المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب أقسام القسمة الشرعية] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٧

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب أقسام القسمة الشرعية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

لَا يَكُونُ الْخِيَارُ فِيهِ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ مَالَهُ بَالٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمُ أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ فِي الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا مِمَّنْ حَشَى تت اعْتَرَضَهُ بِمَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ اغْتِرَارًا مِنْهُ بِظَاهِرِهِ لِقُصُورِ بَاعَهُ وَقِلَّةِ اطِّلَاعِهِ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ.

[بَابٌ أَقْسَام الْقِسْمَة الشَّرْعِيَّة]

(بَابٌ) فِي بَيَانِ الْقِسْمَةِ وَأَقْسَامِهَا وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقِسْمَةُ، تَصْيِيرُ مُشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ مُعَيَّنًا وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ، فَيَدْخُلُ قَسْمُ مَا عَلَى مَدَّيْنٍ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي طَعَامِ سَلَمٍ وَيُخْرِجُ تَعْيِينُ مُعْتِقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ أَحَدَهُمَا، وَتَعْيِينُ مُشْتَرِي أَحَدِ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُمَا، وَتَعْيِينُ مُطْلَقِ عَدَدٍ مُوصًى بِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ يَمُوتُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَعْيِينِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا شَارِحُوهُ. وَعَرَّفَهَا الْغُبْرِينِيُّ: بِأَنَّهَا اخْتِصَاصُ الشَّرِيكِ بِمَا كَانَ لَهُ مُشَاعًا، يُرَدُّ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ الشَّرِيكِ بِالْمُشَاعِ ثَابِتٌ حَالَ شَرِكَتِهِ خَاصَّةً لَهَا أَوْ عَرْضًا عَامًّا لَهَا وَلِمُقَابِلِهَا، فَهُوَ مُبَايِنٌ لِلْقِسْمَةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْهَا، فَيَمْتَنِعُ تَعْرِيفُهَا بِهِ وَدَلِيلُ ثُبُوتِهِ حَالَ الشَّرِكَةِ فَقَوْلُهُ مَعَ غَيْرِهَا إنْ بَاعَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ الْوَارِثَتَيْنِ دَارًا حَظَّهَا مِنْهَا، فَالْأُخْرَى أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، فَلَوْلَا اخْتِصَاصُهَا بِحَظِّهَا مُشَاعًا مَا كَانَتْ أَشْفَعَ، وَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ اخْتِصَاصُ الشَّرِيكِ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ مَا كَانَ مُشَاعًا فَفِيهِ عِنَايَةٌ بِغَيْرِ لَفْظٍ يُعَيِّنُهَا مَعَ يُسْرِهِ، وَيَبْطُلُ اطِّرَادُهُ بِاخْتِصَاصِ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَاخْتِصَاصُ مَنْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيكِهِ مَا أَتْلَفَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا الْمِثْلِيُّ قَدْرُ حَظِّ الْمُتَعَدِّي كَنَقْلِهِ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَفَازَةٍ غَرَرًا تَلِفَ قَدْرُ حَظِّ النَّاقِلِ مِنْهُ. اهـ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ نَاجِي حَدَّ ابْنِ عَرَفَةَ بِمَنْ اشْتَرَى وَيْبَةً مَثَلًا مِنْ صُبْرَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهَا وَهِيَ لَيْسَتْ بِقِسْمَةٍ وَحَدُّهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الْوَيْبَةِ صَارَ مَالِكًا لَهَا فِي الصُّبْرَةِ الْبِسَاطِيُّ

ص: 247

(بَابٌ) الْقِسْمَةُ: تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ: كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا، وَسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ:

ــ

[منح الجليل]

فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ فَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْقِسْمَةِ.

غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّعْيِينَ وَهُوَ لَا يَقْدَحُ فِيهَا، أَفَادَهُ تت فِي كَبِيرِهِ. أَقُولُ لَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ وُرُودِ هَذَيْنِ الْإِيرَادَيْنِ عَلَى حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ. أَمَّا إيرَادُ ابْنِ نَاجِي فَلِأَنَّ شِرَاءَ الْوَيْبَةِ مِنْ الصُّبْرَةِ لَيْسَ تَصْيِيرَ مُشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ مُعَيَّنًا، بَلْ هُوَ تَصْيِيرُ بَعْضِ مَمْلُوكِ مَالِكٍ وَاحِدٍ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ شَائِعًا، فَكَيْفَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدُّهُ، وَتَعْلِيلُهُ لَا يُنْتِجُ انْطِبَاقَهُ عَلَيْهِ، فَدَعْوَاهُ وَدَلِيلُهُ بَاطِلَانِ. وَأَمَّا إيرَادُ الْبِسَاطِيِّ فَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الِانْحِلَالُ، وَأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ. وَتَعْرِيفُ ابْنِ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، فَتَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لَيْسَ قِسْمَةً لِأَنَّهُ تَصْيِيرُ مُشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ وَحَذَفَ وَلَوْ زَادَ أَوْ قَبِلَ بِقُرْعَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْقِسْمَةُ) الشَّرْعِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ (تَهَايُؤٌ) بِفَتْحِ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ وَنُونٍ أَوْ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ عَقِبَ الْأَلِفِ أَوْ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَلِيهَا هَمْزٌ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَتَحْتِيَّةٌ عَلَى الْأَخِيرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ هَنَّأَ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ، وَهَيَّأَهُ وَجَهَّزَ لَهُ وَوَهَبَهُ لَهُ فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ التَّهْنِئَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ التَّهْيِئَةِ، وَعَلَى الثَّالِثِ مِنْ الْهِبَةِ لَكِنْ بِقَلْبٍ مَكَانِيٍّ. الرَّجْرَاجِيُّ الْمُهَأنَاةُ تُقَالُ بِالْمُنَوَّنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَنَّأَ صَاحِبَهُ بِمَا أَرَادَهُ، وَتُقَالُ بِالْبَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَتُقَالُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ بِاثْنَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَيَّأَ لِصَاحِبِهِ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ، وَالتَّهَانِيءُ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ (فِي زَمَنٍ) مَعْلُومٍ كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ وَمَثَّلَ لَهَا بِقَوْلِهِ (كَخِدْمَةِ) رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (شَهْرًا) وَيَخْدُمُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ شَهْرًا أَيْضًا وَهَكَذَا (وَسُكْنَى دَارِ) أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (سِنِينَ) وَالشَّرِيكُ الْآخَرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا، أَوْ زِرَاعَةُ أَرْضٍ مَأْمُونَةِ الرَّيِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ وَالْآخَرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا.

" ق " ابْنُ شَاسٍ الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُهَايَأَةٌ وَهِيَ ضَرْبَانِ، مُهَايَأَةٌ فِي الْأَعْيَانِ، وَمُهَايَأَةٌ بِالزَّمَانِ. ابْنُ رُشْدٍ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لَا تَجُوزُ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَبَاهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْمُرَاضَاةِ وَالْمُهَايَأَةِ، وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِالْأَزْمَانِ، مِثْلُ أَنْ يَتَّفِقَا أَنْ يَسْتَغِلَّ أَحَدُهُمَا الدَّابَّةَ أَوْ يَسْتَخْدِمَهَا أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ أَوْ يَحْرُثَ الْأَرْضَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ وَالْآخَرُ مِثْلُهَا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فَهَذِهِ يَفْتَرِقُ فِيهَا الِاسْتِغْلَالُ وَالِاسْتِخْدَامُ. الْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ التَّهَايُؤُ فِي الْأَعْيَانِ بِأَنْ يَسْتَخْدِمَ هَذَا عَبْدًا وَهَذَا عَبْدًا أَوْ يَزْرَعَ هَذَا أَرْضًا وَهَذَا أَرْضًا، أَوْ يَسْكُنَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا.

أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ فِي الشَّهْرِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرَ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا. وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَيَجُوزُ فِيهَا السُّنُونَ الْمَعْلُومَةُ وَالْأَجَلُ الْبَعِيدُ كَكِرَائِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مَأْمُونَةٌ إلَّا أَنَّ التَّهَايُؤَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً بِمَا يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ. غ إنْ قُلْت قَدْ قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ وَابْنُ شَاسٍ أَنَّ قِسْمَةَ الْمُهَايَأَةِ ضَرْبَانِ مُهَايَأَةٌ فِي الْأَعْيَانِ وَمُهَايَأَةٌ فِي الزَّمَانِ، فَالْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دَارًا يَسْكُنُهَا، وَالْآخَرُ دَارًا يَسْكُنُهَا، وَهَذَا أَرْضًا يَزْرَعُهَا، وَالْآخَرُ أَرْضًا يَزْرَعُهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُهَايَأَةُ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ بِالْأَزْمِنَةِ، كَدَارٍ يَسْكُنُهَا هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا، وَأَرْضٍ يَزْرَعُهَا هَذَا سَنَةً وَهَذَا سَنَةً، وَبِذَا فَسَّرَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمَا بَالُهُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْأَزْمَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ حَيْثُ قَالَ فِي زَمَنٍ. قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ لِأَنَّ الزَّمَنَ الْمَعْلُومَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْوَاحِدُ بَيْنَ الشَّرِيكِ يَسْتَخْدِمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا شَهْرًا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا عَبْدَانِ يَسْتَخْدِمُ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ شَهْرًا وَالْآخَرُ الْآخَرَ كَذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُسَاوَاةُ الْمُدَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حَصْرُهُمَا، وَأَفْهَمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي

ص: 249

كَالْإِجَارَةِ

ــ

[منح الجليل]

السُّكْنَى جَوَازًا، وَفِي الْغَلَّةِ مَنْعًا، وَمِمَّا يَزِيدُ هَذَا وُضُوحًا مُنَاقَشَةُ ابْنِ عَرَفَةَ عِيَاضًا إذْ قَالَ وَقَوْلُ عِيَاضٍ هِيَ ضَرْبَانِ مُقَاسَمَةُ الزَّمَانِ وَمُقَاسَمَةُ الْأَعْيَانِ يُوهِمُ عُرُوَّ الثَّانِي عَنْ الزَّمَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَمَحْمَلُهُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ وَاحِدًا فَتَعَلَّقَ الْقَسْمُ بِالزَّمَانِ لِذَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ مُتَعَدِّدًا فَتَعَلَّقَ الْقَسْمُ فِيهِ بِالزَّمَانِ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ بِالذَّاتِ بَعْضُ آحَادِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ إذْ بِهِ يُعْرَفُ قَدْرُ الِانْتِفَاعِ. وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ أَنْوَاعٌ، الْأَوَّلُ: قِسْمَةُ مُهَانَأَةٍ بِالنُّونِ وَبِالْيَاءِ، وَهِيَ اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ بِمُشْتَرَكٍ فِيهِ عَنْ شَرِيكِهِ فِيهِ زَمَنًا مُعَيَّنًا مِنْ مُتَّحِدٍ أَوْ مِنْ مُتَعَدِّدٍ وَتَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ وَفِي مُدَّتِهَا ثَلَاثَةٌ. الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ أَخْتَدِمُهُ أَنَا الْيَوْمَ وَأَنْتَ غَدًا أَوْ شَهْرًا بِشَهْرٍ جَائِزٌ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ وَشَبَهِهِ. مُحَمَّدٌ إنَّمَا تَجُوزُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ وَالرُّبُعُ. ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَجُوزُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا هُوَ مَأْمُونُ التَّهَايُؤِ السِّنِينَ الْمَعْلُومَةِ وَالْأَجَلِ كَكِرَائِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ، وَإِنْ تَهَايَئُوا فِي دُورٍ أَوْ أَرَضِينَ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ أَوْ يَزْرَعَ نَاحِيَةً جَازَ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّةِ أَنْ يَقُولَ خُذْ كَسْبَهَا الْيَوْمَ وَآخُذُ كَسْبَهَا غَدًا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ابْنُ عَاتٍ قِيلَ فِي غَلَّةِ الرَّحَى يَوْمَانِ. وَقَوْلُ عِيَاضٍ هِيَ ضَرْبَانِ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ.

(كَالْإِجَارَةِ) فِي اللُّزُومِ، وَشَرْطُ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ كَعَبْدَيْنِ بَيْنَهُمَا يَخْدُمُ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ شَهْرًا وَالْآخَرُ يَخْدُمُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ كَذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمُدَّتَيْنِ، إنَّمَا الشَّرْطُ حَصْرُهُمَا. الْحَطّ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ التَّهَايُؤِ إذَا كَانَتْ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَازِمَةٌ كَالْإِجَارَةِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَقْسُومَ الْمُتَّحِدَ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَالْمَقْسُومُ الْمُتَعَدِّدُ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَاحِدًا مِنْهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمُدَّتَيْنِ فِيهِمَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي زَمَنٍ كَالْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنٍ لَا تَكُونُ كَالْإِجَارَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَالْأُولَى أَيْ الْمُهَايَأَةُ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ يَأْخُذُهَا كُلُّ وَاحِدٍ

ص: 250

لَا فِي غَلَّةٍ، وَلَوْ يَوْمًا

ــ

[منح الجليل]

مِنْهُمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سُكْنَى دَارٍ اهـ.

فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْقِسْمُ أَيْ الْمُهَايَأَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُقَاسَمَةُ زَمَانٍ وَمُقَاسَمَةُ أَعْيَانٍ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَالْأَوْلَى إلَى قَوْلِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَقَوْلُهُ أَوْ إحْدَاهُمَا رَاجِعٌ إلَى الدَّارَيْنِ، وَقَوْلُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الثَّانِيَةِ وَيُضْمَرُ بَعْدَ الْأَوَّلِ مِثْلُهُ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا قِسْمَةُ زَمَانٍ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهَا مُقَاسَمَةُ أَعْيَانٍ. وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُكْنَى دَارٍ، أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ وَغَيْرُ لَازِمَةٍ هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْخِيَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ الْأَجَلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِالْمِثَالِ الْأَوَّلِ مِنْ مِثَالَيْ اللَّازِمَةِ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا بَيْتًا مِنْ الدَّارِ مَثَلًا وَيَأْخُذَ الْآخَرُ كَذَلِكَ.

(لَا) تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ (فِي غَلَّةٍ) لِلْمُشْتَرَكِ إنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، بَلْ (وَلَوْ يَوْمًا) كَخُذْ غَلَّتَهُ يَوْمًا وَأَنَا آخُذُهَا يَوْمًا، وَهَكَذَا لِلْغَرَرِ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْهُلُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ. " ق " ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَكُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لَهُ مَا كَسَبْت الْيَوْمَ فَلِي، وَمَا تَكْتَسِبُ غَدًا فَلَكَ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ إنْ قَالَ اسْتَخْدِمْهُ أَنْتَ الْيَوْمَ وَأَنَا غَدًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ شَهْرًا وَأَنَا شَهْرًا. مُحَمَّدٌ لَا يُجَوِّزُ فِي الْكَسْبِ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا، وَقَدْ سَهَّلَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْيَوْمِ وَكَرِهَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ. اهـ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْبَاجِيَّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ إنَّمَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمُرَاضَاةِ لَا بِالْإِجْبَارِ وَالْقُرْعَةِ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَبِهِ قَطَعَ عِيَاضٌ. وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ بِالْمُهَايَأَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا بِالْمُرَاضَاةِ. الثَّانِي: فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قِسْمَةُ الْحَبْسِ لِلِاغْتِلَالِ فَقِيلَ إنَّهُ يُقْسَمُ وَيُجْبَرُ عَلَى

ص: 251

وَمُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ

ــ

[منح الجليل]

الْقَسْمِ مَنْ أَبَاهُ، وَيَنْفُذُ بَيْنَهُمْ إلَى أَنْ يَحْدُثَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْوِلَادَةِ مَا يُغَيِّرُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ حُبِسَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَنَّ الْحَبْسَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَيْ عَلَى عَدَدِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الظَّوَاهِرِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَسَائِلِهِمْ. وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُقْسَمُ بِحَالٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْحَبْسَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ وَلَا يُجَزَّأُ. وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ عَلَى قِسْمَتِهِ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُمْ، وَقَدْ عَزَا ابْنُ سَهْلٍ هَذِهِ الْأَقْوَالَ لِأَشْيَاخِ السُّيُورِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَقْرَبُ حَمْلُ الْقَسْمِ عَلَى ثَمَنِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْعُهُ عَلَى الرِّبْحِ الْمُحْبَسِ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) الثَّانِي (مُرَاضَاةٌ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ فِي قِسْمَةِ ذَاتِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ (فَ) هِيَ (كَالْبَيْعِ) فِي أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ شَيْءٌ اخْتَصَّ بِمِلْكِهِ وَأَنَّهَا تَكُونُ فِيمَا تَمَاثَلَ وَفِيمَا اخْتَلَفَ وَفِي الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيهَا بِغَبْنٍ إنْ لَمْ يُدْخِلَا فِيهَا مُقَوَّمًا، وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلٍ وَلَا إلَى تَقْوِيمٍ، وَأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا. الْحَطّ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْقِسْمَةِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ، وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ قِسْمَةَ بَيْعٍ.

ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ أَخْذُ بَعْضِهِمْ بَعْضَ مَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ مَا يُعَدُّ لَهُ بِتَرَاضٍ مِلْكًا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ قِسْمَانِ، قِسْمٌ بَعْدَ تَقْوِيمِ وَتَعْدِيلٍ وَهَذَا لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى مَنْ أَبَاهُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ الْأَجْنَاسِ وَالْأَصْنَافِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا مَا يُدَّخَرُ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَيُقَامُ فِيهِ بِالْغَبْنِ إذَا ظَهَرَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ وَقَسْمٌ بِلَا تَقْوِيمٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ إلَّا فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَهُوَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي الْمُعِينِ وَغَيْرِهِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّنْبِيهَاتِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: شَبَّهَ الْمُرَاضَاةَ بِالْبَيْعِ مَعَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا بَيْعٌ لِإِجَازَتِهِمْ الْفَضْلَ فِي قِسْمَةِ قَفِيزِ بُرٍّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِالتَّرَاضِي عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَيْهِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَهُ، فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا مَحْضًا لَمْ تَجُزْ لِلرِّبَا.

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الثَّانِي: ابْنُ رَاشِدٍ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِمْ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بَيْعٌ إجَازَتُهُمْ فِيهَا قَسْمَ قَفِيزِ بُرٍّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَامْتَنَعَتْ بِهَذَا الْوَجْهِ لِلرِّبَا. طفي جَوَابُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِمْ لَوْ أَطْلَقُوا فِي قَوْلِهِمْ إنَّهَا بَيْعٌ. أَمَّا حَيْثُ قَيَّدُوا فَلَا، وَيُصْرَفُ قَوْلُهُمْ إنَّهَا بَيْعٌ لِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَبْرِ وَجَمْعِ الْأَجْنَاسِ وَجَمْعِ حَظَّيْنِ، وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ، وَاسْتَثْنَوْا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ. اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْمُقَاسَمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالتَّرَاخِي جَائِزٌ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الصُّبْرَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قَسْمِهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَعَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفْضِيلُ أَمْ لَا، وَيَجُوزُ بِالْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَسْمَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَحَرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا دَخَلَهُ أَيْضًا التَّفْضِيلُ وَقِسْمَتُهُ تَحَرِّيًا جَائِزَةٌ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُبْرَةً وَاحِدَةً وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَضْلُ كَصُبْرَتَيْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ أَوْ مَحْمُولَةٍ وَسَمْرَاءَ وَنَقِيٍّ وَمَغْلُوثٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِاعْتِدَالِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ بِمِكْيَالٍ مَعْلُومٍ، وَصَنْجَةٍ مَعْلُومَةٍ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْفَضْلُ جَازَ قَسْمُهُ عَلَى الْفَضْلِ الْبَيِّنِ وَالِاعْتِدَالِ بِمِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ مَعْلُومٍ لَا مَجْهُولٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَوَجَبَ قَسْمُ كُلِّ صُبْرَةٍ وَحْدَهَا، وَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِمِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ قَسْمَ الصُّبْرَةِ لَيْسَ قَسْمًا حَقِيقِيًّا، إنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ حَقٍّ. اهـ. فَإِذَا أَحَطْت بِهَذَا عِلْمًا فَلَكَ أَنْ تُجِيبَ عَنْ مُنَاقَضَةِ ابْنِ رَاشِدٍ بِمَا قُلْنَاهُ، وَلَك أَنْ تَرُدَّ الْمُنَاقَضَةَ مِنْ أَصْلِهَا وَتَبْقَى الْقِسْمَةُ بَيْعًا حَتَّى فِي مَنْعِ الْفَضْلِ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا إجَازَتُهُمَا قَسْمَ الْقَفِيزِ عَلَى ثُلُثَيْنِ وَثُلُثٍ لِأَنَّ قِسْمَةَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ قِسْمَةً حَقِيقِيَّةً قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الصَّوَابُ، فَلَا مُعَارَضَةَ وَلَا تَعْكِيرَ أَصْلًا، فَشُدَّ عَلَيْهِ يَدَ الضَّنِينِ.

وَلِذَا أَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُرَاضَاةِ مَنْعَهَا فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ الْفَضْلُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصُّبْرَةَ الْوَاحِدَةَ وَالْقَفِيزَ الْوَاحِدَ لَيْسَتْ قِسْمَتُهُ قِسْمَةً حَقِيقِيَّةً، وَقَدْ اقْتَصَرَ " ح " عَلَى كَلَامِ الْمُعِينِ، وَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَسْمَ الْمُرَاضَاةِ إلَى وَجْهَيْنِ

ص: 253

وَقُرْعَةٌ، وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ، وَكَفَى قَاسِمٌ، لَا مُقَوِّمٌ

ــ

[منح الجليل]

بِتَعْدِيلٍ وَبِغَيْرِهِ فَقَالَ الْوَجْهَانِ يَصِحَّانِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَفِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا مُدَّخَرًا لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ فِيهِ.

(وَ) النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ (قُرْعَةٌ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ حَظَّ كُلِّ شَرِيكٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ مِمَّا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فَعَلَهُ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْبَابِ إذْ الْمُهَايَآتُ إجَارَةٌ وَلَهَا بَابٌ، وَالْمُرَاضَاةُ بَيْعٌ وَلَهُ بَابٌ (وَهِيَ) أَيْ الْقُرْعَةُ (تَمْيِيزُ حَقٍّ) مُشَاعٍ عِنْدَ سَحْنُونٍ. عِيَاضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا. ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي الشَّامِلِ هُوَ الْأَصَحُّ. وَلِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ هِيَ بَيْعٌ. اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَطْرَبُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي قَسْمِ التَّرَاضِي بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ دُونَ قُرْعَةٍ هَلْ هُوَ بَيْعٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، وَقَسْمُ التَّرَاضِي دُونَ تَعْدِيلٍ بَيْعٌ اتِّفَاقًا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَسْمَ الْقُرْعَةِ تَمْيِيزٌ، وَقَسْمَ التَّرَاضِي بَيْعٌ. قُلْت ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ هَلْ تَمْيِيزٌ أَوْ بَيْعٌ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا لِلْبَاجِيِّ فِي قَسْمِ الصَّيْحَانِيِّ وَالْعَجْوَةِ بِالْخَرْصِ، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّمْيِيزُ خَاصًّا بِالْقُرْعَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَيْهَا. (وَكَفَى) فِي الْقِسْمَةِ (قَاسِمٌ) وَاحِدٌ وَالْأَوْلَى اثْنَانِ كَمَا يُفِيدُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِكَفَى، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَاشْتَرَطَهُمَا ابْنُ شَعْبَانَ. ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَأْمُرُ الْقَاضِي بِالْقَسْمِ إلَّا الْمَأْمُونَ الْمَرَضِيَّ الْعَارِفَ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَهُمَا أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ كَفَى. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِي مَنْصُوبِ الْإِمَامِ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالذُّكُورَةُ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ وَعِلْمُهُ بِالْمِسَاحَةِ وَالْحِسَابِ وَالتَّقْوِيمِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ الْعَدَالَةُ وَالْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُ هَذَا. اهـ. قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (لَا) يَكْفِي (مُقَوِّمٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً.

الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُقَوِّمَ السِّلَعِ الْمُتْلَفَةِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُقَوِّمَ السِّلَعِ الْمَقْسُومَةِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاسِمَ هُوَ الَّذِي يُقَوِّمُ الْمَقْسُومَ وَيُعَدِّلُهُ.

ص: 254

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوَاعِدِهِ فِي الصُّورَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ رَابِعُهَا مُقَوِّمُ السِّلَعِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " يَكْفِي الْوَاحِدُ بِالتَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ شِبْهُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشِبْهُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى لَا الْمُتَرْجِمُ وَالْقَائِفُ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَذَلِكَ وَشِبْهُ الْحَاكِمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ، وَالْحَاكِمُ يُنْفِذُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مَنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا قُوَّةُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ، وَيَنْبَنِي عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ قَطْعُ عُضْوٍ مَعْصُومٍ.

وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، ثُمَّ قَالَ وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ، وَالْأَظْهَرُ شِبْهُ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اهـ.

ابْنُ فَرْحُونٍ ابْنُ الْقَصَّارِ يُقْبَلُ قَوْلُ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَدُّ تَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ لِيُعْلَمَ هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ النِّصَابَ أَمْ لَا، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَاسِمِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَمَا يُقَلَّدُ الْمُقَوِّمُ لِأَرْشِ الْجِنَايَاتِ لِمَعْرِفَتِهِ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمُقَوِّمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَاكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدٍ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ. طفي فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُقَوِّمَ غَيْرُ الْقَاسِمِ لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُعَدِّلِ فَفِي التُّحْفَةِ:

وَأَجْرُ مَنْ يَقْسِمُ أَوْ يُعَدِّلُ

عَلَى الرُّءُوسِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ

وَلَدُهُ فِي شَرْحِهِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ وَالْمُعَدِّلِ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمُقَوِّمُ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَصَفَّحَ كَلَامَهُمْ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُ طفي إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 255

وَأَجْرُهُ بِالْعَدَدِ

وَكُرِهَ، وَقُسِمَ الْعَقَارُ، وَغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ،

ــ

[منح الجليل]

(وَأَجْرُهُ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْقَاسِمُ عَلَى قِسْمَتِهِ يُقْسَمُ عَلَى الشُّرَكَاءِ (بِ) حَسَبِ (الْعَدَدِ) لِرُؤْسِهِمْ لَا بِحَسَبِ مَقَادِيرِ أَنْصِبَائِهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ بِحَسَبِ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ. " ق " فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَهْلُ مُوَرِّثٍ أَوْ مَغْنَمٍ قَاسِمًا بِرِضَاهُمْ وَأَجْرُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَنْ طَلَبَ الْقَسْمَ وَمَنْ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَيَكُونُ الْأَجْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَدَدِهِمْ لَا عَلَى أَنْصِبَائِهِمْ. التَّاوَدِيُّ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ، وَقَوِيَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ الْعُشْرُ رُبَّمَا كَانَ ثُلُثُ الْأُجْرَةِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ عُشْرِ الْمَقْسُومِ، فَلَا يَكْفِي النَّصِيبُ فِي الْأُجْرَةِ.

(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْقَاسِمِ أَخْذُ أُجْرَةِ الْقَسْمِ مِنْ الْمَقْسُومِ بَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذُهَا، وَمَحَلُّهُ فِي الْقَاسِمِ الَّذِي قَدَّمَهُ الْقَاضِي لِلْقِسْمَةِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ الشُّرَكَاءُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ. " ق " كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِقُسَّامِ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى الْقَسْمِ أَجْرًا. ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ قُسَّامُ الْغَنَائِمِ وَلَوْ كَانَتْ أَرْزَاقُ الْقُسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ. ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَ الْقَوْمُ قَاسِمًا فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَمِنْ هَذَا جَعَلَ الشُّرَطَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا رِزْقُ الشُّرَطِ عَلَى السُّلْطَانِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى الطَّالِبِ فِي إحْضَارِ خَصْمِهِ إلَّا أَنْ يَلِدَ الْمَطْلُوبُ وَيَخْتَفِيَ فَيَكُونُ الْجُعْلُ فِي إحْضَارِهِ عَلَيْهِ.

(وَ) قُسِمَ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (الْعَقَارُ) أَيْ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ (وَ) قُسِمَ (غَيْرُهُ) أَيْ الْعَقَارِ مِنْ سَائِرِ الْمُقَوَّمَاتِ (بِالْقِيمَةِ) لَا بِالْمِسَاحَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ يَجُوزُ أَنْ تُقْسَمَ الرُّبَاعُ وَالْأُصُولُ بِالسَّهْمِ إذَا عُدِلَتْ بِالْقِيمَةِ اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ مِثْلُ كَوْنِ قِيمَةِ إحْدَاهُمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَرِعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ يُعْطِي صَاحِبَهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَتَّفِقُ فِي الْغَالِبِ كَوْنُ قِيمَتِهِمَا سَوَاءً، وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا

ص: 256

وَأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ،

ــ

[منح الجليل]

فَانْظُرْهُ فَلَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِيهِ. وَقَالَ الْبَاجِيَّ تَجُوزُ فِيهِ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ.

(وَأُفْرِدَ) الْقَاسِمُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ (كُلُّ نَوْعٍ) مِنْ الْمَقْسُومِ الْحَطّ، يَعْنِي أَنَّهُ

ص: 257

وَجُمِعَ دُورٌ وَأَقْرِحَةٌ

ــ

[منح الجليل]

لَا يَجُوزُ جَمْعُ جِنْسَيْنِ وَلَا نَوْعَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تُقْسَمُ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالسَّهْمِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلُوا الدُّورَ حَظًّا وَالرَّقِيقَ حَظًّا وَيَسْتَهِمُونَ وَإِنْ اتَّفَقَتْ قِيَمُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَطَرٌ، وَإِنَّمَا تُقْسَمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، الْبَقَرُ عَلَى حِدَةٍ، وَالْغَنَمُ عَلَى حِدَةٍ، وَالْعُرُوضُ عَلَى حِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ سَهْمٍ. وَكَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلُوا دَنَانِيرَ نَاحِيَةً، وَمَا قِيمَتُهُ مِثْلُهَا نَاحِيَةً مِنْ رَبْعٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ، وَيَقْتَرِعُوا. وَإِمَّا بِالتَّرَاضِي بِغَيْرِ قُرْعَةٍ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا دَارَانِ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ تَفَاضَلَتَا فِي الْبِنَاءِ كَوَاحِدَةٍ جَدِيدَةٍ وَأُخْرَى رَثَّةٍ أَوْ دَارٍ بَعْضُهَا رَثٌّ وَبَاقِيهَا جَدِيدٌ فَذَلِكَ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ جَيِّدٍ وَدُونٍ بِالْقِيَمِ كَقَسْمِ الرَّقِيقِ عَلَى تَفَاوُتِهِ، وَكُلُّ صِنْفٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْمِلُ الْقِسْمَةَ بِيعَ الْجَمِيعُ عَلَيْهِمْ، وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى قَسْمِ شَيْءٍ بِغَيْرِ سَهْمٍ فَيَجُوزُ. اهـ.

(وَجُمِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ (دُورٌ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَارٍ مُتَلَاصِقَةٍ. " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " إنْ كَانَتْ مَوَاضِعُ الدُّورِ مُخْتَلِفَةً مِمَّا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فِيهَا الْعُمْرَانَ أَوْ غَيْرَهُ قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ مِنْهَا دَارَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الصِّفَةِ وَالنِّفَاقِ فِي مَوَاضِعِهَا فَتُجْمَعُ الْمُنْفَقَةُ فِي الْقَسْمِ وَيُقْسَمُ بَاقِيهَا كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ (أَوْ أَقْرِحَةٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ جَمْعُ قَرَاحٍ بِفَتْحِ الْقَافِ، أَيْ أَرْضُ زِرَاعَةٍ لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَلَا فِيهَا شَجَرٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

ص: 258

وَلَوْ بِوَصْفٍ

إنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً وَرَغْبَةً، وَتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ، إنْ دَعَا إلَيْهِ أَحَدُهُمْ

ــ

[منح الجليل]

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَقْرِحَةُ وَهِيَ الْفَدَادِينُ إذَا كُنْت بَيْنَ قَوْمٍ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ فِي الْقَسْمِ نَصِيبُهُ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا قَرِيبًا مِنْ بَعْضٍ وَكَانَتْ فِي الْكَرَمِ سَوَاءً جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ، وَجُعِلَ نَصِيبُ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَحُدَّ لَنَا مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي قُرْبِ الْأَرْضِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ حَدًّا وَأَرَى الْمِيلَ وَشِبْهَهُ قَرِيبًا فِي الْحَوَائِطِ وَالْأَرَضِينَ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرِحَةُ مُخْتَلِفَةً وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ أَوْ كَانَتْ فِي الْكَرَمِ سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَبَاعُدٌ كَالْيَوْمَيْنِ قُسِمَ كُلُّ قَرِيحٍ عَلَى حِدَتِهِ. الْحَطّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَقْرِحَةٌ بِالْوَاوِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَقْرِحَةٌ بِأَوْ، وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى قَالُوا بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الدُّورَ تُجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ وَالْأَقْرِحَةُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا يُرِيدُ أَنَّ الدُّورَ تُجْمَعُ مَعَ الْأَقْرِحَةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَتُجْمَعُ الدُّورُ الْمُتَقَارِبَةُ الْمَكَانِ الْمُسْتَوِيَةِ النِّفَاقِ وَالرَّغْبَةِ مَهْمَا دَعَا إلَيْهِ أَحَدُهُمْ، ثُمَّ قَالَ وكَذَلِكَ الْقُرَى وَالْحَوَائِطُ وَالْأَقْرِحَةُ يُجْمَعُ مَا تَقَارَبَ مَكَانُهُ كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ وَتَسَاوَى فِي كَرَمِهِ وَعُيُونِهِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يُرِدْ النِّصْفَ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ قُرَى وَحَوَائِطَ وَأَقْرِحَةٍ تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ، وَلَكِنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا تُجْمَعُ أَفْرَادُهُ. الرَّجْرَاجِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ وَلَا الْحَوَائِطُ مَعَ الْأَرَضِينَ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا. اهـ. إنْ كَانَتْ الدُّورُ وَالْأَقْرِحَةُ حَاضِرَةً، بَلْ (وَلَوْ) كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَوْضِعِ الْقَسْمِ وَتُقْسَمُ فِي غَيْبَتِهَا (بِوَصْفٍ) مِمَّنْ يَعْرِفُهَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُقَوِّمُ وَالْمُعَدِّلُ وَالْقَاسِمُ فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَا دَارًا غَائِبَةً عَلَى مَا يُوصَفُ لَهُمَا مِنْ بُيُوتِهَا وَسَاحَتِهَا وَيُمَيِّزَا حِصَّتَيْهَا مِنْهَا بِالصِّفَةِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالصِّفَةِ.

وَلِجَمْعِ الدُّورِ وَالْأَقْرِحَةِ شُرُوطٌ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ (إنْ تَسَاوَتْ) الدُّورُ وَالْأَقْرِحَةُ (قِيمَةً وَرَغْبَةً وَتَقَارَبَتْ) مَوَاضِعُهَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهَا (كَالْمِيلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (إنْ دَعَا إلَيْهِ) أَيْ

ص: 259

وَلَوْ بَعْلًا وَسَيْحًا

إلَّا مَعْرُوفَةً كَالسُّكْنَى، فَالْقَوْلُ لِمُفْرَدِهَا، وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِخِلَافِهِ

ــ

[منح الجليل]

جَمَعَهَا فِي الْقِسْمَةِ (أَحَدُهُمْ) أَيْ الشُّرَكَاءِ لِيَجْتَمِعَ حَظُّهُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَبَاهُ غَيْرُهُ إنْ كَانَتْ كُلُّهَا بَعْلًا أَوْ سَيْحًا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ بَعْضُهَا (بَعْلًا) يَشْرَبُ زَرْعُهُ بِعُرُوقِهِ مِنْ نَدَاوَةِ الْأَرْضِ، لَا يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ (وَ) بَعْضُهَا (سَيْحًا) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَحَاءٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ يَشْرَبُ زَرْعُهُ بِمَا يَسِيحُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ نِيلٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِزَكَاةِ زَرْعِهِمَا بِالْعُشْرِ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ جَمْعِهِمَا. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَا يُجْمَعَانِ لِلنَّضْحِ وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي زَرْعَهُ بِآلَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِزَكَاةِ زَرْعِهِ بِنِصْفِ عُشْرِهِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ دَعَا أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَى قَسْمِ مَا يَنْقَسِمُ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ غَيْرِهَا اشْتِرَاكُهُمْ بِمُوَرِّثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ جُبِرَ عَلَى الْقَسْمِ مَنْ أَبَاهُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا يُقْسَمُ مَا يُسْقَى بِالنَّضْحِ وَالسَّوَانِي مَعَ مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ، وَلَا يُقْسَمُ الْبَعْلُ مَعَ السَّقْيِ وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْحَوَائِطُ، وَيُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا أَنْ يَجْمَعُوهُ فِي الْقَسْمِ، فَذَلِكَ لَهُمْ. سَحْنُونٌ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَا يَصِحُّ بِهَا لِاخْتِلَافِهَا، وَيَصِيرُ كَجَمْعِ حِمَارٍ وَفَرَسٍ فِي الْقُرْعَةِ. وَجَوَّزَ فِي الْمُوَطَّإِ قَسْمَ الْبَعْلِ مَعَ مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ سَيْحًا دُونَ نَضْحٍ. الْبَاجِيَّ هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا يُزَكَّيَانِ بِالْعُشْرِ، بِخِلَافِ النَّضْحِ الْمُزَكَّى بِنِصْفِ الْعُشْرِ.

وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الدُّورِ الَّتِي تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا عَلَى مَنْ أَبَاهُ لِمَنْ طَلَبَهُ فَقَالَ (إلَّا دَارًا مَعْرُوفَةً بِالسُّكْنَى) لِمُوَرِّثِهِمْ دَعَا أَحَدُهُمْ لِإِفْرَادِهَا بِالْقَسْمِ وَبَعْضُهُمْ لِجَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِيهِ (فَالْقَوْلُ لِمُفْرِدِهَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ طَالِبِ إفْرَادِهَا بِالْقَسْمِ لِيَحْصُلَ لَهُ مِنْهَا حَظٌّ إنْ احْتَمَلَتْ الْقَسْمَ، وَتَأَوَّلَ الْأَوَّلَ الْأَكْثَرُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ. ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَتُؤُوِّلَتْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً، أَيْ فُهِمَتْ الْمُدَوَّنَةُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا تُؤُوِّلَتْ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُفْرِدِهَا (بِخِلَافِهِ) أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ دَعَا لِجَمْعِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ دَارٌ غَيْرُهَا يَسْكُنُهَا، وَهَذَا فَهْمُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ.

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ كَانَ لَهُ دَارٌ أُخْرَى كَانَ يَسْكُنُهَا جُمِعَتَا فِي الْقَسْمِ، وَلَا يُجَابُ مَنْ دَعَا لِإِفْرَادِهِمَا أَفَادَهُ تت. عج هَذَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ لِفَضْلٍ وَحْدَهُ طفي قَوْلُ تت وَتَأَوَّلَ الْأَكْثَرُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ إلَخْ، زَادَ فِي كَبِيرِهِ وَهُوَ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ الشَّرِيفُ وَتَرَكَ دَارًا كَانَ يَسْكُنُهَا وَلَهَا حُرْمَةٌ بِسُكْنَاهُ وَتَرَكَ دُورًا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَتَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ حَظَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ وَحْدَهَا إنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ، وَيَعْمَلُ فِي غَيْرِهَا مَا يَنْبَغِي، فَجَعَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَلِذَا عَزَاهُ لِلْأَكْثَرِ تَبَعًا لِقَوْلِ التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَكْثَرُ مِمَّنْ لَقِينَاهُ عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ. اهـ.

وَكَلَامُ تت غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا عَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَكْثَرَ مَنْ لَقِيَهُ لَيْسَ هُوَ تَأْوِيلًا عَلَيْهَا بِنَفْسِ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَنَصُّ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْعِبَارَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَلْفَاظٍ مُضْطَرِبَةٍ، وَالْأَكْثَرُ مِمَّنْ لَقِينَاهُ عَلَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَسَاقَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، فَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِكَوْنِهِمْ عَلَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إفْرَادُهَا بِالْقَسْمِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ شَرِيفًا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِيهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا فِي أَبِي الْحَسَنِ وَلَا فِي ابْنِ نَاجِي وَلَا فِي تَنْبِيهَاتِ عِيَاضٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فَضْلٌ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ، وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ ثَالِثًا مُخَالِفًا لَهُمَا، فَقَالَ وَفِي كَوْنِ الْمَعْرُوفَةِ بِسُكْنَى الْمَيِّتِ كَغَيْرِهَا وَقَبُولُ قَوْلِ مُرِيدِ إفْرَادِهَا. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ شَرِيفًا لَهَا بِهِ حُرْمَةٌ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ مَعَ أَكْثَرِ مُخْتَصِرِيهَا وَفَضْلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، فَفِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مَعْرُوفَةً بِسُكْنَاهُمْ فَتُفْرَدُ إنْ تَشَاحُّوا فِيهَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، نَظَرٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ وَإِيَّاهُمَا تَبِعَ تت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْفَقُ بِقَوْلِهَا وَإِذَا تَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فِي دَارٍ مِنْ دُورِ الْمَيِّتِ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا فَأَرَادَ كُلُّ وَارِثٍ أَخْذَ حَظِّهِ مِنْهَا لِفَرْضِهَا الْمَسْأَلَةَ فِي سُكْنَاهُمْ لَا فِي انْفِرَادِ الْمَيِّتِ بِالسُّكْنَى، وَأَنَّهُمْ تَشَاحُّوا فِي إفْرَادِهَا وَكُلٌّ أَرَادَ أَخْذَ حَظِّهِ مِنْهَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَابْنِ عَرَفَةَ، وَأَبْقَى عِيَاضٌ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ تَخْصِيصُ السَّاكِنِينَ بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْوَلَدِ دُونَ الْعَصَبَةِ، قَالَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الشَّرِيفِ أَمَّا الرَّجُلُ الشَّرِيفُ فَسَوَاءٌ بَنُوهُ وَعَصَبَتُهُ مِمَّنْ سَكَنَهَا أَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا إذْ لَهَا حُرْمَةٌ فِي نَفْسِهَا تُوجِبُ إفْرَادَهَا بِالْقَسْمِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: طفي قَوْلُهُ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً وَرَغْبَةً عِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَفَاقًا وَرَغْبَةً، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ الدُّورُ فِي النَّفَاقِ وَالرَّغْبَةِ فِي مَوَاضِعِهَا وَتَشَاحِّ النَّاسِ فِيهَا سَوَاءً، وَكَانَ بَعْضُهَا قَرِيبًا مِنْ بَعْضٍ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ، وَكَذَا عِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاقِ الرَّغْبَةُ وَالتَّشَاحُّ فَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَلِذَا اكْتَفَى ابْنُ عَرَفَةَ بِالنَّفَاقِ فَقَالَ فِي جَمِيعِ الدُّورِ فِي الْقَسْمِ بِتَقَارُبِ مَوَاضِعِهَا أَوْ تَسَاوِي نَفَاقِهَا ثَالِثُهُمَا بِهِمَا. اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاقِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمَحَلٍّ مَرْغُوبٍ فِيهِ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِمَحَلَّةٍ شَرِيفَةٍ وَالْأُخْرَى مَرْغُوبٌ عَنْهَا فَلَا يُجْمَعَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَبَّرَ بِالِاسْتِوَاءِ فِي الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِوَاءَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْرُ قِيمَةِ هَذِهِ كَهَذِهِ فَلَا أَخَالُهُمْ يَشْتَرِطُونَهُ. سَحْنُونٌ إنْ كَانَ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا أَجْوَدَ جُمِعَتَا إنْ كَانَتَا فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالنَّمَطِ التَّقَارُبُ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُرْبِ وَتَسَاوِي النَّفَاقِ لِسَحْنُونٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى تَأْوِيلِ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِوَاءَ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا صَغِيرَةً قَدْرَ نِصْفِ الْأُخْرَى تَكُونُ قِيمَتُهَا قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِهَا فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى النَّفَاقِ وَالرَّغْبَةِ. الْبُنَانِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَفَاقًا بَدَلَ قِيمَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ هُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَطْفُ الرَّغْبَةِ عَلَى النَّفَاقِ إمَّا عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَلِذَا اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ذِكْرِ النَّفَاقِ، وَيُحْمَلُ النَّفَاقُ عَلَى رَغْبَةِ الْأَجَانِبِ وَالرَّغْبَةُ عَلَى رَغْبَةِ الشُّرَكَاءِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِ رَغْبَةِ الْأَجَانِبِ اتِّحَادُ رَغْبَةِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ رَغْبَتَهُمْ فِي مَسْكَنِ مُوَرِّثِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ رَغْبَتِهِمْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ فِي الْقِيمَةِ

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَلَمْ يَشْتَرِطُوهُ جَزْمًا كَمَا يُفِيدُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ.

الثَّانِي: طفي جَمَعَ الْمُصَنِّفُ الدُّورَ وَالْأَقْرِحَةَ وَجَعَلَ كَالْمِيلِ حَدًّا لِلْقُرْبِ فِيهِمَا، وَالْمُدَوَّنَةُ لَمْ تَجْعَلْهُ حَدًّا لَهُ إلَّا فِي الْأَرَضِينَ وَالْحَوَائِطِ، فَفِي الْأُمِّ لَمْ يَحُدَّ لَنَا مَالِكٌ " رضي الله عنه " قُرْبَ الْأَرْضِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَرَى الْمِيلَ وَشِبْهَهُ قَرِيبًا فِي الْحَوَائِطِ وَالْأَرَضِينَ، وَفِي التَّهْذِيبِ فِيمَا تَقَارَبَ فِي أَمَاكِنِهِ وَتَسَاوَى فِي كَرَمِهِ مِنْ قُرًى كَثِيرَةٍ أَوْ حَوَائِطَ أَوْ أَقْرِحَةٍ جُمِعَ فِي الْقَسْمِ، وَالْمِيلُ وَشِبْهُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَأَمَّا الدُّورُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهَا وَكَانَ بَعْضُهَا قَرِيبًا مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَتْ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَكَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسِيرَةُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَتَسَاوَى الْمَوْضِعَانِ فِي الرَّغْبَةِ وَالنَّفَاقِ فَلَا تُجْمَعَانِ فِي الْقَسْمِ اهـ. وَقَدْ نَسَجَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى مِنْوَالِهَا فَقَالَ: وَتُجْمَعُ الدُّورُ الْمُتَقَارِبَةُ الْمَكَانِ الْمُسْتَوِيَةُ نَفَاقًا وَرَغْبَةً، ثُمَّ قَالَهُ وَكَذَلِكَ الْقُرَى وَالْحَوَائِطُ وَالْأَقْرِحَةُ يُجْمَعُ مَا تَقَارَبَ مَكَانُهُ كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ وَتَسَاوَى فِي كَرَمِهِ وَعُيُونِهِ، وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتُجْمَعُ الدُّورُ الْمُتَقَارِبَةُ قَالَ وَالتَّقَارُبُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ تَتَكَلَّمْ عَلَى الْحَدِّ فِي الدُّورِ وَكَأَنَّهُ أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْقُرْبِ فِي الدُّورِ. وَنَصَّ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمِيلَ قُرْبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الدُّورِ مَسِيرَةُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَلَا يُجْمَعَانِ أَبُو الْحَسَنُ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْبَادِيَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ مِثْلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّقْرِيبِ اهـ. وَفِي الْأَخْذِ الَّذِي ذَكَرَهُ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ التَّقْرِيبِ هُوَ قَوْلُهُ وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْقُرَى، أَيْ الْقُرْبُ بِالْمِيلِ وَنَحْوِهِ أَمَّا بَيْنَ الدِّيَارِ فِي الْبَلَدِ فِي الِاخْتِلَافِ يَحْصُلُ بِنِصْفِ الْمِيلِ. اللَّخْمِيُّ يُرَاعَى قَسْمُ الدُّورِ فِي مَوَاضِعِهَا، فَإِنْ كَانَتَا فِي مَحَلَّتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ جَمِيعًا كَانَتَا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ أَوْ طَرَفِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِوَسَطِهِ وَالْأُخْرَى فِي طَرَفِهِ فَلَا تُجْمَعَانِ.

الثَّالِثُ: الْبُنَانِيُّ جَرَى الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْلًا إلَخْ عَلَى قَوْلِ الْبَاجِيَّ جَوَازُ الْجَمْعِ

ص: 263

وَفِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ: تَأْوِيلَانِ

وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ، إنْ احْتَمَلَ، إلَّا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ،

ــ

[منح الجليل]

بَيْنَهُمَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا يُزَكَّيَانِ بِالْعُشْرِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ لَا يُجْمَعُ الْبَعْلُ مَعَ النَّضْحِ وَلَا مَعَ السَّيْحِ اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّخْلَةِ وَالزَّيْتُونَةِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ. اللَّخْمِيُّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُجْمَعُ النَّضْحُ مَعَ السَّقْيِ بِالْعَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَنُصَّ هَلْ يُجْمَعُ مَا يُسْقَى بِالْعَيْنِ مَعَ الْبَعْلِ أَوْ لَا ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ مِثْلُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَنَصُّ سَمَاعِ أَشْهَبَ خِلَافُهُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَسْمِ الْبَعْلِ مَعَ الْعَيْنِ إذَا كَانَ يُشْبِهُهَا اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَفِي) جَوَازِ جَمْعِ (الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ) فِي الْقَسْمِ بِالْقُرْعَةِ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ الصَّالِحَيْنِ لَهُ وَمَنْعِهِ (تَأْوِيلَانِ) وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا. طفي قَوْلُ تت وَفِي جَوَازِ قَسْمِهِ بِالْقُرْعَةِ أَيْ أَوْ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْمُجِيزَ بِالْقُرْعَةِ يَقُولُ بِالتَّرَاضِي مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَاقْتَصَرْت عَلَى التَّوَهُّمِ فَهُوَ كَقَوْلِ عِيَاضٍ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْخِرَاصَاتِ لَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى مَا جَاءَ مُفَسَّرًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَمَا فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ وَالْعِلَّةُ أَنَّهُ كَقَسْمِ شَيْئَيْنِ إذْ لَا سَاحَةَ لِلْعُلُوِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْتَفِقٌ لِلسُّفْلِ، وَالْأَكْثَرُ أَجَازُوهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِالسَّهْمِ وَالْمُرَاضَاةِ، وَرَجَّحَهُ أَبُو عِمْرَانَ، وَهَكَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ.

(وَأُفْرِدَ) الْقَاسِمُ فِي قِسْمَةِ الشَّجَرِ الْمُخْتَلِفِ الْأَصْنَافِ بِالْقُرْعَةِ (كُلُّ صِنْفٍ) كَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ وَنَخْلٍ (إنْ احْتَمَلَ) أَيْ قَبِلَ وَصَلُحَ كُلُّ صِنْفٍ لِقَسْمِهِ وَحْدَهُ بِحَيْثُ يَنُوبُ كُلَّ شَرِيكٍ شَجَرَةٌ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَصْنَافُ فِي حَوَائِطَ أَوْ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ، وَتَمَيَّزَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ فِي جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ (إلَّا) أَصْنَافًا مُجْتَمِعَةً فِي (كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ) كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ وَعَجْوَةٍ وَلِينَةٍ وَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِجِهَاتٍ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَنَخْلَةٍ فَزَيْتُونَةٍ فَرُمَّانَةٍ فَتُفَّاحَةٍ وَهَكَذَا فَتُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ.

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ التُّفَّاحُ جِنَانًا عَلَى حِدَةٍ وَالرُّمَّانُ جِنَانًا عَلَى حِدَةٍ، وَكُلُّ

ص: 264

أَوْ أَرْضٍ بِشَجَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ

وَجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إنْ جُزَّ، وَإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ

وَأَخَذَ وَارِثٍ عَرْضًا وَآخَرَ دَيْنًا، إنْ جَازَ بَيْعُهُ؛

ــ

[منح الجليل]

نَوْعٍ جِنَانٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ الْقَسْمَ فَلْيُقْسَمْ كُلُّ جِنَانٍ وَحْدَهُ بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا الْأَشْجَارُ الْمُخْتَلِفَةُ مِثْلُ تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَكُلُّهَا فِي جِنَانٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِطَةٌ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّهُ مُجْتَمِعًا بِالْقِيمَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي النَّخْلِ تَكُونُ فِي حَائِطٍ فَمِنْهُ الْبَرْنِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَالْجُعْرُورُ، وَأَنْوَاعُ الثَّمَرِ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَظُّهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحَائِطِ، وَالِالْتِفَاتُ إلَى مَا يَصِيرُ فِي حَظِّ أَحَدِهِمْ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ دُونَ غَيْرِهِ.

(أَوْ) كَ (أَرْضٍ) مُتَلَبِّسَةٍ (بِشَجَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ) فِيهَا مَلَكَهَا الشُّرَكَاءُ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُجْمَعُ الْأَرْضُ مَعَ الشَّجَرِ فِي الْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ وَلَا تُفْرَدُ عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ شَجَرُ أَحَدِهِمْ فِي أَرْضِ الْأُخْرَى، وَعَكْسُهُ " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ وَرِثَ قَوْمٌ أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ مُتَفَرِّقَةٌ هَاهُنَا شَجَرَةٌ وَهَاهُنَا شَجَرَةٌ، فَأَرَادُوا قَسْمَهَا فَلْيَقْتَسِمُوا الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ جَمِيعًا إذْ لَوْ قَسَمُوا الْأَرْضَ عَلَى حِدَةٍ وَالشَّجَرَ عَلَى حِدَةٍ صَارَ لِكُلٍّ شَجَرُهُ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ.

(وَجَازَ) أَنْ يُقْسَمَ (صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ) لِلْغَنَمِ (إنْ جُزَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ الزَّايِ، أَيْ شَرَعَ فِي جَزِّهِ حِينَ قَسَمَهُ، بَلْ (وَإِنْ) تَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ جَزِّهِ (لِكَنِصْفِ شَهْرٍ)" ق ". فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِقِسْمَةِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ إنْ جَزَّهُ الْآنَ أَوْ إلَى أَيَّامٍ قَرِيبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا بَعْدُ تت وَبَيَّنَ حَدَّ الْقُرْبِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِنَحْوِ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. طفي لَمْ يُبَيِّنْهُ فِي الصُّوفِ، بَلْ فِي الزَّرْعِ وَلَمَّا سَاقَ فِي كَبِيرِهِ كَلَامَهَا قَالَ وَحُكْمُ الصُّوفِ كَذَلِكَ.

(وَ) إنْ مَاتَ عَنْ عَرْضٍ وَدَيْنٍ وَلَهُ وَارِثَانِ أَرَادَ قَسْمَهُمَا فَيَجُوزُ فِي قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ (أَخَذَ وَارِثٌ عَرْضًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِمْ (وَ) أَخَذَ وَارِثٌ (آخَرُ دَيْنًا) بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْهَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ يَتْبَعُ الْمَدِينَ بِهِ (إنْ) كَانَ قَدْ (جَازَ بَيْعُهُ) أَيْ

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الدَّيْنِ بِحُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ " ق ". فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَدُيُونًا عَلَى رِجَالٍ شَتَّى فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ الْعُرُوضَ وَأَخَذَ الْآخَرُ الدُّيُونَ عَلَى أَنْ يَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ كَانُوا حَاضِرِينَ مُقِرِّينَ وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " قَالَ لَا يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى غَرِيمٍ غَائِبٍ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَإِنْ تَرَكَ دُيُونًا عَلَى رِجَالٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتَسِمُوا الرِّجَالَ فَتَصِيرُ ذِمَّةً بِذِمَّةٍ، وَلْيَقْتَسِمُوا مَا كَانَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ.

قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه ": سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ الذِّمَّةُ بِالذِّمَّةِ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. طفي زَادَ عج عَلَى قَوْلِهِ وَلْيَقْتَسِمُوا مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، أَيْ حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ الْقِسْمَةِ فَيَدْخُلُ مَا عَلَى مَدِينٍ وَلَوْ غَائِبًا، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَجِبُ الْفَتْوَى بِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ مَقْصُودُهُ بَيَانُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْقِسْمَةِ يَجْرِي حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا لِأَنَّ قَسْمَ مَا عَلَى مَدِينٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ إذَا شَخَّصَ أَحَدُهُمْ دُونَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِمْ، فَلِشُرَكَائِهِ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ فِيمَا اقْتَضَى أَوْ يُسَلِّمُوا لَهُ مَا قَبَضَ، وَيَتَّبِعُوا الْغَرِيمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَاسَمَةٌ لِلدَّيْنِ. أَبُو الْحَسَنِ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ وَلَمْ يَكُنْ مَحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَمَلَ بَيْعِ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْعًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِ مَدِينِهِ فَلَيْسَ فِيهِ بَيْعُ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ فَلَهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ بَطَلَ فَلَهُمَا جَمِيعًا فَلَا غَرَرَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ، حُكْمُهُ كَحُكْمِ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَقَسْمُ الدُّيُونِ عَلَى رِجَالٍ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ، وَقَسْمُ مَا عَلَى مَدِينٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَالْعَجَبُ مِنْ الرَّصَّاعِ شَارِحِ الْحُدُودِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فَيَدْخُلُ قَسْمُ مَا عَلَى مَدِينٍ وَلَوْ غَائِبًا، تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرُوا فِي بَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الرَّسْمَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ. اهـ. فَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّى

ص: 266

وَأَخْذُ أَحَدِهِمَا قُطْنِيَّةً، وَالْآخَرِ قَمْحًا

وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ

وَغَرْسُ أُخْرَى؛ إنْ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُك مِنْ أَرْضِ غَيْرِك، إنْ لَمْ تَكُنْ أَضَرَّ

ــ

[منح الجليل]

كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي جَعَلَهُ مُخَالِفًا لِكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ.

(وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (قُطْنِيَّةً) كَفُولٍ (وَ) أَخَذَ (الْآخَرِ قَمْحًا) فِيهَا لَوْ اقْتَسَمَا قَمْحًا وَقِطْنِيَّةً فَأَخَذَ هَذَا الْحِنْطَةَ وَأَخَذَ هَذَا الْقَطْنِيَّةَ يَدًا بِيَدٍ جَازَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَمْحُ وَهَذَا الْقَطْنِيَّةُ زَرْعًا قَدْ بَلَغَ وَطَابَ لِلْحَصَادِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْصُدَاهُ مَكَانَهُمَا ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ فِي حَصَادِهِ تَأْخِيرُ دَخْلِهِ بِيعَ طَعَامٌ غَيْرُ يَدٍ بِيَدٍ.

(تَنْبِيهٌ) ابْنُ عَاشِرٍ مِنْ قَوْلِهِ وَجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ إلَى قَوْلِهِ إنْ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةٌ كُلُّهُ فِي قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ. وَقَوْلُهُ بَزٌّ خَاصٌّ بِالْقُرْعَةِ بِدَلِيلِ لَا كَبَعْلٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ فِيهِمَا وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ تَجِدُهُ فِي غَايَةِ الْإِجْحَافِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.

(وَ) يَجُوزُ (خِيَارُ) أَيْ شَرْطُهُ فِي الْقِسْمَةِ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ (كَ) خِيَارِ (الْبَيْعِ) الْمُشْتَرَطِ فِيهِ فِي قَدْرِ مُدَّتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ مِنْ عَقَارٍ وَرَقِيقٍ وَبَهِيمٍ وَعَرْضٍ وَفِيمَا يَقْطَعُهُ " ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لَوْ اقْتَسَمَا دَارًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ عُرُوضًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْخِيَارَ أَيَّامًا يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَجَائِزٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَا خِيَارَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ لِمُشْتَرِطِهِ، وَإِذَا بَنَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ هَدَمَ أَوْ سَاوَمَ لِلْبَيْعِ فَذَلِكَ كَالْبَيْعِ.

(وَ) يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَانْقَلَعَتْ (غَرْسُ) شَجَرَةٍ (أُخْرَى) فِي مَكَان شَجَرَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ غَيْرِهِ (إنْ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُك مِنْ أَرْضِ غَيْرِك) بِقَلْعِك أَوْ بِنَحْوِ رِيحٍ وَسَيْلٍ (إنْ لَمْ تَكُنْ) الشَّجَرَةُ الَّتِي أَرَدْت غَرْسَهَا مَكَانَ الْمُنْقَلِعَةِ (أَضَرَّ) مِنْ الْمُنْقَلِعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لَهَا أَوْ خَفِيفَةً عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَضَرَّ بِكَثْرَةِ عُرُوقِهَا فَلَا يَجُوزُ لَك غَرْسُهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الْأَرْضِ.

" ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا انْقَلَعَتْ نَخْلَةٌ لَك فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنْ

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الرِّيحِ أَوْ قَلَعْتهَا أَنْتَ فَلَكَ أَنْ تَغْرِسَ مَكَانَهَا أُخْرَى. ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْ مِنْ سَائِرِ الشَّجَرِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ انْتِشَارًا وَلَا أَكْثَرَ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ النَّخْلَةِ وَلَا يَغْرِسُ مَكَانَهَا نَخْلَتَيْنِ وَانْظُرْ لَوْ احْتَاجَتْ هَذِهِ النَّخْلَةُ لِتَدْعِيمٍ. ابْنُ سِرَاجٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعَمَهَا إلَّا فِي حَرِيمِهَا، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ سَقَطَتْ الشَّجَرَةُ وَنَبَتَتْ فِيهَا خُلُوفٌ، فَالْخُلُوفُ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ. ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إنْ نَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ الشَّجَرَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لِقَدْرِهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الشَّجَرَةُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ يَغْرِسُهَا فِي أَرْضِهِ فَلَهُ قَلْعُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِقِيمَتِهَا حَطَبًا إنْ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ وَإِلَّا فَبِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهَا مُضِرًّا بِأَصْلِ الشَّجَرَةِ كَانَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ قَطْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الَّذِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِ الْعُرُوقَ الْمُتَّصِلَةَ بِالشَّجَرَةِ حَتَّى لَا تَضُرَّ بِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ.

(تَنْبِيهَاتٌ) . الْأَوَّلُ: سَقْيُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي أَرْضِ غَيْرِ مَالِكِهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ وَشَرِبَتْ مِنْ مَاءِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ سَقْيِهَا، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى زَيْتُونَةً عَلَى أَنْ يَقْلَعَهَا فَتَوَانَى فِي قَلْعِهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّمَرَةُ لِمُشْتَرِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ قِيَامِهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ يَسْقِيهَا وَلَمْ يَسْقِهَا الْمَطَرُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ إنْ كَانَ غَائِبًا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عَلَى اخْتِلَافٍ.

الثَّانِي: ابْنُ الْحَاجِّ إنْ اتَّفَقَ الْجِيرَانُ عَلَى مَنْ يَحْرُسُ لَهُمْ جِنَانَهُمْ أَوْ كُرُومَهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ مَعَهُمْ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ فِي الدَّوَرَانِ اتَّفَقَ الْجِيرَانُ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْكَرْمِ أَنَا أَحْرُسُهُ بِنَفْسِي أَوْ يَحْرُسُهُ غُلَامِي أَوْ أَخِي فَلَهُ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أُجْرَةُ إمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا لِكَرَاهَتِهَا وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ، وَيَنْبَغِي فِي أُجْرَةِ إمَامِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَلْزَمَ مَنْ أَبَاهَا لِأَنَّ شُهُودَهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَفَادَهُ الْحَطّ.

ص: 268

كَغَرْسِهِ بِجَانِبِ نَهْرِك الْجَارِي فِي أَرْضِهِ وَحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَمْ تُطْرَحْ عَلَى حَافَّتِهِ، إنْ وَجَدْت سَعَةً

وَجَازَ ارْتِزَاقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَا شَهَادَتُهُ

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَغَرْسِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَشْجَارًا (بِجَانِبِ نَهْرِك الْجَارِي فِي أَرْضِهِ) فَيَجُوز وَلَيْسَ لَك مَنْعُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَضَرَّ بِمَاءِ نَهْرِك، لِهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا لَا يَضُرُّ وَهُوَ مُقْتَضَى تَمَامِ التَّشْبِيهِ.

(وَ) إنْ كَنَسْت نَهْرَك (حُمِلَتْ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ (فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ) أَيْ النَّهْرِ الَّذِي بِأَرْضِ غَيْرِك (عَلَى الْعُرْفِ) الْجَارِي بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ جَرَى بِطَرْحِهَا بِحَافَّتِهِ وَكَانَ بِحَافَّتِهِ شَجَرٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ (لَمْ تَطْرَحْ) أَنْتَ كُنَاسَةَ نَهْرِك (عَلَى حَافَّتِهِ) وَفِي نُسْخَةِ شَجَرِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا " غ "(إنْ وَجَدْت سَعَةً) تَطْرَحُهَا بِهَا. فَإِنْ لَمْ تَجِدْ سَعَةً بَعِيدَةً عَنْ الشَّجَرِ وَوَجَدْت سَعَةً بَيْنَهُ فَاطْرَحْهَا بِهَا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ إنْ كَانَ الْعُرْفُ الطَّرْحَ بِحَافَّتِهِ. " ق " إنْ كَانَ لَك نَهْرٌ مَمَرُّهُ فِي أَرْضِ قَوْمٍ فَلَيْسَ لَك مَنْعُهُمْ أَنْ يَغْرِسُوا بِحَافَّتِهِ شَجَرًا، فَإِذَا كَنَسْت نَهْرَك حُمِلَتْ عَلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الطَّرْحُ بِضِفَّتَيْهِ فَلَا تَطْرَحْهَا عَلَى شَجَرِهِمْ إنْ أَصَبْت دُونَهَا مِنْ ضِفَّتَيْهِ مُتَّسَعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَيْنَ الشَّجَرِ فَإِنْ ضَاقَ عَنْهَا طَرَحْت فَوْقَ شَجَرِهِمْ إنْ كَانَتْ سُنَّةُ بَلَدِهِمْ طَرْحَ طِينِ النَّهْرِ عَلَى حَافَّتِهِ. أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ ذَلِكَ فَعَلَى رَبِّ النَّهْرِ حَمْلُهَا إلَى حَيْثُ تُطْرَحُ.

(وَجَازَ) لِلْقَاسِمِ (ارْتِزَاقُهُ) أَيْ أَخْذُ الْقَاسِمِ أُجْرَةً عَلَى قَسْمِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا جَوَازُ إعْطَاءِ نَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ الْأُجْرَةَ لِلْقَاسِمِ كَالْقَاضِي وَالْعَامِلِ وَالسَّاعِي وَكُلِّ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ (لَا) تَجُوزُ (شَهَادَتُهُ) أَيْ الْقَاسِمِ بِمَا خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ الْقَسْمَ أَوْ مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَثِيقَةُ. " ق " سَمِعَ الْقَرِينَانِ إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي عَدْلًا لِلْقَسْمِ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَضَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ إلَّا بِقَوْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا مَا لَا

ص: 269

وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ، وَالْآخَرُ ثُلُثَهُ

ــ

[منح الجليل]

يُبَاشِرُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ أَنْ نَفَذَ بَيْنَهُمْ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْقَاسِمُ وَلَمْ يُوجَدْ رَسْمُ أَصْلِ الْقِسْمَةِ الَّتِي قَضَى بِهَا، فَقَوْلُ الْقَاسِمِ وَحْدَهُ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ، لَا عِنْدَ غَيْرِهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ عَلَى مَاضِي حُكْمِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقُسَّامِ فِيمَا قَسَمُوا.

ابْنُ عَرَفَةَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَفَسَّرَ بِهِ الْمُدَوَّنَةَ مِنْهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ الْعَاقِدُ وَالْمُحَلَّفُ وَالْكَاتِبُ وَالنَّاظِرُ لِلْعَيْبِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَمَرَهُمْ وَحْدَهُمْ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَعْزُولِ فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقُسَّامِ فِيمَا قَسَمُوهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَائِزَةٌ عِنْدَهُ وَلَوْ بَعْدَ إنْفَاذِ حُكْمِهِ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ وَضَيَاعِ الْمُسْتَنَدِ الَّذِي فِيهِ الْقِسْمَةُ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَمَرَهُمْ لَا وَحْدَهُمْ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) جَازَ لِلْمُشْتَرِكِينَ عَلَى السَّوَاءِ (فِي قَفِيزٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْفَاءِ آخِرُهُ زَايٌ. فِي الْمِصْبَاحِ الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَجَمْعُهُ أَقْفِزَةٌ وَقُفْزَانٌ. ثُمَّ قَالَ وَالْمَكُّوكُ مِكْيَالٌ وَهُوَ ثَلَاثُ كِيلَجَاتٍ، وَالْكِيلَجَةُ سَبْعَةُ أَثْمَانٍ مَنًا، ثُمَّ قَالَ وَالْمَنُّ الَّذِي يُكَالُ بِهِ السَّمْنُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ يُوزَنُ بِهِ رِطْلَانِ وَتَثْنِيَتُهُ مَنَوَانِ وَجَمْعُهُ أَمْنَاءٍ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ. وَفِي لُغَةِ تَمِيمٍ مَنٌّ بِالتَّشْدِيدِ وَجَمْعُهُ أَمْنَانٍ، وَتَثْنِيَتُهُ مَنَّانِ عَلَى لَفْظِهِ مِنْ بُرٍّ مَثَلًا (أَخَذَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْقَفِيزِ (ثُلُثَيْهِ) أَيْ الْقَفِيزِ وَالْآخَرُ ثُلُثَهُ بِقِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّ أَخْذَ الثُّلُثِ أَخْذُ بَعْضِ حَقِّهِ وَوَهَبَ لِشَرِيكِهِ السُّدُسَ تَمَامَ النِّصْفِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ.

" ق " ابْنُ رُشْدٍ الصُّبْرَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قَسْمِهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَعَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْفَضْلُ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَضْلُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَبِالصَّنْجَةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ قَسْمَهُ جُزَافًا بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَحَرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ دَخَلَهُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ.

وَأَمَّا

ص: 270

لَا إنْ زَادَ عَيْنًا، أَوْ كَيْلًا لِدَنَاءَةٍ

وَفِي كَثَلَاثِينَ قَفِيزًا، أَوْ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا: أَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعِشْرِينَ قَفِيزًا إنْ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةً،

ــ

[منح الجليل]

قَسْمُهُ تَحَرِّيًا فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَيَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ. اللَّخْمِيُّ الْفَضْلُ يَجُوزُ فِي الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي قَفِيزِ طَعَامٍ بِالنِّصْفِ فَاقْتَسَمَاهُ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ جَازَ، وَالتَّرَاخِي جَائِزٌ كَمَا جَازَ الْقَرْضُ يَأْخُذُ مِائَةَ دِينَارٍ لِيَرُدَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ، وَفِيهَا لَوْ قَسَمَا مِائَةَ قَفِيزٍ قَمْحًا وَمِائَةً شَعِيرًا فَأَخَذَ هَذَا سِتِّينَ قَمْحًا وَأَرْبَعِينَ شَعِيرًا وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ شَعِيرًا وَأَرْبَعِينَ قَمْحًا، فَذَلِكَ جَائِزٌ. أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزًا فَلِذَلِكَ أَجَازَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَأْتِ أَحَدُهُمَا بِطَعَامٍ وَالْآخَرُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ إلَخْ. وَلَوْ جَعَلَهَا بَيْعًا لَمَنَعَهَا كَمَا قَالَ فِي السَّلَمِ لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مُدَّ قَمْحٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ، وَالْآخَرُ مِثْلَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

(لَا) يَجُوزُ الْقَسْمُ لِمُشْتَرَكٍ رِبَوِيٍّ كَعَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ مُخْتَلِفٍ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ عَلَى أَخْذِ أَحَدِهِمَا الْجَيِّدَ وَالْآخَرِ الرَّدِيءَ (إنْ زَادَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُقْسِمِينَ وَهُوَ آخِذُ الْجَيِّدِ (عَيْنًا) أَيْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لِأَخْذِ الرَّدِيءِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَعْرُوفِ بِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَدَنَانِيرَ عَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَزِيدِيَّةً يَأْخُذُ هَذَا الْمُحَمَّدِيَّةَ وَهَذَا الْيَزِيدِيَّةَ، وَكَإِرْدَبِّ قَمْحٍ جَيِّدٍ وَإِرْدَبِّ قَمْحٍ رَدِيءٍ يَأْخُذُ الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ يَأْخُذُ الرَّدِيءَ، وَيَزِيدُهُ آخِذُ الْجَيِّدِ دِينَارًا (أَوْ) زَادَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ آخِذُ الْجَيِّدِ (كَيْلًا) فِي قِسْمَةِ طَعَامَيْنِ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ (لِدَنَاءَةٍ) فِي قَسْمِ الْمَزِيدِ لَهُ كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ جَيِّدٍ وَإِرْدَبَّيْ قَمْحٍ رَدِيءٍ يَأْخُذُ هَذَا الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ الرَّدِيءَ وَإِرْدَبِّ قَمْحٍ وَإِرْدَبَّيْ شَعِيرٍ. " ق " فِيهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ فِي قِسْمَةِ ثَمَرِ الْحَائِطِ تَفْضِيلٌ فِي الْكَيْلِ لِرَدَاءَةِ حَظِّهِ وَلَا التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ آخِذُ الْجَيِّدِ ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ.

(وَ) جَازَ لِمُشْتَرِكَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ (فِي كَثَلَاثِينَ قَفِيزًا) قَمْحًا مَثَلًا (وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَخْذُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بِالْمُرَاضَاةِ (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعِشْرِينَ قَفِيزًا) وَأَخَذَ الْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ (إنْ اتَّحَدَ الْقَمْحُ صِفَةً) بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ سَمْرَاءَ أَوْ مَحْمُولَةً نَقِيًّا أَوْ غَلْثًا،

ص: 271

وَوَجَبَ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ لِبَيْعٍ؛ إنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَلَى الثُّلُثِ وَإِلَّا نُدِبَتْ

وَجَمْعُ بَزٍّ،

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُ فَلَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، فَيَنْتَقِي الْمَعْرُوفَ؛ وَلِأَنَّ عُدُولَهُمَا عَنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ أَخْذُ كُلِّ حِصَّتِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالْأَقْفِزَةِ إلَى غَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِغَرَضٍ وَهُوَ هُنَا الْمُكَايَسَةُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ أَيْضًا، لَكِنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا. " ق " الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ قَسَمَا ثَلَاثِينَ قَفِيزًا مِنْ الْقَمْحِ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَأَخَذَ وَاحِدٌ الدَّرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ عِشْرِينَ قَفِيزًا جَازَ إنْ تَسَاوَى الْقَمْحُ فِي النَّفَاقِ وَالْجَوْدَةِ وَالْجِنْسِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَأْتِ أَحَدُهُمَا فِيهِ بِطَعَامٍ وَأَتَى الْآخَرُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ فَيَكُونُ فَاسِدًا.

(وَ) مَنْ أَرَادَ بَيْعَ قَمْحٍ مَثَلًا مَغْلُوثٍ بِنَحْوِ تِينٍ وَطِينٍ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ وُجُوبًا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ (غَرْبَلَةُ) كَ (قَمْحٍ لِ) إرَادَةِ (بَيْعٍ) لَهُ (إنْ زَادَ غَلَّتُهُ عَلَى الثُّلُثِ) لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ غَرْبَلَتِهِ غَرَرٌ وَخَطَرٌ لِجَهْلِ قَدْرِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ غَلْثُهُ عَلَى ثُلُثِهِ بِأَنْ كَانَ ثُلُثَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ (نُدِبَتْ) غَرْبَلَتُهُ، فَلَوْ قَالَ حَبٌّ بَدَلَ قَمْحٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ الْقَمْحَ وَغَيْرَهُ، وَمَفْهُومُ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ غَرْبَلَتُهُ لِإِرَادَةِ قِسْمَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهَا يُغَرْبَلُ الْقَمْحُ الْمَبِيعُ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَعَامٌ مَغْلُوثٌ وَهُوَ صُبْرَةٌ وَاحِدَةٌ جَازَ أَنْ يَقْسِمَاهُ. الْمُتَيْطِيُّ أَمَّا غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ مِنْ التِّبْنِ وَالْغَلْثِ فَذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَاجِبٌ إنْ كَانَ التِّبْنُ وَالْغَلْثُ فِيهِ كَثِيرًا يَقَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ بَيْعَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَتُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ التِّبْنُ وَالْغَلْثُ فِيهِ يَسِيرًا وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ لَا بَيْعٌ. وَفِي نُسْخَةٍ كَبَيْعٍ بِكَافِ التَّشْبِيهِ، وَهَذِهِ تُفِيدُ وُجُوبَ الْغَرْبَلَةِ بِشَرْطِهَا فِي الْقِسْمَةِ أَيْضًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ. أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ نَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَلْثُ كَثِيرًا، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ مَعْنَاهُ فِي الْخَفِيفِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَ) جَازَ (جَمْعُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بَزٍّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الزَّايِ، أَيْ ثِيَابٍ فِي

ص: 272

وَلَوْ كَصُوفٍ، وَحَرِيرٍ

لَا كَبَعْلٍ، وَذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرْبٍ

وَثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إنْ لَمْ يَجُذَّاهُ:

ــ

[منح الجليل]

فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَتْ مِنْ أَصْنَافٍ (صُوفٍ وَحَرِيرٍ) وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَأَيْت مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ثِيَابَ حَرِيرٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَجِبَابًا وَأَكْسِيَةً أَيُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ أَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقَسْمِ كَنَوْعٍ وَاحِدٍ، قَالَ أَرَى أَنْ يُجْمَعَ الْبَزُّ كُلُّهُ فِي الْقِسْمَةِ فَيُجْعَلَ نَوْعًا وَاحِدًا فَيُقْسَمَ عَلَى الْقِيمَةِ مِثْلُ الرَّقِيقِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْهَرِمَةُ وَالْجَارِيَةُ الْفَارِهَةُ وَثَمَنُهُمْ مُتَفَاوِتٌ بِمَنْزِلَةِ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَشَدَّ، فَالْبَزُّ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَكَذَلِكَ تُقْسَمُ الْإِبِلُ وَفِيهَا أَصْنَافٌ، وَالْبَقَرُ وَفِيهَا أَصْنَافٌ، فَتُجْمَعُ كُلُّهَا فِي الْقَسْمِ عَلَى الْقِيمَةِ. عِيَاضٌ الْبَزُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ عَلَى كُلِّ مَا يُلْبَسُ كَانَ صُوفًا أَوْ خَزًّا أَوْ كَتَّانًا أَوْ قُطْنًا أَوْ حَرِيرًا مَخِيطًا أَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ.

(لَا) يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ (كَبَعْلٍ) أَيْ أَرْضٍ يَشْرَبُ زَرْعُهَا بِعُرُوقِهِ مِنْ نَدَوَاتِهَا فَيَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ (وَ) أَرْضٍ (ذَاتِ) أَيْ صَاحِبَةِ (بِئْرٍ) يُسْقَى زَرْعُهَا بِمَائِهِ (أَوْ) ذَاتِ (غَرْبٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ دَلْوٍ كَبِيرٍ يُنْزَعُ بِهِ الْمَاءُ مِنْ الْبِئْرِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ لِأَنَّ زَكَاةَ زَرْعِ الْبَعْلِ الْعُشْرُ وَزَكَاةَ زَرْعِ ذَاتِ الْبِئْرِ أَوْ الْغَرْبِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ بَعْلًا وَسَيْحًا لَكَانَ أَحْسَنَ. " ق " فِي الْمُوَطَّإِ يَجُوزُ قَسْمُ الْبَعْلِ مَعَ مَا يُسْقَى سَيْحًا دُونَ نَضْحٍ. الْبَاجِيَّ هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا يُزَكَّيَانِ بِالْعُشْرِ. ابْنُ زَرْقُونٍ لَا يُجْمَعُ الْبَعْلُ مَعَ النَّضْحِ وَلَا مَعَ السَّيْحِ اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فِي قَسْمِهِ تَحَرِّيًا.

(وَلَا) يَجُوزُ قَسْمُ (ثَمَرٍ) عَلَى شَجَرِهِ (وَزَرْعٍ) قَائِمٍ بِأَرْضِهِ بِالتَّحَرِّي (إنْ لَمْ يَجُذَّاهُ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُتَقَاسِمَانِ عَلَى جَذِّ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ عَقِبَ قَسْمِهِ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى إبْقَائِهِ إلَى انْتِهَاءِ طِيبِهِ أَوْ أَطْلَقَا، فَإِنْ دَخَلَا عَلَى جَذِّهِ عَقِبَهُ جَازَ. " غ " أَشَارَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ إلَى قَوْلِهَا

ص: 273

كَقَسْمِهِ بِأَصْلِهِ، أَوْ قَتًّا أَوْ زَرْعًا

ــ

[منح الجليل]

لَا بَأْسَ بِقِسْمَةِ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا إذَا اجْتَهَدَا حَتَّى يَخْرُجَا مِنْ وَجْهِ الْخِطَارِ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ، وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ وَفَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ فَضْلُهُ جَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بَلَحُ نَخْلَةٍ بِبَلَحِ نَخْلَتَيْنِ، عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا، وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهَا قَبْلَهُ لَا بَأْسَ بِقِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَحْصُدَاهُ مَكَانَهُمَا إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي قَسْمِهِ تَحَرِّيًا، وَكَذَلِكَ الْقَضْبُ وَالتِّبْنُ، فَإِنْ تَرَكَا الزَّرْعَ حَتَّى صَارَ حَبًّا انْتَقَضَ قَسْمُهُ وَقُسِمَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَيْلًا.

وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَقَسْمِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ (بِأَصْلِهِ) أَيْ مَعَ شَجَرِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ وَشَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ بِمِثْلِهِمَا (أَوْ) قَسْمُ الزَّرْعِ (قَتًّا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ جَزْمًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مُمَاثَلَتِهَا (أَوْ) قَسْمُهُ (ذَرْعًا) أَيْ بِالذِّرَاعِ وَالْقَصَبَةِ وَالْفَدَّانِ فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا وَفِيهَا ثَمَرٌ فَلَا يَقْسِمُونَ الثِّمَارَ مَعَ الْأَصْلِ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ طَلْعًا أَوْ بَلَحًا إلَّا أَنْ يَجُذُّوهُ مَكَانَهُ. الْبَاجِيَّ مَنَعَ قَسْمَهَا مَعَ الطَّلْعِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا دُونَ الطَّلْعِ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ طَلْعًا أَوْ بَلَحًا حُلْوًا فَيَجُوزُ قَسْمُهُ مَعَ النَّخْلِ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ لَا يُقْسَمُ مَعَ الْأَرْضِ، وَلَكِنْ تُقْسَمُ الْأَرْضُ وَالْأُصُولُ وَتُتْرَكُ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ فَيَقْسِمُونَهُ حِينَئِذٍ أَوْ يَبِيعُونَهُ، وَيَقْسِمُونَ ثَمَنَهُ وَلَا يُقْسَمُ الزَّرْعُ فَدَادِينَ وَلَا مُزَارَعَةً وَلَا قَتًّا.

الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأُصُولَ الَّتِي لَمْ يُؤَبَّرْ ثَمَرُهَا لَا يَجُوزُ قَسْمُهَا لَا وَحْدَهَا وَلَا مَعَ ثَمَرِهَا لِأَنَّ قَسْمَهَا وَحْدَهَا فِيهِ اسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ وَقَسْمُهَا مَعَ ثَمَرِهَا فِيهِ طَعَامٌ وَعَرْضٌ بِطَعَامٍ وَعَرْضٍ، وَجَعَلَ الثَّمَرَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ طَعَامًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ. ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ مُسْتَكِنٌّ أَوْ فِي الْأُصُولِ ثَمَرَةٌ غَيْرُ مَأْبُورَةٍ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ وَالْأُصُولِ بِحَالٍ حَتَّى تُؤَبَّرَ الثَّمَرَةُ وَيَظْهَرَ الزَّرْعُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

اسْتِثْنَاؤُهُ، حَكَى هَذَا سَحْنُونٌ فِي الثَّمَرِ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَهُوَ بَيِّنٌ صَحِيحٌ عَلَى أُصُولِهِمْ وَالزَّرْعُ عِنْدِي مِثْلُهُ.

" غ " وَأَمَّا الْكَتَّانُ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ لَا يَعْتَدِلُ قَسْمُ الْكَتَّانِ قَتًّا وَزَرِيعَتُهُ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ زَوَالِهَا حَتَّى يُدَقَّ فَيُقْسَمَ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ. وَزَادَ وَفِي كَوْنِ الْقُطْنِ قَبْلَ زَوَالِ حَبِّهِ كَذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَحْوَطُ مَنْعُهُ وَفِي النَّوَادِرِ أَيْضًا ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ قَسْمُ الْكَتَّانِ قَائِمًا لَمْ يُجْمَعْ وَحُزَمًا قَدْ جُمِعَ قَبْلَ إدْخَالِهِ الْمَاءَ وَبَعْدَ إخْرَاجِهِ وَقَبْلَ نَفْضِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّحَرِّي أَوْ الرِّضَا بِالتَّفْضِيلِ. اللَّخْمِيُّ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ كُلُّ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهِ فِي شَجَرِهِ عَلَى التَّحَرِّي رَطْبًا وَيَابِسًا أَوْ بِالْأَرْضِ مُصَبَّرًا مِثْلُ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَثَمَرِ الْبَحَائِرِ وَالْكَتَّانِ وَالْخَبْطِ وَالنَّوَى وَالتِّبْنِ تَحَرِّيًا، وَإِنْ كَانَ الْكَتَّانُ أَوْ الْحِنَّاءُ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ أَوْ بَعْدَ مَا جُمِعَ. طفي وَثَمَرٌ وَزَرْعُ الثَّمَرِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الثِّمَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَحَمَلَهُ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى قَسْمِهِ قَبْلَ طِيبِهِ فِي الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُعِينِ، فَإِنْ اقْتَسَمَا الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ فَدَادِينَ عَلَى التَّحَرِّي، أَوْ اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ قَبْلَ طِيبِهَا فَذَلِكَ لَهُمَا إذَا حَصَدَا وَجَذَّا ذَلِكَ مَكَانَهُمَا. وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّأْخِيرِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَمَنْ أَرَادَ التَّبْقِيَةَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ لَهُ الْآخَرُ عَلَيْهَا. اهـ.

وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِقَسْمِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ فِي قَسْمِهِ تَحَرِّيًا، وَكَذَلِكَ الْقَضْبُ وَالتِّبْنُ ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِقَسْمِ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا إذَا اجْتَهَدُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ وَجْهِ الْخِطَارِ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ، وَفَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ فَضْلُهُ جَازَ كَمَا يَجُوزُ فِيهِ بَلَحُ نَخْلَةٍ بِبَلَحِ نَخْلَتَيْنِ عَلَى أَنْ يَجُذَّاهُ مَكَانَهُمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ وَلَك أَنْ تُعَمِّمَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الثَّمَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ طِيبِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْفَوَاكِهِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَيَجُوزُ قَسْمُهَا جَمِيعُهَا بَعْدَ طِيبِهَا بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجُذَّا مَكَانَهُمَا، فَفِيهَا لَا يُعْجِبُنِي قَسْمُ الْبَقْلِ بِالْخَرْصِ لِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَرِهَهُ فِي الثِّمَارِ، وَالْبَقْلُ أَبْعَدُ فِي الْخَرْصِ مِنْهَا فَأَكْرَهُ قَسْمَهُ بِهِ.

ص: 275

أَوْ فِيهِ فَسَادٌ: كَيَاقُوتَةٍ، أَوْ كَجَفِيرٍ

ــ

[منح الجليل]

وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْسَمُ بِهِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ، فَقَالَ عِيَاضٌ قَوْلُهُ فِي الْبَقْلِ لَا يُعْجِبُنِي بِالْخَرْصِ، ثُمَّ ذَكَرَ قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَنْعِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، ثُمَّ قَالَ وَالْبَقْلُ أَبْعَدُ مِنْ الثِّمَارِ، فَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهَا فَحَمَلَهَا سَحْنُونٌ عَلَى الْمَنْعِ جُمْلَةً، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَقَالَ إنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ عَلَى التَّأْخِيرِ. وَأَمَّا عَلَى الْجَذِّ فَتَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.

وَهَذَا دَلِيلُ الْكِتَابِ بَعْدُ عِنْدَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْخَرْصِ عَلَى الْجُذَاذِ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَلَحِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي فَدَّانَيْ كُرَّاثٍ بِفَدَّانِ كُرَّاثٍ أَوْ سَرِيسٍ أَوْ سَلْقٍ، قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا عَلَى الْجَزِّ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ الْبَقْلُ عِنْدِي كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَزِّ. اهـ. وَكَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَقْلِ لَكِنْ يُؤْخَذُ الْعُمُومُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ وَلَوْ بَعْدَ طِيبِهَا مَا عَدَا مَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي مَنَعَ مَالِكٌ الْخَرْصَ فِيهَا بَعْدَ الطِّيبِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّأْخِيرِ غَيْرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَسْمُ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى أَنْ يُحْصَدَ مِنْهُمَا مَكَانَهُ جَائِزٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قِسْمَةِ الْبَقْلِ الْقَائِمِ بِالْخَرْصِ وَالثَّمَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَقْلِ وَالثِّمَارِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْفَضْلُ وَالزَّرْعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْعِلَّةِ، وَهُوَ جَوَازُ الْفَضْلِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَقْلِ غَيْرُ مَا يَحْرُمُ الْفَضْل فِيهِ كَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَضْلُ بَيْنَ طِيبِهِ وَعَدَمِهِ حَيْثُ دَخَلَا عَلَى جَزِّهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(أَوْ) قَسْمٌ (فِيهِ فَسَادٌ) لِلْمَقْسُومِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ (كَيَاقُوتَةٍ أَوْ كَجَفِيرٍ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِجِيمٍ وَفَاءٍ عَقِبَهَا تَحْتِيَّةٌ وَرَاءٌ، وَفِي بَعْضٍ كَخُفَّيْنِ مُثَنَّى خُفٍّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَهُوَ مَنْعُ قِسْمَةِ مَا يَفْسُدُ بِهَا لَا بِالْقُرْعَةِ وَلَا بِالْمُرَاضَاةِ، كَلُؤْلُؤَةٍ وَفَصٍّ وَخَاتَمٍ وَجَفِيرِ سَيْفٍ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ مِنْ إشْكَالٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنَّ الْمَنْفِيَّ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فَيُفْهَمُ أَنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ جَائِزَةٌ فِي الْيَاقُوتَةِ وَالْجَفِيرِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَسْمَ اللُّؤْلُؤَةِ وَالْفَصِّ وَالْخَاتَمِ وَالْيَاقُوتَةِ لَا يَجُوزُ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا بِالْقُرْعَةِ. وَإِمَّا أَنْ

ص: 276

أَوْ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ: كَبَقْلٍ

ــ

[منح الجليل]

يَكُونَ الْمَنْفِيُّ الْقِسْمَةَ مُطْلَقًا فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ قَسْمُهُمَا بِالْمُرَاضَاةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ قَسْمُ الْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ وَالْبَابِ وَالثَّوْبِ الْمُلَفَّقِ مِنْ قِطْعَتَيْنِ وَالرَّحَى بِالْمُرَاضَاةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. أَبُو الْحَسَنِ فِي قَسْمِ الرَّحَى بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا حَجَرًا وَهَذَا حَجَرًا. قُلْت مِثْلُهُ الْكِتَابُ مِنْ سِفْرَيْنِ أَوْ أَسْفَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالسِّوَارَانِ وَالْقُرْطَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِ الْمُزْدَوِجَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَمَا لَهُ أَخٌ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَمَا هُوَ زَوْجٌ لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ كَالْخُفَّيْنِ وَالْبَابَيْنِ وَالْغِرَارَتَيْنِ فَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فِيهَا قَالَ الْإِمَام مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْجِذْعِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَأَبَاهَا صَاحِبُهُ لَا يُقْسَمُ. أَشْهَبُ إنَّمَا الْقَسْمُ فِي غَيْرِ الرُّبَاعِ وَالْأَرَضِينَ فِيمَا لَا يُحَالُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يَحْدُثُ بِقَسْمِهِ قَطْعٌ وَلَا زِيَادَةُ دَرَاهِمَ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُقْسَمُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخُفَّانِ وَالنَّعْلَانِ وَالْجَلُّ وَالْخُرْجُ لَا يُقْسَمُ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْفَصُّ وَالْيَاقُوتَةُ وَاللُّؤْلُؤَةُ وَالْخَاتَمُ، هَذَا كُلُّهُ لَا يُقْسَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الذَّخِيرَةِ قَاعِدَةٌ يَمْتَنِعُ الْقَسْمُ تَارَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْغَرَرِ كَقِسْمَةِ الْمُخْتَلِفَاتِ بِالْقُرْعَةِ أَوْ لِلرِّبَا كَقَسْمِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ إلَى طِيبِهَا لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرِ مَعْلُومَيْ التَّمَاثُلِ أَوْ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ كَقَسْمِ يَاقُوتَةٍ، وَتَارَةٍ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَسْمِ دَارٍ صَغِيرَةٍ وَحَمَّامٍ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي إذْ لِلْآدَمِيِّ إسْقَاطُ حَقِّهِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ.

(أَوْ قَسْمُ) ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ (فِي أَصْلِهِ) أَيْ الشَّجَرِ (بِالْخَرْصِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ آخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ الْحَزْرُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ، وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَ) قَسْمِ (بَقْلٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ بِالْخَرْصِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا وَرِثَ قَوْمٌ بَقْلًا قَائِمًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بِالْخَرْصِ وَلْيَبِيعُوهُ وَيَقْتَسِمُوا ثَمَنَهُ لِأَنَّ مَالِكًا

ص: 277

إلَّا التَّمْرَ أَوْ الْعِنَبَ

إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ، وَإِنْ بِكَثْرَةِ أَكْلٍ

ــ

[منح الجليل]

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَرِهَ قَسْمَ مَا فِيهِ تَفَاضُلٌ مِنْ الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ فَكَذَلِكَ الْبَقْلُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَرِ فِي أَصْلِهِ فَقَالَ (إلَّا التَّمْرَ) بِالْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، أَيْ الْبَلَحِ الَّذِي قَدْ يَئُولَ إلَى كَوْنِهِ تَمْرًا (وَالْعِنَبَ) فَيَجُوزُ قَسْمُهُمَا فِي أَصْلِهِمَا بِالْخَرْصِ لِسُهُولَةِ خَرْصِهِمَا وَخِفَّةِ غَرَرِهِ لِظُهُورِهِمَا وَعَدَمِ اسْتِتَارِهِمَا، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَّا ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُ إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَاحْتَاجَ أَهْلُهُ إلَى قَسْمِهِ، فَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَاحِدَةً مِثْلَ أَنْ يُرِيدُوا كُلُّهُمْ أَكْلَهُ أَوْ بَيْعَهُ رُطَبًا فَلَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَاحِدَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَهُمْ فَلَا يَقْسِمُونَهُ إلَّا كَيْلًا. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا غَيْرَ النَّخْلِ فَلَا يَقْسِمُونَ مَا عَلَى رُءُوسِهَا إذَا طَابَ بِالْخَرْصِ وَالْفَوَاكِهِ مِنْ الرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْفِرْسِكِ. وَمَا أَشْبَهَهُ لَا تُقْسَمُ بِالْخَرْصِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ إنْ اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ إلَيْهِ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبِيعَ وَآخَرُ أَنْ يُتَمِّرَ وَآخَرُ أَنْ يَأْكُلَ رُطَبًا وَحَلَّ بَيْعُهُ إذَا وَجَدُوا عَالِمًا بِالْخَرْصِ. ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَطِبْ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبُ فَلَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ وَيَجُذُّونَهُ إنْ أَرَادُوا قَسْمَهُ ثُمَّ يَقْسِمُونَهُ كَيْلًا وَسَاوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ بَيْنَ ثِمَارِ الْعِنَبِ وَالتِّينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَإِلَى هَذَا السَّمَاعِ أَشَارَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَالِكًا أَرْخَصَ فِي قَسْمِ الْفَوَاكِهِ بِالْخَرْصِ، وَهَذَا السَّمَاعُ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ فِي الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَيَجُوزُ قَسْمُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ (إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ) بِأَنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ تَتْمِيرَهُ وَبَعْضُهُمْ أَكْلَهُ رُطَبًا وَبَعْضُهُمْ بَيْعَهُ وَبَعْضُهُمْ إهْدَاءَهُ، فَهَذَانِ شَرْطَانِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاخْتِلَافُهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ أَوْ اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمْ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالْخَرْصِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِمَا مَرَّ جَازَ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ اخْتِلَافُهَا (بِكَثْرَةِ آكِلٍ) وَقِلَّتِهِ بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَوْ بِقَصْرِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَاسْتَظْهَرَ الْبِسَاطِيُّ الْأَوَّلَ. اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَ حَاجَتُهُمَا لِفَضْلِ عِيَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى عِيَالِ الْآخَرِ جَازَ أَنْ يَقْتَسِمَا بِالْخَرْصِ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمَا عِيَالًا.

ص: 278

وَقَلَّ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَاتَّحَدَ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ: لَا تَمْرٍ، وَقُسِمَ بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي، كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ،

ــ

[منح الجليل]

(وَ) إذَا (قَلَّ) الثَّمَرُ الْمَقْسُومُ بِالْخَرْصِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَرَاهَةِ الْخَرْصِ فِي الْكَثِيرِ رِوَايَتَا الْبَاجِيَّ، وَظَاهِرُهَا (وَ) إذَا (حَلَّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً، أَيْ جَازَ (بَيْعُهُ) أَيْ الثَّمَرِ بِطِيبِهِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِ فِيهَا لَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ إلَّا إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ (وَ) إذَا (اتَّحَدَ) طَوْرُ الْمَقْسُومِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ (مِنْ بُسْرٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (أَوْ رُطَبٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ. أَشْهَبُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بُسْرٌ وَرُطَبٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا الْبُسْرَ وَالْآخَرِ الرُّطَبَ بِالْخَرْصِ وَلْيَقْتَسِمُوا كُلًّا مِنْهُمَا بِهِ، وَهَذَانِ شَرْطَانِ اتِّحَادُ الطَّوْرِ وَكَوْنُهُ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ.

وَصَرَّحَ بِمَفْهُومٍ ثَانِيهَا فَقَالَ (لَا) يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ مَا اتَّحَدَ مِنْ (تَمْرٍ) بِالْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ وَعَجْوَةٍ (وَقُسِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ (بِالْقُرْعَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ (بِالتَّحَرِّي) أَيْ الْحَزْرِ. الْبَاجِيَّ هَذِهِ الْقِسْمَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَلِأَنَّ الْمُرَاضَاةَ بَيْعٌ مَحْضٌ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَطْعُومِ إلَّا بِقَبْضٍ نَاجِزٍ. وَشَرْطُ هَذَا الْقَسْمِ تَسَاوِي الْكَيْلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَفْضَلَ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، وَيُجْمَعُ عَلَى التَّسَاوِي. اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُفَضَّلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ فَيَأْخُذَ مَا خَرْصُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ وَالْآخَرُ مَا خَرْصُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ إلَّا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ أَدْنَى. الْبَاجِيَّ فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمْ قُسِمَ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَنْ يُحِبَّا الْمُقَاوَاةَ.

وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ قَسْمِ الثَّمَرِ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ فَقَالَ (كَ) قَسْمِ (الْبَلَحِ الْكَبِيرِ) فِيهَا يَجُوزُ قَسْمُ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ وَهُوَ كَالْبُسْرِ فِي حُرْمَةِ الْفَضْلِ، وَمَنْ عَرَفَ حَظَّهُ فَهُوَ قَبْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجُذَّهُ، وَإِنْ جَذَّهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ حَتَّى يُزْهِيَ، فَإِنْ أَزْهَى بَطَلَ قَسْمُهُ وَنَاقَضَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ قَوْلِهَا إذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا وَإِجَازَتِهَا قَسْمَ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ. الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا شَرَطُوا الطِّيبَ هُنَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ الْقَسْمِ

ص: 279

وَسَقَى ذُو الْأَصْلِ: كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ، حَتَّى يُسَلِّمَ، أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ،

ــ

[منح الجليل]

إلَى أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا وَلَا يَبْطُلُ الْقَسْمُ، بِخِلَافِ الْبَلَحِ، فَإِنَّهُ إذَا تُرِكَ حَتَّى أَزْهَى بَطَلَ الْقَسْمُ. أَبُو الْحَسَنِ مَنْ دُعِيَ إلَى قَسْمِ الْمُزْهِيَةِ بِالْخَرْصِ فَذَلِكَ لَهُ، وَمَنْ دُعِيَ إلَى قَسْمِ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ لَا يُجَابُ وَلَا يَقْسِمُ بِالْخَرْصِ إلَّا مُرَاضَاةً وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُزْهِيَةً فَالدَّاعِي مِنْهُمَا إلَى بَقَاءِ الثَّمَرَةِ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَسْمُ، وَإِنْ كَانَتْ بَلَحًا فَلَا يَقْدِرُ الَّذِي أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى مَا أَرَادَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا إلَى الطِّيبِ يُفْسِدُ الْقَسْمَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ. اهـ.

(وَ) إذَا قُسِمَتْ الثَّمَرَةُ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ ثُمَّ قُسِمَتْ الْأُصُولُ فَوَقَعَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي أَصْلِ الْآخَرِ (سَقَى ذُو) أَيْ صَاحِبُ (الْأَصْلِ) أَصْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَتُهُ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ السَّقْيِ فَقَالَ (كَ) سَقْيِ (بَائِعِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (الْمُسْتَثْنِي) بِكَسْرِ النُّونِ، أَيْ الْمُشْتَرِطِ (ثَمَرَتَهُ) أَيْ الْأَصْلِ الْمَبِيعِ فَسَقْيُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجُذَّ ثَمَرَتَهُ وَيُسَلِّمَهُ لِمُشْتَرِيهِ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ كَمَا وَصَفْنَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْأُصُولِ كَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقْيُ نَخْلَةٍ، وَإِنْ كَانَ ثَمَرُهَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ سَقْيُهُ إذَا بَاعَ ثَمَرَتَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ السَّقْيُ هَاهُنَا عَلَى رَبِّ الثَّمَرَةِ لِأَنَّ الْقَسْمَ تَمْيِيزُ حَقٍّ. ابْنُ يُونُسَ مَا قَالَ سَحْنُونٌ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَمَّا مَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطٍ دُونَ ثَمَرَتِهِ فَالسَّقْيُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يُسَلِّمُ لَهُ الْأَصْلَ حَتَّى يَجُذَّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهُ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وَعَطَفَ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَقَالَ (أَوْ فِيهِ) أَيْ الْقَسْمِ (تَرَاجُعٌ) أَيْ رُجُوعُ أَحَدِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بِمَالٍ عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ تَسَاوِي الْقِسْمَيْنِ فِي الْقِيمَةِ، كَدَارَيْنِ قِيمَةُ إحْدَاهُمَا مِائَةٌ وَالْأُخْرَى خَمْسُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ لَهُ ذَاتُ الْمِائَةِ يَدْفَعُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لِمَنْ صَارَتْ لَهُ ذَاتُ الْخَمْسِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يَدْرِي كُلٌّ مِنْهُمَا حِينَ الْقَسْمِ هَلْ يَرْجِعُ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ. وَأَمَّا فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي فَيَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ وَيَمْتَنِعُ بِالْقُرْعَةِ فِي كُلِّ حَالٍ

ص: 280

إلَّا أَنْ يَقِلَّ

أَوْ لَبَنٌ فِي ضُرُوعٍ، إلَّا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ

أَوْ قَسَمُوا بِلَا مَخْرَجٍ مُطْلَقًا

ــ

[منح الجليل]

إلَّا أَنْ يَقِلَّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مَا يَرْجِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيُغْتَفَرُ، وَيَجُوزُ الْقَسْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ. اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَتَّفِقُ فِي الْغَالِبِ كَوْنُ قِيمَتَيْ الدَّارَيْنِ سَوَاءً، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتَا الدَّارَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ مِثْلُ كَوْنِ قِيمَةِ إحْدَاهُمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَرِعَا عَلَى أَنَّ مَنْ تَصِيرُ لَهُ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ يُعْطِي صَاحِبَهُ خَمْسَةً، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَانْظُرْهُ، وَنَصُّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ مَنْعُ التَّعْدِيلِ فِي قَسْمِ الْقُرْعَةِ بِالْعَيْنِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ قَسْمِ الدُّورِ اسْتِقْلَالُ شَرِيكٍ بِدَارٍ كَامِلَةٍ. وَفِي الرِّسَالَةِ وَقَسْمُ الْقُرْعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ تَرَاجُعٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَسْمُ إلَّا بِتَرَاضٍ. عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ بِزِيَادَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَقْسُومِ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ بِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(أَوْ قَسْمُ لَبَنٍ) لِنَعَمٍ وَهُوَ (فِي ضُرُوعٍ) بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً يَحْلِبُهَا وَالْآخَرُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً يَحْلُبُهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ) بِكَسْرِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ ظَاهِرٍ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، كَأَخْذِ أَحَدِهِمَا شَاةً وَالْآخَرِ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ قَسْمُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ. وَأَمَّا إنْ فَضَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَكَانَ إذَا هَلَكَ مَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْغَنَمِ يَرْجِعُ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا تَرَكَ لِلْآخَرِ فَضْلًا بِغَيْرِ مَعْنَى الْقَسْمِ.

(أَوْ قَسَمُوا دَارًا) مَثَلًا عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ (بِلَا مَخْرَجٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ بَابٍ يُخْرَجُ مِنْهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْبَابِ الَّذِي فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ فَتْحُ بَابٍ آخَرَ يُخْرَجُ مِنْهُ لِإِحَاطَةِ أَمْلَاكِ النَّاسِ بِهَا فَلَا يَجُوزُ (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا إضَاعَةُ مَالٍ فِيهَا، وَإِنْ اقْتَسَمَا دَارًا أَيْ بِتَرَاضٍ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا

ص: 281

وَصَحَّتْ إنْ سَكَتَا عَنْهُ، وَلِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ.

وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ

ــ

[منح الجليل]

دُبُرَهَا وَالْآخَرُ مُقَدَّمَهَا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِصَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ عَلَى الْخَارِجِ جَازَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَرَضِيَاهُ إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَابُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْغُرَفَ عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي السُّفْلِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ اقْتَسَمَا أَرْضًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ لَا يَجِدُ طَرِيقًا إلَّا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَسْمِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَصَحَّتْ) الْقِسْمَةُ لِمَا لَهُ مَخْرَجٌ وَاحِدٌ وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ (إنْ سُكِتَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (عَنْهُ) أَيْ الْمَخْرَجِ حَالَ الْقَسْمِ بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا وَوَقَعَ الْمَخْرَجُ فِي قَسْمِ أَحَدِهِمْ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ وَحْدَهُ (وَلِشَرِيكِهِ) أَيْ مَنْ وَقَعَ الْمَخْرَجُ فِي نَصِيبِهِ (الِانْتِفَاعُ) بِالْمُرُورِ مِنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فِيهَا إنْ اقْتَسَمُوا الْبِنَاءَ ثُمَّ اقْتَسَمُوا السَّاحَةَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الطَّرِيقَ فَوَقَعَ بَابُ الدَّارِ فِي حَظِّ أَحَدِهِمْ وَرَضِيَ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي أَصْلِ الْقَسْمِ أَنَّ طَرِيقَ كُلِّ حِصَّةٍ وَمَدْخَلَهَا فِيهَا خَاصَّةً، فَإِنَّ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهَا وَمِلْكُ بَابِ الدَّارِ لِمَنْ وَقَعَ فِي حَظِّهِ وَلِبَاقِيهِمْ فِيهِ الْمَمَرُّ.

(وَ) إنْ اشْتَرَكُوا فِي الْمَاءِ وَمَجْرَاهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ قَسْمَ مَجْرَاهُ وَأَبَاهُ الْآخَرُ فَ (لَا يُجْبَرُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْآبِي (عَلَى قَسْمِ مَجْرَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، أَيْ مَحَلِّ جَرَيَانِ (الْمَاءِ) لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ مَجْرَاهُ لَا يَسْتَوِي جَرْيُهُ فِيهِ، بَلْ قَدْ يَجْرِي فِي بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ جَرَيَانِهِ فِي غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ غَبْنُ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ، فَلَا يُقْسَمُ أَصْلُ الْعَيْنِ وَالْآبَارِ، وَلَكِنْ يُقْسَمُ شِرْبُهَا بِالْقِلْدِ وَلَا يُقْسَمُ مَجْرَى الْمَاءِ، وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا أَجَازَهُ وَإِنْ وَرِثُوا قَرْيَةً عَلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَهَا مَاءٌ وَمَجْرَى مَاءٍ وَرِثُوا أَرْضَهَا وَمَاءَهَا وَشِرْبَهَا وَشَجَرَهَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ.

أَبُو الْحَسَنِ أَطْلَقَ الْمَجْرَى هُنَا عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يُرِدْ مَوْضِعَهُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ. اهـ. ابْنُ نَاجِي أَطْلَقَ الْمَجْرَى هُنَا عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي، وَإِنَّمَا مُنِعَ قَسْمُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ وَالضَّرَرِ لِأَنَّهُ

ص: 282

وَقُسِمَ بِالْقِلْدِ:

ــ

[منح الجليل]

لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحَاجِزٍ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ أَمَّا فِي أَصْلِ الْعَيْنِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ الْمَاءِ أَوْ غَوْرِهِ إنْ صَادَفَ الْحَاجِزُ الْيَنْبُوعَ. وَأَمَّا فِي مَحَلِّ جَرْيِهِ وَهُوَ لَا يَضْبِطُ الْأَنْصِبَاءَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَمِيلُ بِهِ إلَى إحْدَى الْجِهَتَيْنِ. الْبِسَاطِيُّ أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ جَرْيِ الْمَاءِ إذْ الْمَاءُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي جَرْيِهِ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الرِّيحِ مَا يَمِيلُ بِهِ عَمَّا كَانَ مَائِلًا عَنْهُ وَمَفْهُومُ عَدَمِ الْجَبْرِ جَوَازُهُ بِالتَّرَاضِي.

(وَقُسِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَاءُ الْمُشْتَرَكُ (بِالْقِلْدِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَدَالٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ الْقِدَرُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً الْمَثْقُوبَةُ مِنْ أَسْفَلِهَا الْمُتَعَلِّقَةُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمَاءُ الَّذِي فِيهَا، وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الْمَجْعُولُ فِيهَا، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً، وَقَدْ يَتَجَوَّزُ بِهِ إلَى آلَةِ إيصَالِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ لِعَلَاقَةِ الْخَاصِّيَّةِ. ابْنُ حَبِيبٍ تَفْسِيرُ قِسْمَةِ الْمَاءِ بِالْقِلْدِ إنْ تَحَاكَمُوا فِيهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَسْمِهِ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ مَأْمُونَيْنِ أَوْ يَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الرِّضَا بِهِمَا فَيَأْخُذَانِ قِدْرًا مِنْ فَخَّارٍ أَوْ شَبَهِهِ فَيَثْقُبَانِ فِي أَسْفَلِهَا بِمُثْقِبٍ يُمْسِكَانِهِ عِنْدَهُمَا، ثُمَّ يُعَلِّقَانِهَا وَيَجْعَلَانِ تَحْتَهَا قَصْرِيَّةً وَيَعُدَّانِ الْمَاءَ فِي جِرَارٍ، ثُمَّ إذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ صَبَّا الْمَاءَ فِي الْقِدْرِ فَيَسِيلُ الْمَاءُ مِنْ الثَّقْبِ فَكُلَّمَا هَمَّ الْمَاءُ أَنْ يَفْرُغَ صَبَّا حَتَّى يَكُونَ سَيْلُ الْمَاءِ مِنْ الثَّقْبِ مُعْتَدِلًا النَّهَارَ كُلَّهُ وَاللَّيْلَ كُلَّهُ إلَى انْصِدَاعِ الْفَجْرِ فَيُنَحِّيَانِهَا وَيَقْسِمَانِ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَقَامِ أَقَلِّهِمْ سَهْمًا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ يَجْعَلَانِ لِكُلِّ وَارِثٍ قِدْرًا يَحْمِلُ سَهْمَهُ مِنْ الْمَاءِ يَثْقُبَانِ كُلَّ قِدْرٍ مِنْهَا بِالْمِثْقَبِ الَّذِي ثَقَبَا بِهِ الْقِدْرَ الْأُولَى، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ السَّقْيَ عَلَّقَ قِدْرَهُ بِمَائِهِ وَصَرَفَ الْمَاءَ كُلَّهُ إلَى أَرْضِهِ فَيَسْقِي مَا سَالَ الْمَاءُ مِنْ قِدْرِهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ بَقِيَّتُهُمْ، ثُمَّ إنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ أَسْهَمُوا. ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ ثُمَّ يَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِدْرٌ يَحْمِلُ سَهْمَهُ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا تَسَاوَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْقِدْرَ كُلَّمَا كَبُرَتْ ثَقُلَ الْمَاءُ فِيهَا وَقَوِيَ جَرْيُهُ مِنْ الثَّقْبِ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَيْ مَا يَجْرِي مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ أَكْثَرَ، وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يُقْسَمَ الْمَاءُ بِقِدْرِ أَقَلِّهِمْ سَهْمًا فَيَأْخُذُ صَاحِبُ السَّهْمِ قِدْرًا وَيَأْخُذُ صَاحِبُ عَشَرَةِ الْأَسْهُمِ عَشَرَةَ قُدُورٍ وَهَذَا بَيِّنٌ.

ص: 283

كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا

وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ، إلَّا بِرِضَاهُمْ،

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَبْرِ فَقَالَ (كَ) بِنَاءِ (سُتْرَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ حَائِطٍ سَاتِرٍ (بَيْنَهُمَا) سَكَتَا عَنْ شَرْطِ بِنَائِهِ بَيْنَهُمَا حِينَ الْقَسْمِ وَدَعَا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِبِنَائِهِ فَأَبَى فَلَا يُجْبَرُ، فَإِنْ شَرَطَا الِاشْتِرَاكَ فِي بِنَائِهِ حِينَهُ جُبِرَ الْآبِي عَلَى بِنَائِهِ مَعَ الدَّاعِي " ق ". مِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَسْقُطُ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أُمِرَ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ إنْ طَلَبَ ذَلِكَ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ الدَّارَ وَلَمْ يَشْتَرِطَا أَنْ يُقِيمَا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا فَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَيُقَالُ لِمَنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك فِي حَظِّك إنْ شِئْت، وَإِنْ اشْتَرَطَا ذَلِكَ وَلَمْ يَحُدَّاهُ أُخِذَ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ بِنَاءِ الْجِدَارِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ نَصِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ السَّتْرِ إذْ لَمْ يَحُدَّا فِيهِ حَدًّا وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا أَعْلَمُهُ. اهـ. وَانْتَحَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الصَّوَابُ أَنْ يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْجِيزًا يَسْتَتِرُ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الرِّضَا بِغَيْرِ تَحْجِيزٍ لِأَنَّ فِيهِ كَشْفًا لِحَرِيمِهِمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ، وَدُخُولَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. اهـ. وَأَمَّا الْجِدَارُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَسْقُطُ فَحَصَلَ فِي بِنَائِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ قَالَهُ " غ ".

(وَ) إذَا قُسِمَتْ تَرِكَةٌ بَيْنَ عَصَبَةٍ فَقَطْ فَ (لَا يَجْمَعُ) الْقَاسِمُ فِي الْقَسْمِ (بَيْنَ) نَصِيبَيْ (عَاصِبَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ، وَلِذَا جَمَعَ الضَّمِيرَ " ق " سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْمَعُ حَظُّ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ. ابْنُ رُشْدٍ هُوَ قَوْلُهُ فِيهَا، وَمَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ سَهْمٍ وَاحِدٍ. اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي، وَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقُرْعَةِ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ الثُّلُثَ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ اقْسِمُوا حِصَّتِي عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَيُقْسَمُ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ جَمِيعًا الثُّلُثُ ثُمَّ يُقَاسِمُ بَعْدُ إنْ شَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَهْلِ السَّهْمِ الْوَاحِدِ كَالْبَنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ وَنَحْوِهِمْ. وَأَمَّا الْعَصَبَةُ

ص: 284

إلَّا مَعَ، كَزَوْجَةٍ؛ فَيُجْمَعُونَ أَوَّلًا: كَذِي سَهْمٍ، وَوَرَثَةٍ.

ــ

[منح الجليل]

فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا نَصِيبَهُمْ إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ عَدَدًا (إلَّا) أَنْ تَكُونَ الْعَصَبَةُ (مَعَ) ذِي فَرْضٍ (كَزَوْجَةٍ) وَبِنْتٍ وَأُخْتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ (فَيُجْمَعُونَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ أَيْ الْعَصَبَةُ (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا وَيُسْهَمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذِي الْفَرْضِ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ ثَانِيًا إنْ شَاءُوا فِيهَا لَا يُجْمَعُ حَظُّ رَجُلَيْنِ فِي الْقَسْمِ إلَّا إنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَوَلَدًا عَدَدًا أَوْ عَصَبَةً غَيْرَ وَلَدٍ فَيُسْهَمُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْوَلَدِ أَوْ الْعَصَبَةِ. وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ فَقَالَ (كَذِي) أَيْ صَاحِبِ (سَهْمٍ) أَيْ نَصِيبٍ كَنِصْفٍ مِنْ نَحْوِ دَارٍ وَبَاقِيهَا لِشَرِيكِهِ وَمَاتَ عَنْ سَهْمِهِ (وَ) عَنْ (وَرَثَةٍ) فَتُجْمَعُ الْوَرَثَةُ وَيُسْهَمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شَرِيكِ مُوَرِّثِهِمْ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ ثَانِيًا إنْ شَاءُوا.

(تَنْبِيهَانِ) . الْأَوَّلُ: طفي تَفْسِيرُ ضَمِيرِ رِضَاهُمْ بِالْوَرَثَةِ تَتَبَّعَ فِيهِ الشَّارِحَ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ، لِأَنَّهُمَا عَزَوْا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ رِضَا جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، بَلْ الْعَصَبَةِ فَقَطْ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْعَصَبَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا أَنَّهُمْ كَأَهْلِ السَّهْمِ الْوَاحِدِ يُقْسَمُ لَهُمْ حَقُّهُمْ مَعًا ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ بَعْدُ إنْ شَاءُوا، وَهُوَ سَمَاعُ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَأَهْلِ سَهْمٍ وَاحِدٍ فَلَا يُجْمَعُ حَظُّهُمْ فِي الْقِسْمَةِ بِالسَّهْمِ، وَإِنْ رَضَوْا وَأَرَاهُ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ. وَالثَّالِثُ: لَا يُجْمَعُ حَظُّهُمْ فِي الْقِسْمَةِ بِالسَّهْمِ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنْ لَا يَقْتَسِمُوا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَعَصَبَةً وَتَرَكَ أَرْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُضْرَبُ لَهَا بِحَقِّهَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَالَ مَعْنَاهُ عِنْدِي إنْ كَانَ الْعَصَبَةُ وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا لَا يُرِيدُونَ الْقِسْمَةَ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، فَإِيَّاهُ أَرَادَ فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ فِي رِضَاهُمْ لِلْعَصَبَةِ، وَبِهِ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي وَسَطِهِ. وَفِي شَامِلِهِ وَفِي جَمْعِ الْعَصَبَةِ ثَالِثُهَا فِيهَا إنْ رَضَوْا. وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ إذَا كَانَ الْوَلَدُ عَدَدًا مَعَ الزَّوْجَةِ، فَقَالَ الْإِمَامُ

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرَّةً هُمْ كَأَهْلِ سَهْمٍ وَاحِدٍ يُقْسَمُ أَثْمَانًا، فَمَا صَارَ لِلزَّوْجَةِ أَخَذْته، وَمَا صَارَ لِلْوَلَدِ اسْتَأْنَفُوا قَسْمَهُ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ، وَإِلَّا بَاعُوهُ، وَفِيهَا أَيْضًا لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَيُقْسَمُ عَلَى أَقَلِّهِمْ. وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَأَهْلِ سَهْمٍ فَيُقْسَمُ عَلَى وَاحِدٍ إنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَجْمَعُوا وَيُضْرَبُ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ اشْتِرَاطُ رِضَا جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَبِمَا تَقَدَّمَ تَعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا مَعَ كَزَوْجَةٍ. اهـ.

الثَّانِي: طفي قَوْلُ تت مَعَ ذِي فَرْضٍ وَهُوَ الْأَجْنَبِيُّ تَقْيِيدُهُ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَمِيعُ ذَوِي الْفُرُوضِ سَوَاءٌ فِي هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ الَّذِي فِي أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُمْ إذَا رَضَوْا بِالْجَمْعِ جَمَعَ بَيْنَهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهَا كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ. اهـ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلِذَا أَتَى بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَزَوْجَةٍ وَكَأَنَّ تت غَرَّهُ قَوْلُ التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَسْأَلَةَ الزَّوْجَةِ مِنْ عُمُومِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. فَفُهِمَ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِهَا، وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ، بَلْ لَمْ يَسْتَثْنِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَسْأَلَةَ الزَّوْجَةِ فَقَطْ. فَفِي التَّنْبِيهَاتِ لِعِيَاضٍ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُجْمَعُ بَيْنَ نَصِيبِ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَإِنْ أَرَادَ فَابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَأَوَّلَهُ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ جُمْلَةً سَهْمُ اثْنَيْنِ اتَّفَقَا أَوْ اخْتَلَفَا رَضِيَا أَوْ كَرِهَا جَمَعَهُمْ أَوْ فَرَّقَهُمْ إلَّا الْعَصَبَةُ إذَا رَضَوْا بِذَلِكَ، وَغَيْرُهُ رَأَى جَمْعَ أَهْلِ كُلِّ سَهْمٍ فِي سَهْمٍ وَاحِدٍ، وَيُضْرَبُ لَهُمْ بِهِ شَاءُوا ذَلِكَ أَمْ كَرِهُوهُ، ثُمَّ هُمْ بَعْدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَبْقَوْا شُرَكَاءَ فِي سَهْمٍ أَوْ يَسْتَأْنِفُوا الْقِسْمَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا قَالُوا وَتَأْوِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خِلَافٌ وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمُرَادُهُ وَلَمْ يُرِدْ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجْمَعُ الْأَنْصِبَاءَ فِي وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا هُمْ فِيهِ سَوَاءً فِي السِّهَامِ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فَكَانَ لِقَوْمٍ مِنْهُمْ الثُّلُثُ وَلِآخَرِينَ مِنْهُمْ السُّدُسُ، وَلِآخَرِينَ مِنْهُمْ النِّصْفُ، فَإِنَّهُ

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

يُجْمَعُ أَهْلُ كُلِّ سَهْمٍ بِالْقُرْعَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ، كَذَا فَسَّرَهُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ ابْنِ نَافِعٍ وَأَشْهَبَ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. اهـ.

وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَشْهَبُ وَسَأَلْته عَنْ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ يَرِثُونَ الثُّلُثَ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ اقْسِمُوا إلَيَّ حِصَّتِي عَلَى حِدَةٍ وَلَا تَضُمُّونِي لِإِخْوَتِي، فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُقْسَمَ لَهُ، وَلِإِخْوَتِهِ جَمِيعًا الثُّلُثُ ثُمَّ يُقَاسِمُهُمْ بَعْدُ إنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ أَزْوَاجُ الْمَيِّتِ يَرِثْنَ الرُّبْعَ أَوْ الثُّمُنَ، وَكَذَلِكَ الْعَصَبَةُ الْإِخْوَةُ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا إلَيَّ حِصَّتِي لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُجْمَعُ حَظُّ رَجُلَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْبَاقُونَ فِي مِثْلِ هَذَا يَعْنِي الزَّوْجَةَ مَعَ الْعَصَبَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالزَّوْجَةِ كَمَا عَلِمْت وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَامَ حَوْلَ كَلَامِهَا، وَأَرَادَ تَأْدِيَةَ ذَلِكَ فَلَمْ تُسَاعِدْهُ الْعِبَارَةُ، وَلِذَا قُلْنَا تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ الصَّوَابُ إسْقَاطُ إلَّا، أَوْ يَقُولُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا الْعَصَبَةُ مَعَ كَزَوْجَةٍ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى. الْبُنَانِيُّ جَمْعُ ذِي السَّهْمِ الْوَاحِدِ كَالزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْهُ هُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ، وَنَصُّهُ أَمَّا أَهْلُ السَّهْمِ الْوَاحِدِ وَهُمْ الزَّوْجَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْجَدَّاتُ وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِنَحْوِ الثُّلُثِ، فَلَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ أَنَّهُمْ يُجْمَعُ حَظُّهُمْ فِي الْقِسْمَةِ بِالسَّوِيَّةِ شَاءُوا أَوْ أَبَوْا؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاحِدِ. اهـ.

لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا، وَلَا يُجْمَعُ حَظُّ رَجُلَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْبَاقُونَ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا، أَيْ الْعَصَبَةِ مَعَ أَهْلِ السَّهْمِ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ إلَخْ نَصُّهَا الْمُتَقَدِّمُ ثُمَّ قَالَ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا لِلثَّانِي هُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ، وَهُوَ وَإِنْ انْتَقَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا ذَكَرَ عِيَاضٌ مِنْ الْخِلَافِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى رُجْحَانُهُ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ، وَلِذَا قَرَّرَ بِهِ " غ " وَغَيْرُهُ، فَاعْتِرَاضُ طفي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَيْفَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ.

ص: 287

وَكَتَبَ الشُّرَكَاءَ، ثُمَّ رَمَى

ــ

[منح الجليل]

وَبَيَّنَ صِفَةَ الْقُرْعَةِ فَقَالَ (وَكَتَبَ) الْقَاسِمُ (الشُّرَكَاءَ) أَيْ أَسْمَاءَهُمْ كُلَّ اسْمٍ فِي وَرَقَةٍ صَغِيرَةٍ، وَلَبِسَ عَلَيْهَا بِشَمْعٍ مَثَلًا كَالْبُنْدُقَةِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَجَزَّأَ الْمَقْسُومَ أَجْزَاءً مُسْتَوِيَةً فِي الْقِيمَةِ بِعَدَدِ سِهَامِ مَقَامِ أَصْغَرِهِمْ نَصِيبًا، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثٌ وَالثَّالِثُ سُدُسٌ قَسَمَهُ سِتَّةَ أَقْسَامٍ (ثُمَّ رَمَى) الْقَاسِمُ بُنْدُقَةً عَلَى أَوَّلِ قِسْمٍ ثُمَّ يَفْتَحُهَا وَيَنْظُرُ الِاسْمَ الَّذِي فِيهَا، فَإِنْ كَانَ اسْمَ صَاحِبِ السُّدُسِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَهُ ثُمَّ يَرْمِي بُنْدُقَةً ثَانِيَةً عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا فِيهَا، فَإِنْ كَانَ اسْمَ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَلَهُ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الَّذِي يَلِيهِ، وَتَعَيَّنَتْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ فَلَا حَاجَةَ لِرَمْيِ وَرَقَتِهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ وَصُنِعَ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ لِاحْتِمَالِ رَمْيِهَا أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا. وَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْدُقَةِ الْأُولَى اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ كُمِّلَ لَهُ مِمَّا يَلِيهِ، ثُمَّ يَرْمِي بُنْدُقَةً أُخْرَى عَلَى أَوَّلِ الْبَاقِيَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا اسْمُ صَاحِبِ السُّدُسِ فَهُوَ لَهُ وَتَعَيَّنَ الْقِسْمَانِ الْبَاقِيَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ تُمِّمَ لَهُ مِمَّا يَلِيهِ وَتَعَيَّنَ الْقِسْمُ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ. ابْنُ عَرَفَةَ الثَّالِثُ قَسْمُ الْقُرْعَةِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ بِالذَّاتِ، وَهِيَ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ حَظَّ كُلِّ شَرِيكٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ مَا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فَعَلَهُ، فَيُجَزَّأُ الْمَقْسُومُ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَدَدِ مَقَامِ أَقَلِّهِمْ جُزْءًا. الْبَاجِيَّ صِفَتُهَا أَنْ يَقْسِمَ الْعَرْصَةَ عَلَى أَقَلِّ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا هُوَ مُتَسَاوٍ يُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ، وَمَا اُخْتُلِفَ يُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا. الْقَاضِي رُبَّ جَرِيبٍ يَعْدِلُ جَرِيبَيْنِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِي قَسْمِ الشَّجَرِ تُقَوَّمُ كُلُّ شَجَرَةٍ وَيُسْأَلُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِيمَةِ، وَمَنْ عَرَفَ حِمْلَ كُلِّ شَجَرَةٍ رُبَّ شَجَرَةٍ لَهَا مَنْظَرٌ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَأُخْرَى بِالْعَكْسِ. فَإِذَا قُوِّمَ ذَلِكَ جَمَعَ الْقِيمَةَ فَقَسَمَهَا عَلَى قَدْرِ السِّهَامِ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي رِقَاعٍ، وَتُجْعَلُ فِي طِينٍ أَوْ شَمْعٍ ثُمَّ يَرْمِي كُلَّ بُنْدُقَةٍ فِي جِهَةٍ اهـ.

وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ كَيْفِيَّةَ قَسْمِ الْحَائِطِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ أَنْ تُقْسَمَ عَلَى أَدْنَاهُمْ سَهْمًا ثُمَّ يُضْرَبَ لِأَحَدِهِمْ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ يُضْرَبَ لِمَنْ بَقِيَ فِيمَا بَقِيَ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بَعْدَ الَّذِي عُزِلَ، فَإِذَا وَقَعَ سَهْمُ أَحَدِهِمْ فِي شِقٍّ ضُمَّ إلَيْهِ تَمَامُ نَصِيبِهِ حَيْثُ وَقَعَ

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

سَهْمُهُ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعًا، كَذَا فَسَّرَ لِي مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَوَصَفَ فَإِنْ كَانَ أَدْنَاهُمْ سَهْمًا ذَا سُدُسٍ قُسِمَتْ الْأَرْضُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُسْتَوِيَةٍ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ فُضِّلَتْ بِالْقِيمَةِ عَلَى قَدْرِ تَفَاضُلِهَا فَقَدْ تَكْثُرُ الْأَرْضُ فِي بَعْضِ تِلْكَ السِّهَامِ لِرَدَاءَتِهَا وَتَقِلُّ فِي بَعْضِهَا لِكَرَمِهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ فِي الْقِيمَةِ كَتَبَ كُلَّ اسْمِ ذِي سَهْمٍ ثُمَّ أَسْهَمَ فِي الطَّرَفَيْنِ مَعًا، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي طَرَفٍ ضُمَّ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ. عِيسَى إنْ احْتَمَلَتْ الْكَرِيمَةُ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ عَلَى حِدَتِهَا

ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ يُقْسَمُ عَلَى أَدْنَى سِهَامِهِمْ مَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ فَرِيضَتُهُ تُقْسَمُ عَلَى أَدْنَاهُمْ سَهْمًا كَمَنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأُمٍّ تُقْسَمُ أَسْدَاسًا ثُمَّ يُضْرَبُ بِأَسْمَائِهِمْ عَلَى الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الزَّوْجِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَاسْمُ الْأُمِّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ كَانَ لِلْأُخْتِ السُّدُسُ الْبَاقِي الْوَسَطُ، وَإِنْ خَرَجَ فِي الطَّرَفَيْنِ اسْمَا الْأُخْتِ فَالْوَسَطُ لِلزَّوْجِ، وَكَذَا إنْ خَرَجَ اسْمَا الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ عَلَى الطَّرَفَيْنِ فَسَهْمُ الْأُمِّ وَسَطٌ، وَقِيلَ إنَّمَا يُضْرَبُ بِأَحَدِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الطَّرَفِ الْوَاحِدِ أَبَدًا وَهُوَ الثَّابِتُ فِي كُلِّ رِوَايَاتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَتُهُمْ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَدْنَاهُمْ قُسِمَتْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَبْلَغِ سِهَامِ فَرِيضَتِهِمْ الَّتِي تَنْقَسِمُ مِنْهَا وَإِنْ انْتَهَى سَهْمُ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا إلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَابْنَةٍ فَصَحَّ فَرِيضَتُهُمْ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تُضْرَبُ أَسْمَاؤُهُمْ عَلَى الطَّرَفَيْنِ كَمَا مَرَّ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ اسْمُهُ عَلَى طَرَفٍ أُخِذَ مِنْهُ كُلُّ سِهَامِهِ ثُمَّ يُسْهَمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى طَرَفٍ ضُمَّ لَهُ بَقِيَّةُ حَقِّهِ وَلِلْبَاقِي مَا بَقِيَ.

وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ إلَّا عَلَى طَرَفٍ بَعْدَ طَرَفٍ، فَإِنْ شَاءُوا فِي أَيِّ الطَّرَفَيْنِ يُسْهَمُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أُسْهِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهَا فَفِي كَيْفِيَّةِ تَعْيِينِ الْحَظِّ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ سَمَاعُ عِيسَى يَطْرَحُ اسْمَيْنِ عَلَى الطَّرَفَيْنِ وَيَضُمُّ لِكُلِّ ذِي أَسْهُمٍ كُلَّ حَظِّهِ، فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ أَخَذَ مَا بَقِيَ، وَإِنْ بَقِيَ اثْنَانِ طَرَحَ كُلَّ اسْمٍ عَلَى طَرَفٍ، وَمَا بَقِيَ لِمَنْ بَقِيَ، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ فَكَمَا فَعَلَ أَوَّلًا وَلِابْنِ رُشْدٍ كُلُّ رِوَايَاتِهَا إنَّمَا يُسْهَمُ طَرَفٌ وَاحِدٌ. عِيَاضٌ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ فِيهَا إذَا ضَرَبَ عَلَى أَيِّ الطَّرَفَيْنِ كَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ كُلَّ حَظِّهِ كَانَ زَوْجَةً أَوْ أُمًّا أَوْ غَيْرَهُمَا، ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ عَلَى أَقَلَّ مَنْ بَقِيَ سَهْمًا، وَيَبْتَدِئُ الْقِسْمَةَ وَالْقُرْعَةَ عَلَى أَيِّ

ص: 289

أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وَأَعْطَى كُلًّا لِكُلٍّ

ــ

[منح الجليل]

الطَّرَفَيْنِ فَأَنْكَرَهَا سَحْنُونٌ، وَقَالَ يُقْسَمُ عَلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ حَتَّى تَنْفُذَ السِّهَامُ. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ مَذْهَبُهَا إنْ ابْتَدَأَ بِالضَّرْبِ لِذِي الْحَظِّ الْأَقَلِّ، وَحَكَاهُ فَضْلٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ خِلَافُهُ يُسْهَمُ لِلزَّوْجَةِ حَيْثُمَا خَرَجَ سَهْمُهَا اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ.

(أَوْ كَتَبَ) الْقَاسِمُ (الْمَقْسُومَ) بَعْدَ تَجْزِئَتِهِ أَجْزَاءَ مُسْتَوِيَةً بِالْقِيمَةِ بِعَدَدِ آحَادِ مَقَامِ أَقَلِّهِمْ حَظًّا بِأَنْ يَكْتُبَ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ أَجْزَائِهِ فِي وَرَقَةٍ وَيُلْبِسَهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ (وَأَعْطَى) الْقَاسِمُ (كُلًّا) مِنْ الْبُنَانِيِّ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ الْأَجْزَاءِ (لِكُلٍّ) مِنْ الْمَقْسُومِ

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

بَيْنَهُمْ، أَيْ يُعْطِي كُلَّ شَرِيكٍ بُنْدُقَةً يَفْتَحُهَا وَلَهُ مُسَمَّى الِاسْمِ الَّذِي فِيهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا اسْتَوَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَيُعْطِي وَاحِدًا مِنْ الشُّرَكَاءِ بُنْدُقَةً يَفْتَحُهَا وَلَهُ مُسَمَّى مَا فِيهَا مِنْ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ جُزْءٌ وَاحِدٌ فَقَدْ تَمَّ الْقَسْمُ لَهُ فَيُعْطِي غَيْرَهُ بُنْدُقَةً، وَإِنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى جُزْءٍ كُمِّلَ لَهُ مِمَّا يَلِي مَا خَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ الْعَمَلِ.

ابْنُ شَاسٍ وَقِيلَ تُكْتَبُ الْأَسْمَاءُ وَالْجِهَاتُ ثُمَّ يُخْرِجُ أَوَّلَ بُنْدُقَةٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَبُنْدُقَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ نَصِيبَهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، أَيْ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ الْمَقْسُومِ بَيْنَهُمْ وَأَسْمَاءَ الْأَجْزَاءِ وَيُبَنْدِقُهَا، وَيُخْرِجُ بُنْدُقَةً مِنْ هَذِهِ وَبُنْدُقَةً مِنْ هَذِهِ، وَيَفْتَحُهُمَا وَيُعْطِي مُسَمَّى اسْمِ الْجُزْءِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ وَيُكَمِّلُ حَظَّهُ مُتَّصِلًا، إنْ زَادَ عَلَى وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

طفي قَوْلُهُ أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ عِبَارَةُ غَيْرِهِ كَصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَاللَّخْمِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ كَتَبَ الْجِهَاتِ أَيْ الَّتِي يَرْمِي عَلَيْهَا فَهِيَ مُرَادُهُ بِالْمَقْسُومِ لَا كُلُّ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ كَتْبِ أَسْمَاءِ الشُّرَكَاءِ إمَّا أَنْ تُرْمَى عَلَى الْجِهَاتِ أَوْ تُكْتَبَ الْجِهَاتُ وَتُقَابَلَ بِهَا، وَالْكُلُّ سَوَاءٌ، وَلِذَا قَالَ " غ " أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ عَطْفٌ عَلَى رَمَى لَا عَلَى كَتْبِ الشُّرَكَاءِ. وَقُلْنَا لَا كُلُّ جُزْءٍ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يَقَعُ فِيهَا كُلِّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى أَقَلِّهِمْ جُزْءًا كَالسُّدُسِ إنْ كَانَ فِيهَا سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ، فَإِنَّ الرَّمْيَ يَقَعُ فِي ثَلَاثَةٍ فَقَطْ، بَلْ فِي اثْنَيْنِ لِأَنَّ الْأَخِيرَ لَا يَحْتَاجُ لِضَرْبٍ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ عَلَى جُزْءٍ فَيَأْخُذُهُ وَمَا يَلِيهِ إلَى تَمَامِ حَظِّهِ، وَكَذَا اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلَانَ تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَ الْمَقْسُومَ بِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَالسِّتَّةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ قَائِلًا يَكْتُبُ سِتَّةَ أَوْرَاقٍ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ اسْمَ سُدُسٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يُعْطِي لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةَ أَوْرَاقٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَرَقَتَيْنِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَرَقَةً ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ تَفْرِيقُ النَّصِيبِ الْوَاحِدِ، وَأَجَابَ بِمَا فِيهِ خَبْطٌ، ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَا يَتَوَقَّفُ الْقَسْمُ فِيهَا عَلَى كَتْبِ الشُّرَكَاءِ.

قَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ يَعْنِي مَعَ الشُّرَكَاءِ لَيْسَ قَصْدُهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لِيُوَافِقَ

ص: 291

وَمُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ

ــ

[منح الجليل]

مَا نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ مُرَادَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيطِ الْأَجْزَاءِ، وَمُرَادُ الْأَئِمَّةِ بِالْقُرْعَةِ أَخْذُ كُلِّ أَحَدٍ حَظَّهُ مُجْتَمِعًا، وَتَقْرِيرُ تت قَوْلُهُ أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ كَتْبِ أَسْمَاءِ الشُّرَكَاءِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي كَبِيرِهِ قَائِلًا وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ أَظْهَرُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ كَتْبَ الْجِهَاتِ عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ فَهُوَ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ.

(وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (اشْتِرَاءُ) الْجُزْءِ (الْخَارِجِ) أَيْ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْقِسْمَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحَانِ عَلَى مَنْعِ شِرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ التَّهْذِيبِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمْ مَا يَخْرُجُ لَهُ بِالسَّهْمِ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا جَازَ مَا أَخْرَجَ السَّهْمُ فِي تَمْيِيزِ حَظِّ الشَّرِيكِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْقَسْمَ بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْقَسْمُ يُفَارِقُ الْبَيْعَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ. اهـ.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا تَعْلِيلُ الشَّارِحِ بِجَهْلِ الْخَارِجِ وَالْبِسَاطِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مَا لَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ، وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ قَالَهُ تت. طفي قَرَّرَهُ الشَّارِحَانِ عَلَى مَنْعِ شِرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ لَفْظِهَا، وَتَبِعَهُمَا تت فِي كَبِيرِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شِرَاءُ مَا يَخْرُجُ بِالسَّهْمِ لِشَرِيكِهِ، وَقَدْ رَدَّ الْحَطّ عَلَى الشَّارِحِ بِكَلَامِهِ وَتَبِعَهُ عج قَائِلًا قَصْرُ الشَّارِحُ وتت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى شِرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ تَبَعًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَنَصُّ أَبِي الْحَسَنِ هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ لِمَ أَجَزْت مَا يَخْرُجُ بِالْقَسْمِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ تُجِزْهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَاعَ بَعْضَ نَصِيبِهِ بِبَعْضِ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْقِسْمَةِ مَجْهُولٌ إذْ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَصِيرُ لَهُ وَمَا قَدْرُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَيْعًا فَإِنَّهَا تُفَارِقُ الْبُيُوعَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، وَقَوْلُهُ

ص: 292

وَلَزِمَ

وَنُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ، وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ، فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَا: نُقِضَتْ:

ــ

[منح الجليل]

إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شِرَاءُ مَا يَخْرُجُ بِالسَّهْمِ لِشَرِيكِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) إذَا قُسِمَ الْمُشْتَرَكُ بِوَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِ الْقِسْمَةِ صَحِيحٌ (لَزِمَ) قَسْمُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ نَقْضُهُ " ق " فِيهَا إذَا قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَ قَوْمٍ دُورًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ عُرُوضًا فَلَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمْ بِمَا أَخْرَجَ السَّهْمُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لَمْ أَظُنَّ أَنَّ هَذَا يَخْرُجُ لِي فَقَدْ لَزِمَهُ وَقَسْمُ الْقَاضِي مَاضٍ كَانَ فِي رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(وَ) إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ الْجَوْرَ أَوْ الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ (نُظِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (فِي دَعْوَى جَوْرٍ) أَيْ عُدُولٍ مِنْ الْقَاسِمِ عَنْ الْحَقِّ عَمْدًا (أَوْ غَلَطٍ) أَيْ عُدُولٍ عَنْهُ مِنْهُ خَطَأً، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْهُمَا مَضَى الْقَسْمُ وَلَزِمَ وَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ اعْتِرَافُهُ (وَ) إنْ أَنْكَرَ (حَلَفَ الْمُنْكِرُ) عَلَى عَدَمِ مَا ادَّعَاهُ مُقَاسَمَةً مِنْ جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ " ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا قَالُوا لِلْقَاسِمِ غَلِطْت أَوْ لَمْ تَعْدِلْ نَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ، وَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَسْمَ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ. (فَإِنْ تَفَاحَشَ) الْجَوْرُ أَوْ الْغَلَطُ (أَوْ ثَبَتَا) بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (نُقِضَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقِسْمَةُ. طفي أَيْ مَعَ الْقِيَامِ وَمَعَ الْفَوَاتِ يَتَرَادَّانِ فِي الْقِيمَةِ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ تُنْقَضُ مَا لَمْ يَفُتْ الْإِمْلَاكُ بِبِنَاءٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ، فَإِنْ فَاتَتْ بِمَا ذَكَرْنَا رَجَعَا فِي ذَلِكَ إلَى الْقِيمَةِ، وَيَقْتَسِمُونَهَا، وَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ سَائِرُهُ عَلَى حَالِهِ قُسِمَ مَا لَمْ يَفُتْ مَعَ قِيمَةِ مَا فَاتَ. اهـ.

ابْنُ عَرَفَةَ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقَسْمِ دُونَ بَيِّنَةٍ وَلَا تَفَاحُشٍ يُوجِبُ حَلِفَ الْمُنْكِرِ وَبِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ نَقْضَهُ. الْبَاجِيَّ فِي الْقُرْبِ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ إنَّمَا يُقَامُ بِالْغَبْنِ فِيمَا قَرُبَ، وَأَمَّا مَا بَعُدَ أَمَدُهُ وَطَالَ تَارِيخُهُ فَلَا يُقَامُ فِيهِ بِغَبْنٍ. أَبُو إبْرَاهِيمَ وَحَدُّ ذَلِكَ

ص: 293

كَالْمُرَاضَاةِ إنْ أَدْخَلَا مُقَوِّمًا

ــ

[منح الجليل]

الْعَامُ وَيَفُوتُهُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ أَيْضًا. وَفِي الْمُعِينِ إذَا ثَبَتَ الْغَبْنُ فِي الْقِسْمَةِ انْتَقَضَتْ مَا لَمْ تَفُتْ الْأَمْلَاكُ بِبِنَاءٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ، فَإِنْ فَاتَتْ الْأَمْلَاكُ بِمَا ذَكَرْنَا رَجَعَا فِي ذَلِكَ إلَى الْقِسْمَةِ يَقْتَسِمُونَهَا، وَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ سَائِرُهُ عَلَى حَالِهِ اقْتَسَمَ مَا لَمْ يَفُتْ مَعَ قِيمَةِ مَا فَاتَ، أَفَادَهُ الْحَطّ.

طفي وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَلْمُونٍ، وَزَادَ فِي مُؤَلَّفِهِ ابْنُ لُبَابَةَ إذَا فَاتَ الْمَقْسُومُ بِبِنَاءٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بَيْعٍ مَضَى الْقَسْمُ وَلَا كَلَامَ لِلْقَائِمِ بِغَلَطٍ أَوْ غَبْنٍ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ فَوْتُهُ بِالْبَيْعِ لَغْوٌ مَا لَمْ يَفُتْ بِبِنَاءِ مُبْتَاعِهِ. اهـ. فَلَوْ فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْفَوْتِ لَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ. وَشَبَّهَ بِهَا فِي النَّقْضِ فَقَالَ (كَ) قِسْمَةِ (الْمُرَاضَاةِ) فَتُنْقَضُ بِتَفَاحُشِ الْجَوْرِ أَوْ الْغَلَطِ أَوْ ثُبُوتِهِ فِيهَا (إنْ) كَانَا (أَدْخَلَا) أَيْ الْمُقْتَسِمَانِ فِي قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ (مُقَوِّمًا) بِكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً، فَإِنْ لَمْ يُدْخِلَا مُقَوِّمًا فَلَا تُنْقَضُ بِذَلِكَ. الْحَطّ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ بَعْدَ الْقَسْمِ، فَإِنْ كَانُوا قَسَمُوا بِالتَّرَاضِي بِلَا سَهْمٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَمْرُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى دَعْوَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ التَّسَاوُمِ يَلْزَمُ فِيهِ الْغَبْنُ وَإِنْ قَسَمُوا بِالسَّهْمِ عَلَى تَعْدِيلِ الْقِيمَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ إذَا تَوَلَّوْا الْقِسْمَةَ بِأَنْفُسِهِمْ.

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَأَمَّا إنْ كَانُوا أَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا الْغَبْنُ فَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ سَمَّوْهَا تَرَاضِيًا لَمْ يَدْخُلُوا إلَّا عَلَى التَّسَاوِي اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُدْخِلُوا مُقَوِّمًا بَيْنَهُمْ وَقَوَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ لَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ إذَا كَانَتْ بِلَا تَعْدِيلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ لَا يُقَامُ بِالْغَبْنِ فِيهَا، وَمَتَى كَانَتْ بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ فَيُقَامُ بِالْغَبْنِ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ التَّقْوِيمُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ مِنْهُمْ. اللَّخْمِيُّ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَعْدِلَا ذَلِكَ ثُمَّ يَقْتَرِعَا، أَوْ يَأْخُذَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ثُمَّ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا غَلَطًا فَهَذَا يَنْظُرُ فِيهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ سَوَاءً أَوْ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ فَلَا يُنْقَضُ، وَإِلَّا فَيُنْقَضُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْغَلَطِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَا هَذِهِ الدَّارُ تُكَافِئُ هَذِهِ وَهَذَا الْعَبْدُ يُكَافِئُ هَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعَا أَوْ يَأْخُذَا ذَلِكَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ. وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ التَّعْدِيلُ وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْقِيَمِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَا هَذِهِ الدَّارُ تُكَافِئُ هَذَا الْمَتَاعَ أَوْ هَذِهِ الْعَبِيدَ ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ بِالتَّرَاضِي بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيَمَ مُخْتَلِفَةٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا خُذْ هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الْعَبْدَ وَأَنَا آخُذُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذَا الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلَا ذِكْرِ مُكَافَأَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي مَضَى الْغَبْنُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي نَصِيبِهِ وَإِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُمْضِهِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْقُرْعَةِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِهِ فَسَدَتْ فَتُفْسَخُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَإِنْ كَانَا ظَنَّا التَّسَاوِيَ صَحَّتْ، وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فِيهَا كَالْعَيْبِ.

وَالرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا فِي صَفْقَةِ الْمُقْسَمِ كَقَسْمِهِمَا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فَكَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا سِتَّةٌ، وَقَالَ هِيَ نَصِيبِي عَلَيْهِ اقْتَسَمْنَاهُ. وَقَالَ الْآخَرُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِي وَأَنَا سَلَّمْتُك غَلَطًا، فَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ حَائِزِهِ بِيَمِينِهِ، إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ لِإِقْرَارِ الْآخَرِ بِالْقَسْمِ وَادِّعَائِهِ بَعْضَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْقَوْلُ لِلْحَائِزِ بِيَمِينِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ

ص: 295

وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ

ــ

[منح الجليل]

يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ ذَلِكَ الثَّوْبَ وَحْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الرَّابِعِ.

وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلُوا الْقَسْمَ بِأَنْفُسِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ تَوَلَّوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّخْمِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إنْ قَدَّمُوا مَنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ إنَّ الْقَاسِمَ جَارَ أَوْ غَلِطَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ وَلْيُتِمَّ قِسْمَتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا فَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِيهَا، فَإِنْ وَجَدَهَا عَلَى التَّعْدِيلِ مَضَى مَا قَسَمَ وَلَا يُرَدُّ، فَإِنْ رَضِيَ جَمِيعُهُمْ بِرَدِّهِ وَنَقْضِهِ وَاسْتِئْنَافِ الْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ أَوْ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ لَهُمْ بِالْقِسْمَةِ الثَّانِيَةِ وَلَوْ تَرَاضَوْا بِنَقْضِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا جَازَ، وَإِنْ وَجَدَ السُّلْطَانُ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا نَقَضَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا يُرَدُّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُرَدُّ اهـ.

وَفِي التَّنْبِيهَاتِ الْقِسْمَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ قِسْمَةُ حُكْمٍ وَإِجْبَارٍ، وَهِيَ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ وَتَقْوِيمٍ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ عَلَى غَيْرِ تَعْدِيلٍ، وَحُكْمُ هَذِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يُرْجَعُ فِيهَا بِالْغَبْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ بِهِ فِي الْبَيْعِ، وَيُرْجَعُ بِالْغَبْنِ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَعْنِي عَنْ الْيَسِيرِ مِنْ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي. وَاخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، فَذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَبَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ يَجِبُ فَسْخُهُ وَلَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) إذَا طَلَبَ بَعْضُ الْمُشْتَرِكِينَ قِسْمَةَ الْقُرْعَةِ وَأَبَاهَا غَيْرُهُ (أُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (لَهَا) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ (كُلٌّ) مِنْ الْمُشْتَرِكِينَ، سَوَاءٌ كَانَتْ حِصَّةُ طَالِبِهَا مُسَاوِيَةً لِحِصَّةِ غَيْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ (إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ) مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الَّتِي تَخْرُجُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا أَوْ آبِيًا، وَلِذَا أَعَادَ إذْ لَوْ اكْتَفَى بِضَمِيرِهِ لَأَوْهَمَ أَنَّ الشَّرْطَ انْتِفَاعُ الْآبِي لَا الطَّالِبِ لِوُقُوعِ لَفْظِ كُلٌّ الْأَوَّلِ عَلَى الْآبِي فَقَطْ الْحَطّ فَلَا يُقْسَمُ الْفُرْنُ وَالرَّحَى وَالْمَعْصَرَةُ. فِي الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّارَ لَا تُقْسَمُ حَتَّى يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ السَّاحَةِ وَالْبُيُوتِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَسْتَتِرُ فِيهِ عَنْ صَاحِبِهِ. اهـ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ عَدَمُ الْجُبْرَانِ لَمْ يَنْتَفِعْ كُلٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) . الْأَوَّلُ: الْبُنَانِيُّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَإِنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ صَاحِبُ الْحَظِّ الَّذِي لَا يَصِيرُ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ قُسِمَ لَهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ لِنَفْسِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَتَّابٍ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ. مُطَرِّفٌ وَبِهِ كَانَ يَقْضِي قُضَاةُ الْمَدِينَةِ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.

الثَّانِي: قَيَّدَ فِي التَّوْضِيحِ الْجَبْرَ بِكَوْنِ الْمُشْتَرَكِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ مَوْرُوثًا، فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِهِ مَنْ أَبَاهُ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ.

الثَّالِثُ: طفي أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الِانْتِفَاعِ فَهَلْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيَكْفِي حُصُولُ انْتِفَاعٍ مَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ يُقَيَّدُ بِالِانْتِفَاعِ بِالسُّكْنَى الْمُعْتَادَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّارَ لَا تُقْسَمُ حَتَّى يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّاحَةِ وَالْبُيُوتِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ. اهـ اعْتِمَادُهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ فَيُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْجَبْرِ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ لَوْ لَمْ يَصِرْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي حَظٍّ، أَوْ إنْ صَارَ لِكُلِّ شَرِيكٍ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي وَجْهٍ مَا ثَالِثُهَا وَلَوْ لِوَاحِدٍ، وَرَابِعُهَا إنْ صَارَ لِكُلِّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَيَنْتَفِعُ بِسُكْنَاهُ. اهـ. فَالرَّابِعُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَ) إنْ أَرَادَ أَحَدُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ بَيْعَ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَطَلَبَ مِنْ شَرِيكِهِ بَيْعَ

ص: 297

وَلِلْبَيْعِ إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً

ــ

[منح الجليل]

نَصِيبِهِ مَعَهُ لِيَكْثُرَ الثَّمَنُ فَأَبَى أُجْبِرَ (لِلْبَيْعِ) أَيْ عَلَيْهِ شَرِيكٌ فِي كُلِّ مَا لَا يُجْبَرُ فِيهِ عَلَى الْقِسْمَةِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ (إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ) أَيْ آبِي الْبَيْعِ إنْ بِيعَتْ حَالَ كَوْنِهَا (مُفْرَدَةً) عَنْ حِصَّةِ الْآبِي، أَيْ نَقَصَ ثَمَنُهَا عَمَّا يَخُصُّهَا مِنْ ثَمَنِ الْكُلِّ. " ق " فِيهَا إذَا دُعِيَ أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَى بَيْعِ مَا لَمْ يَنْقَسِمْ جُبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ، ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطِي فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَرِكَتُهُمْ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمَعْرُوفُ الْحُكْمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ بِدَعْوَى شَرِيكٍ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِنَقْصِ ثَمَنِ حَظِّهِ مُنْفَرِدًا عَنْ ثَمَنِهِ فِي بَيْعِ كُلِّهِ. " ع " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ وَلَوْ الْتَزَمَ أَدَاءَ النَّقْصِ لِشَرِيكِهِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ، وَإِنْ أَوْصَى بِبَنِيهِ الصِّغَارِ إلَى عَبْدِهِ فَدُعِيَ الْكِبَارُ إلَى بَيْعِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْهُ، فَإِنْ رَضَوْا بِبَيْعِ أَنْصِبَائِهِمْ خَاصَّةً جَازَ وَبَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى حَالِهِ فِي الْوَصِيَّةِ. وَإِنْ دَعَوْا إلَى بَيْعِ جَمِيعِهِ لِأَنَّ فِي بَيْعِ أَنْصِبَائِهِمْ بِانْفِرَادِهَا بَخْسًا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَنْ يَرَى الْحَاكِمُ أَخْذَ بَقِيَّتِهِ حُسْنَ نَظَرٍ، أَوْ يَدْفَعُ إلَى الْكِبَارِ قَدْرَ ذَلِكَ الْبَخْسِ فَلَا يُبَاعُ عَلَى الصِّغَارِ أَنْصِبَاؤُهُمْ. اهـ. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ هَاهُنَا مَعَ قُوَّةِ عَارِضَتِهِ.

الْبُنَانِيُّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا فِي الْوَصَايَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا خِلَافٌ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ الْوَصِيِّ لَا تُنْقَضُ هَذَا الظَّاهِرُ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ الْعَبْدِ الْوَصِيِّ يُكْرَهُ عَلَى أَصْلِ الْإِيصَاءِ بِالْإِبْطَالِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْأَصَاغِرِ نَصِيبَ الْكِبَارِ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ، كَأَخْذِ مَا يُجَاوِرُ الْمَسْجِدَ لِتَوْسِعَتِهِ فَلَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي مُشْتَرَكِ غَيْرِ الْعَبْدِ الْوَصِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ التَّادَلِيِّ أَنَّ مَسْأَلَةَ اللَّخْمِيِّ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ.

(تَنْبِيهٌ) . الْبُنَانِيُّ الْمُنَاسِبُ لِفِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ دُعِيَ لِبَيْعِ جُمْلَةِ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ لِنَقْصِ حِصَّتِهِ إنْ بِيعَتْ مُفْرَدَةً مُكِّنَ مِنْهُ إذَا كَانَ فِي التَّشَارُكِ فِيهِ ضَرَرٌ، ثُمَّ لِلْآبِي

ص: 298

لَا: كَرَبْعِ غَلَّةٍ

ــ

[منح الجليل]

أَخْذُهُ بِمَا يُعْطِي فِيهِ قَبْلَ بَيْعِهِ. فَإِنْ بِيعَ مَضَى وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ إلَّا بِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ، كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضَّحُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا وَقَفَ عَلَى ثَمَنٍ بَعْدَ الْبَدَاءِ عَلَى جَمِيعِهِ أَنَّ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ طَالِبَ بَيْعِهِ أَوْ آبِيهِ وَبِهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ التَّمَسُّكُ إلَّا لِغَيْرِ طَالِبِهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ.

(لَا) يُجْبَرُ الشَّرِيكُ الْآبِي بَيْعَ نَصِيبِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَنْقُصْ ثَمَنُ نَصِيبِ طَالِبِ الْبَيْعِ إنْ بِيعَ مُفْرَدًا عَمَّا يَخُصُّهُ مِنْ ثَمَنِ الْجَمِيعِ (كَرَبْعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ عَقَارِ (غَلَّةٍ) أَيْ مُقْتَنًى لِكِرَائِهِ وَأَخْذِ أُجْرَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَلَا يُحْكَمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَّا فِيمَا كَانَ فِي التَّشَارُكِ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالدَّارِ وَالْحَائِطِ. وَأَمَّا مِثْلُ الْحَمَّامِ وَالرَّحَى مِمَّا هُوَ لِلْغَلَّةِ فَلَا. اهـ. فِي التَّنْبِيهَاتِ كَانَ شَيْخُنَا الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَذْهَبُ فِي رِبَاعِ الْغَلَّاتِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلسُّكْنَى، وَالِانْفِرَادُ إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ فِي مِثْلِ هَذَا بِيعَ نَصِيبُهُ أَوْ مُقَاوَاتَهُ فَلَا يُجْبَرُ شَرِيكُهُ، بِخِلَافِ مَا يُرَادُ لِلسُّكْنَى وَالِانْفِرَادِ بِالْمَنَافِعِ وَالسُّكْنَى فِيهِ لِأَنَّ رِبَاعَ الْغَلَّةِ إنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهَا الْغَلَّةُ وَلَا يَنْحَطُّ ثَمَنُ بَعْضِهَا إذَا بِيعَ عَنْ ثَمَنِهِ فِي بَيْعِ جُمْلَتِهَا، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الرَّاغِبُ فِي شِرَاءِ بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ الرَّاغِبِ فِي شِرَاءِ جَمِيعِهَا، بِخِلَافِ دُورِ السُّكْنَى وَمَا يُرِيدُ أَحَدُ الْأَشْرَاكِ فِيهِ الِاخْتِصَاصَ بِهِ لِمَنْفَعَةٍ مَا اهـ. وَلِابْنِ رُشْدٍ نَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَمَا قَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ. وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَنَقَلَ مَا فِي التَّنْبِيهَاتِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ ثَمَنَ الْجُمْلَةِ أَكْثَرُ فِي رِبَاعِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ بِالْأَنْدَلُسِ، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ نَادِرٌ، وَيَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّنْبِيلِ وَكَانَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ يُفْتِي أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ لَطِيفَ الثَّمَنِ كَالدِّيَارِ وَالْحَوَانِيتِ. وَأَمَّا الرِّبَاعُ الْكَثِيرَةُ الْأَثْمَانِ كَالْفَنَادِقِ وَالْحَمَّامَاتِ الَّتِي النَّصِيبُ فِيهَا أَفْضَلُ وَأَرْغَبُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ شِرَاءِ جَمِيعِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي إفْرَادِ بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْهَا خَاصَّةً إذْ لَا يَنَالُهُ فِي ذَلِكَ بَخْسٌ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ

ص: 299

أَوْ اشْتَرَى بَعْضًا

وَإِنْ وَجَدَ عَيْبًا بِالْأَكْثَرِ فَلَهُ رَدُّهَا،

ــ

[منح الجليل]

يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ النَّصِيبِ مِنْ الْحَمَّامِ وَالْفُنْدُقِ لِقِلَّةِ ثَمَنِهِ، وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ جَمِيعِهِ لِكَثْرَةِ ثَمَنِهِ وَتَعَذُّرِهِ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(أَوْ اشْتَرَى) مَنْ أَرَادَ بَيْعَ نَصِيبِهِ (بَعْضًا) مُنْفَرِدًا وَطَلَبَ مِنْ شَرِيكِهِ بَيْعَ نَصِيبِهِ مَعَهُ فَأَبَى فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مَعَهُ. " غ " فِي التَّنْبِيهَاتِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَبْرُ فِيمَا وَرِثَ أَوْ اشْتَرَاهُ الْأَشْرَاكُ جُمْلَةً، وَفِي صَفْقَةٍ فَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مُفْرَدًا أَوْ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ فَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى إجْمَالِ الْبَيْعِ مَعَ صَاحِبِهِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا اشْتَرَى مُفْرَدًا كَذَلِكَ يَبِيعُ مُفْرَدًا، وَلَا حُجَّةَ لَهُ هَاهُنَا فِي بَخْسِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ مُفْرَدًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ اشْتَرَى فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ بِإِخْرَاجِ شَرِيكِهِ مِنْ مَالِهِ، وَعَنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ وَالْمَعْرُوفُ الْحُكْمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ بِدَعْوَى شَرِيكٍ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِنَقْصِ ثَمَنِ حَظِّهِ مُفْرَدًا عَنْ ثَمَنِهِ فِي بَيْعِ كُلِّهِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْمَسَاكِينِ فَبَاعَ وَصِيُّهُ ثُلُثَ أَرْضِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ كَبَيْعِ الْمَيِّتِ قَالَهُ سَحْنُونٌ. وَقَالَهُ غَيْرُهُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِلْوَرَثَةِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَرُبَّمَا آلَ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِمْ إذَا دُعِيَ مُشْتَرِيهِ إلَى مُقَاسَمَتِهِمْ وَلَمْ يَحْتَمِلْ الْقَسْمَ. ابْنُ عَرَفَةَ تَعْلِيلُهُ نَصٌّ فِي قَبُولِ دَعْوَى الْبَيْعِ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى الشَّرِكَةِ. اهـ. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مَا نَصُّهُ طَرِيقُ عِيَاضٍ اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْمَدْخَلِ فِي دَعْوَى الشَّرِيكِ إلَى الْبَيْعِ، وَطَرِيقُ اللَّخْمِيِّ، خِلَافُ هَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ فِيمَا جُعِلَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ مَا لَا يَنْقَسِمُ خَوْفَ أَنْ يَدْعُوَ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا دَخَلَ وَحْدَهُ وَقَدْ جَعَلَهُ يَدْعُو إلَى الْبَيْعِ، وَتَكَرَّرَ هَذَا كَلَامُهُ فِي بَابِ تَشَافُعِ الْوَرَثَةِ وَالشُّرَكَاءِ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ. اهـ. عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَزَا قَوْلَ عِيَاضٍ لِلَّخْمِيِّ.

(وَإِنْ وَجَدَ) أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ (عَيْبًا بِالْأَكْثَرِ) مِنْ نَصِيبِهِ الَّذِي خَصَّهُ بِالْقِسْمَةِ بِأَنْ زَادَ عَلَى نِصْفِهِ (فَلَهُ) أَيْ وَاجِدِ الْعَيْبِ (رَدُّهَا) أَيْ فَسْخُ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَتْ الْأَجْزَاءُ الَّتِي

ص: 300

فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ: رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، مَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا، وَمَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا بِيَدِهِ ثَمَنًا، وَالْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا.

ــ

[منح الجليل]

خَصَّتْ شُرَكَاءَهُ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ لَمْ تَفُتْ وَابْتَدَأَ الْقِسْمَةَ (فَإِنْ) كَانَ وُجُودُ الْعَيْبِ بَعْدَ أَنْ (فَاتَ مَا) أَيْ النَّصِيبُ الَّذِي كَانَ (بِيَدِ صَاحِبِهِ) أَيْ وَاجِدِ الْعَيْبِ (بِكَهَدْمٍ) وَبِنَاءٍ وَقَطْعِ ثَوْبٍ تَبَابِينَ وَغَرْسٍ وَقَلْعٍ وَتَحْبِيسٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ (رَدَّ) صَاحِبُ الْفَائِتِ (نِصْفَ قِيمَتِهِ) أَيْ الْفَائِتِ لِمَنْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِي نَصِيبِهِ مُعْتَبَرَةً (يَوْمَ قَبْضِهِ) أَيْ الْفَائِتِ (وَمَا) أَيْ النَّصِيبُ الَّذِي (سَلِمَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مِنْ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمَعِيبُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ نَقْضٌ لِلْقِسْمَةِ أَيْضًا لِقِيَامِ قِيمَةِ مَا فَاتَ مَقَامَهُ.

(وَ) إنْ فَاتَ (مَا بِيَدِهِ) أَيْ وَاجِدِ الْمَعِيبِ وَهُوَ الْمَعِيبُ (رَدَّ) وَاجِدُ الْعَيْبِ عَلَى الَّذِي بِيَدِهِ السَّالِمُ مِنْ الْعَيْبِ (نِصْفَ قِيمَتِهِ) أَيْ الْمَعِيبِ يَوْمَ قَبْضِهِ (وَمَا) أَيْ النَّصِيبُ الَّذِي (سَلِمَ) مِنْ الْعَيْبِ وَالْفَوَاتِ (بَيْنَهُمَا) وَهَذَا نَقْضٌ لَهَا أَيْضًا فِي الْحَقِيقَةِ. الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ فَاتَ النَّصِيبَانِ مَعًا فَيَرُدُّ آخِذُ السَّالِمِ نِصْفَ فَضْلِ قِيمَتِهِ عَلَى قِيمَةِ الْمَعِيبِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ بِالْأَكْثَرِ بِأَنْ كَانَ بِالنِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ فَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، وَ (رَجَعَ) وَاجِدُ الْعَيْبِ عَلَى آخِذِ السَّالِمِ مِنْ الْعَيْبِ (بِ) مِثْلِ (نِصْفِ) قِيمَةِ النَّصِيبِ (الْمَعِيبِ مِمَّا) أَيْ النَّصِيبِ الَّذِي (فِي يَدِهِ) أَيْ آخِذِ السَّالِمِ مِنْ الْعَيْبِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُمَاثِلِ (ثَمَنًا) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ، أَيْ قِيمَةً لِلسَّالِمِ فَ (لَا) يَرْجِعُ (شَرِيكًا) فِي عَيْنِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ (وَ) النَّصِيبُ (الْمَعِيبُ) مُشْتَرَكٌ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اقْتَسَمَ شَرِيكَانِ دُورًا أَوْ أَرَضِينَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ رَقِيقًا فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ بِبَعْضِ مَا أَخَذَهُ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهُ مَا نَابَهُ وَأَكْثَرُهُ رَدَّ الْجَمِيعَ وَابْتَدَأَ الْقَسْمَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ، فَيَرُدُّ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ فَيَقْتَسِمَانِ تِلْكَ الْقِيمَةَ مَعَ الْحَاضِرِ الْمَرْدُودِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ رَدَّ قِيمَةَ مَا فَاتَ فَكَانَ ذَلِكَ مَعَ مَا لَمْ يَفُتْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّصِيبِ الْمَعِيبِ

ص: 301

اُسْتُحِقَّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ: خُيِّرَ لَا رُبْعٌ، وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ:

ــ

[منح الجليل]

يَرُدُّ نِصْفَ قِيمَةِ مَا فَاتَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ الْأَقَلَّ رَدَّهُ، وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ إذْ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَسْمُ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ قَدْرَ سُبْعِ مَا بِيَدِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ سُبْعِ مَا أَخَذَ ثَمَنًا، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْمَعِيبَ، وَلَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا فِي حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ وَهَدَمَ بَعْدَ الْقَسْمِ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَذَلِكَ فَوْتٌ، وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ ثَمَنًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا.

(تَنْبِيهٌ) الْبُنَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ " غ " الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ لَا حَقِيقَةُ اسْمِ التَّفْضِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ النِّصْفُ فَدُونَ فَالْخِيَارُ لَهُ فِي التَّمَسُّكِ بِالْقِسْمَةِ، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِ السَّلِيمِ مِنْ الْعَيْبِ، وَفِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فِي السَّالِمِ بِقَدْرِ نِصْفِ الْمَعِيبِ مِنْ السَّالِمِ، وَيَكُونُ لِصَاحِبِ السَّالِمِ مِنْ الْعَيْبِ قَدْرُ مَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَعِيبِ مِنْ السَّالِمِ فَلَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فِي الْكُلِّ، بَلْ فِي الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَلَهُ الْخِيَارُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْمَعِيبِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، أَوْ فَسَخَ الْقِسْمَةَ مِنْ أَصْلِهَا وَعَلَيْهِ فَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَهُ رَدُّهَا إجْمَالٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ) مِنْ بَعْضِ أَنْصِبَاءِ الْمَقْسُومِ بَيْنَهُمْ. (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ بَيْنَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَبَقَائِهَا وَالرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ. الشَّارِحُ وَيُحْتَمَلُ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ نَقْضِهَا وَرُجُوعِهِ شَرِيكًا فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَ (لَا) يُخَيَّرُ إنْ اُسْتُحِقَّ (رُبْعٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ فَأَقَلُّ مِنْهُ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ (وَفُسِخَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقِسْمَةُ (فِي) اسْتِحْقَاقِ (الْأَكْثَرِ) مِنْ النِّصْفِ وَلَا خِيَارَ وَلَا رُجُوعَ وَتُفْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ كُلِّ النَّصِيبِ بِالْأَوْلَى.

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ اقْتَسَمَا عَبْدَيْنِ فَأَخَذَ هَذَا عَبْدًا وَهَذَا عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُ عَبْدِ أَحَدِهِمَا، فَلِلَّذِي اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْعَبْدِ الَّذِي فِي يَدِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِرُبْعِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا. أَبُو مُحَمَّدٍ لَمَّا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ مَا صَارَ إلَيْك لَمْ يَكُنْ لَك رَدُّ بَاقِيهِ، بِخِلَافِ مُبْتَاعِ عَبْدٍ يَرُدُّهُ بِاسْتِحْقَاقِ أَيْسَرِهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَفِيهَا أَيْضًا لَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ جُلِّ نَصِيبِهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهُ فَلَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ قِيمَةِ مَا بِيَدِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ فِي هَذَا.

" غ " ابْنُ يُونُسَ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَتَحَصَّلُ عِنْدِي فِي وُجُودِ الْعَيْبِ، أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ يَطْرَأُ بَعْدَ الْقَسْمِ أَنْ يُنْظَرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَالرُّبْعِ فَأَقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ نَحْوَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ يَكُونُ شَرِيكًا بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ النِّصْفِ انْتَقَضَ الْقَسْمُ وَابْتَدَأَهُ، وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا التَّحْصِيلَ وَقَالَ لَيْسَ فِي الْبَابِ مَا يُخَالِفُهُ إلَّا مَسْأَلَةُ الدَّارِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا رُبْعَهَا وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا، فَيُسْتَحَقُّ نِصْفُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ قَالَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ قَالَ يَرْجِعُ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ لَاسْتَوَتْ الْمَسَائِلُ وَحَسُنَ التَّأْوِيلُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ تَنَاقُضٌ.

وَلَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ اخْتِلَافَ أَجْوِبَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُتَأَوِّلُونَ وَحَارَ فِيهَا الْمُتَأَمِّلُونَ، وَكَثُرَ فِيهَا كَلَامُ الْمُدَقِّقِينَ وَتَعَارَضَتْ فِيهَا مَذَاهِبُ الْمُحَقِّقِينَ، فَذَهَبَ الْقَرَوِيُّونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ، فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمَعْلُومُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثُّلُثَ كَثِيرٌ يُرَدُّ مِنْهُ، وَأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ تَسْتَوِي مَعَ الْبَيْعِ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَرُدَّانِ مِنْهُ وَذَلِكَ الرُّبْعُ، وَفِي الْجُلِّ يُرَدُّ مِنْهُ الْبَيْعُ وَيَنْفَسِخُ الْقَسْمُ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُفْسَخُ عِنْدَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ، وَيُشَارِكُ بِذَلِكَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا نَحْوُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ.

فَإِنْ قُلْت لَوْ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا مَا خَصَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِي الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، بَلْ كَانَ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ قُلْت لَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ

ص: 303

كَطُرُوِّ غَرِيمٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ

ــ

[منح الجليل]

خُصُوصِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ضَبْطَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْبَابِ، وَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَرَوِيِّينَ إنْ كَانَ نَحْوَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ يَكُونُ شَرِيكًا بِحِصَّتِهِ، مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَانِ) . الْأَوَّلُ: الْحَطّ ظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ شَائِعًا فِي جَمِيعِ الْمَقْسُومِ أَوْ فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوْ مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ أَوْ شَائِعٌ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ فَيُفَصَّلُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَفِيهِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ. " غ " وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَقْسُومِ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ " لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِثْلُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ. الثَّانِي: عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ جَاءَ فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَلْفَاظٌ مُشْكِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَقَالَاتٌ مُطْلَقَةٌ اضْطَرَبَ بِسَبَبِهَا تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ، فَإِنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَائِعٍ فَلَا يُنْقَضُ الْقَسْمُ وَاتَّبَعَ الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ مِنْ حَقِّهِ، وَلَا يُتَّبَعُ الْمَلِيءُ عَنْ الْمُعْدِمِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ جَمِيعُهُ رَجَعَ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَثَلَاثَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَرَّةً يُنْقَضُ الْقَسْمُ كُلُّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ مَرَّةً يَرْجِعُ فَيُسَاوِي صَاحِبَهُ فِيمَا بِيَدِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ الْمُسْتَحَقِّ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا، وَقَالَ مَرَّةً يُنْقَضُ فِي الْكَثِيرِ وَيَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ شَرِيكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَشَبَّهَ فِي الْفَسْخِ فَقَالَ (كَطُرُوِّ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَالرَّاءِ وَشَدِّ الْوَاوِ، أَيْ طَرَيَان (غَرِيمٍ) أَيْ صَاحِبِ دَيْنٍ وَحْدَهُ عَلَى وَرَثَةٍ وَحْدَهُمْ بَعْدَ قَسْمِهِمْ تَرِكَةَ مُوَرِّثِهِمْ فَيُنْقَضُ الْقَسْمُ، وَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهَا إنْ اسْتَغْرَقَهَا دَيْنُهُ أَوْ عَلَى وَرَثَةٍ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فَكَذَلِكَ (أَوْ) طُرُّوهُ (مُوصًى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ (لَهُ بِعَدَدٍ) مِنْ دَنَانِيرَ

ص: 304

عَلَى وَرَثَةٍ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ، وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ

وَالْمَقْسُومُ: كَدَارِ

وَإِنْ كَانَ عَيْنًا، أَوْ مِثْلِيًّا، رَجَعَ عَلَى كُلٍّ، وَمَنْ أَعْسَرَ: فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا

وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ:

ــ

[منح الجليل]

وَنَحْوِهَا (عَلَى وَرَثَةٍ) وَحْدَهُمْ بَعْدَ قَسْمِهِمْ تَرِكَةَ مُوَرِّثِهِمْ (أَوْ) طُرُوءِ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ وَحْدَهُ (عَلَى وَارِثٍ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ) مَثَلًا بَعْدَ إعْطَاءِ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ وَقَسْمِ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ. ابْنُ الْقَاسِمِ فَتُفْسَخُ الْقَسِيمَةُ وَيُعْطَى الْغَرِيمُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ حَقَّهُ ثُمَّ يُبْتَدَأُ الْقَسْمُ.

(وَ) الْفَسْخُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ (الْمَقْسُومُ) مُقَوَّمًا (كَدَارٍ) أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِعَيْنِهِ فِيهَا إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دَارًا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ قَدِمَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ نُقِضَ الْقَسْمُ كَانُوا قَدْ جَمَعُوا الدُّورَ فِي الْقَسْمِ أَوْ اقْتَسَمُوا كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ.

(وَإِنْ كَانَ) الْمَقْسُومُ (عَيْنًا) أَيْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ (أَوْ مِثْلِيًّا) أَيْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُفْسَخُ الْقَسْمُ (وَرَجَعَ) الْغَرِيمُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِعَدَدِ الطَّارِئِ (عَلَى كُلٍّ) مِمَّنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَخُصُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ فَاتَ رَجَعَ بِمِثْلِهِ (وَمَنْ أَعْسَرَ) مِنْ الْمَطْرُوءِ عَلَيْهِمْ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ يَرْجِعُ الطَّارِئُ وَيَتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا عَلَيْهِ عَلَى مَلِيءٍ مِنْ الْمَطْرُوءِ عَلَيْهِمْ (إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) حِينَ الْقَسْمِ بِالطَّارِئِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ وَقَسَمُوا رَجَعَ الطَّارِئُ عَلَى الْمَلِيءِ بِمَا عَلَى الْمُعْسِرِ وَعَلَى الْحَيِّ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْحَاضِرِ بِمَا عَلَى الْغَائِبِ لِتَعَدِّيهِمْ. وَمَحَلُّ فَسْخِ قِسْمَةِ الْمُقَوَّمِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ لِلطَّارِئِ حَقَّهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا طَرَأَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ بَعْدَ الْقَسْمِ وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ، فَإِنَّمَا يَتْبَعُ كُلَّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَتْبَعُ الْمَلِيءَ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ.

(وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ) أَوْ بَعْضُهُمْ لِلطَّارِئِ حَقَّهُ (مَضَتْ) الْقِسْمَةُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِيهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ

ص: 305

كَبَيْعِهِمْ بِلَا غَبْنٍ

اسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا. وَمَنْ أَعْسَرَ: فَعَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا

ــ

[منح الجليل]

يَفْتَكَّ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ بِأَدَاءِ مَا يَنُوبُهُ، فَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ طَعَامًا وَلَا أَتْبَعُكُمْ بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقُضُوا الْقَسْمَ لِرَغْبَتِهِ فِي حَظِّهِ، وَقَدْ قَسَمُوا رَبْعًا أَوْ حَيَوَانًا، فَذَلِكَ لَهُ. وَشَبَّهَ فِي مُضِيِّ الْقَسْمِ وَعَدَمِ فَسْخِهِ فَقَالَ (كَبَيْعِهِمْ) أَيْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ قَسْمِهَا (بِلَا غَبْنٍ) أَيْ مُحَابَاةٍ لَا حَقِيقَةِ الْغَبْنِ، وَمَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ بِلَا قَرِينَةٍ وَعُدُولِهِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَمُجَرَّدُ الِاخْتِصَارِ لَا يُسَوِّغُ ذَلِكَ، فَإِنْ بِيعَ بِمُحَابَاةٍ فَكَالْهِبَةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَالْهِبَةُ لَا تُرَدُّ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ الْوَاهِبُ وَالْمُعْتِقُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَيَدْفَعُ لِلْغَرِيمِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيُرَدُّ الْعِتْقُ.

فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَمْضِي مُطْلَقًا فَلِمَ قَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْمُحَابَاةِ؟ . قُلْت قَوْلُهَا وَمَا بَاعَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ لَا قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يُحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُحَابَاةِ قَيْدٌ فِي إعْطَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي الْإِمْضَاءِ فَتُؤُوِّلَ عِبَارَتُهَا بِذَلِكَ، أَيْ كَبَيْعِهِمْ يَمْضِي وَعَلَيْهِمَا الثَّمَنُ إنْ بَاعُوا بِلَا مُحَابَاةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَيَضْمَنُونَ الدَّيْنَ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ وَلَمْ يَبِعْ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ.

(اسْتَوْفَى) الطَّارِئُ جَمِيعَ حَقِّهِ (مِمَّا وَجَدَ) مِنْ التَّرِكَةِ (ثُمَّ تَرَاجَعُوا) أَيْ رَجَعَ الْوَارِثُ الْمَأْخُوذُ نَصِيبُهُ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ (وَمَنْ أَعْسَرَ) مِنْهُمْ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ يَرْجِعُ الطَّارِئُ بِمَا عَلَيْهِ وَيَتْبَعُ ذِمَّتَهُ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ مَلِيءٍ غَيْرِهِ (إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ بِالطَّارِئِ، فَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ أَخَذَ مِنْ الْمَلِيءِ مَا عَلَى الْمُعْسِرِ. الْحَطّ ذَكَر الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْبَعَ مَسَائِلَ، الْأُولَى: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا.

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَهَا أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ، لَكِنْ شُرِطَ فِيهِ كَوْنُ الْمَقْسُومِ مُقَوَّمًا كَدَارٍ وَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ. وَاحْتَرَزَ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا فَلَا تُنْقَضُ، وَصَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ وَشَرْطُ نَقْضِهَا فِي الْمُقَوَّمِ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْوَرَثَةُ أَوْ أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الدَّيْنِ وَلَا الْعَدَدَ الْمُوصَى بِهِ. وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ التَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا وَطَرَأَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِهَا وَوَجَدَ بَعْضَهُمْ مُوسِرًا وَبَعْضَهُمْ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوسِرِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ، وَيَتْبَعُ الْمُعْسِرَ بِحِصَّتِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا الدَّيْنَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا هَذَا فِي طُرُوءِ غَرِيمٍ عَلَى غُرَمَاءَ أَوْ وَارِثٍ عَلَى وَرَثَةٍ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مُوصًى لَهُمْ.

وَأَمَّا إذَا طَرَأَ غَرِيمٌ عَلَى وَرَثَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَى مَلِيئِهِمْ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَهُ هُوَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْسِرِ بِمَا يَخُصُّهُ، سَوَاءٌ عَلِمُوا الدَّيْنَ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَفِي قِسْمَتِهَا وَمَنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ دُورًا وَرَقِيقًا وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَجَهِلَ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَاقْتَسَمُوا مِيرَاثَهُ ثُمَّ عَلِمُوا الدَّيْنَ فَتُرَدُّ الْقِسْمَةُ حَتَّى يُوَفِّيَ الدَّيْنَ إنْ كَانَ مَا اقْتَسَمُوا قَائِمًا، فَإِنْ أَتْلَفَ بَعْضُهُمْ حَظَّهُ وَبَقِيَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ حَظُّهُ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ دَيْنِهِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَقَلَّ مِمَّا بِيَدِهِ أَخَذَ قَدْرَ دَيْنِهِ وَضُمَّ مَا بِيَدِ هَذَا الْوَارِثِ بَعْدَ الدَّيْنِ إلَى مَا أَتْلَفَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، فَكَانَ هُوَ التَّرِكَةَ، وَمَا بَقِيَ بِيَدِ الْغَارِمِ فَهُوَ لَهُ، وَيَتْبَعُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ بِتَمَامِ مِيرَاثِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَيَضْمَنُ كُلُّ وَارِثٍ مَا أَكَلَهُ وَمَا اسْتَهْلَكَهُ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَمَا بَاعَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ إنْ لَمْ يُحَابِ.

طفي قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَقَفْت عَلَيْهِ، بَلْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

عَلَى قَوْلِهِ يُوَفِّي دَيْنَهُ مِمَّا وَجَدَ وَيَتَرَاجَعُونَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ فِي تَرَاجُعِهِمْ مَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا إذْ لَا مَعْنَى لِهَذَا الشَّرْطِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْعِلْمِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اتِّبَاعُ كُلٍّ بِحِصَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَإِنْ قِيلَ مَحَلُّهُ التَّأْخِيرُ فَتَأْخِيرُ الَّذِي قَبْلَهُ كَمَا قُلْنَاهُ يُغْنِي عَنْهُ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْحَطّ بَعْدَ اسْتِشْكَالِ الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا مَاتَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تبارك وتعالى مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَضَمَانُهُ مِنْ جَمِيعِهِمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ قَسْمَهُمْ بَاطِلٌ لِلدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ ثُمَّ طَرَأَ دَيْنٌ انْتَقَضَ كَقَسْمِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُمْ رِجَالٌ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ طَرَأَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقَسْمِ وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ، فَإِنَّمَا يَتْبَعُ كُلَّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ، وَلَا يَتْبَعُ الطَّارِئُ الْمَلِيءَ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ كَالْغَرِيمِ الطَّارِئِ عَلَى وَرَثَةٍ، وَلَكِنْ كَغَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى غُرَمَاءَ وَقَدْ قَسَمُوا مَالَ الْمَيِّتِ أَجْمَعَ، فَأَعْدَمَ بَعْضُهُمْ فَلَا يَتْبَعُ الْمَلِيءَ إلَّا بِمَا عِنْدَهُ مِنْ حِصَّتِهِ بِالْحِصَاصِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دُورًا وَلَا عَيْنَ فِيهَا فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ قَدِمَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ نُقِضَ الْقَسْمُ كَانُوا قَدْ جَمَعُوا الدُّورَ فِي الْقَسْمِ أَوْ قَسَمُوا كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ قَدِمَ مُوصًى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا كَانَ كَلُحُوقِ دَيْنٍ، إمَّا أَنْ يُؤَدُّوهُ أَوْ يُنْقَضَ الْقَسْمُ، وَلَا تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ مَالِهِمْ وَمَالُ الْمَيِّتِ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ طَاعَ أَكْثَرُهُمْ بِأَدَاءِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَأَبَى أَحَدُهُمْ وَقَالَ اُنْقُضُوا الْقَسْمَ وَبِيعُوا لِذَلِكَ وَاقْتَسِمُوا مَا بَقِيَ فَذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دُعُوا إلَى نَقْضِ الْقَسْمِ إلَّا وَاحِدًا قَالَ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ طَعَامًا، وَلَا أَتْبَعُكُمْ بِشَيْءٍ وَلَا تُنْقِضُوا الْقِسْمَةَ لِرَغْبَتِهِ فِي حَظِّهِ، وَقَدْ قَسَمُوا رَبْعًا وَحَيَوَانًا فَذَلِكَ لَهُ. اهـ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْحَطّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَقْسُومِ مُقَوَّمًا، وَكَوْنِهِ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي طَرَيَان وَارِثٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانُهُ فِي طَرَيَان غَرِيمٍ

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ قَالَ وَإِذَا طَرَأَ دَيْنٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَغْتَرِقُ التَّرِكَةَ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَغْتَرِقُهَا وَكُلُّهُمْ حَاضِرٌ مُوسِرٌ غَيْرُ مُلِدٍّ أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا أَوْ مُعْسِرًا أَوْ مُلِدًّا أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْحَاضِرِ الْمُوسِرِ غَيْرِ الْمُلِدِّ وَيَتْبَعُ هُوَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ رَقِيقًا فُسِخَتْ حَتَّى يُوَفِّيَ الدَّيْنَ عَلِمُوا بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا يُفْسَخُ وَيُفَضُّ الدَّيْنُ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْحِصَصِ طفي فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي كَلَامِ اللُّبَابِ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي الْمِثْلِيِّ إنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ إذَا هَلَكَ إمَّا مَعَ وُجُودِهِ فَلَا يُفْسَخُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ صَاحِبُ اللُّبَابِ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ، وَفِي هَذَا لَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ، بَلْ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُصَنِّفِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ لِقَوْلِهِ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْحَاضِرِ الْمُوسِرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ وَهُوَ، قَالَ عَلِمُوا بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقَوْلُهُ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْحَاضِرِ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ.

الثَّانِي: " غ " اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا الَّتِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ لِرُجُوعِهَا لِلثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. اهـ.

قُلْت وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ طُرُوءُ غَرِيمٍ عَلَى غُرَمَاءَ وَوَرَثَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ كَفَافُ الدَّيْنِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طُرُوءِ غَرِيمٍ عَلَى وَرَثَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَافُ دَيْنِهِ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ مَا يَخُصُّهُ بِالْمُحَاصَّةِ كَرُجُوعِ غَرِيمٍ عَلَى غُرَمَاءَ الثَّانِيَةُ طُرُوءُ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ وَوَرَثَةٍ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيمَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ زَائِدٌ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، وَهُوَ كَفَافُ الْجُزْءِ الطَّارِئِ كَانَ كَطُرُوءِ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَافٌ رَجَعَ بِبَاقِي مَا يَخُصُّهُ بِالْمُحَاصَّةِ فِي الثُّلُثِ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ، وَالثَّانِيَةُ طُرُوءُ غَرِيمٍ عَلَى وَرَثَةٍ وَمُوصًى لَهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَحُكْمُهَا إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ الْمُوصَى لَهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَا فِي عَدَمِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَهُ فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَنْ الثُّلُثِ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ مَلِيًّا مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ. وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلُثِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إلَّا فِي عَدَمِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الثَّالِثُ: طفي قَوْلُهُ كَطُرُوءِ غَرِيمٍ إلَخْ تَشْبِيهٌ فِي الْفَسْخِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْسُومُ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا، فَقَوْلُهُ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ إلَخْ لَا يَصِحُّ هُنَا، وَمَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ إلَخْ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ، وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَتَقْدِيمُهُ هُنَا وَهْمٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَوْ مُخَرِّجِ الْمُبَيَّضَةِ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي طُرُوءِ الْغَرِيمِ عَلَى الْوَارِثِ مُطْلَقٌ وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَلِيءَ عَنْ الْمُعْدِمِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِمْ وَعَدَمِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَإِنَّمَا هَذَا التَّفْصِيلُ فِي طُرُوءِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ إذَا رَجَعَ الْقَادِمُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَتْبَعُ الْمَلِيءَ فِي كُلِّ حَظِّهِ بِالْإِرْثِ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ، بِخِلَافِ طُرُوئِهِ عَلَى غُرَمَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ إذَا طَرَأَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ بَعْدَمَا قَسَمَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَاءَ الْوَرَثَةُ أَوْ أَبَوْا فَمَا هَلَكَ أَوْ نَقَصَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَمَا نَمَا لِجَمِيعِهِمْ فَيُخْرَجُ الدَّيْنُ أَوْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَيُقْسَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ " رضي الله عنه ".

الثَّانِي: نَقْضُهَا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَلَى عَدَمِهِ وَإِخْرَاجِ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَذَلِكَ لَهُمْ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْصُوصُ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَائِدَةَ نَقْضِهَا وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مِثْلِيًّا الضَّمَانُ مِنْ جَمِيعِهِمْ إذَا تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ، وَإِذَا كَانَ الْمِثْلِيُّ قَائِمًا بِأَيْدِيهِمْ فَلَا تُنْقَضُ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَجَدَ مَا قَسَمُوهُ بِأَيْدِيهِمْ فَلَا يُنْتَقَضُ قَسْمُهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَلِهَذَا قَيَّدَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ أَوَّلًا بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَعَ الْهَلَاكِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ كَلَامُهُ يُفِيدُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيَحْتَاجُ إلَى وَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَدَارٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ عَدَمُ النَّقْضِ مَعَ وُجُودِهِ، وَالنَّقْضُ مَعَ هَلَاكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَ بِالْمِثْلِيِّ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَابْنُ رُشْدٍ عَمَّمَ كَمَا تَرَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ

ص: 310

وَإِنْ طَرَأَ: غَرِيمٌ، أَوْ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ

وَأُخِّرَتْ لَا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وَفِي الْوَصِيَّةِ: قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

وَاحِدٍ وَالْعَجَبُ مِنْ شُرَّاحِهِ كَيْفَ قَرَّرُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ " غ " رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ الطَّوَارِئَ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَرَتَّبَهَا عَلَى تَرْتِيبِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأُصُولِهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرَتِّبْهَا كَذَلِكَ، وَقَدْ تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا شَرَفُ الدِّينِ الطِّخِّيخِيُّ، فَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْفِ الْغَلِيلَ بِإِيرَادِ النُّقُولِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا لَك مَا شَفَى وَكَفَى، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ) أَيْ صَاحِبُ دَيْنٍ عَلَى مِثْلِهِ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِ الْمَيِّتِ (أَوْ) طَرَأَ (وَارِثٌ) عَلَى مِثْلِهِ بَعْدَ الْقَسْمِ (أَوْ) طَرَأَ (مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ) طَرَأَ (مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ) كَسُدُسٍ (عَلَى وَارِثٍ) بَعْدَهُ (اتَّبَعَ) الطَّارِئُ (كُلًّا) بِضَمِّ الْكَافِ وَشَدِّ اللَّامِ، أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَطْرُوءِ عَلَيْهِمْ (بِحِصَّتِهِ) الَّتِي تَخُصُّهُ بِالْمُحَاصَّةِ وَلَا يُنْقَضُ الْقَسْمُ وَلَا يُغَرِّمُ مَلِيًّا عَنْ مُعْدِمٍ، فَإِنْ وَجَدَ مَا أَخَذُوهُ قَائِمًا بِأَيْدِيهِمْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَهُ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا أَوْ عَقَارًا انْفَسَخَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَرُّرِهِ بِتَبْعِيضِ حِصَّتِهِ قَالَهُ تت. الْحَطّ هَذَا إنْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ دَارًا فَلِلطَّارِئِ، نَقْضُ الْقِسْمَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَنَصُّهُ وَلَوْ طَرَأَ وَارِثٌ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمُوا بِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ. فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْ وَلَهُ مُشَارَكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَنُوبُهُ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُمَا وَاللُّبَابِ.

(وَأُخِّرَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ الَّذِينَ أَحَدُهُمْ حَمْلٌ (لَا) يُؤَخَّرُ (دَيْنٌ) أَيْ دَفْعُهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَصِلَةُ أُخِّرَتْ (لِ) وَضْعِ (حَمْلِ) وَارِثٍ (وَفِي) تَأْخِيرِ إخْرَاجِ (الْوَصِيَّةِ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ لِوَضْعِ الْحَمْلِ وَتَعْجِيلِهِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

ق " ابْنُ رُشْدٍ مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً حَمْلُهَا وَارِثُهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُعَجَّلَ قَسْمُ تَرِكَتِهِ حَتَّى تُسْأَلَ، فَإِنْ قَالَتْ إنَّهَا حَامِلٌ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ حَتَّى تَضَعَ أَوْ يَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا، وَإِنْ قَالَتْ لَا أَدْرِي أُخِّرَ الْقَسْمُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ بِهَا بِحَيْضَةٍ أَوْ بِمُضِيِّ أَمَدِ الْعِدَّةِ وَلَا رِيبَةَ حَمْلٍ بِهَا إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ عَجِّلُوا لِي ثَمَنِي لِتَحَقُّقِهِ لِي لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيُؤَدَّى وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْوَضْعُ. الْبَاجِيَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِابْنِ أَيْمَنَ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَنْفُذُ حَتَّى تَلِدَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَالَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ لِأَنَّ مَا يَهْلِكُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا يَزِيدُ مِنْهُ، أَرَادَ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى وَصِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِ مَا يَرِثُهُ الْوَرَثَةُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَيُؤَخَّرُ قَسْمُ الْإِرْثِ حَتَّى تَلِدَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَجْعَلْ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ.

" غ " أَشَارَ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ قِفْ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ مَسَائِلَ: الدَّيْنُ يُؤَدَّى بِاتِّفَاقٍ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ وَالتَّرِكَةُ لَا يَقْسِمهَا الْوَرَثَةُ بِاتِّفَاقٍ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ وَالْوَصَايَا اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ يُعَجَّلُ إنْفَاذُهَا قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ لَا يُعَجَّلُ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ؟ قَالَ لَمْ أَعْرِفْ فِي الدَّيْنِ خِلَافًا إلَّا مَا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ الْغَلَطِ الَّذِي لَا يُعَدُّ مِنْ الْخِلَافِ. وَقَدْ قَالَ الْبَاجِيَّ شَهِدْت ابْنَ أَيْمَنَ حَكَمَ فِي مَيِّتٍ عَنْ امْرَأَتِهِ حَامِلًا أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَلَا يُؤَدَّى دَيْنُهُ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ، فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا مَذْهَبُنَا، وَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُؤَدَّى دَيْنُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَا يَدْخُلُهُ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي تَوْقِيفِ الْوَصِيَّةِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ لِعِلَّةٍ هِيَ أَنَّ بَقِيَّةَ التَّرِكَةِ قَدْ تَتْلَفُ فِي حَالِ التَّنْفِيذِ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ، فَيَجِبُ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ بِثُلُثَيْ مَا قَبَضُوا، وَلَعَلَّهُمْ مُعْدِمُونَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ، فَلَا يَجِدُونَ مَنْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا تَأْخِيرُ الدَّيْنِ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ فَلَا عِلَّةَ تُوجِبُهُ، بَلْ يَجِبُ تَعْجِيلُ أَدَائِهِ خَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْمَالِ فَيَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ وَإِذَا وَجَبَ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَائِبِ

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

بِمَا وُجِدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَعَ بَقَاءِ ذِمَّتِهِ إنْ تَلِفَ الْمَوْجُودُ لَهُ، فَأَحْرَى أَنْ يُؤَدَّى الدَّيْنُ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ تَرِكَتِهِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ انْقَضَتْ ذِمَّتُهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَجِبُ لَهُ فِي التَّرِكَةِ حَقٌّ حَتَّى يُولَدَ حَيًّا وَيَسْتَهِلَّ صَارِخًا، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ نَصِيبُهُ، وَالْغَائِبُ حَقُّهُ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ، وَلَوْ مَاتَ وَرِثَ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُنْتَظَرْ الْغَائِبُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ الَّذِي يُؤَدَّى مِنْهُ الدَّيْنُ الْآنَ لَهُ كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يُنْتَظَرَ الْحَمْلُ الَّذِي لَمْ يَجِبْ لَهُ فِي التَّرِكَةِ حَقٌّ، وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا عَلَى صَغِيرٍ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يُجْعَلْ لِلصَّغِيرِ وَكِيلٌ يُخَاصِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ وَضْعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَامَ لَهُ وَكِيلٌ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ وَضْعِ الْحَمْلِ بِتَأْدِيَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ وَلَا إشْكَالَ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ مَنْفَعَةٍ فِي ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ، فَقَالَ فِي تَغْلِيطِهِ ابْنَ أَيْمَنَ وَقَوْلُهُ لَا حُجَّةَ لَهُ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِحُكْمِ قَاضٍ بِهِ، وَحُكْمُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ مَوْتِ الْمَدِينِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَدَدُ وَرَثَتِهِ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَالْحُكْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْمُتَوَقِّفِ عَلَى أَمْرٍ مُتَوَقِّفٍ عَلَى ذَلِكَ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالدَّيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِعْذَارِ لِكُلِّ الْوَرَثَةِ وَالْحَمْلُ مِنْهُمْ، وَلَا يَتَقَرَّرُ الْإِعْذَارُ فِي جِهَتِهِ إلَّا بِوَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ، وَكِلَاهُمَا يَسْتَحِيلُ قَبْل وَضْعِهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. الْحَطّ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِابْنِ أَيْمَنَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْحُكْمِ بِالْقَضَاءِ ثُبُوتُ عَدَدِ الْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ وَالْحَمْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْحَمْلِ وَصِيٌّ وَلَا وَلِيٌّ وَابْنُ رُشْدٍ لَا يُسَلِّمُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْحَمْلِ أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ عَلَى مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ كَأَنْ يَتْرُكَ زَوْجَةً حَامِلًا وَبَنِينَ وَنَصُّهُ، وَلَا خِلَافَ عِنْدِي فِي أَنَّ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْحَمْلِ أَنْ يُجِيزَ الصُّلْحَ عَلَيْهِ، وَيُمْضِيَهُ

ص: 313

وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ: أَبٌ، أَوْ وَصِيٌّ وَمُلْتَقِطٌ: كَقَاضٍ عَنْ غَائِبٍ

ــ

[منح الجليل]

إذَا رَآهُ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ، وَلَا فَسَادَ لِعِلْمِ الزَّوْجَةِ بِنَصِيبِهَا وَلَا فِي أَنَّ لِلنَّاظِرِ لِلْحَمْلِ أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ عَنْهُ قَبْلَ وَضْعِهِ إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مَعْلُومًا، وَذَكَرَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا عَزَلُوا لِلْحَمْلِ مِيرَاثَ ذَكَرٍ، وَقَسَمُوا بَقِيَّةَ التَّرِكَةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ فِيمَا عَزَلُوهُ لِلْحَمْلِ إنْ نَقَصَ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ هَلَكَ، وَإِنْ تَلِفَ مَا وَقَفُوهُ لَهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِمَا إنْ وَجَدَهُمْ أَمْلِيَاءَ، وَإِنْ أَعْدَمَ بَعْضُهُمْ يُرْجَعُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ فَيُقَاسِمُهُمْ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ، فَإِنْ نَمَا بِأَيْدِيهِمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ قَسْمَهُمْ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَمَا مَا وَقَفُوهُ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَوْلٌ فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ رَضَوْا بِمَا أَخَذُوا فَالْقِسْمَةُ لَزِمَتْهُمْ، وَلَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ لِلْحَمْلِ نَاظِرٌ قُسِمَ عَلَيْهِ لَجَازَتْ الْقِسْمَةُ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَتَهُ حَامِلًا وَأَبَوَيْهِ الْوَاجِبُ وَقْفُ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَضَعَ، فَإِنْ جَعَلُوا الْحَمْلَ ذَكَرًا وَعَزَلُوا لَهُ مِيرَاثَهُ وَاقْتَسَمُوا مَا بَقِيَ كَانَتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. اهـ.

(وَ) إنْ أَرَادَ الشُّرَكَاءُ قَسْمَ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ (قَسَمَ عَنْ) الـ (صَغِيرِ أَبٌ) لَهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ لَا أُمُّهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً عَلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَمَفْهُومُ صَغِيرٍ أَنَّ الْأَبَ لَا يَقْسِمُ عَنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ الْغَائِبِ (أَوْ وَصِيٌّ) مِنْ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ مُقَدَّمٌ مِنْ الْقَاضِي عَلَى يَتِيمٍ لَا وَصِيَّ لَهُ (وَمُلْتَقِطٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَنْ لَقِيطِهِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ الدَّارَ وَالْعَقَارَ وَغَيْرَهُمَا مَلَكَ ذَلِكَ بِإِرْثٍ عَنْ أُمِّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه "، وَلَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ حَتَّى يَرْفَعَ ذَلِكَ فَيَقْسِمَ بَيْنَهُمْ إذَا رَآهُ نَظَرٌ، أَوْ إذَا قَسَمَ لِلصَّغِيرِ أَبُوهُ فَحَابَى فَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِيهَا وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَيُرَدُّ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ وَلَمْ تَفُتْ عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا، فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ الْأَبُ. ابْنُ الْحَاجِّ الْقِسْمَةُ بِالتَّعْدِيلِ بَيْنَ الْأَيْتَامِ جَائِزَةٌ إذَا ثَبَتَ السَّدَادُ وَالْقُرْعَةُ أَحْسَنُ.

وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْقَاسِمِ فَقَالَ (كَ) قَسْمِ (قَاضٍ عَنْ) رَشِيدٍ (غَائِبٍ) فَيَجُوزُ قَسْمُهُ عَنْهُ إنْ طَلَبَهُ شُرَكَاؤُهُ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا وَرِثَ قَوْمٌ شِقْصَ دَارٍ وَالشَّرِيكُ غَائِبٌ فَأَحَبُّوا

ص: 314

لَا ذِي شُرْطَةٍ أَوْ كَنَفَ أَخًا، أَوْ أَبٍ عَنْ كَبِيرٍ، وَإِنْ غَابَ، وَفِيهَا: قَسْمُ نَخْلَةٍ، وَزَيْتُونَةٍ إنْ اعْتَدَلَتَا، وَهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ

ــ

[منح الجليل]

الْقَسْمَ فَالْقَاضِي يَلِي ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ، وَيَعْزِلُ حَظَّهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرَّقِيقِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ (لَا) كَ (ذِي) أَيْ صَاحِبِ (شُرْطَةٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ عَلَامَةٍ فِي لُبْسِهِ تُمَيِّزُهُ، وَهُمْ جُنُودُ السُّلْطَانِ فَلَا يَقْسِمُ عَنْ صَغِيرٍ وَلَا عَنْ غَائِبٍ.

فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ طَلَبَ شَرِيكُ الْغَائِبِ الْقَاسِمَ فَالْقَاضِي يَلِي ذَلِكَ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، فَإِنْ رَفَعُوا ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَإِنْ غَابَ، وَلَا الْأُمِّ عَلَى ابْنِهَا الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً. الْحَطّ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُتَّحِدًا وَشَرِيكُهُ أَخٌ كَبِيرٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَعَةِ حَاكِمٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الصِّغَارُ وَكَانَ الشَّرِيكُ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ حَظُّ الصِّغَارِ مُشْتَرَكًا جَازَ الْقَسْمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ تَمَيَّزَتْ حُظُوظُهُمْ فَقِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَسْمُ بَيْنَ الصِّغَارِ فَقَطْ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(أَوْ) أَخٌ (كَنَفَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ وَالْفَاءِ أَيْ رَبَّى أَخٌ (أَخًا) لَهُ يَتِيمًا فَلَا يَقْسِمُ عَنْهُ وَلَا يَبِيعُ عَنْهُ، وَمَفْهُومُ كَنَفَ أَحْرَى بِالْمَنْعِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الْقَاضِي وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْسُومُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ أَبٌ) فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ (عَنْ) وَلَدٍ (كَبِيرٍ) رَشِيدٍ إنْ حَضَرَ، بَلْ (وَإِنْ غَابَ) الِابْنُ (وَفِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ (قَسْمُ نَخْلَةٍ وَزَيْتُونَةٍ) مُشْتَرِكَتَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا النَّخْلَةَ وَالْآخَرُ الزَّيْتُونَةَ (إنْ اعْتَدَلَا) أَيْ النَّخْلَةُ وَالزَّيْتُونَةُ، وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ عِنْوَانِ الشَّيْئَيْنِ مَثَلًا فِي الْقِيمَةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ أَصْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنَعَ جَمِيعَ الْجِنْسَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، فَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي جَوَابِ (هَلْ هِيَ) أَيْ قِسْمَةُ النَّخْلَةِ وَالزَّيْتُونَةِ (قُرْعَةٌ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ

ص: 315

وَجَازَتْ لِلْقِلَّةِ، أَوْ مُرَاضَاةٌ؟ تَأْوِيلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

وَأُجِيزَتْ فِي الْجِنْسَيْنِ (لِلْقِلَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ لِقَوْلِهَا وَإِنْ تَرَكُوهَا لَمْ يُجْبَرُوا وَلِقَوْلِهَا اعْتَدَلَتَا (أَوْ) هِيَ (مُرَاضَاةٌ) اعْتِبَارًا بِقَوْلِهَا تَرَاضَيَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ قَوْلِهَا اعْتَدَلَتَا بِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الِاعْتِدَالِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي التَّرَاضِي فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) وَمَفْهُومُ اعْتَدَلَتَا امْتِنَاعُ الْقَسْمِ إنْ لَمْ تَعْتَدِلَا، فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ نَخْلَةٌ وَزَيْتُونَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهَلْ يَقْتَسِمَانِهَا فَقَالَ إنْ اعْتَدَلَتَا فِي الْقَسْمِ وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ قَسَمْتَهُمَا بَيْنَهُمَا يَأْخُذُ هَذَا وَاحِدَةً وَهَذَا وَاحِدَةً، وَإِنْ كَرِهَا فَلَا يُجْبَرَانِ. ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ تَرَاضَيَا أَيْ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَيْهِمَا فَلِذَلِكَ شَرَطَ الِاعْتِدَالَ. سَحْنُونٌ تَرَكَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْقَسْمِ. عِيَاضٌ حَمَلَ بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةَ النَّخْلَةِ وَالزَّيْتُونَةِ عَلَى قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ اعْتَدَلَتَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى الْإِسْهَامِ عَلَيْهِمَا، قَالُوا وَهَذَا نُزُوعٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ فِي جَمْعِ الْجِنْسَيْنِ بِالسَّهْمِ عَلَى التَّرَاضِي وَابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يُجِزْهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَا نُزُوعَ لِشَرْطِهِ فِي مَنْعِ الْجَمْعِ احْتِمَالَ كُلِّ صِنْفٍ الْقَسْمَ وَإِلَّا جَازَ كَمَا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ الْمُرَادُ بِهَا قَسْمُ الْمُرَاضَاةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 316