الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) الْإِيدَاعُ:
تَوْكِيلٌ بِحِفْظِ مَالٍ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ الْإِيدَاعُ]
(بَابٌ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا
وَعَرَّفَ الْمُصَنِّفُ مَصْدَرَهَا لِاسْتِلْزَامِ مَعْرِفَتِهَا مَعْرِفَتَهُ فَقَالَ (الْإِيدَاعُ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا (تَوْكِيلٌ) جِنْسٌ شَمِلَ سَائِرَ أَنْوَاعِهِ (بِحِفْظِ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِهِ وَإِضَافَتُهُ إلَى (مَالٍ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ التَّوْكِيلَ بِحِفْظِ غَيْرِ الْمَالِ كَالتَّوْكِيلِ بِحِفْظِ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْوَدِيعَةُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ، فَيَدْخُلُ الْإِيدَاعُ الْوَثَائِقَ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَيَخْرُجُ حِفْظُ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمَا لِأَزْيَدَ مِنْهُ وَحِفْظُ الرُّبْعِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَابْنِ شَاسٍ تَابِعِينَ لِلْغَزَالِيِّ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ يُبْطِلُ عَكْسُهُ مَا دَخَلَ، وَطَرْدُهُ مَا خَرَجَ، وَبِمَعْنَى لَفْظِهَا مُتَمَلِّكُ نَقْلِ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ يَنْتَقِلُ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ ابْنِ شَاسٍ اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْحَطّ قَوْلُهُ يَنْتَقِلُ صِفَةُ مُتَمَلِّكٍ فَلَوْ قَدَّمَهُ إلَيْهِ لَكَانَ أَبْيَنَ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّهِ اسْتِئْجَارُ حَارِسِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ وَإِخْرَاجُهُ حِفْظَ الرِّيعِ مِنْ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَفِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا قُلْتَ قَبِلْتُ وَقَبَضْتُ فِي الْأَرْضِ الْغَائِبَةِ لَمْ يَكُنْ حَوْزًا، وَذَلِكَ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحَوْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي يَدِك أَرْضٌ أَوْ دَارٌ أَوْ رَقِيقٌ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَذَلِكَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَوَهَبَك ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَك قَبِلْت حَوْزٌ. اهـ. وَبِهَذَا رَدَّ الْوَانُّوغِيُّ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فَقَالَ يُنْقَضُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ رَادًّا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ حِفْظَ الرِّيعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُنْقَلُ يُبْطِلُ طَرْدَ حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ، قَالَ وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَعِيدٌ اهـ.
الْمَشَذَّالِيُّ وَجْهُ النَّقْضِ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ وَدِيعَةً رُجُوعُهُ لِلْأَرْضِ وَمَا مَعَهَا، فَصَحَّ كَوْنُ الرِّبْحِ عِنْدَهُ مِمَّا يَصِحُّ إيدَاعُهُ فَبَطَلَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُودَعِ مِمَّا يُنْقَلُ فَهُوَ مُرَادُ الدُّخُولِ لَا مُرَادُ الْخُرُوجِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَدَعْوَى اللَّفِّ إلَخْ فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِدَفْعِ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَا تُسَلَّمُ صِحَّةُ النَّقْضِ، وَقَوْلُكُمْ إنَّ وَدِيعَةً رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْكَلَامُ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ، فَقَوْلُهُ عَارِيَّةٌ رَاجِعٌ لِلْأَرْضِ وَالدَّارِ، وَقَوْلُهُ أَوْ وَدِيعَةٌ رَاجِعٌ لِلرَّقِيقِ. الْمَشَذَّالِيُّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ، لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَلَا دَلِيلَ يَصْرِفُ عَنْهُ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ إخْرَاجَ الْعَقَارِ مِنْ حُكْمِ الْوَدِيعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ابْنُ عَاشِرٍ قَوْلُهُ تَوْكِيلٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيدَاعَ شَرْطُهُ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّ شَرْطَهُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ فِعْلِهِ وَقَبُولِهِ حَاجَةُ الْفَاعِلِ، وَظَنُّ صَوْنِهَا مِنْ الْقَابِلِ فَيَجُوزُ مِنْ صَبِيٍّ خَائِفٍ عَلَيْهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُودِعَ مَا خِيفَ تَلَفُهُ بِيَدِ مُودَعِهِ إنْ ظَنَّ صَوْنَهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لِاحْتِرَامِهِمَا وَثِقَتِهِمَا كَالْأَوَّلِ الْمُحْتَرَمِينَ وَعَبِيدِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِ الظَّلَمَةِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ أَوْ لِقَاءِ الْأَعْرَابِ الْقَوَافِلَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَنَهْيٍ عَنْ إضَاعَتِهِ، وَشَرْطُهُ بِاعْتِبَارِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ضَمَانِ الْقَابِلِ عِنْدَ مُوجِبِ الضَّمَانِ وَنَفْيِهِ عِنْدَ نَفْيِهِ عَدَمَ حَجْرِهِ وَحَجْرِ الْفَاعِلِ.
1 -
الثَّانِي: الْحَطّ فِي الْكِتَابِ أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُودِعُ وَالْمُودَعُ، أَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ دَالٌّ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الْوَدِيعَةُ تَفْتَقِرُ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَصْلُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فِيهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ. اهـ. وَاتَّفَقَ أَنَّ رَجُلًا جَالِسًا فَوَضَعَ آخَرُ أَمَامَهُ مَتَاعًا وَذَهَبَ فَتَرَكَهُ الْجَالِسُ فَضَاعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ لِدَلَالَةِ سُكُوتِهِ حِينَ وَضَعَهُ عَلَى قَبُولِ إيدَاعِهِ عِنْدَهُ.
الثَّالِثُ: ابْنُ عَرَفَةَ حُكْمُ الْإِيدَاعِ وَقَبُولُهُ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ كَخَائِفٍ فَقْدَ مَالٍ مُوجِبٍ هَلَاكًا أَوْ فَقْرًا إنْ لَمْ يُودِعْهُ مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهُ قَادِرٍ عَلَى حِفْظِهِ وَحُرْمَتِهِ، كَإِيدَاعِ مَغْصُوبٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَحْدِهِ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودِعُ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرِقِ ذِمَّتِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لَهُ يَضْمَنُهَا لِلْفُقَرَاءِ.
ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ سَأَلَ قَبُولَ وَدِيعَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. قُلْتُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا بِخَوْفِ هَلَاكِهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا كَرُفْقَةٍ فِيهَا مَنْ يَحْتَرِمُهُ مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا أَوْ ذِي حُرْمَةٍ حَاضِرَةٍ تَعَرَّضَ ظَالِمٌ لِبَعْضِ أَهْلِهَا، وَنَدْبُهُ حَيْثُ يَخْشَى مَا يُوجِبُهُ دُونَ تَحَقُّقِهِ، وَكَرَاهَتُهُ حَيْثُ يَخْشَى مَا يُحَرِّمُهُ دُونَ تَحَقُّقِهِ. اهـ. بِتَصَرُّفٍ.
ابْنُ الْمُمْسِي اسْتَشَارَهُ جَارُهُ فِي قَبُولِ وَدِيعَةِ دِينَارٍ مِنْ غَاصِبٍ يَخْشَى ضَرَرَهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُمْسِي يَا أَخِي إنْ كُنْت تَقْدِرُ عَلَى غُرْمِهَا فَخُذْهَا مِنْهُ وَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا طَلَبَهَا الْمُودِعُ فَاغْرَمْ لَهُ عِوَضَهَا مِنْ مَالِكَ. وَقَدْ سُئِلَ أَصْحَابُ سَحْنُونٍ عَنْ رَجُلٍ سُرِقَ مَتَاعُهُ وَمِنْهُ ثَوْبُ دِيبَاجٍ ثُمَّ رَأَى الثَّوْبَ فِي يَدِ جُنْدِيٍّ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ ثَوْبُهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، وَلَمَّا فَارَقَهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ غَيْرَ ثَوْبِهِ فَرَجَعَ إلَى الْجُنْدِيِّ وَقَالَ أَمَا ظَنَنْتُهُ ثَوْبِي فَاشْتَرَيْتُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ لَهُ الْجُنْدِيُّ لَا بَأْسَ عَلَيْك، وَحَلَّ مِنْطَقَتَهُ وَصَبَّ مِنْهَا دَنَانِيرَ وَعَدَّ سَبْعَةً مِنْهَا فَأَعْطَاهَا لَهُ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، فَاتَّفَقَ أَصْحَابُ سَحْنُونٍ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّنَانِيرِ وَبِقِيمَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى غَيْرِهِ مَالِكِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ غَصَبَ
تُضْمَنُ بِسُقُوطِ شَيْءٍ عَلَيْهَا، لَا إنْ انْكَسَرَتْ فِي نَقْلِ مِثْلِهَا، وَبِخَلْطِهَا، إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ، أَوْ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لِلْإِحْرَازِ.
ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ: فَبَيْنَكُمَا، إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ
ــ
[منح الجليل]
شَيْئًا وَأَوْدَعَهُ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُودَعِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ تَضْمِينُ الْمُودَعِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ إلَّا إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى جُمْلَةٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدِّي عَلَيْهَا فَقَالَ (تُضْمَنُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْوَدِيعَةُ، أَيْ يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (بِ) سَبَبِ (سُقُوطِ شَيْءٍ) مِنْهُ (عَلَيْهَا) فَأَتْلَفَهَا وَلَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ كَالْعَمْدِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ (لَا) تُضْمَنُ (إنْ انْكَسَرَتْ فِي) حَالِ (نَقْلِ) هَا نَقْلَ (مِثْلِهَا) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَإِنْ نَقَلَهَا نَقْلًا مُخَالِفًا لِنَقْلِ مِثْلِهَا فَتَلِفَتْ فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا. " قِ " أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ أُودِعَ جِرَارًا فِيهَا إدَامٌ، أَوْ قَوَارِيرُ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَانْكَسَرَتْ أَوْ رَمَى شَيْئًا فِي بَيْتِهِ يُرِيدُ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ اسْتَوْدَعَ جِرَارًا وَشِبْهَهَا فَنَقَلَهَا نَقْلَ مِثْلِهَا فَتَكَسَّرَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَكَسَرَهَا فَيَضْمَنُهَا لِأَنَّهَا جِنَايَةُ خَطَأٍ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (خَلْطِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةُ بِغَيْرِهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ خَلْطًا يَتَعَسَّرُ مَعَهُ تَمْيِيزُهَا مِنْ غَيْرِهَا (إلَّا) خَلْطُ (كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ) جِنْسًا وَصِفَةً فَلَا يَضْمَنُهَا. الْحَطّ قَوْلُهُ كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ شَامِلٌ لِخَلْطِ كُلِّ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ الْمُمَاثِلِ لَهُ حَتَّى الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِهَا (وَ) إلَّا خَلْطُهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا مَعَ تَيَسُّرِ تَمْيِيزِهَا مِنْهُ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ كَخَلْطِ (دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ) وَقُطْنٍ بِكَتَّانٍ فَلَا تُضْمَنُ إذَا كَانَ الْخَلْطُ (لِلْإِحْرَازِ) أَيْ الْحِفْظِ فِيهِمَا، هَذَا ظَاهِرُهُ هُنَا. وَفِي التَّوْضِيحِ إنَّهُ قَيْدٌ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَكَأَنَّهُ رَأَى هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) أَيْ الْمَخْلُوطِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ الْمُتَمَيِّزِ عَنْهُ (فَ) التَّالِفُ (بَيْنَكُمَا) بِالْمُحَاصَّةِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ وَالسَّالِمُ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَمَيُّزِ مَالِ أَحَدِكُمَا مِنْ مَالِ الْآخَرِ (إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) مَالُ أَحَدِكُمَا مِنْ مَالِ الْآخَرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَمُصِيبَةُ كُلِّ مَالٍ مِنْ رَبِّهِ. فِي الْجَوْهَرِ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ خَلْطُهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لَهَا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
كَخَلْطِ قَمْحٍ بِشَعِيرٍ وَشَبَهِهِ. وَأَمَّا خَلْطُهَا بِجِنْسِهَا الْمُمَاثِلِ لَهَا جُودَةً وَرَدَاءَةً كَحِنْطَةٍ بِمِثْلِهَا أَوْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَلَا يَخْتَلِطُ بِهِ كَذَهَبٍ بِوَرِقٍ فَلَا يَضْمَنُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ ضَاعَ بَعْضُهُ كَانَ مَا ضَاعَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَكُمَا، لِأَنَّ دَرَاهِمَك لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِهِ وَلَوْ عُرِفَتْ بِعَيْنِهَا كَانَتْ مُصِيبَةُ دَرَاهِمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَلَا يُغَيِّرُهَا الْخَلْطُ، وَإِنْ أَوْدَعْتَهُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا وَخَلَطَهَا لِلْإِحْرَازِ وَالرَّفْعِ فَهَلَكَ الْجَمِيعُ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمُودَعَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ دَخَلَ، وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَجْعَلَ مَا أُودِعَهُ عَلَى حِدَةٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَأَكَلَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا ثُمَّ ضَاعَ بَعْدَ رَدِّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَخَلْطُهَا بِمِثْلِهَا كَرَدِّ مِثْلِهَا فَلَا يَضْمَنُهَا إذَا ضَاعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ إنْ خَلَطَ حِنْطَتَك بِشَعِيرٍ ثُمَّ ضَاعَ الْجَمِيعُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاتَهَا بِالْخَلْطِ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ وَلَيْسَ كَخَلْطِ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ. " غ " فَقَيْدُ الْإِحْرَازِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيهَا أَصْلًا. اهـ. وَقِيلَ إنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ أَفْرَادِ الصُّورَةِ الْأُولَى كَالْحِنْطَةِ وَمَا شَابَهَهَا.
وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ خَلْطِهَا لِلْإِحْرَازِ. الْحَطّ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا. الشَّيْخُ يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ وَالرَّفْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ اهـ. وَأَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ لِمَ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهَا فِي الطَّعَامِ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عَلَى الْإِحْرَازِ قَالَ وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ. وَفِي التَّنْبِيهَاتِ قَوْلُهُ فِي الْحِنْطَةِ إذَا خَلَطَهَا عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ وَالْإِحْرَازِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هَذَا وَشِبْهُهُ مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا أَحْرَزُ لَهُمَا مِنْ تَفْرِيقِهِمَا وَأَرْفَقُ لَهُمَا مِنْ شَغْلِ مَخْزَنَيْنِ بِذَلِكَ وَكِرَائِهِمَا وَحِرَاسَتِهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ، وَأَنَّ الْخَلْطَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ هَذَا مَنْ قَعَدَ أَوْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ فِيهِ ضَامِنٌ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الطَّعَامِ وَالدَّرَاهِمِ.
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ دَرَاهِمَ هَذَا لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِ الْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ خَلَطَ الدَّرَاهِمَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَضْمَنُ بِهِ لِأَنَّهَا تَتَمَيَّزُ. وَكَذَا تَجِبُ لَوْ خَلَطَ دَنَانِيرَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً
وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا أَوْ سَفَرِهِ، إنْ قَدَرَ
ــ
[منح الجليل]
بِدَرَاهِمَ لَهُ فِي كِيسٍ فَلَا يَضْمَنُ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَازَ قَيْدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اللَّخْمِيُّ إذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا أَوْ الطَّعَامَ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ضَاعَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْبَاقِي بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاخْتَلَفَ فِي هَذَا مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ قَبْلَ الضَّيَاعِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَأَشَارَ إلَى قَوْلِهَا فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ.
قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ اخْتَلَطَ لَهُ دِينَارٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِغَيْرِهِ ثُمَّ ضَاعَ مِنْهَا دِينَارٌ فَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ صَاحِبُ الْوَاحِدِ بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةٍ وَوَاحِدٍ، وَصَاحِبُ الْمِائَةِ بِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ مِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مَسْلَمَةَ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا. ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ أَوْ لَوْ وَيَقْتَسِمَانِ دِينَارًا لَمْ يَبْقَ إلَّا دِينَارٌ لَقُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِيه لِنَفْسِهِ. (تَنْبِيهٌ)
إذَا خَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِمَا لَا يَجُوزُ خَلْطُهَا بِهِ، وَقُلْنَا يَضْمَنُهَا فَلَيْسَ مَعْنَاهُ يَضْمَنُهَا إلَّا إذَا تَلِفَتْ، بَلْ يَضْمَنُهَا بِهِ بِمُجَرَّدِ خَلْطِهَا، قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَتَانِ قَمْحٌ وَشَعِيرٌ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَالِهِ اهـ حط.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (انْتِفَاعِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ وَتَلَفُهَا مِثْلِيَّةً كَانَتْ كَطَعَامٍ أَكَلَهُ أَوْ مُقَوَّمَةً كَدَابَّةٍ رَكِبَهَا وَثَوْبٍ لَبِسَهُ فِيمَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ فَتَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَوْدَعَك عَبْدًا فَبَعَثْتَهُ فِي سَفَرٍ أَوْ أَمْرٍ يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ ضَمِنْتَهُ وَأَمَّا إنْ بِعْتَهُ لِشِرَاءِ بَقْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حَاجَةٍ تَقْرُبُ مِنْ مَنْزِلِك فَلَا تَضْمَنُ، لِأَنَّ الْغُلَامَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِمِثْلِ هَذَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. ابْنُ نَاجِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَعْطَبُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا، وَالْمُرَادُ هَلَكَ بِسَبَبِ مَا بَعَثْته فِيهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهِ، وَأَمَّا لَوْ بَعَثْته فِيمَا يَعْطَبُ فِيهِ نَادِرًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. وَاخْتَلَفَ إذَا هَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِالْعَدَاءِ كَغَاصِبٍ وَاعْتِبَارُ غَالِبِ السَّلَامَةِ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خَاصٌّ بِالرَّقِيقِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ تَعْلِيلُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (أَوْ سَفَرِهِ) أَيْ الْمُودَعِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ مِنْهُ فَيَضْمَنُهَا (إنْ قَدَرَ) الْمُودَعُ
عَلَى أَمِينٍ؛ إلَّا أَنْ تُرَدَّ سَالِمَةً.
ــ
[منح الجليل]
بِالْفَتْحِ (عَلَى) رَدِّهَا لِرَبِّهَا أَوْ إيدَاعِهَا عِنْدَ شَخْصٍ (أَمِينٍ) فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَخَشِيَ تَلَفَهَا بِتَرْكِهَا فَلَا يَضْمَنُهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَيَضْمَنُهَا بِالِانْتِفَاعِ وَالسَّفَرِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تُرَدَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْوَدِيعَةُ الَّتِي انْتَفَعَ أَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِهَا لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا حَالَ كَوْنِهِمَا (سَالِمَةً) مِنْ التَّلَفِ وَالتَّعَيُّبِ، ثُمَّ تَتْلَفُ بَعْدَ رَدِّهَا فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ مُوجِبَ ضَمَانِهِ هَلَاكُهَا لَا مُجَرَّدُ انْتِفَاعِهِ أَوْ سَفَرِهِ بِهَا وَظَاهِرُهُ تَصْدِيقُهُ فِي دَعْوَى رَدِّهَا سَالِمَةً بِلَا إشْهَادٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ لِنُقْلَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ قَالَهُ فِي الْكَافِي.
" ق " فِيهَا وَمَنْ أَوْدَعْته دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَاسْتُهْلِكَ بَعْضُهَا ثُمَّ هَلَكَ بَاقِيهَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا اُسْتُهْلِكَ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ قَدْرَ مَا اُسْتُهْلِكَ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا إنْ ضَاعَتْ وَهُوَ مُصَدَّقٌ، أَنَّهُ رَدَّ فِيهَا مَا أَخَذَهُ مِنْهَا كَتَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا إلَيْك وَفِي تَلَفِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَسَلَّفَ جَمِيعَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا مَكَانَهَا لَبَرِئَ كَانَ أَخَذَهَا عَلَى السَّلَفِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا، وَلَوْ كَانَتْ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى بَلِيَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ اسْتَوْدَعَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَأَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْفَتْحِ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلَبِسَ الثَّوْبِ وَقَالَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَدَدْته صُدِّقَ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي بِرُكُوبِهَا أَوْ لُبْسِهَا إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا سَالِمَةً ثُمَّ تَلِفَتْ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُهَا حَتَّى يَرُدَّهَا بِحَالِهَا. ابْنُ يُونُسَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَدِّهِ لِمَا تَلِفَ مِنْ الْوَدِيعَةِ، وَفِيهَا إنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ فَلْيُودِعْهَا ثِقَةً. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهَا وَلَوْ دُونَهُ فِي ثِقَتِهِ، ابْنُ شَاسٍ إنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيدَاعِهَا عِنْدَ أَمِينٍ يَضْمَنُهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ مَثَلًا فَلَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ رَدَّهَا فَلَا يَضْمَنُهَا بَعْدُ كَرَدِّهِ مَا تَسَلَّفَ مِنْهَا، الْحَطُّ اُنْظُرْ إذَا انْتَفَعَ بِهَا وَرَدَّهَا سَالِمَةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا أَمْ لَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَصْبِ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ.
وَحَرُمَ سَلَفُ: مُقَوَّمٍ وَمَعْدُومٍ، وَكُرِهَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ:
ــ
[منح الجليل]
(وَحَرُمَ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ عَلَى مُودَعٍ بِالْفَتْحِ مَلِيءٍ أَوْ مُعْدِمٍ (سَلَفٌ) أَيْ تَسَلُّفُ شَيْءٍ (مُتَقَوِّمٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا كَمَرَضٍ وَحَيَوَانٍ مُودَعٍ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا لِاخْتِلَافِ الْأَعْرَاضِ فِي عَيْنِهِ، فَلَا يَقُومُ مِثْلُهُ مَقَامَهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَلُّكِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ مَالِكِهِ (وَ) حَرُمَ سَلَفُ شَخْصٍ مُودَعٍ بِالْفَتْحِ (مُعْدِمٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، أَيْ فَقِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ مَا يَتَسَلَّفُهُ مِنْ مِثْلِيٍّ مُودَعٍ عِنْدَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ بِيَدِهِ قَدْرُهَا أَوْ زَائِدٌ عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ كَالْمُعْدِمِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الشَّامِلِ (وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَنْ يَتَسَلَّفَ (النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ) أَيْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ الْمَلِيءِ تت كَذَا فِي وَدِيعَتِهَا وَفِي لُقَطَتِهَا الْمَنْعُ.
" ق " اللَّخْمِيُّ لَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَتَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ إذَا كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عُرُوضًا أَوْ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِالْقِيمَةِ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَكَانَ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ وَلَا يَتَحَصَّلُ أَمْثَالُهُ كَالْكَتَّانِ فَلَيْسَ لِلْمُوسِرِ أَيْضًا أَنْ يَتَسَلَّفَهَا. الْبَاجِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي جَوَازِ التَّسَلُّفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا، فَفِي الْمَعُونَةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ وَأَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. الْبَاجِيَّ وَهَذَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
وَوَجْهُ الْجَوَازِ إذَا قُلْنَا إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فَإِنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمُودِعِ فِي انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِهَا إذَا أَرَادَ مِثْلَهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا وَلِأَنَّ الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ لِلْمُودِعِ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَسَلُّفِ الْوَصِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ إثْمٌ اهـ.
اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَمَا أَشْبَهَهُ هَلْ يُلْحَقُ بِالدَّنَانِيرِ فِي الْجَوَازِ؟ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ إنْ تَسَلَّفَ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَالزَّيْتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ مَضَى عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ لِأَنَّهُ أَجَازَ إذَا تَسَلَّفَ ذَلِكَ أَنْ يُخْرِجَ الْمِثْلَ مِنْ ذِمَّتِهِ كَالدَّرَاهِمِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَالْعُرُوضِ لَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُ الْمِثْلِ مِنْ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَجُزْ السَّلَفُ. الْبَاجِيَّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي
كَالتِّجَارَةِ، وَالرِّبْحُ لَهُ.
ــ
[منح الجليل]
الْمَنْعُ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّ مِثْلِهِ إبَاحَةَ ذَلِكَ. اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْمُودَعِ، فَإِنْ كَانَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودِعِ أَوْ مَعَهُ كَرَمُ طَبْعٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عُلِمَتْ مِنْهُ الْكَرَاهِيَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حِينَ الدَّفْعِ أَوْ قَالَ احْذَرْ أَنْ تَتَسَلَّفَهَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي مَنْعِهِ مِنْهُ، وَإِنْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ كُرِهَ.
وَشَبَّهَ بِالسَّلَفِ فِي تَفْصِيلِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِتَمَامِهِ فَقَالَ (كَالتِّجَارَةِ) وَفِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَتَحْرُمُ فِي الْمُقَوِّمِ مُطْلَقًا. وَمِنْ الْمُعْدِمِ فِي الْمُنْقِدِ وَالْمِثْلِيِّ وَتُكْرَهُ فِيهِمَا مِنْ الْمَلِيءِ قَالَهُ صر. الْبُنَانِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَاشِرٍ. وَأَمَّا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَنَصُّهَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَتَجَرَ بِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ الْوَدِيعَةِ. اهـ. فَإِنَّمَا هِيَ فِي وَدِيعَةِ الْمَالِ، أَيْ النَّقْدِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعُهَا لَا مُطْلَقًا (وَ) إنْ اتَّجَرَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فِيهَا فَ (الرِّبْحُ لَهُ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ، إذْ لَوْ تَلِفَتْ لَضَمِنَهَا وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. " ق " فِي لُقَطَتِهَا لَا يَتَّجِرُ بِاللُّقَطَةِ فِي السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا كَالْوَدِيعَةِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ. فِي الِاسْتِذْكَارِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ. وَأَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ غَاصِبًا كَانَ لِلْمَالِ أَوْ مُسْتَوْدَعًا عِنْدَهُ وَتَعَدَّى فِيهِ. الْبَاجِيَّ.
قَوْلُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ عَيْنًا، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِغَصْبِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ، أَوْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالصِّفَةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يُبْطِلْ عَلَى الْمُودَعِ غَرَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا، وَلَوْ كَانَتْ بِضَاعَةً أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ بِضَاعَتِهِ أَوْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ مِنْ بِضَاعَتِهِ وَيَسْتَأْثِرَ بِرِبْحِهَا،
وَبَرِئَ إنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ
ــ
[منح الجليل]
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمَعُونَةِ وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ يَشْتَرِي بِهَا شَيْئًا فَتَجَرَ فِيهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ طَلَبَ الرِّبْحَ فَلَيْسَ لِلْمُبْضِعِ مَعَهُ قَطْعُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ. وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ الْمَالُ يَبْتَاعُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يُضَمِّنَهُ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عَرْضِهِ وَابْتِيَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِمَا ابْتَاعَهُ، وَهَذَا إذَا ظَفِرَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ بَيْعِ مَا ابْتَاعَهُ، فَإِنْ فَاتَ مَا ابْتَاعَهُ بِهِ فَإِنَّ رِبْحَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَخَسَارَتَهُ عَلَى الْمُبْضِعِ مَعَهُ.
(وَبَرِئَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الَّذِي تَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ تَسَلُّفًا مَكْرُوهًا بِأَنْ كَانَتْ مِثْلِيًّا وَهُوَ مَلِيءٌ (إنْ رَدَّ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْمَالَ (غَيْرَ الْمُحَرَّمِ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثْقَلًا تَسَلَّفَهُ وَهُوَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ مَعَ كَوْنِهِ مَلِيًّا لِمَحَلِّ إيدَاعِهِ ثُمَّ ضَاعَ بَعْدَ رَدِّهِ، سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى رَدِّهِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَرْبُوطَةً أَوْ مَخْتُومَةً، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ رَدِّهَا إلَّا بِيَمِينٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا تَسَلَّفَ مَالًا يُحَرَّمُ تَسَلُّفُهُ ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ مَكَانَهُ فَتَلِفَ الْمِثْلُ بَرِئَ عَلَى الْمَشْهُورِ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيَّدَ بِمَا لَا يُحَرَّمُ تَسَلُّفُهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ وَيَخْرُجَ مِنْهُ الْعَرْضُ وَتَسَلُّفِ الْمُعْدِمِ الْعَيْنَ، وَفِي خُرُوجِ تَسَلُّفِ الْمُعْدِمِ الْعَيْنَ مِنْهُ نَظَرٌ لِأَنَّ رَبَّهَا إنَّمَا يَكْرَهُ تَسَلُّفَهَا الْمُعْدِمِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَرُدَّهَا أَوْ يَرُدَّهَا بِعُسْرٍ، فَإِذَا رَدَّهَا فَقَدْ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا مُنِعَ تَسَلُّفُهَا، وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِيهَا لَوْ كَانَتْ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى بَلِيَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا. أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُهُ لَوْ رَدَّ الْقِيمَةَ لَبَرِئَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ سَوَاءٌ أَوْقَفَ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ اهـ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ، ثَالِثُهَا يَبْرَأُ إنْ رَدَّهَا بِإِشْهَادٍ، وَرَابِعُهَا يَبْرَأُ إنْ كَانَتْ مَنْثُورَةً وَإِنْ كَانَتْ مَصْرُورَةً ضَمِنَهَا، وَلَوْ رَدَّهَا. فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَوَّازِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى بَرَاءَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا دُونَ يَمِينِهِ أَوْ بِهَا. ثَالِثُهَا إنْ تَسَلَّفَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ صُدِّقَ دُونَ يَمِينٍ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِقَوْلِ الشَّيْخِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَمِينًا مَعَ قَوْلِ
إلَّا بِإِذْنٍ، أَوْ يَقُولَ: إنْ احْتَجْتَ فَخُذْ وَضَمِنَ الْمَأْخُوذَ فَقَطْ أَوْ بِقُفْلٍ بِنَهْيٍ.
ــ
[منح الجليل]
الْبَاجِيَّ، ظَاهِرُهَا نَفْيُهَا وَالشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَنْثُورَةِ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الثَّالِثَ اخْتِيَارًا لَهُ وَلَمْ يَعْزِهِ، وَقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إشْهَادُهُ لِخَوْفِ مَوْتِهِ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُودِعِ فَيَبْرَأُ أَوْ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَدِّهَا اهـ. الْحَطُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الْمُعْدِمَ مِنْ الْبَرَاءَةِ إذَا تَسَلَّفَ النَّقْدَ وَالْمِثْلِيَّ وَرَدَّهُ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْبَرَاءَةِ بِرَدِّ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَالَ (إلَّا) مَا اسْتَلَفَهُ الْمُودَعُ مِنْ الْوَدِيعَةِ (بِإِذْنٍ) مِنْ الْمُودِعِ فِي تَسَلُّفِهِ مُطْلَقٍ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالِاجْتِيَاحِ (أَوْ) مُقَيَّدٍ بِهِ كَأَنْ (يَقُولَ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ (إنْ احْتَجْتَ) يَا مُودَعُ بِالْفَتْحِ لِتَسَلُّفِ شَيْءٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ (فَخُذْ) مِنْهَا مَا تَحْتَاجُهُ سَلَفًا فَتَسَلَّفَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَرَدَّ مِثْلَ مَا تَسَلَّفَهُ لِمَكَانِهِ فَضَاعَ فَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ لِأَنَّهُ اسْتَلَفَهُ مِنْ مَالِكِهِ فَلَا يُبَرِّئُهُ إلَّا رَدُّهُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. الْبَاجِيَّ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَهَذَا إذَا تَسَلَّفَ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً وَقِيلَ لَهُ تَسَلَّفْ مِنْهَا إنْ شِئْت فَتَسَلَّفَ مِنْهَا، وَقَالَ رَدَدْتُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَا يُبَرِّئُهُ رَدُّهُ إيَّاهَا إلَّا إلَى رَبِّهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ هُوَ الْمُسَلِّفُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُسَلَّفُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَيْهِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَى الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا، فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهَا.
(وَ) إنْ أَخَذَ الْمُودَعُ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ بِإِذْنٍ مُطْلَقٍ أَوْ مُقَيَّدٍ وَرَدَّهُ وَضَاعَ مَعَ الْبَاقِي (ضَمِنَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْبَعْضَ (الْمَأْخُوذَ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْبَعْضِ غَيْرِ الْمَأْخُوذِ فَلَا يَضْمَنُهُ فِيهَا. وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَاسْتَهْلَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ هَلَكَ بَاقِيهَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا اسْتَهْلَكَ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ قَدْرُ مَا اسْتَهْلَكَ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا إنْ ضَاعَتْ وَهُوَ مُصَدَّقٌ أَنَّهُ رَدَّ فِيهَا مَا أَخَذَهُ مِنْهَا (أَوْ) أَيْ وَيَضْمَنُهَا إنْ ضَاعَتْ (بِ) سَبَبِ وَضْعِ (قُفْلٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ آلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ تُجْعَلُ عَلَى الْبَابِ لِمَنْعِ فَتْحِهِ مُتَلَبِّسٍ (بِنَهْيٍ) مِنْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عَنْ وَضْعِهِ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ فَسُرِقَتْ فَيَضْمَنُهَا لِإِغْرَائِهِ السَّارِقَ
أَوْ بِوَضْعٍ بِنُحَاسٍ فِي أَمْرِهِ بِفَخَّارٍ، لَا إنْ زَادَ قُفْلًا، أَوْ عَكَسَ فِي الْفَخَّارِ، أَوْ أَمَرَ بِرَبْطٍ بِكُمٍّ فَأَخَذَهَا بِالْيَدِ:
ــ
[منح الجليل]
بِوَضْعِهِ، وَمَفْهُومٌ بِنَهْيٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُهَا. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ قَالَ لِمَنْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً أَجْعَلُهَا فِي تَابُوتِك وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ هَذَا فَلَا يَضْمَنُ إنْ قَفَلَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ السَّارِقَ بِرُؤْيَةِ الْقُفْلِ أَطْمَعُ.
(أَوْ) أَيْ وَتُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (وَضْعٍ) لِلْوَدِيعَةِ (بِ) وِعَاءٍ (نُحَاسٍ) فَسُرِقَتْ مِنْهُ (فِي) صُورَةٍ (أَمَرَهُ) أَيْ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ بِوَضْعِهَا (بِ) وِعَاءٍ (فَخَّارٍ) لِأَنَّ وَضْعَهَا فِي النُّحَاسِ يُغْرِي السَّارِقَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَوْ قَالَ اجْعَلْهَا فِي سَطْلِ فَخَّارٍ فَجَعَلَهَا فِي سَطْلٍ مِنْ نُحَاسٍ ضَمِنَ وَفِي الْعَكْسِ الْعَكْسُ (لَا) تُضْمَنُ الْوَدِيعَةُ (إنْ زَادَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (قُفْلًا) عَلَى مَا فِيهِ الْوَدِيعَةُ فَسُرِقَتْ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ اقْفِلْ عَلَيْهَا قَفْلًا وَاحِدًا فَقَفَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ فَلَا يَضْمَنُهَا. ابْنُ يُونُسَ السَّارِقُ أَطْمَعُ إذَا كَانَتْ بِقُفْلَيْنِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى كَثْرَةِ الْمَنْقُولِ عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَاقْفِلْ وَاحِدًا فَقَفَلَ اثْنَيْنِ قَوْلَانِ. خَلِيلٌ الْقَوْلُ يَنْفِي الضَّمَانَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَاهِرِ، وَزَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إغْرَاءُ اللِّصِّ فَيَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ مَالَ إلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَلَمْ أَعْلَمْهُ مَنْصُوصًا. وَفِي الشَّامِلِ وَبِقُفْلٍ نَهَاهُ عَنْهُ وَاخْتِيرَ سُقُوطُهُ لَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ أَوْ زَادَ قُفْلًا إلَّا فِي حَالِ إغْرَاءِ لِصٍّ.
(أَوْ) أَيٍّ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إنْ (عَكَسَ فِي) صُورَةِ (الْفَخَّارِ) بِأَنْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِي نُحَاسٍ فَوَضَعَهَا فِي فَخَّارٍ فَسُرِقَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا (أَوْ أَمَرَ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ (بِرَبْطٍ) لِلْوَدِيعَةِ (بِكُمٍّ) بِضَمِّ الْكَافِ وَشَدَّ الْمِيمِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (فَأَخَذَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ (بِالْيَدِ) فَسُرِقَتْ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ الْيَدَ أَصَوْنُ مِنْ الْكُمِّ. ابْنُ شَاسٍ لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَهُ ارْبِطْهَا فِي كُمِّك فَأَخَذَهَا فِي يَدِهِ فَأَخَذَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ هَاهُنَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِجَعْلِهَا فِي الْكُمِّ إخْفَاءَهَا عَنْ غَاصِبٍ فَيَضْمَنُ بِجَعْلِهَا فِي الْيَدِ، وَتَوَرَّكَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ زِيَادَةَ الرَّبْطِ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرَ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ مُقَيِّدًا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ رَبَطَهَا فِي دَاخِلِ كُمِّهِ أَوْ خَارِجَهُ كَانَ حِرْزًا، وَلَوْ شَدَّهَا فِي وَسَطِهِ كَانَ حِرْزًا، وَلَوْ ثَنَى عَلَيْهَا بِالسَّرَاوِيلِ بِغَيْرِ شَدِّهَا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا، حَكَى هَذَا عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
كَجَيْبِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ
وَبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا
وَبِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ بِهَا
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ (كَ) وَضْعِهَا فِي (جَيْبِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَسُرِقَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) عِنْدَ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ. الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ الزَّاهِيُّ لَوْ جَعَلَ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ ضَمِنَهَا، وَقِيلَ لَا وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَلَامَ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ اخْتِيَارُهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْجَيْبَ لَيْسَ مِنْ الْعَادَةِ أَنْ تُرْفَعَ إلَيْهِ الْوَدَائِعُ، وَجَاعِلُهَا فِيهِ مُتَعَرِّضٌ لِتَلَفِهَا. اللَّخْمِيُّ لَوْ لَقِيَهُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي وَسَطِك فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ جَيْبِهِ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ حَيْثُ يَجْعَلُهَا فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ فِي عِمَامَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَفِي جَعْلِهَا فِي الْجَيْبِ نَظَرٌ.
ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَخْتَلِفُ فِي عَدَمِ ضَمَانِهِ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ النَّاسِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ سُقُوطُ الضَّمَانِ فِي الْجَيْبِ، فَإِنَّهُ أَصَوْنُ لَهَا وَلَا سِيَّمَا فِي لِبَاسِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَزَادَ وَأَمَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَكْتُومُ عِنْدَنَا فَالْكُمُّ أَحْفَظُ مِنْهُ، وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَكْتُومِ عُرْفِنَا. اهـ. وَمَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِلَّخْمِيِّ مِنْ الِاخْتِيَارِ فَقَدْ أَشَارَ الْمَوَّاقُ إلَى اعْتِرَاضِهِ بِقَوْلِهِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. اهـ. مَا أَلْفَيْتُهُ لِلَّخْمِيِّ اهـ، فَلَعَلَّ صَوَابَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ مُشِيرًا بِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (نِسْيَانِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا) ابْنُ يُونُسَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ اسْتَوْدَعَ وَدِيعَةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَجْلِسِ فَجَعَلَهَا عَلَى نَعْلَيْهِ فَذَهَبَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا. قُلْتُ أَلَمْ يُضَيِّعْ إذْ لَمْ يَرْبِطْهَا قَالَ يَقُولُ لَا خَيْطَ مَعِي. قُلْتُ يَرْبِطُهَا فِي طَرَفِ رِدَائِهِ قَالَ يَقُولُ لَيْسَ عَلَيَّ رِدَاءٌ. قُلْتُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَالَ لَا يَضْمَنُ كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. ابْنُ حَبِيبٍ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ فِيهِ وَقَامَ يَضْمَنُهَا لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَلَيْسَ كَسُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ أَوْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ لِأَخْذِهَا، هَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ نِسْيَانُهُ حَتَّى سَقَطَتْ مِنْ كُمِّهِ أَوْ يَدِهِ كَنِسْيَانِهِ لِأَخْذِهَا وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (دُخُولِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ مُتَلَبِّسًا (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ
وَبِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ فَتَلِفَتْ، لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَوَقَعَتْ
ــ
[منح الجليل]
الْحَمَّامَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ فَسُرِقَتْ مِنْهُ. سَحْنُونٌ مِنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَصَرَّهَا فِي كُمِّهِ مَعَ نَفَقَتِهِ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ فَضَاعَتْ ثِيَابُهُ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ. ابْنُ يُونُسَ لَعَلَّهُ إنَّمَا ضَمَّنَهُ لِدُخُولِهِ بِهَا الْحَمَّامَ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (خُرُوجِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَيْتِهِ حَالَ كَوْنِهِ (يَظُنُّهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ مِلْكًا (لَهُ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (فَضَاعَتْ) الْوَدِيعَةُ مِنْهُ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ خَطَأٍ، وَهِيَ كَالْعَمْدِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ. مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ أَوْدَعَهَا وَكَانَ فِي بَيْتِهِ فَأَخَذَهَا يَوْمًا فَأَدْخَلَهَا فِي كُمِّهِ وَخَرَجَ بِهَا يَظُنُّهَا دَرَاهِمَهُ فَسَقَطَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. ابْنُ يُونُسَ أَمَّا هَذِهِ فَصَوَابٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، فَنِسْيَانُهُ فِي هَذَا كَعَمْدِهِ لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا فِي وَضْعِهَا عَلَى نَعْلِهِ أَوْ حَمْلِهَا مِنْ مَوْضِعِ إيدَاعِهَا إلَى دَارِهِ فِي يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، فَنِسْيَانُهُ إيَّاهَا فِي مَوْضِعِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ حَتَّى سَقَطَتْ أَمْرٌ يُعْذَرُ بِهِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ (لَا) تُضْمَنُ (إنْ نَسِيَهَا) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ حَالَ كَوْنِهَا (فِي كُمِّهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَسَقَطَتْ مِنْهُ حَيْثُ أُمِرَ بِجَعْلِهَا فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ، تَقَدَّمَ شَاهِدُهُ فِي كَلَامِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ يُونُسَ.
ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا ضَمِنَ بِخِلَافِ نِسْيَانِهَا فِي كُمِّهِ فَتَقَعُ. وَقِيلَ سَوَاءٌ. خَلِيلٌ إذَا نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ نِسْيَانِهَا فِي كُمِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ سَوَاءٌ يُحْتَمَلُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْأُولَى مَنْصُوصًا. نَعَمْ خَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمُودَعِ مِائَةٌ دِينَارٍ فَيَدَّعِيهَا رَجُلَانِ وَنَسِيَ أَيَّهمَا أَوْدَعَهُ، وَمِمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِالْخِيَارِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَاخْتَلَطَا وَلَمْ يَدْرِ لِمَنْ الْجَيِّدُ مِنْهُمَا فَاخْتَلَفَ هَلْ يَضْمَنُ لَهُمَا أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ الْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ مُفْرِطًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الضَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مَا نَصُّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ بِالطَّرِيقِ فَمَضَى لِحَاجَةٍ قَبْلَ إحْرَازِهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي
وَلَا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ
وَبِإِيدَاعِهَا وَإِنْ بِسَفَرٍ لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَا بِذَلِكَ.
ــ
[منح الجليل]
كُمِّهِ مُلْقَاةً لَمْ يَكُنْ حِرْزًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي سُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ لَا يَضْمَنُهَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الزَّاهِيِّ، وَبِهِ يُفَسَّرُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. وَفِي الشَّامِلِ وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَحَلِّ إيدَاعِهَا ضَمِنَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، ثُمَّ قَالَ لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ هَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ نِسْيَانَهُ جِنَايَةً مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَرَهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(وَلَا) تُضْمَنُ (إنْ شَرَطَ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (الضَّمَانَ) بِلَا سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهَا
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (إيدَاعِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَتَلِفَتْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَمِينًا إذْ لَمْ يَرْضَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ إلَّا بِأَمَانَةِ الْأَوَّلِ إنْ أُودِعَتْ عِنْدَهُ بِحَضَرٍ، بَلْ (وَإِنْ) أُودِعَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ (بِسَفَرٍ) فَلَيْسَ إيدَاعُهَا عِنْدَهُ وَهُوَ مُسَافِرٌ عُذْرًا مُبِيحًا لِإِيدَاعِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمَحَلُّ ضَمَانِهِ إنْ أَوْدَعَهَا (لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ) ، فَإِنْ أَوْدَعَهَا لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ. زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (إنْ اُعْتِيدَا) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَهُمَا مِنْ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَحِفْظُهُمَا لَهُ مَا أَوْدَعَهُمَا إيَّاهُ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّقْيِيدِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ وَأَقَلُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ.
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الضَّمَانُ إنْ أَوْدَعَ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً لَمْ يُعْتَدْ إيدَاعُهُ عِنْدَهَا فَضَاعَتْ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَقِبَ تَزَوُّجِهَا أَوْ تَمَلُّكِهَا أَوْ لَمْ يَأْتَمِنْهَا عَلَى مَالِهِ، وَشَمِلَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ أَجِيرَ الْخِدْمَةِ وَالْعَبْدَ اللَّذَيْنِ فِي عِيَالِهِ وَجَعَلَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ صَاحِبُ الشَّامِلِ، وَهَلْ حُكْمُ إيدَاعِ الزَّوْجَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا كَحُكْمِ إيدَاعِهِ عِنْدَهُمَا أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَأَسْقَطَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ مِنْ اُعْتِيدَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا شَخْصَيْنِ وَإِلَّا فَهِيَ لَازِمَةٌ أَفَادَهُ تت. " ق " ابْنُ عَرَفَةَ مُوجِبُ ضَمَانِهِ الْوَدِيعَةَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنٍ عَادِيٍّ أَوْ جَحَدَهَا فَمَا فَوْقَهُمَا فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا إيدَاعُهُ إيَّاهَا لَا لِعُذْرٍ فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا يُوجِبُ ضَمَانَهُ إيَّاهَا، وَفِيهَا إنْ
إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَّثَتْ، أَوْ لِسَفَرٍ عِنْدَ عَجْزِ الرَّدِّ
ــ
[منح الجليل]
أَوْدَعْتَ لِمُسَافِرٍ مَالًا فَأَوْدَعَهُ فِي سَفَرِهِ فَضَاعَ ضَمِنَ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَدَفَعَهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ لِتَرْفَعَهُ لَهُ فِي بَيْتِهِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ أَوْ رَفَعَهُ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَنَحْوَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ.
ابْنُ يُونُسَ وَكَانَ الْمُودِعُ أَوْدَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَالْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْفَعَ لَهُ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَثِقُ بِمَالِهِ إلَيْهِمْ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يُؤَيِّدُ هَذَا. مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَرَفَعَهَا عِنْدَ غَيْرِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُهُ وَالْقِيَامُ لَهُ يَضْمَنُهَا. .
وَاسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهَا لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُعْتَادِينَ بِهِ فَقَالَ (إلَّا) إيدَاعُهَا (لِعَوْرَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَأَيُّ صِفَةٍ وَحَالَةٍ يُخْشَى ضَيَاعُ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِهَا إنْ بَقِيَتْ فِي مَحَلِّهَا كَانْهِدَامِ الدَّارِ أَوْ زِيَادَتِهِ وَمُجَاوَرَةِ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ (حَدَثَتْ) أَيْ تَجَدَّدَتْ الْعَوْرَةُ بَعْدَ الْإِيدَاعِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَمِلَهَا الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إيدَاعُهَا، فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَيَضْمَنُهَا. " ق " اللَّخْمِيُّ إذَا خَافَ الْمُودَعُ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ أَوْ جَارٍ سُوءٍ وَكَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرًا حَدَثَ بَعْدَ الْإِيدَاعِ جَازَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا وَلَا يَضْمَنَهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَالْمُودِعُ عَالِمٌ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إيدَاعُهَا، فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَيَضْمَنْهَا.
(أَوْ) أَيْ وَإِلَّا إيدَاعُهَا (لِ) إرَادَةِ (سَفَرٍ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (عِنْدَ) عَجْزِهِ عَنْ (الرَّدِّ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِمُودَعِهَا لِغَيْبَتِهِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانَهَا. " ق " فِيهَا إنْ أَرَادَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ وَرَبُّهَا غَائِبٌ فَلْيُودِعْهَا ثِقَةً. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي ثِقَتِهِ فَسَفَرُهُ وَخَوْفُ عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ عُذْرٌ. أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. ابْنُ يُونُسَ كَدَفْعِهِ لِزَوْجَتِهِ وَخَادِمِهِ. وَيَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ ضَمَانُهُ إنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِدَفْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُضَمِّنُوهُ لِعُذْرِهِ. وَمَفْهُومُ الطَّرَفِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَ
وَإِنْ أَوْدَعَ بِسَفَرٍ، وَوَجَبَ الْإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ
وَبَرِئَ، إنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً
ــ
[منح الجليل]
الِاسْتِثْنَاءِ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَتَرَدَّدَ الْبِسَاطِيُّ فِي جَعْلِ الْعَجْزِ عَنْ الرَّدِّ قَيْدًا فِي هَذِهِ فَقَطْ أَوْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا.
الْبُنَانِيُّ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي رُجُوعِهِ لَهُمَا كَمَا فِي " ق " وطفى، قَالَ هَذَا التَّرَدُّدُ وَمَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ فِي السَّفَرِ فَقَطْ وَقَبُولُ ذَلِكَ قُصُورٌ مَعَ قَوْلِهَا، وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا حَاضِرًا فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ فَلْيُودِعْهَا ثِقَةً وَلَا يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ. اهـ. وَبَالَغَ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْإِيدَاعِ لِعُذْرٍ حَدَثَ فَقَالَ هَذَا إنْ أَوْدَعَهَا بِحَضَرٍ، بَلْ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ لِغَيْرِهِ (بِسَفَرٍ) ابْنِ عَاشِرٍ الظَّاهِرُ إنْ أَوْدَعَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَوْدَعْت مُسَافِرًا فِي سَفَرِهِ مَالًا فَأَوْدَعَهُ فَضَاعَ ضَمِنَ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّهُ اللُّصُوصُ فَيُسَلِّمُهُ لِمَنْ يَنْجُو بِهِ. اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً تَحْتَ يَدِهِ لِعُذْرٍ فَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِهِ فِي السَّفَرِ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَبِهِ يَنْتَفِي التَّكْرَارُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ.
(وَوَجَبَ) عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ إذَا خَافَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ الَّتِي حَدَثَتْ أَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَإِيدَاعَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ (الْإِشْهَادُ) لِعَدْلَيْنِ (بِ) مُعَايَنَةِ (الْعُذْرِ) الَّذِي حَدَثَ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعُهَا لِعُذْرٍ. " ق " فِيهَا لَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ أَوْ خَوْفِ عَوْرَةِ الْمَنْزِلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اللَّخْمِيُّ إنْ ثَبَتَ الْإِيدَاعُ وَالْوَجْهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ وَهُوَ خَوْفُ مَوْضِعِهِ أَوْ لِلسَّفَرِ بَرِئَ الْمُودَعُ.
(وَ) إنْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ لِعُذْرٍ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ الْمُوجِبُ إيدَاعَهَا بِأَنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَنَى بَيْتَهُ أَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ جَارُ السَّوْءِ وَرَدَّ الْوَدِيعَةَ لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا، ثُمَّ تَلِفَتْ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ رَدَّهَا مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ تَلِفَتْ مِنْهُ (بَرِئَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مِنْ ضَمَانِهَا (إنْ رَجَعَتْ) الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمُودَعِ الثَّانِي لِلْمُودَعِ الْأَوَّلِ
وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إنْ نَوَى الْإِيَابَ
ــ
[منح الجليل]
بِالْفَتْحِ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهَا (سَالِمَةً) مِنْ التَّلَفِ وَالْعُيُوبِ ثُمَّ تَلِفَتْ بَعْدَ رُجُوعِهَا. " ق " فِيهَا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا، كَقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ أَنْفَقَ مِنْهَا ثُمَّ رَدَّ مَا أَنْفَقَ فَلَا يَضْمَنُهُ.
(وَ) إنْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِإِرَادَتِهِ السَّفَرَ وَسَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (اسْتِرْجَاعُهَا) أَيْ أَخْذُ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ وَرَدَّهَا إلَى مَحَلِّ إيدَاعِهَا الَّذِي كَانَتْ بِهِ (إنْ) كَانَ (نَوَى) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (الْإِيَابَ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ، أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي أَوْدَعَهَا حِينَ إرَادَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ لِأَجَلِهِ لِالْتِزَامِهِ حِفْظَهَا لِرَبِّهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا زَمَنَ عُذْرِهِ بِالسَّفَرِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِيَابَ عِنْدَ سَفَرِهِ بِأَنْ كَانَ يَنْوِي عَدَمَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا. الْبِسَاطِيُّ وَالْمَنْصُوصُ نَدْبُهُ. " ق " اللَّخْمِيُّ إنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ حُدُوثِ سَفَرٍ ثُمَّ عَادَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ سَافَرَ لِيَعُودَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَحْفَظَهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهَا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي سَافَرَهُ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ ثُمَّ عَادَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: إنْ أَوْدَعَهَا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ ثُمَّ زَالَتْ فَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ نَوَى الْإِيَابَ أَوْ زَالَتْ الْعَوْرَةُ لَشَمِلَ هَذَا.
الثَّانِي: إنْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا.
الثَّالِثُ: إنْ تَرَكَ اسْتِرْجَاعَهَا الْوَاجِبَ فَتَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهَا بِلَا عُذْرٍ.
الرَّابِعُ: إذَا طَلَبَهَا مِمَّنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَمَنَعَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهَا لَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ، فَفِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً ثُمَّ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ الْغَائِبِ ثُمَّ طَلَبْتَ قَبْضَهَا فَلَكَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ، وَلَيْسَ إقْرَارُكَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ يَمْنَعُكَ مِنْ قَبْضِهَا فِي غَيْبَةِ زَيْدٍ لِأَنَّكَ الَّذِي أَوْدَعْتَهَا.
وَبِبَعْثِهِ بِهَا
ــ
[منح الجليل]
(و) تُضْمَنُ بِسَبَبِ (بَعْثٍ) أَيْ إرْسَالٍ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَتَتْلَفُ، وَلَوْ ادَّعَى إذْنَهُ وَأَنْكَرَهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. " ق " فِيهَا لَوْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ قَدْ رَدَدْتُ ذَلِكَ مَعَ رَسُولِي إلَى رَبِّهِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ. أَشْهَبُ سَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا. ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُودَعِ يَأْتِيهِ رَجُلٌ زَعَمَ أَنَّ رَبَّهَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ وَدَفَعَهَا لَهُ فَضَاعَتْ مِنْهُ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا أَمْرَهُ فَيَضْمَنُهَا الدَّافِعُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى قَابِضِهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: إذَا سَافَرَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا فَتَلِفَتْ مِنْهُ قَبْلَ رَدِّهَا لَهُ فَضَمِنَهَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَتَبَ وَصِيُّهَا إلَى وَرَثَتِهَا بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدُّوا لَهُ جَوَابًا، فَسَافَرَ بِتَرِكَتِهَا إلَيْهِمْ فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِسَفَرِهِ بِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا. اهـ. وَأَقَرَّهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ أَغَرَّ بِهَا بِسَفَرِهِ بِهَا فِي وَقْتٍ مَخُوفٍ فَيَضْمَنُهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. الْبُنَانِيُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّوْضِيحِ هُوَ الضَّمَانُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
الثَّانِي: ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْدَعْتَ مَعَهُ وَدِيعَةً لِبَلَدٍ فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَصِيرَةٌ كَالْأَيَّامِ أَوْ طَوِيلَةٌ كَالسَّنَةِ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ كَالشَّهْرَيْنِ فَإِنْ بَعَثَهَا فِي الْقَصِيرَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا وَإِنْ حَبَسَهَا فِي الطَّوِيلَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ اهـ. الْحَطُّ هَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَمَعَ بِهِ بَيْنَ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ.
الثَّالِثُ: مَنْ أُرْسِلَ بِمَالٍ إلَى شَخْصٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَرَجَعَ بِهِ فَضَاعَ مِنْهُ حَالَ رُجُوعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي رُجُوعِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهُ إيدَاعُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ.
الرَّابِعُ: فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهَا غَيْرَهُ
وَبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا فَمِتْنَ، وَإِنْ مِنْ الْوِلَادَةِ كَأَمَةٍ زَوَّجَهَا فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ
وَبِجَحْدِهَا
ــ
[منح الجليل]
وَلَا بَعْثُهَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ لَهُ إقَامَةٌ فِي بَلْدَةٍ وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَوَجَدَ مَنْ يَخْرُجُ إلَى حَيْثُ أَمَرَهُ صَاحِبُهَا فَلَهُ تَوْجِيهُهَا، ثُمَّ قَالَ قَالَ مُطَرِّفٌ لَوْ قَالَ الْآمِرُ قَدْ أَمَرْتُك أَنْ لَا تُخْرِجَهَا مِنْ يَدِك وَلَا تَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِكَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ فَالْمَأْمُورُ مُصَدَّقٌ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِيهِ لَوْ اجْتَهَدَ فِي أَنَّهُ أَمِينٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ أَمِينٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. .
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (إنْزَائِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالزَّايِ آخِرَهُ هَمْزٌ أَيْ إرْسَالُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ الْفَحْلَ عَلَيْهَا لِتَحْمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا (فَمُتْنَ) أَيْ الْإِنَاثُ الْمُودَعَاتُ مِنْ الْإِنْزَاءِ، بَلْ (وَإِنْ) مُتْنَ (مِنْ الْوِلَادَةِ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَضْمَنُهَا إنْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ الْإِنْزَاءِ قَالَهُ تت.
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَأَمَةٍ) مُودَعَةٍ بِالْفَتْحِ (زَوَّجَهَا) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا (فَمَاتَتْ) الْأَمَةُ (مِنْ الْوِلَادَةِ) تت وَكَذَا مَوْتُهَا مِنْ وَطْئِهَا. ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَمَاتَتْ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَفْهُومُ أَمَةٍ إنَّ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُخَيِّرُهُ سَيِّدُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ، فَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجِيزَهُ فَلَا يَضْمَنُ، وَقَدْ أَجَازَ فِعْلَهُ، وَإِنْ فَسَخَهُ رَجَعَ الْعَبْدُ لِحَالِهِ بِلَا نَقْصٍ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ " ق " فِيهَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ بَقَرًا أَوْ نُوقًا أَوْ أُتُنًا فَأَنْزَى عَلَيْهِنَّ فَحَمَلْنَ فَمُتْنَ مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا فَحَمَلَتْ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ عَطِبَتْ تَحْتَ الْفَحْلِ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (جَحْدِ) إيدَاعِ (هَا) ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ وَادَّعَى رَدَّهَا أَوْ تَلَفَهَا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى جَحْدِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ الْإِيدَاعَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْكَ ثُمَّ قَامَتْ لِلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْإِيدَاعِ فَادَّعَى الرَّدَّ
ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ وَبِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ، وَلَمْ تُوجَدْ؛ إلَّا لِكَعَشْرِ سِنِينَ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ الضَّيَاعَ لَقُبِلَ قَوْلُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ (ثُمَّ) إنْ أَقَامَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بَيِّنَةً بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ أَوْ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِهِ وَكَانَ جَحْدُهُ أَوَّلًا فَ (فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ) الْمُودِعِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِ (الرَّدِّ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ لِمُوَدِّعِهَا لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَا يُنْظَرُ لِتَضَمُّنِ جَحْدِهِ تَكْذِيبَهَا، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَدَمُهُ لِتَكْذِيبِهَا بِجَحْدِهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمَشْهُورُ (خِلَافٌ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.
" ق " اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ، فَلَمَّا شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالرَّدِّ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا اشْتَرَيْت مِنْك فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَضْعَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً. ابْنُ حَبِيبٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ مَنْ اسْتَوْدَعَ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّهَا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا إنْ قَالَ لَمْ أَجِدْهَا، يُرِيدُ أَوْ قَالَ مَا أَوْدَعَتْنِي شَيْئًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَالْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ تَنْفَعُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْغِرَاضِ وَالْبِضَاعَةِ اهـ.
ابْنُ زَرْقُونٍ تَحَصَّلَ فِيمَنْ أَنْكَرَ أَمَانَةً ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ رَدَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا. الثَّانِي لِمَالِكٍ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا. الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ضَيَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ فَإِنَّهَا تَنْفَعُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ. ابْنُ شَاسٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُوصِ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَمْ تُوجَدْ) الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا فِي تَرِكَتِهِ فَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا مِنْهَا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَسَلَّفَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ) يَطُولَ الزَّمَانُ (لِ) مُرُورِ (كَعِشْرِينَ سَنَةً) مِنْ يَوْمِ إيدَاعِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّهَا لِرَبِّهَا. وَمَفْهُومُ لَمْ يُوصِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هِيَ بِمَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ فَتُحْمَلُ عَلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَنَّهَا سُرِقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ حَالَ مَرَضِهِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الْحَاجِبِ سَوَاءٌ ثَبَتَ الْإِيدَاعُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الْمُودَعِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَتَعَقَّبَهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَتَى مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ ضَمِنَ، قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا لَمْ تَتَقَادَمْ كَعَشْرِ سِنِينَ فَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ بِإِطْلَاقِهِ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ، فَقَالَ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا قَبَضَ عَلَى الْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ، وَقُصَارَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ أَنْ تُوجِبَ شَكًّا وَالذَّمُّ لَا تُعَمَّرُ بِالشَّكِّ. وَلِأَجْلِ هَذَا اسْتَثْنَى مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَتَقَادَمْ لِضَعْفِ مُوجِبِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ وَجَبَ مُحَقَّقًا مَا سَقَطَ بِهَذَا الطُّولِ وَرَأَى أَنَّ هَذَا الطُّولَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَبَّهَا أَخَذَهَا وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُنْضَمَّةِ إلَى الْأَصْلِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ تَأَمُّلِهِ عَلَى فَهْمِهِ وَحَمْلِهِ لَفْظَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْوَدِيعَةُ ثَابِتَةً بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْمُودَعِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ ذَلِكَ، وَهُوَ ثُبُوتُ كَوْنِهَا فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا كَانَتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ، لَكِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ يُقَيِّدُهُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ، سُئِلَ عَنْ الْوَدِيعَةِ يُقِرُّ بِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ دُونَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِهَذِهِ الْأُمُورِ وُجُوهٌ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا عِشْرُونَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَقَامَ رَبُّهَا يَطْلُبُهَا مَا رَأَيْتُ لَهُ شَيْئًا، وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ يَرَى إنْ كَانَ قَرِيبًا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ رَأْيِي لَوْ كَانَ إنَّمَا لِذَلِكَ السَّنَةِ وَشَبَهِهَا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ طَلَبَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ لَرَأَيْتُهُ فِي مَالِهِ اهـ.
ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ دُونَ أَنْ يُشْهَدَ بِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَادَّعَى رَدَّهَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ
وَأَخَذَهَا إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ، أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ، أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ
وَبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادِرٍ
ــ
[منح الجليل]
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا لَمْ تَتَقَادَمْ دُونَ تَقْيِيدِ ثُبُوتِ الْوَدِيعَةِ بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ غَفْلَةً أَوْ غَلْطَةً وَالتَّعْقِيبُ عَلَى شَارِحِيهِ أَشَدُّ. .
(وَ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ لَهُ وَدِيعَةً عِنْدَ مَيِّتٍ وَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي (أَخَذَهَا) أَيْ اسْتَحَقَّ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ أَنْ يَأْخُذَ وَدِيعَتَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (أَنَّهَا) أَيْ الْوَدِيعَةُ (لَهُ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَقَدْ تَنَازَعَ فِي أَنَّهَا لَهُ ثَبَتَ وَكِتَابَةُ (إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْكِتَابَةِ (خَطُّهُ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ (أَوْ) ثَبَتَ أَنَّهُ (خَطُّ) الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ (الْمَيِّتِ) قَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْخُذُهَا إنْ وُجِدَ عَلَيْهَا خَطُّ الْمَيِّتِ لَا خَطُّ الْمُودِعِ. ابْنُ دَحُونٍ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَخْرَجَهَا لَهُ فَكَتَبَ عَلَيْهَا اسْمَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ انْفَرَدَتْ هَذِهِ الْوَدِيعَةُ بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا.
(ق) سَمِعَ أَبُو زَيْدِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ وَدَائِعَ وَلَمْ يُوصِ فَتُوجَدُ صُرَرٌ فِيهَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ، وَفِيهَا كَذَا وَكَذَا دِينَارٌ، وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ إلَّا بِقَوْلِهِ، وَوَجَدُوهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ كَمَا ادَّعَى لَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ لَا يَقْضِي لِمَنْ وَجَدَ عَلَيْهَا اسْمَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِخَطِّهِ وَلَا بِخَطِّ الْمُودَعِ، فَإِنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُتَوَفَّى الَّذِي وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَ اسْمَهُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَرَى الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ، وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ مُدَّعِي الْوَدِيعَةَ فَقَالَ أَصْبَغُ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهَا فِي حَوْزِ الْمُسْتَوْدَعِ اسْمُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا.
(وَ) تُضْمَنُ (بِسَعْيِهِ) أَيْ مَشْيِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (لِمُصَادِرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ ظَالِمٍ أَوْ فَتْحِهَا أَيْ لِلْمُودَعِ الَّذِي صَادَرَهُ ظَالِمٌ لِيَأْخُذَ مَالَهُ ظُلْمًا وَدَفَعَهَا لَهُ بِحَضْرَتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَوْ سَعَى بِهَا إلَى مُصَادِرٍ ضَمِنَهَا وَاضِحٌ لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ نَصَّ الْمَسْأَلَةِ إلَّا لِلْغَزَالِيِّ، وَنَصَّ الْوَجِيزِ السَّادِسِ مِنْ مُوجِبَاتِ
وَبِمَوْتِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ لِبَلَدٍ، إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
الضَّمَانِ التَّضْيِيعُ وَذَلِكَ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَضْيَعَةٍ، أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ سَارِقًا، أَوْ يَسْعَى بِهِ إلَى مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ فَيَضْمَنُ.
(وَ) إنْ أُرْسِلَ شَخْصٌ بِمَالٍ إلَى بَلَدٍ فَمَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَالُ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (بِمَوْتِ) الشَّخْصِ (الْمُرْسَلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمَالُ مَعَهُ (لِبَلَدٍ) يُعْطِيه لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يُفَرِّقَهُ عَلَى فُقَرَائِهِ (إنْ لَمْ يَصِلْ) الْمُرْسَلُ مَعَهُ (إلَيْهِ) أَيْ الْبَلَدِ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَالُ فِي تَرِكَتِهِ فَيُؤْخَذُ عِوَضُهُ مِنْهَا حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَلَفَهُ وَأَنْفَقَهُ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ وَصَلَهُ وَمَاتَ بَعْدَ وُصُولِهِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا دَفْعُ الْمَالِ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ.
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ بَعَثْت بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ بِبَلَدٍ فَقَدَمَهَا الرَّسُولُ ثُمَّ مَاتَ بِهَا وَزَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَك فِي تَرِكَةِ الرَّسُولِ وَلَك الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ لَكَ شَيْئًا وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَلَدَ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَالِ أَثَرٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ. اللَّخْمِيُّ وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ فِي الطَّرِيقِ مُودَعٌ وَبِوُصُولِهِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ امْتَثَلَ مَا وَكَّلَ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ أَشْهَدَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِرَجُلٍ بِبَلَدٍ فَمَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ لَهُ قَبْضَهُ فَفِي ضَمَانِهِ الْمَبْعُوثَ مَعَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْبَلَدَ، ثَالِثُهَا عَكْسُهُ لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ قَائِلًا فِي رِوَايَتِهَا هِيَ رِوَايَةُ سُوءٍ، وَلَهَا لِلْمَوَّازِيَّةِ وَفِيهَا إنْ مَاتَ بَعْدَ وُصُولِهِ حَلَفَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرًا مَا يَعْلَمُ لَك شَيْئًا. اللَّخْمِيُّ يَحْسُنُ تَضْمِينُهُ بِمَوْتِهِ بِالطَّرِيقِ إنْ أَقَامَ بَعْدَ قَبْضِهَا وَهِيَ عَيْنٌ، وَمِثْلُهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَدِيعَةِ. عِيَاضٌ حَمَلَ الْأَكْثَرُ قَوْلَ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلَافِ وَتَأَوَّلَ حَمْدِيسٌ قَوْلَهَا عَلَى أَنَّهُ فِيمَا تَطَاوَلَ، وَأَنَّ الَّذِي عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقُرْبِ أَنْ يَضْمَنَ، وَكَذَا ضَمِنَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. قُلْتُ فَعَلِيٌّ عَدَّ التَّأْوِيلَ قَوْلًا وَهُوَ فِعْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَقْوَالُ خَمْسَةٌ الثَّلَاثَةُ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَتَأْوِيلُ حَمْدِيسٍ. .
وَبِكَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ رَدَّهَا سَالِمَةً إنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ
وَإِنْ أَكْرَاهَا لِمَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا، إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا، فَلَكَ قِيمَتُهَا يَوْمَ كِرَائِهِ، وَلَا كِرَاءَ
ــ
[منح الجليل]
وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِهَا (كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ) إذَا تَلِفَتْ الشَّارِحَانِ، هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا. تت قَدْ يُقَالُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِيَمِينِهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (رَدَّهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ لِمَحَلِّهَا بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهَا حَالَ كَوْنِهَا (سَالِمَةً) مِنْ التَّلَفِ وَالْعَيْبِ، ثُمَّ تَلِفَتْ بَعْدَ رَدِّهَا فَلَا يَضْمَنُهَا (إنْ) كَانَ (أَقَرَّ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (بِالْفِعْلِ) أَيْ لُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ مَثَلًا. فَإِنْ أَنْكَرَهُ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا سَالِمَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. مُحَمَّدٌ أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْفَتْحِ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَقَالَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَدَدْت فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ هَلَكَ مَا لَبِسَهُ الْمُودَعُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ دَابَّةٍ فَفِي تَصْدِيقِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ رَدِّهِ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ضَمِنَ تَضْمِينُهُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ. ثَالِثُهَا يَضْمَنُ حَتَّى يَرُدَّهَا لِمُحَمَّدٍ قَائِلًا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَكِتَابُ ابْنِ سَحْنُونٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ يُونُسَ.
(وَإِنْ كَرَاهَا) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنِ مُودِعِهَا بِالْكَسْرِ لِشَخْصٍ يَرْكَبُهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعًا (لِمَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ مَثَلًا فَانْتَفَعَ بِهَا الْمُكْتَرِي (وَرَجَعَتْ) الْوَدِيعَةُ (بِحَالِهَا) الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ سَالِمَةً (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ إكْرَاءَهَا (حَبَسَهَا) أَيْ أَخَّرَ الْوَدِيعَةَ (عَنْ) بَيْعِهَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً فِي (أَسْوَاقِهَا) الَّتِي ارْتَفَعَتْ قِيمَتُهَا فِيهَا (فَلَكُ) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ مُعْتَبَرَةً (يَوْمَ) عَقْدِ (كِرَائِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةَ إذْ هُوَ يَوْمُ التَّعَدِّي عَلَيْهَا (وَ) إذَا أَخَذْت قِيمَتَهَا يَوْمَ كِرَائِهَا فَ (لَا كِرَاءَ) لَك فَهُوَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ مِلْكُهُ الْوَدِيعَةَ يَوْمَ إكْرَائِهَا (أَوْ) لَك (أَخْذُهُ) أَيْ كِرَاءِ الْوَدِيعَةِ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (وَ) لَك (أَخْذُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ مَعَ كِرَائِهَا.
أَوْ أَخْذُهُ وَأَخْذُهَا، وَبِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ، وَحَلَفْت وَإِلَّا حَلَفَ، وَبَرِئَ، إلَّا بِبَيِّنَةِ عَلَى الْآمِرِ، وَرَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ
ــ
[منح الجليل]
ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْدَعْته إبِلًا فَأَكْرَاهَا إلَى مَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعِك بِهَا فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَا كِرَاءَ لَكَ، أَوْ تَأْخُذَهَا وَتَأْخُذَ كِرَاءَهَا وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ يَزِيدُ فِي الْمَسَافَةِ أَوْ الْمُكْتَرِي.
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (دَفْعِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ مِنْ مُودَعِهَا بِالْفَتْحِ لِشَخْصٍ غَيْرِكَ حَالَ كَوْنِهِ (مُدَّعِيًا أَنَّكَ) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ (أَمَرْتَهُ) أَيْ مُودَعَهَا بِالْفَتْحِ (بِهِ) أَيْ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَنْكَرْتَ ذَلِكَ (وَحَلَفْتَ) يَا مُودِعُ أَنَّك لَمْ تَأْمُرْ بِهِ (وَإِلَّا) وَأَيْ إنْ لَمْ تَحْلِفْ عَلَى عَدَمِ أَمْرِك (حَلَفَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ أَنَّك أَمَرْتَهُ بِهِ (وَ) إنْ حَلَفَ (بَرِئَ) مِنْ ضَمَانِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ ضَمِنَهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا بِ) شَهَادَةٍ (بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَمْرِ) مِنْك بِدَفْعِهَا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، هَذَا عَلَى ضَبْطِهِ بِالْقَصْرِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَدُّ وَكَسْرِ الْمِيمِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُودَعُ، وَإِذَا غَرِمَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ عِوَضَ الْوَدِيعَةِ (رَجَعَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (عَلَى الْقَابِضِ) بِعِوَضِ مَا غَرِمَهُ إنْ شَاءَ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْدَعْته وَدِيعَةً فَادَّعَى أَنَّك أَمَرْته بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ وَأَنْكَرْت أَنْتَ أَنْ تَكُونَ أَمَرْتَهُ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ. أَشْهَبُ وَسَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. سَحْنُونٌ وَيَحْلِفُ رَبُّهَا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُودَعُ وَبَرِئَ وَإِنْ غَرِمَهَا الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: لَوْ مَاتَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ وَادَّعَى الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ وَدَفَعَهَا لَهُ فَيَضْمَنُهَا، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِأَمْرِهِ بِهِ.
الثَّانِي: فِي كِتَابِ صَدَقَاتِهَا لَوْ دَفَعْت فِي حَالِ صِحَّتِك مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مِتّ أَنْتَ قَبْلَ إنْفَاذِهِ، فَإِنْ كُنْتَ أَشْهَدْتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ مَا فَاتَ وَمَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ فَالْبَاقِي لِوَرَثَتِكَ وَلَوْ فَرَّقَ بَاقِيَهُ بَعْدَ مَوْتِكَ ضَمِنَهُ لِوَارِثِكَ. عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُقِرُّونَ بِذَلِكَ وَلَوْ نَازَعُوهُ لَضَمِنَ مَا فَرَّقَ، وَمَا بَقِيَ إنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ مِنْ يَدَّعِي عِلْمَهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ عِلْمَهُ بِذَلِكَ. أَبُو الْحَسَنِ أَيْ نَازَعُوهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ بِهِ.
الثَّالِثُ: اللَّخْمِيُّ لَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ بِأَمَارَةِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَلَا بِكِتَابَةٍ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ خَطُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ خَطُّ الْمُودِعِ. مُحَمَّدٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حَقِّهِ الْإِبْرَاءُ وَإِشْهَادُهُ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا جَحَدَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ رَضِيَ لِصَاحِبِهَا بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ الْآنَ بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُ مَا رَضِيَ بِهِ. وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَدْفَعَهَا لِلرَّسُولِ بِغَيْرِ أَمَارَةٍ وَلَا كِتَابٍ الْوَدِيعَةُ عَيْنٌ وَالْمُودِعُ مُوسِرٌ جَازَ بِرِضَاهُ وَلَزِمَهُ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُودِعُ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ قَامَ الْمُودَعُ بِالْمِثْلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا أَوْ الْمُودِعُ مُعْسِرٌ لَمْ يَجُزْ وَرَدَّ رِضَاهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهَا إنْ قَالَ لَمْ أَبْعَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ثِقَةً مَأْمُونًا مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا، وَيَلْزَمُ الْآخَرَ مَا رَضِيَ بِهِ.
الرَّابِعُ: إذَا رَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ لِغَيْرِ الْمُودِعِ بِأَمَارَةٍ أَوْ كِتَابٍ بِلَا ثُبُوتٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الرَّسُولِ، ثُمَّ قَدَمَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ بَعْثَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ وَلَمْ يَكْتُبْهُ ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الرَّسُولُ أَوْ الْمُودَعُ. فَإِنْ أَغْرَمَ الرَّسُولَ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُودِعِ. وَاخْتَلَفَ إذَا أَغْرَمَهَا الْمُودَعَ هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَدَّقَ الرَّسُولَ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ قَدَمَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ وَأَغْرَمَ الْمُودَعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ لَا يَرْجِعُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا دَفَعَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِإِمَارَةٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُودِعُ وَحَلَفَ ثُمَّ أَغْرَمَ الْمُودِعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ الْمُودَعُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُغَرِّمَهَا أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ
وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ، فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَأَنْكَرْت: فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ،
ــ
[منح الجليل]
رَجَعَ عَلَى مُتْلِفِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ، وَاخْتَلَفَ إذَا رَجَعَ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى الرَّسُولِ هَلْ يَرْجِعُ الرَّسُولُ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ، فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَرْجِعُ وَأَرَى الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ الْأَرْبَعَةِ مُفْتَرِقًا فَيَسْقُطُ رُجُوعُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْتَرِفُ فِيهِ الْمُودَعُ بِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ صَحِيحًا بِأَنْ دَفَعَ لَهُ بِخَطِّ الْمُودِعِ أَوْ أَمَارَتِهِ، أَوْ بِقَوْلِهِ لَهُ ادْفَعْهَا لَهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا لَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَرْسَلَنِي إلَيْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَمَلْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُودِعَ مُصَدِّقٌ لَهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُخَالِفُك مَا دَفَعْتُهَا إلَيْكَ.
الْخَامِسُ: فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُودَعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ، فَإِنْ فَعَلَ وَجَاءَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ حَلَفَ مَا أَمَرَهُ وَلَا كَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَغَرَّمَهُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُودَعُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ وَشَهَادَتُهُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ. اهـ. وَذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى الدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْمُرْسَلِ.
السَّادِسُ: يَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ مِنْ التَّلَفِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِيهِ وَيَضْمَنُهَا إنْ أَتْلَفَهَا. ابْنُ سَلْمُونٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ قَالَ رَبُّهَا لِلْمُودَعِ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ أَوْ فِي النَّارِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي وَلَا شَكَّ فِي الْحُرْمَةِ. وَأَمَّا الضَّمَانُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِيهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ كَمَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ. .
(وَإِنْ بَعَثْتَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ الْمَفْهُومِ مِنْ بَعَثْتَ (بِمَالٍ) وَقَبَضَهُ مِنْ الرَّسُولِ ثُمَّ اخْتَلَفْتُمَا (فَقَالَ) الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ الْمَالُ (تَصَدَّقْتَ) يَا بَاعِثُ (بِهِ) أَيْ الْمَالِ (عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (وَأَنْكَرْتَ) يَا بَاعِثُ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَقُلْتَ بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ تَحْفَظُهَا لِي وَآخُذُهَا مِنْك مَتَى شِئْتَ (فَالرَّسُولُ) الْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْمَالَ (شَاهِدٌ) بَيْنَكُمَا إمَّا بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، فَإِنْ شَهِدَ بِالصَّدَقَةِ حَلَفَ عَلَيْهَا الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَتَمَّتْ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ لِلْبَاعِثِ بِلَا يَمِينٍ
وَهَلْ مُطْلَقًا؟ أَوْ إنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ؟ تَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَنُكُولِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَخَذَهُ الْبَاعِثُ بِلَا يَمِينٍ لِشَهَادَةِ الرَّسُولِ لَهُ وَتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْمَالِكِ فِي إخْرَاجِ مَالِهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَعَدَمِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لَا أَدْرِي فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ أَيْضًا لَكِنْ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ.
(وَ) إنْ شَهِدَ الرَّسُولُ بِأَنَّهَا صَدَقَةٌ فَ (هَلْ) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبُولًا (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِبَقَاءِ الْمَالِ بِيَدِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِهِ بِدَفْعِهِ لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ) إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالصَّدَقَةِ (إنْ كَانَ الْمَالُ) بَاقِيًا (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَأَوْلَى بِيَدِ الرَّسُولِ لِعَدَمِ إتْمَامِهِ حِينَئِذٍ بِخَوْفِ الْغُرْمِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالصَّدَقَةِ لِاتِّهَامِهِ بِخَوْفِ غُرْمِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) فَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ بِيَدِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى دَفْعِهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَبْعُوثُ إلَيْهِ مُعْدِمٌ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِهَا اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِ.
" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " وَإِنْ بَعَثْتَ إلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ لِلصَّدَقَةِ وَتَقُولُ بَلْ هُوَ إيدَاعٌ فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ لَهُ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَالُ صَدَقَةً عَلَيْهِ. قِيلَ لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " كَيْفَ يَحْلِفُ وَلَمْ يَحْضُرْ، قَالَ كَمَا يَحْلِفُ الصَّبِيُّ مَعَ شَاهِدِهِ فِي دَيْنِ أَبِيهِ. ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَرَادَ إذَا كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَدِيمًا قَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلرَّسُولِ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَأَمَّا وَهُوَ مَلِيٌّ حَاضِرٌ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ مَعَ يَمِينِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ فِي عَدَمِ الْمَشْهُودِ لَهُ.
ابْنُ يُونُسَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَوْلُ أَشْهَبَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ عَلَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَ غَيْرَهُ قَوْلُ أَشْهَبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ دَفْعًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَلَى جِهَةِ إيدَاعِهِ فَدَفَعَ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْآمِرُ بِغَيْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ، قَالَ وَابْنُ الْقَاسِمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
إنَّمَا أَجَازَ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ فَدَفَعَ وَالْمَالُ حَاضِرٌ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بِدَفْعِهِ عَلَى حُجَّةِ التَّمْلِيكِ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: تت هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ لَيْسَا كَعَادَتِهِ، بَلْ عَادَتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ.
الثَّانِي: عِيَاضٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ شَهَادَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهَا الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ لِإِقْرَارِ رَبِّهَا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ ذُكِرَ. وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الرَّسُولِ بَعْدُ لَمْ يَدْفَعْهُ، أَوْ أَنَّهُمَا حَاضِرَانِ وَالْمَالُ حَاضِرٌ، وَلَوْ أَنْفَقَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ. وَتَأَوَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلَ أَشْهَبَ بِقَرِيبٍ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ عَلَيْهِ عَدِيمٌ وَقَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلرَّسُولِ عَلَى الدَّفْعِ. وَأَمَّا وَهُوَ مَلِيٌّ أَوْ قَامَتْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وِفَاقًا عَلَى نَحْوِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مَفْهُومُ كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
الثَّالِثُ: أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ جَعَلَهُ يَحْلِفُ هُنَا، وَهَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ، أَوْ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَاخْتَلَفَ فِي الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
الرَّابِعُ: فِيهَا مَنْ أَوْدَعَك مَالًا وَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ حَلَفَ فُلَانٌ مَعَ شَهَادَتِك وَاسْتَحَقَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ إنْ كَانَ غَائِبًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُك لَهُ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ تَنْتَفِعُ أَنْتَ فِي مِثْلِهَا. أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ لَا تَنْتَفِعُ فِي مِثْلِهَا فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ. عَبْدُ الْحَقِّ سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ لِلسُّلْطَانِ خُذْهَا مِنْ يَدِي لَا أُرِيدُ إمْسَاكَهَا، فَقَالَ إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَتَى يَشْهَدُ بِأَنْ قَالَ لِلْحَاكِمِ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ شَهِدَ وَلَمْ
وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِك، أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ:
ــ
[منح الجليل]
يَذْكُرْ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بِقَوْلِهِ هَذَا فَيُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ لِيَنْفِيَ الظِّنَّةَ عَنْهُ الَّتِي قَدْ أَبْطَلَتْ شَهَادَتُهُ. أَبُو الْحَسَنِ فَلَوْ قَدَمَ الْغَائِبُ وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِشَهَادَتِهِ. قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا قَدْ رُدَّتْ. .
(وَ) تُضْمَنُ (بِدَعْوَى الرَّدِّ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِلْوَدِيعَةِ (عَلَى وَارِثِك) يَا مُودَعُ إلَيْهِ تَنَازَعَ فِيهِ دَعْوَى وَالرَّدُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَدْفَعْهَا لِلْمُودَعِ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهَا. ابْنُ شَاسٍ أَمَّا دَعْوَاهُ الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ رَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيِّنَةِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيِّنَةٌ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ الْمُودَعُ أَوْ الْعَامِلُ رَدَدْتُ الْمَالَ لِوَصِيِّ الْوَارِثِ لِمَوْتِ رَبِّهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُمَا دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا يُقْبَلُ، وَكَذَا دَعْوَى وَارِثِ الْمُودَعِ الرَّدَّ أَوْ عَلَى الْمُودِعِ أَوْ عَلَى وَارِثِهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَأْتَمِنَاهُ كَالْيَتِيمِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَحْرَى إذَا مَاتَ الْمُودَعُ وَالْمُودِعُ وَادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ رَدَّهَا إلَى وَارِثِ الْمُودِعِ.
(أَوْ) أَيْ وَتُضْمَنُ بِدَعْوَى الدَّفْعِ إلَى (الْمُرْسِلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا وَكَسْرِ سِينِ الْأَوَّلِ وَكَافِ الثَّانِي فِيهَا إنْ دَفَعْتَ إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الدَّافِعُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ ضَمِنَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَمَرْتُهُ بِدَفْعِهِ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ. أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُ الْمُنْكِرِ لَوْ أَقَرَّ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ لَبَرِئَ الدَّافِعُ، وَفِيهَا أَيْضًا مَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً أَوْ سَلَفًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ لِيَبْتَاعَ لَك بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ دَفَعْته لَهُ وَكَذَّبَهُ الرَّجُلُ فَلَا يَبْرَأُ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ كَذَّبَهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ لَبَرِئَ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ وَذَكَرَ فِيهَا السَّلَفَ، وَفِيهِ انْتِقَالٌ مِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ كَانَ قَائِمَ الذِّمَّةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ خَرِبَ الذِّمَّةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الصِّلَةُ أَوْ ثَمَنُ السِّلْعَةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَفِي الْمُقَدَّمَاتِ مَنْ دَفَعَ الْأَمَانَةَ إلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْإِشْهَادُ الَّذِي عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إذَا أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ وَلَمْ أَحْفَظْ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلَافِ الْأَقْوَالِ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ مَعَ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ كَانَ دَيْنًا أَوْ صِلَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَادَّعَى التَّلَفَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْضٌ إلَى ذِمَّةٍ أَوْ إلَى أَمَانَةٍ، فَإِنْ كَانَ قَبْضًا إلَى أَمَانَةٍ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْآمِرِ، وَقَالَ مَرَّةً لَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ إلَّا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ، أَوْ إتْيَانِ الْقَابِضِ بِالْمَالِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْضٌ إلَى ذِمَّةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ لَهُ ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ الَّتِي عِنْدَك إلَى فُلَانٍ سَلَفًا أَوْ تَسْلِيفًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ إلَى صَانِعٍ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا، فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ خَرِبَةً فَاخْتَلَفَ فِيهِ فَقِيلَ يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا إنْ دَفَعَ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى أَمَانَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ أَوْ إتْيَانِ قَابِضِ الْمَالِ بِهِ، هَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى ذِمَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ خَرِبَةً فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ، هَذَا الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِمْ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهَا الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ دَفْعٌ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى أَمَانَةٍ، وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَمِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ اهـ.
وَقَوْلُهُ إذَا دَفَعَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ، أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ. ابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَكْذَبَهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَرَادَ لَوْ لَمْ يَمُتْ الرَّسُولُ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ رَبُّهَا
كَعَلَيْك، إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهِ مَقْصُودَةٌ
ــ
[منح الجليل]
بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَضَاعَتْ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا دَفْعَهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا ضَمِنَ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُنْكِرُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْكِرْ لَا يَضْمَنُ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَتَرَكَ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِيصَالِ مُسَامَحَةً، وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى الْإِيصَالِ.
الثَّانِي: عَبْدُ الْحَقِّ إذَا شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَى الدَّفْعِ يَنْفَعُهُ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا حِينَ وُجُوبِ تَوَجُّهِهَا فَكَأَنَّهُ شَرَطَ سُقُوطَ أَمْرٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، بِخِلَافِ شَرْطِهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا أَرَاهُ.
الثَّالِثُ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا الضَّمَانَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَهُ صُدِّقَ الْمُودَعُ.
الرَّابِعُ: تَصْدِيقُ رَبِّ الْمَالِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ.
الْخَامِسُ: فِيمَا إنْ أَمَرْته بِصَدَقَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَصَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ وَلَوْ أَمَرْته بِصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَ) دَعْوَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ (عَلَيْك) يَا مُودِعُ فَلَا تُقْبَلُ وَيَضْمَنُهَا (إنْ كَانَتْ لَهُ) أَيْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ (بِبَيِّنَةٍ) شَاهِدَةٍ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (مَقْصُودَةً) لِلتَّوَثُّقِ عَلَى الْمُودَعِ خَوْفًا مِنْ دَعْوَاهُ رَدَّهَا، فَلَمْ يَأْتَمِنْهُ فِيهِ، فَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَهَا صُدِّقَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لِائْتِمَانِهِ عَلَى حِفْظِهَا.
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ أَوْ مَقْصُودَةٍ لِغَيْرِ التَّوَثُّقِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَادَّعَى رَدَّهَا فَيُصَدَّقُ فِيهِ. " ق " فِيهَا وَمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ أَقْرَاضٌ لِلرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ رَدَدْته إلَيْك فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ صَدَّقَهُ.
ابْنُ رُشْدٍ الْأَمَانَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْوَى فِيهَا وَالْأَدَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، كَمَا أَمَرَ الْوَصِيَّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي الرَّدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُمْ دُونَ إشْهَادٍ فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْفَتْحِ فِي دَعْوَاهُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ بِيَمِينِهِ إنْ أَكْذَبَهُ الْمُودِعُ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ائْتَمَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا خُلِقَ فِي رَحِمِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ وَالْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِإِشْهَادٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا ائْتَمَنَهُ عَلَى حِفْظِهَا وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَى رَدِّهَا فَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ الَّذِي اسْتَوْثَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
ابْنُ عَرَفَةَ قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَالصَّقَلِّيُّ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا قُصِدَ بِهَا التَّوَثُّقُ. عَبْدُ الْحَقِّ مَنْ أَخَذَ وَدِيعَةً بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ، وَلَيْسَ كَمَنْ أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ قَصَدَ إشْهَادَهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّ الْمُودَعُ عِنْدَ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَبَضَ وَدِيعَةً مِنْ فُلَانٍ، وَفِي الْحُكَّامِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا ضَمِنَ بَعْدَ يَمِينِ رَبِّهَا وَلِرَبِّهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُودَعِ. وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إنْ زَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُبَرِّئُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى رَبِّهَا، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا غَرِمَهَا الْمُودَعُ عِنْدَهُ، وَإِنْ نَكَلَ رَبُّهَا عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُودَعِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ.
(تَنْبِيهٌ)
يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ بِقَصْدِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ بِالْبَيِّنَةِ التَّوَثُّقُ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الِاسْتِرْعَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي حَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِسَالَتِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ. ابْنِ يُونُسَ مَنْ أَخَذَ
لَا بِدَعْوَى التَّلَفِ: أَوْ عَدَمِ التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ
وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ،
ــ
[منح الجليل]
الْوَدِيعَةَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَبْضِهَا بِلَا بَيِّنَةٍ حَتَّى يَقْصِدَ الْإِشْهَادَ عَلَى نَفْسِهِ. اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ لِيَكُونَ الرَّدُّ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخَافُ أَنْ تَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَاشْهَدْ لِي أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ مِنْ الْقَابِضِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْمُودِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حُكْمَ الْإِشْهَادِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ مُصَدَّقٌ.
(لَا) تُضْمَنُ (بِدَعْوَى) الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (التَّلَفَ) لِلْوَدِيعَةِ وَلَوْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ (أَوْ) دَعْوَى (عَدَمِ الْعِلْمِ) مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِ) مَا حَصَلَ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ (التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ) أَيْ لَا يَضْمَنُهَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ لِكِفَايَةِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، وَحَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي أَتَلِفَتْ أَمْ رَدَدْتهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ رَدَدْتهَا. وَاحْتَاجَ لِتَقْيِيدِهِ عَدَمَ ضَمَانِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ، وَقَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَقَيَّدَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الثَّانِي بِعَدَمِ بَيِّنَةِ التَّوَثُّقِ أَفَادَهُ تت.
" ق " فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ لَوْ قَالَ لِمُودِعِهَا مَا أَدْرِي أَرَدَدْتُهَا إلَيْك أَمْ تَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِهَا. ابْنُ رُشْدٍ وَيَحْلِفُ مَا هِيَ عِنْدَهُ وَلَقَدْ دَفَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ. طفى مَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ " ح " الصَّوَابُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
(وَحَلَفَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (الْمُتَّهَمُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ بِالتَّسَاهُلِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ إذَا ادَّعَى رَدَّهَا حَيْثُ تُقْبَلُ مِنْهُ، أَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ أَوْ الضَّيَاعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ لَا يَحْلِفُ وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ مَشْهُورُهَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِتَعَيُّبِهِ بِهِ، لَكِنَّهُ عَلَى هَذَا يَفُوتُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ. تت فِيهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
نَظَرٌ، بَلْ حَلِفُ الْمُتَّهَمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، وَفِي دَعْوَى التَّلَفِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْوَسَطِ دَعْوَى الرَّدِّ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَالتَّلَفُ مَوْضُوعُ الِاتِّفَاقِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَلِذَا أُصْلِحَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ.
طفى لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ شَأْنِهِ التَّسَاهُلُ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، بَلْ الَّذِي لَمْ تُحَقَّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى، وَلَيْسَ إلَّا مُجَرَّدُ التُّهْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَقَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ حَلِفُ الْمُتَّهَمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ هُوَ الصَّوَابُ لِحِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْحَلِفِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، وَأَطْلَقُوا سَوَاءٌ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا، وَاعْتَرَضَتْ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبَيَّنَهُ فِي التَّوْضِيحِ. " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " لَوْ قَبَضَهُ أَيْ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْقِرَاضَ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي صُدِّقَ أَرَادَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ رضي الله عنهم. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُتَّهَمُ عَنْ الْيَمِينِ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هَاهُنَا.
ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَاهُ الضَّيَاعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَحْلِفُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ. وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَقِيقَةِ دَعْوَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَّهَمًا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. " ح " هَذَا إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَلَمْ يُحَقِّقْ رَبُّهَا عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَيَحْلِفُ بِاتِّفَاقٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَحَيْثُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِيَمِينٍ، وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ
وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا، فَإِنْ نَكَلَ: حَلَفْت
ــ
[منح الجليل]
الْفِقْهِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) إنْ شَرَطَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حِينَ الْإِيدَاعِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ بِلَا يَمِينٍ (لَمْ يُفِدْهُ) أَيْ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (شَرْطُ نَفْيِهَا) أَيْ الْيَمِينُ. " ق " فِيهَا مَنْ دَفَعْت لَهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَبْدِ الْحَقِّ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا حِينَ تَوَجُّهِهَا فَكَأَنَّهُ شَرَطَ إسْقَاطَ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، بِخِلَافِ شَرْطِهِ دَفْعَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، فَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِ التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى عَدَمِ الْقَضَاءِ. " ق " وَعَلَى هَذَا فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ يَدَّعِي يَقِينًا كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ، وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ لِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرُ وَتَلْزَمُهُ فَإِنْ حَلَفَ صُدِّقَ فَ (إنْ نَكَلَ) الْمُتَّهَمُ عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفْت) يَا مُودِعُ بِالْكَسْرِ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ وَيَغْرَمُهَا لَك الْمُتَّهَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ تت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
ق " هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ نَكَلَ الْمُتَّهَمُ فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ وَمَا نَقَلَ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ أَنْ تَلْحَقَ الْيَمِينُ إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ وَتَسْقُطَ إذَا ضَعُفَتْ وَأَنْ لَا تَرْجِعَ إذَا لَحِقَتْ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا دَعْوَى قَابِضِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةِ رَدِّهَا مَقْبُولَةً مَعَ يَمِينِهِ. اللَّخْمِيُّ يَحْلِفُ وَلَوْ مَأْمُونًا لِدَعْوَى رَبِّهَا عَلَيْهِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا فِيهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ تَمُرُّ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَتَضْعُفُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ الْمُودَعُ عَدْلًا، وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَدَمَ حَلِفِهِ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ، وَلَوْ صَحَّ كَانَتْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً هُوَ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَمَنْصُوصُ الْمَذْهَبِ وَدَعْوَاهُ ضَيَاعَهَا فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَقْبُولَةٌ وَلَوْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ وَفِي لُزُومِ حَلِفِهِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُتَّهَمًا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَّهَمُ يَحْلِفُ بِاتِّفَاقٍ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَدَمَ حَلِفِهِ مُطْلَقًا، قَالَ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ، وَلَمَّا حَكَى الْأَوَّلَ قَالَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ رَجُلٌ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ. وَعَبَّرَ عَنْ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا عَلَى رَبِّهَا وَلِابْنِ زَرْقُونٍ اخْتَلَفَ فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ، فَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالشَّرِكَةِ تَعَلُّقَهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا. أَشْهَبُ لَا تَتَعَلَّقُ. قُلْتُ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ الْأَظْهَرُ أَنْ تَلْحَقَ إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ وَتَسْقُطَ إذَا ضَعُفَتْ وَأَنْ لَا تَرْجِعَ إذَا لَحِقَتْ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ فِي التُّهْمَةِ، وَالْخِلَافُ فِي رَدِّهَا وَفِي لُحُوقِهَا ابْتِدَاءً مَشْهُورُ. ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي يَمِينِهِ ثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَقَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَغْرَمُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَغْرَمُ بِنُكُولِهِ دُونَ حَلِفِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ حَتَّى رَبِّ الْوَدِيعَةِ.
قُلْتُ وُجُودُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَاضِحٌ، الْأَوَّلُ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَالثَّانِي عَلَى تَوَجُّهِهَا وَعَدَمِ انْقِلَابِهَا، وَالثَّالِثُ عَلَى انْقِلَابِهَا. وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ، وَحَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَا خِلَافًا أَنَّهُ بِيَمِينٍ وَلَا فِي انْقِلَابِهَا إنْ نَكَلَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي حَلِفِهِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ قَوْلَيْنِ أَشْهُرُهُمَا حَلِفُهُ، وَأَنَّهُ
وَلَا إنْ شَرَطَ الدَّفْعَ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي بَعْدَ مَنْعِهِ دَفْعَهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ،
ــ
[منح الجليل]
إنْ نَكَلَ فَفِي غُرْمِهِ دُونَ حَلِفِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ قَوْلَانِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ الْعِبَارَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ، ظَاهِرُهُ قَبُولُهَا وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا الْخِلَافُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَصْوَبُ، وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) إنْ أُرْسِلَ رَجُلٌ بِمَالٍ إلَى آخَرَ وَسَلَّمَهُ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَنْكَرَ اسْتِلَامَهُ مِنْهُ فَ (لَا) ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ (إنْ) كَانَ (شَرَطَ) الرَّسُولُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ بِالْمَالِ حِينَ إرْسَالِهِ (الدَّفْعَ لِ) شَخْصِ (الْمُرْسَلِ) بِفَتْحِ السِّينِ (إلَيْهِ بِلَا) إشْهَادِ (بَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ الشَّرْطُ بِإِقْرَارِ الْمُرْسَلِ أَوْ بَيِّنَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَضْمَنُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
(وَ) تُضْمَنُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ (تَلِفَتْ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْوَدِيعَةُ (قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ قَبْلَ لُقِيِّك إيَّايَ بِالْأَمْسِ مَثَلًا، وَصِلَةُ قَوْلِهِ (بَعْدَ مَنْعِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (دَفَعَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ لِعُذْرٍ أَبْدَاهُ لِرَبِّهَا وَأَوْلَى بِلَا عُذْرٍ. رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مَالٌ وَدِيعَةٌ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَاعْتَذَرَ بِشُغْلٍ وَأَنَّهُ يَرْكَبُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ فَتَصَايَحَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَدٍ قَالَ ذَهَبْتَ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى ذَهَبْت حَلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. أَصْبَغُ وَيَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِذَهَابِهَا حِينَ مَنَعَهُ. وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ تَلِفَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ لُقِيِّك إيَّايَ فَيَضْمَنُهَا إنْ كَانَ مَنَعَهَا (بِلَا عُذْرٍ) فَإِنْ كَانَ مَنَعَهَا لِعُذْرٍ فَتَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا. ابْنُ يُونُسَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ ذَهَبْت بَعْدَمَا حَلَفْت وَفَارَقْتُك ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مَنَعَهَا إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ فِيهِ الرُّجُوعَ وَفِيهِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَلَا يَضْمَنُهَا. ابْنُ عَبْدِ الْحُكْمِ إذَا قَالَ أَنَا مَشْغُولٌ إلَى عُذْرٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ تَلِفَتْ قَبْلَ مَجِيئِك الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَدْفَعُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانِ
لَا إنْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ
وَيَمْنَعُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمَ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ
ــ
[منح الجليل]
فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرًا يَقُولُ خِفْتُ شَغَبَهُ وَأَذَاهُ (لَا) يَضْمَنُ (إنْ قَالَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بَعْدَ مَنْعِهَا (لَا أَدْرِي) جَوَابُ (مَتَى تَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ قَبْلَ لُقِيِّك أَوْ بَعْدَهُ وَحَلَفَ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ ضَمَانِهَا. .
(وَ) تُضْمَنُ (بِ) سَبَبِ (مَنْعِ) الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ دَفْعَ (هَا) لِمُودِعِهَا عِنْدَ طَلَبِهَا (حَتَّى يَأْتِيَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (الْحَاكِمَ) أَوْ هُوَ فَاعِلُ يَأْتِي إذَا كَانَ عِنْدَ طَلَبِهَا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَيَضْمَنُهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ) الْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةً (بِبَيِّنَةٍ) شَاهِدَةٍ بِقَبْضِهَا لِلتَّوَثُّقِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا حِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ، وَمَنَعَهَا بَعْدَ طَلَبِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا بِلَا بَيِّنَةٍ. الْبِسَاطِيُّ هَلْ الْحَاكِمُ خُصُوصِيَّةٌ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بَيِّنَةٌ يُشْهِدُهَا بِالرَّدِّ وَامْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَيُعْذَرُ أَوْ الْمَقْصُودُ مَا يُبْرِيهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ مَنَعَهَا مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إتْيَانِ الْحُكْمِ فَيَضْمَنُهَا.
تت فِي تَعْلِيلِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَخَافُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ سَفَهٌ أَوْ نَحْوُهُ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ لَوْ أَبَى مِنْ دَفْعِهَا إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَهَلَكَتْ فِي زَمَنِ تَرَافُعِهِمَا، فَفِي ضَمَانِهِ فِيهَا، وَفِي الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ وَنَفَيَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِابْنِ دَحُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَنَصُّهُ سَمِعَ أَبُو زَيْدِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَبِّ الْوَدِيعَةِ يَطْلُبُهَا وَالرَّاهِنُ يَطْلُبُ فِكَاكَهُ فَيَأْبَى الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ السُّلْطَانُ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ فَهَلَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضِيَّةِ، وَبَعْدَ طَلَبِ أَرْبَابِهِ قَالَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ.
ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا إذَا طَلَبَهُ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ وَهِيَ بِحَيْثُ يَمُدُّ يَدَهُ إلَيْهَا بِلَا مُؤْنَةٍ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ هَلَكَتْ. وَاخْتَلَفَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ فَوْقَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي رُجُوعِهِ مَعَهُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ضَمِنَهَا.
لَا إنْ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ، وَكُنْت أَرْجُوهَا، وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا كَالْقِرَاضِ
وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا،
ــ
[منح الجليل]
وَقَالَ أَصْبَغُ قَدْ يَعُوقُ الرَّجُلُ الْعَائِقَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ وَلِلنَّاسِ أَعْذَارٌ بَاطِنَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. .
(لَا) تُضْمَنُ (إنْ قَالَ) لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ (ضَاعَتْ مِنْ) مُدَّةِ (سِنِينَ) مَضَتْ (وَكُنْتُ أَرْجُو) عَوْدَ (هَا) فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ لَمْ يَضْمَنْهَا صَاحِبُهَا، بَلْ (وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا) وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِضَيَاعِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ طُلِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ فَقَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا وَأَطْلُبُهَا وَشِبْهُهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ وَرَبُّهَا حَاضِرٌ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَبَهَا مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهَا ثُمَّ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ فَيَضْمَنُهَا وَالْقِرَاضُ مِثْلُهَا. أَصْبَغُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ طَلَبٌ وَلَا ذَكَرَ لِرَبِّهَا وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَا مُصِيبَةَ تَطْرُقُ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا طَالَ جِدًّا وَادَّعَى أَمْرًا قَرِيبًا لَا ذِكْرَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا قَالُوا إنْ سُمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي طُلِبَتْ فِيهِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ (كَ) دَعْوَى عَامِلِ (الْقِرَاضِ) ضَيَاعَهُ مُنْذُ سِنِينَ فَلَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ
(وَ) مَنْ ظَلَمَهُ إنْسَانٌ فِي مَالٍ ثُمَّ أَوْدَعَ الظَّالِمُ عِنْدَهُ مَالًا قَدْرَ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ (الْأَخْذُ مِنْهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً (لِمَنْ ظَلَمَهُ) أَيْ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ فِي بَيْعٍ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ غَصْبٍ (بِمِثْلِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. فِي الْمُدَوَّنَةِ لِحَدِيثِ «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ ظَفِرَ بِمَالٍ لِمَنْ جَحَدَهُ مِثْلُهُ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ، وَقَالَ فِي فَصْلِ الدَّعْوَى فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ.
الْمَازِرِيُّ مَنْ غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ تَحْرِيكِ فِتْنَةٍ وَسُوءِ عَاقِبَةٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
بِأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا وَنَحْوَهُ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ الْمَالِيِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَفِيهِ طُرُقٌ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ثُمَّ اسْتَوْدَعَهُ وَدِيعَةً أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَى شَيْءٍ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجْحَدُهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ حِصَاصِهِ مِنْهُ. الْمَازِرِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغُرَمَاءَ عَالِمِينَ بِفَلَسِهِ أَوْ شَاكِّينَ وَتَرَكُوهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي جَازَ لَهُ حَبْسُ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عِنْدَهُمْ الْيُسْرُ، وَلَوْ عَلِمُوا ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ جَازَ لَهُ أَخْذُ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرْضًا فَلَهُ بَيْعُهَا وَيُحْبَسُ مِنْ ثَمَنِهَا مَالَهُ عَلَيْهِ. الْمَازِرِيُّ لَا يَأْخُذُ الْعَرْضَ يَتَمَلَّكُهُ عِوَضَ حَقِّهِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْبَائِعِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَسَامَحَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا لِلضَّرُورَةِ. قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ فَهَلْ لَهُ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنْ رَفَعَهُ لِلْقَاضِي كَلَّفَهُ إثْبَاتُ دَيْنِهِ اخْتَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِي هَذَا، وَيَبِيعُ بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا.
ابْنُ يُونُسَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ مَا يَنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ، لَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَمَتَى لَمْ يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ، وَأَخَذَ مَا يَنُوبُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا فَإِنْ حَلَفَ فَحَلَفَ مَا ضَرَّهُ ذَلِكَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْيَمِينِ فِي أَخْذِ مَالِهِ فَيَحْلِفُ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ. اللَّخْمِيُّ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ إذَا أَمِنَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَاذِبًا يُرِيدُ أَنَّ الْمُودِعَ يَقُولُ لَهُ احْلِفْ لِي أَنِّي مَا أَوْدَعْتُك. وَقِيلَ يَحْلِفُ مَا أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا يَلْزَمُنِي رَدُّهُ. وَقِيلَ يَنْوِي مِثْلَهُ أَوْ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْحَدَ مَا أَوْدَعَهُ مَكَانَ حَقِّهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَلِحَدِيثِ هِنْدَ. وَقِيلَ مَعْنَى «لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» لَا تَأْخُذْ فَوْقَ حَقِّك اهـ.
وَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَكَلَامِ الْمَازِرِيِّ تَرْشِيحُ جَوَازِ الْأَخْذِ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ إبَاحَةُ الْأَخْذِ. ابْنُ يُونُسَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَيِّتٍ أَوْصَى لِصَغِيرٍ
وَلَا أُجْرَةُ حِفْظِهَا، بِخِلَافِ مَحَلِّهَا، وَلِكُلٍّ تَرْكُهَا
وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا، أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ، بَاعَهُ فَأَتْلَفَ: لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ
ــ
[منح الجليل]
بِدَنَانِيرَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا إلَّا الْوَصِيُّ، فَإِنْ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُتَّبَعَ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ دُونَ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ السُّلْطَانُ، ثُمَّ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ.
(وَلَا) أَيْ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (أُجْرَةُ حِفْظِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا وَلِخُرُوجِهَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ عَنْ اسْمِهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَمَّا أُجْرَةُ الْحِفْظِ فَقَدْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِإِطْرَاحِهَا وَأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَطْلُبُ أُجْرَتَهُ، وَبِهَذَا سَقَطَتْ، وَإِلَّا فَالْحِفْظُ يَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحِرَاسَةِ.
(بِخِلَافِ) أُجْرَةِ (مَحَلِّهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ فَلِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَخْذُهَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَهُ أُجْرَةُ مَوْضِعِهَا دُونَ حِفْظِهَا، أَيْ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَشْغَلُ مَنْزِلًا فَطَلَبَ أُجْرَةَ مَوْضِعِهَا فَذَلِكَ لَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هَذَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقَيَّدُ بِمَنْ يَقْتَضِي حَالُهُ طَلَبَ الْأُجْرَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي رَبِّ الدَّابَّةِ يَأْذَنُ لِرَجُلٍ فِي رُكُوبِهَا فَيَقُولُ رَاكِبُهَا إنَّمَا رَكِبْتُهَا عَارِيَّةً وَيَقُولُ رَبُّهَا إنَّمَا هُوَ بِإِجَارَةٍ فَالْقَوْلُ لِرَبِّهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ، وَلَمْ يَعْتَدَّ الْمُصَنِّفُ بِهِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَأَقَرَّهُ قَالَهُ تت (وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (تَرْكُ) إيدَاعِ (هَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا، وَلِلْأَمِينِ رَدُّهَا. ابْنُ شَاسٍ الْإِيدَاعُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مُبَاحٌ لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ) ذُو مَالٍ (صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ) أَيْ الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ (أَوْ بَاعَهُ) أَيْ الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ أَسْلَمَهُ فِي مُؤَجَّلٍ (فَتَلِفَ) الْمَالُ الْمُودَعُ أَوْ الْمُقْرَضُ أَوْ الْمَبِيعُ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ (لَمْ يَضْمَنْ) الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ شَيْئًا مِنْهُ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ، بَلْ (وَإِنْ) قَبِلَهُ (بِإِذْنِ أَهْلِهِ) وَهَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَيُكْرَهُ لَهُمْ إذْنُهُمْ لَهُ
وَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ الْمَأْذُونِ عَاجِلًا، وَبِذِمَّةِ غَيْرِهِ إذَا عَتَقَ؛ إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ السَّيِّدُ
وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا
ــ
[منح الجليل]
فِيهِ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ بِإِتْلَافِ الْمَالِ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِدُونِهِ فَضَاعَتْ فَلَا يَضْمَنُهَا، أَرَادَ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ لِأَنَّ أَصْحَابَ ذَلِكَ سَلَّطُوا يَدَهُ عَلَى إتْلَافِهِ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَأَتْلَفَهَا فَلَيْسَ لَهُ اتِّبَاعُهُ بِثَمَنِهَا، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الصَّبِيُّ سِلْعَةً وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَأَتْلَفَهُ فَالْمُبْتَاعُ ضَامِنٌ السِّلْعَةَ وَلَيْسَ لَهُ قِبَلَ الصَّبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا. اللَّخْمِيُّ لَا تَبَاعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى سَفِيهٍ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُمَا أَنْفَقَا ذَلِكَ فِيمَا لَا غِنَى لَهُمَا عَنْهُ فَيُتْبَعَانِ فِي الْمَالِ الَّذِي صُوِّنَاهُ، فَإِنْ ذَهَبَ وَأَفَادَا غَيْرَهُ فَلَا يُتَّبَعَانِ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ شَيْئًا بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَأَتْلَفَهُ الصَّبِيُّ أَوْ ضَيَّعَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ.
(وَ) إنْ أَوْدَعَ مَالًا عِنْدَ رَقِيقٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَتْلَفَهُ (تَعَلَّقَتْ) الْوَدِيعَةُ أَيْ قِيمَتُهَا أَوْ مِثْلُهَا (بِذِمَّةِ) الرَّقِيقِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (الْمَأْذُونِ) لَهُ مِنْ مَالِكِهِ الرَّشِيدِ فِي التِّجَارَةِ تَعَلُّقًا (عَاجِلًا) أَيْ حَالًّا فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ الْآنَ كَالْحُرِّ وَلَا يَسْتَأْنِي بِهِ عِتْقُهُ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِمَالِ سَيِّدِهِ الَّذِي بِيَدِهِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إسْقَاطُهَا عَنْهُ. " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " مَا أَتْلَفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ بِيَدِهِ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ الَّذِي أَوْدَعَهُ تَطَوَّعَ بِالْإِيدَاعِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ عَنْهُ.
(وَ) إنْ أَوْدَعَ رَقِيقًا غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهَا وَأَتْلَفَهَا تَعَلَّقْت (بِذِمَّةِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا عَاجِلًا، بَلْ (إذَا عَتَقَ إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ) أَيْ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ (لِلسَّيِّدِ) عَنْهُ، فَإِنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ سَقَطَ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ فَلَا يُتَّبَعُ بِهِ " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " وَإِنْ أَوْدَعْت عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَفْسَخَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ فِي الرِّقِّ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعِيبُهُ فَيُسْقِطُهُ عَنْ الْعَبْدِ فِي رَقِّهِ وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ.
(وَإِنْ) كَانَتْ وَدِيعَةً بِيَدِ شَخْصٍ وَادَّعَاهَا اثْنَانِ مَثَلًا، وَ (قَالَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (هِيَ)
وَنَسِيتُهُ: تَحَالَفَا، وَقُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ: جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ.
ــ
[منح الجليل]
أَيْ الْوَدِيعَةُ (لِأَحَدِكُمَا) خَاصَّةً (وَنَسِيتُهُ) فَلَا أَعْلَمُهُ الْآنَ (تَحَالَفَا) أَيْ يَحْلِفُ الْمُتَنَازِعَانِ فِيهَا كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ (وَقُسِمَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْوَدِيعَةُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهَا نِصْفَيْنِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَيَأْخُذُهَا الْحَالِفُ وَحْدَهُ. " ق " ابْنُ يُونُسَ سَمِعَ عِيسَى بْنَ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيه لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَدْرِ لِمَنْ هِيَ مِنْهُمَا، قَالَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهِيَ كُلُّهَا لِمَنْ حَلَفَ.
مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ دَفَعْتهَا لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيتُهُ وَأَنْكَرَا قَبْضَهَا حَلَفَا وَغَرِمَ لِكُلٍّ مِائَةٌ وَمَنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَا مَعًا فَلَيْسَ عَلَى الْمُقِرِّ إلَّا مِائَةٌ يَقْتَسِمَانِهَا دُونَ يَمِينٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ أَبَى الْيَمِينَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُودَعُ وَقَالَ أَحْلِفُ أَنَّهَا لِهَذَا فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ غُرْمِهِ مِائَةً يَقْتَسِمَانِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيمَا ذَكَرْنَا أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَلَوْ قَالَ فِي مِائَةِ دِينَارٍ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا أَدْرِي أَلِفُلَانٍ هِيَ أَمْ لِفُلَانٍ الْآخَرَ فَادَّعَاهَا كِلَاهُمَا وَحَلَفَا غَرِمَ مِائَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي أَمَانَتِهِ وَالدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَوْنِ الدَّيْنِ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ عَكْسُهُ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ) ذُو مَالٍ عِنْدَ (اثْنَيْنِ) وَدِيعَةً وَتَنَازَعَا فِي حِيَازَتِهَا لِحِفْظِهَا لَهُ وَغَابَ (جُعِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْوَدِيعَةُ (بِيَدِ) أَيْ فِي حِيَازَةِ الشَّخْصِ (الْأَعْدَلِ) مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ جُعِلَتْ بِيَدِهِمَا مَعًا يَجْعَلُهَا فِي مَحَلٍّ بِقُفْلَيْنِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِفْتَاحًا. " ق " فِيهَا قُلْت فَالرَّجُلُ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَيْنِ بِبَعْضِهِمَا عِنْدَ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، فَقَالَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوَصِيِّينَ يُجْعَلُ الْمَالُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ وَضَعَهُ السُّلْطَانُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَأَرَاهُ.