الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ وَاحِدَةً عَظِيمَةً، أَوْ قَبِيحَةً، أَوْ كَالْقَصْرِ، وَثَلَاثًا لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، وَبَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، فَثَلَاثٌ فِيهِمَا.
(فَصْلٌ) وَرُكْنُهُ: أَهْلٌ،
ــ
[منح الجليل]
أَحْسَنِهِ، أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ أَفْضَلِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ أَكْثَرَ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (وَاحِدَةً عَظِيمَةً، أَوْ قَبِيحَةً) أَوْ خَبِيثَةً أَوْ مُنْكَرَةً، أَوْ شَدِيدَةً، أَوْ طَوِيلَةً (أَوْ) كَبِيرَةً (كَالْقَصْرِ) أَوْ الْجَبَلِ، أَوْ الْبَلَدِ، أَوْ الْمِصْرِ، أَوْ إلَى الْبَصْرَةِ، أَوْ تَمْلَأُ الْأَرْضَ، أَوْ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَلَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. سَحْنُونٌ: لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ، أَوْ لَا لِلْبِدْعَةِ وَلَا لِلسُّنَّةِ فَوَاحِدَةٌ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ لَا لِلْبِدْعَةِ وَلَا لِلسُّنَّةِ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) لَوْ قَالَ (ثَلَاثًا لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ فَثَلَاثٌ فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا.
[فَصَلِّ فِي بَيَان أَرْكَان الطَّلَاق وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]
(وَرُكْنُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ سُنِّيًّا كَانَ أَوْ بِدْعِيًّا بِعِوَضٍ أَوْ لَا (أَهْلٌ) أَيْ زَوْجٌ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ زَوْجَةٍ مُخَيَّرَةٍ أَوْ مُمَلَّكَةٍ أَوْ مُوَكَّلَةٍ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَدَّهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَرْكَانًا لِلطَّلَاقِ بِأَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةٌ تَمَتُّعِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبٌ تَكْرَارُهَا مَرَّتَيْنِ مِنْ الرِّقِّ، حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ وَالْأَهْلُ جِسْمٌ مَحْسُوسٌ وَالْقَصْدُ عَرَضٌ كَالْمَحَلِّ وَالصِّيغَةِ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ. وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَشَرْطُ الطَّلَاقِ وَمَحَلٌّ، وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ إشَارَةٍ سَبَبٌ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَابِعَيْنِ لِلْغَزَالِيِّ الْكُلُّ أَرْكَانٌ لَهُ يُرَدُّ بِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَكُلُّ خَارِجٍ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ غَيْرُ رُكْنٍ لَهُ اهـ.
وَقَصْدٌ، وَمَحَلٌّ، وَلَفْظٌ.
وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ،
ــ
[منح الجليل]
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالرُّكْنِ مَا تَتَوَقَّفُ الْمَاهِيَّةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا تَوَسُّعًا ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وَقَوْلُهُ تَكْرَارُهَا مَرَّتَيْنِ أَيْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ إذْ التَّكْرَارُ يَسْتَلْزِمُ سَابِقًا، وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا لَاقْتَضَى أَنَّهَا تَحِلُّ بَعْدَ ثَلَاثٍ بِدُونِ مُحَلِّلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَمَرَّةً لِلرِّقِّ وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ مِنْ صِيَغِ الْعَامِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَأَرْكَانُهُ فَلِذَا عَطَفَ عَلَى أَهْلٍ قَوْلَهُ (وَقَصْدٌ) أَيْ إرَادَةُ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ أَوْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ حَلَّ الْعِصْمَةِ وَإِرَادَةَ حَلِّهَا بِالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ وَالْمُحْتَرَزُ عَنْهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ سَبْقُ اللِّسَانِ بِلَا قَصْدٍ لِلنُّطْقِ وَفِي الْأَخِيرِ عَدَمُ قَصْدِ الْحِلِّ وَإِنْ قَصَدَ النُّطْقَ بِهِ.
(وَمَحَلٌّ) أَيْ عِصْمَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِلزَّوْجِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَحَلُّهُ مَا مَلَكَ إلَخْ (وَلَفْظٌ) دَالٌّ عَلَى فَكِّ الْعِصْمَةِ وَضْعًا كَطَالِقٍ أَوْ عُرْفًا كَبَرِيَّةٍ أَوْ قَصْدًا كَالنَّفْسِيِّ فَلَا طَلَاقَ بِفِعْلٍ إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَلَا بِمُجَرَّدِ نِيَّةٍ وَكَلَامٍ نَفْسِيٍّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْإِشَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَالْفِعْلُ مَعَ الْعُرْفِ أَوْ الْقَرِينَةِ.
(وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ لِكَافِرَةٍ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَيْنَا فَيَجْرِيَ فِيهِ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ، وَفِي لُزُومِ الثَّلَاثِ لِذِمِّيٍّ طَلَّقَهَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا إلَخْ وَلَا لِمُسْلِمَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ بَعْدَ إسْلَامِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ وَزَوْجُهَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا فَلَا يُعَدُّ طَلَاقُهُ طَلَاقًا، وَيَكُونُ عَلَى نِكَاحِهِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنَكَحَهَا بَعْدَهَا جَازَ وَبَطَلَ طَلَاقُهُ فِي شِرْكِهِ. اللَّخْمِيُّ أَرَادَ إنْ تَرَكَتْ حَقَّهَا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ قَامَتْ بِهِ يَمْنَعُ مِنْ رَجْعَتِهَا لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقًّا لَهَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (الْمُكَلَّفُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ أَيْ الْمُلْزَمُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ لِبُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ طَلَاقٌ حَالَ جُنُونِهِ، وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَوُقُوعُهُ عَلَيْهِ إنْ ارْتَدَّ بِحُكْمِ الشَّارِعِ لَا أَنَّهُ هُوَ الْمُوقِعُ لَهُ، وَهَذَا إنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْفُضُولِيُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إسْلَامٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَلَا تَكْلِيفٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّمْيِيزُ لِأَنَّ الْمُوقِعَ حَقِيقَةً الزَّوْجُ الْمُوَكِّلُ وَالْمُجِيزُ.
وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُمَيِّزَ، أَوْ مُطْلَقًا؟ تَرَدُّدٌ
وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ:
ــ
[منح الجليل]
وَيَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ إنْ لَمْ يَسْكَرْ بَلْ (وَلَوْ سَكِرَ) سُكْرًا (حَرَامًا) بِأَنْ اسْتَعْمَلَهُ عَالِمًا بِتَغْيِيبِهِ عَقْلَهُ أَوْ شَاكًّا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْكِرُ جِنْسُهُ كَخَمْرٍ أَمْ لَا كَلَبَنٍ حَامِضٍ، وَلِذَا قَالَ حَرَامًا وَلَمْ يَقُلْ بِحَرَامٍ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْكِرٍ وَأَنَّهُ لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ فَغَابَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَطَلَّقَ وَعَقْلُهُ غَائِبٌ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ نُوزِعَ فِي سُكْرِهِ حَرَامًا وَغَيْرَهُ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ حَرَامٍ أَوْ حَرَامٌ عُمِلَ بِهَا بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ السُّكْرُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ كَالْجُنُونِ.
(وَهَلْ) طَلَاقُ السَّكْرَانِ سُكْرًا حَرَامًا لَازِمٌ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) حَالَ (أَنْ لَا يُمَيِّزَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ مُشَدَّدَةً بِأَنْ لَا يَفْهَمَ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنَ رَدَّ الْجَوَابِ، وَلَا يَعْرِفَ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُهُ (أَوْ) طَلَاقُهُ لَازِمٌ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مُمَيِّزًا فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) أَيْ طُرُقٌ، فَطَرِيقُ ابْنِ يُونُسَ يَلْزَمُهُ اتِّفَاقًا إنْ مَيَّزَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ لَمْ يُمَيِّزْ، وَطَرِيقُ الْمَازِرِيِّ يَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مَيَّزَ أَمْ لَا، وَطَرِيقُ الْبَاجِيَّ وَابْنِ رُشْدٍ إنْ مَيَّزَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي نُسْخَةٍ وَهَلْ إنْ مَيَّزَ وَفِي أُخْرَى وَهَلْ إلَّا أَنْ يُمَيِّزَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا، أَيْ وَهَلْ الْخِلَافُ الْمُشَارُ لَهُ بِلَوْ إلَّا أَنْ يُمَيِّزَ فَيَلْزَمُ بِلَا خِلَافٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ أَطْلَقَ الصِّقِلِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الرِّوَايَاتِ بِلُزُومِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَنْ لَا يُمَيِّزُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْبَاجِيَّ إنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ عَقْلٌ جُمْلَةً لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ نُطْقٌ وَلَا قَصْدٌ لِفِعْلٍ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ الْإِغْمَاءِ لَكَانَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ فَطَلَاقُهُ لَازِمٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ طَلَاقُهُ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً.
(وَطَلَاقُ) الشَّخْصِ (الْفُضُولِيِّ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِبْهُ الزَّوْجُ وَلَيْسَ وَلِيًّا لَهُ وَلَا حَاكِمًا
كَبَيْعِهِ
وَلَزِمَ، وَلَوْ هَزِلَ
لَا إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى،
ــ
[منح الجليل]
كَبَيْعِهِ) أَيْ الْفُضُولِيِّ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الزَّوْجُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ هُنَا عَلَى امْتِنَاعِ قُدُومِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي جَرَى فِي الْقُدُومِ عَلَى بَيْعِهِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ طَلَبُ الرِّبْحِ بِالسِّلَعِ لَا بِالزَّوْجَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَجَازَ الزَّوْجُ وَاحِدَةً فَقَطْ أَوْ بَائِنًا فَأَجَازَ الزَّوْجُ رَجْعِيًّا، فَالْمُعْتَبَرُ مَا أَجَازَهُ الزَّوْجُ لَا مَا أَوْقَعَهُ الْفُضُولِيُّ، وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الْإِجَازَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْإِيقَاعِ، فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِهَا.
(وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ إنْ لَمْ يَهْزِلْ بِهِ، بَلْ (وَلَوْ هَزَلَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا أَيْ قَصَدَ اللَّعِبَ وَالْمَزْحَ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ الْعِتْقُ بَدَلَ الرَّجْعَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ سَوَاءٌ هَزَلَ بِإِيقَاعِهِ أَوْ بِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ وَهَزْلُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَازِمٌ اتِّفَاقًا وَهَزْلُ إطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَيْهِ الْمَعْرُوفُ لُزُومُهُ. الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ وَلَّيْتُك أَمْرَك إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ فَارَقْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُمَا لَاعِبَانِ لَا يُرِيدَانِ طَلَاقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا. وَيَحْلِفُ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى اللَّعِبِ لَزِمَهُ اهـ اللَّخْمِيُّ.
ابْنُ الْقَاسِمِ هَزْلُ الطَّلَاقِ لَازِمٌ وَأَرَى إنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَفِي الْهَزْلِ بِالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ ثَالِثُهَا إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْ. اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ مُطْلَقًا دُونَ تَفْصِيلِ كَوْنِ الْهَزْلِ فِي إيقَاعِهِ أَوْ إطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَيْهِ تَصَوُّرٌ لِمَا مَرَّ فِي نَقْلِ الشَّيْخِ. اهـ. فَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِ الْهَزْلِ مُطْلَقًا وَالْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ إنْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
(لَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ الطَّلَاقُ (إنْ سَبَقَ) هـ (لِسَانُهُ) إلَيْهِ بِلَا قَصْدِ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِغَيْرِهِ فَلَفَظَ بِهِ وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ سَبَقَنِي لِسَانِي (فِي الْفَتْوَى) وَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَنْفَعُهُ فِيهِ دَعْوَاهُ سَبْقَ لِسَانِهِ إلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ سَبْقَهُ بِبَيِّنَةٍ فَتَنْفَعَهُ فِيهِ أَيْضًا. ابْنُ عَرَفَةَ فَسَبْقُ اللِّسَانِ لَغْوٌ إنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَفِي الْفُتْيَا
أَوْ لُقِّنَ بِلَا فَهْمٍ، أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ
ــ
[منح الجليل]
فَقَطْ. اهـ. وَلَوْ نُوزِعَ فِي سَبْقِ لِسَانِهِ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةُ صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ (أَوْ لُقِّنَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً أَيْ الزَّوْجُ الْأَعْجَمِيَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الْعَرَبِيِّ أَوْ الْعَرَبِيُّ لَفْظَهُ الْأَعْجَمِيَّ فَنَطَقَ بِهِ (بِلَا فَهْمٍ) لِمَعْنَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفُتْيَا ابْنُ عَرَفَةَ. ابْنُ شَاسٍ إنْ لُقِّنَ الْأَعْجَمِيُّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا أَثَرَ لِلَّفْظِ بِجَهْلِ مَعْنَاهُ كَأَعْجَمِيٍّ لُقِّنَ أَوْ عَرَبِيٍّ لُقِّنَ.
(أَوْ هَذَى) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَكَلَّمَ بِصِيغَةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهَا (لِمَرَضٍ) قَامَ بِهِ وَغُيِّبَ عَقْلُهُ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَلَمَّا أَفَاقَ أَنْكَرَ وُقُوعَهُ مِنْهُ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ أَوْ لَا بَيِّنَةَ وَلَا قَرِينَةَ، وَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، لَا فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَيَحْلِفُ فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَقَوْلِهِ وَقَعَ شَيْءٌ وَلَمْ أَعْقِلْهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي.
ابْنُ عَرَفَةَ طَلَاقُ فَاقِدِ الْعَقْلِ وَلَوْ بِنَوْمٍ لَغْوٌ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَابَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ مَرِيضٍ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَفَاقَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ مَا صَنَعَ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا كَانَ يَعْقِلُ وَيُتْرَكُ أَهْلُهُ فَأَطْلَقَهُ الْبَاجِيَّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا شَهِدَ الْعُدُولُ أَنَّهُ يَهْذِي وَيَخْتَلُّ عَقْلُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَنْكَرْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعِشْرَةِ، وَفِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا مَا طَلَّقَ الْمُبَرْسَمُ فِي هَذَيَانِهِ وَعَدَمِ عَقْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سَقَى السَّكْرَانَ فَحَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَالْبُرْسَامِ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُسْقَاهُ وَلَا يَعْلَمُهُ وَقَالَ أَصْبَغُ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِبَهُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَاءِ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ.
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ، وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُسْقَاهُ وَلَا يَعْلَمُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَرِبَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُغَيِّبُ عَقْلَهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ
أَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ: يَا طَالِقُ وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٍ: الْتِفَاتُ لِسَانِهِ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَإِنَّمَا أَلْزَمَ مَنْ أَلْزَمَ السَّكْرَانَ طَلَاقَهُ وَعِتْقَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ لَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنْ كَانَ سُكْرُ شَارِبِ السَّكَرَانِ كَسُكْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَيَخْتَلِطُ بِهِ عَقْلُهُ كَالسَّكْرَانِ مِنْ الْخَمْرِ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِيَسْكَرَ بِهِ أَوْ يُسْقَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ السَّكْرَانَ إنَّمَا أُلْزِمَ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ.
(أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (لِمَنْ) أَيْ زَوْجَتِهِ الَّتِي (اسْمُهَا طَالِقٌ) بِاللَّامِ (يَا طَالِقُ) قَاصِدًا بِهِ نِدَاءَهَا فَلَا تَطْلُقُ فِي الْفُتْيَا، وَلَا فِي الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَسْقَطَ حَرْفَ النِّدَاءِ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ عَلَى الطَّلَاقِ عُمِلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا وَادَّعَى قَصْدَ النِّدَاءِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْفُتْيَا فَقَطْ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا أَثَرَ لِقَصْدِ لَفْظٍ يَظْهَرُ مِنْهُ غَيْرُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ.
(وَقُبِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (فِي) نِدَاءِ مَنْ اسْمُهَا (طَارِقٌ) بِالرَّاءِ بِيَا طَالِقٌ بِاللَّامِ وَنَائِبُ فَاعِلِ قُبِلَ (الْتِفَاتُ لِسَانِهِ) مِنْ الرَّاءِ لِلَّامِ بِلَا قَصْدٍ فِي الْفُتْيَا فَقَطْ بِدَلِيلِ تَغْيِيرِهِ أُسْلُوبَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنْ أَسْقَطَ حَرْفَ النِّدَاءِ مَعَ إبْدَالِ الرَّاءِ لَامَا وَادَّعَى الْتِفَافَ لِسَانِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. ابْنُ غَازِيٍّ وَقُبِلَ مِنْهُ الْتِفَافُ لِسَانِهِ الْتِوَاؤُهُ وَهُوَ بِفَاءَيْنِ مُكْتَنِفَيْنِ الْأَلِفَ وَمَنْ جَعَلَ بَعْدَ الْأَلْفِ تَاءً مُثَنَّاةً مِنْ فَوْقٍ فَقَدْ صَحَّفَ اهـ تت. هَذَا غَيْرُ صَوَابٍ فَفِي الْقَامُوسِ لَفَتَهُ يَلْفِتُهُ لَوَاهُ وَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ اهـ طفي. قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِ الْقَامُوسِ لِأَنَّ لَفَتَ مَصْحُوبٌ بِالْقَصْدِ وَكَلَامُنَا فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ لَفَتَهُ إذَا صَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ بِقَصْدٍ مِنْهُ وَتَحَيُّلٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس: 78] اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي لَفَتَ لَا فِي الْتَفَتَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَفَتَهُ يَلْفِتُهُ فَالْتَفَتَ أَيْ صَرَفَهُ فَانْصَرَفَ، أَيْ قَبِلَ انْصِرَافَهُ عَنْ الْمَقْصُودِ.
أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ، وَطَلَقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ
أَوْ أُكْرِهَ، وَلَوْ
ــ
[منح الجليل]
وَرُدَّ كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ بِأَنَّ فِي الصِّحَاحِ مَا يَشْهَدُ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: اللَّفْتُ بِالْفَتْحِ اللَّيُّ، وَفِي الْحَدِيثِ فِي قُرَّاءِ الْمُنَافِقِينَ «يَلْفِتُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ» كَمَا تَلْفِتُ الدَّابَّةُ الْخَلَا الْحَشِيشَ، وَيُقَالُ الْتَفَتُّ مَلْفَتًا وَتَلَفُّتًا وَهُوَ الْأَكْثَرُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ الْتِفَاتٌ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا. الْبُنَانِيُّ لَا وَجْهَ لِهَذَا التَّنْظِيرِ، لِأَنَّهُ مَصْدَرُ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ قِيَاسِيٌّ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ كَمَا فِي الْأَلْفِيَّةِ وَالْمُرَادِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْقَامُوسِ، وَنَصُّهُ لَفَتَهُ يَلْفِتُهُ لَوَاهُ وَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ وَمِنْهُ الِالْتِفَاتُ وَاللَّفْتُ.
(أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ وَلَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ (يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَ (عَمْرَةُ) لِظَنِّهَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا أَوْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا (فَطَلَّقَهَا) أَيْ خَاطَبَ الزَّوْجُ عَمْرَةَ الَّتِي أَجَابَتْهُ بِصِيغَةِ الطَّلَاقِ ظَانًّا أَنَّهَا حَفْصَةُ الَّتِي نَادَاهَا (فَالْمَدْعُوَّةُ) أَيْ حَفْصَةُ الَّتِي دَعَاهَا الزَّوْجُ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْفُتْيَا لَا عَمْرَةُ الْمُجِيبَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ طَلَاقَهَا.
(وَطَلَقَتَا) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ حَفْصَةُ الْمَدْعُوَّةُ بِقَصْدِهِ طَلَاقَهَا بِالصِّيغَةِ الَّتِي خَاطَبَ بِهَا عَمْرَةَ وَعَمْرَةُ بِخِطَابِهَا (مَعَ) شَهَادَةِ (الْبَيِّنَةِ) عَلَيْهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَوْ قَالَ فِي الْقَضَاءِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَيُحْتَمَلُ إنْ أَلِفَ طَلَقَتَا لِطَارِقٍ الَّتِي الْتَفَتَ فِيهَا لِسَانُهُ إلَى طَالِقٍ وَحَفْصَةَ وَهَذَا أَحْسَنُ لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ وَزِيَادَةِ فَائِدَتِهِ.
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ يَا عَمْرَةُ فَأَجَابَتْهُ حَفْصَةُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَحْسِبُهَا عَمْرَةَ فَأَرْبَعَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ، هَذَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْقَوْلِ بِطَلَاقِهِمَا وَبَقَائِهِمَا وَطَلَاقِ عَمْرَةَ دُونَ حَفْصَةَ وَعَكْسِهِ، وَلَا أَعْرِفُهَا إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ مَنْ قَالَ يَا عَمْرَةُ فَأَجَابَتْهُ حَفْصَةُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَحْسِبُهَا عَمْرَةَ طَلَقَتْ، وَفِي طَلَاقِ حَفْصَةَ خِلَافٌ.
وَعَطَفَ عَلَى سَبَقَ أَيْضًا فَقَالَ (أَوْ أُكْرِهَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الزَّوْجُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ، وَلِخَبَرِ «حُمِلَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ لَيْسَ شَرْعِيًّا، بَلْ (وَلَوْ)
بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ، أَوْ فِي فِعْلٍ
ــ
[منح الجليل]
أُكْرِهَ إكْرَاهًا شَرْعِيًّا (بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، وَقَدْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مَلِيءٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِتَكْمِيلِ عِتْقِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، أَوْ أَعْتَقَ شَرِيكُ الْحَالِفِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَقُوِّمَ نَصِيبُ الْحَالِفِ لِذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ، هَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ.
وَأَشَارَ بِوَ " لَوْ " إلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْحِنْثِ لِأَنَّ إكْرَاهَ الشَّرْعِ طَوْعٌ، فَالصَّوَابُ الْعَكْسُ. وَلَوْلَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ لَا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. وَقَالَ تت ثُمَّ بَالَغَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ الَّذِي حَلَفَ لَا اشْتَرَاهُ فَأُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَقَوَّمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بَقِيَّتَهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَصْلُ. وَلَا الْفَرْعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِيهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَا يُلَائِمُ الْمُبَالَغَةَ الْمُثِيرَةَ لِلْخِلَافِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. ابْنُ عَاشِرٍ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَوَابَ وَضْعِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إثْرَ قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْفِعْلِ لَا الْقَوْلِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ وَأُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى فِعْلٍ عَلَّقَ هُوَ عَلَيْهِ لَا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ فَتَتَحَرَّرُ الْعِبَارَةُ وَتُفِيدُ الْمَشْهُورَ.
وَعُطِفَ عَلَى الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ أُكْرِهَ (فِي فِعْلٍ) أَيْ عَلَيْهِ كَحَلِفِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهَا فَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ سَحْنُونٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِفِعْلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَسُجُودٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَزِنًا بِطَائِعَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، وَيَمِينِ الْبِرِّ وَبِكَوْنِ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ غَيْرَ الْحَالِفِ، وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ حَالَ الْيَمِينِ بِالْإِكْرَاهِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُهُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا وَبِعَدَمِ فِعْلِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ حَنِثَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْنَثُ لِعَدَمِ نَفْعِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفِعْلِ، وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْفِعْلِ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَثَلًا مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ بِقَلْبِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْفِعْلُ كَشُرْبِ الْحُمْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا فَمَفْسَدَتُهُ مُحَقَّقَةٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَعِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ قَوْلُهُ أَوْ فِي فِعْلٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ لَوْ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْفِعْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْرِيرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرُوا فِي الْبَابِ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ وَفِيهِ طُرُقٌ، الْأُولَى طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ قَالَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ، فَحُمِلَ حَتَّى أُدْخِلَهَا أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا فِي وَقْتِ كَذَا، فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ، فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرُ حَانِثٍ، فَأَمَّا إنْ حُمِلَ حَتَّى أُدْخِلَ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ فُلَانٌ دَخَلَ الدَّارَ وَاخْتُلِفَ إذَا أُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ إذَا حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ فَمَنْ حَمَلَ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمَقَاصِدِ لَمْ يُحَنِّثْهُ، وَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ حَنَّثَهُ لِأَنَّ هَذَا دَخَلَ وَوُجِدَ مِنْهُ الْفِعْلُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْآخَرُ حَلَفَ لَيَفْعَلَن فَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْفِعْلُ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لِابْنِ حَارِثٍ قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ لَوْ حُمِلَ فَأُدْخِلَهَا مُكْرَهًا دُونَ تَرَاخٍ مِنْهُ وَلَا مُكْثٍ فِيهَا بَعْدَ إمْكَانِ خُرُوجِهِ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَتْهُ دَابَّةٌ هُوَ رَاكِبُهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا، زَادَ عِيسَى وَلَا النُّزُولِ عَنْهَا.
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ قَالَ لَا يَحْنَثُ بِالْإِكْرَاهِ فِي لَا أَفْعَلُ اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَا أَفْعَلَنَّ وَالْمَشْهُورُ حِنْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْنَثُ.
الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: لِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا قَالَ فِي حِنْثِهِ ثَالِثُهَا فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا الْبِرِّ لِرِوَايَةِ عِيسَى وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَالْمَشْهُورِ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، إذْ قَالَ وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ وَهَذَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: الْأَفْعَالُ الْمَحْظُورَةُ شَرْعًا. ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ إكْرَاهٌ وَهُوَ فِي نِكَاحِ الْمُدَوَّنَةِ
إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا
ــ
[منح الجليل]
الثَّالِثُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ إكْرَاهًا كَشُرْبِ خَمْرٍ، وَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ، وَسُجُودٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَزِنًا بِطَائِعَةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ كَقَتْلٍ وَغَصْبٍ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَيْهِ غَيْرُ نَافِعٍ، زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْمَفَاسِدَ لَا تُحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ بِقَلْبِهِ، وَالْأَلْفَاظُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ الْمَفَاسِدَ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهَا. وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْقَوْلَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَعَانِي وَلَا الذَّوَاتِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ وَاَلَّذِي فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثُ قَوْلُهُ فِي الْأَسِيرَانِ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي جَامِعِ الطُّرَرِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ كَمَا أَقَامَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ أُكْرِهَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَأَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الضَّرْبَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ بِنَوْعِ تَجَوُّزٍ أَوْ تَغْلِيبٍ، وَرُبَّمَا يُسْتَرْوَحُ مِنْ كَلَامِنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ بَعْدَ هَذَا مَا يَزِيدُك بَيَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ فَقَالَ لَا يَحْنَثُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَوْلِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَ) الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْقَوْلِ (التَّوْرِيَةَ) أَصْلُهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْبَعِيدِ لِقَرِينَةٍ، كَقَوْلِهِ طَالِقٌ مُرِيدًا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ وَجَعٍ بِالطَّلْقِ قُرْبَ وَضْعِ الْحَمْلِ. وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُخَلَّصُ سَوَاءٌ كَانَ بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ جَوْزَتِي طَالِقٌ مَرِيدًا: جَوْزَةَ حَلْقِهِ خَالِيَةً مِنْ لُقْمَةٍ مَثَلًا (مَعَ مَعْرِفَتِهَا) أَيْ اسْتِحْضَارِهَا لِعَدَمِ دَهْشَتِهِ بِالْإِكْرَاهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ تَرَكَهَا مَعَ مَعْرِفَتِهَا. تت لَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْقَوْلِ لَكَانَ أَوْضَحَ، لِأَنَّ التَّوْرِيَةَ لَا تَكُونُ فِي الْفِعْلِ.
" غ " لَا مِرْيَةَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ كَقَوْلِ الْمُكْرَهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَيُرِيدُ مِنْ وِثَاقٍ أَوْ رَجْعَةٍ بِالطَّلْقِ. وَأَمَّا الْفِعْلُ بِضَرْبَيْهِ فَلَا تُمْكِنُ التَّوْرِيَةُ فِيهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ
بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ: مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ، أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَإٍ، أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
الْقَرَافِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. عج مَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ زَوْجَةً فَطَلَّقَ جَمِيعَ زَوْجَاتِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا فَأَعْتَقَ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ عَكْسُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ.
وَالْإِكْرَاهُ يَتَحَقَّقُ (بِخَوْفٍ) أَيْ غَلَبَةِ ظَنِّ حُصُولِ شَيْءٍ (مُؤْلِمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ مُوجِعٍ حَالًا أَوْ مَآلًا سَوَاءٌ هُدِّدَ أَوْ لَمْ يُهَدَّدْ، وَطُلِبَ مِنْهُ الْحَلِفُ مَعَ التَّخْوِيفِ فَإِنْ بَادَرَ قَبْلَ الطَّلَبِ وَالتَّهْدِيدِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إكْرَاهٌ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُبَادِرْ يُهَدَّدْ وَإِلَّا فَلَا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ إكْرَاهًا مُطْلَقًا، وَبَيَّنَ الْمُؤْلِمَ فَقَالَ (مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ) بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَإِلَّا فَلَيْسَ إكْرَاهًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ قَلَّ الضَّرْبُ أَوْ السَّجْنُ وَبِهِ جَزَمَ تت فَقَالَ عَقِبَ أَوْ ضَرْبٍ وَلَوْ قَالَ (أَوْ قَيْدٍ) أَيْ تَقْيِيدٍ بِحَدِيدٍ فِي رِجْلَيْهِ مَثَلًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلَّ (أَوْ صَفْعٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ ضَرْبٍ بِبَاطِنِ كَفٍّ عَلَى قَفًا (لِ) شَخْصٍ (ذِي) أَيْ صَاحِبِ (مُرُوءَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ هِمَّةٍ عَالِيَةٍ وَنَفْسٍ كَامِلَةٍ (بِ) حَضْرَةِ (مَلَإٍ) بِالْقَصْرِ وَالْهَمْزِ أَيْ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَشْرَافًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْفِقْهِ هُنَا. وَكَذَا فِي اللُّغَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ صَفْعِهِ فِي خَلْوَةٍ فَلَيْسَ إكْرَاهًا وَلَوْ لِذِي مُرُوءَةٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْيَسِيرِ وَإِلَّا فَهُوَ إكْرَاهٌ مُطْلَقًا. وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إنَّمَا يَكُونُ بِحُصُولِ الضَّرْبِ أَوْ الصَّفْعِ لَا بِخَوْفِ وُقُوعِهِمَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ ذِي مُرُوءَةٍ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ صَفْعُهُ بِمَلَإٍ إكْرَاهًا، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوَاهِرِ.
(أَوْ) بِخَوْفِ (قَتْلِ وَلَدِهِ) وَلَوْ عَاقًّا وَكَذَا بِعُقُوبَةِ الْبَارِّ إنْ تَأَلَّمَ بِهَا كَمَا يَتَأَلَّمُ بِنَفْسِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ حَلَفَ دَرْءَةً عَنْ وَلَدِهِ لَزِمَتْهُ يَمِينُهُ إنَّمَا يُعْذَرُ فِي الدَّرْأَة عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ اللَّبِيدِيِّ إنْكَارُ قَوْلِ أَصْبَغَ قَائِلًا أَيُّ إكْرَاهٍ أَشَدُّ مِنْ
أَوْ لِمَالِهِ. وَهَلْ إنْ كَثُرَ؟ تَرَدُّدٌ
لَا أَجْنَبِيٍّ، وَأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيَسْلَمَ
ــ
[منح الجليل]
رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ وَلَدَهُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ التَّخْوِيفُ بِقَتْلِ الْوَلَدِ إكْرَاهٌ فَحَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى خِلَافِ الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ فَذَكَرَ قَوْلَ أَصْبَغَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ النَّازِلَ بِالْوَلَدِ قَدْ يَكُونُ أَلَمُهُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَتَعَدَّى لِلْأَبِ فَهُوَ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ مَعْرُوضٌ لِلْأَمْرَيْنِ، فَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْقَاصِرِ عَلَى الْوَلَدِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ دَرْءَةً عَنْ وَلَدِهِ لَا فِي الْمُتَعَدِّي لِلْأَبِ، لِقَوْلِهِ إنَّمَا يُعْذَرُ فِي الدَّرْأَة عَنْ نَفْسِهِ، وَقَوْلُ اللَّبِيدِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَعَدِّي لِلْأَبِ. أَمَّا فِي قَتْلِهِ فَلَا يُشَكُّ فِي لُحُوقِهِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْوَلَدِ، وَالْأَخِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ. اهـ. وَأَجَابَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ ابْنَ شَاسٍ قَصَدَ قَتْلَ النَّفْسِ لَا دُونَهُ أَيْ وَأَصْبَغُ قَصَدَ مَا دُونَهُ (أَوْ) يُخَوَّفُ الْأَخْذَ (لِمَالِهِ) أَوْ إتْلَافَهُ بِكَحَرْقِهِ.
(وَهَلْ إنْ كَثُرَ) الْمَالُ الَّذِي خَافَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَلَّ فَلَيْسَ الْخَوْفُ عَلَيْهِ إكْرَاهًا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ أَوْ وَلَوْ قَلَّ قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، فَفِي النَّوَادِرِ عَنْهُ لَوْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ بَعْضُ مَالِهِ فَهُوَ كَالْخَوْفِ عَلَى الْبَدَنِ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ الْخَوْفُ عَلَيْهِ إكْرَاهًا (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَعْلِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تَفْسِيرًا لِقَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالثَّانِي عَلَى الْقَلِيلِ، فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لِابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَجَعَلَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَهَذَا لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّخْوِيفِ بِالْمَالِ. ثَالِثُهَا إنْ كَثُرَ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ، وَالثَّانِي لِأَصْبَغَ وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ
(لَا) يَكُونُ الْمُكَلَّفُ مُكْرَهًا بِخَوْفِ قَتْلِ شَخْصٍ (أَجْنَبِيٍّ) أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْأَوْلَى وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ خَوْفَ قَتْلِ الْوَالِدِ وَالْأَخِ إكْرَاهٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيُؤْخَذُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَالْأَخَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
(وَأُمِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْخَائِفُ قَتَلَ الْأَجْنَبِيَّ نَدْبًا (بِالْحَلِفِ) كَاذِبًا (لِيَسْلَمَ) الْأَجْنَبِيُّ
وَكَذَا الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْيَمِينُ، وَنَحْوُهُ.
وَأَمَّا الْكُفْرُ، وَسَبُّهُ عليه السلام، وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ: فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ: كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إلَّا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا
ــ
[منح الجليل]
مِنْ الْقَتْلِ، وَتَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَمُوسًا لِتَعَلُّقِهَا بِالْحَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهَا أَنَّهَا تُكَفَّرُ إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبِلِ وَأَنَّ اللَّغْوَ لَا تُكَفَّرُ إلَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ نَحْوِهَا لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَقُتِلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ طَلَبَ حَلِفِهِ نُدِبَ فَقَطْ. وَوُجُوبُ تَخْلِيصِ الْمُسْتَهْلِكِ شَرْطُهُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى يَمِينٍ غَمُوسٍ لِخَطَرِهَا. ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ.
(وَكَذَا) أَيْ الطَّلَاقُ فِي كَوْنِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ) ابْنُ عَرَفَةَ وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحِ الْإِكْرَاهِ إكْرَاهًا زِنًا مِنْ الْوَاطِئِ الْمُكْرَهِ لَا الْمُكْرَهَةِ وَإِجَازَتُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ اخْتِيَارًا كَنِكَاحٍ مَوْقُوفٍ (وَالْإِقْرَارُ) عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ أَوْ جِنَايَةٍ (وَالْيَمِينُ) بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِمَا (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ وَنَحْوِهَا.
(وَأَمَّا الْكُفْرُ) أَيْ الْإِنْصَافُ بِهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (وَسَبُّهُ) أَيْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَشَدِّيَّتِهِ بِعَدَمِ قَبُولِهِ التَّوْبَةَ. وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمْ وَالْحُورِ الْعِينِ (وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ) الْعَفِيفِ الْحُرِّ وَسَبُّ الصَّحَابَةِ بِغَيْرِهِ (فَإِنَّمَا يَجُوزُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْكُفْرِ وَسَبُّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ (لِ) خَوْفِ (الْقَتْلِ) لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا سَبُّ مُسْلِمٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ بِغَيْرِ قَذْفِهِ وَقَذْفِ غَيْرِ مُسْلِمٍ فَيَجُوزُ إنْ بِخَوْفِ غَيْرِ الْقَتْلِ.
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ بِخَوْفِ الْقَتْلِ فَقَالَ (كَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَجِدُ مَا) أَيْ طَعَامًا (يَسُدُّ) أَيْ يَحْفَظُ (رَمَقَهَا) أَيْ حَيَاتَهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) حَالَ تَمْكِينِهَا نَفْسَهَا (لِمَنْ) أَيْ رَجُلٍ (يَزْنِي بِهَا) فَيَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا بِقَدْرِ مَا يُشْبِعُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ سَدِّ رَمَقِهَا سَدُّ رَمَقِ صِبْيَانِهَا إنْ لَمْ تَجِدْهُ إلَّا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ. وَمَفْهُومُ لَا تَجِدُ إلَخْ عَدَمُ جَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ مَيْتَةٍ تَسُدُّ رَمَقَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِبَاحَتِهَا لِلْمُضْطَرِّ. وَمَفْهُومُ الْمَرْأَةِ أَنَّ
وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ، لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ، وَأَنْ يَزْنِيَ،
وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا:
ــ
[منح الجليل]
الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ إلَّا أَنْ يَزْنِيَ بِمَرْأَةٍ تُعْطِيهِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَظَرًا لِانْتِشَارِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْأَمْرَدُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ إلَّا لِمَنْ يَلُوطُ بِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَمْكِينُهُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يُبَاحُ الْفِعْلُ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ، وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ تَقْدِيمِ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى الزِّنَا بِمَحْرَمٍ عِنْدَ تَحَتُّمِ أَحَدِهِمَا.
(وَصَبْرُهُ) أَيْ الْمُكْرَهِ بِالْقَتْلِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَوْتِ مَنْ لَمْ تَجِدْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا. وَخَبَرُ " صَبْرُهُ ": (أَجْمَلُ) أَيْ أَفْضَلُ لَهُ وَأَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ إقْدَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ أَيْضًا (لَا) يَجُوزُ (قَتْلُ) الشَّخْصِ (الْمُسْلِمِ) وَلَوْ رَقِيقًا لِلْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ بِخَوْفِ الْقَتْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ. وَمَفْهُومُ الْمُسْلِمِ جَوَازُ قَتْلِ الْكَافِرِ الذِّمِّيَّ بِخَوْفِ الْقَتْلِ.
(وَ) لَا يَجُوزُ (قَطْعُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ بِخَوْفِ الْقَتْلِ وَلَوْ أُنْمُلَةً فَيُمَكِّنُ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ وَلَا يَقْطَعُ أُنْمُلَةَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا قَطْعُهُ عُضْوًا مِنْ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ خَوْفَ قَتْلِهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ (وَ) لَا يَجُوزُ لَهُ (أَنْ يَزْنِيَ) بِمُكْرَهَةٍ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ بِخَوْفِ قَتْلِهِ، وَأَمَّا بِطَائِعَةٍ لَا زَوْجَ وَلَا سَيِّدَ لَهَا فَيَجُوزُ بِهِ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ أَصْحَابِنَا إنْ أُكْرِهَ عَلَى كُفْرٍ أَوْ شَتْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَذْفِ مُسْلِمٍ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ تَلَفَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ بِهِ لَا تَلَفَ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِخَوْفِ قَتْلِهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُقْتَلَ وَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ. سَحْنُونٌ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا لِخَوْفِ قَتْلِهِ. قَالَ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا قَطْعُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَلَا عَلَى أَنْ يَزْنِيَ، وَأَمَّا عَلَى قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ فَيَسَعُهُ ذَلِكَ اهـ.
(وَفِي لُزُومِ) يَمِينٍ حَلَفَهَا عَلَى فِعْلِ (طَاعَةٍ أُكْرِهَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْحَالِفُ (عَلَيْهَا) أَيْ الْيَمِينِ بِأَنْ أُكْرِهَ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ طَلَاقَ زَوْجَاتِهِ ثَلَاثًا، أَوْ عِتْقَ رَقِيقِهِ أَوْ صَوْمَهُ عَامًا، أَوْ حَجَّهُ مَاشِيًا، أَوْ صَدَقَتَهُ
قَوْلَانِ: كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلَاقِ طَائِعًا وَالْأَحْسَنُ الْمُضِيُّ
وَمَحَلُّهُ مَا مُلِكَ قِبَلَهُ
ــ
[منح الجليل]
بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ مُخْتَارِ وَقْتِهَا، أَوْ لَا يَشْرَبُ مُسْكِرًا، أَوْ لَا يَسْرِقُ أَوْ لَا يَزْنِي، أَوْ لَا يَغُشُّ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَفَ خَائِفًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، أَوْ لَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ؟ (قَوْلَانِ) مَحَلُّهُمَا إذَا حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبِلٍ كَمَا مَثَّلْنَا، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ مُكْرَهًا لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِأَنَّهُ صَلَّى أَوْ زَكَّى، أَوْ صَامَ رَمَضَانَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، بِخِلَافِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْبِرُّ فِيهِ. وَمَفْهُومُ طَاعَةٍ إنْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينِ مَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ زِنًا أَوْ قَتْلٍ أَوْ مُبَاحٍ كَدُخُولِ دَارٍ أَوْ سُوقٍ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا.
وَشَبَّهَ فِي الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ (كَإِجَازَتِهِ) أَيْ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ عَلَى طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ وَلِفَاعِلِهِ وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ (كَالطَّلَاقِ) وَالْعِتْقِ الْوَاقِعِ مِنْهُ حَالَ إكْرَاهِهِ عَلَيْهِ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مَفْعُولُ إجَازَتِهِ حَالَ كَوْنِهِ (طَائِعًا) بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا أَجَازَهُ نَظَرًا لِطَوْعِهِ حَالَهَا، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلِأَنَّ الْوَاقِعَ فَاسِدًا لَا يُصَحَّحُ بَعْدَ وُقُوعِهِ قَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ، قَالَ أَوَّلًا بِعَدَمِ اللُّزُومِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اللُّزُومِ.
(وَالْأَحْسَنُ) مِنْهُمَا عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ (الْمُضِيُّ) أَيْ اللُّزُومُ وَعَلَى هَذَا فَأَحْكَامُ الطَّلَاقِ كَالْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الْإِيقَاعِ لَا مِنْ يَوْمِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَدْخُلُ النِّكَاحُ تَحْتَ الْكَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، فَفِي التَّوْضِيحِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْمُقَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ. سَحْنُونٌ وَلَوْ انْعَقَدَ لَبَطَلَ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِيهِ خِيَارٌ، وَفِي قِيَاسِ بَعْضِ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنْ لِلْمُكْرَهِ إمْضَاءَ ذَلِكَ النِّكَاحِ إذَا أَمِنَ، وَكَذَا لِأَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ. وَفِي قِيَاسِ بَعْضِ مَذَاهِبِهِمْ إنَّمَا تَجُوزُ إجَازَةُ الْمُكْرَهِ بِحَدَثَانِ ذَلِكَ.
(وَمَحَلُّهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (مَا) أَيْ عِصْمَةٌ قَائِمَةٌ بِالزَّوْجَةِ شَرْعًا (مُلِكَ) ضَمٌّ فَكَسْرٌ وَذَكَرَ الْعَائِدَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مَا (قَبْلَهُ) أَيْ نُفُوذِ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَاعْتُبِرَ فِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ
وَإِنْ تَعْلِيقًا: كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ هِيَ طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا، أَوْ إنْ دَخَلْتِ، وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا
وَتَطْلُقُ عَقِبَهُ، وَعَلَيْهِ النِّصْفُ،
ــ
[منح الجليل]
حَالَ النُّفُوذِ إنْ مَلَكَهَا تَحْقِيقًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (تَعْلِيقًا) أَيْ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَخِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه ". وَقَوْلُ مَالِكٍ الرُّجُوعُ عَنْهُ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، بَلْ وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ الْبِسَاطُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الْخَاطِبِ (لِأَجْنَبِيَّةٍ) حَالَ خِطْبَتِهَا (هِيَ) أَيْ الْمَخْطُوبَةُ (طَالِقٌ) وَصِلَةُ قَوْلِهِ (عِنْدَ خِطْبَتِهَا) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْتِمَاسِ نِكَاحِهَا مِنْ وَلِيِّهَا بِسَبَبِ تَغْلِيَةِ مَهْرِهَا مَثَلًا.
(أَوْ إنْ دَخَلْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَضَرَتْ وَخَاطَبَهَا أَوْ بِسُكُونِهَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً، وَمَفْعُولُ دَخَلْت مَحْذُوفٌ لِيَعُمَّ الدَّارَ وَغَيْرَهَا أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَ) قَدْ (نَوَى) أَيْ إنْ دَخَلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ (بَعْدَ نِكَاحِهَا) وَأَمَّا الْأَوْلَى فَوُقُوعُ التَّطْلِيقِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ بِسَاطٌ دَالٌّ عَلَى التَّعْلِيقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ إذْ لَوْ نَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ عِنْدَ خِطْبَتِهَا قَالَهُ " غ "، فَأَقْسَامُ التَّعْلِيقِ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: بِاللَّفْظِ كَإِنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ. الثَّانِي: فُلَانَةُ طَالِقٌ، وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا. الثَّالِثُ: تَعْلِيقٌ بِالْبِسَاطِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ خِطْبَتِهَا هِيَ طَالِقٌ لِمَا سَمِعَهُ مِنْ شُرُوطِهَا وَشُرُوطِ أَهْلِهَا.
ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِي أَيْ مِنْ شُرُوطِ الطَّلَاقِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِالْأَرْكَانِ الْمَحَلُّ وَهِيَ الْعِصْمَةُ، وَشَرْطُهُ مُقَارَنَةُ إنْشَائِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لِامْتِنَاعِ وُجُودِ حَالٍ بِدُونِ مَحَلٍّ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ غَدًا فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَكَلَّمَهُ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا.
(وَ) إنْ تَزَوَّجَ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهَا بِاللَّفْظِ أَوْ الْبِسَاطِ أَوْ عَلَى دُخُولِهَا وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا (تَطْلُقُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ تَصِيرُ طَالِقًا (عَقِبَهُ) أَيْ الْعَقْدِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالدُّخُولِ فِي الثَّالِثَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ (النِّصْفُ) مِنْ صَدَاقِهَا إنْ دَخَلَتْ الثَّالِثَةُ قَبْلَ بِنَائِهِ بِهَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ جَمِيعُ صَدَاقِهَا وَهَذَا فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّفْوِيضِ حَيْثُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْبِنَاءِ، وَكُلَّمَا
إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى الْأَصْوَبِ
وَلَوْ دَخَلَ، فَالْمُسَمَّى فَقَطْ كَوَاطِئٍ بَعْدَ حِنْثِهِ
ــ
[منح الجليل]
يَعْقِدُ عَلَى مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهَا تَطْلُقُ وَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ (إلَّا) عَقْدَهُ عَلَيْهَا (بَعْدَ ثَلَاثٍ) مِنْ الْمَرَّاتِ وَقَبْلَ زَوْجٍ فَلَا تَطْلُقُ وَلَا نِصْفَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَفَسَادِ الْعَقْدِ إجْمَاعًا (عَلَى الْأَصْوَبِ) عِنْدَ التُّونُسِيِّ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ لُزُومُ النِّصْفِ.
" غ " ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ التَّوْضِيحِ فَقَالَ لَوْ أَتَى فِي لَفْظِهِ بِمَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَقَالَ قَبْلَ النِّكَاحِ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُمَا الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ. اهـ. وَاَلَّذِي لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ الْمَوَّازِيَّةِ إذَا عَيَّنَ قَبْلَهُ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ كُلَّمَا تَزَوَّجَ مِنْهَا، أَوْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ كُلَّمَا عَقَدَ النِّكَاحَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ نِكَاحُهُ فِي وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَتَزَوَّجَهَا رَابِعَةً قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا فَلَا يَلْزَمُهُ لَهَا صَدَاقٌ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَفَارَقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا. اهـ.
قَالَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَثْبُتُ مَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الثَّلَاثَ أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا، وَبَعْدَ زَوْجٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ فَلَا يَجِبُ الصَّدَاقُ.
(وَلَوْ دَخَلَ) الزَّوْجُ بِالزَّوْجَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا (فَ) الصَّدَاقُ (الْمُسَمَّى) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ يَلْزَمُهُ (فَقَطْ) وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَمِثْلُ نِصْفِهِ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَالْمُسَمَّى بِالْوَطْءِ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ اسْتَنَدَ لِعَقْدٍ فَلَا يُوجِبُ زَائِدًا عَمَّا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ. ثُمَّ شَبَّهَهَا لِلتَّقَوِّي بِهِ فَقَالَ (كَ) زَوْجٍ (وَاطِئٍ) زَوْجَتَهُ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ (بَعْدَ حِنْثِهِ) فِي تَعْلِيقِهِ بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَ) الْحَالُ
وَلَمْ يَعْلَمْ
ــ
[منح الجليل]
أَنَّهُ (لَمْ يَعْلَمْ) بِالْحِنْثِ قَبْلَ وَطْئِهِ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى فَقَطْ. وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِحِنْثِهِ فِيهَا تَعَدَّدَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ الْحَرَامِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِحِنْثِهِ أَوْ أَكْرَهَهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَانِيَةٌ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنِصْفٌ فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ طَلَاقُهَا، وَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، فَإِنْ بَنَى وَلَمْ يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ صَدَاقٌ وَاحِدٌ لَا صَدَاقٌ وَنِصْفٌ كَمَنْ وَطِئَ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ إنْ مَاتَ إنَّمَا عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَسُمِعَ أَبُو زَيْدٍ كَتَبَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ دَخَلَ بِامْرَأَةٍ حَلَفَ طَلَاقَهَا أَلْبَتَّةَ إنْ تَزَوَّجَهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ حَلَفْت بِطَلَاقِ فُلَانَةَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَقَالَ تَزَوَّجْهَا وَإِثْمُكُمَا فِي رَقَبَتِي، وَزَعَمَ أَنَّ الْمَخْزُومِيَّ مِمَّنْ حَلَفَ عَلَى أُمِّهِ بِمِثْلِ هَذَا.
ابْنُ رُشْدٍ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ دَخَلَا وَمُرَاعَاةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ فِيهِ شُذُوذٌ. أَبُو عُمَرَ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفْتَى ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ نَزَلْت بِالْمَخْزُومِيِّ فَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ، وَقَالَ كَأَنَّ عَامَّةَ مَشَايِخِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ إلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ بَعْضَهَا وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَالِفُهَا أَحْسَنُهَا مَا خَرَّجَ قَاسِمٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا طَلَاقَ إلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ» ، وَرُوِيَ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ» ، وَرُوِيَ «لَا طَلَاقَ فِيمَا لَا تَمْلِكُ» .
قُلْت فِي أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ أَبُو دَاوُد عَنْ مُطَرِّفٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي جَوَازِ نِكَاحِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا لِلْحَالِفِ وَمَنْعِهِ مَعَ مُضِيِّهِ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْبِنَاءِ، رَابِعُهَا يُفْسَخُ أَبَدًا. وَخَامِسُهَا الْوَقْفُ، وَعَزَاهَا لِقَائِلَيْهَا فَانْظُرْ.
كَأَنْ أَبْقَى كَثِيرًا بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا، لَا فِيمَنْ تَحْتَهُ
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ فَقَالَ (كَأَنْ) طَلَّقَ مَنْ يَتَزَوَّجُهُنَّ وَ (أَبْقَى) الْمُطَلِّقُ لِنَفْسِهِ (كَثِيرًا) مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يُطَلِّقْهُنَّ، سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقُهُ بِتَعْلِيقٍ نَحْوُ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، إلَّا مِنْ إقْلِيمِ كَذَا، أَوْ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أَوْ بِدُونِهِ؛ نَحْوُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ إلَّا مِنْ إقْلِيمِ كَذَا، أَوْ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَبْقَاهُ مُسَاوِيًا لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا.
وَبَيْنَ إبْقَاءِ الْكَثِيرِ بِقَوْلِهِ (بِذِكْرِ جِنْسٍ) لُغَوِيٍّ وَإِنْ كَانَ صِنْفًا مَنْطِقِيًّا كَكُلِّ تُرْكِيَّةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (أَوْ) بِذِكْرِ (بَلَدٍ) كَكُلِّ مِصْرِيَّةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقَةٌ (أَوْ) بِذِكْرِ (زَمَانٍ يَبْلُغُهُ) أَيْ يَصِلُ إلَيْهِ (عُمُرُهُ ظَاهِرًا) أَيْ يُشْبِهُ حَيَاتَهُ إلَيْهِ غَالِبًا. وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ عُمُرِ الْحَالِفِ مِنْ شُبُوبِيَّةٍ وَكُهُولَةٍ وَشَيْخُوخَةٍ، كَكُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا فِي هَذَا الْعَامِ طَالِقٌ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ ظَاهِرًا عَنْ نَحْوِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا إلَى تِسْعِينَ سَنَةً طَالِقٌ، فَلَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْيَمِينُ، وَيُشْتَرَطُ فِي اللُّزُومِ أَيْضًا أَنْ يَبْقَى مُدَّةً بَعْدَ مَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ ظَاهِرًا يُنْتَفَعُ بِالزَّوَاجِ فِيهَا عَادَةً وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ عَمَّ النِّسَاءَ دُونَ قَيْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْحَرَجِ. ابْنُ بَشِيرٍ هَذَا نَصُّ الْمَذْهَبِ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ لُزُومَهُ مَعَ رِوَايَةِ عُمُومِ اللُّزُومِ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا حَرَامٌ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُّ بِكْرٍ كَذَلِكَ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْعُمُومَ الْمَقْصُودَ أَشَدُّ مِنْ الْعُمُومِ الَّذِي آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ. قُلْت هَذَا اعْتِرَافٌ بِتَصَوُّرِ الْعُمُومِ فِي صُورَةِ التَّفْصِيلِ وَالْحَقُّ مَنْعُهُ. أَمَّا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَنَاوُلِهِ بَعْضَ الْجِنْسِ وَهُوَ مُتَعَلَّقُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ. وَعِلَّةُ الْإِسْقَاطِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إنَّمَا هِيَ الْمَشَقَّةُ النَّاشِئَةُ عَنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَهِيَ هُنَا عَنْ لَفْظٍ خَاصٍّ فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ بِحَالٍ، وَإِذَا أَبْقَى كَثِيرًا بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ ظَاهِرًا وَكَانَ مُتَزَوِّجًا فَ (لَا) تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ (فِيمَنْ تَحْتَهُ) أَيْ فِي عِصْمَةِ الْحَالِفِ مِنْ الزَّوْجَاتِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ
إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا.
وَلَهُ نِكَاحُهَا
وَنِكَاحُ الْإِمَاءِ فِي كُلِّ حُرَّةٍ، وَلَزِمَ فِي الْمِصْرِيَّةِ
ــ
[منح الجليل]
حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَلْبَسُ وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ لَابِسٌ وَدَامَ رَاكِبًا أَوْ لَابِسًا فَحَنِثَ بِهِ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّزَوُّجِ إنْشَاءُ عَقْدٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا فِيمَنْ تَحْتَهُ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ قَاصِرَةً عَلَى إنْشَائِهِمَا، فَإِنْ كَانَ نَوَى إنْشَاءَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ بِدَوَامِهِمَا، وَفَرَّقَ تت بِضَعْفِ الِالْتِزَامِ فِي النِّكَاحِ بِقَوْلِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَا يَلْزَمُهُ فَلَا تَلْزَمُهُ فِيمَنْ تَحْتَهُ فِي كُلِّ حَالٍ.
(إلَّا إذَا) أَبَانَهَا بَعْدَ يَمِينِهِ ثُمَّ (تَزَوَّجَهَا) فَتَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ إنْ شَمَلَهَا لَفْظُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِمَا يَبْقَى كَثِيرًا لَزِمَ، وَلَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ إلَّا إذَا بَانَتْ وَشَمَلَهَا لَفْظُهُ
(وَلَهُ) أَيْ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ عَلَى تَزَوُّجِهَا (نِكَاحُهَا) أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَطْلُقُ عَقِبَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَائِدَتُهُ حَلُّ يَمِينِهِ فَيَتَزَوَّجَهَا عَقِبَ طَلَاقِهَا وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَإِلَّا فَلَا يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ " غ " أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ زَوَاجُهَا وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ عَقِبَهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ زَوَاجُهَا لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ، وَالْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، قَالَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ عَقِبَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ صَدَاقًا إنْ تَزَوَّجَتْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ، قُلْنَا لَهُ هُنَا فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا عَقِبَ طَلَاقِهِ إنْ شَاءَ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ مِثْلُ كُلَّمَا فَلَا يُبَاحُ لَهُ زَوَاجُهَا. اهـ. وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(وَ) لَهُ أَيْ الْحُرِّ الَّذِي يُولَدُ لَهُ وَهُوَ وَاجِدٌ لِطَوْلِ الْحُرَّةِ (نِكَاحُ) أَيْ تَزَوُّجُ النِّسَاءَ (الْإِمَاءِ) الْمَمْلُوكَاتِ لِمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ (فِي) أَيْ بِسَبَبِ قَوْلِهِ (كُلُّ حُرَّةٍ) أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إذْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ تَنْزِيلًا لِيَمِينِهِ مَنْزِلَةَ عَدَمِ الطَّوْلِ لِلْحُرَّةِ لِلُزُومِ يَمِينِهِ فِي الْحَرَائِرِ بِإِبْقَائِهِ الْإِمَاءَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ (وَلَزِمَ) التَّعْلِيقُ (فِي) الْمَرْأَةِ (الْمِصْرِيَّةِ) مَثَلًا " غ " لَيْسَ صُورَتُهَا " كُلُّ مِصْرِيَّةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ". اهـ. أَيْ لَا تُقْصَرُ
فِيمَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ، وَالطَّارِئَةُ إنْ تَخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ
وَفِي مِصْرَ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا، إنْ نَوَى، وَإِلَّا فَلِمَحَلِّ لُزُومِ الْجُمُعَةِ، وَلَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا،
ــ
[منح الجليل]
صُورَتُهَا عَلَى ذَلِكَ فَتُصَوَّرُ بِذَلِكَ وَبِمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِصْرِيَّةً أَوْ مِنْ مِصْرَ مَثَلًا لِاسْتِفَادَةِ التَّكْرَارِ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَدَاةِ تَكْرَارٍ، وَصِلَةُ لَزِمَ (فِيمَنْ) أَيْ مَرْأَةٍ (أَبُوهَا كَذَلِكَ) أَيْ مِصْرِيٌّ وَلَوْ كَانَتْ أُمُّهَا غَيْرَ مِصْرِيَّةٍ وَوُلِدَتْ فِي غَيْرِ مِصْرَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ لِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْأُولَى سَبَبِيَّةٌ.
(وَ) لَزِمَ فِي الْمَرْأَةِ (الطَّارِئَةِ) عَلَى مِصْرَ (إنْ تَخَلَّقَتْ) أَيْ اتَّصَفَتْ غَيْرُ الْمِصْرِيَّةِ الطَّارِئَةِ عَلَى مِصْرَ (بِخُلُقِهِنَّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ بِصِفَاتِ الْمِصْرِيَّاتِ إذْ لَا دَخْلَ لِمِصْرِ فِي الذَّاتِ، وَإِنَّمَا دَخْلُهَا فِي الصِّفَاتِ، فَمَنْ تَخَلَّقَ بِخُلُقِ أَهْلِهَا كَمَنْ وُلِدَ بِهَا، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَتَخَلَّقْ بِخُلُقِهِنَّ لَا تَدْخُلُ فِي الْمِصْرِيَّاتِ، وَإِنْ طَالَتْ إقَامَتُهَا بِهَا، وَاَلَّذِي فِي نَصِّ سَحْنُونٍ انْقَطَعَتْ عَنْ الْبَادِيَةِ بَدَلَ تَخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ، فَإِنْ فُسِّرَ الِانْقِطَاعُ عَنْ الْبَادِيَةِ بِتَخَلُّقِهَا بِأَخْلَاقِ الْمُنْقَطِعَةِ إلَيْهِمْ سَاوَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَا. وَهَلْ الْمُرَادُ الْأَخْلَاقُ الَّتِي تُمِيلُ الْمِصْرِيَّةُ بِهَا قُلُوبَ الرِّجَالِ، أَوْ الْأَخْلَاقُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَى الِاجْتِنَابِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يَبْعُدُ إرَادَتُهُمَا مَعًا.
(وَ) إنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ (فِي) نَحْوِ (مِصْرَ يَلْزَمُ) التَّعْلِيقُ (فِيمَنْ) يَتَزَوَّجُهَا فِي (عَمَلِهَا) أَيْ الْبِلَادِ الدَّاخِلَةِ فِي حُكْمِهَا (إنْ نَوَى) بِمِصْرَ مَا يَعُمُّ عَمَلَهَا أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ بِسَاطٌ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ فِيهَا بِمِصْرِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَا يَعُمُّ عَمَلَهَا وَلَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ بِسَاطٌ بِأَنْ نَوَى خُصُوصَهَا أَوْ لِآنِيَةٍ لَهُ (فَلِمَحَلِّ لُزُومِ) السَّعْيِ إلَى (الْجُمُعَةِ) ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَرُبُعُ مِيلٍ فِي الصُّورَتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ كِنَانَةَ يَلْزَمُهُ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ لِحَدِّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. أَصْبَغُ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْحَالِفِ لَا يَتَزَوَّجُ فِي مِصْرَ (الْمُوَاعَدَةُ بِهَا) عَلَى الزَّوَاجِ فِي غَيْرِهَا لِمِصْرِيَّةٍ
إلَّا إنْ عَمَّ النِّسَاءَ
أَوْ أَبْقَى قَلِيلًا: كَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، إلَّا تَفْوِيضًا أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ
أَوْ الْأَبْكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُرَاعَى عَقْدُ النِّكَاحِ وَالْمُوَاعَدَةُ لَيْسَتْ عَقْدًا (لَا) يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (إنْ عَمَّ النِّسَاءَ) الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ وَالثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارَ الْحَضَرِيَّاتِ وَالْبَدْوِيَّاتِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَإِنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلَمْ يَعْتَبِرُوا إمْكَانَ التَّسَرِّي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ فِي التَّحْصِينِ وَالضَّبْطِ، وَلِأَنَفَةِ بَعْضِ النُّفُوسِ مِنْهَا. فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك طَالِقٌ يَلْزَمُهُ مَعَ أَنَّهُ عَمَّ النِّسَاءَ. قُلْت لَزِمَهُ وَإِنْ عَمَّ النِّسَاءَ لِأَنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً بِطَلَاقِ الْمَحْلُوفِ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا.
(أَوْ أَبْقَى) الْحَالِفُ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا عَدَدًا (قَلِيلًا) فِي نَفْسِهِ كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا فُلَانَةَ أَوْ بَنَاتِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ جِدًّا، وَمَثَّلَ لِإِبْقَاءِ الْقَلِيلِ فَقَالَ (كَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا تَفْوِيضًا) طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ تَيَسَّرَ لَهُ التَّفْوِيضُ وَلَوْ عِنْدَ مُعْتَادٍ بِهِ لِقِلَّتِهِ. وَأَمَّا إنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا تَفْوِيضًا طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ لِإِبْقَائِهِ كَثِيرًا وَهِيَ التَّسْمِيَةُ (أَوْ) كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ إلَّا (مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) دُونَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَاكِنِهَا عليه السلام بِحَيْثُ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ تَلِيقُ بِهِ (أَوْ) قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (حَتَّى أَنْظُرَهَا) أَيْ إلَّا أَنْ أَنْظُرَهَا (فَعَمِيَ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ لِأَنَّهُ كَمَنْ عَمَّ النِّسَاءَ.
(أَوْ) انْقَلَبَتْ يَمِينُهُ مِنْ الْخُصُوصِ لِلْعُمُومِ وَكَمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ (الْأَبْكَارِ) عَلَى تَزَوُّجِهِنَّ بِأَنْ قَالَ كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ (بَعْدَ) تَعْلِيقِ طَلَاقِ (كُلِّ ثَيِّبٍ) عَلَى تَزَوُّجِهِنَّ بِأَنْ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ قَالَ كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَكُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْحَرَجُ وَيَلْزَمُهُ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ
أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ، وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي
أَوْ آخِرُ امْرَأَةٍ، وَصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَنْ
ــ
[منح الجليل]
فِيهِمَا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِمَا حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لِدَوَرَانِ الْحَرَجِ مَعَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَوْ حَرَّمَ الثَّيِّبَاتِ وَأَبْقَى الْأَبْكَارَ فَعَجَزَ عَنْهُنَّ لِعُلُوِّ سِنِّهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّسَرِّي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ ثَيِّبٍ.
(أَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَ كُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا فِي أَجَلٍ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ ظَاهِرٌ أَوْ (خَشِيَ) الْحَالِفُ عَلَى نَفْسِهِ فِي (الْمُؤَجَّلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدَةً بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فِي هَذَا الْعَامِ طَالِقٌ، وَمَفْعُولُ خَشِيَ قَوْلُهُ (الْعَنَتَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَيْ الزِّنَا فِي الْعَامِّ (وَتَعَذَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ (التَّسَرِّي) فَلَهُ تَزَوُّجُ حُرَّةٍ لِشِدَّةِ خَطَرِ الزِّنَا وَخِفَّةِ أَمْرِ التَّعْلِيقِ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ قَالَ، كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَهِيَ طَالِقٌ لَزِمَهُ إنْ أَمْكَنَتْ حَيَاتُهُ لِمَا ذَكَرَ، فَإِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَتَسَرَّى بِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ أَوْ قَالَ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ.
الْبَاجِيَّ التَّعْمِيرُ فِي ذَلِكَ تِسْعُونَ عَامًا. وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعِشْرُونَ عَامًا كَثِيرٌ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَصْبَغُ بَعْدَ تَصَبُّرٍ وَتَعَفُّفٍ. ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ لَا يَتَزَوَّجُ فِي ثَلَاثِينَ وَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَتَزَوَّجُ فِيهَا إنْ خَافَ الْعَنَتَ. أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَدَرَ فِيهَا عَلَى التَّسَرِّي فَلَا يَتَزَوَّجُ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ اُنْظُرْ تَمَامَهُ.
(أَوْ) قَالَ (آخِرُ امْرَأَةٍ) أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ كَمَنْ عَمَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً اُحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ آخِرًا، فَلَوْ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَى امْرَأَةٍ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَصُوِّبَ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً (وُقُوفُهُ) أَيْ مَنْعُ الْحَالِفِ (عَنْ) وَطْءِ الزَّوْجَةِ
الْأُولَى حَتَّى يَنْكِحَ ثَانِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي وَاخْتَارَهُ إلَّا الْأُولَى
ــ
[منح الجليل]
(الْأُولَى) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا (حَتَّى يَنْكِحَ) أَيْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةً (ثَانِيَةً) فَيَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى (ثُمَّ) يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ الثَّانِيَةِ (كَذَلِكَ) أَيْ مَنْعِهِ مِنْ وَطْءِ الْأُولَى حَتَّى يَنْكِحَ ثَالِثَةً فَيَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا أَبَدًا، وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَظَاهِرُهُ إيقَافُهُ. وَلَوْ قَالَ أَنَا لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَمِلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا.
(وَ) إنْ تَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ الْمَوْقُوفُ عَنْهَا مِنْ تَرْكِ وَطْئِهَا وَرِفْعَتِهِ فَ (هُوَ) أَيْ الْقَائِلُ آخَرُ امْرَأَةٍ إلَخْ (فِي) الْمَرْأَةِ (الْمَوْقُوفَةِ) عَنْ الْقَائِلِ صِلَةُ كَافِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ (كَالْمُوَلِّي) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْحَالِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَهُوَ عَبْدٌ فِي ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، فَإِذَا انْقَضَى وَلَمْ تَرْضَ بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ بِدُونِ وَطْءٍ طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ هَذَا عَنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْآتِي لِيُفِيدَ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَيْضًا. وَإِذْ مَاتَ زَمَنَ الْإِيقَافِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا تَرِثُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ مَاتَ زَوْجٌ عَنْ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى وَأَخَذَتْ نِصْفَهُ وَلَا تَرِثُهُ وَلَا تَعْتَدُّ مِنْهُ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَتْ وَقَفَ إرْثُهُ مِنْهَا فَإِنْ تَزَوَّجَ أَخَذَهُ وَتُكَمِّلُ صَدَاقَهَا وَإِلَّا فَلَا وَيُلْغَزُ بِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
(وَاخْتَارَهُ) أَيْ اللَّخْمِيُّ الْإِيقَافَ عَنْ السَّابِقَةِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا فِي كُلِّ سَابِقَةٍ (إلَّا فِي) الزَّوْجَةِ (الْأُولَى) بِضَمِّ الْهَمْزِ فَلَا يُوقَفُ عَنْهَا لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ آخَرُ امْرَأَةٍ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ طَلَاقَ الْأُولَى. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ قَالَ آخَرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَفِي لَغْوِهِ وَلُزُومِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ مَعَ سَحْنُونٍ، وَعَلَيْهِ يُوقَفُ عَنْ الْأُولَى حَتَّى يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا فَتَحِلَّ لَهُ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ. زَادَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَلِمَ وَقَفَ عَنْهَا رَفْعَهُ لِعَدَمِ وَطْئِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِتَزَوُّجِ ثَانِيَةٍ وَلَهَا بِثَالِثَةٍ وَلَهَا رَابِعَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ وَإِنْ مَاتَتْ مَنْ وَقَفَ عَنْهَا وَقَفَ مِيرَاثُهُ مِنْهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَ ثَانِيَةً أَخَذَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رُدَّ لِوَرَثَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ بِنَائِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الشَّيْخُ إنْ مَاتَ فِي الْوَقْفِ قَبْلَ بِنَائِهِ فَلَا تَرِثُهُ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ وَلَا عِدَّةَ لِوَفَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ وَاعْتَرَضَ ابْنُ دَحُونٍ قَوْل سَحْنُونٍ بِأَنْ قَالَ إذَا وَقَفَ عَنْ وَطْءِ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَ لَمْ يُبَحْ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى حَتَّى يَطَأَ الثَّانِيَةَ، كَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَيُمْنَعُ مِنْهَا حَنَى يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَيَطَأَ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا آخِرُ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ الثَّانِيَةِ حَنَى يَتَزَوَّجَ ثَالِثَةً، وَكَذَا يَلْزَمُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَلَا يَتِمُّ لَهُ وَطْءٌ أَلْبَتَّةَ.
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا اعْتِرَاضٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهَلْ فِيهِ الشَّيْخُ عَلَى رُسُوخِ عِلْمِهِ وَثَاقِبِ ذِهْنِهِ، وَلَا مَعْصُومَ مِنْ الْخَطَإِ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا الثَّانِيَةَ لَا الْأُولَى فَوَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَى اسْمِ زَوَاجٍ وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْحِنْثُ يَدْخُلُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ، وَالْبِرُّ إنَّمَا يَكْمُلُ بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ. قُلْت الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ دَحُونٍ وَبَيَانُهُ إنْ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ، أَمَّا أَنْ يُوجِبَ طَلَاقًا أَوْ عَدَمَ وُقُوعِهِ بِيَمِينٍ بِهِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَكُلُّ تَزْوِيجٍ يُوجِبُ عَدَمَ وُقُوعِ طَلَاقٍ بِيَمِينٍ بِهِ مَشْرُوطٌ بِالْبِنَاءِ فِيهِ أَصْلُهُ الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ لَيَتَزَوَّجَنَّ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَوَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ زَوَاجٍ وَهْمٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ التَّزَوُّجَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يُوجِبُ طَلَاقًا مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ كَوْنُهُ آخِرًا، وَالْفَرْضُ عَدَمُ تَيَقُّنِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ فِي حُكْمِ الْإِيلَاءِ اهـ.
الْبُنَانِيُّ وَقَدْ يُجَابُ بَحْثُ ابْنِ دَحُونٍ بِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي مَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِعَدَمِ الطَّلَاقِ فِي الْأُولَى كَمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك إلَخْ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ يَمِينٌ مَقْصُودٌ بِهَا إغَاظَةُ الْمُخَاطَبَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَبَيُّنُ أَنَّ الزَّوْجَةَ السَّابِقَةَ لَيْسَتْ آخِرَ امْرَأَةٍ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى أُخْرَى بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْوَطْءِ، وَلَيْسَ فِيهَا يَمِينٌ حَتَّى يُقَالَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ قَالَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ
وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا: نُجِّزَ طَلَاقَهَا، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا،
ــ
[منح الجليل]
وَآخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَزِمَهُ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ لَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُكَلَّفُ (إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ) امْرَأَةً (مِنْ) نِسَاءِ (الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَاكِنِهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَثَلًا (فَهِيَ) أَيْ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِهَا (طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ) الْحَالِفُ (مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ الْمَدِينَةِ (نُجِّزَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلًا أَيْ حَصَلَ (طَلَاقُهَا) بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَزَوُّجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ فِي قُوَّةِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ طَالِقٌ، هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَوَاهِرِ.
(وَتُؤُوِّلَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً، أَيْ حُمِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (إنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ) فِيمَنْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهَا (إذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ الْمَدِينَةِ (قَبْلَ) تَزَوُّجِهِ مِنْ (هَا) أَيْ الْمَدِينَةِ. عج هَذَا مَدْلُولُ لَفْظِهِ لِتَعْلِيقِهِ طَلَاقَ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى عَدَمِ تَزَوُّجِهِ مِنْهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَطْلُقُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ. " ق " بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ فِي قُوَّةِ إنْ تَزَوَّجْت مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ قَبْلَهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَطْلُقُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ فَهِيَ حَمْلِيَّةٌ وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَنَّ وَالتَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِهَا. اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ لَا يَحْنَثُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْ غَيْرِ
وَاعْتُبِرَ فِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ حَالَ النُّفُوذِ
ــ
[منح الجليل]
الْفُسْطَاطِ، وَتَوَقَّفَ عَنْهَا كَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ قَصْدَ الْحَالِفِ بِمِثْلِ هَذَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ الْفُسْطَاطِ طَالِقٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ أَحْسِبُ لِمُحَمَّدٍ مِثْلَ مَا فِيهَا.
ابْنُ بَشِيرٍ هُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ فَيَكُونُ مُسْتَثْنِيًا، أَوْ بِالْأَكْثَرِ فَيَكُونُ مُولِيًا. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى مِنْ غَيْرِهَا أَوْ تَعْلِيقٌ مُحَقَّقٌ يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ حَمْلِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي شَرْطِيَّةٌ، وَتَقْرِيرُهُمَا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ لَفْظِ اللَّخْمِيِّ وَاضِحٌ وَقَوْلُ " ز " عَنْ " ق " بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٍ، بَلْ التَّأْوِيلَانِ مَعًا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا حَمْلِيَّةٌ، أَيْ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ طَالِقٌ، ثُمَّ هَلْ مُطْلَقًا وَهُوَ فَهْمُ ابْنِ رَاشِدٍ، أَوْ قَبْلَ التَّزَوُّجِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ فَهْمُ اللَّخْمِيِّ، تَأْوِيلَانِ وَإِنَّمَا الْمَبْنِيُّ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِسَحْنُونٍ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيمَا يَتَزَوَّجُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ مِنْهَا، بَلْ يُوقَفُ عَنْهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَ مِنْ الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ مَا فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ رَاشِدٍ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ. " غ " وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَفْهَمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُ مُحْرِزٍ وَمَا عَوَّلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا عَلَى كَلَامِهِمَا وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ الثَّانِي.
(وَاعْتُبِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (فِي وِلَايَتِهِ) أَيْ اسْتِيلَاءِ الزَّوْجِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحَلِّ وَهِيَ الْعِصْمَةُ وَنَائِبُ فَاعِلِ اُعْتُبِرَ (حَالُ النُّفُوذِ) أَيْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ الَّذِي عَلَّقَهُ الزَّوْجُ تَبَعًا لِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا حَالُ التَّعْلِيقِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ، فَيَشْمَلُ قَوْلُهُ الْآتِي وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدًا لِثَلَاثٍ إلَخْ، فَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ حَالَ التَّعْلِيقِ لَصِبًا أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالُ النُّفُوذِ، فَإِنْ عَلَّقَ الصَّبِيُّ أَوْ مُكْرَهٌ أَوْ مَجْنُونٌ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ زَالَ الْإِكْرَاهُ أَوْ أَفَاقَ وَحَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَفِيهَا وَالنَّوَادِرِ مَنْ قَالَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ لَأَفْعَلُ كَذَا، وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ زَوْجَةٌ وَلَا رَقِيقٌ وَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى تَزَوَّجَ أَوْ مَلَكَهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينٍ عَلَيْهِ حَالَ النُّطْقِ بِهَا، فَلَا تَلْزَمُهُ فِيمَا تَجَدَّدَ لَهُ بَعْدَهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ رَقِيقٍ قَبْلَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ.
فَلَوْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا: لَمْ يَلْزَمْ
وَلَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ: حَنِثَ، إنْ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ:
ــ
[منح الجليل]
فَلَوْ فَعَلَتْ) الزَّوْجَةُ الْمَحْلُوفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا عَلَى أَنْ لَا تَفْعَلَ كَذَا الشَّيْءَ (الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا) وَلَوْ وَاحِدَةً بِخُلْعٍ أَوْ رَجْعِيَّةً انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (لَمْ يَلْزَمْ) الزَّوْجَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى عِصْمَتِهَا حَالَ النُّفُوذِ، فَالْمَحَلُّ مَعْدُومٌ وَكَذَا إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَفَعَلَهُ حَالَ بَيْنُونَتِهَا فَالْأَوْلَى فَلَوْ فُعِلَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيَأْتِيَنَّهُ أَوْ لَيَقْضِيَنَّهُ وَقْتَ كَذَا وَطَلَّقَهَا طَلَاقَ الْخُلْعِ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ مِنْ مَجِيءِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُعْدِمٌ أَوْ قَصَدَ عَدَمَ الذَّهَابِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ الثَّلَاثِ، وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ بِرُبُعِ دِينَارٍ بِرِضًا وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَتَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ أَوْ طَلْقَةٌ إنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ لَهُ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا بِعَدَمِ مَجِيئِهِ أَوْ قَضَائِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُكْرَهُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
(وَلَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى فِعْلِهَا أَوْ فِعْلِهِ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِزَمَنٍ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِخُلْعٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ (نَكَحَهَا) أَيْ تَزَوَّجَهَا رَاضِيَةً بِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدٍ (فَفَعَلَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقَ طَلَاقُهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فَعَلَتْهُ حَالَ بَيْنُونَتِهَا أَمْ لَا (حَنِثَ) الزَّوْجُ فِي تَعْلِيقِهِ (إنْ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ) بَيَانٌ لِشَيْءٍ الْآتِي (الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ) أَيْ طَلْقَتَانِ أَوْ طَلْقَةٌ لِعَوْدِهَا مُعَلِّقًا طَلَاقَهَا إلَى تَمَامِ عِصْمَتِهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الثَّانِي لَا يَهْدِمُ عِصْمَةَ الْأَوَّلِ.
فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَا بَيْنَهَا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ إلَيْهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ طَلَاقُهَا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ انْقَضَى وَأَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْحِلَالِ يَمِينِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَلَوْ لَمْ يُبِنْهَا وَلَوْ أَتَى بِأَدَاةِ تَكْرَارٍ كَكُلَّمَا فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ اخْتَصَّتْ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى الْمُعَلَّقِ فِيهَا. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى، فَكُلَّمَا تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ عَقِبَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ مِنْ عِصْمَةٍ مَمْلُوكَةٍ حَالَ التَّعْلِيقِ فَاخْتَصَّ بِهَا، وَفِي الثَّانِي عَلَّقَهُ عَلَى عِصْمَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ فَعَمَّ سَائِرَ الْعِصَمِ.
كَالظِّهَارِ، لَا مَحْلُوفٍ لِمَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي اعْتِبَارِ حَالِ النُّفُوذِ فِي مِلْكِ الْعِصْمَةِ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَاخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِالْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا فَقَالَ (كَالظِّهَارِ) فَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَفَعَلَ حَالَ بَيْنُونَتِهَا فَلَا يَلْزَمُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهَا فَفَعَلَ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَخْرَجَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى فَقَالَ (لَا) تَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِالْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَةٍ (مَحْلُوفٍ لَهَا) عَلَى عَدَمِ التَّزَوُّجِ أَوْ التَّسَرِّي عَلَيْهَا بِطَلَاقِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا أَوْ عِتْقِ الَّتِي يَتَسَرَّاهَا عَلَيْهَا (فَ) يَلْزَمُهُ التَّعْلِيقُ (فِيهَا) أَيْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا (وَغَيْرِهَا) مِنْ الْعِصَمِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَإِنْ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ لَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ فَتَطْلُقُ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا وَتَعْتِقُ الَّتِي يَتَسَرَّاهَا عَلَيْهَا وَهَكَذَا أَبَدًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ اخْتِصَاصُهُ بِالْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا فِي الْمَحْلُوفِ لَهَا.
وَأَمَّا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا فَلَا يَخْتَصُّ التَّعْلِيقَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا بِالْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا فَيَعُمَّهَا وَغَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ عَزَّةُ وَزَيْنَبُ وَقَالَ إنْ وَطِئْت عَزَّةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ، فَزَيْنَبُ مَحْلُوفٌ بِطَلَاقِهَا، وَعَزَّةُ مَحْلُوفٌ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا، فَيَلْزَمُهُ التَّعْلِيقُ فِيهَا. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ مَا دَامَتْ زَيْنَبُ فِي الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي عَزَّةَ الْإِيلَاءُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا الطَّلَاقُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَقَالَ كَمَحْلُوفٍ لَهَا لَا عَلَيْهَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ فِيهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَقُّ مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ. وَحَاصِلُ مَا لَهُمْ هُنَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا اتَّفَقُوا عَلَى تَعَلُّقِ الْيَمِينِ فِيهَا بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْمَحْلُوفَ بِطَلَاقِهَا اتَّفَقُوا عَلَى اخْتِصَاصِ الْيَمِينِ فِيهَا بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الْمَحْلُوفُ لَهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ فَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْهَا أَنَّهَا كَالْمَحْلُوفِ بِهَا فِي الِاخْتِصَاصِ بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا لَا فِي الْمَحْلُوفِ لَهَا. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ مَا فِي الْإِيلَاءِ مِنْهَا حَيْثُ فَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ زَيْنَبَ وَعَزَّةَ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ بِهَا فَخَصَّهَا بِالْعِصْمَةِ الْأُولَى، وَبَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَجَعَلَ حُكْمَهَا مُسْتَمِرًّا فِي الْعِصْمَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا.
قَالَ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ سَبَقَهُ إلَيْهِ عِيَاضٌ فَذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ وَصَحَّحَ مَا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُخَالِفًا لِابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِمَا كَانَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْهَا. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَضْعِيفُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رِوَايَةَ مَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِظَاهِرِ مَا فِي الْإِيلَاءِ مِنْهَا نَقَلَهُ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْفَاسِيِّينَ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ مُخَالِفٌ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ لَزِمَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا يَزُولُ بِالْمِلْكِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَيَزُولُ بِالْمِلْكِ، وَهَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ. وَنَصُّهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْإِيلَاءِ قُصَارَاهُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَازِمٌ. وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي عَقَدَ فِيهِ الْيَمِينَ إمَّا بِالظِّهَارِ أَوْ بِالطَّلَاقِ، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا مَتَى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا مُجَرَّدًا، أَوْ بِشَرْطٍ وَقَدْ وَقَعَ الشَّرْطُ، أَوْ يَكُونَ إيلَاءً فَيَلْزَمَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ.
ابْنُ عَرَفَةَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ فَرْقِ بَعْضِ الْفَاسِيِّينَ وَأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ طَلَاقَ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا تَنْحَلُّ عَنْهُ الْيَمِينُ بِخُرُوجِ زَوْجَتِهِ عَنْ عِصْمَتِهِ بِالثَّلَاثِ، وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْيَمِينِ فِي الدَّاخِلَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ خِلَافًا لَقَالَ وَمِثْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَذْكَرُ النَّاسِ لِمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ طفي فَظَهَرَ لَك أَنْ لَا تَخَافِيَ فِي كَلَامِهَا وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِيلَاءِ مُبَايِنَةٌ لِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الصَّوَابُ.
وَلَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: طَلُقَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَهَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؟ تَأْوِيلَانِ، وَفِي مَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا،
ــ
[منح الجليل]
وَلَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهَا بِطَلَاقِ كُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا طَلَاقًا بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ أَوْ رَجْعِيًّا انْقَضَتْ عِدَّتُهُ (ثُمَّ تَزَوَّجَ) أَجْنَبِيَّةً (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةَ الْمَحْلُوفَ لَهَا أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا بِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ (طَلُقَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ) الَّتِي تَزَوَّجَهَا حَالَ بَيْنُونَةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا (وَلَا حُجَّةَ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ مُعْتَبَرَةً فِي دَعْوَاهُ (أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ) الْأَجْنَبِيَّةَ (عَلَيْهَا) أَيْ الْمَحْلُوفِ لَهَا، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِهَا قَالَ فِيهَا لَا أَنْوِيهِ، وَبَالَغَ عَلَى طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَعَدَمُ قَبُولِ حُجَّتِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَقَالَ إنْ لَمْ يَدَّعِ نِيَّةً.
بَلْ (وَإِنْ ادَّعَى) الزَّوْجُ (نِيَّةً لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً (وَهَلْ) عَدَمُ قَبُولِ نِيَّتِهِ (لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا) وَنِيَّتُهَا أَنْ لَا يَجْمَعَ مَعَهَا غَيْرَهَا، وَظَاهِرُ هَذَا التَّأْوِيلِ سَوَاءٌ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ أَوْ تَطَوَّعَ لَهَا بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لَهَا. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ (أَوْ) حَمْلُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِكَوْنِهِ (قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) وَأَسَرَّتْهُ وَلَوْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا لَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؟ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ، وَالثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ.
فَإِنْ قِيلَ النِّيَّةُ هُنَا مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَيَنْبَغِي قَبُولُهَا مَعَ الْبَيِّنَةِ. فَجَوَابُهُ أَنَّهَا وَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ لُغَةً فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لَهُ عُرْفًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ أَمَتَهُ وَنَوَى بِقَدَمِهِ.
(وَ) لَزِمَهُ (فِي) قَوْلِهِ كُلُّ زَوْجَةٍ يَتَزَوَّجُهَا (مَا عَاشَتْ) فُلَانَةُ طَالِقٌ التَّعْلِيقُ (مُدَّةَ حَيَاتِهَا) أَيْ الْمَحْلُوفَةِ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَقْتَ الْحَلِفِ أَمْ لَا. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ حَيَاتُهَا لِأَنَّهُ ضِيقٌ عَلَيْهِ وَحَرَجٌ، وَنَحْوُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا، وَزَادَ مَا لَمْ يَخْشَ
إلَّا لِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ
وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلَاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ وَدَخَلَتْ: لَزِمَتْ وَاثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ
وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ: لَمْ يَنْفُذْ
ــ
[منح الجليل]
الْعَنَتَ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ، وَيَلْزَمُهُ فِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِنِيَّةِ) الْحَالِفِ بِمَا عَاشَتْ مُدَّةَ (كَوْنِهَا) أَيْ الْمَحْلُوفِ لَهَا (تَحْتَهُ) أَيْ زَوْجَةِ الْحَالِفِ، فَإِنْ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَ وَقَالَ نَوَيْت مَا دَامَتْ زَوْجَةً لِي قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ لِمُوَافَقَةِ نِيَّتِهِ الْعُرْفَ.
(وَلَوْ عَلَّقَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (عَبْدٌ) الطَّلَاقَ (الثَّلَاثَ) لِزَوْجَتِهِ (عَلَى الدُّخُولِ) لِدَارٍ مَثَلًا مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا (فَعَتَقَ) الْعَبْدُ أَيْ صَارَ حُرًّا بَعْدَ التَّعْلِيقِ (وَدُخِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الدَّارُ بَعْدَ عِتْقِهِ (لَزِمَتْ) الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ الْعَبْدَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ النُّفُوذِ، فَإِنْ دُخِلَتْ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ. ابْنُ عَاشِرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ النُّفُوذِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ فِرَاقٌ، أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ حَالَ النُّفُوذِ وَاعْتُبِرَ حَالَ التَّعْلِيقِ اثْنَتَانِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَيْضًا. نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَاثْنَتَيْنِ إلَخْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَيْسَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ النُّفُوذِ اهـ
(وَ) لَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ (اثْنَتَيْنِ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ عَتَقَ فَفَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَ (بَقِيَتْ) لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ النُّفُوذِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ وَقْتُ التَّعْلِيقِ لَمْ تَبْقَ لَهُ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ عَلَّقَ وَاحِدَةً فَعَتَقَ فَفَعَلَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ بَقِيَتْ لَهُ اثْنَتَانِ. وَشَبَّهَ فِي بَقَاءِ وَاحِدَةٍ فَقَالَ (كَمَا لَوْ طَلَّقَ) الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً (وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ) فَتَبْقَى لَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ نِصْفَ طَلَاقِهِ فَصَارَ كَحُرٍّ طَلَّقَ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةٍ.
(وَلَوْ عَلَّقَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حُرٌّ مُسْلِمٌ (طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَصِلَةُ عَلَّقَ (عَلَى مَوْتِهِ) أَيْ الْأَبِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا وَمَاتَ أَبُوهُ (لَمْ
وَلَفْظُهُ طَلَّقْت، وَأَنَا طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ، لَا مُنْطَلِقَةٌ. وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ،
ــ
[منح الجليل]
يَنْفُذْ) الطَّلَاقُ الَّذِي عَلَّقَهُ عَلَى مَوْتِهِ لِمِلْكِهِ زَوْجَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِ أَبِيهِ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجِدُ الطَّلَاقُ مَحَلًّا يَقَعُ فِيهِ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ النُّفُوذِ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ الثَّلَاثَ فَلَهُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ زَوْجٍ إنْ عَتَقَتْ.
(وَلَفْظُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شُرُوطِهِ الصَّرِيحُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ وَجَرَى الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَهُوَ (طَلَّقْت) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (وَأَنَا طَالِقٌ) مِنْك (أَوْ أَنْتِ) طَالِقٌ مِنِّي (أَوْ) أَنْتِ (مُطَلَّقَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ (أَوْ الطَّلَاقُ لِي) صِلَةٌ (لَازِمٌ) وَعَطَفَ عَلَى طَلَّقْت بِلَا لِلْإِخْرَاجِ مِنْ لَفْظِهِ فَقَالَ (لَا) مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي حَلِّهَا وَهُوَ (مُنْطَلِقَةٌ) وَمَطْلُوقَةٌ وَمُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَهُوَ مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ وَكِنَايَتُهُ: ظَاهِرٌ، وَهُوَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِهَا، وَخَفِيَّةٌ وَهُوَ مَا تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ عَلَيْهَا، وَفِي كَوْنِ الصَّرِيحِ لَفْظَ طَالِقٍ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ فَقَطْ أَوْ مَعَ خَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَشَبَهِهِمَا. نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْقَاضِي وَابْنِ الْقَصَّارِ.
زَادَ الْبَاجِيَّ عَنْهُ السَّرَاحَ وَالْفِرَاقَ وَالْحَرَامَ قَائِلًا بَعْضُهَا أَبْيَنُ مِنْ بَعْضٍ، وَخَرَّجَهُمَا عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ لُغَةً الْخَالِصَ، وَاعْتِبَارُ كَوْنِهِ لُغَةً الْبَيْنَ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ تِسْعَةَ أَلْفَاظٍ، فَزَادَ عَلَى مَا سَمَّيْنَاهُ بَتَّةً وَبَتْلَةً وَبَائِنًا وَإِلَيْهَا أَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَزَادَ ابْنُ الْقَصَّارِ خَمْسَةً فِي غَيْرِ الْحُكْمِ. ابْنُ هَارُونَ يُرِيدُ فِي الْفَتْوَى فَالْحُكْمُ أَحْرَى، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَخَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ الظَّاهِرَةَ بِمَا لَا يَنْصَرِفُ وَجَعَلَ مَا يَنْصَرِفُ كِنَايَةً مُحْتَمَلَةً.
(وَتَلْزَمُ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) بِكُلِّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبِحَلِفِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ مَا نَوَى، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ وَاحِدَةٌ وَفِي حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى يَمِينِ التُّهْمَةِ اهـ،
إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ: كَاعْتَدِّي
وَصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ، إنْ دَلَّ الْبِسَاطُ عَلَى الْعَدِّ، أَوْ كَانَتْ مُوثَقَةً فَقَالَتْ: أَطْلِقْنِي وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْهُ: فَتَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ. وَأَمَّا الْفَتْوَى فَلَا يَمِينَ اهـ.
وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ بِالصَّرِيحِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ، وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ وَاحِدَةٍ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فَقَالَ (كَاعْتَدِّي) أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي، فَإِنْ نَوَى إخْبَارَهَا وَإِلَّا فَاثْنَتَانِ، عَطَفَهَا بِوَاوٍ، وَلَا نَوَى حِينَئِذٍ أَفَادَهُ الْحَطّ، وَنَوَى فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى الطَّلَاقِ كَتَرَتُّبِ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ، وَالْعَطْفُ يُنَافِي ذَلِكَ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ اعْتَدِّي وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ (صُدِّقَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الزَّوْجُ الْمُتَكَلِّمُ لَفْظَ الصَّرِيحِ أَوْ بِاعْتَدِّي (فِي) دَعْوَى (نَفْيِهِ) أَيْ عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ بِهِ (إنْ دَلَّ بِسَاطٌ) أَيْ حَالٌ مُقَارِنٌ لِلْكَلَامِ (عَلَى) إرَادَةِ الْأَمْرِ بِ (الْعَدِّ) لِنَحْوِ الدَّرَاهِمِ كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ فَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعْطُوفَةٌ بِأَوْ عَلَى مَا يَصْدُقُ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الْعَدَاءِ بِأَلِفٍ عَقِبَ الدَّالِ، أَيْ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ.
عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ قَالُوا وَفِي قَوْلِهِ (وَكَانَتْ) الْمَرْأَةُ (مُوثَقَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ أَوْ كِتَافٍ لِلْحَالِ فَلَيْسَ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَلِفٌ وَاحِدَةٌ فَاحْتَمَلَتْ الْوَجْهَيْنِ كَوْنُهَا مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ مِمَّا بَعْدَهَا (فَقَالَتْ أَطْلِقْنِي) مِنْ وِثَاقِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْوَثَاقِ فَيُصَدَّقُ بِلَا خِلَافٍ إنْ سَأَلَتْهُ وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ، وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى فَإِمَّا مَقْدِرَةٌ فِي الْأَوَّلِ، وَالْأَصْلُ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ إمَّا عَلَى الْعَدِّ أَوْ كَانَتْ مُوثَقَةً إلَخْ، إذْ كَوْنُهَا مُوثَقَةً مِنْ الْبِسَاطِ وَعَطْفُهُ بِدُونِ تَقْدِيرٍ إمَّا يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ضَرُورَةُ اقْتِضَاءِ الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةَ.
(وَإِنْ) كَانَتْ مُوثَقَةً وَ (لَمْ تَسْأَلْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ أَنْ يُطْلِقَهَا مِنْ وِثَاقِهَا، وَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْوِثَاقِ (فَ) فِي تَصْدِيقِهِ بِيَمِينٍ وَعَدَمِهِ (تَأْوِيلَانِ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَصْلُهُمَا قَوْلَانِ، قَالَ مُطَرِّفٌ يُصَدَّقُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُصَدَّقُ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الثَّانِي، وَمَحَلُّهُمَا فِي الْقِصَاءِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَصْدِيقِهِ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُوثَقَةً فَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ وَصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللُّزُومَ فِي الصَّرِيحِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِسَاطٌ دَالٌّ عَلَى نَفْيِ إرَادَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قُبِلَ مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَلَوْ سَأَلَتْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَا قَالَ، بَلْ مُوثَقَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ إخْبَارًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ أَيْ: سَتَطْلُقِينَ.
فَإِنْ قِيلَ سَبَقَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الْبِسَاطِ، وَأَنَّهُ تَحْوِيمٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي صَرْفَ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحَةِ أَوْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ بِهَا بِالْأَوْلَى مِنْ الْبِسَاطِ، وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهَا لَا تَصْرِفُهَا عَنْهُ، وَأَنَّ الْبِسَاطَ يَصْرِفُهَا عَنْهُ قَبْلَ شَرْطِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ مُسَاوَاتُهَا عُرْفًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ، وَهِيَ هُنَا بَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَانْضَمَّ لِهَذَا خَفَاؤُهَا فَاحْتِيطَ لِلْفُرُوجِ بِإِلْغَائِهَا، وَاعْتُبِرَ الْبِسَاطُ لِظُهُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ قَوْلُ " ز " مَحَلُّهُمَا فِي الْقَضَاءِ إلَخْ هَذَا الْقَيْدُ حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ بِقِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ وَقِيلَ إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا صُدِّقَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى أَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ نِيَّتِهِ يُوجِبُهُ. اهـ. وَاعْتَمَدَهُ عج وَمَنْ تَبِعَهُ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّهَا.
فَفِي ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ نَوَيْت مِنْ وَثَاقٍ وَلَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا، قَالَ أَرَى الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كَلَامًا مُبْتَدَأً أَنْتِ بَرِيَّةٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَا يَنْفَعُهُ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُؤْخَذُ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّاتُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إذَا كَانَتْ فِي وَثَاقٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَعْنِي مِنْ الْوَثَاقِ دَيَّنْتُهُ وَنَوَيْته. ابْنُ يُونُسَ وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَعْلِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْمُسْتَفْتِي فَكَيْفَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُمَا بِالْقَضَاءِ وَقَدْ سَلَّمَ
وَالثَّلَاثُ فِي: " بَتَّةٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً،
ــ
[منح الجليل]
كَلَامَهَا. ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَبَحَثَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ فَقَالَ إلْزَامُ الطَّلَاقِ فِيهَا لَوْ قِيلَ أَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ، فَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْفَتْوَى إجْمَاعًا، ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ مَسْأَلَةُ الْوَثَاقِ عَلَى اللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفَتْوَى. اهـ. وَاعْتَمَدَ طفي كَلَامَ الْقَرَافِيِّ وَمَالَ إلَى تَقْيِيدِ عج كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ إذْ كَيْفَ يَعْدِلُ عَنْ كَلَامِهَا مَعَ تَسْلِيمِهِ الشُّيُوخَ إلَى مُجَرَّدِ بَحْثِ الْقَرَافِيِّ، وَقَدْ قَدَّمَ طفي قَرِيبًا وَمَا بِالْعَهْدِ مَنْ قَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا مَحْلُوفَ لَهَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا أَنَّ كَلَامَهَا حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، كَيْفَ وَقَدْ سَلَّمَهُ هُنَا الشُّيُوخُ.
نَعَمْ بَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا نِيَّةُ مُخَالَفَةٍ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَقُلْ وَنَوَى بِهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ، وَمَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا نِيَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الْحُكْمُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ دَعْوَاهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِيَّةٌ مُزَاحِمَةٌ لِلطَّلَاقِ بَاطِلَةٌ، لِقَوْلِهِ فِيهَا لَا يَنْفَعُهُ مَا أَرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَلْبِهِ شَيْئًا غَيْرَ الطَّلَاقِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ نَفْعِهِ إيَّاهُ.
فَإِنْ قُلْت الْمُزَاحِمُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَيِّنٌ وَهُوَ إطْلَاقُهَا مِنْ الْوَثَاقِ فِيمَا هُوَ فِي أَنْتِ بَرِيَّةٌ.
قُلْنَا هُوَ كَثِيرٌ كَكَوْنِهَا بَرِيَّةً مِنْ الْفُجُورِ، أَوْ الْخَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، قَالَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ.
(وَ) تَلْزَمُ (الثَّلَاثُ فِي) قَوْلِهِ لَهَا أَحَدَ أَلْفَاظٍ خَمْسَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ (بَتَّةٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً لِأَنَّ الْبَتَّ هُوَ الْقَطْعُ، فَقَدْ قَطَعَ الْعِصْمَةَ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا مِنْهَا بِيَدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةُ الْأَقَلِّ وَلَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا.
(وَ) كَذَا (حَبْلُك) أَيْ عِصْمَتُك (عَلَى غَارِبِك) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ كَتِفِك فَلَمْ يَبْقَ شَيْئًا مِنْهَا بِيَدِهِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (وَاحِدَةً بَائِنَةً) فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِلَفْظِ بَائِنَةٍ وَإِلْغَاءً لِوَاحِدَةٍ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ أَوْ تَقْدِيرُ وَاحِدَةٍ صِفَةً لِمَرَّةٍ أَيْ دَفْعَةٍ لَا لِطَلْقَةٍ (أَوْ
أَوْ نَوَاهَا: بِخَلَّيْتُ سَبِيلَك، أَوْ اُدْخُلِي
وَالثَّلَاثُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَوَهَبْتُك وَرَدَدْتُك
ــ
[منح الجليل]
نَوَاهَا) أَيْ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ (بِ) قَوْلِهِ (خَلَّيْت) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ فَرَّغْت (سَبِيلَك) أَيْ طَرِيقَك فَاذْهَبِي حَيْثُ شِئْت فَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك (أَوْ) نَوَاهَا بِقَوْلِهِ (اُدْخُلِي) وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ.
غ لَيْسَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ سَوَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ. أَمَّا بَتَّةٌ فَثَلَاثٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَفِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ هِيَ ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي لِأَنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَقَدْ أَبْقَى مِنْ الطَّلَاقِ شَيْئًا. اللَّخْمِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْوِي قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَنْوِي قَبْلُ وَإِمَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً وَادْخُلِي فَفِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ، أَوْ قَالَ لَهَا الْحَقِي بِأَهْلِك أَوْ اسْتَتِرِي أَوْ اُدْخُلِي أَوْ اُخْرُجِي يُرِيدُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ هَذَا الْقَيْدَ لِوُضُوحِهِ وَقَدْ بَانَ لَك أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَوَاهَا عَائِدٌ عَلَى وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى لَفْظِ اُدْخُلِي دُونَ مَا مَعَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ أَخْفَاهَا فَهِيَ أَحْرَى، وَكَذَلِكَ أَلْحَقَ، بِهَا خَلَّيْت سَبِيلَك إذَا نَوَى بِهِ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ فَسَيَقُولُ فِيهِ وَثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقًا فِي خَلَّيْت سَبِيلَك، هَذَا أَمْثَلُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عب، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَسَائِلُ يَلْزَمُ فِيهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ كَمَا يُفِيدُهُ سَالِمٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(وَ) تَلْزَمُ (الثَّلَاثُ) فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) الْمُطَلِّقُ (أَقَلَّ) مِنْهَا كَوَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ (إنْ لَمْ يَدْخُلْ) الزَّوْجُ (بِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (فِي) قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ (كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهَا مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ وَلَوْ نَوَى بِهَا أَقَلَّ مِنْهَا وَوَاوُ وَالدَّمِ بِمَعْنَى أَوْ (وَ) تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي قَوْلِهِ (وَهَبْتُك) نَفْسَك أَوْ عِصْمَتَك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِأَهْلِك (أَوْ رَدَدْتُك
لِأَهْلِك، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِي: حَرَامٌ، أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا
ــ
[منح الجليل]
لِأَهْلِك وَ) قَوْلُهُ (أَنْتِ حَرَامٌ) قَالَ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَمِثْلُهُ أَنَا حَرَامٌ عَلَيْك (أَوْ مَا انْقَلَبَ) أَيْ رَجَعَ (إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ) أَيْ زَوْجَةٍ بَيَانٌ لِمَا (حَرَامٌ) خَبَرُ مَا. " غ الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَأَمَّا أَنْتِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَقَالَ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمَلُّكِ هِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا الطَّلَاقَ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً نَوَى. وَأَمَّا وَهَبْتُك وَرَدَدْتُك لِأَهْلِك وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ قَالَ مِنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ فَصَرَّحَ فِيهَا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِ مَا هُنَا. اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَأَمَّا أَنْتِ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ قَالَ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي. وَأَمَّا مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَهْلَ فَهُوَ طَلَاقٌ فَإِنْ قَالَ حَاشَيْت الزَّوْجَةَ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا سَمَّى الْأَهْلَ وَيُصَدَّقُ إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَهْلَ.
(أَوْ) قَوْلُهُ أَنْتِ (خَلِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، أَوْ بَرِيَّةٌ كَذَلِكَ، أَوْ أَنَا خَلِيٌّ أَوْ بَرِيٌّ مِنْك (أَوْ) أَنْتِ (بَائِنَةٌ) قَالَ مِنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ (أَوْ أَنَا) خَلِيٌّ أَوْ بَرِيٌّ أَوْ بَائِنٌ مِنْك تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ بِكُلِّ صِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا أَقَلَّ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. الْقَرَافِيُّ نَحْوُ " خَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَرَدَدْتُك الْحُكْمُ فِيهَا بِمَا سَبَقَ لِعُرْفٍ كَانَ وَتُنُوسِيَ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِهِ إلَّا لِمَنْ عَرَفَهُ لِصَيْرُورَتِهَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فَلَا تَجِدُ أَحَدًا يُطَلِّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُقْرِي وَابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَاعْتَبَرُوهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ أَيْضًا، وَقَالُوا لَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ عُرْفَ الْبَلَدِ فِيهِ، وَكَذَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَالْعُرْفِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ.
وَحَلَفَ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ، وَدُيِّنَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ وَثَلَاثٌ فِي: لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك، أَوْ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ، إلَّا لِفِدَاءٍ، وَثَلَاثٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقًا فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَك
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بِصِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ وَقَالَ نَوَيْت بِهَا وَاحِدَةً وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (حَلَفَ) الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الثَّلَاثَ (عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ) أَيْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا بِمَهْرٍ أَقَلُّهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، فَإِنْ حَلَفَ مُكِّنَ مِنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ مُنِعَ مِنْهُ وَلَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ قَبْلَهَا إذْ لَعَلَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا (وَدُيِّنَ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ أَيْ وُكِّلَ الزَّوْجُ إلَى دِينِهِ وَصُدِّقَ (فِي نَفْيِ) أَرَادَتْ (هـ) أَيْ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ وَبِغَيْرِهَا فِي الْفَتْوَى (إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) أَيْ نَفْيِهِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فِي حُسْنِ رَائِحَتِهَا وَعَدَمِهِ وَنَظَافَتِهَا وَعَدَمِهَا، أَوْ فِي اشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَةٍ وَعَدَمِهِ، أَوْ فِي كَوْنِهَا مُتَّهَمَةً بِأَمْرٍ وَعَدَمِهِ، أَوْ فِي كَوْنِهَا مُتَّصِلَةً بِهِ وَعَدَمِهِ فَيَقُولُ لَهَا مَا ذُكِرَ وَيَقُولُ أَرَدْت بِقَوْلِي كَالْمَيْتَةِ فِي النَّتْنِ وَخُبْثِ الرَّائِحَةِ، وَبِقَوْلِي كَالدَّمِ فِي الْقَذَارَةِ، وَبِقَوْلِي كَالْخِنْزِيرِ فِي الِاتِّسَاخِ، وَبِقَوْلِي خَلِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَبَرِيَّةٌ أَيْ مِنْ التُّهْمَةِ، وَبَائِنٌ أَيْ بَيْنِي وَبَيْنَك فُرْجَةٌ فَيُصَدَّقُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. أَحْمَدُ بَابَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي خَلِيَّةٍ وَبَائِنَةٍ وَبَرِيَّةٍ وَانْظُرْ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْبَاقِي.
(وَ) تَلْزَمُ (ثَلَاثٌ) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا (فِي لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك أَوْ اشْتَرَتْهَا) أَيْ الزَّوْجَةُ الْعِصْمَةَ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ فَتَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا (إلَّا لِفِدَاءٍ) أَيْ خُلْعٍ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ بِلَصْقِهِ لَا لِقَوْلِهِ أَوْ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْنُهُ.
(وَ) تَلْزَمُهُ (ثَلَاثٌ) فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ) مِنْهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالدُّخُولِ، أَوْ عَدَمِهِ (فِي) قَوْلِهِ (خَلَّيْت) بِشَدِّ اللَّامِ (سَبِيلَك)
وَوَاحِدَةٌ فِي: فَارَقْتُك وَنَوَى فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ فِي، اذْهَبِي، وَانْصَرِفِي، أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْك، أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَكَ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: لَا،
ــ
[منح الجليل]
وَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمُ نِيَّةِ عَدَدٍ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِيهِمَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِهِمَا، إذْ مَوْضُوعُ مَا تَقَدَّمَ نِيَّةُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِخَلَّيْتُ سَبِيلَك، وَمَوْضُوعُ مَا هُنَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ بِهِ لَا الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ.
(وَ) تَلْزَمُ طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ فِي) قَوْلِهِ (فَارَقْتُك) دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا، رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَبَائِنَةٌ فِي غَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَلِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاحِدَةٌ فِي الَّتِي لَمْ يَبْنِ بِهَا، وَثَلَاثٌ فِي الَّتِي بَنَى بِهَا، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا لَزِمَهُ ثَلَاثٌ (وَنُوِّيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ (فِي) إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَإِرَادَةِ عَدَمِ (هـ وَ) إنْ نَوَاهُ نَوَى (فِي عَدَدِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَصِلَةُ نُوِّيَ (فِي) قَوْلِهِ (اذْهَبِي وَانْصَرِفِي أَوْ) قَوْلُهُ (لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (رَجُلٌ أَلَكَ امْرَأَةٌ) أَيْ زَوْجَةٌ (فَقَالَ) الزَّوْجُ (لَا) وَيَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ وَلَمْ أُرِدْ عَدَدَهُ فَقَالَ أَصْبَغُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَفْتَى بِوَاحِدَةٍ إلَى أَنْ مَاتَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بَائِنَةٌ فِي غَيْرِهَا، وَنَصُّهُ وَالْخَفِيَّةُ أَلْفَاظُ الشَّيْخِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ اذْهَبِي لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، أَوْ لَا تَحِلِّينَ لِي، أَوْ احْتَالِي لِنَفْسِك، أَوْ أَنْتِ سَائِبَةٌ، أَوْ اُخْرُجِي، أَوْ انْتَقِلِي عَنِّي وَشَبَهُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا شَيْءَ فِيهِ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَيْنِ فَهُوَ مَا نَوَى. أَصْبَغُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ ثَلَاثٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ. قُلْت فِي قَبُولِهِمَا إيَّاهُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ دَلَّ عَلَى الثَّلَاثِ بِذَاتِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ لِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَهِيَ كَاللَّفْظِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ بِنَفْسِهِ عَدَدًا. اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ أَصْبَغَ قَالَ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ يَلْزَمُ بِهَا الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ، فَقَوْلُهُ هُنَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ.
أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مُعْتَقَةٌ، أَوْ الْحَقِي بِأَهْلِك، أَوْ لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ فِي الْأَخِيرِ
وَإِنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك، أَوْ لَا مِلْكَ عَلَيْك، أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عِتَابًا، وَإِلَّا فَبَتَاتٌ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) قَوْلُهُ (أَنْتِ حُرَّةٌ) وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي فَيُنَوَّى فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ عَلَى مَا فِي الثَّمَانِيَةِ وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ طَلَاقًا عَلَى مَا لِابْنِ شِهَابٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ (وَ) كَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ (مُعْتَقَةٌ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ (أَوْ) قَوْلُهُ (الْحَقِي) بِكَسْرِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ بِفَتْحِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ وَالتَّعْدِيَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ نَفْسَك (بِأَهْلٍ أَوْ) قَوْلُهُ (لَسْتِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ التَّاءِ أَصْلُهُ لَيْسَ فَلَمَّا سَكَّنَ آخِرَهُ لِاتِّصَالِهِ بِتَاءِ الْفَاعِلِ حُذِفَتْ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (لِي بِامْرَأَةٍ) أَيْ زَوْجَةٍ فَيَنْوِي فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
(إلَّا أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يُعَلِّقَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً الزَّوْجُ صِيغَةَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ (فِي) الْقَوْلِ (الْأَخِيرِ) أَيْ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ تَفْعَلِي، كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَسْت لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ وَيَحْنَثُ بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ إنْ كَانَ نَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى غَيْرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفَتْوَى، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ لُزُومَ الثَّلَاثِ وَابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ لُزُومِ شَيْءٍ.
(وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ (لَا نِكَاحَ) أَيْ زَوْجِيَّةَ (بَيْنِي وَبَيْنَك) بِكَسْرِ الْكَافِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (إنْ كَانَ) أَيْ قَوْلُهُ لَا نِكَاحَ إلَخْ (عِتَابًا) أَيْ مُعَاتَبَةً وَتَوْبِيخًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ (وَإِلَّا) إي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِتَابًا بِأَنْ قَالَهُ لَهَا ابْتِدَاءً قَاصِدًا بِهِ الطَّلَاقَ (فَبَتَاتٌ) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا قَالَهُ بَعْضٌ بِلَفْظِ يَنْبَغِي.
وَهَلْ تُحَرَّمُ. بِوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ، أَوْ عَلَيَّ وَجْهُك حَرَامٌ أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
(وَهَلْ تَحْرُمُ) الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ (بِ) قَوْلِهِ لَهَا (وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ) وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولَ بِهَا وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَهُوَ الرَّاجِحُ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مُسْتَفْتِيًا نَصَّ فِي أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِي عَدَدِهِ فِي الْفَتْوَى كَنَقْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ خِلَافًا لِظَاهِرِهَا وَغَيْرِهَا. اهـ. وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ) قَوْلُهُ وَجْهِي (عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ) فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ شَدَّدَ يَاءَ عَلَيَّ فَمُطْلَقُ جُزْءٍ بِلَفْظٍ حَرَامٍ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.
(أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ) فَهَلْ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ (أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يَعِيشُ فِيهِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَتَلْزَمَهُ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي يَمِينِهِ قَوْلَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ وَحَذْفُهُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ، " غ " أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَهُوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَلَاثٌ لَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مُسْتَفْتِيًا.
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ يَنْوِي بَعْدَ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا كَنَقْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ خِلَافَ ظَاهِرِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ اتِّفَاقًا قُصُورٌ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي قَوْلِهِمْ عَيْنِي مِنْ عَيْنِك حَرَامٌ، وَوَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ، يُرِيدُونَ بِهِ الْبَعْضَ وَالْمُبَاعَدَةَ فَاللَّائِقُ الْجَزْمُ بِمَا حَكَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ، إذْ هُوَ أَدُلُّ دَلِيلٍ عَلَى شُذُوذِ مُقَابِلِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ وَجْهِي عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ كَانَ طَلَاقًا، وَقَبِلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَزَعَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ نَصَّ فِيهِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ
كَقَوْلِهِ لَهَا. يَا حَرَامُ، أَوْ الْحَلَالُ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا
ــ
[منح الجليل]
بَعْدَ أَنْ أَشَارَ لِقَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ بِاللُّزُومِ، فَادَّعَى الْخِلَافَ فِيهِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ هُنَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ وَهْمٌ فَقِفْ عَلَى نُصُوصِ مَنْ ذَكَرْنَا يَتَّضِحْ لَك مَا قَرَّرْنَا، فَالْوَاجِبُ الْقَطْعُ هُنَا بِاللُّزُومِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَالْقَوْلَانِ فِيهِ مَعْرُوفَانِ اللَّخْمِيُّ. مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَيْشِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَيَلْزَمَهُ.
عَبْدُ الْحَقِّ أَعْرِفُ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَأَظُنُّهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ.
وَشَبَّهَ فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَقَالَ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجِ (يَا حَرَامُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَبُو عِمْرَانَ وَلَا نَصَّ لِغَيْرِهِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ يُونُسَ بِمَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا كَأَنْتِ سُحْتٌ. " غ " يُرِيدُ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَسُحْتٌ وَكَقَوْلِهِ لِمَا لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ (أَوْ) قَوْلِهِ (الْحَلَالُ حَرَامٌ) وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (أَوْ) قَوْلِهِ (حَرَامٌ عَلَيَّ) وَلَمْ يَقُلْ أَنْتِ " غ ". اللَّخْمِيُّ لَوْ قَالَ الْحَلَالُ حَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ أَنْتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافَهُ.
(أَوْ) قَوْلُهُ (جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ (إدْخَالَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ بِأَنْ نَوَى إخْرَاجَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ إدْخَالَهَا وَلَا إخْرَاجَهَا فَ (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَبِهِ أَفْتَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُحَاشَاةِ وَهِيَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إخْرَاجِهَا أَوَّلًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لَمْ تَدْخُلْ إلَّا بِنِيَّةِ إدْخَالِهَا فِي قَوْلِهِ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ بِخِلَافِ " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لَهَا، فَاحْتِيجَ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا خَاصٌّ بِقَوْلِهِ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ قَالَهُ " د " وَجَدُّ عج، وَجَعَلَهُ غَيْرُهُمَا رَاجِعًا لِلْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ " غ "
؟ قَوْلَانِ
وَإِنْ قَالَ سَائِبَةً مِنِّي، أَوْ عَتِيقَةٌ، أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ. حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
الْمُتَيْطِيِّ كَتَبَ مِنْ إشْبِيلِيَّةَ إلَى الْقَيْرَوَانِ فِي رَجُلٍ قَالَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ عَلَيَّ هَلْ هُوَ كَالْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَتَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِي التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهَا أَوْ لَا تَدْخُلُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَنَا وَلَمْ تُوجَدْ رِوَايَةٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ، لَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي قَالَ الْأَمْلَاكُ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ نَوَى عُمُومَ الْأَشْيَاءِ دَخَلَتْ الزَّوْجَةُ فِيهَا كَالْقَائِلِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: الزَّوْجَةُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلزَّوْجِ، وَإِنَّمَا الْأَمْلَاكُ الْأَمْوَالُ وَالْإِمَاءُ مِنْ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا قَالَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ سَرَى التَّحْرِيمُ إلَى الزَّوْجَاتِ إذَا لَمْ يَعْزِلْهُنَّ بِنِيَّتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي لَفَظَ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَلَا تَدْخُلُ الزَّوْجَاتُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُنَّ فَاسْتَغْنَى عَنْ اسْتِثْنَائِهِنَّ (قَوْلَانِ) رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَبْلَ الْكَافِ.
(وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (سَائِبَةٌ مِنِّي أَوْ) قَالَ أَنْتِ (عَتِيقَةٌ) مِنِّي (أَوْ) قَالَ (لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ) وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِشَيْءٍ مِنْهَا طَلَاقًا (حَلَفَ) الزَّوْجُ (عَلَى نَفْيِ) أَرَادَتْ (هـ) بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّيَغِ الثَّلَاثِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (فَإِنْ نَكَلَ) الزَّوْجُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِهِ (نُوِّيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ (فِي عَدَدِهِ) مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. طفى هَذَا الْكَلَامُ نَقَلَهُ عَنْهَا وَهِيَ إنَّمَا ذَكَرْته عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فَلَيْسَ هُوَ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فَلِذَا خَالَفَ أَصْلَ مَذْهَبِهِ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لِتَنْوِيَتِهِ بَعْدَ إنْكَارِهِ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَنُكُولِهِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ فِي الْكِنَايَةِ مَعَ أَلْفَاظٍ أُخَرَ عَنْ الْأَخَوَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا فَهُوَ مَا نَوَى.
وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ الثَّلَاثُ حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ وَلَمْ يَذْكُرْ
وَعُوقِبَ
وَلَا يُنَوِّي فِي الْعَدَدِ إنْ أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ جَوَابًا لِقَوْلِهَا أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللَّهُ لِي مِنْ صُحْبَتِك
ــ
[منح الجليل]
يَمِينًا وَلَا نُكُولًا، وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا بِيَسِيرٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، فَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا وَيُدَيَّنُ. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ بِحَالٍ مَعَ اعْتِنَائِهِ بِالنَّقْلِ عَنْهَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِهِ لَيْسَ قَوْلَ مَالِكٍ، وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ مِنِّي عَتِيقَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، فَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا وَيُدَيَّنُ، فَإِنْ نَكَلَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا كَانَ مَا أَرَادَ مِنْ الطَّلَاقِ، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُنَكَّلُ مَنْ قَالَ هَذَا عُقُوبَةً مُوجِعَةً لِأَنَّهُ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ (وَعُوقِبَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يَعُدُّهُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً لِتَلْبِيسِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَا يُنَوَّى) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ (فِي الْعَدَدِ) لِلطَّلَاقِ (إنْ أَنْكَرَ) الزَّوْجُ (قَصْدَ) أَيْ نِيَّةَ (الطَّلَاقِ) فَتَلْزَمُ الثَّلَاثُ (بَعْدَ قَوْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ) قَوْلِهِ أَنْتِ (بَرِيَّةٌ أَوْ) أَنْتِ (خَلِيَّةٌ أَوْ) أَنْتِ (بَتَّةٌ) حَالَ كَوْنِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (جَوَابًا لِقَوْلِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ لَهُ (أَوَدُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْوَاوِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ أَتَمَنَّى (لَوْ) مَصْدَرِيَّةٌ (فَرَّجَ) بِفَتَحَاتٍ مُشَدَّدِ الرَّاءِ آخِرُهُ جِيمٌ أَيْ رَفَعَ الْكَرْبَ (اللَّهُ لِي) أَيْ عَنِّي (مِنْ صُحْبَتِك) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ كَذَلِكَ أَيْ عِشْرَتِك وَزَوْجِيَّتِك لِدَلَالَةِ الْبِسَاطِيِّ عَلَى قَصْدِهِ الطَّلَاقَ وَكَذِبِهِ فِي إنْكَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِقَوْلِهَا أَوَدُّ إلَخْ، وَأَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ بِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَ كَلَامٌ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ قَصْدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ وَإِنْ أَقَرَّ بِقَصْدِ الطَّلَاقِ بِمَا كَانَ جَوَابًا لِذَلِكَ أَوْ مَا لَمْ يَكُنْ فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ مُطْلَقًا، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةُ أَقَلَّ مِنْهَا. وَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي بَتِّهِ وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ.
هَذَا وَقَالَ طفى لَيْسَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ بَعْدَ إنْكَارِ قَصْدِ
وَإِنْ قَصَدَهُ بِ " اسْقِنِي " الْمَاءَ، أَوْ بِكُلِّ كَلَامٍ: لَزِمَ
ــ
[منح الجليل]
الطَّلَاقِ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ، بَلْ مَعْنَاهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ قَالَتْ أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللَّهُ لِي مِنْ صُحْبَتِك فَقَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَاتَّةٌ، أَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَرِيءٌ أَوْ خَلِيٌّ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَاتٌّ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالِهَا. اهـ. فَالْمُصَنِّفُ أَرَادَ تَأْدِيَةَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَصَّرَتْ بِهِ الْعِبَارَةُ، فَمَعْنَى قَوْلِهَا لَا يُصَدَّقُ أَيْ فِي عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ آخِرِ كَلَامِهَا، وَبِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُصَنِّفُ فَهِمَ لَا يَنْوِي فِي الْعَدَدِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إحَالَةٌ لِلْمَسْأَلَةِ فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الْعَدَدِ لَطَابَقَ نَصَّهَا وَالْمُدَوَّنَةُ مَقْصِدُ كَلَامِهَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ عَدَمِ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا مَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ فَأَجْرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِهَا وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِي بَاتَّةٍ الثَّلَاثُ بَنَى أَمْ لَا، وَفِي بَائِنٍ الثَّلَاثُ إنْ بَنَى، وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْنِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَكَذَا خَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْجَمِيعِ عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ، وَمَفْهُومُ إنْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ مَا أَطَالَ بِهِ الشُّرَّاحُ هُنَا خَبْطٌ وَمِثْلُ مَنْ عَرَفَ الْمُضَارِبَ لَا يُطِيلُ الْهَزَّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ، وَسَلَّمَهُ.
أَقُولُ كَلَامُ طفي هَذَا {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] . وَبِتَحْصِيلِهِ لُزُومَ الثَّلَاثِ فِي الْجَمِيعِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِي الْعَدَدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ الْمَسْأَلَةَ إذْ عَدَمُ تَنْوِيَتِهِ فِي الْعَدَدِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَنْوِيَتِهِ فِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ، فَكَلَامُهُ مُفِيدٌ مَا أَفَادَهُ كَلَامُهَا وَزِيَادَةٌ خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ.
(وَإِنْ قَصَدَهُ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ (بِ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (اسْقِنِي الْمَاءَ) خَاطَبَهَا بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُذَكَّرِ لَحْنًا، وَصَوَابُهُ اسْقِينِي بِإِثْبَاتِ يَاءِ الْفَاعِلَةِ أَوْ عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ أَوْ اسْتِهْزَاءً بِهَا أَوْ تَعْظِيمًا لَهَا أَوْ بِحَذْفِهَا تَخْفِيفًا (أَوْ) قَصَدَهُ (بِكُلِّ كَلَامٍ) كَادْخُلِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ كُلِي أَوْ اشْرَبِي مِمَّا لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ، وَلَا كِنَايَتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَجَوَابُ إنْ قَصَدَهُ (لَزِمَ) الطَّلَاقُ الزَّوْجَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ كَلَامٍ الْكَلَامُ الصَّرِيحُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ كَالظِّهَارِ، فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَصَرِيحُهُ يُظْهِرُ مُؤَيَّدَ تَحْرِيمِهَا، وَلَا يَنْصَرِفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لِلطَّلَاقِ إلَخْ، إلَّا الصَّرِيحُ فِي الْعِتْقِ، كَحُرَّةٍ وَمُعْتَقَةٍ. فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِنَحْوِ اسْقِينِي قَاصِدَهَا بِهِ إلَّا إذَا قَالَ إذَا قُلْت اسْقِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا قَالَهُ طَلَقَتْ بِحِنْثِهِ فِي التَّعْلِيقِ لَا بِنَفْسِ لَفْظِ اسْقِينِي، وَهَذَا يُسَمَّى كِنَايَةً خَفِيَّةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقَدْ حَصَرُوا لَفْظَهُ فِي صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ وَكِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي لَازِمِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ وَذَاكَ اصْطِلَاحٌ لِلْبَيَانِيِّينَ وَلَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ مَا جَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَسِيمًا لِمُطَلِّقِهَا نَحْوُ اسْقِينِي وَكُلِي وَاشْرَبِي، وَقَوْلُ عِتْقِهَا اُدْخُلِي الدَّارَ الْمَشْهُورُ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ مُطْلَقًا أَوْ عَدَدًا لَزِمَهُ مَنْوِيُّهُ اللَّخْمِيُّ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قُلْتُ اُدْخُلِي الدَّارَ يُرِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَمَا أَقُولُ لَا بِنَفْسِ اللَّفْظِ، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ إلَّا أَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَشْهَبَ خِلَافًا. وَكَذَا الْبَاجِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إنَّمَا يَقَعُ بِاللَّفْظِ الْمُقَارِنِ لَهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ كُلِي أَوْ اشْرَبِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِإِرَادَتِهِ مِنْ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُهُ. ثَالِثُهَا إنْ قَصَدَ تَعْلِيقَهُ عَلَى النُّطْقِ بِهِ لِلْمَشْهُورِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبَ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ قَالَ تَقَنَّعِي أَوْ اسْتَتِرِي يُرِيدُ يه الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهَا لَهُ كُلُّ كَلَامٍ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ كَمَا نَوَى. قُلْت ظَاهِرُهَا مَعَ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ بِمَا لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ بِحَالٍ، إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا يَلْزَمُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ لَا الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا.
لَا إنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَلَفَظَ بِهَذَا غَلَطًا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ الثَّلَاثَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ، وَسُفِّهَ قَائِلٌ:
ــ
[منح الجليل]
لَا) يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (إنْ قَصَدَ) الزَّوْجُ (التَّلَفُّظَ) أَيْ النُّطْقَ وَالتَّكَلُّمَ (بِ) لَفْظِ (الطَّلَاقِ) كَأَنْتِ طَالِقٌ (فَلَفَظَ) أَيْ نَطَقَ الزَّوْجُ وَتَكَلَّمَ (بِهَذَا) اسْقِينِي مَثَلًا (غَلَطًا) أَيْ ذَا غَلَطٍ أَوْ غَالِطًا بِأَنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ إلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ التَّطْلِيقَ (أَوْ أَرَادَ) الزَّوْجُ (أَنْ يُنَجِّزَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً آخِرُهُ زَايٌ، أَيْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (فَقَالَ) لِلزَّوْجِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ) الزَّوْجُ عَنْ قَوْلِهِ بِالثَّلَاثِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ مَعَ اسْتِحْضَارِهِ نَادِمًا عَلَى نِيَّتِهِ وَرَاجِعًا عَنْهَا أَوْ سَاهِيًا عَنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ فَتَلْزَمُهُ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَلْزَمُ الثَّلَاثُ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ تُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّلَاثَ عَلَى دُخُولِ دَارٍ مَثَلًا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ، فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عج أَيْ فِي الْفَتْوَى. عب اُنْظُرْ هَلْ مَعْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ وَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِنُطْقِهِ أَوْ مَعْنَاهُ لَا تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ.
الْبُنَانِيُّ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ كَمَا ذَكَرَهُ، بَلْ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ الثَّلَاثَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَسَكَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَهُوَ قَدْ نَطَقَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا، فَقَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَسَقَطَ تَرَدُّدُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا الَّذِي سَمِعْت وَاسْتَحْسَنْت أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَقَالَ أَخْزَاك اللَّهُ، أَوْ لَعَنَك اللَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ الْمُذَاكِرِينَ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ بِنِيَّتِهِ بَلْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ بِلَفْظِهِ.
(وَسُفِّهَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ نُسِبَ لِلسَّفَهِ زَوْجٌ (قَائِلٌ)
يَا أُمِّي، وَيَا أُخْتِي
وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ
ــ
[منح الجليل]
لِزَوْجَتِهِ (يَا أُمِّي وَيَا أُخْتِي) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَمِثْلُهُ يَا بُنَيَّتِي أَوْ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلُهُ يَا أُمَّهُ أَوْ يَا أُخَيَّتَهُ أَوْ يَا عَمَّتَهُ أَوْ يَا خَالَتَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ السَّفَهِ. قُلْت كَوْنُهُ مِنْهُ دَلِيلُ حُرْمَتِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخَيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأُخْتُك هِيَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ» ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام فِي زَوْجَتِهِ سَارَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إنَّهَا أُخْتِي لِأَنَّهُ قَالَهُ لِضَرُورَةٍ دَعَتْهُ إلَيْهِ، وَأَرَادَ أُخْتَهُ فِي الدِّينِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ إذْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا تَمِيمَةَ تَابِعِيٌّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ عَمَّنْ فَوْقَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.
(وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يُفْهَمَ مِنْهَا التَّطْلِيقُ، بِأَنْ صَاحَبَهَا قَرِينَةٌ يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْهُ الزَّوْجَةُ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهِيَ كَاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِافْتِقَارِ لِنِيَّةٍ، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ لِقَوْلِهِ وَلَفْظٌ وَغَيْرُ الْمُفْهِمَةِ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَهُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ إلَّا لِعُرْفٍ جَارٍ بِالتَّطْلِيقِ بِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَا عُلِمَ مِنْ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَذْفٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ. وَرَوَى الْبَاجِيَّ إشَارَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ كَلَفْظِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] قُلْت إنْ قُلْت يَحْسُنُ هَذَا دَلِيلًا لِلْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ آيَةٌ لَهُ عليه السلام، فَكَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَقِيَاسُ السَّلِيمِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ.
ابْنُ شَاسٍ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ بِالطَّلَاقِ هِيَ مِنْ الْأَخْرَسِ كَالصَّرِيحِ، وَمِنْ الْقَادِرِ كَالْكِنَايَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا دَلَالَةَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إلَّا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ. فَإِنْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَانَتْ كَالصَّرِيحِ كَانَتْ مِنْ أَخْرَسَ، أَوْ قَادِرٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْكِنَايَةِ مِنْهُمَا. قُلْت ظَاهِرُ نَقْلِ الْبَاجِيَّ أَنَّهُمَا مِنْهُمَا سَوَاءٌ،
وَبِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ
وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا، أَوْ لَا إنْ وَصَلَ لَهَا،
ــ
[منح الجليل]
وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرَدُّ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْقَرَائِنِ مَعَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ لَا يُزَاحِمُهَا إمْكَانُ مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا، وَهُوَ النُّطْقُ بِحَالٍ، فَكَانَتْ كَالصَّرِيحِ، وَدَلَالَةُ الْقَرَائِنِ مَعَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْقَادِرِ يُزَاحِمُهَا إمْكَانُ مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا وَهُوَ النُّطْقُ فَلَمْ تَكُنْ فِي حَقِّهِ كَالصَّرِيحِ.
(وَ) لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ (بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ (مَعَ رَسُولٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْهَا بِأَنِّي طَلَّقْتهَا وَنَحْوَهُ فَلَزِمَ الطَّلَاقُ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ سَوَاءٌ أَخْبَرَهَا الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهَا، وَإِضَافَةُ مُجَرَّدٍ مِنْ إضَافَةٍ مَا كَانَ صِفَةً، وَالْأَصْلُ بِإِرْسَالِهِ الْمُجَرَّدَ عَنْ التَّبْلِيغِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَخْبِرْ زَوْجَتِي بِطَلَاقِهَا، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا بِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ بَلَّغَهَا الرَّسُولُ أَوْ كَتَمَهَا.
(وَ) لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ (بِالْكِتَابَةِ) لِصِيغَتِهِ مِنْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ (عَازِمًا) أَيْ نَاوِيًا الطَّلَاقَ بِكِتَابَةِ صِيغَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظِهِ بِهَا لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ فَنُزِّلَتْ الْكِتَابَةُ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ (أَوْ) كَتَبَهُ (لَا) أَيْ غَيْرَ عَازِمٍ وَبَعَثَهُ إلَيْهَا كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ (إنْ وَصَلَ) الْكِتَابُ لِلزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ فَلَا يَلْزَمُهُ. ابْنُ رُشْدٍ تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكْتُبَهُ مُجْمِعًا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَخِيرَ فِيهِ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُنْفِذَهُ أَنْفَذَهُ. وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يُنْفِذَهُ لَمْ يُنْفِذْهُ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. وَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ مُسْتَخِيرًا فِي إنْفَاذِهِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ.
قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَحْلِفُ عَلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بِخُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ وَصَلَهَا أَوْ لَمْ يَصِلْهَا. وَاخْتُلِفَ إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ عَلَى رَدِّهِ إنْ بَدَا لَهُ فَقِيلَ إنَّ خُرُوجَهُ مِنْهَا كَالْإِشْهَادِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَهِيَ
وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ: خِلَافٌ
وَإِنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ
ــ
[منح الجليل]
رِوَايَةُ أَشْهَبَ. وَقِيلَ لَهُ رَدُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا، فَإِذَا وَصَلَهَا طَلَقَتْ مَكَانَهَا وَأُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَإِنْ كَتَبَ إذَا وَصَلَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَرْسَلَهُ إلَيْهَا تَخَرَّجَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ كَكَتْبِهِ إنْ وَصَلَك كِتَابِي هَذَا. وَالثَّانِي: وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ مَكَانَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إذَا بَلَغْت مَعِي مَوْضِعَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ حَسْبَمَا فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَسَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْهُ. اهـ. فَفَرَّقَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا لِأَنَّ إنْ صَرِيحَةٌ فِي الشَّرْطِ، وَإِذَا مُحْتَمِلَةٌ لَهُ وَلِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ، فَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِهَا الْآنَ حَمَلَهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَقَطْ، فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى زَمَانٍ آتٍ فَيُنَجَّزُ، وَالظَّاهِرُ عَلَى الْمَشْهُورِ عَدَمُ تَنْجِيزِهِ إذْ هِيَ عِنْدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّرْطِ.
(وَفِي لُزُومِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ الزَّوْجَ (بِكَلَامِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (النَّفْسِيِّ) بِأَنْ أَجْرَى لَفْظَةَ الطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْتَحْضَرَهَا بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهَا كَمَا يُجْرِيهَا عَلَى لِسَانِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ، وَالْقَصْدِ لِلتَّطْلِيقِ إذْ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إجْمَاعًا، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِلْوَسْوَسَةِ وَلَا لِقَوْلِهِ فِي خَاطِرِهِ أَطْلِقْ هَذِهِ وَأَسْتَرِيحُ مِنْ سُوءِ عِشْرَتِهَا مَثَلًا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ، وَالْقَوْلُ بَعْدَ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَصَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ الْعِصْمَةَ الَّتِي عُقِدَتْ بِقَوْلٍ وَنِيَّةٍ فَوَجَبَ كَوْنُ حَلِّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْقَلْبِيَّةِ، لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ غَيْرُ النِّيَّةِ فَالتَّطْلِيقُ بِهِ حَلُّ الْعِصْمَةِ بِكَلَامٍ وَنِيَّةٍ فَسَاوَى عَقْدَهَا بِهِمَا وَلِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرَهُ كَلَامَ النَّفْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَدَمُ لُزُومِهِ بِهِ فِيهِ (خِلَافٌ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(وَإِنْ كَرَّرَ) الزَّوْجُ (الطَّلَاقَ
بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ، فَثَلَاثٌ إنْ دَخَلَ: كَمَعَ طَلْقَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَبِلَا عَطْفٍ: ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا، إنْ نَسَّقَهُ،
ــ
[منح الجليل]
بِعَطْفٍ) لِبَعْضِ صِيَغِهِ عَلَى بَعْضٍ (بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ) سَوَاءٌ أَعَادَ الْمُبْتَدَأَ مَعَ كُلِّ مَعْطُوفٍ أَمْ لَا (فَ) يَلْزَمُهُ (ثَلَاثٌ) مِنْ الطَّلْقَاتِ (إنْ) كَانَ (دَخَلَ) الزَّوْجُ بِالزَّوْجَةِ قَبْلَ طَلَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَثَلَاثٌ أَيْضًا إنْ نَسَّقَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ، وَمَعْنَى النَّسَقِ ذِكْرُ اللَّفْظِ الْمُتَأَخِّرِ عَقِبَ الْمُتَقَدِّمِ بِلَا فَصْلٍ " غ " تَبِعَ فِي هَذَا الشَّرْطِ ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ عَرَضَهُ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي ثُمَّ وَالْوَاوِ ظَاهِرٌ، وَنَصَّ فِيمَنْ بَنَى وَمَنْ لَمْ يَبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا، وَوَجَّهَ فِي التَّوْضِيحِ مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ثُمَّ وَالْفَاءِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّرَاخِي، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُهْلَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ فِي الْإِخْبَارِ طَلَّقْت فُلَانَةَ ثُمَّ فُلَانَةَ طَلَّقْتهَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ إنْشَاءً فَلَا لِاسْتِلْزَامِ الْإِنْشَاءِ الْحَالَ. اهـ. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَقْصُورٌ عَلَى ثُمَّ دُونَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ.
وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فَقَالَ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (مَعَ طَلْقَتَيْنِ) فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ كَوْنُهُ دَخَلَ (وَ) إنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا (بِلَا عَطْفٍ) لَزِمَهُ (ثَلَاثٌ فِي) الزَّوْجَةِ (الْمَدْخُولِ بِهَا) وَإِنْ كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فِيهَا، وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فَقَالَ (كَغَيْرِهَا) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا (إنْ نَسَّقَهُ) أَيْ وَصَلَ الزَّوْجُ صِيَغَ الطَّلَاقِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَلَا فَصْلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ فَصَلَ بِأَمْرٍ اضْطِرَارِيٍّ عُطَاسٍ وَسُعَالٍ، وَمَفْهُومُ إنْ نَسَّقَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنَسِّقْهُ فَلَا يَلْزَمْهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا الْأَوَّلَ لِبَيْنُونَتِهَا بِهِ، فَلَا يَجِدُ الثَّانِي مَحَلًّا يَقَعُ فِيهِ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَلْزَمُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا، وَفِي غَيْرِهَا مَنْسُوقًا فِي كُلِّ حَالٍ.
إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهِمَا فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ
وَلَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت؟ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْبَارَهُ، فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ: قَوْلَانِ
ــ
[منح الجليل]
إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ) لِلْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الْأَوَّلُ (فِيهِمَا) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فِي الْمُكَرَّرِ بِلَا عَطْفٍ، وَأَمَّا مَعَ الْعَطْفِ فَلَا تَنْفَعُ نِيَّةُ التَّأْكِيدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِتَنَافِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْفَعُ وَنِيَّةُ التَّأْكِيدِ مَقْبُولَةٌ بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ وَبِغَيْرِهَا فِي الْفَتْوَى، وَلَوْ طَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَطُلْ، وَإِلَّا فَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ قَالَهُ عج. وَقَالَ " د " ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ نَسَقًا أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالنَّسَقِ أَيْ وَإِلَّا فَلَا تَنْفَعُهُ لِأَنَّ فَصْلَهُ يَمْنَعُ التَّوْكِيدَ.
وَقَيَّدَ قَبُولَ التَّوْكِيدِ بِقَوْلِهِ (فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً (بِمُتَعَدِّدٍ) بِأَنْ لَمْ يُعَلِّقْ أَصْلًا أَوْ عَلَّقَ بِمُتَّحِدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ كَلَّمَهُ فَثَلَاثٌ إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُتَعَدِّدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلَتْ كَذَا وَفَعَلَ الْجَمِيعَ فَثَلَاثٌ، وَلَا تُقْبَلُ نِيَّةُ التَّأْكِيدِ لِتَعَدُّدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ طَلَّقَ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ (فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت) فَأَجَابَ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ وَالْإِنْشَاءَ (فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ) وَرُفِعَ لِلْقَاضِي (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الزَّوْجُ (إخْبَارَهُ) أَيْ الْمُسْتَفْهِمِ وَلَا إنْشَاءَ طَلَاقٍ آخَرَ (فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ) وَاحِدَةٍ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا أَرَادَ بِهِ إنْشَاءَ طَلَاقٍ آخَرَ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ (أَوْ) لُزُومُ طَلْقَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) مُحَمَّلًا عَلَى الْإِنْشَاءِ احْتِيَاطًا (قَوْلَانِ) فَهُمَا فِي لُزُومِ ثَانِيَةٍ، فَلَوْ قَالَ فَفِي لُزُومِ ثَانِيَةٍ قَوْلَانِ لَكَفَى، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا تَلْزَمُهُ ثَانِيَةٌ اتِّفَاقًا، كَتَعَيُّنِ جَوَابِهِ لِلْإِخْبَارِ أَوْ مَجِيئِهِ مُسْتَفْتِيًا، وَإِنْ تَمَحَّضَ لِلْإِنْشَاءِ لَزِمَتْهُ ثَانِيَةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا رَجْعِيَّةٍ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَمَحَلُّهُمَا مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ، الدُّخُولُ وَالرَّجْعِيَّةُ
وَنِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ
ــ
[منح الجليل]
وَبَقَاءُ الْعِدَّةِ وَاحْتِمَالُ الْجَوَابِ وَالْقَضَاءُ، وَهُمَا اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت؟ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت إخْبَارَهُ بِالتَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتهَا قَبِلَ قَوْلَهُ الصِّقِلِّيُّ وَيَحْلِفُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إنَّمَا يَحْلِفُ إنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ، وَحَيْثُ يَجِبُ حَلِفُهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنْ أَبَى فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي عِدَّتِهَا لِإِقْرَارِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ يُوقِعَهَا. ابْنُ شَاسٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ. قُلْت الْأَوَّلُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَوْ عُلِمَ عَدَمُ نِيَّتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُ تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّ بِسَاطَ سُؤَالِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا فَعَلَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَمَلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ طَلَاقًا قُلْتُ فِي حَلِفِهِ فِي هَذِهِ بُعْدٌ ابْنِ مُحْرِزٍ لَوْ أَجَابَ بِطَلَّقْتُهَا لَمْ يَحْلِفْ عِيَاضٌ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ إعْلَامَهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا فَعَلَ.
(وَ) اللَّازِمُ (فِي) قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ (طَلْقَتَيْنِ أَوْ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَيْ) مُثَنَّى نِصْفٍ حُذِفَ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ لِ (طَلْقَةٍ أَوْ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ) بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ لِطَلْقَةٍ الْآتِي (وَثُلُثَ) بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ لِطَلْقَةٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا (طَلْقَةٍ) الْمَذْكُورَةُ، وَالْأَصْلُ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَحُذِفَ لَفْظُ طَلْقَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ ثُلُثٌ، وَاعْتَرَضَ بِ وَثُلُثَ بَيْنَ نِصْفَ الْمُضَافِ وَطَلْقَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ، هَذَا تَوْجِيهُ التَّرْكِيبِ الْمَشْهُورِ فِي النَّحْوِ وَالْفُقَهَاءُ بَنَوْا فَتْوَاهُمْ عَلَى عَطْفِ ثُلُثٍ عَلَى نِصْفٍ وَإِضَافَةِ مَجْمُوعِهِمَا إلَى طَلْقَةٍ الْمَذْكُورَةِ، وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ طَلْقَةٍ فَيَكْمُلُ الْكَسْرُ، وَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا إذَا ذَكَرَ أَجْزَاءً يَنْقُصُ مَجْمُوعُهَا عَنْ طَلْقَةٍ أَوْ يُسَاوِيهَا، فَإِنْ زَادَ فَطَلْقَتَانِ. فَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ لِزِيَادَةِ الْأَجْزَاءِ عَلَى وَاحِدَةٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ طَلَّقَ بَعْضَ طَلْقَةٍ لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ. ابْنُ شِهَابٍ وَيُوجَعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِهِ.
قُلْت تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ نُزُولَ الْمُخَالِفِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي ثُلُثَ وَرُبُعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ ثَلَاثٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا فِي نِصْفَ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ اسْتِشْكَالٌ مِنْهُ وَالْأَظْهَرُ عَوْدُهُ لِلْأُولَى لِجَرَيَانِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَصْلِ تَكْمِيلِ الطَّلْقَةِ، وَتَقْرِيرُ إشْكَالِ الْأُولَى أَنَّ تَقْدِيرَ لَفْظِهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ فَنِصْفٌ مُضَافٌ قَطْعًا فِي النِّيَّةِ وَالْمَنْوِيُّ مَعَ اللَّفْظِ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، فَسَاوَتْ الْأُولَى الثَّانِيَةَ فَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْحُكْمِ مُشْكِلٌ.
وَجَوَابُهُ عَلَى أَصْلَيْنِ فِي الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَاضِحٌ، أَمَّا الْفِقْهِيُّ: فَهُوَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، لِإِضَافَتِهِ الْجُزْأَيْنِ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَزِيدُ مَجْمُوعُهُمَا عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي نِصْفَيْ طَلْقَةٍ. وَأَمَّا أَصْلُ الْعَرَبِيَّةِ: فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ إنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ إذَا حُذِفَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْوِينِ الْمُضَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ بَعْدَ الْحَذْفِ عَلَى هَيْئَتِهِ قَبْلَ الْحَذْفِ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا، قَالُوا التَّقْدِيرُ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ مَنْ قَالَهَا وَرِجْلَهُ، فَحُذِفَ الضَّمِيرُ وَأُقْحِمَ الْمَعْطُوفُ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَحُذِفَ التَّنْوِينُ مِنْ يَدٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَنْ. وَحُذِفَ مِنْ رِجْلٍ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَنْ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي اللَّفْظِ، وَهَذَا الْأَصْلُ يُوجِبُ تَقْدِيرَ تَرْكِيبِ لَفْظِ الْمَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَهَا، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ اللَّازِمَ فِي هَذَا اللَّفْظِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ قَالُوا يَقْتَضِي عَزْوَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا أَعْرِفُهُ نَصًّا لِوَاحِدٍ، لَكِنَّ أُصُولَ الْمَذْهَبِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ تَقْتَضِيهِ.
أَوْ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ؛ أَوْ مَتَى مَا فَعَلْت، وَكُرِّرَ، أَوْ طَالِقٌ أَبَدًا طَلْقَةً
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (وَاحِدَةً فِي) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) فَتَلْزَمُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْحِسَابَ وَإِلَّا فَاثْنَتَانِ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مُتَّحِدٍ بِأَدَاةٍ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ (مَتَى فَعَلْت) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ.
(وَكُرِّرَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى مُشَدَّدَةً اللَّفْظُ أَوْ الْفِعْلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ نَوَى بِتَكَرُّرِ اللَّفْظِ التَّوْكِيدَ. " غ " أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى فَعَلْت كَذَا، وَكَرَّرَ الْفِعْلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ أَوْ دَلَّ لَفْظٌ يُجْمَعُ أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا لَا مَتَى مَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهٌ)
قَرَنَ الْمُصَنِّفُ مَتَى فِي بَابِ الْأَيْمَانِ بِمَا وَجَرَّدَهَا مِنْهَا هُنَا كَمَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَيَسْتَشْكِلُ قَوْلُهُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِمَتَى مَعْنَى كُلَّمَا بِأَنَّ نِيَّةَ التَّكْرَارِ تَوْجِيهٌ بِأَيِّ لَفْظٍ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِمَتَى مَا، وَلِذَا لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ رُشْدٍ اقْتِرَانَهَا بِمَا وَيُجَابُ بِأَنَّ مَتَى مَا قَرِيبَةٌ مِنْ كُلَّمَا فَمُجَرَّدُ إرَادَةِ كَوْنِهَا بِمَعْنَاهَا يَثْبُتُ بِهَا لِتَكْرَارٍ دُونَ اسْتِحْضَارِ نِيَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ " غ " فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ ضَبْطَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَتَى فَعَلْتُ بِضَمِّ التَّاءِ كَإِنْ كَرَّرَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَإِنْ ضُبِطَ بِكَسْرِهَا كَإِنْ كُرِّرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَإِلَّا قِيلَ وَكَرَّرَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ.
(أَوْ) قَوْلُهُ أَنْتِ (طَالِقٌ أَبَدًا) فَاللَّازِمُ (طَلْقَةٌ) وَاحِدَةٌ فِي السَّبْعِ مَسَائِلَ عَلَى فَهْمِ ابْنِ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ فِي السَّابِعَةِ بِجَعْلِ الْأَبَدِيَّةِ لِمُطْلَقِ الْفِرَاقِ الشَّامِلِ لِلسُّنِّيِّ إذْ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ، وَاسْتَمَرَّ طَلَاقُك أَبَدًا أَوْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَقَدْ اسْتَمَرَّ طَلَاقُهَا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، وَظَاهِرُهَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ لِجَعْلِ الْأَبَدِيَّةِ لِلْفِرَاقِ فِي أَزْمَانِ الْعِصْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ، وَذَلِكَ بِالثَّلَاثِ.
وَاثْنَتَانِ فِي " رُبُعَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ "، وَوَاحِدَةً فِي اثْنَيْنِ، وَالطَّلَاقُ كُلُّهُ، إلَّا نِصْفَهُ
ــ
[منح الجليل]
وَنَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ خَلَعَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ فَقَالَتْ الْأُخْرَى سَتُرَاجِعُهَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ أَبَدًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ إنْ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَانَ خَاطِبًا، وَمِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا وَقَعَ التَّأْبِيدُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ سَتُرَاجِعُهَا قَالَ إنْ رَاجَعْتهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ، فَلِذَا أَلْزَمَهُ طَلْقَةً. وَصَوَّبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ.
ابْنُ يُونُسَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّأْبِيدَ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ سَتُرَاجِعُهَا قَالَ لَهَا هِيَ طَالِقٌ أَبَدًا يُرِيدُ إنْ رَاجَعَهَا فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَصِيرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا قَوْلَانِ، قَوْلٌ إنَّهُ وَاحِدَةٌ وَقَوْلٌ إنَّهُ ثَلَاثٌ.
(وَ) اللَّازِمُ (اثْنَتَانِ فِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (رُبُعَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ) لِإِضَافَةِ كُلِّ كَسْرٍ إلَى طَلْقَةٍ صَرِيحًا فَأَخَذَ كُلُّ كَسْرٍ مُمَيِّزَهُ فَاسْتَقَلَّ بِهِ، وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً فَالثَّانِيَةُ غَيْرُ الْأُولَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ» . ابْنُ شَاسٍ وَفِي ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ ثَلَاثٌ.
(وَ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (وَاحِدَةً فِي) طَلْقَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) إنْ عَرَفَ الْحِسَابَ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ (وَ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (الطَّلَاقَ كُلَّهُ) أَيْ ثَلَاثًا (إلَّا نِصْفَهُ) أَيْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٌ وَنِصْفٌ، وَحُكْمُ كَسْرِ الطَّلَاقِ تَكْمِيلُهُ بِوَاحِدَةٍ تت لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَتَى بِالضَّمِيرِ مَوْضِعَ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَائِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ إلَّا نِصْفَ الطَّلَاقِ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ الطَّلَاقِ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَاسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ لِتَكْمِيلِ كَسْرِ الْبَاقِي. طفي قَوْلُهُ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ طَالِقٌ
وَثَلَاثٌ فِي: إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ؛ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ، أَوْ كُلَّمَا حِضْت
قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلَّمَا. أَوْ مَتَى مَا،
ــ
[منح الجليل]
وَ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) مُشِيرًا إلَى قَرْيَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهَا (فَهِيَ طَالِقٌ) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَطَلْقَتَانِ وَاحِدَةٌ بِالْخُصُوصِ وَوَاحِدَةٌ بِالْعُمُومِ، وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ ذِكْرَهَا بِخُصُوصِهَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي عُمُومِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَزِيدُهَا شَيْئًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ عَلَّقَ فِيهَا أَوَّلًا بِخُصُوصِهَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِيهَا ثَانِيَةً بِالْعُمُومِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا، وَكَذَا صَوَّبَ شَيْخُ ابْنِ نَاجِي وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ نَاجِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ أَيْضًا.
(وَ) يَلْزَمُهُ (ثَلَاثٌ فِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ (إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ) كَذَا قَدَّرَ الشَّارِحُ وتت وَوُجِّهَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى نِصْفَ طَلْقَةٍ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالطَّلَاقِ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ نِصْفَهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مُسْتَغْرِقٌ حِينَئِذٍ، أَشَارَ إلَى هَذَا الشَّارِحُ. وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَظَاهِرٌ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ قَالَهُ " د ".
(وَ) يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ فِي) طَلْقَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) سَوَاءٌ أَرَادَ مَعْنَى الضَّرْبِ أَوْ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (أَوْ) قَالَ لِمَنْ تَحِيضُ بِالْفِعْلِ أَوْ لِصَغِيرَةٍ يُتَوَقَّعُ حَيْضُهَا أَنْتِ طَالِقٌ (كُلَّمَا حِضْت) أَوْ كُلَّمَا جَاءَ يَوْمُ أَوْ شَهْرُ حَيْضِك فَتَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مِنْ وَقْتِ قَوْلِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ غَالِبُ الْحُصُولِ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ التَّكْثِيرَ كَطَالِقٍ مِائَةَ طَلْقَةٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ إذَا قَالَهُ وَهِيَ طَاهِرٌ، فَإِذَا حَاضَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَقَعَتْ ثَانِيَةٌ، ثُمَّ إذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ.
(أَوْ) قَالَ (كُلَّمَا طَلَّقْتُك) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (مَتَى مَا) طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ
أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك، أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً؛
أَوْ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) قَالَ (إذَا مَا طَلَّقْتُك) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ مَتَى أَوْ إذَا مَا (وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً) فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَتَى مَا وَإِذَا مَا مِثْلُ كُلَّمَا فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ أَوْ مَتَى فَعَلْت وَكَرَّرَ، وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ لَا مَتَى مَا. " غ " حَاصِلُ مَا فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بَدَلَ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَرَجَعَ سَحْنُونٌ إلَى كَوْنِهِ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ اهـ.
وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلْ فَاعِلُ السَّبَبِ فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّ إذَا مَا وَمَتَى مَا مِثْلُ كُلَّمَا دُونَ إرَادَةِ كَوْنِهِمَا مِثْلَهَا خِلَافٌ، نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ بَابُ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ مَهْمَا وَمَتَى مَا مِثْلُ إنْ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ. اهـ. وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَا فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَتَى فَعَلْت، وَكَرَّرَ وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ لَا مَتَى مَا وَكَأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ هَذَا فِي التَّوْضِيحِ إذْ قَالَ وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِكُلَّمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إذَا مَا وَمَتَى مَا.
(أَوْ) قَالَ (إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، وَيُلْغَى قَوْلُهُ قَبْلَهُ لِاتِّصَافِهَا بِالْحِلِّ إلَى وَقْتِ التَّطْلِيقِ، وَفِي وَقْتِهِ قَدْ مَضَى مَا قَبْلَهُ وَالْمَاضِي لَا يَعُودُ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أُلْغِيَ لَفْظُ قَبْلَهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّلَاثِ. قُلْتُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ هَذِهِ الْمُتَرْجَمَةُ قَصَصْنَاهُمْ، قَالَ دَهْمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ أَبَدًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاصِّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقَعُ مَعَ الْمُنَجَّزِ تَمَامُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رضي الله عنه " وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالْحُسْنِيِّ وَغَيْرُهُ وَأَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ خِيَارِ مُتَأَخِّرِيهِمْ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَصْحَابِنَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلِمَالِكٍ " رضي الله عنه " مَا دَلَّ عَلَى تَصْحِيحِهَا وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُمَا مِمَّنْ ادَّعَاهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا، وَعَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ يُبْطِلُ عِتْقَهُمَا، وَرُفِعَ لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ ثُبُوتُ مَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا صَحَّ عِتْقُهُ وَوَرِثَ مَعَ أَنَّ إرْثَهُ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ، لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ فَثُبُوتُ إرْثِهِ يُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ لَهُ، وَبُطْلَانُهَا يُبْطِلُ حُرِّيَّتَهُ، وَبُطْلَانُهَا يُبْطِلُ إرْثَهُ.
الشَّيْخُ مَنْ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ أُخْرَى وَشَرَطَ لَهَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَصْبَغُ تَطْلُقَانِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ وَذَكَرَهَا الطُّرْطُوشِيُّ، وَقَالَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى شَرْطِهِ لِلْأُولَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، وَعَقْدُ الثَّانِيَةِ أَوْجَبَ طَلَاقَ الْأُولَى، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى، وَلَمْ يَجْمَعْهَا مَعَهَا، وَالْقَصْدُ كَرَاهَةُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا أُخْرَى قَالَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا جَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ قَوْلُ أَصْبَغَ لِأَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْجَبَ طَلَاقَ الْأُخْرَى.
الطُّرْطُوشِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ وَقَدْ وَضَّحْنَاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. قُلْت وَالْمَسْأَلَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِيهَا، وَهُوَ جَعْلُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ سَبَبًا فِي طَلَاقٍ مُقَيَّدٍ بِزَمَنٍ مَاضٍ هَلْ يَلْزَمُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِوَقْتِ حُصُولِ السَّبَبِ، سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ غَدًا الْحَمَّامَ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَلَهُ مَسُّهَا فَقَبِلَهَا الشَّيْخُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ تَجَوُّزٌ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَحَقِيقَةُ تَرْكِيبِهِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا، وَقَوْلُهُ لَهُ مَسُّهَا يُرِيدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَدٍ.
قُلْت وَلِابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ
وَطَلْقَةٌ فِي أَرْبَعٍ قَالَ لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ، مَا لَمْ يَزِدْ الْعَدَدُ عَلَى الرَّابِعَةِ: سَحْنُونٌ، وَإِنْ شَرَّكَ طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
ــ
[منح الجليل]
دُخُولِك لَزِمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا فَكَلَّمَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ هَذَا خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ قُلْتُ فَفِي لَغْوِ الْمُعَلَّقِ مُقَيَّدًا بِزَمَنٍ قَبْلَ زَمَنِ سَبَبِهِ طَرِيقَا ابْنِ رُشْدٍ مَعَ نَصِّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ مُحْرِزٍ مَعَ الشَّيْخِ، وَنَصِّ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمُقْتَضَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ وَهِيَ أَسْعَدُ بِالرِّوَايَاتِ صِحَّةً مَا فَهِمَهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي السُّرَيْجِيَّةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ شَاسٍ.
(وَ) تَلْزَمُ (طَلْقَةٌ) وَاحِدَةٌ (فِي) كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجَاتٍ لَهُ (أَرْبَعٍ قَالَ) الزَّوْجُ (لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ) أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِزَوْجَتَيْنِ بَيْنَكُمَا طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ وَقَوْلُهُ لِثَلَاثِ زَوْجَاتٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ، فَيَلْزَمُ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ طَلْقَةٌ (مَا لَمْ يَزِدْ) الْعَدَدُ لِلطَّلَقَاتِ الْمُشْرَكِ فِيهَا (عَلَى) الطَّلْقَةِ (الرَّابِعَةِ) فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى اثْنَيْنِ فِي الزَّوْجَتَيْنِ، وَعَلَى الثَّلَاثِ فِي الثَّلَاثِ زَوْجَاتٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ خَمْسَ طَلَقَاتٍ إلَى ثَمَانِ طَلَقَاتٍ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ تِسْعَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا.
قَالَ (سَحْنُونٌ) فَتْحُ سِينِهِ هُوَ الْكَثِيرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَضَمُّهَا لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَأَصْلُهُ اسْمُ طَائِرٍ حَدِيدِ النَّظَرِ لُقِّبَ بِهِ لِحِدَّةِ فَهْمِهِ (وَإِنْ شَرَّكَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَتَى الزَّوْجُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ بِأَنْ قَالَ لِلْأَرْبَعِ مَثَلًا شَرِكَتُكُنَّ فِي ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ (طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) أَيْ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِجَعْلِهِ اشْتِرَاكَهُنَّ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، فَيَخُصُّ كُلَّ زَوْجَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ فَيَكْمُلُ كُلُّ رُبُعٍ بِطَلْقَةٍ فَتَصِيرُ ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ.
ابْنُ يُونُسَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ الْفَرْعَيْنِ سَوَاءٌ لَمْ أَعِبْهُ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ لَزِمَتْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ شَرِيكَةُ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَلِثَالِثَةٍ، وَأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا:
ــ
[منح الجليل]
طَلْقَةٌ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ قَالَ خَمْسَةٌ إلَى ثَمَانٍ طَلَقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ تِسْعٌ إلَى مَا فَوْقَ طَلَقْنَ ثَلَاثًا. ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ شَرَّكْتُ بَيْنَكُنَّ فِي ثَلَاثٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَفِي طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَشَارَ بَعْضُ الْمُؤَلِّفِينَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّشْرِيكِ قَوْلًا مِثْلَ قَوْلِ مَسْأَلَةِ بَيْنَكُنَّ إنْ كَانَ نَصًّا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ نَصَّ سَحْنُونٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِمَا تُوجِبُهُ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ قَبْلَهَا شَيْئًا. وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ لَا أَعْرِفُهُ. وَنَصُّ الْمُجْتَهِدِ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي صُورَتَيْنِ مُتَّحِدَتَيْ الْعِلَّةِ لَا يَمْنَعُ تَخْرِيجَ قَوْلِ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ مَرَّةٍ.
فَإِنْ قُلْت لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسَمَّى شَرَّكَ وَمُسَمَّى بَيْنَ لِتَلَازُمِهِمَا صِدْقًا وَكَذِبًا مَثَلًا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَبْدٌ وَلِعَمْرٍو عَبْدٌ كَذَّبَ قَوْلَهُمَا أَخُو أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا وَهُمَا شِرْكَةٌ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ وَرِثَاهُمَا مِنْ عَمِّهِمَا مَثَلًا وَأَحَدُهُمَا لِأُمِّهِ وَالْآخَرُ أَخُو الْآخَرِ لِأَبِيهِ صُدِّقَ كَوْنُهُمَا بَيْنَهُمَا وَشِرْكَةً بَيْنَهُمَا. قُلْت إنَّمَا تَلَازَمَا فِيمَا يَمْلِكُهُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ بَيْنَ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ، وَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْمُؤْلِمِ وَمَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ فَلَا كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدَيْهِ بَيْنَكُمَا سَوْطَانِ أَوْ نِطْعَانِ، فَهَذَا يُصَدَّقُ فِيهِ بَيْنَ دُونَ الشَّرِكَةِ، وَلِلطَّلَاقِ حُكْمُ الْمُؤْلِمِ، وَلِذَا شُطِرَ كَالْحَدِّ فَإِذَا نَصَّ مَعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ صَارَ قَوْلُهُ بَيْنَكُمَا طَلْقَةٌ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ قَوْلٍ فِي بَيْنَكُنَّ مِثْلُ الْقَوْلِ فِي شَرَّكْتُكُنَّ، نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَصَلَ لَهَا جُزْءٌ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ، قَالَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي الدَّرَاهِمِ زَائِفًا هَلْ يُنْتَقَضُ صَرْفُ الدَّنَانِيرِ كُلِّهَا أَوْ صَرْفُ دِينَارٍ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مَسْأَلَةِ لَفْظِ التَّشْرِيكِ خِلَافًا.
(وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ لِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ لِأُخْرَى (أَنْتِ شَرِيكَةُ) زَوْجَةٍ (مُطَلَّقَةٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا (ثَلَاثًا وَ) قَالَ (لِ) زَوْجَةٍ (ثَالِثَةٍ وَأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا) أَيْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (طَلَقَتْ) الزَّوْجَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَشْرَكَهَا مَعَ الْأُولَى فِي الثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ
طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ، وَالطَّرَفَيْنِ ثَلَاثًا، وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ كَمُطَلَّقِ جُزْءٍ، وَإِنْ كَيَدٍ؛
ــ
[منح الجليل]
اثْنَتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَّكَهَا مَعَ الْأُولَى اقْتَضَى أَنَّ لَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَكُمِّلَ النِّصْفُ (وَ) طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ (الطَّرَفَيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ (ثَلَاثَةً) أَمَّا الْأُولَى فَوَاضِحٌ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهُ شَرَّكَهَا مَعَ الْأُولَى فِي ثَلَاثٍ، فَاقْتَضَى أَنَّ لَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا فَكُمِّلَ النِّصْفُ، وَمَعَ الثَّانِيَةِ فِي اثْنَتَيْنِ فَلَهَا طَلْقَةٌ مَعَ اثْنَتَيْنِ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَصْبَغَ، وَمُقْتَضَى سَحْنُونٍ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ، وَفِي السَّابِقَةِ قَوْلُ سَحْنُونٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مَنْ قَالَ لِإِحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ لِلْأُخْرَى أَنْتِ شَرِيكَتُهَا، ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا فَهُنَّ طَوَالِقُ أَلْبَتَّةَ، لَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَغْوٌ مَعَ الْبَتَّةِ قُدِّمَتْ أَوْ أُخِّرَتْ وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ. وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَقَطْ وَقَعَ عَلَى الْأُولَى الثَّلَاثُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ مِنْ شِرْكَةِ الْأُولَى طَلْقَتَانِ، وَمِنْ شَرِكَةِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ تَبْعِيضِ الْبَتَّةِ وَأَنَّهَا مُرَادِفَةُ أَنْتِ طَالِقٌ بِآخِرَةِ الثَّلَاثِ وَفِي تَبْعِيضِهَا نَقَلَ الْبَيَانُ عَنْ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ قَوْلَهُمَا بِضَمِّ الشَّهَادَةِ بِهَا لِلشَّهَادَةِ بِوَاحِدَةٍ وَأَصْبَغُ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ الْمَبْسُوطَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَفِي اخْتِصَارِهِ الْمَبْسُوطَةِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ.
(وَأُدِّبَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً الزَّوْجُ (الْمُجَزِّئُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً لِلطَّلَاقِ بِتَشْرِيكٍ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَطَالِقٍ رُبْعَ طَلْقَةٍ، وَهَذَا يُفِيدُ تَحْرِيمَهَا، وَيُؤَدَّبُ مُعَلِّقُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ فَفِي الشَّامِلِ وَهَلْ تَعْلِيقُهُ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ خِلَافٌ.
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ (كَمُطَلِّقِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (جُزْءٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ شَائِعًا كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (كَيَدٍ) وَرِجْلٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَطَلَاقُ جُزْءِ الْمَرْأَةِ كَكُلِّهَا. ابْنُ حَارِثٍ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا كَكُلِّهَا اتِّفَاقًا.
وَلَزِمَ: بِشَعْرِك طَالِقٌ، أَوْ كَلَامُك عَلَى الْأَحْسَنِ، لَا بِسُعَالٍ وَبُصَاقٍ وَدَمْعٍ.
وَصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ بِإِلَّا؛ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ،
ــ
[منح الجليل]
وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (بِ) قَوْلِهِ (شَعْرُك طَالِقٌ) حَيْثُ قَصَدَ الْمُتَّصِلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَا إنْ قَصَدَ الْمُنْفَصِلَ وَكَالشَّعْرِ سَائِرُ مَحَاسِنِهَا الَّتِي يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً كَعَقْلِهَا وَرُوحِهَا (أَوْ) قَوْلُهُ (كَلَامُك) طَالِقٌ (عَلَى الْأَحْسَنِ لَا) يَلْزَمُ الطَّلَاقُ (بِ) قَوْلِهِ (سُعَالٍ) كِ (أَوْ بُصَاقٍ) كِ طَالِقٌ (أَوْ دَمْعٍ) كِ طَالِقٌ وَعِلْمُهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً كَعِلْمِهَا وَجَنِينِهَا وَشَعْرِ غَيْرِ رَأْسِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَلَامِك أَوْ شَعْرُك طَالِقٌ قَوْلًا أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ اُخْتُلِفَ عِنْدَنَا إنْ طَلَّقَ بَعْضَ مَا يَنْفَصِلُ كَالشَّعْرِ وَالْكَلَامِ وَالسُّعَالِ وَالْبُزَاقِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ أَقِفْ فِي السُّعَالِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ.
قُلْت ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِدْلَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى لَغْوِ تَحْرِيمِ الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ بِلَغْوٍ تَحْرِيمَ السُّعَالِ وَالْبُزَاقِ الِاتِّفَاقُ عَلَى لَغْوِهِمَا. وَلِابْنِ الْقَصَّارِ مَا نَصُّهُ لَا أَعْرِفُ فِي الدَّمْعِ وَالدَّمِ وَالرِّيقِ نَصًّا، قَالَ وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَدْ رَكِبَهُ وَخَالَفَ إذَا قَالَ حَمْلُك طَالِقٌ لِأَنَّهُ فِي وِعَاءٍ لَيْسَ مُتَّصِلًا اتِّصَالَ الْخِلْقَةِ. اهـ. وَتَحْرُمُ بِتَحْرِيمِ الرِّيقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الْفَمِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَهُوَ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ وَهُوَ الرُّضَابُ.
(وَصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ) لِعَدَدٍ مِنْ الطَّلَاقِ (بِإِلَّا) أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِهِ (إنْ اتَّصَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَفَادَهُ تت، وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ هَلْ الْمُرَادُ اتِّصَالُهُ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ، إلَّا اثْنَتَيْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قَوْلَانِ، فَإِنْ انْفَصَلَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا لِعُذْرٍ كَسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ نَحْوِهِمَا.
(وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَنَوَاهُ وَنَطَقَ بِهِ وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْيَمِينِ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ أَوْ سَاوَى لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا، وَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، فَلَوْ قَالَ وَلَمْ يُسَاوِ لَفُهِمَ مِنْهُ الْمُسْتَغْرِقُ بِالْأَوْلَى أَوْ أُطْلِقَ الْمُسْتَغْرِقُ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمُسَاوِيَ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَالْمُسَاوِي بِذَاتِهِ أَوْ بِتَكْمِيلِهِ كَطَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ وَرُبُعًا أَوْ
فَفِي ثَلَاثٍ، إلَّا ثَلَاثًا، إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَلْبَتَّةَ، إلَّا اثْنَتَيْنِ، إلَّا وَاحِدَةً: اثْنَتَانِ
ــ
[منح الجليل]
عَكْسُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْطُهُ الِاتِّصَالُ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي طَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ، وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَسَادِهِ. الْقَرَافِيُّ لِابْنِ طَلْحَةَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ.
(فَفِي) قَوْلِهِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) اثْنَتَانِ، وَوَجْهُ لُزُومِ الِاثْنَتَيْنِ اعْتِبَارُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى اللَّازِمَةِ وَإِلْغَاءُ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِاسْتِغْرَاقِهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكَلَامِ بِآخِرِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي أَخْرَجَ مِنْهَا الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَى، فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهَا اثْنَتَانِ فَبَقِيَتْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَى عَكْسِ الْقَوْلَيْنِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي اثْنَتَانِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً. ابْنُ شَاسٍ اثْنَتَانِ. ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوْلَى وَاحِدَةٌ قُلْت وَهُوَ الْحَقُّ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ كَالْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ حُكْمِهِ وَتَقْرِيرِهِ بِتَمَامِ نُطْقِهِ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بَيَانِهِ، وَتَعْلِيلُ ابْنِ شَاسٍ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً يُنْتَجُ لَهُ الْعَكْسُ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ إخْرَاجُ وَاحِدَةٍ مِنْهُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِوُجُوبِ رَدِّ الثَّانِي لِمُتَعَلَّقِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِ تَعَلُّقِهِ لِاسْتِغْرَاقِهِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ.
(أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا) إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَتَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَوْلُهُ ثَلَاثًا إثْبَاتٌ، وَقَوْلُهُ إلَّا اثْنَتَيْنِ نَفْيٌ أَخْرَجَ بِهِ اثْنَتَيْنِ فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُهُ إلَّا وَاحِدَةً إثْبَاتٌ لَهَا فَتُضَمُّ لِلْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ.
(أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (أَلْبَتَّةَ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً) لَزِمَهُ (اثْنَتَانِ) وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَشْهَبَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً اثْنَتَانِ هَذَا عَلَى أَنَّهَا تَتَبَعَّضُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (وَ) إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ الْعَطْفِ مَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا إلَّا مِنْ
وَوَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ؛ إلَّا اثْنَتَيْنِ، إنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ: فَوَاحِدَةٌ؛ وَإِلَّا: فَثَلَاثٌ؛
ــ
[منح الجليل]
أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ) فَ (إنْ كَانَ) نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ (مِنْ الْجَمِيعِ) أَيْ مَجْمُوعِ الْوَاحِدَةِ إلَّا اثْنَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ (فَ) تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِاسْتِثْنَائِهِ اثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ أَكْثَرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْجَمِيعِ بِأَنْ نَوَاهُ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مِنْ الْمَعْطُوفِ كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (فَ) تَلْزَمُهُ طَلَقَاتٌ (ثَلَاثٌ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بِاسْتِغْرَاقِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ، وَأَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ بِلُزُومِ ثَلَاثٍ وَلُزُومِ وَاحِدَةٍ، وَنَصُّهُ وَفِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ مَعَ الْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ فِي طَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ مَعَ نَقْلِ الْقَاضِي مَنْعَهُ، وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْإِقْرَارِ وَفِي جَوَازِ الْمُسَاوِي كَطَالِقٍ اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً مَعْرُوفَ الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَغَالِبُ قَوْلِهِ يُخْتَلَفُ فِيهِ فِيمَا خِلَافُهُ مُخَرَّجٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا مِنْهُ التَّخْرِيجُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُشْتَرَطُ الْأَقَلُّ عَلَى الْمَنْصُوصِ.
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدٍ وَ " س " وَابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً، إنْ نَوَى بِالتَّكْرِيرِ التَّأْكِيدَ لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ اسْتَثْنَى مِنْهَا وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ، فَقَالَ مَرَّةً هِيَ كَاسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَقَالَ مَرَّةً هِيَ ثَلَاثَةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ، وَثُمَّ أَبْيَنُ مِنْ نَسَقِهِ بِالْوَاوِ.
قُلْت هُمَا بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ مَدْلُولِ الْمَعْطُوفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعُهُمَا كَمَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ انْفِرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاخْتِصَاصُهُ بِلَفْظِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ رَدِّهِ لِلْجَمِيعِ أَوْ لِبَعْضِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِ شَرْطِ عَدَمِ اسْتِغْرَاقِهِ وَعَدَمِ
وَفِي إلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَاعْتِبَارِهِ: قَوْلَانِ
ــ
[منح الجليل]
شَرْطِ الْأَقَلِّ، وَلِذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَطَلْقَةٌ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَلَا يَلْزَمُ لَغْوُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِمَا بِالْحَيْثِيَّةِ الثَّانِيَةِ
(وَفِي إلْغَاءِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عَدَمِ اعْتِبَارِ (مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا (وَاعْتِبَارُهُ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ لِوُجُودِهِ لَفْظًا وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا شَرْعًا، وَرَجَعَ سَحْنُونٌ إلَى هَذَا وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَرْجَحُ فِي النَّظَرِ (قَوْلَانِ) لِسَحْنُونٍ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْفُرُوجِ. وَإِنْ قَالَ مِائَةً إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَتَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَوَاحِدَةٌ عَلَى الثَّانِي. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَفِي إجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ عُرْفٌ فَيَجِبُ، وَقَصْرُهُ عَلَى ثَلَاثٍ لِلَّغْوِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا شَرْعًا وَكَذَا فِي الْمُسْتَثْنَى.
ثَالِثُ الطُّرُقِ لَغْوُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لِابْنِ رُشْدٍ وَسَحْنُونٍ وَالْمَازِرِيِّ فِي نَازِلَةٍ لِسَحْنُونٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا. وَكَذَا طَالِقٌ مِائَةً إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ هِيَ الْبَتَّةُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي اسْتَثْنَى. ابْنُ رُشْدٍ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا اسْتِثْنَاءٌ لِأَكْثَرِ الْجُمْلَةِ قِيلَ يَمْنَعُهُ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَعَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا تَلْزَمُ وَاحِدَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ الْأَكْثَرَ وَإِنْ جَازَ لُغَةً فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ عُرْفًا وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ عُرْفًا حُمِلَ قَائِلُهُ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ، بَلْ عَلَى النَّدَمِ وَعَلَى مَنْعِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرَ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، هَذَا إجْرَاءُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأُصُولِ وَلَمْ يَقُلْهُ سَحْنُونٌ، وَنَحَا لِجَعْلِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ كَالْعَدَمِ لِلَغْوِهِ شَرْعًا، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي اسْتَثْنَى، فَعَلَى قَوْلِهِ لَوْ قَالَ طَالِقٌ مِائَةً إلَّا طَلْقَةً كَانَتْ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْمُسْتَثْنَاةَ عَلَى مَذْهَبِهِ إنَّمَا تَقَعُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الثَّلَاثِ إذْ قَوْلُهُ مِائَةٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِ ثَلَاثٌ وَالْأَظْهَرُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا وَتُجْعَلُ الطَّلْقَةُ الَّتِي اسْتَثْنَى مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمِائَةِ فَتَبْقَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ يَلْزَمُ مِنْهَا ثَلَاثٌ.
وَنُجِّزَ إنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا، أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْت قَضَيْتُك
ــ
[منح الجليل]
الْمَازِرِيُّ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا لَزِمَهُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ كَالْعَدَمِ لِلَغْوِهَا شَرْعًا، فَصَارَ كَالْقَائِلِ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا.
وَلَوْ قَالَ مِائَةً إلَّا طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ كَالْقَائِلِ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ، لَكِنَّ هَذَا لَمَّا أَبْقَى بَعْدَ اسْتِثْنَائِهِ ثَلَاثًا أُخِذَ بِهَا. وَلَوْ قَالَ سِتًّا إلَّا ثَلَاثًا لَزِمَهُ ثَلَاثٌ عَلَى الطَّرِيقِينَ مَعًا إنْ اعْتَبَرَ مَا أَبْقَى فَقَدْ أَبْقَى ثَلَاثًا، وَإِنْ رُوعِيَ كَوْنُ السِّتِّ كَالثَّلَاثِ صَارَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا.
(وَنُجِّزَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ حَالَ النُّطْقِ بِصِيغَتِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ يَزْنِ، وَمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ، وَمَسْأَلَةِ مَا عُلِّقَ عَلَى مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْت (إنْ عُلِّقَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثَقَّلَةً أَيْ الطَّلَاقُ (بِ) شَيْءٍ (مَاضٍ) أَيْ مُقَدَّرٍ حُصُولُهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي (مُمْتَنِعٍ) أَيْ مُسْتَحِيلٍ (عَقْلًا) عَلَى وَجْهِ الْحِنْثِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقٌ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمُمْتَنِعِ، وَانْتِفَاؤُهُ مُحَقَّقٌ وَاجِبٌ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقٌ عَلَى وَاجِبٍ، فَلِذَا نُجِّزَ، قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ كَزَوْجَتِهِ طَالِقٌ لَوْ جَاءَ فُلَانٌ أَمْسِ لِجَمْعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ.
(أَوْ) مُمْتَنِعٌ (عَادَةً) كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لَخَسَفَ الْأَرْضَ بِهِ أَوْ رَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ (أَوْ) مُمْتَنِعٌ (شَرْعًا) كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ (أَوْ جَائِزٌ) شَرْعًا (كَ) قَوْلِهِ (لَوْ جِئْت) ني أَمْسِ لَ (قَضَيْتُك) حَقَّك وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُمْتَنِعٌ عَمَّا عُلِّقَ بِمَاضٍ وَاجِبٍ عَقْلًا كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ مَا جَمَعَ عَدَمَهُ وَوُجُودَهُ، أَوْ عَادَةً كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ مَا خَسَفَ الْأَرْضَ بِهِ وَلَا رَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ شَرْعًا كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لِقَضَاءِ حَقِّهِ الْحَالِّ أَجَلُهُ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِيقَاعُهُ مُعَلَّقًا أَقْسَامٌ لَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى فِعْلٍ مُرَتَّبٍ عَلَى فَرْضٍ مَاضٍ لَمْ يَقَعْ، فَفِي حِنْثِهِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فِعْلُهُ مَمْنُوعًا لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ أَشْهَبَ فِي
أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ، وَيُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً: كَبَعْدَ سَنَةٍ
ــ
[منح الجليل]
اخْتِصَارِ الْمَبْسُوطَةِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَعَ دَلِيلِ قَوْلِهَا لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشِّرْكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلَا فِي مِثْلِهِ، فَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِمَنْ نَازَعَهُ وَجَبَذَ ثَوْبَهُ لِيَشُقَّهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَوْ أَنَّك شَقَقْته لَشَقَقْت جَوْفَك، ثُمَّ كَرَّرَهُ شَقَقْت كَبِدَك إلَّا أَنْ لَا أَقْدِرَ عَلَيْك لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ الثَّوْبَ. سَحْنُونٌ هَذِهِ جَبْذَةٌ يُرَدُّ إلَيْهَا مَا يُشْبِهُهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَيْهِ نَحَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَانِثٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا. وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ الْمَسْأَلَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَى فَقْءِ عَيْنِهِ أَوْ شَقِّ كَبِدِهِ أَوْ شَقِّ ثَوْبِهِ. وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الصِّقِلِّيِّ قَوْلَ أَصْبَغَ وَقَوْلَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إنْ أَمْكَنَ الْفِعْلُ شَرْعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَرَطَهُ بِمُمْكِنٍ عَادَةً أَوْ شَرْعًا حَنِثَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَبِمُمْتَنِعٍ عَادَةً وَشَرْعًا وَأَرَادَ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ حَنِثَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ لَمْ يَحْنَثْ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ نَقْلِ الصِّقِلِّيِّ، وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَهْوًا أَوْ ظَفِرَ بِنَقْلٍ غَرِيبٍ وَتَرَكَ الْجَادَّةَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ رَدِيءٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ إلْزَامِ الْحِنْثِ مَعَ الْإِمْكَانِ الْمُنَاسِبُ عَكْسُهُ.
قُلْت وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَوْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ لَوْ جِئْتنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَدْرِي أَكَانَ فَاعِلًا أَمْ لَا، نَصَّ فِي خِلَافِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ حَلَفَ عَلَى وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا وَلَمْ أَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ نَقْلِهِ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ هُنَا فَلْيُنْظَرْ.
(أَوْ) عَلَّقَ بِشَيْءٍ (مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْقَافِ وُقُوعُهُ (وَيُشْبِهُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ يُمْكِنُ (بُلُوغُهُمَا) أَيْ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا (عَادَةً) إلَى حُصُولِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْدَ سَنَةٍ) فَيُنَجَّزُ وَقْتُ تَعْلِيقِهِ لِشَبَهِهِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ يُشْبِهُ بُلُوغُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا يُنَجَّزُ إذْ لَا
أَوْ يَوْمَ مَوْتِي؛ أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا،
ــ
[منح الجليل]
يَأْتِي الْأَجَلُ إلَّا وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يُشْبِهْ الْمُتْعَةَ حِينَئِذٍ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا مَعًا فَهَذَا يَلْزَمُ، أَوْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا، أَوْ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ أَوْ عُمُرُهَا، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا إذْ لَا تَطْلُقُ مَيِّتَةً وَلَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ.
ابْنُ يُونُسَ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا طَلَّقَهَا إلَى وَقْتٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهَا أَوْ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ.
(أَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (يَوْمَ مَوْتِي) أَوْ مَوْتِك فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ قَوْلِهِ وَكَذَا قَبْلَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَقْتَ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فِي جَعْلِ حِلِّهَا إلَى وَقْتٍ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا ظَاهِرًا بِخِلَافِ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى مِتَّ أَوْ مَتَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُنَجَّزُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الْمَوْتِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجِدُ الطَّلَاقُ مَحَلًّا. بِخِلَافِ يَوْمِ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك لِصِدْقِهِ بِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَلِذَا نُجِّزَ.
وَأَمَّا إنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَوْتِ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّزُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُوَضِّحُ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ بَيْنَ يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ إنْ أَوْ إذَا أَوْ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَمُوتُ أَخِي نُجِّزَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ.
وَعَطَفَ عَلَى أَمْثِلَةِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ فَقَالَ (أَوْ) قَوْلُهُ (إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِتَعْلِيقِهِ بِمُحَقَّقٍ وَاجِبٍ عَادِيٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ مَسِّ السَّمَاءِ (أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا) فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالنَّدَمِ وَتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ بِمَا يَرْفَعُهُ. وَكَذَا إنْ أَخَّرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَزْلِ لِاسْتِحَالَةِ انْتِفَاءِ
أَوْ لِهَزْلِهِ: كَ " طَالِقٌ أَمْسِ
أَوْ بِمَا لَا صَبْرَ عَنْهُ: كَإِنْ قُمْت
أَوْ غَالِبٍ: كَإِنْ حِضْت
ــ
[منح الجليل]
حَجَرِيَّةِ الْحَجَرِ (أَوْ لِهَزْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ أَمْسِ) فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَقْتَ قَوْلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ حُذِفَ أَوْ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّنْجِيزِ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَوْلُهُ كَطَالِقٍ أَمْسِ تَشْبِيهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ فَفِي لُزُومِهِ طَلَاقُهَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُمَا الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَرَّةً كَسَحْنُونٍ
اللَّخْمِيُّ وَعَلَيْهِمَا قَوْلُهُ إنْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ قَالَ فِي مُنَازَعَةِ امْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ هَذَا الْعَمُودُ هِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الْعَمُودِ. اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَيُبَرَّأَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الزَّوْجَةُ نَدَمَهُ فَيَحْلِفَ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى وَاضِحٍ فَقَبَضَهُ مُؤَخَّرًا عَنْهُ كَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمُقَدَّمًا ابْنُ الْحَاجِبِ حَانَثْ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ هَذَا الْعَمُودُ. وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي طَالِقٍ أَمْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي السُّرَيْجِيَّةِ نَقَلَ الشَّيْخِ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي كَإِطْلَاقِهِ، وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى حَالٍ وَاضِحَةٍ يَعُدْ الْمُعَلَّقِ فِيهَا هَازِلًا مِثْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا وَهَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا حَنِثَ لِهَزْلِهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. اهـ. فَمَحَلُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُقَدَّمًا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا.
(أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِمَا) أَيْ شَيْءٍ (لَا صَبْرَ عَنْهُ) عَادَةً (كَ) قَوْلِهِ (إنْ قُمْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ يَعْسُرُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمُحَقَّقِ، وَيَصِحُّ ضَبْطُ تَاءِ قُمْت بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَسِيحًا فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ الْيَمِينِ.
(أَوْ) عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ (غَالِبٍ) حُصُولُهُ (كَ) قَوْلِهِ لَهَا (إنْ حِضْت) أَوْ إذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ
أَوْ مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ: كَإِنْ صَلَّيْت؛ أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا: كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ؛ أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ؛ أَوْ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
ــ
[منح الجليل]
فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهَا تَنْزِيلًا لِلْغَالِبِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ أَوْ يُتَوَقَّعُ حَيْضُهَا كَصَغِيرَةٍ لَا آيِسَةٍ وَبِعِلَّةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى غَالِبِ الْوُجُودِ كَالْحَيْضِ فِي تَعْجِيلِهِ وَتَأْخِيرِهِ إلَيْهِ نَقْلًا اللَّخْمِيِّ مَعَ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْمَشْهُورِ وَأَشْهَبُ مَعَ الْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّيْخِ عَنْ رِوَايَتِهِ وَلِابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ.
(أَوْ) عَلَّقَهُ بِ (مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ وَلَوْ كَافِرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَيَتَوَقَّفُ التَّنْجِيزُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَا) أَيْ شَيْءٍ (لَا يُعْلَمُ حَالًا) وَيُعْلَمُ مَآلًا (كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا بَقَاءَ لِعِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا تَعُودُ لِعِصْمَتِهِ (أَوْ) قَالَ إنْ (لَمْ يَكُنْ) فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ التَّعْلِيقِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ فِيهِ حِينَئِذٍ وَلَا تَعُودُ لَهُ وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرًا عَقِبَهُ.
فَإِنْ قُلْت الْمُعَلَّقُ عَلَى نَحْوِ دُخُولِ الدَّارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَيْضًا وَلَا يُنَجَّزُ فَمَا الْفَرْقُ قُلْتُ الْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى نَحْوِ الدُّخُولِ لَمْ يُشَكَّ فِي الْحِنْثِ فِيهِ فِي الْحَالِ، بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا فَالشَّكُّ فِي حِنْثِهِ حِينَ تَعْلِيقِهِ فَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ اسْتِمْرَارٌ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ.
(أَوْ) قَالَ إنْ كَانَ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ (فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ) مَثَلًا (قَلْبَانِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ فِيهِمَا وَلَوْ كُسِرَتْ حَالًا وَتَبَيَّنَ فِيهَا مَا يُبْرِيهِ وَظَاهِرُهُ التَّنْجِيزِ فِي هَذَيْنِ. لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَتَحْرِيكِهَا قُرْبَ أُذُنِهِ وَظَنِّهِ أَنَّ فِيهَا قَلْبًا أَوْ قَلْبَيْنِ (أَوْ) قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ (فُلَانٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَخِفَّةِ اللَّامِ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَوْ النَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ كَالْعَشَرَةِ الَّذِينَ بَشَّرَهُمْ الرَّسُولُ الْأَعْظَمُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبِي لَهَبٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فِي التَّوْضِيحِ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ ثَبَتَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَالْعَشَرَةِ وَكُلِّ مَنْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ شَهِدَ الْإِجْمَاعُ بِعَدَالَتِهِ وَصَلَاحِهِ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ مَالِكٌ " رضي الله عنه "، وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ إمَامُ هُدًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهِيَ طَالِقٌ هِيَ طَالِقٌ سَاعَتَئِذٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَمِثْلُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ. ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْمَبْسُوطَةِ إنْ حَلَفَ عَلَيْهِ حَتْمًا. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ " رضي الله عنه " لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ.
فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ فَتَعْجِيلُ طَلَاقِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الذُّنُوبِ وَلَمْ يُعْصَمْ مِنْهَا إلَّا نَبِيٌّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَيْبٍ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْ الَّذِينَ لَا يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ فَمَعْنَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ لِمَوْتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُقِيمَنَّ بِهَذَا الْبَلَدِ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظَاهِرُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنُ رُشْدٍ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ، وَكَذَا مَنْ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَوَقَفَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي تَحْنِيثِ مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ إمَامُ هُدًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» . . الْحَدِيثَ وَشَبَهَهُ، وَحَصَلَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ مَعْصُومٌ، ثُمَّ قَالَ قُلْتُ فَفِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْحَالِفِ عَلَى الْجَزْمِ بِمُغَيَّبٍ يَبِينُ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِ
أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا، أَوْ لَمْ تَكُونِي. وَحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الْعَزْلِ
أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إطْلَاعُنَا عَلَيْهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ
أَوْ الْمَلَائِكَةُ؛ أَوْ الْجِنُّ
ــ
[منح الجليل]
حَلِفِهِ أَوْ بِالْحُكْمِ. ثَالِثُهَا يُؤَخَّرُ لِبَيَانِهِ. وَرَابِعُهَا هَذَا إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا فَانْظُرْهُ.
(أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ كُنْت) بِكَسْرِ التَّاءِ (حَامِلًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) إنْ (لَمْ تَكُونِي) حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ حِينَهُ (وَحُمِلَتْ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الزَّوْجَةُ (عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ) إنْ كَانَتْ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (فِيهِ) أَيْ الطُّهْرِ أَوْ مَسَّهَا فِيهِ فَلَا إنْزَالَ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ، فِي إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، وَفِي إنْ كُنْت حَامِلًا وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ وَفِي إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا (وَاخْتَارَهُ) أَيْ اللَّخْمِيُّ الْحَمْلَ عَلَى الْبَرَاءَةِ (مَعَ) مَسِّهَا وَالْإِنْزَالِ وَ (الْعَزْلِ) وَضُعِّفَ بِسَبْقِ الْمَاءِ بِلَا شُعُورٍ بِهِ.
(أَوْ) عَلَّقَهُ بِمَا (لَمْ يُمْكِنْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ (اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيُنَجَّزُ فِيهِمَا ابْنُ عَرَفَةَ. ابْنُ رُشْدٍ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَإِطْلَاقِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى وَاقِعٍ لِانْحِصَارِ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي إنْ أَرَادَهُ أَوْ شَرَعَهُ، وَالْأَوَّلُ وَاقِعٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ مَلْزُومٌ لِإِرَادَتِهِ، وَكُلُّ مُرَادٍ لِلْبَشَرِ مُرَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِعُمُومِ إرَادَتِهِ تَعَالَى كُلَّ حَادِثٍ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى لُزُومُهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ إنَّمَا أَلْزَمَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ تَعَالَى مَجْهُولَةٌ لَنَا لَا يُمْكِنُنَا عِلْمُهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِلشَّكِّ فِيهِ مَرْغُوبٌ عَنْهُ لِاقْتِضَائِهِ تَشَابُهَ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى لِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ لِجَعْلِهِ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَغَابَ قَبْلَ عِلْمِ مَشِيئَتِهِ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ مُضَاهٍ لِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ.
(أَوْ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ (الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ) فَيُنَجَّزُ لِلشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ حَالًا. ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى مَشِيئَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنٍّ. ابْنُ شَاسٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، وَمُقْتَضَى
أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ،
ــ
[منح الجليل]
قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ تَمْثِيلُ بَعْضِهِمْ بِإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَغَابَ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، إذْ لَا مَشِيئَةَ لَهُ، وَلِلْمَلَكِ وَالْجِنِّ مَشِيئَةٌ لَا تُعْلَمُ كَزَيْدٍ الْمَفْقُودِ.
(أَوْ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ (صَرَفَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ) وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ، أَيْ نَوَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ رَاجِعَةٌ لِلدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَوُجِدَ الدُّخُولُ فَيُنَجَّزُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ التَّنْجِيزُ فِي صَرْفِهَا لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَصْرِفْهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ لَا طَلَاقَ وَلَوْ دَخَلَتْ.
ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَرَفَ الْمَشِيئَةَ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ إنْ تَرَكْت الدُّخُولَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولِي فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ، وَقَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدُّخُولَ أَوْ عَدَمَهُ وَاقِعٌ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَأَجَابَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ صَرْفَهُ الْمَشِيئَةَ لِلْفِعْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُحْتَمَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِهِ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ، أَوْ بِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ فَابْنُ رُشْدٍ بَنَاهُ عَلَى الثَّانِي فَأَلْزَمَ مَا أَلْزَمَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجِيبًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ بَنَى عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فِي جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ. فَابْنُ رُشْدٍ جَعَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. وَابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَهُ شَرْطًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ. وَإِنْ كَانَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَلَّقَ مُعَلَّقًا عَلَى أَمْرٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي لَغْوِ اسْتِثْنَائِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يُرِدْ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مَعَ أَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ، وَصَوَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
ابْنُ رُشْدٍ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ إعْمَالُهُ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَهُ لِلْفِعْلِ فَقَدْ بَرَّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ لَا تُوجَدُ وَهِيَ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى لَا يَشَاؤُهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَعَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ دَرْكٌ عَظِيمٌ. قُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ فِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَرَدُّهُ لِلْفِعْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُحْتَمَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْفِعْلِ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ، أَوْ بِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ فَابْنُ رُشْدٍ بَنَاهُ عَلَى الثَّانِي فَأَلْزَمَ مَا لَزِمَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجِيبًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ بَنِي عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فِي جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْت الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ هُوَ فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ قُلْت بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ تَقْيِيدُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَلَّمْنَاهُ فَنَقُولُ إنَّمَا كَانَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ مُنَافٍ لِنَصِّ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ مُقْتَضَى النَّصِّ فِيهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ هُوَ فِيهِ حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَعَ السَّلَامَةِ عَنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ فِيهِ.
إمَّا إنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت إنْ شَاءَ اللَّهُ قِيَامِي، فِيهِ شَرْطٌ تَعَقَّبَ شَرْطًا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ فِعْلًا مُسْنَدًا أَنْ يُؤَثِّرَ فِي وَقْفِ إسْنَادِهِ عَلَى الشَّرْطِ لَا أَنْ يُؤَثِّرَ فِي وَقْفِ نَقِيضِ الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، كَقَوْلِهِ اضْرِبْ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، هَذَا إنْ كَانَ قَذَفَ حُرًّا عَفِيفًا إنْ كَانَ عَبْدًا، فَقَوْلُهُ إنْ كَانَ عَبْدًا مُؤَثِّرٌ فِي إسْنَادِ ضَرْبِ أَرْبَعِينَ بِمَعْنَى وَقْفُهُ عَلَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ إنْ كَانَ عَبْدًا وَحَمَلَهُ عَلَى تَأْثِيرِ الشَّرْطِ فِي وَقْفِ نَقِيضِ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ حُمِلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا لِمُعَارِضٍ شَرْعِيٍّ، كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي
بِخِلَافِ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ
أَوْ كَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ. أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ
ــ
[منح الجليل]
صَرْفِهِ لِلْفِعْلِ أَوْ لِلطَّلَاقِ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ نَصَّ رِوَايَةٍ، وَالنَّظَرُ عِنْدِي صَرْفُهُ لِلْفِعْلِ إنْ قَصَدَ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ لِأَنَّ صَرْفَهُ لِلطَّلَاقِ لَغْوٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَصَرْفَهُ لِلْفِعْلِ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ لَهُ مَعْنًى أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ.
(بِخِلَافِ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ (إلَّا أَنْ يَبْدُوَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِي) أَنْ لَا أَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ، وَإِلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ، وَإِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي خَاطِرِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ إذْ كَانَ ذَلِكَ (فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ) فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ، بَلْ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْلِيقُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ دُخُولِ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك، بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ شِئْت جَعَلْته سَبَبًا، وَإِنْ شِئْت لَمْ أَجْعَلْهُ سَبَبًا لَهُ، فَلِذَا نَفَعَهُ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ وُكِّلَ إلَى إرَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا.
وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَنْ صَرْفِهِ لِلْمُعَلَّقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ فَيُنَجَّزُ، وَكَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ صَرْفِهِ إلَى أَحَدِهِمَا فَيُنَجَّزُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي عِتْقِهَا الْأَوَّلُ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلَتْ مَعِي شَهْرًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَقَعَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَأْكُلَ مَعَهُ فَنَهَاهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَأَكَلَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُ وَرَأَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(أَوْ) عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ لَا يَدْرِي أَيُوجَدُ أَمْ لَا (كَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ وَلَا يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ، وَإِنْ أَمُطِرْت بَعْدَ كَلَامِهِ غَدًا فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْغَيْبِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْهَزْلِ، وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْحِنْثَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ) الْمُسْتَقْبَلَ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إمْطَارَهَا فِيهَا مُحَقَّقٌ وَعَدَمُهُ مُحَالٌ عَادَةً فَهُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مُحَالٍ.
(أَوْ) إلَّا أَنْ (يَحْلِفَ) عَلَى الْإِمْطَارِ (لِعَادَةٍ) اعْتَادَهَا (فَيُنْتَظَرُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُمَهَّلَ وَلَا يُنَجَّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمْضِيَ الزَّمَنُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْإِمْطَارِ فِيهِ، فَإِنْ أُمْطِرَتْ فِيهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ. وَيُمْنَعُ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صِيغَتُهُ بِرًّا أَوْ حِنْثًا لِأَنَّ فِي إرْسَالِهِ عَلَيْهَا إرْسَالًا عَلَى مَشْكُوكٍ فِي عِصْمَتِهَا، وَظَاهِرُهُ انْتِظَارُهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ، وَاحْتَرَزَ بِالْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ غَيْرِهَا كَكَهَانَةٍ وَتَنْجِيمٍ فَلَا يُنْتَظَرُ وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ.
عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَوْ حَلَفَ لِعَادَةٍ جَرَتْ لَهُ وَعَلَامَاتٍ عَرَفَهَا وَاعْتَادَهَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ التَّخَرُّصِ وَتَأْثِيرِ النُّجُومِ عِنْدَ مَنْ زَعَمَهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكُونَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» ، وَبَحْرِيَّةً صِفَةُ سَحَابَةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ مَنْسُوبَةٍ لِلْبَحْرِ لِإِتْيَانِهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَمَعْنَى تَشَاءَمَتْ مَالَتْ لِجِهَةِ الشَّامِ، وَغُدَيْقَةٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ، وَالْغَدَقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالدَّالِ الْمَطَّارُ الْكِبَارُ، وَغَدَقٌ اسْمُ بِئْرٍ مَعْرُوفٍ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عُجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ اسْتِخْبَارُ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ حَقًّا قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ.
ابْنُ رُشْدٍ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ إلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ بِذَلِكَ مَرْمَى الْغَيْبِ، وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَطْعًا مِنْ جِهَاتِ الْكِهَانَةِ أَوْ التَّنْجِيمِ أَوْ تَقَحُّمًا عَلَى الشَّكِّ دُونَ سَبَبٍ مِنْ تَجْرِبَةٍ، أَوْ تَوَسُّمِ شَيْءٍ ظَنَّهُ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ سَاعَةَ حَلَفَ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ. فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ وَلَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَعِيسَى تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُنَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي أَنْ لَا يَرْمِيَ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْغَيْبِ وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَنْ تَجْرِبَةٍ أَوْ شَيْءٍ تَوَسَّمَهُ، فَهَذَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَا يُسْتَأْنَى بِهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ، هَذَا قَوْلُ عِيسَى وَدَلِيلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ اهـ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ عُجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُسْتَأْنَى بِهِ. وَاخْتُلِفَ إنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا
وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؟ أَوْ يُنْجَزُ كَالْحِنْثِ؟ تَأْوِيلَانِ
أَوْ بِمُحَرَّمٍ. كَإِنْ لَمْ أَزْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ
ــ
[منح الجليل]
حَلَفَ عَلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا أَنَّهُ تَطْلُقُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى ظَنِّهِ لِأَمْرٍ تَوَسَّمَهُ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا ظَهَرَ لِكِهَانَةٍ أَوْ تَنْجِيمٍ أَوْ الشَّكِّ أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ طُلِّقَ عَلَيْهِ اهـ أَفَادَهُ " غ ".
(وَهَلْ يُنْتَظَرُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُمَهَّلُ الْحَالِفُ، وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (فِي) صِيغَةِ (الْبِرِّ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الِانْتِظَارِ (الْأَكْثَرُ) مِنْ شَارِحِيهَا (أَوْ يُنَجَّزُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدَةً الطَّلَاقُ فِي الْبِرِّ (كَ) تَنْجِيزِهِ فِي (الْحِنْثِ تَأْوِيلَانِ) مَحَلُّهُمَا إذَا حَلَفَ لَا لِعَادَةٍ وَقَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ كَدُونِ سَنَةٍ. وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ، أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ فِي الْأَجَلِ الْبَعِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّنَةَ زَمَنٌ بَعِيدٌ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ بِهَا فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ بِهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ عَادَةً بِبَلَدِنَا، وَنَحْوِهَا أَنْ تَمْضِيَ سَنَةٌ وَلَا يَحْصُلُ مَطَرٌ فِيهَا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَشْهُرُ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ الْمَطَرُ فِيهَا عَادَةً كَالتَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَيَفْتَرِقُ فِيهَا صِيغَةُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ.
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ فِي زَمَنٍ مَا وَكَذَا إنْ ضَرَبَ أَجَلًا عَشْرَ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ. اهـ. طفى إنَّمَا مَحَلُّ التَّأْوِيلِ إذَا حَلَفَ لَا لِعَادَةٍ وَضَرَبَ الْأَجَلَ الْقَرِيبَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَمَنْ تَأَكَّدَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَمَا نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اتَّضَحَ لَهُ مَا قُلْنَا، وَعَلَيْهِ شَرْحُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ شُرَّاحِهِ.
(أَوْ) عَلَّقَهُ (بِ) فِعْلٍ (مُحَرَّمٍ كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ أَزْنِ) أَوْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ أَوْ أَقْتُلْ فُلَانًا عَمْدًا وَعُدْوَانًا فَيُنَجِّزُهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا يُنَجِّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ) الْفِعْلُ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْحَالِفِ بِإِنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ قَتَلَ النَّفْسَ
قَبْلَ التَّنْجِيزِ؛
أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا، وَدُيِّنَ إنْ أَمْكَنَ حَالًا، وَادَّعَاهُ، فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ: كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا: طَلَقَتْ
ــ
[منح الجليل]
قَبْلَ التَّنْجِيزِ) عَلَيْهِ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ
(أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَا لَا يُعْلَمُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ (حَالًا وَلَا مَآلًا) . الشَّارِحُ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.
(وَدُيِّنَ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً أَيْ وُكِّلَ الزَّوْجُ إلَى دِينِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ (إنْ أَمْكَنَ) اطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ (حَالًا وَادَّعَاهُ) كَحَلِفِهِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ وَالسَّمَاءَ مُطْبَقَةً بِالْغَيْمِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَيَحْلِفُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفَتْوَى.
(فَلَوْ حَلَفَ) زَوْجَانِ (اثْنَانِ) بِطَلَاقِ زَوْجَتَيْهِمَا (عَلَى) جِنْسِ (النَّقِيضِ) الصَّادِقِ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ أَوْ الْمَعْنَى حَلَفَ كُلٌّ عَلَى النَّقِيضِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ (كَ) قَوْلِ أَحَدِهِمَا (إنْ كَانَ هَذَا) الطَّائِرُ (غُرَابًا) فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ (أَوْ) قَوْلِ الْآخَرِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُلْزَمُ الْمُكَلَّفُ بِيَقِينِ غَيْرِهِ، وَكَقَوْلِ أَحَدِهِمَا زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَمْ أَقُلْهُ لَك وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
(فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا) أَيْ الزَّوْجَانِ الْحَالِفَانِ عَلَى النَّقِيضَيْنِ (يَقِينًا) بِأَنْ شَكَّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ (طَلَقَتَا) أَيْ زَوْجَتَا الْحَالِفَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا طَلَقَتْ بِالْإِفْرَادِ فِيهِمَا، أَيْ طَلَقَتْ زَوْجَةُ مَنْ لَمْ يَدَّعِ الْيَقِينَ سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا أَوْ أَحَدُهَا وَأَرَادَ بِالْيَقِينِ الْجَزْمَ إذْ الْيَقِينُ مَا لَا يُمْكِنُ خِلَافُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الظَّنَّ وَالشَّكَّ وَالْوَهْمَ، وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ صِدْقُ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ وَإِنْ ادَّعَيَا الْيَقِينَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَأُ أَحَدِهِمَا فَيَحْنَثُ، إذْ اللَّغْوُ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ يَمِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَفْهُومُ اثْنَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَاحِدٌ عَلَى النَّقِيضَيْنِ بِطَلَاقِ زَوْجَتَيْهِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْحَالُ وَتَعَذَّرَ التَّحْقِيقُ لَطَلَقَتَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَحَقُّقُ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا لَمْ تَطْلُقْ الَّتِي تَبَيَّنَ
وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ:
ــ
[منح الجليل]
لَهُ بِرُّ يَمِينِهَا وَطَلَقَتْ الْأُخْرَى ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ يَعْرِفُ هَذَا الْحَقَّ لِحَقٍّ يَدَّعِيهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ يَعْرِفُ لَهُ فِيهِ حَقًّا دُيِّنَا جَمِيعًا، وَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَالْعِتْقُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ السَّبَائِيُّ أَنَّهُمَا يُدَيَّنَانِ وَلَا يَحْلِفَانِ. وَلِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُدَيَّنَانِ وَيَحْلِفَانِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي نَحْوِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إنْ طُولِبَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَفْتِيَيْنِ فَلَا وَجْهَ لِلْيَمِينِ، وَفِي اخْتِصَارِ الْمَبْسُوطَةِ لِابْنِ رُشْدٍ سُئِلَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " عَمَّنْ نَازَعَ رَجُلًا فَقَالَ أَنْتَ قُلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَقَالَ الْأَوَّلُ يَمِينِي فِي يَمِينِك بِالطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَا قُلْته حَقًّا، وَقَالَ الْآخَرُ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ أَلْبَتَّةَ إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ حَقًّا فَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " حَنِثَ الْأَوَّلُ وَطَلَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَلْبَتَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ فَلَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت قُلْته فَلْيُدَيَّنَا وَيُتْرَكَا إنْ ادَّعَيَا يَقِينًا، وَفِي عِتْقِهَا الْأَوَّلَ إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنْ ادَّعَيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دُيِّنَا فِيهِ وَإِنْ قَالَا لَمْ نُوقِنْ أَدَخَلَ أَمْ لَا وَإِنَّمَا حَلَفْنَا ظَنًّا فَلْيُعْتِقَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْبَرَانِ عَلَى عِتْقِهِ، وَعَبَّرَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْغَيْرِ بِأَشْهَبَ وَنَقَلَهَا التُّونُسِيُّ بِلَفْظِ حَلَفَا عَلَى الشَّكِّ بَدَلَ حَلَفَا ظَنًّا، وَلَفْظُ الْأُمِّ إنْ ادَّعَيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دُيِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ وَيُوهِمَانِ أَنَّهُمَا حَلَفَا عَلَى الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَسْتَرِقَّاهُ بِالشَّكِّ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ. سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ.
(وَلَا يَحْنَثُ) الزَّوْجُ (إنْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (بَ) شَيْءٍ (مُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ) وُجُودُهُ عَقْلًا كَقَوْلِهِ إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ شَرْعًا بِصِيغَةِ بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ زَنَيْت فَأَنْتِ
كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ، أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ، أَوْ لَا يُشْبِهُ الْبُلُوغُ إلَيْهِ، أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ إذَا مِتُّ، أَوْ مَتَى، أَوْ إنْ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ
ــ
[منح الجليل]
طَالِقٌ أَوْ عَادَةٍ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ لَمَسْت) بِتَثْلِيثِ التَّاءِ (السَّمَاءَ) فَطَالِقٌ (أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقٌ عَدَمُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ، وَعُورِضَتْ هَذِهِ بِلُزُومِهِ بِالْهَزْلِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ، فَمَا هُنَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّ لُزُومَهُ أَصَحُّ، فَاسْتَوَى مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا.
(أَوْ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ آدَمِيٍّ وَ (لَمْ تُعْلَمْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ (مَشِيئَةُ) الشَّخْصِ (الْمُعَلَّقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ الطَّلَاقُ (بِمَشِيئَتِهِ) أَيْ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ فَلَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا حِينَ التَّعْلِيقِ وَعَلِمَ بِمَوْتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ) عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ (لَا يُشْبِهُ) أَيْ يُمْكِنُ (الْبُلُوغُ) أَيْ الْحَيَاةُ مِنْهُمَا مَعًا (إلَيْهِ) عَادَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنْ بَلَغَ الزَّوْجَانِ مَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يُشْبِهُ بُلُوغَهُمَا إلَيْهِ فَقَالَ الْحَطّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ. عب وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ التَّعْمِيرُ مِنْ سَبْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ قَالَ (طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ) أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَأَتَى بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ نَسَقًا بِلَا فَصْلٍ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ (إذَا مِتَّ) بِضَمِّ التَّاءِ (أَوْ مُتِّي) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِإِشْبَاعِ الْكِسْرَةِ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ رَدِيئَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِهَا وَكَسْرِ التَّاءِ، وَجَوَابُ إذَا مَحْذُوفٌ أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
(أَوْ) قَوْلُهُ (إنْ) مِتّ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ مِتَّ بِكَسْرِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ إنْ مِتَّ أَوْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ أَوْ مِتَّ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ
نَفْيَهُ
أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً
ــ
[منح الجليل]
رضي الله عنه " تَغْلِيبًا لِلشَّرْطِيَّةِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَمَفْعُولُ يُرِيدُ (نَفْيَهُ) أَيْ الْمَوْتِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ الْمَرَضِ عِنَادًا بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لَا أَمُوتُ وَلَا تَمُوتِينَ فَيُنَجَّزُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَغْوٌ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مِتَّ أَنَا وَأَنْتِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فِي إنْ قَالَ، وَكَذَا إذَا، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَرَأَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي إنْ قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّ إنْ حَرْفٌ لَا تَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ فَاخْتَصَّتْ بِوُقُوعِ الْمَوْتِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِذَا اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى زَمَانِ الْمَوْتِ الصَّادِقِ عَلَى مَا قَارَبَهُ قَبْلَهُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ يَوْمَ مَوْتِي.
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ سَوَاءٌ وَوَقَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي إنْ مِتَّ قَالَ أَصْبَغُ هُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَمَحْمَلُهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِبِسَاطٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَمُوتَ عِنَادًا أَوْ مِنْ مَرَضٍ خَاصٍّ فَيُعَجَّلُ طَلَاقُهُ مَكَانَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ " رضي الله عنه " إلَى أَنْ إذَا مِتَّ مِثْلُ إنْ مِتَّ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي قَوْلِهَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ فَذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ افْتَرَقَا حَتَّى تُوقِفَ أَوْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا طَائِعَةً وَكَانَتْ " إذَا " عِنْدَ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَشَدَّ مِنْ " إنْ " ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا.
(أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمُحَقَّقِ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ (إنْ وَلَدْت جَارِيَةً) أَيْ بِنْتًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ أَوْ مَسَّهَا فِيهِ وَلَمْ يُنْزِلْ أَوْ عَزَلَ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَوَافَقَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ. طفي هَذَا أَصْلُهُ لِعِيَاضٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ سَاعَتَئِذٍ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً أَوْ إذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ، وَكَذَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ.
أَبُو الْحَسَنِ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَكَذَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ، وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خِلَافٌ اهـ. وَكَذَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت غُلَامًا فَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ، يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ أَنْ يُعَجَّلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. وَلِذَا حَمَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً كَمَا بَعْدَهُ، وَالْغَرَضُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ وَتَبِعَهُ " س " وَتَعَقَّبَ الْحَطّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَذَكَرَ هُنَا طَرِيقَيْنِ أُولَاهُمَا الَّتِي قَدَّمَهَا فِي قَوْلِهِ كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يُنَجَّزُ فِي قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَنَصُّ تَبْصِرَتِهِ اخْتَلَفَ فِيمَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ تَلِدِي غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ نَحْوَ الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَفِي مَالِكٍ أَنَّهَا طَالِقٌ مَكَانَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْآنَ وَهِيَ طَرِيقَةُ عِيَاضٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. اهـ. قَالَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي هَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حَالًا، وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ فَكُلُّهَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً مَعَ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى خِلَافِ مَا شَهَرَهُ هُنَاكَ. اهـ. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَا تَخَالُفَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ عِيَاضٍ، إذْ لَمْ يُخَالِفْ عِيَاضٌ إلَّا فِي إنْ وَلَدْت جَارِيَةً أَوْ إذَا وَلَدْت جَارِيَةً حَسْبَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّهِ.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ عِيَاضٌ، بَلْ وَافَقَ اللَّخْمِيَّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يُخَالِفُهُ فِيهِ وَالْمُدَوَّنَةُ قَالَتْ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ مَا تَقَدَّمَ عَنْهَا وَأَقَرَّهُ عِيَاضٌ، وَإِنَّمَا قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ إلَخْ وَقَالَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِك حَمْلٌ أَوْ إذَا وَضَعْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ مَكَانَهَا، وَلَا يُسْتَأْنَى بِهَا لِيَنْظُرَ أَبِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَتَوَارَثَانِ، فَهَذَا صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَخِلَافُهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي إنْ وَلَدْت جَارِيَةً وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ لِمُحَقَّقَةِ الْحَمْلِ أَوْ لِمَشْكُوكٍ فِي حَمْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُحَقَّقَةَ الْبَرَاءَةِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّنْجِيزِ، لَكِنْ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ يُنْتَظَرُ إلَى الْوَطْءِ وَعِنْدَ عِيَاضٍ إلَى الْوِلَادَةِ.
أَوْ إنْ حَمَلْت، إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً، وَإِنْ قَبْلَ يَمِينِهِ: كَإِنْ حَمَلْت، وَوَضَعْت، أَوْ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبِ، وَانْتُظِرَ إنْ أَثْبَتَ: كَيَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) قَالَ لِغَيْرِ ظَاهِرَةِ الْحَمْلِ (إذَا حَمَلْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِظُهُورِهِ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ يَمِينِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَ بِك حَمْلٌ أَوْ حَدَثَ فَعُمِلَ بِالِاحْتِيَاطِ فَحَنِثَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّ قَصْدَهُ قَطْعًا إذَا حَدَثَ بِك حَمْلٌ غَيْرُ هَذَا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَأَمَّا إنْ قَالَ لِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ إنْ كُنْت حَامِلًا فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ فِي إذَا حَمَلْت فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً) بَعْدَ يَمِينِهِ.
بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْوَطْءُ (قَبْلَ يَمِينِهِ) نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، كَقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، ثُمَّ يُمْسِكُ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ. وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ بَيْنَهُمَا بِمَنْعِ النِّكَاحِ لِأَجَلٍ، وَجَوَازُ الْعِتْقِ لَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَتْنِ رَاجِعْ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ، وَاسْتُشْكِلَ الْحِنْثُ بِوَطْئِهَا قَبْلَ يَمِينِهِ بِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى حُدُوثِ حَمْلٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ إنْ حَمَلْت إنْ كُنْت حَامِلًا وَظَهَرَ حَمْلُك أَوْ مُرَادُهُ بِهِ الْوَضْعُ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيهِ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ، وَأَوَّلُ الْجَوَابَيْنِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ التَّنْجِيزِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ فَقَالَ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ حَمَلْت وَوَضَعْت) بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ سُكُونِهَا فِيهِمَا فَطَالِقٌ وَلَيْسَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ نُجِّزَ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغَايَةِ الثَّانِيَةِ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ (مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ) وُقُوعُهُ وَيُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَانْتُظِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ أُمْهِلَ الزَّوْجُ بِالْحِنْثِ إلَى وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (إنْ أَثْبَتَ) فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنْ عَلَّقَهُ بِصِيغَةِ بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَ (كَ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ) الْغَائِبِ مِنْ سَفَرِهِ
وَتَبَيَّنَ الْوُقُوعُ أَوَّلَهُ: إنْ قَدِمَ فِي نِصْفِهِ
وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إنْ شَاءَ
ــ
[منح الجليل]
قَاصِدًا تَعْلِيقَهُ عَلَى نَفْسِ قُدُومِهِ وَالزَّمَنُ تَبَعٌ لَهُ، فَإِنْ قَدِمَ وَلَوْ لَيْلًا حَنِثَ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى زَمَنِ قُدُومِهِ نُجِّزَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا يُنْتَظَرُ، وَأَنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى نَفْسِ الزَّمَنِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى نَفْسِ فِعْلٍ غَيْرِ غَالِبٍ وُجُودُهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِهِ فِيهَا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ وَلَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ قَصَدَ وَقْتَ الْفِعْلِ وَهُوَ تَبَعٌ فَكَمُعَلَّقٍ عَلَى وَقْتٍ.
(وَتَبَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ ظَهَرَ (الْوُقُوعُ) لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى قُدُومِ زَيْدٍ (أَوَّلَهُ) أَيْ يَوْمَ قُدُومِهِ (إنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (فِي نِصْفِهِ) أَيْ الْيَوْمِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إذَا حَنِثَ بِنَفْسِ قُدُومِهِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِذَا قَدِمَ أَثْنَاءَ أَحَدِهِمَا تَبَيَّنَ أَيْ اُعْتُبِرَ حِنْثُهُ بِأَوَّلِهِ وَثَمَرَتُهُ فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ طَاهِرًا وَحَاضَتْ وَقْتَ قَدِمَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَوَضَعَتْ وَقْتَ قُدُومِهِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَفِي التَّوَارُثِ وَرُجُوعِهَا عَلَيْهِ بِمَا خَالَعَتْهُ بِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ فِي الْيَوْمِ لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي هَذَا بِنَفْسِ قُدُومِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَبَيُّنِ وُقُوعِهِ أَوَّلَ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلِ.
(وَ) لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ) عَدَمَهُ أَوْ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْتِ فَلَا يَتَنَجَّزُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ شَاءَ وُقُوعَهُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا (مِثْلُ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ شَاءَ) زَيْدٌ أَوْ أَنْ شِئْت أَنْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ فِي التَّوَقُّفِ عَلَيْهَا، لَكِنْ فِي هَذَا اتِّفَاقًا فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِثْلُ إنْ شَاءَ. وَاخْتُلِفَ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَهُ حَتَّى يَشَاءَ زَيْدٌ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ إذَا وَقَعَ لَا يَرْتَفِعُ فَقِيَاسُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَشِيئَتِهِ عَدَمَ وُقُوعِهِ، لَكِنَّهُ نَظَرَ فِيهِ لِلتَّعْلِيقِ مَعْنًى ابْنُ عَرَفَةَ.
بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي:
ــ
[منح الجليل]
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَقِيلَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُنْتَخَبَةِ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي فَمَنَعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي فَلَمْ يَشَأْ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ أَبِي. اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ أَبِيهِ مِثْلُهُ فِي نَوَازِلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ قِيَاسُهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ لَا قِيَاسُهُ الثَّانِي أَنَّهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ أَبِي لِأَنَّ وَقْفَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ الْأَبِ صَحِيحٌ وَرَفْعَ مَشِيئَةِ الْأَبِ الطَّلَاقَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَنْبَغِي جَعْلُ لَفْظِ رَفْعِ الْمَشِيئَةِ الطَّلَاقَ بِمَعْنَى وَقْفِ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ فَيَنْوِيَ إنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَلَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ الْبَيِّنَةِ فَضْلًا أَنْ تُحْمَلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي لَغْوًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ حُمِلَ عَلَى إرَادَتِهِ بِهِ إنْ شَاءَ أَبِي لِعَدَمِ تَفْرِقَةِ الْعَوَامّ وَالْجُهَّالِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يُفْتَى بِهِ الْجَاهِلُ، عَلَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ لَيْسَتْ الْجَهَالَةُ بِأَحْسَنَ حَالَةً مِنْ الْعِلْمِ فِي الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ ضَعِيفٌ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى لَفْظِهِ هُوَ أَظْهَرُ مُحْتَمَلَاتِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتِي طَالِقٌ لَا أُلْزِمُ نَفْسِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَحَا أَصْبَغُ فَجَعَلَهُ كَإِنْ شَاءَ أَبِي، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا، وَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ أَحَدَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيُخْتَلَفُ عَلَى أَيُّهَا يُحْمَلُ. اهـ. وَأَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا.
(بِخِلَافِ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إلَّا أَنْ يَبْدُوَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِي) عَدَمُ طَلَاقِك فَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ، حَيْثُ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْمُعَلَّقِ، فَإِنْ رَدَّهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهَا فِي النُّذُورِ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ. الصِّقِلِّيُّ وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَشْيِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي
كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا، وَقَالَ مَا قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي إلَّا كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، فَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ. التُّونُسِيُّ لَمْ يَنْفَعْهُ اسْتِثْنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ لَمْ يَقَعْ، بَلْ إلَى وُجُوبِ شَيْءٍ قَدْ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي عَلَى الْأَشْهَرِ خِلَافُ نَصِّ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ تَفْرِقَتِهِ أَنَّ الرَّافِعَ فِي إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي هُوَ الْمَوْقِعُ فَكَانَ مِنْهُ تَلَاعُبًا. وَفِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ غَيْرَهُ فَأَشْبَهَ كَوْنَهُ تَفْوِيضًا.
وَشَبَّهَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ (كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ) فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ كَذَا أَوْ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي فَرَجٍ إنْ شَاءَ زَيْدٌ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى مَشِيئَتِهِ. وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ شِئْت فَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ لَزِمَهُ وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنْ رَدَّهُ لِيُعَلِّقَ عَلَيْهِ نَفْعَهُ وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّ الرِّوَايَاتِ تَسْوِيَةُ الْعِتْقِ وَالنَّذْرِ بِالطَّلَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. ابْنُ شَاسٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لِأَصْحَابِنَا طَرِيقَانِ الْأُولَى لَفْظُ الطَّلَاقِ يُوجِبُهُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، الثَّانِيَةُ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ تَأَخُّرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ الطَّلَاقِ مَعَ وُقُوعِهِ بِلَفْظِهِ كَاسْتِثْنَاءٍ عُلِّقَ بِمَاضٍ يَسْقُطُ كَسُقُوطِهِ فِي تَعَلُّقِهِ بِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. الْمَازِرِيُّ تَحْقِيقُهُ إنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إيقَاعَ لَفْظِي لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ لُزُومَ الطَّلَاقِ لِلْحَالِفِ بِهِ لَزِمَهُ قَوْلًا
وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ. كَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ مُنِعَ مِنْهَا
ــ
[منح الجليل]
وَاحِدًا، وَإِنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَ الطَّلَاقِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ أَشْكَلُ الْوُجُوهِ، وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ هَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْفُرُوعِ حُكْمٌ مَطْلُوبٌ نَحْنُ غَيْرُ عَالِمِينَ بِهِ فَيَرْجِعُ إلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ أَوْ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ بَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَكُونُ الْحَقُّ مُعَلَّقًا بِاجْتِهَادِ الْمُفْتِي.
قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفْرِيقِ، بَلْ هُوَ بَحْثٌ فِي أَعْمَالِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَغْوِهِ وَالْأَقْرَبُ فِي التَّفْرِيقِ أَنَّ مَدْلُولَ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَقَطْ، فَاسْتَحَالَ تَعْلِيقُهُ لِقِدَمِهِ وَمَدْلُولُ الْيَمِينِ فِعْلٌ أَوْ كَفٌّ عَنْهُ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ لِحُدُوثِهِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْأَصْلُ لَغْوُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْمُعَلَّقِ وَرَدُّ أَعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ.
وَذَكَرَ قَسِيمٌ إنْ أَثْبَتَ فَقَالَ (وَإِنْ نَفَى) أَيْ حَلَفَ بِصِيغَةِ حِنْثٍ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا (وَلَمْ يُؤَجِّلْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ لَمْ يَذْكُرْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا مُعَيَّنًا بِأَنْ أَطْلَقَهَا (كَ) قَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَقْدَمْ) زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ (مُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الزَّوْجُ (مِنْ) وَطْءِ (هَا) أَيْ الزَّوْجَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ الْقُدُومِ مَثَلًا حَتَّى يَحْصُلَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى فَرْجٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَيُنْتَظَرُ فَإِنْ رَفَعَتْهُ بِتَرْكِ وَطْئِهَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا جُبِرَ عَلَى تَرْكِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. وَفِي نُسْخَةٍ كَإِنْ لَمْ أَقْدَمْ بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَ حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ إلَخْ، وَيُمْكِنُ رَدُّ النُّسْخَةِ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِجَعْلِ فَاعِلِ يَقْدَمُ ضَمِيرُ الْحَالِفِ، فَإِنْ أَجَّلَ بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ كَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَضِيقَ الْأَجَلُ، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَ انْقِضَائِهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى عَدَمِ فِعْلٍ مُمْكِنٍ لِلْحَالِفِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ يَمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَفْعَلَهُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا إذْ لَا تَطْلُقُ مَيِّتَةً وَلَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ،
إلَّا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إنْ لَمْ أَطَأْهَا
وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا؟ أَوْ إلَّا فِي: كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَلَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ؟ تَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
وَفِي الْأَيْمَانِ مِنْهَا مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ.
اللَّخْمِيُّ رَوَى ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلَن فَتَرْكُ وَطْئِهِ مُحْدَثٌ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ، يُرِيدُ لَمْ تَكُنْ الْفُتْيَا بِمَنْعِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ مَنْ يُتَوَقَّعُ حِنْثُهُ فِي الْحَيَاةِ لَا مَنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ مَوْتِ زَوْجَتِهِ أَحْسَنُ. الشَّيْخُ إنْ تَعَدَّى وَوَطِئَ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ. الصِّقِلِّيُّ لِضَعْفِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ. قُلْت يَرُدُّهُ وَطْءُ الْمُعْتَكِفَةِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ فَالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لِخَلَلٍ فِي مُوجِبِ الْوَطْءِ، وَقَوْلُ اسْتِبْرَائِهَا كُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ لَا يَطَأُ بَعْدَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ يُرِيدُ مَا فَسَدَ لِسَبَبِ حِلْيَتِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مَا قَبْلَهُ مِنْ وَطْءِ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مُنِعَ مِنْهَا فَقَالَ (إلَّا) مَنْ كَانَ بِرُّهُ فِي وَطْئِهَا (كَ) قَوْلِهِ (إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (أَوْ) قَوْلِهِ (إنْ لَمْ أَطَأْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا فَيُرْسِلُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَرَكَ وَطْأَهَا وَرَفَعَتْهُ فَهُوَ مُولٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَمَحَلُّ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا حَيْثُ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ مُنِعَ مِنْهَا وَنُجِّزَ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا.
(وَهَلْ يُمْنَعُ) مَنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ فِي غَيْرِ صُورَتَيْ الِاسْتِثْنَاءِ مَنْعًا (مُطْلَقًا) غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَى عَدَمِهِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ (أَوْ) يُمْنَعُ (إلَّا فِي) مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ لَمْ أَحُجَّ) فِي هَذَا الْعَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَلَيْسَ) الْوَقْتُ الَّذِي عَلَّقَ فِيهِ (وَقْتَ سَفَرِ) مُعْتَادِ الْحَجِّ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الثَّانِي إذْ لَا يَقْصِدَ أَحَدٌ الْحَجَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا لَهُ أَجَلٌ عُرْفًا سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَحُجَّ، فَإِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
قَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ زَمَانٌ قِيلَ لَهُ أَحْرِمْ وَاخْرُجْ لِأَنَّهَا إنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي إنْ لَمْ يُحْرِمْ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ دُونَ مَسِيسٍ حَجَّ مَتَى شَاءَ.
ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرٌ كَظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا يُمْنَعُ الْوَطْءُ مِنْ يَوْمِ حَلِفِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ إبَّانَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَإِنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا إنْ تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِهَا قِيلَ لَهُ اُخْرُجْ وَأَحْرِمْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَحْرَمِ وَضَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إذَا وَجَدَ صَحَابَةً وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ بِإِحْرَامٍ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ حَتَّى يَأْتِيَ إبَّانَ خُرُوجِ الْحَجِّ، فَإِنْ جَاءَ ضُرِبَ لَهُ فَإِنْ حَجَّ قَبْلَ انْقِضَائِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ. " ر " إذَا انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ فَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ، فَإِنْ أَتَى وَحَجَّ بَرَّ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّلْ لِلْإِيلَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ أُجِّلَ لِلْإِيلَاءِ وَقِيلَ لَهُ اُخْرُجْ وَأَحْرِمْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ إلَى الْوَطْءِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا وَيُؤَجَّلُ لِلْإِيلَاءِ مَتَى قَامَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ. وَثَالِثُهَا لَا يُمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ فَيُمْنَعَ وَيُؤَجَّلَ لِلْإِيلَاءِ إنْ قَامَتْ امْرَأَتُهُ بِهِ. وَقِيلَ أُخْرِجَ فَإِنْ أَسْرَعَ وَحَجَّ سَقَطَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا إنْ انْقَضَى أَجَلُهَا أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ. وَرَابِعُهَا لَا يُمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ فَاتَهُ وَقَامَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَإِنْ خَرَجَ فَلَا تُطَّلَقُ عَلَيْهِ بِانْقِضَائِهِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ الْحَجِّ. فَإِنْ حَجَّ بَرَّ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ. وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ حَلَفَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَجِّ مَا يُدْرِكُهُ فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْعَامِ، وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي السَّمَاعِ.
فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يَحُجُّ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْخُرُوجِ لِبَلَدٍ وَلَا يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى
إلَّا: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك بِرَأْسِ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ، أَوْ الْآنَ فَيُنَجَّزُ
ــ
[منح الجليل]
يُمْكِنُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِخُرُوجِهِ وَقْتٌ وَمَنَعَهُ فَسَادُ طَرِيقٍ أَوْ غَلَاءُ كِرَاءٍ فَهُوَ عُذْرٌ، وَكَذَا حَلِفُهُ لَيُكَلِّمَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ فَلَا يُوقَفُ حَتَّى يَقْدَمَ وَلَوْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَضَرَ وَطَالَ مِقْدَامُهُ بِمَا يُمْكِنُهُ الْفِعْلُ فِيهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ فُلَانٌ حَنِثَ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ مُنِعَ مِنْهَا أَيْ وَيُنْتَظَرُ فَقَالَ (إلَّا) قَوْلُهُ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْك) فَأَنْتِ طَالِقٌ حَالَ كَوْنِهِ (مُطْلِقًا) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ لَهُ بِأَجَلٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مَا لَهَا لِلطَّلَاقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ (أَوْ) مُقَيِّدًا تَعْلِيقَهُ (إلَى أَجَلٍ) قَوْلُهُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَالْفَوْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ. ابْنُ عَاشِرٍ لَمَّا تَضَمَّنَ قَوْلُهُ مُنِعَ مِنْهَا حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مُصَرَّحٌ بِهِ وَهُوَ الْحَيْلُولَةُ وَالْآخَرُ لَازِمٌ وَهُوَ عَدَمُ التَّنْجِيزِ، اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ قَوْلَهُ إلَّا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا إلَخْ، وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الثَّانِي قَوْلَهُ إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إلَخْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي هَذِهِ صَرِيحًا احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ فَيُنَجَّزُ فَلَوْ قَرَنَ إلَّا الثَّانِيَةَ بِوَاوِ عَطْفٍ لَكَانَ أَصْنَعَ.
(أَوْ) أَيْ وَإِلَّا قَوْلُهُ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ) أَيْ آخَرَ (الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ) فَتَنَجَّزَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ وَقْتَ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ آخِرَهُ بِإِيقَاعِهِ أَوْ بِحِنْثِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا (أَوْ) أَيْ وَإِلَّا إنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (الْآنَ) أَلْبَتَّةَ (فَيُنَجَّزُ) الطَّلَاقُ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا إمَّا بِإِيقَاعِهِ أَوْ حِنْثِهِ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِالتَّنْجِيزِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ فِيهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَاعْتَرَفَ فِي التَّوْضِيحِ بِهَذَا وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ،
وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ، أَوْ كَلَّمَتْ فُلَانًا غَدًا
ــ
[منح الجليل]
لِأَنَّ الْأُولَى عَجَّلَ فِيهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَهَذِهِ لَهُ الْخُرُوجُ فِيهَا مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بِالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ مَكَانَهُ طَلْقَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ وَقَفَهُ اهـ.
وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِعَدَمِ التَّنْجِيزِ فِي الْحَلِفِ بِالْبَتَّةِ قَائِلًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ. اهـ. وَهُوَ وَاضِحٌ إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّنْجِيزِ وَهُوَ يَجِدُ مَخْرَجًا بِالْمُصَالَحَةِ، وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ بِالتَّنْجِيزِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا، وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ إنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْهِلَالِ ثَلَاثًا لَمْ يُعَجِّلْ أَحَدَ الطَّلَاقَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ. الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ الطَّلْقَةَ الَّتِي إلَى شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ. مُحَمَّدٌ هَذِهِ جَيِّدَةٌ وَوَقْفٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَرَآهَا أَيْمَانًا لَا يَجِبُ فِيهَا طَلَاقٌ وَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إلَى سَنَةٍ أَلْبَتَّةَ أَتُعَجَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ السَّنَةِ وَيَتَزَوَّجَهَا فَيَسْلَمَ مِنْ الْبَتَّةِ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِ وَطْأَهَا إلَى الْأَجَلِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا أُعْتِقَنَّ جَارِيَتِي إلَى سَنَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا.
قُلْت ظَاهِرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ التَّعْجِيلِ فِي تَعْلِيقِ " أَلْبَتَّةَ " عَلَى عَدَمِهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ بِالتَّعْجِيلِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا قَوْلًا بِالتَّعْجِيلِ وَكَذَا فَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ.
(وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ الْآنَ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ (وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ) وَاوُهُ لِلْحَالِ وَلَوْ مُؤَكِّدَةً فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَى هَذَا بِالْقِيَاسِ فَقَالَ (كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا) قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَصْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْيَوْمِ وَجْهٌ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا وَلَهُ وَطْؤُهَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ، وَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ الْبَتَّةُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهَا فَسَقَطَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ شَيْءٌ بِوَجْهٍ
وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ، وَإِلَّا قِيلَ لَهُ: إمَّا عَجَّلَتْهَا وَإِلَّا بَانَتْ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِهِ فَفِي الْبِرِّ:
ــ
[منح الجليل]
لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى إيقَاعِ الْبَتَّةِ رَأْسَ الشَّهْرِ بِوُقُوعِهَا الْآنَ فَلَهُ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيقَاعُ أَلْبَتَّةَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ.
فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ تَرْكُ ذَلِكَ الطَّلَبِ وَاخْتِيَارُ الْحِنْثِ كَمَا لِكُلِّ حَالِفٍ، فَإِذَا اخْتَارَهُ لَمْ يُمْكِنْ وُقُوعُ الْحِنْثِ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ زَمَانِ أَلْبَتَّةَ الْمَحْلُوفِ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهَا فِي الزَّمَنِ الْحَالِ الَّذِي عَادَ مَاضِيًا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا وَكَلَّمَهُ غَدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَضَى وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا، وَأَيْضًا فَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ بِإِثْرِ هَذِهِ مِمَّا يَرُدُّ بَحْثَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ لَوْ صَحَّ لَلَزِمَ فِيمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا ذُكِرَ، وَلَكِنْ لَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ فِي تَعْجِيلِ الْوَاحِدَةِ اهـ
(وَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ عَجَّلَهَا) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ (أَجْزَأَتْ) فِي بِرِّهِ مِنْ الْيَمِينِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ شَيْءٌ لِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يَضُرُّ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُنَجَّزَ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ أَجَلِهِ طَالِقٌ بَعْدَ شَهْرٍ فَيُنَجَّزُ الْآنَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا وُقِفَ وَ (قِيلَ لَهُ إمَّا عَجَّلْتهَا) أَيْ الْوَاحِدَةَ الْآنَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُعَجِّلْهَا (بَانَتْ) مِنْك بِالثَّلَاثِ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاوَزَ الْأَجَلَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا لِوَاحِدَةٍ طَلَقَتْ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَمْنَعُهَا مُضِيُّ زَمَنِهَا.
(وَإِنْ حَلَفَ) الزَّوْجُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ أَمَتِهِ (عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) أَيْ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا (فَفِي) حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ بِصِيغَةِ (الْبِرِّ) بِأَنْ قَالَ إنْ
كَنَفْسِهِ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ؟ أَوْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَوْلَانِ،
وَإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ
ــ
[منح الجليل]
فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ فَ (كَ) حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ (نَفْسِهِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَيُنْتَظَرُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ الَّتِي حَلَفَ بِعِتْقِهَا وَلَا مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا. وَأَمَّا الْبِرُّ الْمُؤَقَّتُ كَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فُلَانٌ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ فَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْأَمَةِ لَا مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الزَّوْجَةِ.
(وَهَلْ كَذَلِكَ) أَيْ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ (فِي) صِيغَةِ (الْحِنْثِ) الْمُطْلَقِ فِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ وَضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ إنْ رَفَعَتْهُ (أَوْ لَا) يَكُونُ كَحَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا (يُضْرَبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَ) لَكِنْ (يُتَلَوَّمُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا أَيْ يُسْتَأْنَى (لَهُ) بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) لِابْنِ الْقَاسِمِ رَجَّحَ الثَّانِيَ.
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا عَلَيْهِمَا أَمَّا عَلَى ضَرْبِ الْأَجَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى التَّلَوُّمِ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا مَعَهُ وَنَصُّهَا فِي الْحَطّ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ غَيْرِ الْحَالِفِ فِي كَوْنِهِ كَعَدَمِ فِعْلِهِ أَوْ التَّلَوُّمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَهُ. ثَالِثُهَا إنْ حَلَفَ عَلَى غَائِبٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَحُجَّ فَالْأَوَّلُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَهَبْ لِي دِينَارًا أَوْ إنْ لَمْ تَقْضِنِي حَقِّي فَالثَّانِي، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الثَّانِي فِي مَنْعِهِ الْوَطْءَ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ لِيَمِينِهِ سَبَبٌ وَقْتًا أَرَادَهُ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَرَادَهُ دُونَ حُكْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَضَى قَدْرُ مَا كَانَ السُّلْطَانُ يَتَلَوَّمُ لَهُ وَقَعَ حِنْثُهُ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَرِثُهَا وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ. وَقَالَ الْأَخَوَانِ لَا يَقَعُ وَلَوْ طَالَ إلَّا بِالْحُكْمِ وَالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا
(وَإِنْ أَقَرَّ) الزَّوْجُ (بِفِعْلٍ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُ أَوْ تَسَرَّيْتُ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ.
ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْت، صُدِّقَ بِيَمِينٍ،
ــ
[منح الجليل]
ثُمَّ) كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي إقْرَارِهِ أَوْ الْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ وَ (حَلَفَ) بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ (مَا فَعَلْت) ذَلِكَ الْفِعْلَ (صُدِّقَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (بِيَمِينٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى إنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ زُوِّرَتْ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ نُجِّزَ عَلَيْهِ إنْ رُفِعَ وَإِنْ اسْتَفْتَى صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ أَقَرَّ بِفِعْلِ كَذَا ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا فَعَلَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فَلَا يَنْفَعُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ.
قُلْت مِثْلُهُ فِي رَسْمِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِيهِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِحَقٍّ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ يُنْكِرُهُ فَحَلَفَ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزُورٍ حَلَفَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ وَدُيِّنَ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَصْدِيقِهِمْ أَوْ شَهِدَ آخَرُونَ بِصِدْقِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِينَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ كَذَا وَإِنْ كَانَ كَلَّمَ فُلَانًا الْيَوْمَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْكَلَامِ فَقَدْ حَنِثَ
ابْنُ رُشْدٍ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَتَكَرَّرَتْ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْيَمِينُ عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ هُوَ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَقَدَّمَ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي إبْطَالِهِ وَإِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلْيَمِينِ بِتَكْذِيبِ ذَلِكَ حُكْمٌ إذْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَالِفُ إلَى إيجَابِ حُكْمِ الطَّلَاقِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا قَصَدَ تَحْقِيقَ نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. قُلْتُ الْأَصْلُ أَنَّ ثَانِيَ الْمُتَنَافِيَيْنِ نَاسِخٌ أَوَّلَهُمَا فِيمَا فِيهِ النَّسْخُ وَرَافِعٌ لَهُ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْحَلِفُ كَانَ مَا بَعْدَهُ رَافِعًا لِمَدْلُولِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَكَانَ إقْرَارًا بِالْحِنْثِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ رَافِعًا مَا قَبْلَهُ فَلَا حِنْثَ.
اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَشْهَدَانِ عَلَيْك بِكَذَا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِرِيحِ خَمْرٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا شَرِبَ خَمْرًا حُدَّ وَدُيِّنَ فِي يَمِينِهِ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ. قُلْت ظَاهِرُهُ دُونَ يَمِينٍ وَلَا يَنْقُضُ فَرْعُ الْمَوَّازِيَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ، لِأَنَّ حَلِفَهُ فِيهِ فِي حُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ رَدًّا لَهَا لِمَا أَخْبَرَ بِهَا.
بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزُ، وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ، إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ؛ وَلَا تَتَزَيَّنُ إلَّا كُرْهًا، وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا: قَوْلَانِ
ــ
[منح الجليل]
بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ (بَعْدَ الْيَمِينِ) بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِفِعْلِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ فَلَا يَنْفَعُهُ (فَيُنَجَّزُ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِإِقْرَارِهِ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا عَلَيْهِ وَالْتِزَامِهِ حُكْمَهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهَا وَلَا الرُّجُوعُ عَنْهَا وَتَقَدَّمَ قَوْلُهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فَلَا يَنْفَعُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ (وَ) إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ أَقَرَّ بِفِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ فَ (لَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ) مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا (إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ) بِحِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ (وَبَانَتْ) مِنْهُ وَاوُهُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَلَوْ دُونَ الثَّلَاثِ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَلَيْسَ عَلَيْهَا مَنْعُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا وَيُنْدَبُ لَهَا مَنْعُهُ حَتَّى يُشْهَدَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ وَأَصَابَتْ مَنْ مُنِعَتْ لَهُ فَلَوْ سُمِعَتْ بَيِّنَةُ إقْرَارِهِ نُجِّزَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ سُمِعَتْ أَنَّ لَهَا تَمْكِينَهُ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ هِيَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا عَلَيْهِ لِنَحْوِ عَدَاوَةٍ فَسَمَاعُهَا أَقْوَى مِنْ شَهَادَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا تُمَكِّنُهُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى مِنْ سَمَاعِهَا إقْرَارَهُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيهِ.
(وَلَا تَتَزَيَّنُ) أَيْ الزَّوْجَةُ الَّتِي سَمِعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِحِنْثِهِ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ (إلَّا كُرْهًا) أَيْ مُكْرَهَةً فِي تَمْكِينِهَا وَتَزَيُّنِهَا (وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ) وُجُوبًا إذَا سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا (وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (لَهُ) أَيْ زَوْجِهَا الَّذِي أَبَانَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ (عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا) عَلَى وَطْئِهَا وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ إذَا عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ، وَعَدَمُ جَوَازِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ وَلَوْ أَمِنَتْ قَتْلَهَا فِيهِ وَلَكِنْ لَا تُمَكِّنُهُ إلَّا إذَا خَافَتْ قَتْلَهَا وَلَا تُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَتْهُ إذَا ثَبَتَتْ مُحَاوَرَتُهَا وَإِلَّا قُتِلَتْ بِهِ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ إذْ هُوَ حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنَافِي الْقِصَاصَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا (قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ قَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لَا سَبِيلَ إلَى قَتْلِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَطْئِهَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ أَحْمَدُ بَابَا فَيَخْتَصُّ الْمَعْنَى بِمُدَافَعَتِهِ وَإِنْ أَدَّتْ إلَى قَتْلِهِ لَا قَصْدِ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ.
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ فِيهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ، هَذَا إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ بَيِّنَةً وَلَا سُلْطَانَ لَهَا فَهِيَ كَمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا. قَالَ فِيهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَتَزَيَّنُ لَهُ وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا وَجْهَهَا إنْ قَدَرَتْ وَلَا يَأْتِيهَا إلَّا كَارِهَةً وَلَا تَنْفَعُهَا مُدَافَعَتُهُ وَلَا يَمِينَ إلَّا بِشَاهِدٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِبَارَةُ إلَّا كَارِهَةً إذْ لَا تَنْفَعُهَا كَرَاهَةُ إتْيَانِهِ لَهَا إنَّمَا يَنْفَعُهَا كَوْنُهَا مُكْرَهَةً. ابْنُ مُحْرِزٍ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا لِقَصْدِ اللَّذَّةِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا لِغَيْرِ اللَّذَّةِ إذْ وَجْهُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرِهِ لَيْسَ عَوْرَةً وَقَدْ قَالَ فِي الظِّهَارِ وَقَدْ يَرَى غَيْرُهُ وَجْهَهَا مُحَمَّدٌ وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ بِمَا قَدَرَتْ وَلَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتَقْتُلُهُ إنْ خَفِيَ لَهَا كَغَاصِبِ الْمَالِ أَرَادَ الْعَادِيَ عَلَيْهِ وَالْمُحَارِبَ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحِلُّ لَهَا قَتْلُهُ وَلَا قَتْلُ نَفْسِهَا أَكْثَرُ مَا عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَأَلَّا يَأْتِيَهَا إلَّا مُكْرَهَةً. ابْنُ مُحْرِزٍ هَذَا الصَّوَابُ. ابْنُ بَشِيرٍ اُخْتُلِفَ هَلْ يُبَاحُ لَهَا قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَهَا وَخَفِيَ لَهَا فَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ وَرَآهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ. وَقِيلَ لَا وَرَآهُ مِنْ بَابِ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ أَمْ لَا، وَقَاسَ مُحَمَّدٌ قَتْلَهُ عَلَى الْمُحَارِبِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الْمُحَارِبُ أَخْذَ مَالِهِ مُخَيَّرٌ فِي التَّسْلِيمِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّسْلِيمُ وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَطْئِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَيْسَ لَهَا إقَامَتُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِمُدَافَعَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلِهِ قَتَلَتْهُ.
قُلْت تَقْرِيرُ ابْنِ مُحْرِزٍ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مُخَيَّرٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ يَنْتِجُ كَوْنُ الْقِيَاسِ أُخْرَوِيًّا فِي الْقَتْلِ. وَالصَّوَابُ إنْ أَمِنَتْ مِنْ قَتْلِ نَفْسِهَا إنْ قَتَلَتْهُ أَوْ حَاوَلَتْ قَتْلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا قَتْلُهُ لَا إبَاحَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْ قَتْلَ نَفْسِهَا فِي مُدَافَعَتِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ بَعْدَهُ
وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي: إنْ كُنْت تُحِبِّينِي، أَوْ تُبْغِضِينِي، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إلَّا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزُ؟
ــ
[منح الجليل]
فَهِيَ فِي سَعَةٍ، وَكَذَا مَنْ رَأَى فَاسِقًا يُحَاوِلُ فِعْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ وَفِي جِهَادِهَا إنْ نَزَلَ قَوْمٌ بِآخَرِينَ يُرِيدُونَ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ وَحَرِيمَهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ.
(وَأُمِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الزَّوْجُ وُجُوبًا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَقَالَ " د " نَدْبًا، وَلَكِنْ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ عَصَى بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَبَقِيَتْ عِصْمَتُهُ غَيْرَ مَنْحَلَةٍ (بِالْفِرَاقِ) بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى أَمْرٍ قَلْبِيٍّ لَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ أَبْغَضَ قَالَهُ تت وَأَبُو الْحَسَنِ وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ مَعَ زِيَادَةِ أَنْ تَبْغَضَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَفِي عج عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَبْغَضَهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَهَذَا سَهْوٌ.
وَنَصُّ الْقَامُوسِ الْبُغْضُ بِالضَّمِّ ضِدُّ الْحُبِّ وَالْبِغْضَةُ بِالْكَسْرِ وَالْبَغْضَاءُ شِدَّتُهُ وَبَغُضَ كَكَرُمَ وَنَصَرَ وَفَرَحَ بَغَاضَةً فَهُوَ بَغِيضٌ، وَيُقَالُ بَغِضَ جَدُّك كَتَعِسِ جَدُّك وَنَعِمَ اللَّهُ بِك عَيْنًا وَبَغِضَ بِعَدُوِّكَ عَيْنًا وَأَبْغُضُهُ وَيَبْغُضُنِي بِالضَّمِّ، أَيْ ضَمِّ الْغَيْنِ مَعَ فَتْحِ التَّاءِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. اهـ. فَلَيْسَ قَوْلُهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَأَبْغُضُهُ وَيَبْغُضُنِي مَعًا، بَلْ لِقَوْلِهِ وَيَبْغُضُنِي فَقَطْ، وَإِلَّا لَقَالَ لُغَتَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَبْغُضُهُ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى بَغِضَ جَدُّك أَيْ وَيُقَالُ أَبْغُضُهُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْمِصْبَاحِ بَغُضَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ بَغَاضَةً فَهُوَ بَغِيضٌ وَأَبْغَضْته إبْغَاضًا فَهُوَ مُبْغَضٌ وَالِاسْمُ الْبُغْضُ، قَالُوا وَلَا يُقَالُ بَغَضْته بِغَيْرِ أَلْفٍ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ اللَّازِمَ بَغُضَ بِالضَّمِّ وَالْمُتَعَدِّي أَبْغَضَ وَأَنَّهُ لَا يُقَالُ تَبْغُضُنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ فِي الْفَصِيحِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَلِيٌّ الشَّمَرْلِسِيُّ أَفَادَهُ عب.
(وَهَلْ) الْأَمْرُ بِالْفِرَاقِ بِلَا جَبْرٍ ثَابِتٌ حَالَ كَوْنِهِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِإِجَابَتِهَا بِمَا لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَلَا يُجْبَرُ سَوَاءٌ أَجَابَتْهُ بِمَا يَقْتَضِي بِرَّهُ أَوْ حِنْثَهُ أَوْ سَكَتَتْ (أَوْ) الْأَمْرُ بِلَا جَبْرٍ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تُجِيبَ) الزَّوْجَةُ (بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزَ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ
تَأْوِيلَانِ. وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا
وَبِالْأَيْمَانِ. الْمَشْكُوكِ فِيهَا.
ــ
[منح الجليل]
جَبْرًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُجْبَرُ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) نَقَلَهُمَا عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ (وَفِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ (مَا يَدُلُّ لَهُمَا) أَيْ التَّأْوِيلَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت فَإِنْ صَدَّقَهَا جُبِرَ عَلَى فِرَاقِهَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا أُمِرَ بِهِ بِلَا جَبْرٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْجِعْ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ دَخَلْتُ فَكَذَّبَهَا ثُمَّ قَالَتْ كُنْتُ كَاذِبَةً أَوْ لَمْ تَقُلْ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ اهـ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ إجَابَتَهَا بِالْمُوَافَقَةِ وَلَمْ يُوجِبْ طَلَاقَهَا فَقَالَ يُؤْمَرُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّهُ قَالَ فَلْيُفَارِقْهَا وَظَهَرَ بِالْقَضَاءِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُتَوَصَّلُ فِيهَا إلَى تَكْذِيبِهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُتَوَصَّلُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ وَهَذَا الْفَرْقُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ هُوَ قَوْلُهَا فَلْيُفَارِقْهَا وَأَنَّ الدَّالَّ لِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ هُوَ كَلَامُهَا فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الدَّارِ وَالدَّالَّ لِحَمْلِهِ عَلَى الْجَبْرِ مَعَ أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ هُوَ قَوْلُهَا فِيمَنْ شَكَّ كَمْ طَلَّقَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا فَظَاهِرُهُ الْجَبْرُ. عِيَاضٌ وَهَذَا كَلَّةُ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِي الْإِجْبَارِ فِي الطَّلَاقِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَ) أُمِرَ (بِ) تَنْفِيذِ (الْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ) فِي حَلِفِهِ بِهَا وَحِنْثِهِ (فِيهَا) أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِمَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ أَوْ بِمَشْيٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيُعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِ إلَى مَكَّةَ فَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ قَالَهُ " غ " وَنَحْوُهُ لِ ق وَاسْتَحْسَنَهُ " ح " وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ إلَخْ ابْنُ نَاجِي فَهِمَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى اللُّزُومِ وُجُوبًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْقَضَاءِ وَفَهِمَهُ شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ عَزَاهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ قَامَ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَطَرِيقَةُ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْحِنْثُ.
وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا، إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ: كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلًا شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ
وَهَلْ يُجْبَرُ؟ تَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ يُونُسَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ قَالَتْ فِي الَّذِي حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرِ أَكَلَّمَهُ أَمْ لَا أَنَّ زَوْجَتَهُ تَطْلُقُ عَلَيْهِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْجَبْرِ وَطَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْحِنْثِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ بِقَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا ذَكَرَ الطُّرُقَ الثَّلَاثَةَ فِي التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَلَا يُؤْمَرُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ (إنْ شَكَّ) الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْرِ جَوَابَ (هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ) أَيْ هَلْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ (أَمْ لَا) فَيَشْمَلُ شَكَّهُ هَلْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْ لَا وَشَكَّهُ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَمْ لَا، وَشَكَّهُ بَعْدَ حَلِفِهِ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ) الزَّوْجُ فِي شَكِّهِ لِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الزَّوْجُ وَاوُهُ لِلْحَالِ (سَالِمُ الْخَاطِرِ) مِنْ الْوَسْوَسَةِ وَكَثْرَةِ الشَّكِّ (كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ) حَالَ كَوْنِهِ (دَاخِلًا) دَارِهِ مَثَلًا (شَكَّ) الْحَالِفُ (فِي كَوْنِهِ) أَيْ الشَّخْصِ الدَّاخِلِ (الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ) أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوْ غَيْرَهُ وَغَابَ عَنْهُ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْقِيقُهُ فَيُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ.
(وَهَلْ يُجْبَرُ) الزَّوْجُ عَلَى الْفِرَاقِ إنْ أَبَاهُ وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (تَأْوِيلَانِ) وَاحْتَرَزَ بِسَالِمِ الْخَاطِرِ مِنْ الْمُوَسْوِسِ أَيْ مُسْتَنْكِحِ الشَّكِّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ اتِّفَاقًا ابْنُ عَرَفَةَ. اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا، فَعَلَى وُجُوبِ وُضُوءِ مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هُنَا، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ وُضُوئِهِ يُسْتَحَبُّ فِرَاقُهُ وَفِي تَخْرِيجِهِ الْوُجُوبَ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ أَيْسَرُ مِنْ الطَّلَاقِ وَلِأَنَّ أَسْبَابَ نَقْضِ الْوُضُوءِ مُتَكَرِّرَةٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ. وَلَمَّا حَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْفَرْقَ بِمَشَقَّةِ الطَّلَاقِ دُونَ الْوُضُوءِ قَالَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْفِرَاقِ وَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ مِنْ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ، وَالشَّكُّ فِيهِ شَكٌّ فِي مَشْرُوطِهِ وَذَا مَانِعٌ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَالشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
شَكٌّ فِي حُصُولِ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ، وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ بِوَجْهٍ. وَالنُّكْتَةُ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مَطْرُوحٌ، فَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ طَرْحَهُ وَذَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ يُوجِبُ طَرْحَهُ. وَهَذَا مُوجِبٌ لِلتَّمَادِي.
قُلْت مَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ الشَّكَّ لَغْوٌ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ النُّكْتَةُ إلَخْ، وَالْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ لَا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ طَرْحُهُ. اهـ. وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ اعْتِبَارِهِ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَعْظَمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مَعَ خِفَّةِ الْوُضُوءِ وَتَكَرُّرِ أَسْبَابِ نَقْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طفى حَادَ عَنْ تَمْثِيلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ لِلِاسْتِنَادِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَنَدَ كَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحِنْثِ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي مِثَالِهِ نَظَرٌ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْعُلَمَاءِ بِالْمُسْتَنِدِ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْيَمِينِ حُصُولُ الشَّكِّ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُدْخِلَ زَيْدًا دَارِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ دَخَلَهَا زَيْدٌ أَمْ لَا فَهَذَا مِنْ الشَّكِّ الَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِهِ بِطَلَاقٍ وَإِنْ رَأَى إنْسَانًا دَخَلَ تِلْكَ الدَّارَ وَشَبَّهَهُ بِزَيْدٍ ثُمَّ غَابَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ هَلْ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَفِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي عِمْرَانَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَفِي تَنْظِيرِهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَاهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهَا تَشْبِيهًا فِي الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ. وَكَذَا إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَمْ يَدْرِ أَحَنِثَ أَمْ لَا أُمِرَ بِالْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ ذَا وَسْوَسَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْيَمِينِ حُصُولُ الشَّكِّ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا إذْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَا الْيَمِينُ أَصْلٌ لِاسْتِنَادِ الشَّكِّ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إلَخْ لَا يُرَادُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَ لَا يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّلَاقِ. ابْنُ رُشْدٍ وَلَعَلَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِيهِ بِذَلِكَ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهَا ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَحَنِثَ أَمْ لَا. وَقَوْلُهَا الْمُتَقَدِّمُ وَكُلُّ يَمِينٍ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ، وَلَئِنْ سُلِّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَلَامُهُمَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إلْغَاؤُهُ فِيهِ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ، وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ عَارَضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا.
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مَا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدُلُّ لَهُمَا لِأَنَّ مَنْ يَشُكُّ بِلَا سَبَبٍ مُوَسْوِسٌ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ مَنْ يَشُكُّ لِسَبَبٍ وَبَيْنَ الْمُوَسْوَسِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ تَقْسِيمُ ابْنِ رُشْدٍ، قَالَ يَنْقَسِمُ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يُتَّفَقُ عَلَى لَغْوِهِ بِلَا أَمْرٍ وَلَا جَبْرٍ كَحَلِفِهِ عَلَى شَخْصٍ لَا يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ يَشُكُّ فِي فِعْلِهِ بِلَا سَبَبٍ يُوجِبُ شَكَّهُ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ بِلَا جَبْرٍ كَحَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا لِسَبَبٍ اقْتَضَى شَكَّهُ، وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِهِ وَيُخْتَلَفُ فِي الْأَمْرِ بِهِ كَشَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لَا أَوْ هَلْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُؤْمَرُ. وَمِنْهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي الْجَبْرِ بِهِ وَعَدَمِهِ كَطَلَاقِهِ ثُمَّ شَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَحَلِفِهِ وَحِنْثِهِ وَشَكِّهِ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ قَوْلُهُ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضَةً فَقَالَتْ لَسْت بِحَائِضَةٍ، أَوْ إنْ كَانَ فُلَانٌ يُبْغِضُنِي فَقَالَ أَنَا أُحِبُّك، أَوْ إنْ لَمْ يُخْبِرْنِي بِالصِّدْقِ فَيُخْبِرُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ صَدَقَ وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ.
وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى الْجَبْرِ بِهِ كَقَوْلِهِ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ. وَكَشَكِّهِ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْنِ طَلَّقَهَا فَيُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. طفى قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا جَازَ عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْأَوْلَى الْجَرْيُ عَلَى نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ لِتَقْدِيمِهِ عِنْدَ الشُّيُوخِ عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ إذَا تَعَارَضَا.
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ اتِّفَاقًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فَابْنُ رُشْدٍ اسْتَغْنَى عَنْ التَّقَيُّدِ فِي هَذَا بِالْقَيْدِ فِيمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ انْتَفَى التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَوْ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِيهَا إلَخْ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَمْ لَا فَهَذَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ مِنْ تَحَقُّقِ الْحَلِفِ وَالشَّكِّ فِي الْحِنْثِ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ
وَإِنْ شَكَّ: أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا؟ أَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ: طَلَقَتَا وَإِنْ قَالَ أَوْ أَنْتِ: خُيِّرَ،
ــ
[منح الجليل]
الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِرَاقِ إنْ كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
(وَإِنْ) طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ بِعَيْنِهَا وَ (شَكَّ) الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي جَوَابِ (أَهِنْدٌ هِيَ) الْمُطَلَّقَةُ (أَمْ) الْمُطَلَّقَةُ (غَيْرُهَا) أَيْ هِنْدٌ أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَحَنِثَ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا طَلَقَتَا مَعًا نَاجِزًا مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ. وَقِيلَ يُمْهَلُ لِيَتَذَكَّرَ فَإِنْ تَذَكَّرَهَا فَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَإِنْ تَذَكَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ قِيَاسًا عَلَى الْآتِيَةِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَ عَيْنَهَا، وَيَكُونُ فَوَاتُ هَذَا الْغَيْرِ كَفَوَاتِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ.
(أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ (إحْدَاكُمَا) أَوْ إحْدَاكُنَّ (طَالِقٌ) وَلَمْ يَنْوِ بِهِ زَوْجَةً مُعَيَّنَةً طَلَقَتَا أَوْ طَلَقْنَ مَعًا نَاجِزًا وَلَا يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلطَّلَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَيَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلْعِتْقِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ، هَذَا قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ وَرِوَايَتُهُمْ. وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ وَرَوَوْا يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلطَّلَاقِ كَالْعِتْقِ. مُحَمَّدٌ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ شُذُوذُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعِتْقَ كَالطَّلَاقِ وَتَفْرِقَةُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتِحْسَانٌ. وَأَمَّا إنْ نَوَى وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَنَسِيَهَا فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اتَّفَقَ فِيهَا الْمَدَنِيُّونَ وَالْمِصْرِيُّونَ عَلَى طَلَاقِ الْجَمِيعِ. ابْنُ يُونُسَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ إذَا قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ وَنَوَى وَاحِدًا مُعَيَّنًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَلَمْ يَنْسَهَا صُدِّقَ فِي الْفَتْوَى بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ نَوَى الشَّابَّةَ أَوْ الْجَمِيلَةَ أَوْ مَنْ عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا وَإِلَّا فَيَمِينٌ.
(أَوْ) قَالَ لِزَوْجَةٍ (أَنْتِ طَالِقٌ) ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى (بَلْ أَنْتِ) طَالِقٌ (طَلَقَتَا) مَعًا. اللَّخْمِيُّ لِإِيجَابِهِ الطَّلَاقَ فِيهِمَا وَإِضْرَابُهُ عَنْ الْأُولَى لَا يَرْفَعُهُ عَنْهَا.
(وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ وَلِأُخْرَى (أَوْ أَنْتِ) طَالِقٌ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ
وَلَا أَنْتِ؛ طَلَقَتْ الْأُولَى، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِضْرَابَ.
وَإِنْ شَكَّ: أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. وَصُدِّقَ، إنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ؛
ــ
[منح الجليل]
الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً أَيْ الزَّوْجُ فِي طَلَاقِ أَيَّتِهِمَا أَحَبَّ. اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ نِيَّةً بَعْدَ تَمَامِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ الْأُولَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا عَلَى خِيَارٍ وَهُوَ لَا يَخْتَارُهُ لَهُمَا طَلَقَتْ الْأُولَى (وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ وَلِأُخْرَى (لَا أَنْتِ طَلَقَتْ الْأُولَى) فَقَطْ. اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ نَفَى الطَّلَاقَ عَنْ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا نَفْيَهُ عَنْ الْأُولَى ثُمَّ يَلْتَفِتُ لِلثَّانِيَةِ فَيَقُولُ أَنْتِ أَيْ الَّتِي تَطْلُقِي فَيَطْلُقَانِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الزَّوْجُ بِلَا (الْإِضْرَابَ) عَنْ طَلَاقِ الْأُولَى وَإِثْبَاتَهُ لِلثَّانِيَةِ، وَصِلَةُ يُرِيدُ مَحْذُوفَةٌ يُحْتَمَلُ بِ " لَا " أَوْ بِ " أَوْ " فَيَطْلُقَانِ وَالْإِضْرَابُ بِأَوْ أَشْهَرُ مِنْهُ بِلَا فَهُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا أَيْ قَوْلِهِ أَوْ أَنْتِ وَلَا أَنْتِ أَيْ أَنَّ تَخْيِيرَهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ مَحَلُّهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِأَوْ الْإِضْرَابَ فَتَطْلُقَانِ مَعًا، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ لَا أَنْتِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِضْرَابَ فَتَطْلُقَانِ مَعًا.
(وَإِنْ) طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَ (شَكَّ) الزَّوْجُ فِي جَوَابٍ (أَطَلَّقَ) الْهَمْزُ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً (وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ) الزَّوْجَةُ الْمَشْكُوكُ فِي عَدَدِ طَلَاقِهَا لِلزَّوْجِ الثَّالِثِ (إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) غَيْرِهِ بِشُرُوطِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا (وَصُدِّقَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الزَّوْجُ الشَّاكُّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ (إنْ ذَكَرَ) أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ (فِي الْعِدَّةِ) فَلَهُ رَجْعَتُهَا فِيهَا بِلَا عَقْدٍ وَبَعْدَهَا بِهِ بِلَا يَمِينٍ فَلَيْسَ كَوْنُ التَّذَكُّرِ فِي الْعِدَّةِ شَرْطًا فِي التَّصْدِيقِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَانَ خَاطِبًا، وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ.
(ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ الزَّوْجُ الشَّاكُّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الزَّوْجَةَ الَّتِي شَكَّ فِي عَدَدِ طَلَاقِهَا بَعْدَ زَوْجٍ (وَطَلَّقَهَا) طَلْقَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَحُكْمُ تَزَوُّجِهَا بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ كَحُكْمِ تَزَوُّجِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَشْكُوكِ فِي تَوَقُّفِ حِلِّهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِهِ قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ
إلَّا أَنْ يَبُتَّ
ــ
[منح الجليل]
الْمَشْكُوكِ فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ وَاحِدَةً ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَطَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا وَهَكَذَا دَائِمًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ زَوْجٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ زَوْجٍ.
(إلَّا أَنْ يَبُتَّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ مُثَقَّلًا الزَّوْجُ الشَّاكُّ طَلَاقَهَا حَقِيقَةً بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَقَدْ طَلَّقْتُك مَا يُكَمِّلُهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ مِنْهُ فَيَنْقَطِعُ الدَّوَرَانُ وَتَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ بِعِصْمَةٍ كَامِلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْقَطِعُ الدَّوَرَانُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَزْوَاجٍ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ تَدَبَّرْته فَوَجَدْته خَطَأً. وَقَالَ الْفُضَيْلُ هُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الدُّولَابِيَّةَ. وَقَيَّدَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، قَالَ وَلَا يَحْصُلُ الدَّوَرَانُ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ حُصُولَهُ مَعَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا فِي الثَّانِي طَلْقَتَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ طَلْقَةً وَفِي الرَّابِعِ طَلْقَةً فَإِنْ فُرِضَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ ثَلَاثًا فَالْأَخِيرَةُ أُولَى عِصْمَةً، وَإِنْ فُرِضَ اثْنَتَيْنِ فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ثَانِيَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ فُرِضَ وَاحِدَةً فَاعْلَمْهُ انْتَهَى " غ " يَعْنِي أَنَّ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ يُلْغَى وَيَصِيرُ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعًا، وَالضَّابِطُ هُوَ مَا يَأْتِي ابْنُ عَرَفَةَ.
اللَّخْمِيُّ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أُمِرَ أَنْ لَا يَرْتَجِعَ وَلَا يُقِرَّ بِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا فَقَدْ أَحَلَّهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ وَكَانَتْ هَذِهِ أُولَى عِصْمَةً وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ الْآنَ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ وَاحِدَةً كَانَتْ هَذِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً فَهَذِهِ ثَالِثَةٌ.
وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا الْآنَ، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَ فَلَا يَرْتَجِعْهَا وَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ وَإِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
شَكَّ هَلْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَشُكَّ فِي وَاحِدَةٍ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فَلَا يَقْرَبْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَطَلَّقَهَا فَلَا يَقْرَبْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ ثَالِثَةٌ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ زَوْجٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ ثَانِيَةٌ وَبَقِيَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَ اثْنَتَيْنِ فَهَذِهِ أَوْلَى وَبَقِيَ لَهُ اثْنَتَانِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَصُوَرُ شَكِّهِ فِي الْعَدَدِ أَرْبَعٌ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالشَّكُّ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَالشَّكُّ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ، وَالشَّكُّ فِي اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. وَضَابِطُ مَا تَحْرُمُ فِيهِ قَبْلَ زَوْجٍ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ طَلَاقًا دُونَ الْبَتَاتِ كُلُّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مَجْمُوعُ طَلَاقِهِ بَعْدَ زَوْجٍ مَعَ عَدَدِ طَلَاقِ كُلِّ شَكٍّ بِانْفِرَادِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَلَا تَحْرُمُ.
وَإِنْ انْقَسَمَ عَلَيْهَا وَلَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ حَرُمَتْ الطُّرْطُوشِيُّ إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ طَلَاقِهِ لَزِمَهُ أَكْثَرُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ وَاحِدَةً وَشَكَّ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَكٌّ فِي عَدَدِ مَا وَقَعَ وَالثَّانِي شَكٌّ فِي الْوُقُوعِ اهـ كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَفِي حُرْمَتِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَأَمْرِهِ بِفِرَاقِهَا دُونَ قَضَاءٍ قَوْلُهَا. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بَعْدَ نِكَاحِهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَفِي لُزُومِ الثَّلَاثِ وَلَوْ نَكَحَهَا كَذَلِكَ بَعْدَ مِائَةِ زَوْجٍ مَا لَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً، أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَزْوَاجٍ. ثَالِثُهَا مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ لَهَا، وَلِرِوَايَةِ الصِّقِلِّيِّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَابْنِ وَهْبٍ وَتَوْجِيهُهُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ دَلِيلُ مُغَايِرَتِهَا عِنْدَهُ، وَالْحَقُّ لَا تَغَايُرَ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أُمِرَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الشَّكِّ فِي الثَّلَاثِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِتَقَرُّرِ الشَّكِّ فِي الثَّلَاثِ، وَإِنْ شَكَّ فِي وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا جَاءَ الشَّكُّ فِي الثَّلَاثِ. قُلْتُ صُوَرُ الشَّكِّ فِي الْعَدَدِ أَرْبَعٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ الْآخَرُ: لَا دَخَلْت: حُنِّثَ الْأَوَّلُ
وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت، إنْ دَخَلْت: لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
وَإِنْ حَلَفَ) شَخْصٌ (صَانِعُ طَعَامٍ) مَثَلًا (عَلَى) شَخْصٍ مُعَيَّنٍ (غَيْرِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (لَا بُدَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُشَدَّدَةً (أَنْ تَدْخُلَ) الدَّارَ مَثَلًا لِتَأْكُلَ الطَّعَامَ (فَحَلَفَ) الشَّخْصُ (الْآخَرُ) الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهِ (لَا دَخَلْت) هَا وَامْتَنَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْحِنْثِ (حُنِّثَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً أَيْ جُبِرَ الشَّخْصُ (الْأَوَّلُ) أَيْ صَانِعُ الطَّعَامِ عَلَى الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ لِحَلِفِهِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ، فَإِنْ رَضِيَ الثَّانِي بِحِنْثِ نَفْسِهِ وَدَخَلَ الدَّارَ مَثَلًا فَلَا يَحْنَثُ الْأَوَّلُ لِبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ بِحُصُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَإِنْ أُكْرِهَ الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَحْنَثَانِ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي لِإِكْرَاهِهِ فِي يَمِينِ الْبِرِّ.
(وَإِنْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى أَمْرَيْنِ مُكَرِّرًا أَدَاةَ الشَّرْطِ بِأَنْ (قَالَ إنْ كَلَّمْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ مُخَاطِبًا زَوْجَتَهُ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ زَيْدًا مَثَلًا (وَإِنْ دَخَلْت) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْضًا أَيْ دَارَ زَيْدٍ مَثَلًا (لَمْ تَطْلُقْ) الزَّوْجَةُ (إلَّا بِ) مَجْمُوعِ (هِمَا) أَيْ الْكَلَامِ وَالدُّخُولِ سَوَاءٌ فَعَلَتْهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ. " غ " هَذَا تَعْلِيقُ تَعْلِيقِ ابْنِ عَرَفَةَ وَتَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ كَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ لِزَيْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِهَا وَكَوْنِهَا لِزَيْدٍ وَلَوْ عَلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي إيلَائِهَا.
وَفِي كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى التَّعْلِيقِ حَلِفًا عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ إنْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَيْنَ حِنْثِ الْيَمِينِ وَحِنْثِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَأْكِيدًا لِلتَّعْلِيقِ فَيَتَنَجَّزُ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حِنْثُ التَّعْلِيقِ قَوْلًا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَقَلُّهُمْ لِابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ إنْ كُنْت لِي زَوْجَةً فَدَخَلَهَا ثُمَّ بَارَأَهَا فَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ تَحَيَّرَ فِيهَا أَهْلُ بَلَدِنَا فَقَالَ الْقَاضِي قَدْ بَرَّ بِمُبَارَأَتِهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، كَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأَصْبَغِ الْخُشَنِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا كُنْت لِي زَوْجَةً فِيمَا رَأَيْتهَا صَارَتْ لَهُ زَوْجَةً وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ، فَقَالَ الْقَاضِي هِيَ عِنْدِي مِثْلُهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَا كُنْت لِي بِزَوْجَةٍ أَبَدًا، فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الْحِنْثُ مَتَى تَزَوَّجَهَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَفْتَى فِيهَا بَعْضُ فُقَهَاءِ بَلَدِنَا بِطَلَاقِ الثَّلَاثِ وَأَنَّ الْمُبَارَأَةَ لَا تَنْفَعُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ. وَقَالَ ابْنُ مُيَسِّرٍ نَزَلْت بِقُرْطُبَةَ وَكَتَبَ بِهَا إلَى ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فَقِيهِ الْقَيْرَوَانِ فَأَفْتَى فِيهَا بِفُتْيَا الْقَاضِي. قُلْتُ جَوَابُ الْقَاضِي عَنْ إيرَادِ أَبِي الْأَصْبَغِ الْخُشَنِيِّ لَغْوٌ لِأَنَّهُ تَكْرِيرٌ لِعَيْنِ دَعْوَاهُ أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَا يَقَعُ جَوَابًا لَكَانَ جَوَابًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُ الْخُشَنِيِّ عَلَى تَعَيُّنِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَيْمَانِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْفَرَّاءَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا مُرَتَّبَيْنِ كَتَرْتِيبِهِمَا فِي الذِّكْرِ. وَقِيلَ بِشَرْطِ عَكْسِ التَّرْتِيبِ. وَقِيلَ تَطْلُقُ بِهِمَا مَعًا مُطْلَقًا. وَقِيلَ بِوُقُوعِ أَيِّ شَرْطٍ، وَاخْتَارَ الْفَرَّاءُ الثَّانِيَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ إلَى جَانِبِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ جَوَابَ الثَّانِي فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ بَعْدَهُ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى الْجَوَابِ كَمَا فِي أَنْتَ ظَالِمٌ إنْ فَعَلْت لَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ نَفْسَهُ هُوَ الْجَوَابُ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَابْنِ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ عَلَى رَأْيِ الْفَرَّاءِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا.
الدَّمَامِينِيُّ دَخَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ جَوَابًا حَسَنًا. حَاصِلُهُ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهَا شَرْطَانِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا لَهُمَا مَعًا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ اجْتِمَاعِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُجْعَلَ جَوَابًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَتَرْكِ مَا لَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا لِلثَّانِي فَقَطْ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ كَوْنِهِ مَعَ جَوَابِهِ جَوَابَ الْأَوَّلِ، وَوُجُوبِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَلَا فَاءَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ وَجَوَابُهُ دَلِيلُ جَوَابِ الثَّانِي: الدَّمَامِينِيُّ وَهَذَا وَجْهُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي اشْتِرَاطِ عَكْسِ تَرْتِيبِ الذِّكْرِ، وَوَجْهُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِحَذْفِ وَاوِ الْعَطْفِ كَقَوْلِهِ:
وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ، وَآخَرُ بِبَتَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ
ــ
[منح الجليل]
كَيْفَ أَصْبَحْت كَيْفَ أَمْسَيْت مِمَّا
…
يَغْرِسُ الْوُدَّ فِي فُؤَادِ اللَّبِيبِ
وَضَعُفَ بِاخْتِصَاصِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ أَنَّ تَوْجِيهَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُغْنِي تَوْجِيهُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا، وَلَا يَقْتَضِي عَكْسَ التَّرْتِيبِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا لَوْ أَبْقَى الشَّرْطَانِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ شَمَلَ الِاسْتِقْبَالَ وَغَيْرَهُ، وَصَارَ مَعْنَى الْمِثَالِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ ثَبَتَ كَلَامُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا شَامِلٌ لِوُقُوعِ الْكَلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَبُحِثَ فِيهِ بِاقْتِضَائِهِ الْحِنْثَ بِكَلَامِهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِالثُّبُوتِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ الثَّانِي لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُنَا عَلَى اسْتِقْبَالِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الثَّانِي إنَّمَا هُوَ لُزُومُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ لَا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَظَهَرَ بِهِ أَنَّ تَوْجِيهَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا أَوْ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ أَنَّهُ حَانِثٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، إذْ هُوَ بَعْضُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ تَعْلِيقٌ وَاحِدٌ وَمَا هُنَا فِيهِ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ هُنَا تَوَقُّفَ الطَّلَاقِ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ) عَدْلٌ عَلَى زَوْجٍ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ (بِ) لَفْظٍ (حَرَامٍ وَ) شَهِدَ شَاهِدٌ (آخَرُ) عَدْلٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا (بِ) لَفْظِ (بَتَّةَ) لُفِّقَتْ الشَّهَادَةُ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ (أَوْ) شَهِدَ شَاهِدٌ (بِتَعْلِيقِهِ) طَلَاقَهَا (عَلَى دُخُولِ دَارٍ) مَثَلًا، وَصِلَةُ تَعْلِيقِ (فِي رَمَضَانَ وَ) شَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ بِتَعْلِيقِهِ فِي (ذِي الْحِجَّةِ)
أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا، أَوْ بِكَلَامِهِ فِي السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ. لُفِّقَتْ:
ــ
[منح الجليل]
وَشَهِدَا هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا بِدُخُولِهَا بَعْدَ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لُفِّقَتْ وَلَزِمَهُ مَا عَلَّقَهُ. (أَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ دَارٍ مُعَيَّنَةٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ (بِدُخُولِهَا) أَيْ الدَّارِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِهَا (فِيهِمَا) أَيْ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ أَيْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِدُخُولِهَا فِي رَمَضَانَ وَالْآخَرُ بِدُخُولِهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ وَالتَّعْلِيقُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ فَتُلَفَّقُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ.
(أَوْ) حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَشَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ (بِكَلَامِهِ) أَيْ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (فِي السُّوقِ وَ) عَدْلٌ آخَرُ بِكَلَامِهِ فِي (الْمَسْجِدِ) فَتُلَفَّقُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ (أَوْ) شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ (بِأَنَّهُ) أَيْ الزَّوْجَ (طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (يَوْمًا بِمِصْرَ) الْقَاهِرَةِ فِي رَمَضَانَ (وَ) شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ آخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا (يَوْمًا بِمَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ (لُفِّقَتْ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً جَوَابُ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ، فَلَقَدْ أَحْسَنَ فِي تَرْتِيبِ أَمْثِلَةِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفِعْلَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى. وَشَرْطُهُ فِي الْأَخِيرَةِ فَصْلُ الْفِعْلَيْنِ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ لِلْآخَرِ، وَلَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَةُ الثَّانِي.
ابْنُ رُشْدٍ تَلْفِيقُ الشَّهَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ تُلَفَّقُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ وَاتَّفَقَ الْمَعْنَى وَمَا يُوَجِّهُ الْحُكْمَ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ وَالْآخَرُ بِالْبَتَّةِ أَوْ الْبَرِيَّةِ أَوْ الْخَلِيَّةِ، وَالثَّانِي: لَا تُلَفَّقُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ إنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَمَرَ أَنَّهَا طَالِقٌ.
الثَّالِثُ: اُخْتُلِفَ فِي تَلْفِيقِهَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ التَّلْفِيقُ وَهُوَ مَا إذَا اتَّفَقَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَزْمِنَةُ وَالْأَمْكِنَةُ كَمِصْرِ وَمَكَّةَ وَرَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ.
الرَّابِعُ: اُخْتُلِفَ فِي تَلْفِيقِهَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُهُ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ وَيَتَّفِقَ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِابْنِ شِهَابٍ إنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ مُفْتَرِقُونَ أَحَدُهُمْ بِطَلْقَةٍ وَآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثٍ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ. اللَّخْمِيُّ هَذَا يَصِحُّ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ عُلِمَتْ التَّوَارِيخُ فَكَانَ الثَّانِي فِي ثَانِي يَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ فِي ثَالِثِهِمَا لَزِمَتْ الطَّلْقَتَانِ وَاحِدَةٌ بِضَمِّ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فِي وَاحِدَةٍ، وَثَانِيَةٌ بِضَمِّ بَاقِي شَهَادَةِ الثَّانِي لِشَهَادَةِ الثَّالِثِ فِي وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَيُخْتَلَفُ إنْ عَدِمَتْ التَّوَارِيخُ هَلْ تَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ أَوْ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ.
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِيهَا مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِثَلَاثٍ وَآخَرُ بِاثْنَيْنِ وَآخَرُ بِوَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَاحِدٌ بِوَاحِدَةٍ وَآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَأَجَابَ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ النُّسَخِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي تَلْفِيقِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لُزُومُ الطَّلْقَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ سَوَاءٌ أَرَّخَ كُلُّ وَاحِدٍ شَهَادَتَهُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخْ اخْتَلَفُوا فِي التَّارِيخِ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَا أَثَرَ لِلتَّارِيخِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ، إذْ لَوْ قِيلَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِانْفِرَادٍ فِي تَعْيِينِ يَوْمِهَا لَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِالتَّوَارِيخِ، إذْ لَا أَثَرَ لَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَإِنْ أَرَّخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهَادَتَهُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ شَاهِدَانِ عَلَى تَارِيخٍ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِهِ وَمَا فَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ كَوْنِ تَارِيخِ الشَّاهِدِ بِالثَّلَاثِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَارِيخِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ يَصِحُّ وَكَذَا قَوْلُهُ يَخْتَلِفُ إنْ عَدِمَتْ التَّوَارِيخُ هَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالشَّكِّ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
قُلْتُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي تَعْيِينِ يَوْمِهَا لَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ، يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ زَمَنِ الطَّلْقَةِ فِي كَوْنِهِ قَيْدًا مِنْهَا، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ اللَّخْمِيُّ، إذْ لَوْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ لَأَبْطَلَ الضَّمَّ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ مُتَعَلَّقِ الشَّهَادَتَيْنِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَ بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ اللَّخْمِيُّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُوصِلًا إلَى كَوْنِ أَحَدِ الطَّلَاقَيْنِ مَخْبَرًا بِهِ عَنْ طَلَاقٍ آخَرَ إخْبَارًا
كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ، وَآخَرَ بِأَزْيَدَ، وَحُلِّفَ عَلَى الزَّائِدِ؛ وَإِلَّا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، لَا بِفِعْلَيْنِ
ــ
[منح الجليل]
يَقْصِدُ بِهِ كَمَالَ الطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلِذَا أَلْزَمَهُ فِي الثَّلَاثِ الَّتِي أَوَّلُهَا الشَّاهِدُ بِوَاحِدَةٍ وَآخِرُهَا الشَّاهِدُ بِالثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ، وَفِي عَكْسِهِ ثَلَاثًا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ، وَصُوَرُ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ سِتٌّ ضَابِطُهَا عَلَى مَأْخَذِ اللَّخْمِيِّ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّلَاقِ مَخْبَرًا بِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ كُلَّمَا تَأَخَّرَتْ بَيِّنَةُ الثَّلَاثِ فَطَلْقَتَانِ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ.
وَشَبَّهَ فِي التَّلْفِيقِ فَقَالَ (كَشَاهِدٍ) عَدْلٍ عَلَى الزَّوْجِ (بِ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ وَ) شَاهِدٍ (آخَرَ) عَدْلٍ عَلَيْهِ (بِأَزْيَدَ) مِنْ طَلْقَةٍ فَتُلَفَّقُ فِي الْوَاحِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّاهِدَانِ فَتَلْزَمُ الزَّوْجَ (وَحَلَفَ) الزَّوْجُ (عَلَى) فَفِي الطَّلَاقِ (الزَّائِدِ) عَلَى الْوَاحِدَةِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَبُو الْحَسَنِ صُورَةُ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا طَلَّقْت أَلْبَتَّةَ فَتَنْفَعُهُ يَمِينُهُ فِي سُقُوطِ اثْنَتَيْنِ وَتَلْزَمُهُ الْوَاحِدَةُ، أَيْ يَحْلِفُ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَلَا أَكْثَرَ لِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ اللَّازِمَةِ بِشَهَادَتِهِمَا، فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ مِنْهُ الزَّائِدُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَنَكَلَ (سُجِنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَاسْتَمَرَّ مَسْجُونًا (حَتَّى) أَيْ إلَى أَنْ (يَحْلِفَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَمِينِ رَجَعَ إلَى هَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ طَلَقَتْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ.
وَفِي الْجَلَّابِ فَإِنْ طَالَ زَمَنُ حَبْسِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى عَدَمِ الْحَلِفِ أُطْلِقَ وَتُرِكَ وَوُكِّلَ لِدِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ. أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي لُزُومِ الْوَاحِدَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ. الْقَرَافِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اتِّحَادَهُ يُوجِبُ تَكَاذُبَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَالَ لَفَظَ بِوَاحِدَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِأَكْثَرَ (لَا) تُلَفَّقُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ (بِفِعْلَيْنِ) مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ كَشَهَادَةِ
أَوْ بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ: كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ، وَآخَرَ بِالدُّخُولِ، وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ وَنَسِيَاهَا: لَمْ تُقْبَلْ وَحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِيَمِينٍ
ــ
[منح الجليل]
أَحَدِهِمَا أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، وَأَنَّهُ دَخَلَهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ وَأَنَّهُ رَكِبَهَا قَالَهُ تت، وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ.
فَإِنْ قُلْت الشَّهَادَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ. قُلْتُ اُعْتُبِرَ الْفِعْلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَيَحْلِفُ عَلَى كَذِبِهِمَا فِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ لَا بِفِعْلَيْنِ مَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ وَإِلَّا لُفِّقَتْ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَالْآخَرِ بِشُرْبِهَا فَيُحَدُّ، وَقَوْلِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ تَحَرُّزٌ عَنْ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ، فَتُلَفَّقُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا.
(أَوْ) أَيْ وَلَا تُلَفَّقُ شَهَادَةٌ (بِفِعْلٍ وَ) شَهَادَةٌ بِ (قَوْلٍ) وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ (كَوَاحِدٍ) شَهِدَ (بِتَعْلِيقِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالدُّخُولِ) لِدَارِ زَيْدٍ مَثَلًا (وَآخَرُ) شَهِدَ (بِالدُّخُولِ) لَهَا فَلَا تُلَفَّقُ (وَإِنْ شَهِدَا) أَيْ الْعَدْلَانِ عَلَى الزَّوْجِ (بِطَلَاقِ) زَوْجَةِ (وَاحِدَةٍ) مُعَيَّنَةٍ مِنْ زَوْجَاتِهِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ (وَنَسِيَاهَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ الزَّوْجَةَ الْمُعَيَّنَةَ (لَمْ تُقْبَلْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ شَهَادَتُهُمَا لِعَدَمِ ضَبْطِهِمَا وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ تَذَّكَّرَاهَا وَهُمَا مُبْرِزَانِ، وَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَبُولُهُمَا وَهِيَ الَّذِي يَنْبَغِي.
(وَحَلَفَ) الزَّوْجُ (مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً) مِنْ زَوْجَاتِهِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ أَبُو الْحَسَنِ لَوْ نَكَلَ فَتَخَرَّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " هَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطْلُقْنَ كُلُّهُنَّ. اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَيُسْجَنَ حَتَّى يُقِرَّ بِالْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَطَعَتْ بِأَنَّ وَاحِدَةً عَلَيْهِ حَرَامٌ. ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ طَلَاقُ جَمِيعِهِنَّ، كَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الشُّهُودَ وَادَّعَى النِّسْيَانَ طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ وَإِنْ عَيَّنَ وَاحِدَةً صُدِّقَ
(وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ) عَلَى زَوْجٍ كُلُّ شَاهِدٍ (بِيَمِينٍ) أَيْ تَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ حِنْثٍ فِيهَا وَلَيْسَ
وَنَكَلَ؛ فَالثَّلَاثُ.
ــ
[منح الجليل]
وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْآخَرِ حَلَفَ لِتَكْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ رَبِيعَةَ فِي غَيْرِ التَّعْلِيقِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَآخَرَ كَذَلِكَ وَآخَرَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَسْمَعْ اثْنَانِ مِنْهُمْ طَلَاقَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ يَمِينٍ، وَفِي التَّعَالِيقِ الْمُتَّفِقَةِ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَدَخَلَهَا وَآخَرَ كَذَلِكَ، وَفِي التَّعَالِيقِ الْمُخْتَلِفَةِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ وَأَنَّهُ رَكِبَهَا وَآخَرَ لَا لَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَنَّهُ لَبِسَهُ وَآخَرَ أَنَّهُ لَا دَخَلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَهَا.
(وَإِنْ نَكَلَ) الزَّوْجُ عَنْ الْحَلِفِ لِتَكْذِيبِ الثَّلَاثَةِ (فَ) الطَّلْقَاتُ (الثَّلَاثُ) تَلْزَمُهُ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَذَا عَدَمُ لُزُومِ طَلْقَةٍ مَعَ حَلِفِهِ وَهَذَا قَوْلُ رَبِيعَةَ وَقَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ عَلَيْهَا، وَيَحْلِفُ عَلَى الزَّائِدِ فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ وَفِي التَّعَالِيقِ الْمُتَّفِقَةِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ فَيَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ اهـ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ " ز " فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ إلَخْ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِيَمِينٍ لَا يَشْمَلُهَا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى تَأْوِيلِ الْقَابِسِيِّ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا رَبِيعَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ كُلُّ وَاحِدٌ بِطَلْقَةٍ لَيْسَ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَأُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ فَأَبَى فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ نَكَلَ وَقُضِيَ عَلَيْهِ الْقَابِسِيُّ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ وَاحِدٌ شَهِدَ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا، فَلِذَلِكَ إذَا نَكَلَ طُلِّقَ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْلِفُ لِتَكْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ قَالَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهَا وَيَحْلِفُ مَعَ الْآخَرِ، أَيْ لِرَدِّهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وِفَاقًا لِلْمَذْهَبِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي التَّطْلِيقِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ قَوْلَ رَبِيعَةَ خِلَافٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَالِكٌ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَصْبَغَ. اهـ. فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِيَمِينٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى تَأْوِيلِ الْقَابِسِيِّ بِالْوِفَاقِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى خُصُوصِ التَّعَالِيقِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ فَالثَّلَاثُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُسْجَنُ، فَإِنْ طَالَ دُيِّنَ هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ. وَأَمَّا تَقْرِيرُ " ز " فَيُوَافِقُ التَّأْوِيلَ وَالثَّانِي بِحَمْلِ كَلَامِ