيُعْطِيهِ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ هَلْ عَدَمُ انْتِقَاضِهِ، مَحَلُّهُ إذَا تَرَاضَيَا بِالْبَدَلِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِهِ فَلَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ، وَيُفْسَخُ الصَّرْفُ أَوْ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى إبْدَالِهِ، وَيَصِحُّ الصَّرْفُ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ. الْأُولَى لِابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ لِابْنِ الْكَاتِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، هَذَا أَقْرَبُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْمَسْكُوكِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالرَّجْرَاجِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَاتِبِ.
وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا وَلَمْ يَطُلْ، فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ الْكَاتِبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ النَّقْضِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَجُوزُ الْبَدَلُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ يَقْتَضِي الْفَسْخَ، سَوَاءٌ عُيِّنَتْ أَمْ لَمْ تُعَيَّنْ. وَإِنْ أَبْدَلَهَا بِالْحَضْرَةِ وَتَرَاضَيَا جَازَ، وَأَنَّ أَشْهَبَ قَالَ بِالْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَبِعَدَمِهِ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ حَصَلَ طُولٌ أَوْ افْتِرَاقٌ فُسِخَ الصَّرْفُ وَالْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الِاضْطِرَابِ، وَهَذَا مُحَصَّلُ النَّقْلِ فِيهَا.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ " ز " وَكَذَا غَيْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَسْوِيَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِهِ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ فِيهَا وَسَحْنُونٌ، فَفَرَّقَا بَيْنَ الْمُعَيَّنِ يُنْتَقَضُ وَغَيْرُهُ لَا يُنْتَقَضُ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي فَهْمِهَا عَلَى تَأْوِيلَاتٍ، أَحَدُهَا: لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ أَنَّ خِلَافَهُمَا فِيمَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَوْ الطُّولِ، وَيَتَّفِقَانِ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ مُطْلَقًا.
وَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يُخْبَرْ الْمُصْطَرِفُ
ــ
[منح الجليل]
الثَّانِي: لِابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّ خِلَافَهُمَا فِيمَا اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ، فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَعِنْدَ أَشْهَبَ يُنْقَضُ فِي الْمُعَيَّنِ. وَيَصِحُّ فِي غَيْرِهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى النَّقْضِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ مُطْلَقًا. الثَّالِثُ: اللَّخْمِيُّ حَمَلَ الْإِطْلَاقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى تَفْصِيلِ أَشْهَبَ، وَخَصَّهُ بِمَا اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ فَجَعَلَهُ وِفَاقًا. هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ بِمَعْنَاهُ فَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ سَوَّى بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْحَضْرَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ.
(وَ) إنْ صُرِفَ مَسْكُوكٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مَصُوغٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ فَ (لِلْ) شَخْصِ ا (لْمُسْتَحِقِّ) لِلْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْمَصُوغِ الْمَصْرُوفِ (إجَازَتُهُ) أَيْ الصَّرْفِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يُنْقَضُ فِيهَا وَهِيَ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ فِي الْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ مُطْلَقًا وَالْحَالَةِ الَّتِي لَا يُنْقَضُ الْمَسْكُوكُ فِيهَا، وَإِذَا أَجَازَهُ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِمَّنْ بَاعَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ عَدَمُ الرِّضَا بِالْإِجَازَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ الشِّقَّ الثَّانِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ عَدَمُ إجَازَتِهِ فَيُنْقَضُ الصَّرْفُ وَيَأْخُذُهُ شِيَاهُ لِظُهُورِهِ. وَمَحَلُّ جَوَازِ الْإِجَازَةِ (إنْ لَمْ يُخْبَرْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (الْمُصْطَرِفُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِأَنَّ صَارِفَهُ مُتَعَدٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الْحُكْمِيَّ لَيْسَ كَالْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ، فَإِنْ أُخْبِرَ بِتَعَدِّيهِ حَالَ الصَّرْفِ تَعَيَّنَ نَقْضُ الصَّرْفِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ لِدُخُولِ الْمُصْطَرِفِ عَلَى خِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ، فَهُوَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ فِي الصَّرْفِ، وَشَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي جَوَازِ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ حُضُورَ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ وَحُضُورَ الثَّمَنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُجِيزُ، قَالَ فِيهَا وَمَنْ اشْتَرَى خَلْخَالَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَقَدَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُمَا رَجُلٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَأَرَادَ إجَازَةَ الْبَيْعِ وَاتِّبَاعَ الْمُبْتَاعِ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّهُمَا قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّمَنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ حَضَرَ الْخَلْخَالَانِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ بَعَثَ بِهِمَا إلَى بَيْتِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ افْتَرَقَا لَمْ
وَجَازَ مُحَلًّى، وَإِنْ ثَوْبًا يَخْرُجُ مِنْهُ، إنْ سُبِكَ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إنْ أُبِيحَتْ،
ــ
[منح الجليل]
أَنْظُرْ إلَى ذَلِكَ الِافْتِرَاقِ، وَلَكِنَّهُ إذَا حَضَرَ الْخَلْخَالَانِ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ مَكَانَهُ جَازَ، وَإِنْ غَابَا فَلَا يَجُوزُ. التُّونِسِيُّ لَوْ أَمْضَاهُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَرَضِيَ الْمُبْتَاعُ بِدَفْعِ ثَمَنِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ ظَاهِرُهَا.
(وَجَازَ) أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ (مُحَلًّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ مُزَيَّنٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ كَمُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ بَلْ (وَإِنْ كَانَ) الْمُحَلَّى (ثَوْبًا) طُرِّزَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ نُسِجَ بِهِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَلَّى (يَخْرُجُ مِنْهُ) أَيْ الْمُحَلَّى ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ (إنْ سُبِكَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ حُرِقَ فَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ إذَا حُرِقَ فَلَا تُعْتَبَرُ حِلْيَتُهُ وَهُوَ كَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَتَنَازُعٍ يُبَاعُ الْمُقَدَّرُ وَمُحَلًّى فِي قَوْلِهِ (بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مَعَ غَيْرِهِ بِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى رِبَا الْفَضْلِ. وَمِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَيْسَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ فَهِيَ رُخْصَةٌ لَهَا شُرُوطٌ أَفَادَ أَوَّلُهَا بِقَوْلِهِ (إنْ أُبِيحَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ التَّحْلِيَةُ كَمُصْحَفٍ وَسَيْفِ جِهَادٍ وَمَلْبُوسِ امْرَأَةٍ، فَإِنْ حُرِّمَتْ كَدَوَاةٍ وَآلَةِ حَرْبٍ غَيْرِ السَّيْفِ وَسَرْجٍ وَرِكَابٍ وَمَلْبُوسِ، رَجُلٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، بَلْ بِعَرْضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ تَقِلَّ الْحِلْيَةُ عَنْ دِينَارٍ فِيهَا، وَمَا حُلِّيَ بِفِضَّةٍ مِنْ سَرْجٍ أَوْ قَدَحٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ لِجَامٍ أَوْ رِكَابٍ مُمَوَّهٍ أَوْ مَخْرُوزٍ أَوْ جُرُزٍ مُمَوَّهٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ وَإِنْ قَلَّتْ حِلْيَتُهُ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ السَّرَفِ بِخِلَافِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ وَكَانَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُحَلَّى الْمُصْحَفُ، وَكَانَ يَكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُصَاغُ مِنْ الْفِضَّةِ مِثْلُ الْإِبْرِيقِ وَمَدَاهِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَمَجَامِرِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْأَقْدَاحِ وَاللُّجُمِ وَالسَّكَاكِينِ الْمُفَضَّضَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا وَكُرِهَ أَنْ تُشْتَرَى اهـ وَالْجُرُزُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ نَوْعٌ مِنْ السِّلَاحِ.
وَسُمِّرَتْ، وَعُجِّلَ مُطْلَقًا، وَبِصِنْفِهِ إنْ كَانَتْ الثُّلُثَ، وَهَلْ بِالْقِيمَةِ
ــ
[منح الجليل]
عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ فِيمَا لَمْ يُبَحْ اتِّخَاذُهُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَجَوَّزُوهَا بِالْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ بَيْعُهَا بِمَا فِيهَا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ وَكُرِهَ أَنْ تُشْتَرَى يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَالْأَصْلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِمَا فِيهِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْعَيْنِ لِجَمْعِهِ بَيْعًا وَصَرْفًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ (وَ) إنْ (سُمِّرَتْ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً الْحِلْيَةُ فِي الْمُحَلَّى. الْبَاجِيَّ كَالْفُصُوصِ الْمَصُوغِ عَلَيْهَا وَحُلِيُّهُ السَّيْفُ الْمُسَمَّرَةُ عَلَيْهِ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ الْمُسَمَّرَةِ فِي حَمَائِلِهِ وَجَفْنِهِ، وَأَمَّا الْقَلَائِدُ الَّتِي لَا تَفْسُدُ عِنْدَ نَظْمِهَا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ إذَا كَانَ يَغْرَمُ ثَمَنًا فِي رَدِّهَا بَعْدَ قَلْعِهَا. اللَّخْمِيُّ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْحِلْيَةَ الْمَنْقُوضَةَ لَا تُبَاعُ مَعَ السَّيْفِ بِجِنْسِهَا نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ، وَأَرَى إنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا بِأَنْ صُبِغَتْ ثُمَّ رُكِّبَتْ وَسُمِّرَتْ أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَنْقُوضِ إذْ لَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ تَسْمِيرِهَا بِمِسْمَارٍ. ابْنُ بَشِيرٍ إنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ الْعَيْنِ مِنْ الْعِوَضِ دُونَ فَسَادٍ وَلَا خَسَارَةٍ فِي رَدِّهِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَزُولُ إلَّا بِفَسَادِهِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَزُولُ بِغَيْرِ فَسَادٍ وَلَكِنْ يُؤَدِّي عَلَى رَدِّهَا ثَمَنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ.
وَثَالِثُهَا بِقَوْلِهِ (وَعُجِّلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثْقَلًا الْمَبِيعُ الشَّامِلُ لِكُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ، فَإِنْ أُجِّلَ امْتَنَعَ بِالنَّقْدِ وَجَازَ بِغَيْرِهِ (مُطْلَقًا) مِنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْحِلْيَةِ تَبَعًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِغَيْرِ صِنْفِهِ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِمَا بَعْدَهُ، فَيَنْبَغِي تَقْدِيرُهُ فِي نُسْخَةِ سُقُوطِهِ لِيَتَنَاسَبَ الْكَلَامُ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ الْمُحَلَّى (بِصِنْفِ) حَلَيْت (هـ إنْ كَانَتْ) الْحِلْيَةُ (الثُّلُثَ) مِنْ مَجْمُوعِهَا مَعَ الْمُحَلَّى، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِصِنْفِهِ وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ مَعَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ صِنْفِهِ.
(وَهَلْ) يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْحِلْيَةِ الثُّلُثَ (بِالْقِيمَةِ) لَهَا لَا بِوَزْنِهَا (أَوْ) يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثُلُثًا
أَوْ بِالْوَزْنِ؟ خِلَافٌ
، وَإِنْ حُلِّيَ بِهِمَا: لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا، إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ.
ــ
[منح الجليل]
بِالْوَزْنِ) لَهَا فِي الْجَوَابِ (خِلَافٌ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَطَفَ الثَّانِيَ عَلَيْهِ بِقِيلَ، وَالثَّانِي قَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، فَإِذَا بِيعَ سَيْفٌ مُحَلًّى بِذَهَبٍ بِسَبْعِينَ دِينَارًا وَوَزْنُ حِلْيَتِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُونَ دِينَارًا لِصِيَاغَتِهَا وَقِيمَةُ السَّيْفِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا جَازَ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَامْتَنَعَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نِسْبَةِ قِيمَةِ الْحِلْيَةِ أَوْ زِنَتِهَا إلَى مَجْمُوعِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَهُ جَازَ وَإِلَّا امْتَنَعَ هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَالَهُ النَّاسُ كَبَيَاضِ الْمُسَاقَاةِ، وَنَسَبَ ابْنُ بَشِيرٍ ذَلِكَ إلَى قِيمَةِ الْمُحَلَّى، فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَهُ جَازَ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ ثُلُثَ الْمُحَلَّى كَانَتْ رُبُعَ الْجَمِيعِ اهـ مَيَّارَةُ، حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ ضَمُّ قِيمَةِ الْحِلْيَةِ أَوْ وَزْنِهَا إلَى قِيمَةِ الْمُحَلَّى ثُمَّ نَسَبُ الْحِلْيَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ. وَنَسَبَ ابْنُ بَشِيرٍ الْحِلْيَةَ لِقِيمَةِ الْمُحَلَّى وَحْدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالثُّلُثُ مِنْ مَجْمُوعِ وَزْنِ الْحِلْيَةِ أَوْ قِيمَتِهَا مَعَ قِيمَةِ النَّصْلِ وَالْجَفْنِ، وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَفْسِيرَ ابْنِ بَشِيرٍ بِنِسْبَتِهَا لِلنَّصْلِ وَالْجَفْنِ فَقَطْ مُحْتَجًّا بِبَيَاضِ الْمُسَاقَاةِ حَسَنٌ.
(وَإِنْ حُلِّيَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثْقَلًا شَيْءٌ (بِهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (لَمْ يَجُزْ) بَيْعُهُ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ تَسَاوَيَا أَمْ لَا (إلَّا إنْ تَبِعَا) أَيْ النَّقْدَانِ الْمُحَلَّى بِهِمَا (الْجَوْهَرَ) أَيْ الذَّاتَ الْمُحَلَّاةَ بِهِمَا بِأَنْ كَانَا ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ، وَفِي بَيْعِهِ بِصِنْفِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا قَوْلَانِ قَالَهُ الْحَطّ. عب فَيَجُوزُ بِأَحَدِهِمَا كَانَ تَابِعًا لِلْآخَرِ أَوْ مَتْبُوعًا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَزَادَ شَرْطَ التَّعْجِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ زَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِهِ بِصِنْفِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِبَيْعِهِ بِأَقَلِّهِمَا تَبَعًا لِلَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ، وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ الْقَوْلَيْنِ، وَهَلْ التَّبَعِيَّةُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ خِلَافٌ. وَمَفْهُومُ بِأَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ بَيْعِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَرْضٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَفِيهِ
وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ دُونَ سَبْعَةٍ بِأَوْزَنَ مِنْهَا: بِسُدُسٍ، سُدُسٌ.
ــ
[منح الجليل]
رِبَا فَضْلٍ مَعْنَوِيٍّ. وَمَفْهُومُ إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ أَنَّ الْمَصُوغَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ عَرْضٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِمَا وَلَا بِأَحَدِهِمَا بِحَالٍ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ وَرَجَعَ الْإِمَامُ لَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَرُوِيَ عَلَى جَوَازِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَبِيعَ بِصِنْفِ الْأَقَلِّ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا يَجُوزُ كَمَلْبُوسِ امْرَأَةٍ وَإِلَّا مُنِعَ وَلَوْ بِالتَّابِعِ اُنْظُرْ " ق ".
(وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ) النَّقْدِ الْمَسْكُوكِ (الْقَلِيلِ) أَيْ إبْدَالُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهُمَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَدَنَانِيرَ بِمِثْلِهَا عَدَدٍ أَوْ دَرَاهِمَ كَذَلِكَ بِشُرُوطٍ أَفَادَ أَوَّلَهَا بِقَوْلِهِ الْقَلِيلِ، فَلَا تَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ، وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ (الْمَعْدُودِ) أَيْ الْمُتَعَامَلِ بِهِ عَدَدًا وَبَيَّنَ الْقَلِيلَ بِقَوْلِهِ (دُونَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ (سَبْعَةٍ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ بِأَنْ يَكُونَ سِتَّةً أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَا تَجُوزُ فِي سَبْعَةٍ بِأَوْزَنَ مِنْهَا لِزِيَادَتِهَا عَلَى ضِعْفِ أَقَلِّ الْجَمْعِ، وَتَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا. تَوْضِيحُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَصْلَ لِهَذَا التَّحْدِيدِ إلَّا دَلَالَةُ الْعَادَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِيهِ، وَأَفَادَ مَا يَتَضَمَّنُ بَيَانَ مَوْضُوعِ الشَّرْطِ مَعَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ (بِ) دُونَ سَبْعَةٍ مَسْكُوكَةٍ (أَوْزَنَ) أَيْ أَزْيَدَ فِي الْوَزْنِ.
وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ فِي تَجَوُّزٍ قَالَهُ الْقَبَّابُ وَحَكَاهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَنَصُّهُ الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَتَسَاوَى عَدَدُ النَّاقِصِ وَالْوَازِنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ مُنِعَ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ وَإِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّخْمِيُّ نَسَبَ لِلْمُغِيرَةِ إجَازَةَ بَدَلِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَرْضَ الْمَازِرِيُّ هَذَا وَرَأَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا أَشْهَبُ مَعَ الْمَخْزُومِيِّ فِي جَمَلٍ نَقْدًا بِجَمَلَيْنِ مِثْلِهِ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ إلَى أَجَلٍ فَأَلْزَمَهُ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ إلَى أَجَلٍ فَالْتَزَمَهُ وَعَابَهُ وَبَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْمُلْتَزِمِ مَنْ هُوَ. اهـ. وَصِلَةُ أَوْزَنَ (مِنْهَا) أَيْ دُونَ السَّبْعَةِ.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأَوْزَنِيَّةِ (بِسُدُسِ السُّدُسِ) أَيْ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ كُلِّ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ عَلَى مُقَابِلِهِ سُدُسًا أَوْ أَقَلَّ فَلَا تَجُوزُ بِمَا زِيَادَتُهُ أَكْبَرُ مِنْ السُّدُسِ كَخُمُسٍ أَعْلَى، ذَكَرَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ جَمَاعَةَ. التُّونُسِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ أَطْلَقَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَالْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْقَوْلَ فِي قَدْرِ النَّقْصِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ فِي الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصَ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ حَدًّا وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَنْ لَقِينَاهُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ أَبْلَغُ مَا اُغْتُفِرَ مِنْ النَّقْصِ سُدُسُ دِينَارٍ، وَقِيلَ دَانَقَانِ، وَعَزَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ تَحْدِيدًا بَلْ فَرْضًا، وَنَصُّهَا لَوْ أَبْدَلَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ تَنْقُصُ سُدُسًا سُدُسًا بِسِتَّةٍ وَازِنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
الْقَبَّابُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الشَّرْطَ وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ السُّدُسِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْثِيلِ وَالشَّرْطِيَّةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِنْدِي أَنَّ السُّدُسَ كَثِيرٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُسْمَحَ بِهِ عِنْدَ رُخْصِ الْفِضَّةِ أَوْ كَسَادِ الْبَيْعِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّظَرُ يُوجِبُ مَنْعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقَدْرِ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ غَيْرُ حَاصِلِهِ فِيهَا وَقَصْدُ الْمَعْرُوفِ وَحْدَهُ لَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى شَرْطِهَا، فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسْقِطُهَا قَصْدُ الْمَعْرُوفِ اهـ.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْأَصْلُ مَنْعُهَا إلَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ رَأَوْا أَنَّ النَّقْصَ فِي الْوَزْنِ يَجْرِي مَجْرَى الرَّدَاءَةِ، وَكَمَالَهُ يَجْرِي مَجْرَى الْجَوْدَةِ، وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَالْكَمَالُ فِي الْوَزْنِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَصَارَ إبْدَالُ النَّاقِصِ وَزْنًا بِالْكَامِلِ وَزْنًا مَحْضَ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ يُوَسَّعُ فِيهِ مَا لَا يُوَسَّعُ فِي غَيْرِهِ وَأَنَّهُ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْحَدِيثِ كَمَا فِي الْقَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً مُمْتَنِعٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ جَازَ لِلْمَعْرُوفِ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمُبَادَلَةُ بَيْعُ نَقْدٍ بِمِثْلِهِ عَدَدًا وَالْمَذْهَبُ حُرْمَةُ بَيْعِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ. اللَّخْمِيُّ وَأَجَازَهُ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَلَى الْمَعْرُوفِ إنْ اتَّحَدَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ فَوَاضِحٌ. اهـ. يُرِيدُ وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ، فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْوَزْنِ، وَتَصِيرُ مُرَاطَلَةً فِي
وَالْأَجْوَدُ أَنْقَصُ، أَوْ أَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ، وَإِلَّا جَازَ
؛ وَمُرَاطَلَةُ عَيْنٍ بِمِثْلِهِ
ــ
[منح الجليل]
التَّوْضِيحِ مِنْ شُرُوطِ الْمُبَادَلَةِ عَقْدُهَا بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ، وَكَوْنُهَا بِغَيْرِ مُرَاطَلَةٍ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ.
اللَّخْمِيُّ وَكَوْنُ السِّكَّةِ وَاحِدَةً الْقَبَّابُ وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شُرُوطِهَا كَوْنَهَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنْ تَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا أَظُنُّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ بِأَوْزَنَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُتَسَاوِيَةً فِي الْوَزْنِ جَازَتْ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْمُبَادَلَةِ غَيْرِ الْمُنَاجَزَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَ) النَّقْدُ (الْأَجْوَدُ) أَيْ الْأَحْسَنُ ذَهَبِيَّةٌ أَوْ فِضِّيَّةٌ حَالَ كَوْنِهِ (أَنْقَصَ) وَزْنًا مُمْتَنِعٌ إبْدَالُهُ بِنَقْدٍ رَدِيءٍ ذَهَبِيَّةَ أَوْ فِضِّيَّةَ كَامِلٍ وَزْنًا لِانْتِفَاءِ الْمَعْرُوفِ بِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (أَوْ) نَقْدٌ (أَجْوَدُ) أَيْ أَحْسَنُ (سِكَّةً) وَهُوَ أَنْقَصُ وَزْنًا، فَحَذَفَ هَذَا مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ أَنْقَصَ السَّابِقِ عَلَيْهِ. وَحَذَفَ مِمَّا قَبْلَهُ جَوْهَرِيَّةً لِدَلَالَةِ سِكَّةِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَلَيْهِ، فَفِيهِ شِبْهُ احْتِبَاكٍ (مُمْتَنِعٌ) إبْدَالُهُ بِنَقْدِ رَدِيءِ السِّكَّةِ كَامِلِ الْوَزْنِ لِذَلِكَ، فِيهَا قَالَ سَحْنُونٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَتْ سِكَّةُ الْوَازِنِ أَفْضَلَ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه "، لَا خَيْرَ فِي هَاشِمِيٍّ يَنْقُصُ خَرُّوبَةً بِقَائِمٍ عَتِيقٍ وَازِنٍ فَتَعَجَّبْت مِنْهُ، فَقَالَ لِي ابْنُ كَامِلٍ لَا تَعْجَبْ قَالَهُ رَبِيعَةُ.
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إنَّ الْعَتِيقَ جَيِّدُ الْجَوْهَرِيَّةِ وَرَدِيءُ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالْهَاشِمِيُّ رَدِيءُ الْجَوْهَرِيَّةِ وَجَيِّدُ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبُ بَنِي الْعَبَّاسِ فَبَطَلَ تَعَجُّبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَجْوَدَ جَوْهَرِيَّةً أَوْ سِكَّةً أَنْقَصَ وَزْنًا بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلدَّنِيءِ فِي الْوَزْنِ أَوْ أَوْزَنَ مِنْهُ (جَازَ) الْإِبْدَالُ لِلْمَعْرُوفِ لِتَمَحُّضِ الْفَضْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ
(وَ) جَازَتْ (مُرَاطَلَةُ عَيْنٍ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (بِ) عَيْنٍ (مِثْلِهِ) أَيْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ، وَذَكَرَ ضَمِيرَ الْعَيْنِ وَهِيَ مُؤْنَتُهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا نَقْدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مَسْكُوكَيْنِ
بِصَنْجَةٍ أَوْ كَفَتَّيْنِ وَلَوْ لَمْ يُوزَنَا عَلَى الْأَرْجَحِ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ غَيْرَ مَسْكُوكَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْمَسْكُوكِ بِالْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَتْ السِّكَّةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَ كِبَارٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ بَيْنَ كِبَارٍ مِنْ جَانِبٍ وَأَنْصَافٍ أَوْ أَثْلَاثٍ أَوْ أَرْبَاعٍ أَوْ أَخْمَاسٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَصِلَةُ مُرَاطَلَةُ (بِصَنْجَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَفْصَحُ، أَيْ مِثْقَالٌ مَعْلُومُ الْقَدْرِ كَرِطْلٍ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ أُوقِيَّةٍ أَوْ دِرْهَمٍ مَثَلًا تُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَنَقْدِ أَحَدِهِمَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَإِذَا اعْتَدَلَتَا أَخَذَ نَقْدَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْكِفَّةِ وَوَضَعَ نَقْدَ الْآخَرِ فِيهَا، فَإِذَا اعْتَدَلَتَا أَخَذَ كُلَّ نَقْدِ الْآخَرِ. (أَوْ) بِ (كِفَّتَيْنِ) لِلْمِيزَانِ يُوضَعُ نَقْدُ أَحَدِهِمَا فِي كِفَّةٍ وَنَقْدُ الْآخَرِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَإِذَا اعْتَدَلَتَا أَخَذَ نَقْدَ الْآخَرِ وَالْكِفَّةُ بِكَسْرِ الْكَافِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا اسْمٌ لِكُلِّ مَا اسْتَدَارَ وَأَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَرَجَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْأَوَّلَ لِحُصُولِ التَّسَاوِي بِهِ بَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَتَسَاوَ الْكِفَّتَانِ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْوَزْنُ بِصَنْجَةٍ جَائِزٌ. وَقِيلَ فِي كِفَّتَيْنِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضِّحُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَرْجَحِ. ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي وُجُودَ قَوْلٍ بِمَنْعِهِ فِي الصَّنْجَةِ وَلَا أَعْرِفُهُ، وَرَدَّهُ طفي بِقَوْلِ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْمُرَاطَلَةِ بِالْمَثَاقِيلِ، فَقِيلَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِكِفَّتَيْنِ، وَقِيلَ تَجُوزُ بِالْمَثَاقِيلِ وَهُوَ أَصْوَبُ. اهـ. وَمَا صَوَّبَهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْمَازِرِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ تَبَعًا لَهُمَا. وَالْمُرَادُ بِالْمَثَاقِيلِ الصَّنْجَةُ قَالَهُ الْأَبِيُّ، وَتَجُوزُ بِكِفَّتَيْنِ إنْ وُزِنَ النَّقْدَانِ قَبْلَ وَضْعِهِمَا فِي الْكِفَّتَيْنِ.
بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُوزَنَا) أَيْ الْعَيْنَانِ قَبْلَ وَضْعِهِمَا فِي الْكِفَّتَيْنِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ. الْمُتَيْطِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ مُحْرِزٍ إذَا كَانَ الذَّهَبَانِ مَسْكُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا تَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ بِهِمَا فِي كِفَّتَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِوَزْنِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْمَسْكُوكِ جِزَافًا وَهُوَ خَطَرٌ لَا يَجُوزُ. اهـ. لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ بِالْجِزَافِ يُقَيِّدُ الْخِلَافَ فِي الصَّنْجَةِ أَيْضًا إذَا جُهِلَ قَدْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. فِي التَّوْضِيحِ عِيَاضٌ وَعَلَى قَوْلِ الْقَابِسِيِّ إذَا كَانَ عَدَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ وَزْنِ وَعَدَدِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ الْوَزْنِ فَتَكْفِي مَعْرِفَةُ
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُهُ أَجْوَدَ، لَا أَدْنَى وَأَجْوَدُ
، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَأْوِيلِ السِّكَّةِ وَالصِّيَاغَةِ كَالْجَوْدَةِ
، وَمَغْشُوشٌ بِمِثْلِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَزْنِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَزْنِ أَحَدِهِمَا مَعْرِفَةٌ لِوَزْنِ الْآخَرِ، وَتَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ إنْ اسْتَوَى النَّقْدَانِ جَوْدَةً أَوْ رَدَاءَةً. بَلْ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ كُلُّهُ أَجْوَدَ مِنْ جَمِيعِ مُقَابِلِهِ كَدَنَانِيرَ مَغْرِبِيَّةٍ تُرَاطَلُ بِدَنَانِيرَ مِصْرِيَّةٍ أَوْ سَكَنْدَرِيَّةٍ (أَوْ بَعْضُهُ) أَيْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (أَجْوَدُ) وَبَعْضُهُ الْآخَرُ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي جَوْدَتِهِ كَدِينَارٍ مَغْرِبِيٍّ وَمِصْرِيٍّ بِمِصْرِيَّيْنِ (لَا) يَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ إنْ كَانَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا بَعْضُهُ (أَدْنَى) مِنْ الْآخَرِ (وَ) بَعْضُهُ (أَجْوَدُ) مِنْ الْآخَرِ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا بَعْضُهُ مَغْرِبِيٌّ وَبَعْضُهُ سَكَنْدَرِيٌّ وَجَمِيعُ نَقْدِ الْآخَرِ مِصْرِيٌّ لِانْتِفَاءِ الْمَعْرُوفِ بِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمُنْفَرِدَةُ مُتَوَسِّطَةً بِأَنْ تَكُونَ أَجْوَدَ مِنْ بَعْضِ مُقَابِلِهَا أَرْدَأَ مِنْ بَعْضِهِ الْآخَرِ فَامْنَعْ، وَإِلَّا فَأَجِزْ.
(وَالْأَكْثَرُ) مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (عَلَى تَأْوِيلِ) أَيْ تَنْزِيلِ (السِّكَّةِ) فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ الْمُرَاطَلِ بِهِمَا كَالْجَوْدَةِ فِي دَوْرَانِ الْفَضْلِ بِهَا إذَا قَابَلَتْهَا فَلَا تَجُوزُ مُرَاطَلَةُ مَسْكُوكٍ رَدِيءِ. الْجَوْهَرِيَّةِ بِغَيْرِ مَسْكُوكِ جَيِّدِهَا لَدَوْرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَ) الْأَكْثَرُ عَلَى تَأْوِيلِ (الصِّيَاغَةِ) فِي أَحَدِهِمَا (كَالْجَوْدَةِ) فِي دَوَرَانِ الْفَضْلِ بِهَا إذَا تَقَابَلَتَا فَلَا تَجُوزُ مُرَاطَلَةُ مَصُوغٍ دَنِيءِ الْمَعْدِنِ بِغَيْرِ مَصُوغٍ جَيِّدِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ تَجْرِي مُرَاطَلَةُ الْمَسْكُوكِ بِالْمَصُوغِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. " غ " إنَّمَا نَسَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْأَكْثَرِ نَقِيضَ هَذَا، وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالطُّرُقُ فِي هَذَا مُتَشَعِّبَةٌ وَقَدْ اسْتَوْفَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ.
(وَ) جَازَ أَنْ يُبَاعَ نَقْدٌ (مَغْشُوشٌ) كَدَنَانِيرَ فِيهَا فِضَّةٌ أَوْ نُحَاسٌ أَوْ دَرَاهِمَ فِيهَا نُحَاسٌ (بِ) مَغْشُوشٍ (مِثْلِهِ) مُرَاطَلَةً أَوْ مُبَادَلَةً أَوْ غَيْرَهُمَا. الْحَطّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَسَاوَ غِشُّهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَعَلَّهُ مَعَ تَسَاوِي الْغِشِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَلِعُسْرِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كَالْعَدَمِ وَأَجَازُوا مُرَاطَلَةَ الْمَغْشُوشِ بِخَالِصٍ،
وَبِخَالِصٍ. وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ
ــ
[منح الجليل]
فَقَوْلُ الشَّامِلِ وَقُيِّدَ بِتَسَاوِي الْغِشِّ وَإِلَّا فَلَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو عُمَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّ الدَّاخِلَ سَوَاءٌ كَسِكَّةِ وَاحِدَةٍ.
(وَ) جَازَ بَيْعُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ (بِخَالِصٍ) مِنْ الْغِشِّ. الْحَطّ يَعْنِي تَجُوزُ مُرَاطَلَةُ الْمَغْشُوشِ بِالْخَالِصِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ الْمَأْخُوذِ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ (خِلَافُهُ) أَيْ جَوَازُ بَيْعِ النَّقْدِ الْمَغْشُوشِ بِالنَّقْدِ الْخَالِصِ مِنْ الْغِشِّ وَخِلَافُهُ مَنَعَهُ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَقَالَ وَصَحَّحَ مَنْعَهُ بِخَالِصٍ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُحْرِزٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَلِمْت أَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الْمَغْشُوشِ الَّذِي لَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ جَوَازُ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِصِنْفِهِ الْخَالِصِ إذَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ إمَّا مَغْشُوشٌ يُتَعَامَلُ بِهِ فَيُبَاعُ بِصِنْفِهِ وَزْنًا اهـ. قُلْت فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ دُخُولُ الْخِلَافِ فِيهِ وَنَصَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُرَاطَلَةِ. ابْنُ رُشْدٍ فِي كَوْنِ الدَّنَانِيرِ الْمَشُوبَةِ بِفِضَّةٍ أَوْ نُحَاسٍ وَالدَّرَاهِمِ الْمَشُوبَةِ بِهِ مُعْتَبَرَةٌ كُلِّهَا بِمَا فِيهَا، كَوَزْنٍ خَالِصٍ، وَاعْتِبَارُ قَدْرِ الْخَالِصِ فِيهَا فَقَطْ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَالنِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ قَوْلَانِ لِلشُّيُوخِ مُسْتَدِلًّا قَائِلُهُمْ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ أَشْهَبُ فِي صَرْفِهَا، وَالثَّانِي الصَّحِيحُ «لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْيَسِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَدَلَ وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ رِزْقٍ يَقُولُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مُرَاطَلَةُ الذَّهَبِ الْعَبَّادِيَّةِ بِالْعَبَّادِيَّةِ وَلَا الشَّرْقِيَّةِ بِالشَّرْقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ بِذَهَبٍ وَنُحَاسٍ.
وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ التَّقْيِيدِ وَدَلِيلُهُ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ قَالَ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ قَوْلُ أَشْهَبَ عَامٌّ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا بِيعَ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَاغْتِفَارُ الْيَسِيرِ فِي الْمُبَادَلَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ عَدَدًا لَا وَزْنًا. قُلْت هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُحْرِزٍ، وَعَلَى هَذَا
لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لَا يَغُشُّ بِهِ.
وَكُرِهَ لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ
، وَفُسِخَ مِمَّنْ يَغُشُّ، إلَّا أَنْ يَفُوتَ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْجَمِيعِ
ــ
[منح الجليل]
الْخِلَافِ اخْتَلَفَ شُيُوخُ شُيُوخِنَا فِي جَوَازِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ الْقَدِيمِ وَهُوَ دِرْهَمٌ رُومِيُّ الضَّرْبِ فِيهِ قَدْرٌ مِنْ النُّحَاسِ بِنَاءً عَلَى اغْتِفَارِهِ وَاعْتِبَارِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِبَلَدِنَا الْيَوْمَ.
(وَ) شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ مُرَاطَلَةً أَوْ مُبَادَلَةً أَوْ غَيْرَهُمَا وَلَوْ بِعَرْضٍ أَنْ يُبَاعَ (لِمَنْ يَكْسِرُهُ) أَيْ الْمَغْشُوشَ لِيُصِيغَهُ حُلِيًّا (أَوْ) لَا يَكْسِرُهُ وَيُبْقِيهِ بِحَالِهِ وَ (لَا يَغُشُّ بِهِ) بِأَنْ يَدَّخِرَهُ لِعَاقِبَةٍ أَوْ يُبَيِّنَ غِشَّهُ عِنْدَ بَيْعِهِ. " غ " وَلِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لَا يَغُشُّ بِهِ كَذَا هُوَ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْعٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ مُرَاطَلَةٍ. الْحَطّ وَالْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ بِغَيْرِ وَاوٍ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي الْمُرَاطَلَةِ فَحُكْمُ الْبَيْعِ بِهِ وَصَرْفُهُ يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ خَوْفُ الْغِشِّ بِهِ. " د " وَعَلَى نُسْخَةِ " غ " فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمُرَاطَلَةِ عَيْنٍ بِمِثْلِهِ أَيْ وَجَازَتْ مُعَاقَدَةُ مَغْشُوشٍ لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَغْشُوشُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا الْغِشَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ.
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ بَيْعُهُ (لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ غَشَّهُ بِهِ بِأَنْ شَكَّ فِيهِ كَالصَّيَارِفَةِ كَمَا فِي الْبَيَانِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وق وعج، وَجَعَلَ تت الصَّيَارِفَةَ مِمَّنْ يَفْسَخُ تَبَعًا لِمُنَازَعَةِ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنَ رُشْدٍ فِي جَعْلِهِمْ مِمَّنْ يُكْرَهُ بَيْعُهُ لَهُمْ قَالَ لَفْظُ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُغَرُّ بِهَا النَّاسُ كَالصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ. قَالَ فَظَاهِرُ لَفْظِ لَا أَرَى الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ. اهـ. وَظَاهِرُ التَّلْقِينِ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ.
(وَفُسِخَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ بَيْعُهُ (مِمَّنْ) يَعْلَمُ أَنَّهُ (يَغُشُّ بِهِ) إنْ كَانَ قَائِمًا وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ فَسْخُهُ (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) الْمَغْشُوشُ حَقِيقَةً بِذَهَابِ عَيْنِهِ أَوْ حُكْمًا بِتَعَذُّرِ مُشْتَرِيهِ كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَإِذَا فَاتَ (فَهَلْ يَمْلِكُهُ) أَيْ ثَمَنَ الْمَغْشُوشِ بَائِعُهُ أَيْ يَسْتَمِرُّ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَلَوْ عَثَرَ عَلَيْهِ، بَلْ يُبَاعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَيُنْدَبُ فَقَطْ (أَوْ يَتَصَدَّقُ) بَائِعُهُ وُجُوبًا (بِالْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ عِوَضِ الْمَغْشُوشِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَيَجِبُ ثَمَنُهُ لِمُبْتَاعِهِ
أَوْ بِالزَّائِدِ عَلَى مَنْ لَا يَغُشُّ؟ أَقْوَالٌ
وَقَضَاءُ فَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلَ صِفَةً.
ــ
[منح الجليل]
إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ (أَوْ) يَتَصَدَّقُ وُجُوبًا (بِالزَّائِدِ) مِنْ ثَمَنِهِ (عَلَى) ثَمَنِهِ لَوْ بَاعَهُ (مَنْ لَا يَغُشُّ) بِهِ وَبِالْبَاقِي نَدْبًا فِي الْجَوَابِ (أَقْوَالٌ) أَعْدَلُهَا ثَالِثُهَا إذْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا فِيمَا تَعَدَّى بِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ أَوْ بِفَضْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى الْأَرْجَحِ. الْحَطّ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةً. الْأَوَّلُ: بَيْعُهُ لِمَنْ يَكْسِرُهُ فَهَذَا جَائِزٌ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَنْ يُؤْمَنُ غِشُّهُ بِهِ بَعْدَ كَسْرِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَإِذَا قَطَعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِمَنْ لَا يُغَرُّ بِهِ النَّاسُ وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ بَيْنَهُمْ. اهـ. فَالْمَدَارُ عَلَى انْتِفَاءِ الْغِشِّ بِهِ. الثَّانِي: بَيْعُهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهِ وَهَذَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ أَيْضًا. الثَّالِثُ: بَيْعُهُ لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغُشَّ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ كَالصَّيَارِفَةِ فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. الرَّابِعُ: بَيْعُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ خَامِسًا: وَهُوَ بَيْعُهُ لِمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ، أَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَدَخَلَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُرِهَ لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ.
(وَ) جَازَ (قَضَاءُ قَرْضٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَنَقْطِ الضَّادِ أَيْ مُتَسَلَّفٍ بِفَتْحِ اللَّامِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا (بِ) شَيْءٍ (مُسَاوٍ) لِمَا فِي الذِّمَّةِ قَدْرًا وَصِفَةً (وَ) بِ (أَفْضَلَ) مِمَّا فِي الذِّمَّةِ (صِفَةً) ؛ لِأَنَّهُ حَسَنٌ قَضَاءً. وَفِي الْحَدِيثِ «رَدَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَلَفِ بَكْرٍ رُبَاعِيًّا وَقَالَ خَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَالْعَادَةُ كَالشَّرْطِ الْحَطّ فِيهَا مِنْ أَقْرَضَتْهُ قَمْحًا وَقَضَاك دَقِيقًا مِثْلَ كَيْلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهِ فَلَا يَجُوزُ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ جَازَ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّقِيقُ أَجْوَدَ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ رِيعَ الْقَمْحِ بِجَوْدَةِ الدَّقِيقِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِي إجَازَتِهِ قَالَ فِيهَا عَنْهُ لَوْ اقْتَضَى دَقِيقًا عَنْ قَمْحٍ وَالدَّقِيقُ أَقَلُّ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّقِيقُ أَجْوَدَ مِنْ الْقَمْحِ.
وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا
لَا أَزْيَدَ عَدَدًا
ــ
[منح الجليل]
وَإِنْ حَلَّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ حَضَرَ وَأَتَى (الْأَجَلُ) لِدَيْنِ الْقَرْضِ أَوْ كَانَ حَالًّا ابْتِدَاءً جَازَ قَضَاؤُهُ (بِ) شَيْءٍ (أَقَلَّ) مِنْهُ (صِفَةً وَقَدْرًا) مَعًا كَنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ إرْدَبٍّ أَوْ شُقَّةٍ رَدِيءٍ عَنْ كَامِلٍ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ حَسَنٌ اقْتِضَاءً وَأَوْلَى بِأَقَلَّ صِفَةً فَقَطْ أَوْ أَقَلَّ قَدْرًا فَقَطْ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَنْعُ إنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ أَيْ أُسْقِطُ بَعْضَ الْحَقِّ وَأُعَجِّلُهُ لَك، وَهَذَا يُؤَدِّي لِسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ تَسْلِيفٌ
(لَا) يَجُوزُ قَضَاءُ قَرْضٍ بِشَيْءٍ (أَزْيَدَ) مِنْهُ (عَدَدًا) وَلَوْ قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ، وَيَجُوزُ قَضَاءُ مِثْلِ الْعَدَدِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ عَدَدًا، وَلَوْ كَانَ زَائِدًا وَزْنًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَسْلَفْت رَجُلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَدَدًا وَزْنُهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ فَقَضَاك مِائَةَ دِرْهَمٍ وَازِنَةً بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ، وَإِنْ قَضَاك تِسْعِينَ وَازِنَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أَقْرَضَك مِائَةَ دِرْهَمٍ وَازِنَةً عَدَدًا فَقَضَيْته خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَنْصَافًا جَازَ. وَلَوْ قَضَيْته مِائَةَ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَزْنًا. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّك إذَا اقْتَرَضْت دَرَاهِمَ عَدَدًا فَجَائِزٌ أَنْ تَقْضِيَهُ مِثْلَ عَدَدِهَا كَانَتْ مِثْلَ وَزْنِ دَرَاهِمِهِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَقْضِيَهُ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهَا فِي مِثْلِ وَزْنِهَا أَوْ أَقَلَّ إذَا اتَّفَقَتْ الْعُيُونُ. فَإِنْ قَضَيْته أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا أَوْ قَضَيْته أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهَا فَلَا يَجُوزُ اهـ. أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَذَا فِي بَلَدٍ تَجُوزُ الدَّرَاهِمُ فِيهِ عَدَدًا. وَأَمَّا فِي بَلَدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا قَرْضُهَا إلَّا وَزْنًا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْضِيَك عَنْ مِائَةٍ أَنْصَافًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَدَدًا مِثْلَ وَزْنِهَا اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ اُخْتُلِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقِيلَ الْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْأَنْقَصِ مُعْتَبَرًا دِرْهَمًا لَا نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا مُنِعَ كَزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الْعَدَدِ وَقِيلَ مُطْلَقٌ. اهـ. الْحَطّ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْ الْمِائَةِ دِرْهَمٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا وَلَا عَنْ
أَوْ وَزْنًا، إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ
أَوْ دَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
، وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ، وَجَازَ بِأَكْثَرَ
ــ
[منح الجليل]
الْمِائَةِ نِصْفَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلَا عَنْ دِرْهَمٍ نِصْفَيْنِ وَلَا دِرْهَمًا عَنْ نِصْفَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَطَفَ عَلَى عَدَدًا فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ قَرْضٍ بِأَزْيَدَ (وَزْنًا) فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ وَزْنًا حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا لِلسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ (إلَّا) أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ الْوَزْنِ يَسِيرَةً جِدًّا (كَرُجْحَانِ) أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي (مِيزَانٍ) وَاسْتِوَائِهِمَا فِي مِيزَانٍ آخَرَ فَيَجُوزُ فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ وَزْنًا، فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَقَطْ جَازَ الْقَضَاءُ بِأَزْيَدَ وَزْنًا مَعَ تَسَاوِي الْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَعَطَفَ عَلَى مَعْنَى أَزْيَدَ عَدَدًا أَيْ لَا إنْ زَادَ الْعَدَدُ فَقَالَ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ قَرْضٍ إنْ (دَارَ) أَيْ حَصَلَ (فَضْلٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زِيدَ (مِنْ الْجَانِيَيْنِ) أَيْ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ إلَى بَابِ الْمُكَايَسَةِ، كَقَضَاءِ تِسْعَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ عَنْ عَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ، وَهَذَا كَالتَّقْيِيدِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ إلَخْ.
(وَثَمَنُ) الشَّيْءِ (الْمَبِيعِ) الْمُتَرَتِّبِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي حَالَ كَوْنِهِ (مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَيْ قَضَاؤُهُ (كَذَلِكَ) أَيْ قَضَاءُ الْقَرْضِ فِي جَوَازِهِ بِأَفْضَلَ صِفَةً مُطْلَقًا وَبِأَقَلَّ صِفَةً، وَقَدْرًا إنْ حَلَّ الْأَجَلُ. (وَجَازَ) قَضَاءُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الْعَيْنَ (بِأَكْثَرَ) عَدَدًا أَوْ وَزْنًا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ مَنْعِهِ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَهِيَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْعَيْنِ عَنْ الْعَرْضِ وَالطَّعَامِ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمُسَاوِيهِ قَدْرًا وَصِفَةً لَا أَزْيَدَ لِحُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك وَلَا أَقِلَّ لِضَعْ وَتَعَجَّلْ فَإِنْ حَلَّ جَازَ إنْ كَانَ عَرْضًا، فَإِنْ كَانَ طَعَامًا وَجَعَلَ الْأَقَلَّ فِي مِثْلِهِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ لِلْمُفَاضَلَةِ فِي الطَّعَامِ، وَهَذَا إنْ قَضَاهُ بِجِنْسِهِ، فَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ إنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ طَعَامٍ، وَجَازَ بَيْعُهُ بِالْمَأْخُوذِ مُنَاجَزَةً وَسَلَّمَ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِ.
وَدَارَ الْفَضْلُ بِسِكَّةٍ وَصِيَاغَةٍ وَجَوْدَةٍ
. وَإِنْ بَطَلَتْ فُلُوسٌ فَالْمِثْلُ.
ــ
[منح الجليل]
وَدَارَ) أَيْ حَصَلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (الْفَضْلُ) فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ (بِسِكَّةٍ) فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَجَوْدَةٌ فِي الْآخِرَةِ فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ مَسْكُوكٍ عَنْ دَنِيءٍ غَيْرُهُ جَيِّدٌ وَعَكْسُهُ (وَ) بِ (صِيَاغَةٍ) فِي أَحَدِهِمَا (وَجَوْدَةٍ) فِي الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ مَصُوغٍ دَنِيءٍ عَنْ غَيْرِهِ جَيِّدٍ وَلَا عَكْسُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي قَضَاءِ الْمَسْكُوكِ عَنْ الْمَصُوغِ وَعَكْسِهِ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَالسِّكَّةُ وَالصِّيَاغَةُ فِي الْقَضَاءِ كَالْجَوْدَةِ اتِّفَاقًا. ضَيْح الِاتِّفَاقُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَيْنَ الْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ وَغَيْرِهِمَا لَا فِيمَا بَيْنَ الْمَصُوغِ وَالْمَسْكُوكِ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ اقْتِضَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ. وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ قَالُوا وَفِي قَوْلِهِ وَصِيَاغَةٍ بِمَعْنَى أَوْ.
(وَإِنْ بَطَلَتْ فُلُوسٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ جَمْعُ فَلْسٍ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ النُّحَاسُ الْمَسْكُوكُ الَّذِي يُتَعَامَلُ بِهِ، وَمَعْنَى بُطْلَانِهَا تَرْكُ التَّعَامُلِ بِهَا بَعْدَ تَرَتُّبِهَا فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ بِقَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ وَمِثْلُهَا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي التَّلْقِينِ، وَمَنْ ابْتَاعَ بِنَقْدٍ أَوْ اقْتَرَضَهُ ثُمَّ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وُجِدَ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ إنْ فُقِدَ. اهـ. وَفِي الْجَلَّابِ وَمَنْ اقْتَرَضَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا أَوْ بَاعَ بِهَا وَهِيَ سِكَّةٌ مَعْرُوفَةٌ ثُمَّ غَيَّرَ السُّلْطَانُ السِّكَّةَ وَأَبْدَلَهَا بِغَيْرِهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُ السِّكَّةِ الَّتِي قَبَضَهَا وَلَزِمَتْهُ يَوْمَ الْعَقْدِ. الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَوْ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّقْدُ حَتَّى لَا يُوجَدَ لَكَانَ لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْقِطَاعِهِ إنْ كَانَ حَالًّا وَإِلَّا فَيَوْمَ يَحِلُّ الْأَجَلُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ مِثْلُ السِّكَّةِ الَّتِي قَبَضَهَا يَعْنِي فِي الْقَرْضِ. وَقَوْلُهُ لَزِمَتْهُ يَوْمَ الْعَقْدِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ لَك عَلَيْهِ فُلُوسٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَأُسْقِطَتْ لَمْ تَتْبَعْهُ إلَّا بِهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الدَّرَاهِمِ إذَا أُسْقِطَتْ اهـ. (فَالْمِثْلُ) لَمَّا بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ وَأَوْلَى إنْ تَغَيَّرَتْ قِيمَتُهَا مَعَ اسْتِمْرَارِ التَّعَامُلِ بِهَا، وَفِيهَا وَمَنْ أَسْلَفْته فُلُوسًا فَأَخَذْت بِهَا رَهْنًا فَفَسَدَتْ الْفُلُوسُ فَلَيْسَ
أَوْ عُدِمَتْ، فَالْقِيمَةُ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَدَمِ
ــ
[منح الجليل]
لَك عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ فُلُوسِك وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ. وَإِنْ بِعْته سِلْعَةً بِفُلُوسٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّمَا لَك مِثْلُ هَذِهِ الْفُلُوسِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَسَادِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَقْرَضْته دَرَاهِمَ فُلُوسًا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ صَارَتْ مِائَتَيْ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّمَا يَرُدُّ إلَيْك مِثْلَ مَا أَخَذَ لَا غَيْرَ ذَلِكَ.
(أَوْ عُدِمَتْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْفُلُوسُ أَوْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ بَعْدَ تَرَتُّبِهَا فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مِنْ بَلَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِهَا (فَالْقِيمَةُ) وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ مِمَّا تَجَدَّدَ التَّعَامُلُ بِهِ مُعْتَبَرَةً (وَقْتَ اجْتِمَاعِ الِاسْتِحْقَاقِ) لِأَخْذِهَا مِمَّنْ هِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ يَوْمَ حُلُولِ أَجَلِهَا (وَالْعَدَمِ) لَهَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ إلَّا وَقْتَ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ عُدِمَتْ فَالتَّقْوِيمُ يَوْمَ الْعَدَمِ، وَإِنْ عُدِمَتْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ قُوِّمَتْ يَوْمَ اسْتِحْقَاقِهَا، هَذَا مُخْتَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ وَصَوَّبَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْبُرْزُلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ مَطَلَهُ بِهَا أَمْ لَا، وَقَيَّدَهَا الْوَانُّوغِيُّ وَأَقَرَّهُ الْمَشَذَّالِيُّ وغ فِي التَّكْمِيلِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَدِينِ مَطْلٌ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ السِّكَّةِ الْجَدِيدَةِ. قَالَ صَاحِبُ تَكْمِيلِ الْمِنْهَاجِ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْأَحْسَنِ، فَإِنْ آلَ إلَى الْأَرْدَأِ فَإِنَّمَا يُعْطِيهِ مَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَحَثَ بَدْرُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ مَعَ الْوَانُّوغِيِّ بِأَنَّ تَقْيِيدَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَطْلَ الْمَدِينِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الدَّيْنِ، وَلَهُ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ جَبْرًا، كَيْفَ وَقَدْ دَخَلَ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَتَقَاضَى حَقَّهُ مِنْهُ كَمَا دَفَعَهُ وَأَنْ يَمْطُلَهُ، وَعَلَى أَنْ يُفْلِسَ وَيَمُوتَ مُفْلِسًا قَالَ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَالْغَاصِبَ لَا يَتَجَاوَزُ مَعَهُ مَا غَصَبَ اهـ.
قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا عَلِمْت أَنَّ إطْلَاقَ الْمُدَوَّنَةِ يَقُومُ عِنْدَ الشُّيُوخِ مَقَامَ النَّصِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ خُصُوصًا، وَقَدْ تَابَعَ الشُّيُوخُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى إطْلَاقِهَا وَأَبْقَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ظَهَرَ
وَتُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ
ــ
[منح الجليل]
ظَهَرَ مَا قَالَهُ الْبَدْرُ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِعْيَارِ أَنَّ ابْنَ لُبٍّ سُئِلَ عَنْ النَّازِلَةِ نَفْسِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمُمَاطَلَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُمَاطِلِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْإِثْمِ بُنَانِيٌّ.
(وَتُصُدِّقَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثْقَلَةً جَوَازًا (بِمَا غُشَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الشِّينِ، أَيْ أُحْدِثَ فِيهِ الْغِشُّ وَأُعِدَّ لِغِشِّ النَّاسِ بِهِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ. الْحَطّ لَا يَجِبُ فَسْخُ بَيْعِ الْغِشِّ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهِ أَدَبًا لِلْغَاشِّ لِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، فَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْغِشَّ لِغَيْرِ بَيْعِهِ أَوْ لِبَيْعِهِ مُبَيِّنًا غِشَّهُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ غِشُّهُ بِهِ أَوْ يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَغُشُّ بِهِ بِلَا بَيَانٍ فَلِلْمُشْتَرِي التَّمَسُّكُ بِهِ وَالرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْغِشِّ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَإِلَّا فَسَدَ بَيْعُهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ تُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ أَنَّهُ لَا يُكْسَرُ الْخُبْزُ وَلَا يُرَاقُ اللَّبَنُ، وَطَرْحُ عُمَرَ لَهُ فِي الْأَرْضِ اجْتِهَادٌ مِنْهُ " رضي الله عنه " لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَحُمِلَ عَلَى الْقَلِيلِ. أَبُو الْحَسَنِ وَلَا قَائِلَ بِجَوَازِ إرَاقَةِ الْكَثِيرِ. الْبُنَانِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُرَاقُ اللَّبَنُ وَيُحْرَقُ الْمَلَاحِفُ الرَّدِيئَةُ قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ. وَقِيلَ تُقْطَعُ خِرَقًا وَتُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ. وَقِيلَ لَا يَحِلُّ الْأَدَبُ فِي مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. ابْنُ نَاجِي هَذَا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْمَغْشُوشِ.، وَأَمَّا لَوْ زَنَى رَجُلٌ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالْمَالِ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ فَهُوَ جَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَفَتْوَى الْبُرْزُلِيُّ بِتَحْلِيلِ الْمُغَرَّمِ الْمُلَقَّبِ بِالْخَطَأِ لَمْ يَزَلْ الشُّيُوخُ يَعُدُّونَهَا مِنْ الْخَطَأِ، وَيَقْبِضُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهَا الْخَطَأَ. وَالْخِلَافُ فِي طَرْحِ الْمَغْشُوشِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَحَرْقِ الْمَلَاحِفِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ. وَشِبْهُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ لَا مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ، وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِأُجْرَةِ الْمُسْلِمِ نَفْسِهِ لِلْكَافِرِ عَلَى عَصْرِ خَمْرٍ أَوْ رَعْيِ خِنْزِيرٍ وَثَمَنِ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ مَبِيعٍ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ. وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مِنْ حَرْقِ بَيْتِ الْخَمَّارِ فَهُوَ شَاذٌّ وَرَاجِعٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْبَيْتُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ فَهِيَ عُقُوبَةٌ فِي الْمَالِ الَّذِي عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ. وَاسْتِحْسَانُ الْبُرْزُلِيُّ إغْرَامَ مُرْسِلِ الْبَهَائِمِ فِي الْكَرْمِ شَيْئًا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَغْرَمُهُ قَدْرَ مَا
وَلَوْ كَثُرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى كَذَلِكَ، إلَّا الْعَالِمَ لِيَبِيعَهُ كَبَلِّ الْخَمْرِ بِالنِّشَاءِ
، وَسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ غُرْمِ الْمُتْلِفِ لَا مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ اهـ.
وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْمَغْشُوشِ إنْ لَمْ يَكْثُرْ، بَلْ (وَلَوْ كَثُرَ) الْمَغْشُوشُ قَالَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ، وَيُؤَدَّبُ صَاحِبُهُ وَيُتْرَكُ لَهُ إنْ أَمِنَ غِشَّهُ بِهِ، وَإِلَّا بِيعَ لِمَنْ يُؤْمَنُ. الْحَطّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَالْعُقُوبَةَ بِالْمَالِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَتْ وَصَارَتْ فِي الْبَدَنِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِكَثِيرٍ وَلَا قَلِيلٍ. وَاسْتَثْنَى مَنْ تَصَدَّقَ بِمَا غَشَّ فَقَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمَغْشُوشُ (اُشْتُرِيَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (كَذَلِكَ) أَيْ مَغْشُوشًا فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ، وَاسْتَثْنَى مَنْ اُشْتُرِيَ كَذَلِكَ فَقَالَ (إلَّا) الشَّخْصَ (الْعَالِمَ) بِغِشِّهِ يَشْتَرِيهِ (لِيَبِيعَهُ) أَيْ الْمَغْشُوشَ غَاشًّا بِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُ لِيَبِيعَهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ لِيَأْكُلَهُ أَوْ يَدَّخِرَهُ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَثَّلَ لِلْغِشِّ فَقَالَ (كَبَلِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ اللَّامِ (الْخُمُرِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ بِكَسْرِهَا مَا تُخَمِّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (بِالنَّشَا) بِكَسْرِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الشِّينِ أَيْ الصَّمْغُ وَالْعَجِينُ وَنَحْوُهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِبَلِّهَا بِالنَّشَا وَأَنَّهُ يَصْفِقُهَا وَيَشُدُّهَا فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهَا وَالتَّمَسُّكِ بِهَا، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِلُهَابِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَشُدُّهَا، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاكَةُ مِنْ تَصْمِيغِ الدِّيبَاجِ غِشٌّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ قَدْرُ مَا أَحْدَثَ فِيهَا مِنْ الشِّدَّةِ وَالصَّفَاقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ) لِيُوهِمَ جَوْدَةَ جَمِيعِهِ وَكَذَا الْفِضَّةُ وَيُكْسَرُ إنْ خِيفَ التَّعَامُلُ بِهِ، وَمَنْ خَلَطَ الرَّدِيءَ بِالْجَيِّدِ خَلَطَ لَحْمَ الْأُنْثَى بِلَحْمِ الذَّكَرِ وَالْهَزِيلَ بِالسَّمِينِ
وَنَفْخِ اللَّحْمِ.
ــ
[منح الجليل]
وَالْمَعْزَ بِالضَّأْنِ وَالشَّعِيرَ بِالْقَمْحِ (وَنَفْخِ اللَّحْمِ) بَعْدَ سَلْخِهِ لِيَرْتَفِعَ قِشْرُهُ الْأَعْلَى فَيَظْهَرُ أَنَّهُ سَمِينٌ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَجَرَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَ فِي مِكْيَالِهِ زِفْتًا أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ السُّوقِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ. ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُخْرَجُ أَدَبًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ غَشَّ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُعَاقَبُ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ، وَبِالْإِخْرَاجِ مِنْ السُّوقِ إنْ كَانَ اعْتَادَ الْغِشَّ، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ بِمَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ وَلَا يَعْرِفُ وَإِلَّا أُدِّبَ بِالضَّرْبِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.