المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في بيان أحكام الغصب] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٧

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب في بيان أحكام الغصب]

وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ: كَرَدِّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ

وَفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

وَمَؤُنَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَيْ مَا يُصْرَفُ فِي (أَخْذِهَا) أَيْ الْعَارِيَّةِ أَيْ حَمْلُهَا لِمَكَانِ مُسْتَعِيرِهَا (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ أُجْرَةُ حَمْلِ الْعَارِيَّةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَشَبَّهَ فِي كَوْنِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ (كَ) مُؤْنَةِ (رَدِّهَا) أَيْ الْعَارِيَّةِ لِمَكَانِ مُعِيرِهَا فَإِنَّهَا عَلَى مُسْتَعِيرِهَا أَيْضًا (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ فِي أُجْرَةِ رَدِّ الْعَارِيَّةِ فَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُعِيرَ فَعَلَ مَعْرُوفًا فَلَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ مَعْرُوفٍ صَنَعَهُ.

(وَفِي) كَوْنِ (عَلَفِ الدَّابَّةِ) الْمُسْتَعَارَةِ وَهِيَ عِنْدَ مُسْتَعِيرِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُعِيرِهَا، إذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً، وَرُبَّمَا يَكُونُ عَلَفُهَا أَكْثَرَ مِنْ كِرَائِهَا فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ، فَيَنْتَفِي الْمَعْرُوفُ وَتَصِيرُ كِرَاءً (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَكَاهُمَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ طَالَتْ مَدُّهُ الْعَارِيَّةِ، أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ هُوَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ تت. " ق " فِي الِاسْتِغْنَاءِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا لَهُ نَفَقَةٌ فَذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً وَيَكُونُ الْعَلَفُ فِي الْغَلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْكِرَاءِ، وَيَخْرُجُ مِنْ عَارِيَّةٍ إلَى كِرَاءٍ وَلِبَعْضِ الْمُفْتِينَ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ، فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَقِيلَ أَيْضًا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى رَبِّهَا، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُخْدَمِ، وَكَأَنَّهُ أَقْيَسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ اللَّائِقُ بِاصْطِلَاحِهِ التَّعْبِيرُ بِالتَّرَدُّدِ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ مِرَارًا بِأَنَّ مُرَادَهُ إنْ وُجِدَ فِي كَلَامِي فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى كَذَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[بَابٌ فِي بَيَان أَحْكَام الْغَصْبُ]

(بَابٌ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ وَأَحْكَامِهِ

ص: 75

(بَابٌ) الْغَصْبُ، أَخْذُ مَالٍ، قَهْرًا، تَعَدِّيًا، بِلَا حِرَابَةٍ

ــ

[منح الجليل]

الْغَصْبُ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا، وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ أَخْذُ شَيْءٍ ظُلْمًا. الْجَوْهَرِيُّ غَصَبَ الشَّيْءَ أَخَذَهُ ظُلْمًا وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ (أَخْذُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، جِنْسٌ شَمِلَ الْمُعَرَّفَ وَغَيْرَهُ، وَإِضَافَتُهُ لِ (مَالٍ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ أَخْذَ غَيْرِهِ أَخْذًا (قَهْرًا) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ أَخْذَ مَالٍ بِلَا قَهْرٍ بِاشْتِرَاءٍ أَوْ قَبُولِ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ، أَوْ بِسَرِقَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ (تَعَدِّيًا) أَيْ ظُلْمًا، فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ أَخْذَ مَالٍ قَهْرًا بِحَقٍّ كَأَخْذِ دَيْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَدِيَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَعِوَضِ مُتْلَفٍ وَمَسْرُوقٍ وَمَغْصُوبٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ قَهْرًا (بِلَا حِرَابَةٍ) أَيْ مُقَاتَلَةٍ، فَصْلٌ رَابِعٌ مُخْرِجٌ الْحِرَابَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا بِخَوْفِ قِتَالٍ فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ غِيلَةً، إذْ لَا قَهْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ مَالِكِهِ وَحِرَابَةً، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُخْتَصَرًا كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ أَخْذُ الْمَالِ عُدْوَانًا قَهْرًا مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِأَخْذِ الْمَنَافِعِ كَذَلِكَ، كَسُكْنَى رَبْعٍ وَخَرِبَةٍ وَلَيْسَ غَصْبًا، بَلْ تَعَدِّيًا، وَتَعَقَّبَ بِتَرْكِيبِهِ وَهُوَ وَقْفُ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا أَخَصَّ مِنْ أَعَمِّهِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ذِكْرُ الْقُيُودِ فِي الرَّسْمِ بِحَرْفِ السَّلْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَمْيِيزٌ، بَلْ يُوجِبُ إجْمَالًا، فَإِنَّك لَا تَشَاءُ تَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي حَدٍّ أَوْ رَسْمٍ إلَّا قُلْته يُرَدُّ بِأَنَّ الْعَدَمَ الْإِضَافِيَّ يُفِيدُ نَفْيَ مَا كَانَ مُحْتَمِلًا الثُّبُوتَ، إفَادَةً ظَاهِرَةً، وَلِذَا صَحَّ وُرُودُهُ فِي النُّعُوتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ، وَالْخَاصِّيَّةُ مِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجَعْلِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ يَصِحُّ كَوْنُهَا عَدَمِيَّةً، وَلِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ الْأَشْيَاخُ حَدَّ الْقَاضِي الْقِيَاسَ بِقَوْلِهِ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهَا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى قَيْدَيْنِ عَدَمِيَّيْنِ، مَعَ كَثْرَةِ إيرَادِ الْأَسْئِلَةِ عَلَيْهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَرَّفَ بَعْضُهُمْ الْغَصْبَ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْيَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا. وَقِيلَ وَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا، وَيَنْبَغِي عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ الْغَاصِبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ عَلَى الثَّانِي، لَا عَلَى الْأَوَّلِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ الْمُسْتَحِقَّةَ. (تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ يُجِزْهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِذَا اسْتَوْلَى الظَّالِمُ عَلَى مَالِ شَخْصٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا فَاسْتِيلَاؤُهُ غَصْبٌ، وَلَوْ أَبْقَاهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ رَبُّهُ فِيهِ.

الثَّانِي: فِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّعَدِّي عَلَى رِقَابِ الْأَمْوَالِ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا حُكْمٌ يَخُصُّهُ، وَهِيَ كُلُّهَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهِيَ الْحِرَابَةُ وَالْغَصْبُ، وَالِاخْتِلَاسُ وَالسَّرِقَةُ وَالْخِيَانَةُ وَالْإِدْلَالُ وَالْجَحْدُ.

الثَّالِثُ: فِي التَّنْبِيهَاتِ الْغَصْبُ يُطْلَقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى أَخْذِ كُلِّ مِلْكٍ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ مِنْ ذَوَاتٍ أَوْ مَنَافِعَ، وَكَذَلِكَ التَّعَدِّي سِرًّا أَوْ جَهْرًا أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ سَرِقَةً أَوْ خِيَانَةً أَوْ قَهْرًا، غَيْرَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَخْذِ أَعْيَانِ الْمُتَمَلَّكَاتِ بِغَيْرِ رِضَا أَرْبَابِهَا وَغَيْرِ مَا يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ غَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ، وَاسْتُعْمِلَ التَّعَدِّي عُرْفًا فِي التَّعَدِّي عَلَى عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُتَعَدِّي فِي ذَلِكَ يَدٌ بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْقِرَاضِ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّنَّاعِ وَالْبَضَائِعِ وَالْعَوَارِيِّ وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ يَوْمَ غَصْبِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَالْمُتَعَدِّيَ يَوْمَ التَّعَدِّي وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ وَالْمُتَعَدِّيَ لَا يَضْمَنُ إلَّا الْكَثِيرَ، وَأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ يَضْمَنُ كِرَاءَ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ وَأُجْرَتَهُ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ فِي الْغَاصِبِ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا مَعْلُومٌ.

الرَّابِعُ: ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرِفَةُ حُرْمَتِهِ فِي الدِّينِ ضَرُورِيَّةٌ لِأَنَّ حِفْظَ الْأَمْوَالِ إحْدَى الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ الْمِلَلُ عَلَيْهَا.

ص: 77

وَأُدِّبَ مُمَيِّزٌ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ

ــ

[منح الجليل]

وَأُدِّبَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً (غَاصِبٌ مُمَيِّزٌ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا وَلَوْ صَبِيًّا بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ كَتَأْدِيبِهِ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا تَحْقِيقًا لِلْإِصْلَاحِ وَتَهْذِيبًا لِلْأَخْلَاقِ، وَتُضْرَبُ الْبَهَائِمُ لِلِاسْتِصْلَاحِ وَالتَّهْذِيبِ، وَمَفْهُومُ مُمَيِّزٍ عَدَمُ تَأْدِيبِ غَيْرِهِ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، فَإِنَّ الْأَدَبَ يَسْقُطُ عَنْهُ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ» . الْحَدِيثَ. وَقِيلَ إنَّ الْإِمَامَ يُؤَدِّبُهُ كَمَا يُؤَدَّبُ الصَّغِيرُ فِي الْمَكْتَبِ وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ. وَقِيلَ إنَّ مَا أَصَابَهُ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ.

فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ السِّنَّ فَفِي سُقُوطُ أَدَبِهِ لِرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَثُبُوتُهُ كَمَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَكْتَبِ قَوْلَانِ وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. ابْنُ شَعْبَانَ وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَفِي اغْتِصَابِ الْوَالِدِ مِنْ وَلَدِهِ خِلَافٌ، وَبِهَذَا أَقُولُ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمَالِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي حَمَالَتِهَا، وَيَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ مَا كَسَرَهُ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ اخْتَلَسَهُ وَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَفِيهَا مَنْ أَوْدَعْته حِنْطَةً فَخَلَطَهَا صَبِيٌّ أَجْنَبِيٌّ بِشَعِيرٍ لِلْمُودَعِ ضَمِنَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ وَفِي دِيَاتِهَا وَإِذَا جَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كُلُّهُ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فَفِي مَالِهِ يُتَّبَعُ بِهَا دَيْنًا فِي عُدْمِهِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَفِي إهْدَارِ جِنَايَتِهِ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ كَالْعَجْمَاءِ أَوْ كَالْمُمَيِّزِ، ثَالِثُهَا إهْدَارُ مَا أَصَابَ مِنْ مَالٍ وَاعْتِبَارُ مَا أَصَابَ مِنْ الدَّمِ.

وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (مُدَّعِيهِ) أَيْ الْغَصْبَ (عَلَى) شَخْصٍ، (صَالِحٍ) أَيْ عَدْلٍ لَا يُتَّهَمُ بِالْغَصْبِ فَيُؤَدَّبُ لَهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى عِرْضِهِ، فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْهَا، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ آخِرَ سَرِقَتَهَا

ص: 78

وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ: قَوْلَانِ.

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَمِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا أُدِّبَ الَّذِي ادَّعَى ذَلِكَ. قُلْت ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ. وَفِي النَّوَادِرِ إنَّمَا يُؤَدَّبُ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ مُتَّهَمٍ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ، أَمَّا عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى فَلَا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.

(وَفِي حَلِفِ) الشَّخْصِ (الْمَجْهُولِ) حَالُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَغَرِمَهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعَدَمُ حَلِفِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَاسْتُظْهِرَ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا فِيهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِذَلِكَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَحْلَفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الْحُقُوقِ اهـ. أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ يُونُسَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ هُدِّدَ وَسُجِنَ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ وَفَائِدَةُ تَهْدِيدِهِ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ تُعْرَفُ عَيْنُهُ. وَأَمَّا مَا لَا تُعْرَفُ فَلَا فَائِدَةَ لِتَهْدِيدِهِ إذْ لَوْ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا يُؤْخَذُ حَتَّى يُقِرَّ آمِنًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَسَطِ النَّاسِ لَا يَلِيقُ بِهِ غَصْبٌ فَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا يَلْزَمُ رَامِيهِ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ لَزِمَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ الْأَدَبُ اهـ.

وَفِي آخِرِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ النُّكَتِ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَنْ اُتُّهِمَ بِالسَّرِقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، مُبَرَّزٌ بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُؤَدَّبُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمُتَّهَمٌ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ هَذَا فَيَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُسْجَنُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَرَجُلٌ مُتَوَسِّطُ الْحَالِ بَيْنَ هَذَيْنِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ اهـ. اللَّخْمِيُّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ فَالْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ الْيَمِينِ بِهِ وَعُقُوبَتُهُ يَرْجِعُ إلَى حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ وَأَشْكَلَ حَالُهُ فَلَا يُعَاقَبُ الْمُدَّعِي وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِهُهُ ذَلِكَ وَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ يَحْلِفُ وَلَا يُعَاقَبُ الْمُدَّعِي. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ يَحْلِفُ وَيُضْرَبُ وَيُسْجَنُ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْجُحُودِ تُرِكَ وَاخْتُلِفَ إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، قِيلَ لَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. وَقِيلَ إنْ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أُخِذَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.

ص: 79

وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ،

ــ

[منح الجليل]

وَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَمْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، قَالَ وَلَا يَعْرِفُ هَذَا إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، أَيْ الْقَضَاءِ وَمَا شَابَهَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِرٍ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الْحَقِّ عُقُوبَتُهُ وَسَجْنُهُ إذَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا الْإِكْرَاهُ الَّذِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا كَانَ ظُلْمًا أَنْ يُضْرَبَ وَيُهَدَّدَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالسَّيْفِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَالطَّائِعِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَلَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامُهُ إسْلَامًا إنْ رَجَعَ عَنْهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي عُقِدَتْ لَهُمْ تَمْنَعُ إكْرَاهَهُمْ فَإِكْرَاهُهُمْ ظُلْمٌ.

ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَلَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ فِي عُقُوبَةِ مُتَّهِمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيَّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَجْهُولَ الْحَالِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ دُونَ يَمِينٍ أَفَادَهُ الْحَطّ.

(وَضَمِنَ) الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ (بِ) مُجَرَّدِ (الِاسْتِيلَاءِ) عَلَيْهِ وَحَوْزِهِ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» لِأَنَّ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَقَدْ رَتَّبَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَصْفِ الْأَخْذِ فَأَفَادَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ. " ق " ابْنُ عَرَفَةَ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَغْصُوبِ فِي حَوْزِ الْغَاصِبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ، وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ يَضْمَنُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَإِنْ هَلَكَ مِنْ سَاعَتِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تبارك وتعالى أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ دَارًا فَانْهَدَمَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ هُوَ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ ضَمِنَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ غَرِمَ قِيمَتَهَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَغْصُوبِ فِي حَوْزِ الْغَاصِبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ وَلَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَفِيهَا مَا مَاتَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ رَبْعٍ بِيَدِ غَاصِبِهِ بِقُرْبِ غَصْبِهِ أَوْ بِغَيْرِ قُرْبِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ يَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ.

ص: 80

وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ:

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، فَالْمُبَاشَرَةُ كَالْقَتْلِ، وَالْأَكْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ، وَفِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ. قُلْت قَالُوا ضَمِيرُ يَكُونُ عَائِدٌ عَلَى الضَّمَانِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ وَجْهَيْ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ سَبَبٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ نَقْلُ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ يَنْقُلُهَا الْغَاصِبُ فَتَهْلِكُ تَحْتَ يَدِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - خِلَافُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

قُلْت فَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّدُهُ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ يُوجِبُهُ، فَلَوْ غَصَبْتَهُ أَمَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمُتَمَلَّكَاتِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا دُونَ رَبِّهَا ضَمِنَهَا رِوَايَاتُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهَا، مِنْهَا قَوْلُ الْبَاجِيَّ، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ ضَمِنَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا. قُلْت كَذَا فِي النَّوَادِرِ، قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. ابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا. اهـ. " غ " تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ وَعِبَارَتُهُمَا مَنْسُوجَةٌ عَلَى مِنْوَالِ وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا الْمَحِلِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا أَوْ رَكِبَ يَحْتَمِلُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَاصِبِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ (فَتَرَدُّدٌ) فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ يُمَثَّلُ لِهَذَا بِمَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ وَأَهْلُهَا فِيهَا فَذَهَبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِوُجُودِ الْحَافِظِ، وَيَضْمَنُ عِنْدَ أَشْهَبَ إنْ كَانَتْ مُسَرَّحَةً لِتَيَسُّرِ خُرُوجِهَا قَبْلَ عِلْمِ أَهْلِ الدَّارِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَهُ الشَّارِحُ وَتَبِعَهُ تت، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَاسِبُ تَعْبِيرَهُ بِتَرَدُّدٍ. وَقَالَ " غ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَاصِبُ مُمَيِّزًا، بَلْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ الْخِلَافُ فِي تَضْمِينِهِ كَمَا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ فِي الْمُخْرِجِ لَهُ إلَى التَّمْيِيزِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَقِيلَ الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدَّمُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ. وَقِيلَ كِلَاهُمَا هَدَرٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَعَلَ مَوْرِدَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمَ التَّمْيِيزِ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ، غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ لَا تُسَاعِدُهُ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلتَّحْدِيدِ فِيهَا بِالسِّنِينَ، فَقِيلَ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ ابْنُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَبِلَهُ الْمُوَضِّحُ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا. وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ قَوْلُهُ وَالرِّوَايَاتُ لَا تُسَاعِدُهُ يُرَدُّ بِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ، إذْ قَالَ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ابْنِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَنَحْوِهِ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَالِ وَالدَّمِ وَحُكْمَ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ سَوَاءٌ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ جِنَايَتَهُمْ عَلَى الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَلَى الدَّمِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفِي أَمْوَالِهِمْ.

وَالثَّانِي أَنَّهَا هَدَرٌ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ.

وَالثَّالِثُ: تَفْرِقَتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالدَّمِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي ضَمَانِهِ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَإِنَّ عَمْدَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الدَّمِ خَطَأٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ مَا نَقَصَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ. وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ فِي جِنَايَتِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ حُكْمُ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا جَنَاهُ عَمْدًا مِنْ الدِّمَاءِ.

(تَنْبِيهٌ)

قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَفِي الْمَجْنُونِ عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْنُونِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَفِي رَسْمٍ مُرْضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَبْلَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ الْمُقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمَجْنُونِ، وَلَمْ يَتَنَازَلْ ابْنُ عَرَفَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ، وَإِنَّهُ لِمَنْ وَظِيفَتِهِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ اخْتَصَرَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ الْمُخْتَصِرِ لِكَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ، فَقِيلَ مَا أَصَابَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ الَّتِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُرْحَهَا جُبَارًا.

ص: 82

كَأَنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ قِصَاصًا،

ــ

[منح الجليل]

وَقِيلَ مَا أَصَابَ مِنْ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ وَمَا أَصَابَ مِنْ الدِّمَاءِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ، وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ. اهـ. وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا فِي الْبَيَانِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَحُكْمُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فِي جَرَيَانِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتِصَارُ ابْنِ شَاسٍ لَا يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِ، وَخَتَمَهُ بِقَوْلِهِ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يَمْتَنِعُ انْطِبَاقُ هَذَا التَّشْبِيهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَرْجِعُ لِمَا فِي الْبَيَانِ.

وَلَمَّا فَهِمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ التَّشْبِيهَ قَاصِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ تَحَوَّلَ الْمَعْنَى فَلْيَتَأَمَّلْهُ مَنْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالتَّحْقِيقِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ طفي إلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى " غ " أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ يَكُونُ مَوْضُوعُهُ وَاحِدًا وَتَخْتَلِفُ الطُّرُقُ فِيهِ، وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مُتَعَدِّدٌ، إذْ مِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي السِّنِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَمَنْ حَكَاهُ فِي مَحِلٍّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَحِلِّ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُعَدُّ طَرِيقَةً لِرَدِّهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فَظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ (مَاتَ) عَبْدٌ مَغْصُوبٌ بِيَدِ غَاصِبِهِ سَاعَةَ غَصْبِهِ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ (أَوْ قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (عَبْدٌ) تَنَازَعَ فِيهِ مَاتَ وَقُتِلَ قِصَاصًا فِي قَتِيلِهِ عَمْدًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ.

طفي كَذَا قَرَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ جَنَى قَبْلَ غَصْبِهِ وَقُتِلَ قِصَاصًا بَعْدَهُ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ الْغَاصِبَ، فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ جَنَى الْعَبْدُ قَبْلَ غَصْبِهِ جِنَايَةً وَبَعْدَهُ أُخْرَى عَلَى رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُخَيَّرُ رَبُّهُ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ لَهُمَا تَبِعَ الْغَاصِبَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشَيْنِ وَتَبِعَ غَاصِبَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الثَّانِيَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ السَّابِقَةَ عَلَى غَصْبِهِ لَا يَضْمَنُهَا الْغَاصِبُ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا مَاتَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ الرَّبْعِ بِيَدِ غَاصِبِهِ بِقُرْبِ غَصْبِهِ أَوْ بِغَيْرِ قُرْبِهِ بِغَيْرِ

ص: 83

أَوْ رَكِبَ، أَوْ ذَبَحَ

ــ

[منح الجليل]

سَبَبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَوْتُ الْمَغْصُوبِ بِحَقِّ قِصَاصٍ أَوْ حِرَابَةٍ كَمَوْتِهِ.

(أَوْ رَكِبَ) الْغَاصِبُ الدَّابَّةَ الْمَغْصُوبَةَ فَهَلَكَتْ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ سَابِقِهِ بِالْأَوْلَى. ابْنُ شَاسٍ مِنْ مُوجَبِ الضَّمَانِ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ إلَّا فِي الدَّابَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا الرُّكُوبُ وَيَثْبُتُ الْغَصْبُ فِي الْعَقَارِ بِالدُّخُولِ وَإِزْعَاجِ الْمَالِكِ وَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهُ (أَوْ ذَبَحَ) الْغَاصِبُ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إنْ شَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَذْبُوحًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ. تت فِي قَوْلِهِ أَوْ رَكِبَ أَوْ ذَبَحَ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ مُضَمَّنٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ.

ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ مَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَكَانَ لَهُ أَكْلُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً وَحَيَّةً، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهَا فَوْتٌ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لَمْ أَعْرِفْهُ فِي الذَّبْحِ نَصًّا، بَلْ تَخْرِيجًا مِمَّا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ فِي طَحْنِ الْقَمْحِ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ، هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا ذَكَرَ فِي أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا مَذْبُوحَةً خِلَافًا.

طفي لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ كَأَنْ مَاتَ إلَخْ مِثَالٌ لِلْمُفَوِّتِ الَّذِي يُوجِبُ الضَّمَانَ عِنْدَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُفَوِّتٍ، فَقَوْلُهُ أَوْ رَكِبَ دَابَّةً إنْ عَنَى بِهِ مُجَرَّدَ الرُّكُوبِ فَقَدْ أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ مَعَ مُنَاقَضَتِهِ لِقَوْلِهِ وَضَمِنَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَعَلَى هَذَا يَأْتِي إشْكَالُ تت، وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَائِلًا مَا حَكَاهُ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهَا مُفِيتٌ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لَمْ أَعْرِفْهُ نَصًّا، فَقَوْلُ تت فِيهِمَا إشْكَالٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي هَذِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى عَلَى وَجْهٍ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عَرَفَةَ لَا مِمَّا قَالَهُ، فَقَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ إنْ جَمْعًا مِنْ شَارِحِيهِ قَرَّرُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي الذَّبْحِ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهَا مَذْبُوحَةً، وَمَا نَقَصَهَا الذَّبْحُ أَوْ إلْزَامِهِ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ،

ص: 84

أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً، أَوْ أَكَلَ بِلَا عِلْمٍ

ــ

[منح الجليل]

بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَهَا، وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَطْ.

اللَّخْمِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَخَذَ بِهِ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَهُ أَخْذُهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَحَيًّا. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَلَمْ يَعْزِ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ أَخْذَهَا وَمَا نَقَصَهَا إلَّا لِابْنِ مَسْلَمَةَ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي.

(أَوْ جَحَدَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (وَدِيعَةً) ثُمَّ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا يَجْحَدُهَا ابْنُ شَاسٍ جَحْدُهَا مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِهَا، بِخِلَافِ جَحْدِهَا مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ أَكَلَ) مِنْ شَخْصٍ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا (بِلَا عِلْمٍ) بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْرِيمِهِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْآكِلُ عَلَى الْغَاصِبِ لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهُ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا ضَمِنَهُ غَاصِبُهُ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ. " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ غَصَبَ طَعَامًا أَوْ إدَامًا أَوْ ثِيَابًا ثُمَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ فَأَكَلَ الطَّعَامَ وَالْإِدَامَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ حَتَّى أَبْلَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ فَلْيَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ.

ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَتَّبِعُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْمُشْتَرِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ أَوْ يَلْبَسُ الثِّيَابَ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَتَّبِعَ أَيَّهُمَا وَيَبْتَدِئَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ غَيْرَ غَاصِبٍ فَلَا يَتَّبِعُ إلَّا الْمَوْهُوبَ الْمُنْتَفِعَ. ابْنُ يُونُسَ هَذَا خِلَافٌ فِي مُكْرِي الْأَرْضِ يُحَابِي فِي كِرَائِهَا ثُمَّ يَطْرَأُ لَهُ أَخٌ يُشْرِكُهُ، وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْمُحَابَاةِ عَلَى أَخِيهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ رَجَعَ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقَدْ سَاوَى فِي هَذَا بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ، وَهَذَا أَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ أَوَّلًا عَلَى الْوَاهِبِ إلَّا أَنْ يَعْدَمَ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ عَالِمًا بِالْغَاصِبِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ

ص: 85

أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ

ــ

[منح الجليل]

أُمُورِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَقْيَسُ وَلَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ أَقُولُ.

(أَوْ أَكْرَهَ) شَخْصٌ شَخْصًا (غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ) أَيْ إتْلَافِ شَيْءٍ لِغَيْرِ الْمُكْرَهِ فَيَضْمَنُهُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ عَدِيمًا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْرِيمِهِ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُهُ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ. " ق " سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ لِيُخْرِجَ مِنْهُ مَتَاعًا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ الْغَاصِبُ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ طَلَبُ مَالِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُبَاشِرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، وَلِلْمُبَاشِرِ طَلَبُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ يُوقَفُ لِصَاحِبِهِ عِنْدَ أَمِينٍ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ الْمُبَاشِرُ.

ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَلِسَحْنُونٍ أَيْضًا مَنْ أَكْرَهَ عَلَى رَمْيِ مَالِ غَيْرِهِ فِي مَهْلَكَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّهِ بِلَا إكْرَاهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، وَإِنْ أَكْرَهَ رَبَّهُ عَلَى الْإِذْنِ فَالْفَاعِلُ ضَامِنٌ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْفَاعِلِ إذَا أَيْسَرَ. ابْنُ عَرَفَةَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدِيمًا أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الْآمِرِ الْمُكْرِهِ هُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَالَ الْمُكْرَهَ عَلَى أَخْذِهِ قَبَضَهُ الْآمِرُ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَةِ نَوَازِلِهِ فَنَاسَبَ كَوْنَهُ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ وَالْمَالُ الْمُكْرَهُ عَلَى أَخْذِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَيْسَ مَآلُهُ لِانْتِفَاعِ الْآمِرِ بِهِ، فَنَاسَبَ كَوْنَ غُرْمِهِ مَشْرُوطًا بِفَلَسِ الْفَاعِلِ.

فَإِنْ قُلْت فِي ضَمَانِ الْفَاعِلِ مَعَ اسْتِنَادِهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ عَلَى إذْنِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ وَإِذْنِ الْمَالِكِ سَبَبٌ عَنْ إكْرَاهِ الْآمِرِ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْمُكْرَهِ لَغْوًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا كَانَ إذْنُ الْمَالِكِ مُعْتَبَرًا، وَمَتَى كَانَ مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ كَانَ

ص: 86

أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا،

ــ

[منح الجليل]

فِعْلًا كَانَ مُعْتَبَرًا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَا وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ فِعْلٌ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَفِي حَقِّ الْمَالِكِ قَوْلٌ يُوجِبُ لَغْوَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ اهـ.

الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ يُوجِبُ ضَمَانَهَا وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْلِيفُ وَالْعِلْمُ، فَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ وَالْمُكْرَهِ وَالطَّائِعِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ وَالْإِكْرَاهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ ظَالِمٌ يَطْلُبُ إنْسَانًا مُخْتَفِيًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَطْلُبُ وَدِيعَةَ إنْسَانٍ لِيَأْخُذَهَا غَصْبًا، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إخْفَاؤُهُ وَإِنْكَارُ الْعِلْمِ بِهِ اهـ. ابْنُ نَاجِي يَجِبُ الْكَذِبُ لِإِنْقَاذِ مُسْلِمٍ أَوْ مَالِهِ.

ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ قَوْلُهُمْ الْكُفْرُ وَالْقَذْفُ لَا يُبَاحُ فِي الضَّرُورَةِ كَمَا أُبِيحَتْ الْمَيْتَةُ أَفْسَدُوهُ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ بِتَهْدِيدٍ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ فُلَانٍ يَدْفَعُهُ لِمَنْ أَمَرَهُ وَأَكْرَهَهُ أَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَخْذِ مَالِ الرَّجُلِ وَدَفْعِهِ إلَيْهِ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ. قَالَ مَنْ حَالَفْنَا وَإِنَّمَا يَسَعُهُ هَذَا مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَ الْآمِرِ، فَلَوْ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَخَافَ إنْ ظَفِرَ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ فَلَا يَسَعُهُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ رَسُولُ الْآمِرِ فَخَافَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَكُونُ كَالْحَاضِرِ. مُحَمَّدٌ إنْ رَجَا الْمُكْرَهُ الْخَلَاصَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسَعُهُ الْفِعْلُ كَانَ مَعَهُ رَسُولٌ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ نُزُولَ الْفِعْلِ بِهِ وَسِعَهُ كَانَ مَعَهُ رَسُولٌ أَمْ لَا، وَإِنْ هَدَّدَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَالَ مُسْلِمٍ بِدَفْعِهِ لَهُ فَأَبَى فَقَتَلَهُ كَانَ عِنْدَنَا فِي سَعَةٍ وَإِنْ أَخَذَهُ كَانَ فِي سَعَةٍ.

(أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا) بِأَنْ حَفَرَهَا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَتَلِفَ فِيهَا آدَمِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَيَضْمَنُهُ حَافِرُهَا لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِهِ، وَمَفْهُومُ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَوْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَهْلِكُ فِيهَا وَهُوَ كَذَلِكَ.

ص: 87

وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي، إلَّا لِمُعَيِّنٍ فَسِيَّانِ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) إنْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا وَأَرْدَى غَيْرُهُ فِيهَا آدَمِيًّا أَوْ حَيَوَانًا (قُدِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا فِي الضَّمَانِ الشَّخْصُ (الْمُرْدِي) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ الْمُسْقِطُ عَلَى الْحَافِرِ، لِأَنَّ الْمُرْدِيَ مُبَاشِرٌ وَالْحَافِرَ مُتَسَبِّبٌ، وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّانِي فِيهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) الْحَافِرَ تَعَدِّيًا (لِ) قَصْدِ إتْلَافِ شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا وَأَرْدَاهُ غَيْرُهُ فِيهَا فَمَاتَ (فَ) الْحَافِرُ وَالْمُرْدِي (سِيَّانِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُمَا إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ آدَمِيًّا وَضَمَانِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ، أَوْ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ضَمِنَ مَا هَلَكَ بِذَلِكَ.

" ق " وَنَصَّهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ حَفَرَ حَفِيرًا فِي دَارِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَ فِيهِ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ الْحَافِرُ، وَإِذَا حَفَرَ حَفِيرًا فِي دَارِهِ أَوْ جَعَلَ حِبَالَةً لِيُعْطِبَ بِهَا سَارِقًا فَعَطِبَ بِهِ السَّارِقُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ. أَشْهَبُ لِأَنَّهُ احْتَفَرَ لِمَا لَا يَحِلُّ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ جَعَلَ فِي حَائِطِهِ حَفِيرًا لِلسِّبَاعِ أَوْ حِبَالَةً فَلَا يَضْمَنُ مَا يَعْطَبُ بِهِ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ جَعَلَ بِبَابِ جِنَانِهِ نُصُبًا تَدْخُلُ فِي رِجْلِ مَنْ يَدْخُلُهُ أَوْ اتَّخَذَ تَحْتَ عَتَبَتِهِ مَسَامِيرَ لِمَنْ يَدْخُلُ أَوْ رَشَّ مَاءً يُرِيدُ بِهِ زَلْقَ مَنْ يَسْلُكُهُ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ اتَّخَذَ فِيهِ كَلْبًا عَقُورًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ رَشَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَعْطَبُ بِهِ كَحَافِرِ بِئْرٍ فِي دَارِهِ لِحَاجَتِهِ لَا لِإِرْصَادِ سَارِقٍ فَهُوَ مُفْتَرِقٌ.

ابْنُ شَاسٍ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحِلٍّ عُدْوَانًا فَتَرَدَّتْ فِيهِ بَهِيمَةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَإِنْ رَدَاهُ غَيْرُهُ فَعَلَى الْمُرْدِي تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ. ابْنُ عَرَفَةَ كَذَا نَقَلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي مَسْأَلَةِ حَلِّ الْقَفَصِ الْآتِيَةِ وَعَارَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَسْوِيَةِ سَحْنُونٍ بَيْنَ الْمُكْرِهِ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ لَهُ مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَيْتِهِ وَيَدْفَعَهُ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمُكْرِهَ مُتَسَبِّبٌ وَالْمَأْمُورَ مُبَاشِرٌ. وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّسَبُّبَ بِالْإِكْرَاهِ أَشَدُّ مِنْ التَّسَبُّبِ بِالْحَفْرِ. قُلْت الْحَقُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي مَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ مُبَاشِرَانِ مَعًا ضَرُورَةَ مُبَاشَرَةِ الْآمِرِ الْمُكْرِهِ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ مُخْرِجِهِ وَاسْتِقْرَارُهُ بِيَدِهِ وَالْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ غَاصِبٌ. " ق " قَوْلُهُ إلَّا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ هَذَا قَوْلُ

ص: 88

أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلَّا يَأْبَقَ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ، إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ،

ــ

[منح الجليل]

الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ ابْنِ شَاسٍ. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ يُقْتَلُ الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ الْمُرْدِي إلَّا أَنْ عُلِمَ بِتَقَدُّمِ فِعْلِ الْحَافِرِ وَقَصْدِهِ فَيَقْتُلَانِ مَعًا كَبَيِّنَةِ الزُّورِ مَعَ الْقَاضِي الْعَالِمِ بِزُورِهَا. .

(أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ) قُيِّدَ (لِئَلَّا يَأْبَقَ) فَأَبَقَ فَيَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ سَوَاءٌ أَبَقَ عَقِبَ فَتْحِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمَفْهُومُ لِئَلَّا يَأْبَقَ أَنَّهُ لَوْ قُيِّدَ نَكَالًا فَلَا يَضْمَنُهُ مَنْ فَتَحَ قَيْدَهُ " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ حَلَّ عَبْدًا مِنْ قَيْدٍ قُيِّدَ بِهِ لِخَوْفِ إبَاقِهِ فَذَهَبَ الْعَبْدُ ضَمِنَ (أَوْ) فَتَحَ بَابًا (عَلَى) حَيَوَانٍ (غَيْرِ عَاقِلٍ) مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ فَذَهَبَ فَيَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ لِتَسَبُّبِهِ فِي ضَيَاعِهِ " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ فَذَهَبَ الطَّيْرُ ضَمِنَ وَمَنْ حَلَّ دَوَابَّ مِنْ مَرَابِطِهَا فَذَهَبَتْ ضَمِنَهَا كَالسَّارِقِ يَدَعُ بَابَ الْحَانُوتِ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ فِيهِ رَبُّهُ فَيَذْهَبُ مَا فِي الْحَانُوتِ فَالسَّارِقُ يَضْمَنُهُ (إلَّا) فَتْحَهُ (بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ) فَيَذْهَبُ مَا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ إلَّا الطَّيْرَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَادَةً " ق " فِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ فَذَهَبَتْ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مَسْكُونَةً فِيهَا أَهْلُهَا فَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَرْبَابُهَا فَيَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ فِيهَا رَبُّهَا نَائِمًا فَلَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَدَعُ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَأَهْلُ الدَّارِ فِيهَا نِيَامٌ أَوْ غَيْرُ نِيَامٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا ذَهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا تَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ أَرْبَابُ الْبَيْتِ فِيهِ.

ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ فِي حَلِّ رِبَاطِ زِقٍّ مَمْلُوءٍ زَيْتًا لِرَجُلٍ أَبْقَاهُ مُسْتَنِدًا كَمَا وَجَدَهُ فَأَسْقَطَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ حَلَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ رِيحٍ وَضَمَّنُوا مَنْ أَسْقَطَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ إتْلَافَ مَا فِيهِ، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ إتْلَافَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي ضَمَانِهِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ مَرْبُوطًا لَا يَذْهَبُ مَا فِيهِ، وَلَوْ بَقِيَ مَحْلُولًا لَا يُسْقِطُهُ أَحَدٌ لَا يَذْهَبُ مَا فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْصُلْ فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ أَخْرَجَا شَيْئًا ثَقِيلًا مِنْ حِرْزٍ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِهِ مَعًا. الصِّقِلِّيُّ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ مَنْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ رَجُلٍ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَ

ص: 89

أَوْ حِرْزًا لِمِثْلِيٍّ، وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ

ــ

[منح الجليل]

رَبُّهُ وَهُوَ تَحْتَ الْجَالِسِ فَتَقَطَّعَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ إذْ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا فِي صَلَاتِهِمْ. قُلْت وَالْأَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا كَمُحْرِمٍ جَلَسَ عَلَى صَيْدٍ مُحَرَّمٍ فَقَتَلَهُ، وَفِي لُقَطَتِهَا مَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ فَذَهَبَ الطَّيْرُ ضَمِنَ.

(أَوْ فَتَحَ حِرْزًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ بَيْتًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ مَطْمُورًا أَوْ قَبْرًا مَثَلًا فِيهِ مَالٌ وَتَرَكَهُ مَفْتُوحًا فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَضْمَنُهُ فَاتِحُهُ. قَالَ الشَّارِحُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ فَقَالَ (وَ) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ (الْمِثْلِيَّ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ إذَا عَيَّبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ إذَا سَاوَى سِعْرُهُ وَقْتَ تَضْمِينِهِ سِعْرَهُ وَقْتَ غَصْبِهِ، بَلْ (وَلَوْ) غَصَبَهُ (بِغَلَاءٍ) وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَقْتَ رَخَاءٍ فَيَضْمَنُهُ (بِمِثْلِهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَصِفَةً وَكَذَا عَكْسُهُ. " ق " ابْنُ رُشْدٍ الْمِثْلِيُّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ أَعْيَانُ عَدَدِهِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ غَصَبَ لِرَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هُنَاكَ مِثْلَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ.

اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ غَصَبَهُ طَعَامًا مَا فِي شِدَّةٍ ثُمَّ صَارَ إلَى رَخَاءٍ هَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَيَغْرَمُ أَعْلَى الْقِيمَةِ. الْمَازِرِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ وَيُقْضَى بِمِثْلِهِ اهـ. الْحَطّ هَذَا إذَا فَاتَ الْمَغْصُوبُ، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْجُودًا بِيَدِ الْغَاصِبِ وَأَرَادَ بِهِ أَخْذَهُ وَالْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ. ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الْحَرَامُ قَائِمًا عِنْدَ آخِذِهِ لَمْ يَفُتْ رُدَّ بِعَيْنِهِ إلَى رَبِّهِ وَمَالِكِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَيْ الْغَاصِبِ مَالٌ حَلَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَلَا يُبَايِعُهُ فِيهِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَا يَأْكُلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا هِبَةً وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فِي حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْغَاصِبِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَفَاتَهُ الْغَاصِبُ إفَاتَةً لَا تَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ شَاةً فَيَذْبَحَهَا أَوْ بُقْعَةً فَيَبْنِيَهَا دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَيَخِيطَهُ أَوْ يَصْبُغَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

ص: 90

وَصَبَرَ لِوُجُودِهِ،

ــ

[منح الجليل]

وَلَوْ أَفَاتَهُ إفَاتَةً يَلْزَمُهُ بِهَا الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَسَقَطَ خِيَارُ رَبِّهِ فِي أَخْذِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَفِضَّةٍ صَاغَهَا حُلِيًّا وَصُفْرٍ صَنَعَهُ قَدَحًا وَخَشَبٍ صَنَعَهُ تَوَابِيتَ أَوْ أَبْوَابًا وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ عَمِلَهُ ثِيَابًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِخِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِرَبِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَخْذُ فِضَّتِهِ مَصُوغَةً وَصُفْرِهِ مَصْنُوعًا وَخَشَبِهِ مَعْمُولًا وَصُوفِهِ وَحَرِيرِهِ وَكَتَّانِهِ مَنْسُوجًا دُونَ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، رُوِيَ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ عَلَى أَنَّ ظَالِمًا نَعْتُهُ، وَبِعَدَمِهِ لِإِضَافَتِهِ لَهُ، وَفِي النُّكَتِ عِرْقُ الظَّالِمِ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَغْصُوبِ. ابْنُ شَعْبَانَ الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ ظَاهِرَانِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، وَبَاطِنَانِ الْآبَارُ وَالْعُيُونُ ابْنُ بَشِيرٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَخْذَ عَيْنِ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي مَالُهُ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ.

وَفِي الْجَلَّابِ وَمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا رَبُّهَا بِعَيْنِهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَأَبَى الْغَاصِبُ أَنْ يَرُدَّهَا وَأَرَادَ رَدَّ مِثْلَهَا فَذَلِكَ لِلْغَاصِبِ دُونَ رَبِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ لِرَبِّهَا دُونَ غَاصِبِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ، وَإِنَّمَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهِ هَذَا فِي الْبَيْعِ وَلَا شُبْهَةَ، وَهُوَ مَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ فِيمَنْ أَسْلَمْته فِي طَعَامٍ ثُمَّ أَقَالَك قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك فِي يَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَك غَيْرَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كُنْت شَرَطْت عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ مَا فِي الْجَلَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيِّ عَنْهَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْمِثْلِيَّ وَيَدْفَعَ مِثْلَهُ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(وَ) إذَا غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي إبَّانِهِ وَفَاتَ وَانْعَدَمَ الْمِثْلِيُّ بِفَوَاتِ إبَّانِهِ (صَبَرَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (لِوُجُودِهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ فِي إبَّانِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْغَاصِبِ بِمِثْلِهِ قَبْلَ إبَّانِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ فُقِدَ الْمِثْلِيُّ حِينَ طَلَبِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهُ اللَّخْمِيُّ أَرَادَ أَنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يُوجَدَ أَشْهَبُ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِي الصَّبْرِ أَوْ

ص: 91

وَلِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ، وَمُنِعَ مِنْهُ لِلتَّوَثُّقِ، وَلَا رَدَّ لَهُ:

ــ

[منح الجليل]

الْقِيمَةِ (وَ) إذَا غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي بَلَدٍ وَانْتَقَلَ الْغَاصِبُ لِبَلَدٍ آخَرَ وَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِيهِ صَبَرَ وُجُوبًا حَتَّى يَرْجِعَ الْغَاصِبُ (لِبَلَدِهِ) أَيْ الْغَصْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَغْصُوبُ مَعَ الْغَاصِبِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، بَلْ (وَلَوْ صَاحَبَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبُ الْغَاصِبَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْنَ أَخْذِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ.

" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ لَقِيَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ هُنَاكَ بِمِثْلِهِ وَلَا قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ فِيهِ فِي الذَّخِيرَةِ نَقْلُ الْمَغْصُوبِ تَشَعَّبَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ وَتَبَايَنَتْ بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ أُصُولٍ وَقَوَاعِدَ، مِنْهَا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ كُلْفَةَ النَّقْلِ، لِأَنَّ مَالَهُ مَعْصُومٌ كَمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي الطَّعَامِ يُسْرَقُ فَيَجِدُهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَاصِبَ أَوْ السَّارِقَ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ سَرِقَتِهِ أَوْ غَصْبِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ بِمَوْضِعِ نَقْلِهِ أَوْ يَأْخُذُ فِيهِ ثَمَنًا جَازَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ مَعَهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَصْبِرُ لِقُدُومِهِ بَلَدَ الْغَصْبِ لِيُغَرِّمَهُ مِثْلَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي غَيْرِ الطَّعَامِ طَرِيقَانِ. ابْنِ رُشْدٍ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَوْتٌ فِي الرَّقِيقِ وَالْعَرْضِ لَا الْحَيَوَانِ.

(وَ) إذَا لَقِيَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ وَمَعَهُ الْمَغْصُوبُ (مُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَاصِبُ (مِنْ) أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَحْوِ بَيْعِ الـ (هـ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ (لِلتَّوَثُّقِ) عَلَى الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَامِنٍ اتِّفَاقًا " ق " أَصْبَغُ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَيُتَوَثَّقُ لِرَبِّ الطَّعَامِ بِحَقِّهِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ لَقِيَ مَنْ غَصَبَهُ بِغَيْرِ بَلَدِ غَصْبِهِ وَالطَّعَامُ مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ يُمْنَعُ مِنْهُ حَتَّى يُتَوَثَّقَ مِنْهُ. (وَ) إنْ طَلَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ الْغَاصِبِ رَدَّ الْمِثْلِيِّ لِبَلَدِ غَصْبِهِ لِيَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ فَ (لَا رَدَّ لَهُ)

ص: 92

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِهِ، وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ أَكْرَى مَلَّاحًا عَلَى حَمْلٍ تِينٍ مِنْ إشْبِيلِيَّةَ إلَى سَبْتَةَ فَحَمَلَهُ إلَى سَلَا يَغْرَمُ الْمَلَّاحُ مِثْلَ التِّينِ بِإِشْبِيلِيَّةَ، وَحَمْلَهُ إلَى سَبْتَةَ فَقِيلَ لَهُ أَفْتَى غَيْرُك بِوُجُوبِ رَدِّ الْمَلَّاحِ إلَى سَبْتَةَ وَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهَا فَقَالَ ذَكَرَ هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ، وَمَا قُلْته هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(تَنْبِيهَانِ)

الْأَوَّلُ: تت قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَصَبَرَ لِبَلَدِهِ.

الثَّانِي: الشَّارِحُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَا رَدَّ لَهُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِثْلِيٌّ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ وَحُكِمَ لَهُ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ فَلَا يُرَدُّ لَهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى، قَالَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ وَأَوْصَلَهَا لِجُدَّةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلِرَبِّهَا تَكْلِيفُهُ رَدَّهَا أَوْ أَخَذَهَا بِعَيْنِهَا اهـ تت فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْخَشَبَةُ مِنْ الْمُقَوَّمِ. طفي الشَّارِحُ صَدَّرَ بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمِثْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ فَإِنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى، ثُمَّ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَ الَّذِي قَرَّرَ بِهِ تت، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ وَأَوْصَلَهَا لِجُدَّةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُكَلِّفَهُ بِرَدِّهَا أَوْ أَخَذَهَا بِعَيْنِهَا. فَقَالَ تت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَالْخَشَبَةُ مِنْ الْمُقَوَّمِ. اهـ. وَتَنْظِيرُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَرَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمِثْلِيِّ كَمَا قَرَّرَهُ تت، وَنَصُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ أَنْ يَرُدَّ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ اهـ.

ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافَ الْمُغِيرَةِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي الْمُقَوَّمِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ تت وَمَثَّلَ لَهُ بِمِثَالٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَثِّلْ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ. وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ الِاحْتِمَالَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْأَئِمَّةِ تَأَمُّلَ تَحْقِيقٍ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا رَدَّ لَهُ هُنَا، وَإِنَّمَا مَحِلُّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُقَوَّمِ، إذْ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِرَدِّهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى نَفْيِهِ، وَكَيْفَ يُخَالِفُ الْمُغِيرَةُ

ص: 93

كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ، وَقَالَ أَجَزْت لِظَنِّ بَقَائِهِ:

ــ

[منح الجليل]

فِيهِ، وَلِذَا صَرَّحَ تت بِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَصَبَرَ لِبَلَدِهِ. وَفِي الْمُقَوَّمِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ وَلِلْمُغِيرَةِ لِمَنْ نَقَلَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَهَكَذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَعْرِضِ الْمِثْلِيِّ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُصَرِّحَا بِفَرْضِهَا فِي الْمِثْلِيِّ، فَلَعَلَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَهَا فِي مَعْرِضِ الْكَلَامِ عَلَى الْمِثْلِيِّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، بِخِلَافِ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمِثْلِيِّ قَالَ فَرْعٌ فَلَوْ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَكْلِيفَ الْغَاصِبِ بِرَدِّ شَيْئِهِ إلَى مَكَان الْغَصْبِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ. اهـ. فَلَفْظُ فَرْعٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافَ الْمُغِيرَةِ فِي الْخَشَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ تَقْرِيرَ الشُّرَّاحِ بِالْمِثْلِيِّ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ مُجَرَّدُ اغْتِرَارٍ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ.

وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الرَّدِّ فَقَالَ (كَإِجَازَتِهِ) بِالزَّايِ، أَيْ إمْضَاءِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ (بَيْعَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْضًا، وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ مَغْصُوبًا (مَعِيبًا) بِعَيْبٍ قَدِيمٍ سَابِقٍ عَلَى غَصْبِهِ (زَالَ) عَيْبُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِزَوَالِهِ حِينَ إجَازَتِهِ بَيْعَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ وَأَرَادَ رَدَّ بَيْعِ الْغَاصِبِ (وَقَالَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنَّمَا (أَجَزْت) بَيْعَهُ (لِظَنِّ) يَ بِ (بَقَائِهِ) أَيْ الْعَيْبِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِتَفْرِيطِهِ فِي عَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ قَبْلَ إجَازَةِ بَيْعِهِ.

" ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَأَجَازَ رَبُّهَا بَيْعَهَا، ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَهَابِهِ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ فَتَضِلُّ الدَّابَّةُ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ فَهِيَ لِلْمُكْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا فِيهَا.

أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَوْ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَمَفْهُومُهُ لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَكَانَ

ص: 94

كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ، وَطِينٍ لُبِّنَ، وَقَمْحٍ طُحِنَ، وَبَذْرٍ زُرِعَ

ــ

[منح الجليل]

الْحُكْمُ خِلَافَ هَذَا ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ لَانْبَغَى أَنَّ لَهُ التَّكَلُّمَ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا فَيَقُولُ إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ عَلَى مَا كُنْت أَعْرِفُ. ابْنُ يُونُسَ يَقُولُ إنَّمَا أَجَزْت بَيْعَ جَارِيَةٍ عَوْرَاءَ بِهَذَا الثَّمَنِ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ بَيَاضَهَا قَدْ زَالَ قَبْلَ بَيْعِهَا مَا بِعْتهَا بِهَذَا الثَّمَنِ. وَأَمَّا الَّتِي بِيعَتْ عَوْرَاءَ فَقَدْ بِيعَتْ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُ فَقَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اسْتَثْبَتَ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَهُوَ حُجَّةُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْأُولَى. عَبْدُ الْحَقِّ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لَوْ شَاءَ لَمْ يُعَجِّلْ يَعُمُّ الْوَجْهَيْنِ.

وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ تَسَلُّطِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلِبَلَدِهِ فَقَالَ (كَنُقْرَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ، أَيْ قِطْعَةٍ مَسْبُوكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَقَبْلَ سَبْكِهَا تُسَمَّى تِبْرًا (صِيغَتْ) حُلِيًّا بَعْدَ غَصْبِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَصُوغَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَصِفَةً. " ق " ابْنُ يُونُسَ لَوْ غَصَبَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ مِثْلَ مَا لَتَّهُ بِهِ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ لِأَنَّهُ تَفَاضُلٌ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا وَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا.

(وَ) كَ (طِينٍ لُبِّنَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةً أَيْ ضُرِبَ لَبِنًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُ طِينِهِ إنْ عُلِمَ قَدْرُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (وَ) كَ (قَمْحٍ) غُصِبَ وَ (طُحِنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ لِفَوَاتِهِ بِطَحْنِهِ إنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (وَ) كَ (بَذْرٍ) بِفَتْحِ فَسُكُونٍ مُنَوَّنًا (زُرِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ طُرِحَ عَلَى الْأَرْضِ لِلنَّبَاتِ بَعْدَ غَصْبِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا مِثْلُهُ، فِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " إنْ عَمِلَ الْغَاصِبُ مِنْ الْخَشَبَةِ بَابًا أَوْ غَصَبَ تُرَابًا فَعَمِلَ مِنْهُ بَلَاطًا أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا وَحَصَلَ مِنْهَا حَبٌّ كَثِيرٌ أَوْ غَصَبَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ فِي صِفَتِهِ وَوَزْنِهِ وَكَيْلِهِ أَوْ الْقِيمَةُ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، وَكَذَلِكَ

ص: 95

وَبَيْضٍ أُفْرِخَ، إلَّا مَا بَاضَ، إنْ حَضَنَ، وَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ،

ــ

[منح الجليل]

فِي السَّرِقَةِ. ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ وَلَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ أَخْذُهُ وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّهُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ.

(وَ) كَ (بَيْضٍ) لِدَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ إوَزٍّ غُصِبَ وَحُضِنَ حَتَّى (أَفْرَخَ) أَيْ صَارَ فِرَاخًا فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا مِثْلُهُ وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ (إلَّا) فِرَاخَ (مَا) أَيْ الطَّيْرَ الَّذِي (بَاضَ) فَهِيَ لِرَبِّهِ (إنْ حَضَنَ) الطَّيْرُ بَيْضَهُ كَدَجَاجِ وَحَمَامٍ وَإِوَزٍّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الذَّكَرُ لِلْغَاصِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ حَضَنَهُ تَحْتَ غَيْرِهِ أَوْ غَصَبَ الطَّيْرَ وَحَضَنَهُ بَيْضَ غَيْرِهِ لَكَانَتْ الْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَضْنِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ.

" ق " أَشْهَبُ مَنْ غَصَبَ بَيْضَةً فَحَضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَجَاجَةٌ فَعَلَيْهِ بَيْضَةُ مِثْلِهَا كَغَاصِبِ الْقَمْحِ يَزْرَعُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْقَمْحِ وَالزَّرْعُ لَهُ، وَلَوْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ فَحَضَنَتْ بَيْضَهَا فَفِرَاخُهَا لِرَبِّهَا كَالْوِلَادَةِ، وَلَوْ حَضَنَ بَيْضَ الْمَغْصُوبَةِ تَحْتَ دَجَاجَةٍ لِلْغَاصِبِ وَبَيْضَ دَجَاجَتِهِ تَحْتَ الْمَغْصُوبَةِ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْفَرَارِيجِ لِلْغَاصِبِ وَالدَّجَاجَةُ لِرَبِّهَا، وَلَهُ مِثْلُ بَيْضِهَا وَفِيمَا حَضَنَتْ كِرَاءُ مِثْلِهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ مَعَ مَا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَلِرَبِّهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ بَيْضِهَا وَلَا مِنْ فَرَارِيجِهَا. وَلَوْ غَصَبَ حَمَامَةً فَزَوَّجَهَا ذَكَرًا لَهُ فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ فَالْحَمَامَةُ وَفَرَاخُهَا لِرَبِّهَا وَلَا شَيْءَ لِغَاصِبِهَا فِيمَا أَعَانَهَا ذَكَرُهُ مِنْ حَضَانَتِهِ، وَلِرَبِّهَا فِيمَا حَضَنَتْ مِنْ بَيْضِ غَيْرِهَا قِيمَةُ حَضَانَتِهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا حَضَنَهُ غَيْرُهَا مِنْ بَيْضِهَا وَإِنَّمَا لَهُ بَيْضٌ مِثْلُ بَيْضِ حَمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِ مِثْلِ بَيْضِهَا ضَرَرٌ فِي تَكَلُّفِ حَمَامَةٍ تَحْضُنُهُ فَلَهُ أَنْ يُغَرِّمَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْبَيْضِ.

(وَ) كَ (عَصِيرٍ) غُصِبَ وَ (تَخَمَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ صَارَ خَمْرًا بَعْدَ غَصْبِهِ فَلِرَبِّهِ عَصِيرُ مِثْلِهِ لِفَوَاتِهِ بِانْقِلَابِهِ لِمَا لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ. الْمَازِرِيُّ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَأَرَاقَهَا فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ مِنْ إرَاقَتِهَا الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ، وَقَدْ خَرَّجَ حُذَّاقُ شُيُوخِنَا فِي هَذَا

ص: 96

وَإِنْ تَخَلَّلَ: خُيِّرَ: كَتَخَلُّلِهَا لِذِمِّيٍّ، وَتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ

ــ

[منح الجليل]

خِلَافًا، لِأَنَّهُ كَمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى طَائِرٍ لَا يَحُوزُهُ أَحَدٌ. اللَّخْمِيُّ مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهُ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ أُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ وَغَرِمَ مِثْلَهُ.

(وَإِنْ تَخَلَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ صَارَ الْعَصِيرُ الْمَغْصُوبُ خَلًّا (خُيِّرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مَالِكُهُ بَيْنَ أَخْذِ عَصِيرٍ مِثْلِهِ أَوْ أَخْذِهِ خَلًّا. اللَّخْمِيُّ مَنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَلَّلَ خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مِثْلِهِ. وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ فَقَالَ (كَتَخَلُّلِهَا) أَيْ صَيْرُورَةِ الْخَمْرِ خَلًّا بَعْدَ غَصْبِهَا حَالَ كَوْنِهَا (لِذِمِّيٍّ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْخَلِّ وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَشْهَرِ لَا فِي أَخْذِهِ مِثْلَ الْخَمْرِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَتَعَيَّنُ أَخْذُ الْخَلِّ (وَتَعَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَخْذُ الْخَلِّ الَّذِي تَحَوَّلَتْ الْخَمْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهَا (لِغَيْرِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ فَقَطْ، هَذَا مُرَادُهُ، وَإِنْ تَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ غَيْرَ الذِّمِّيِّ يَشْمَلُ الْحَرْبِيَّ وَالْمُعَاهَدَ وَنَحْوَهُمَا مَعَ أَنَّهُمْ

ص: 97

وَإِنْ ضَيَّعَ كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ: فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ،

ــ

[منح الجليل]

كَالذِّمِّيِّ فِي التَّخْيِيرِ، فَلَوْ قَالَ كَتَخَلُّلِهَا لِكَافِرٍ لَكَانَ أَحْسَنَ.

أَشْهَبُ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَتَخَلَّلَهَا خُيِّرَ الذِّمِّيُّ فِي أَخْذِهَا خَلًّا وَقِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، وَفِيهَا لِمَالِكٍ " رضي الله عنه " لَوْ اسْتَهْلَكَ مُسْلِمٌ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ أُغْرِمَ قِيمَتَهَا الْمَازِرِيُّ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا وَأَمْسَكَهَا حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَفِي كَوْنِهَا يَتَخَلَّلُهَا عِنْدَ غَاصِبِهَا لَهُ أَوْ لِرَبِّهَا. ثَالِثُهَا إنْ تَسَبَّبَ لِتَخْرِيجِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْمَعْرُوفِ. وَمَفْهُومِ تَعْلِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ.

وَشَرَعَ فِي بَيَانِ ضَمَانِ الْمُقَوَّمِ الْمَغْصُوبِ فَقَالَ (وَإِنْ ضَيَّعَ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ مَغْصُوبًا مُقَوَّمًا (كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ كَعَرْضٍ وَحَيَوَانٍ (فَقِيمَتُهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ تَلْزَمُ الْغَاصِبَ مُعْتَبَرَةٌ (يَوْمَ غَصْبِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ أَشْهَبُ تَلْزَمُهُ أَعْلَى قِيمَةٍ مَضَتْ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ تت ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ وَقَفَ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ وَغَصَبَهُ فِعْلٌ مَاضٍ. طفي قَوْلُهُ وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا مِنْ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، وَأَصْلُهُ تَصْحِيفٌ، إذْ الرَّفْعُ لَا يُلَائِمُ بِنَاءَ ضَيَّعَ لِلْفَاعِلِ.

الْحَطّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَأَى خَطَّ الْمُصَنِّفِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ غَزْلًا ثُمَّ ضَاعَ بِسَبَبِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَا الْحُلِيُّ إذَا غَصَبَهُ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ، وَنَبَّهَ بِالْغَزْلِ وَالْحُلِيِّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمِثْلِيِّ إذَا صُنِعَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقَوَّمًا " غ " كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا صَنَعَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلنَّائِبِ، فَيَنْبَغِي نَصْبُ لَفْظِ غَيْرِ عَلَى الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ عَلَى الثَّانِي عَلَى حَسَبِ مَحِلِّ الْكَافِ، وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، أَيْ أَوْ فَوَّتَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّنْعَةَ أَوَّلًا نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ، وَفَرَّ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ فَضَبَطَ ضَيَّعَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةً مَبْنِيًّا

ص: 98

وَإِنْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ، أَوْ كَلْبًا وَلَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّيًا

ــ

[منح الجليل]

لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلنَّائِبِ أَيْضًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ صَنَعَ إغْيَاءٌ لِمَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ، أَيْ وَإِنْ خُلِّلَ، وَهَذَا مَعْرُوفُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، إذْ قَالَ فَفِي كَوْنِهَا بِتَخْلِيلِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ لَهُ أَوْ لِرَبِّهَا ثَالِثُهَا إنْ تَسَبَّبَ فِي تَخْلِيلِهَا لِتَخْرِيجِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْمَعْرُوفِ وَمَفْهُومِ تَعْلِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ فَصُنِعَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ لَيْسَ إلَّا، وَغَيْرُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَا بَعْدَ الْكَافِ وَبِقِيمَتِهِ بِبَاءِ جَرٍّ مَكَانَ فَاءِ الْجَوَابِ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ هُوَ قَوْلُهُ الْمِثْلِيُّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَضَمِنَ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ كَضَمَانِ الْغَزْلِ وَحُلِيٍّ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ بِقِيمَتِهِ اهـ.

فِي الشَّامِلِ لَوْ اسْتَهْلَكَ غَزْلًا أَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا فَالْقِيمَةُ. تت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَزْلَ وَالْحُلِيَّ مِثْلِيٌّ لِقَوْلِهِ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ عَلَى أَصْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّنْعَةَ لَا تَنْقُلُ الْمِثْلِيَّ، وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ يَصِيرُ مُقَوَّمًا فَهُمَا مُقَوَّمَانِ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ الَّذِي تَلِفَ بِيَدِهِ إذَا كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ. بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا مَنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَعَلَيْهِ إنْ أَتْلَفَهُ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ كَمَا لَا يُبَاعُ كَلْبُ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ وَعَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ. الْبُنَانِيُّ لَوْ عَبَّرَ بِلَوْ بَدَلَ إنْ كَانَ أَوْلَى لِرَدِّ الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ. ابْنُ رُشْدٍ عَقِبَ نَصِّهَا وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ دُبِغَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقِيلَ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُدْبَغَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ. وَقِيلَ إنْ دُبِغَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قِيمَةُ دَبْغِهِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَوْ) إنْ كَانَ (كَلْبًا) مَأْذُونًا فِيهِ لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ. اللَّخْمِيُّ فَإِنْ كَانَ كَلْبَ دَارٍ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الْقَاتِلِ الْكَلْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إنْ قَتَلَهُ بَعْدَ غَصْبِهِ لَهُ قَبْلَ قَتْلِهِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَسَحْنُونٌ لِرَبِّهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَتْلِهِ، وَمَفْهُومُ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ حِينَ عَدَاءِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ الْحَطّ، وَنَصُّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَدَاءٍ بِبَاءِ جَرٍّ دَاخِلَةٍ عَلَى

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

عَدَاءٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ وَالظُّلْمُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ تَعَدِّيًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ أَوَّلَهُ وَالتَّحْتِيَّةِ آخِرَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمُقَوَّمَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَتْلِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

" غ " قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّيًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَرَدُّهُ لِلْكَلْبِ كَمَا فِي الشَّامِلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. تت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْكَلْبِ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَتْلَ كَالْغَصْبِ فِي إيجَابِ الْقِيمَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إتْلَافَ الْمُقَوَّمِ يُوجِبُ قِيمَتَهُ، فَلَمْ يُفِدْ شَيْئًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْوِيمِهِ يَوْمُ غَصْبِهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَعْطَى حُكْمًا كُلِّيًّا يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ، وَنَحْوُهُ مَا فِي الشَّامِلِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ شَيْءٌ حَسَنٌ، وَأَيْضًا الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ قَتْلٍ بِغَيْرِ غَصْبٍ، فَلَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي الْكَلْبِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ قِيمَتِهِ. طفي جَعْلُهُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَلْبِ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحُ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَغَيْرَ مِثْلِيٍّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَتَلَ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَتْلِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَبِهِ قَرَّرَ الْحَطّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ: وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَتْلِ الْغَاصِبِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَتْلِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِتْلَافِ كَابْنِ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَعَمَّ، وَأَصْلُ هَذَا التَّقْرِيرِ لِابْنِ غَازِيٍّ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ تت فِي كَبِيرِهِ، وَذَكَرَ نَصَّهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ قَتْلِهِ بِلَا غَصْبٍ غَيْرُ صَوَابٍ إذْ هُوَ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَا تَحْسُنُ الْمُبَالَغَةُ حِينَئِذٍ، إذْ لَا خِلَافَ يُشِيرُ إلَيْهِ بِهَا وَيُفَوِّتُ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ. ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ فِي الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ص: 100

وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ

فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَ الْجَانِيَ، فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ: فَلَهُ الزَّائِدُ

ــ

[منح الجليل]

(تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: لَمْ يُوَقِّتْ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَثْمَانِ الْكِلَابِ بِأَنَّ فِي كَلْبِ الْمَاشِيَةِ شَاةً، وَفِي كَلْبِ الصَّيْدِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَفِي كَلْبِ الزَّرْعِ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَإِنَّمَا قَالَ فِيهَا عَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ.

الثَّانِي: أَطْلَقَ الْكَلْبَ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَدِّيًا أَوْ بِعَدَاءٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ قَتْلُهُ مُبَاحٌ.

الثَّالِثُ: لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَائِرُ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَخَمْرُ الذِّمِّيِّ وَالثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالزَّرْعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْمُدَبَّرُ. .

(وَ) إنْ جَنَى عَلَى الْمَغْصُوبِ غَيْرُ غَاصِبِهِ فَأَتْلَفَهُ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (فِي) اتِّبَاعِ (الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ غَيْرِ الْغَاصِبِ الْجَانِي عَلَى الْمَغْصُوبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ أَوْ الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ، لِحُصُولِ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا الْغَصْبُ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْإِتْلَافُ مِنْ الْجَانِي. وَمَفْهُومُ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي إتْلَافِ الْغَاصِبِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ تَعَدُّدَ أَسْبَابِ الضَّمَانِ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الصَّوَابُ.

(فَإِنْ تَبِعَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ (تَبِعَ هُوَ) أَيْ الْغَاصِبُ (الْجَانِيَ) بِقِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ غَصْبِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَوِيَا (فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (أَقَلَّ) الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْجَانِي وَأَخَذَ الْغَاصِبُ أَكْثَرَهُمَا مِنْ الْجَانِي بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ عَشَرَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَخَذَ رَبُّهُ الْعَشَرَةَ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْجَانِي (فَلَهُ)

ص: 101

مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ، وَلَهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ

ــ

[منح الجليل]

أَيْ رَبِّ الْمَغْصُوبِ (الزَّائِدُ) عَلَى أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ الْمُتَمِّمِ لِأَكْثَرِهِمَا كَالْخَمْسَةِ فِي الْمِثَالِ، أَيْ أَخَذَهُ حَالَ كَوْنِهِ (مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ عَشَرَةً، وَأَخَذَهَا رَبُّهُ مِنْ الْجَانِي فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِخَمْسَةٍ تَمَامِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَمَفْهُومُ فَقَطْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الزَّائِدُ حَالَ كَوْنِهِ مِنْ الْجَانِي، بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ عَشَرَةً وَيَوْمَ الْجِنَايَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَخَذَ رَبُّهُ مِنْ الْغَاصِبِ عَشَرَةً فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْخَمْسَةِ لَا مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا مِنْ الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ قَتَلَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا فَقَطْ وَلَوْ قَتَلَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ أَجْنَبِيٌّ وَقِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُ الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا عَلَى الْغَاصِبِ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَكَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى قَاتِلِهَا بِشَيْءٍ، وَلِلْغَاصِبِ طَلَبُ الْقَاتِلِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا.

(وَ) مَنْ غَصَبَ عَمُودًا أَوْ خَشَبًا أَوْ حَجَرًا وَبَنَى عَلَيْهِ بِنَاءً فَ (لَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (هَدْمُ بِنَاءٍ) وَلَوْ عَظُمَ كَالْقُصُورِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَهْدِمُ الْعَظِيمَ بَنَى (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَأَخْذُهُ وَلَهُ تَرْكُهُ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذُ قِيمَتِهِ مِنْهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْغَاصِبُ مِنْ دَفْعِهَا مَعَ رِضَا رَبِّ الْمَغْصُوبِ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا وَلَهُ هَدْمُ بِنَائِهِ وَدَفَعَ الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا لِأَنَّ هَدْمَ بِنَائِهِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ.

" ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا فَبَنَى عَلَيْهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَهَدْمُ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَجَعَلَهُ ظِهَارَةً لِجُبَّةٍ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ أَوْ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ لَهُ عَيْنُ شَبَهٍ وَيَفْتُقُ لَهُ الْجُبَّةَ وَيَهْدِمُ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْهَدْمُ وَالْفَتْقُ عَلَى الْغَاصِبِ.

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْخَشَبَةِ وَكَأَنَّ الْغَاصِبَ أَفَاتَهَا بِالْتِزَامِ قِيمَتِهَا، وَانْظُرْ لَوْ أَنْشَأَ سَفِينَةً عَلَى لَوْحٍ مَغْصُوبٍ أَوْ غَصَبَ خَيْطًا خَاطَ بِهِ جُرْحًا هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى

ص: 102

وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ

ــ

[منح الجليل]

تَهَوُّنِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. الْمَازِرِيُّ وَمِنْ هَذَا الْكَبْشُ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي قِدْرِ غَيْرِ رَبِّهِ وَالدِّينَارُ يَقَعُ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ، وَلَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِكَسْرِ الْإِنَاءِ، وَمِنْ الْحَاوِي مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ ابْتَاعَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا وَاسْتُحِقَّتْ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهَا لِلضَّرَرِ وَلِأَنَّ الْبَانِيَ لَيْسَ بِغَاصِبٍ.

ابْنُ عَرَفَةَ إدْخَالُ الْغَاصِبِ لَوْحًا فِي سَفِينَةٍ أَنْشَأَهَا كَالْحَجَرِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ بِنَاءٌ مُعْتَبَرٌ إنْ كَانَ نَزْعُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَوْتَ آدَمِيٍّ وَلَا إتْلَافَ مَالٍ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا اعْتِبَارُ أَشَدِّ الضَّرَرَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِ الضَّرَرِ وَمَنْ يَلْحَقُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ غَاصِبًا وَغَيْرَ غَاصِبٍ، وَكَذَا غَصْبُ خَيْطٍ خِيطَ بِهِ جُرْحٌ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَزْعُهُ إتْلَافَ عُضْوٍ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ بِهِ مَخُوفٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ وَاسْتَلْزَمَ تَأْخِيرَ بُرْءٍ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ هَذَا إدْخَالُ كَبْشٍ رَأْسَهُ فِي قِدْرِ لِغَيْرِ رَبِّهِ لَا بِتَسَبُّبٍ مِنْ أَحَدِ مَالِكَيْهِمَا فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا وَهُوَ مِنْ جُرْحِ الْعَجْمَاءِ، وَكَذَا دُخُولُ دِينَارٍ فِي دَوَاةِ غَيْرِ رَبِّهِ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْهَا إلَّا بِكَسْرِهَا، وَكَانَ شَيْخُنَا إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ يَحْكِي أَنَّ جَمَلَيْنِ اجْتَمَعَا فِي مَضِيقٍ لَا يُمْكِنُ نَجَاةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِنَحْرِ الْآخَرِ، فَحَكَمَ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِنَحْرِ أَحَدِهِمَا وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْبَاقِي كَالْمَطْرُوحِ مِنْ السَّفِينَةِ لِنَجَاتِهَا، وَمِنْهَا إنْ عَمِلَ الْغَاصِبُ الْخَشَبَةَ بَابًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا.

وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ بَنَى بِهَا شَيْئًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ اقْلَعْ الْأُصُولَ وَالْبِنَاءَ إنْ كَانَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ إنْ يَشَاءُ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَصْلِ مَقْلُوعًا، وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ بَعْدَ قَلْعِهِ كَالْجِصِّ وَالنَّقْشِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ وَكَذَا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ مِطْمَرًا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ذَلِكَ، اهـ. .

(وَ) لَهُ (غَلَّةُ) مَغْصُوبٍ (مُسْتَعْمَلٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَابَّةٍ وَدَارٍ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَكْرَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَصَاحِبِ الْمُعِينِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ. وَرَوَى الْمَازِرِيُّ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ مُطْلَقًا وَرُجِّحَ

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

لِخَبَرِ «الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ» ، وَمَفْهُومُ مُسْتَعْمَلٍ أَنَّ مَا لَهُ غَلَّةٌ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ كَالرَّقِيقِ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَالدَّارُ يُغْلِقُهَا وَالْأَرْضُ يُبَوِّرُهَا وَالدَّابَّةُ يَحْبِسُهَا لَا تَلْزَمُهُ غَلَّتُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ تَلْزَمُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَشْيَاخُ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ غُصِبَتْ دَنَانِيرُهُ أَوْ دَرَاهِمُهُ وَأَنْفَقَهَا الْغَاصِبُ أَوْ اتَّجِرْ بِهَا فَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ وَشُهِرَ. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا أَنَّ الرِّبْحَ لِلْغَاصِبِ فِيمَا غَصَبَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَهُ رِبْحُهُ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا. وَقِيلَ لَهُ مِقْدَارُ مَا كَانَ يَرْبَحُ فِيهِ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَأْخُذُ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَتَهُ وَنَحْوُهُ فِي الْكَافِي أَفَادَهُ تت.

طفي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ هَذَا وَإِنْ عَزَاهُ فِي الْكَافِي لِأَصْحَابِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا وَمَا أَثْمَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ تَنَاسَلَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ جَزَّ مِنْ الصُّوفِ أَوْ حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا اغْتَصَبَ لِمُسْتَحِقِّهِ وَمَا أَكَلَ يَرُدُّ الْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ الْوَلَدُ أَوْ مَا جَزَّ مِنْهَا وَحَلَبَ يُخَيِّرُ رَبُّهَا، فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْأُمَّهَاتِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ وَلَدٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ لَبَنٍ وَلَا فِي ثَمَنِهِ إنْ بِيعَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ إنْ كَانَ وَلَدٌ أَوْ ثَمَنَ مَا بِيعَ مِنْ صُوفٍ أَوْ لَبَنٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا أَكَلَ الْغَاصِبُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَالْقِيمَةُ فِيمَا يُقَوَّمُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ ثُمَّ مَاتَتْ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ أَوْلَادَهَا وَقِيمَةَ الْأَمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ ثَمَنِهَا مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، أَوْ يَأْخُذُ الْوَلَدَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ اهـ.

وَاقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي بَيَانِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ عَلَى هَذَا، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَمْ يُعَرِّجْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا فِي الْكَافِي عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ تت خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا إنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مَعَ الْغَلَّةِ، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ

ص: 104

كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا وَأَمَرَهُ الْغَاصِبُ بِالصَّيْدِ وَصَيْدُ عَبْدٍ، وَجَارِحٍ

ــ

[منح الجليل]

مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. " ق " ابْنُ عَرَفَةَ فِي غُرْمِ الْغَاصِبِ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَكُلُّ رَبْعٍ اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ فَسَكَنَهُ أَوْ اغْتَلَّهُ، أَوْ أَرْضٍ فَزَرَعَهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ أَوْ زَرَعَ لِنَفْسِهِ وَغَرِمَ مَا أَكْرَاهَا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُحَابِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَلَا انْتَفَعَ بِهَا وَلَا اغْتَلَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا اغْتَصَبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرَقَهُ فَاسْتَعْمَلَهَا شَهْرًا وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ أَوْ أَكْرَاهَا وَقَبَضَ كِرَاءَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا كَانَتْ عَلَى حَالَتِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقِهَا. وَأَمَّا الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا، أَوْ بِحَبْسِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا فَرَبُّهَا يُخَيِّرُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، أَوْ يَأْخُذُهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ، وَلَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ وَالسَّارِقُ أَوْ الْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا قِيمَةٌ وَلَا كِرَاءٌ إذَا رَدَّهَا بِحَالِهَا، وَلَوْلَا مَا قَالَهُ مَالِكٌ لَجَعَلْت عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ كِرَاءَ رُكُوبِهِ إيَّاهَا وَأُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا كَالْمُكْتَرِي، وَلَكِنِّي آخُذُ فِيهِمَا بِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. الْبَاجِيَّ الْفَرْقُ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الرَّقَبَةَ فَيَضْمَنُهَا دُونَ مَنَافِعِهَا، بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ فَتَعَدَّى عَلَى الْمَنَافِعِ فَضَمِنَهَا. الْحَطّ قَوْلُهُ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ رِبَاعٍ وَحَيَوَانٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ صَرَّحَ الْمَازِرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُعِينِ وَغَيْرُهُمَا بِتَشْهِيرِهِ، وَشَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. .

(وَ) لَهُ (صَيْدُ) أَيْ مَصِيدُ (عَبْدٍ) مَغْصُوبٍ اتِّفَاقًا (وَ) مَصِيدُ (جَارِحٍ) كَبَازٍ وَكَلْبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ بَشِيرٍ إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا وَأَمَرَهُ الْغَاصِبُ بِالصَّيْدِ فَلَا خِلَافَ

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَنَّ صَيْدَهُ لِرَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ آلَةً كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ صَيْدَهُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ انْتِفَاعِهِ بِهِ. وَإِنْ كَانَ فَرَسًا فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْآلَاتِ، وَإِنْ كَانَ جَارِحًا كَالْبَازِي وَالْكَلْبِ فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْعَبْدِ أَوْ بِالْآلَاتِ قَوْلَانِ. ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى فَرَسٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ نَبْلٍ فَيَصِيدُ بِهِ، فَإِنَّ الصَّيْدَ لِلْمُتَعَدِّي وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ وَالْقَوْسِ وَالنَّبْلِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَيْضًا فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى عَبْدٍ فَبَعَثَهُ يَصْطَادُ أَنَّ الصَّيْدَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى كَلْبٍ أَوْ بَازٍ فَاصْطَادَ بِهِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى عَبْدٍ فَأَرْسَلَهُ يَصْطَادُ لَهُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا هُوَ لِلْكَلْبِ وَالْبَازِي لِأَنَّهُمَا هُمَا التَّابِعَانِ الصَّيْدَ الْآخِذَانِ لَهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُتَعَدِّي فِي ذَلِكَ الْإِرْسَالُ وَالْإِشْلَاءُ خَاصَّةً، فَوَجَبَ كَوْنُ صَاحِبِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي أَحَقَّ بِالصَّيْدِ لِأَنَّ لَهُ فِي صَيْدِهِ شَيْئَيْنِ الِاتِّبَاعَ وَالْأَخْذَ، وَلَيْسَ لِلْمُتَعَدِّي فِيهِ إلَّا التَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا تُؤُوِّلَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ شَيْئَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي غُرْمِ الْغَاصِبِ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ مُطْلَقًا وَنَفْيِهِ، ثَالِثُهَا: غَلَّةُ الرِّبَاعِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ لَا الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ، وَرَابِعُهَا: مَا اسْتَقَلَّ لَا مَا اُسْتُغِلَّ. وَخَامِسُهَا: غَلَّةُ الرِّبَاعِ وَالنَّخْلِ لَا غَلَّةُ الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ فِي غَلَّةِ الْمَغْصُوبِ فَقَالَ أَشْهَبُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَغْصُوبِ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا أَوْ أَكْثَرُ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا حُكْمُهَا خِلَافُ حُكْمِ الْمَغْصُوبِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ بِبَيِّنَةٍ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا فَلَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَتَحْصِيلُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ مَا تَوَلَّدَ عَنْ الْمَغْصُوبِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَخِلْقَتِهِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَرُدُّهُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ وَهُوَ السَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَالصُّوفُ وَشِبْهُهُ فِي كَوْنِهِ لِلْغَاصِبِ وَوُجُوبِ رَدِّهِ قَوْلَانِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْغَلَّةِ وَأَخْذِ الْغَلَّةِ دُونَ قِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ كَالْأَكْرِيَةِ وَالْخَرَاجَاتِ فِي وُجُوبِ رَدِّهَا وَنَفْيِهِ.

ثَالِثُهَا يَرُدُّ إنْ أَكْرَى أَوْ انْتَفَعَ لَا إنْ عَطَّلَ. وَرَابِعُهَا إنْ أَكْرَى لَا إنْ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ.

وَخَامِسُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ اهـ. .

ص: 106

وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ، وَأَخَذَ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) لَهُ (كِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ) دَارًا أَوْ نَحْوَهَا وَسَكَنَهَا الْغَاصِبُ أَوْ اسْتَغَلَّهَا. اللَّخْمِيُّ لَمْ أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَاهَا ثُمَّ سَكَنَ أَوْ اسْتَغَلَّ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ سِوَى غَلَّةِ الْقَاعَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَبَنَى فِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ غَرَسَ فَلْيَقْتَسِمَا، فَإِنْ وَقَعَ بِنَاؤُهُ أَوْ غَرْسُهُ فِي حِصَّتِهِ دَفَعَ لِشَرِيكِهِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ وَقَعَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ خُيِّرَ مَنْ وَقَعَتْ فِي حِصَّتِهِ بَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَوْ أَمْرِهِ بِقَلْعِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِيمَنْ غَصَبَ بِنَاءً خَرِبًا وَأَصْلَحَهُ وَاغْتَلَّهُ فَقَالَ أَشْهَبُ مَا زَادَ فِي غَلَّتِهِ فَلِلْغَاصِبِ كَسَاحَةٍ يَعْمُرْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْجَمِيعُ لِلْمَالِكِ وَوَافَقَ أَصْبَغُ أَشْهَبَ. اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَبْيَنُ فَيُقَوَّمُ الْأَصْلُ قَبْلَ إصْلَاحِهِ فَيُنْظَرُ مَا كَانَ يُؤَاجَرُ بِهِ مِمَّنْ يُصْلِحُهُ فَيَغْرَمُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِلْغَاصِبِ. وَرَأَى مُحَمَّدٌ أَنَّ جَمِيعَ الْغَلَّةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَهُ أَخْذُ الدَّارِ مُصْلَحَةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةُ مَا لَوْ نَزَعَهُ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَرَأَى الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ فَتَكُونُ غَلَّتُهُ لَهُ.

وَشَبَّهَ فِي أَنَّ كِرَاءَ الْأَصْلِ الْخَرِبِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ لِلْمَالِكِ وَالزَّائِدَ بِالْإِصْلَاحِ لِلْغَاصِبِ فَقَالَ (كَمَرْكَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ سَفِينَةٍ (نَخِرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ بَالٍ مُتَخَرِّبٍ غَصَبَهُ وَأَصْلَحَهُ وَاسْتَغَلَّهُ فَغَلَّةُ الْأَصْلِ لِلْمَالِكِ وَالزَّائِدُ لِلْغَاصِبِ بِأَنْ يُقَالَ كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهُ نَخِرًا لِمَنْ يُعَمِّرُهُ وَيَسْتَغِلُّهُ، فَمَا قِيلَ لَزِمَ الْغَاصِبَ لَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْجَمِيعُ لِلْمَالِكِ. اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ. ابْنُ رَاشِدٍ أَقْيَسُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِي أَظْهَرُ. (وَ) إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَرْكَبَ (أَخَذَ) مَعَهُ بِلَا عِوَضٍ (مَا) أَيْ الْمُصْلَحَ بِهِ الَّذِي (لَا عَيْنَ) أَيْ ذَاتَ (لَهُ) بَعْدَ قَلْعِهِ (قَائِمَةٌ) أَيْ لَهَا قِيمَةٌ كَالزِّفْتِ وَالْقُلْفُطَةِ. وَأَمَّا مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالْحِبَالِ وَالْمَجَاذِيفِ وَالسَّوَارِي وَالْقِلَاعِ وَالْهُلْبِ الَّذِي يُرْمَى فِي الْبَحْرِ لِحَبْسِ الْمَرْكَبِ عَنْ السَّيْرِ فَلِلْغَاصِبِ أَخْذُهُ إنْ كَانَ الْمَرْكَبُ فِي مَرْسَى بَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ وَتَوَقَّفَ سَيْرُهُ إلَى بَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ بَدَلَهُ يُسَيِّرُهَا بِهِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ،

ص: 107

وَصَيْدِ شَبَكَةٍ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ

ــ

[منح الجليل]

فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَرْكَبِ بَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَيْفَ كَانَتْ وَتَسْلِيمِهِ لِلْغَاصِبِ.

ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ غَصَبَ مَرْكَبًا خَرِبًا وَأَنْفَقَ فِي قَلْفَطَتِهِ وَرَقَبَتِهِ وَآلَتِهِ ثُمَّ اغْتَلَّ فِيهِ غَلَّةً كَثِيرَةً فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَصْلُوحًا بِجَمِيعِ غَلَّتِهِ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ الْغَاصِبُ إلَّا فِي الصَّارِي وَالْأَرْجُلِ وَالْحِبَالِ، وَمَا لَهُ ثَمَنٌ إنْ أُخِذَ فَلِلْغَاصِبِ أَخْذُهُ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا تُوجَدُ فِيهِ آلَتُهُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي جَرْيِهِ حَتَّى يَرِدَ إلَى مَوْضِعِهِ، وَمَا لَا يُوجَدُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلَهُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ.

(وَ) لَهُ كِرَاءُ (صَيْدِ شَبَكَةٍ) وَشَرَكٍ وَرُمْحٍ وَنَبْلٍ وَقَوْسٍ وَحَبْلٍ وَسَيْفٍ مَغْصُوبَةٍ فَصَيْدٍ مَجْرُورٌ عَطْفٌ عَلَى أَرْضٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِاصْطِيَادُ. وَأَمَّا الْمَصِيدُ بِهَا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ اتِّفَاقًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَهُ صَيْدُ شَبَكَةٍ وَالضَّمِيرُ الْغَاصِبُ، وَالصَّيْدُ بِمَعْنَى الْمَصِيدِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهَا تَشْتِيتُ مَرْجِعِ ضَمِيرِ لَهُ فَإِنَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ رَاجِعٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَهُنَا رَاجِعٌ لِلْغَاصِبِ، وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ كِرَاءَ الشَّبَكَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا صَيْدَ شَبَكَةٍ أَيْ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَا صِيدَ بِشَبَكَتِهِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا. ابْنُ بَشِيرٍ إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ آلَةً كَسَيْفٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِلْغَاصِبِ وَمِثْلُ السَّيْفِ الشِّبَاكُ وَالْحِبَالَاتُ.

(وَمَا) أَيْ الْمَالِ الَّذِي (أَنْفَقَ) هـ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ وَمُؤْنَةُ الرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ وَكِسْوَتُهُ وَسَقْيُ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَعِلَاجُهَا وَحَصْدُ الزَّرْعِ الْمَغْصُوبِ وَدَرْسُهُ وَتَذْرِيَتُهُ وَسَقْيُ الشَّجَرِ الْمَغْصُوبِ وَعِلَاجُهُ كَائِنٌ (فِي الْغَلَّةِ) لِلْمَغْصُوبِ لَا يَتَعَدَّاهَا إلَى ذِمَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ غَلَّةٌ أَوْ زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا فَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنْ الْغَلَّةِ فِي النَّفَقَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْغَاصِبَ وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى غُرْمِ الْغَاصِبِ الْغَلَّةَ فِي رُجُوعِهِ بِالنَّفَقَةِ فِيهَا طَرِيقَانِ.

اللَّخْمِيُّ فِي رُجُوعِهِ بِنَفَقَةِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ ثَلَاثَةٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ

ص: 108

وَهَلْ إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ تَرَدُّدٌ

ــ

[منح الجليل]

يَرْجِعُ بِهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْغَلَّةَ، ثُمَّ قَالَ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْحَائِطُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بِيَدِ رَبِّهِ اسْتَأْجَرَ لَهُ فَهُوَ كَطَعَامِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ، لِأَنَّ لَهُ عَبِيدًا وَدَوَابَّ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُمْ بَعْدَ غَصْبِ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ ذَلِكَ رَجَعَ بِأَجْرِ مَا يَعْجِزُ رَبُّ الْحَائِطِ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُمْ رَبُّهُمْ بَعْدَ غَصْبِ الْحَائِطِ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا عَمِلَهُ الْغَاصِبُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْأَجْرَ الَّذِي أَخَذَهُ فِيهِمْ وَلِأَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى رَجُلٍ فَسَقَى لَهُ شَجَرَهُ أَوْ حَرَثَ أَرْضِهِ أَوْ حَصَدَ زَرْعَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَجْرَ ذَلِكَ إنْ كَانَ رَبُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّنْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا، وَإِنْ كَانَ يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ مَنْ يَلِي ذَلِكَ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَرَى أَنَّ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ إجَارَةِ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَهُ الْغَاصِبُ، أَوْ مَا أَجَرَ هُوَ بِهِ عَبِيدَهُ أَوْ الْغَلَّةَ. قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّ ثَالِثَ الْأَقْوَالِ هُوَ اخْتِيَارُهُ كَعَدِّ ابْنِ رُشْدٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ اخْتِيَارَهُ قَوْلًا، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ ثَالِثًا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ غَاصِبٍ لِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَدَّى مُفَسِّرًا لَهُ بِقَوْلِهِ فَسَقَى إلَخْ الصِّقِلِّيُّ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهَا بِرُجُوعِ الْغَاصِبِ بِمَا أَنْفَقَ وَسَقَى وَعَالَجَ وَرَعَى فِي الْغَلَّةِ، قَالَ وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْغَلَّةِ وَأَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ. قَالَ إذْ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا هُوَ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ قَلْعِهِ. قُلْت وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا لِسَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. .

(وَ) إذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ شَيْءٌ مُقَوَّمٌ سَامَهُ أَشْخَاصٌ بِقَدْرٍ وَاحِدٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ وَغَصَبَهُ غَاصِبٌ وَأَتْلَفَهُ فَ (هَلْ) يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الثَّمَنُ الَّذِي سَامَهُ الْأَشْخَاصُ (إنْ) كَانَ (أَعْطَاهُ) أَيْ سَامَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ (فِيهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ (مُتَعَدِّدٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى (عَطَاءً) أَيْ ثَمَنًا وَاحِدًا كَعَشَرَةٍ (فَ) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (بِهِ) أَيْ الْعَطَاءِ الْوَاحِدِ لَا بِقِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ (أَوْ) يَضْمَنُهُ (بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ) أَيْ الْعَطَاءِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُتَعَدِّدِ (وَمِنْ الْقِيمَةِ)

ص: 109

وَإِنْ وَجَدَ غَاصِبُهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرِ مَحِلِّهِ، فَلَهُ تَضْمِينُهُ، وَمَعَهُ أَخَذَهُ

ــ

[منح الجليل]

وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى (تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي قَوْلِ عِيسَى، هَلْ هُوَ خِلَافٌ لِقَوْلَيْ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ، أَوْ هُوَ تَفْسِيرٌ لَهُمَا، فَقَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْعَطَاءِ أَيْ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فِيهَا كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِالْقِيمَةِ أَيْ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى.

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ تَسَوَّقَ بِسِلْعَةٍ فَأَعْطَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا ثَمَنًا ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ فَلْيَضْمَنْ مَا أُعْطِيَ فِيهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا إذَا كَانَ عَطَاءً قَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَلَوْ أَرَادَ الْبَيْعَ بِهِ بَاعَ لِأَنَّ هَذَا يُعَيِّنُ الْقِيمَةَ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ أَفَادَهُ تت، وَنَحْوُهُ لِلْحَطِّ، زَادَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ يُونُسَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا أُعْطِيَ فِيهَا، سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافُهُ. قَالَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَنْظُرُ لِقِيمَتِهَا مَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فِيهَا فَقَوْلُ عِيسَى يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِهِمْ فِي فَهْمِ كَلَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَلَوْ قَالَ وَعَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ أَعْطَى فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فِيهِ، وَهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ؟ تَرَدُّدٌ لَكَانَ وَاضِحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(وَإِنْ) غَصَبَ شَخْصٌ مُقَوَّمًا وَانْتَقَلَ لِآخَرَ وَتَبِعَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَ (وَجَدَ) الْمَغْصُوبَ مِنْهُ (غَاصِبَهُ) مُصْطَحِبًا (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ (وَ) فِي (غَيْرِ مَحِلِّهِ) أَيْ الْغَصْبِ (فَلَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (تَضْمِينُهُ) أَيْ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا لِمَا عَلَيْهِ فِي الصَّبْرِ إلَى رُجُوعِهِ إلَى مَحِلِّهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَحِلِّهِ، وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ أَوْ وَكِيلَهُ الرُّجُوعُ مَعَهُ لِإِقْبَاضِ ذَلِكَ (وَ) إنْ وَجَدَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ وَالْمَغْصُوبُ الْمُقَوَّمُ (مَعَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (أَخَذَهُ) الْمَغْصُوبَ الْمُقَوَّمَ مِنْ الْغَاصِبِ عِنْدَ

ص: 110

إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ الْقَاسِمِ، ظَاهِرُهُ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ عَرْضًا لِأَنَّ نَقْلَهُ لَيْسَ فَوْتًا وَهَذَا (إنْ لَمْ يَحْتَجْ) الْمَغْصُوبُ (لِكَبِيرِ حَمْلٍ) كَالدَّوَابِّ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ فَثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهُ، وَفِي غَيْرِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ. الْمُوَضَّحُ الْأَوَّلُ لَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَالثَّانِي يُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ عَنْ أَشْهَبَ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْعَرْضِ وَنَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَهَذَا فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكِرَاءِ عَلَيْهِ كَالدَّوَابِّ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْكِرَاءِ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ كَالْعَرْضِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، فَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَبِهَا صَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ فِي كَوْنِ نَقْلِهِ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَوْتًا فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ غَيْرَ فَوْتٍ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ، ثَالِثُهَا فَوْتٌ فِي الْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ لَا فِي الْحَيَوَانِ غَيْرُهُ لِأَصْبَغَ ظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ طفي.

ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُهُ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ وَلِلْمُغِيرَةِ مَنْ نَقَلَ خَشَبَةً مِنْ عَدَنَ لِجِدَّةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ جُبِرَ نَاقِلُهَا عَلَى عَوْدِهَا لِمَحِلِّهَا، قَالَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَخْطَأَ مُسْتَأْجِرٌ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ لِبَلَدِ فَحَمَلَهُ إلَى غَيْرِهِ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ وَأَخْذِهِ بِغُرْمِ كِرَائِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَخْذِهِ بِدُونِ غُرْمٍ أَصْبَغَ لِرَبِّهِ جَبْرُهُ عَلَى رَدِّهِ لِمَا مِنْهُ نَقَلَهُ أَوْ أَخَذَهُ مَجَّانًا، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي وُصُولِهِ فَيَلْزَمُهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ أَفَادَهُ تت " ق " ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا إذَا غَصَبَهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثُمَّ لَقِيَهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَلَا تَجِبُ لَهُ قِيمَتُهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثُمَّ لَقِيَهُ بِهَا بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَلَا تَجِبُ لَهُ قِيمَتُهُ وَلَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَوْ وَجَدَ الْغَاصِبَ خَاصَّةً فَلَهُ تَضْمِينُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ قَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ، وَقَالَ

ص: 111

لَا إنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ، أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ

ــ

[منح الجليل]

اللَّخْمِيُّ إنْ لَقِيَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ يَعْنِي وَلَيْسَ مَعَهُ الْمَغْصُوبُ فَأَرَادَ أَنْ يُغَرِّمَهُ الْمِثْلَ وَالْقِيمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ النَّقْلُ فَوْتٌ فِي الرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ دُونَ الْحَيَوَانِ.

قَالَ الْبَاجِيَّ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ، وَيُخَيَّرُ فِي الْبَزِّ وَالْعُرُوضِ فِي أَخْذِ عَيْنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا. ابْنُ يُونُسَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَالرَّقِيقِ يُسْرَقُ فَيَجِدُهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ، قَالَ أَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَاصِبَ وَالسَّارِقَ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُمْ إلَّا حَيْثُ وَجَدَهُمْ لَا غَيْرَ ذَلِكَ، أَرَادَ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرُوا، وَأَمَّا الْبَزُّ وَالْعُرُوضُ فَرَبُّهَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ بِمَوْضِعِ سَرِقَتِهِ وَأَشْهَبُ يُخَيِّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ أَيْضًا. .

(لَا) خِيَارَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ (إنْ هَزِلَتْ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ رَقَّتْ (جَارِيَةٌ) عِنْدَ غَاصِبِهَا ثُمَّ عَادَتْ لِسِمَنِهَا فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا أَخْذُهَا (أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ) مَغْصُوبٌ (صَنْعَةً) عِنْدَ الْغَاصِبِ (ثُمَّ عَادَ) الْعَبْدُ لِمَعْرِفَتِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَائِلًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِمَا.

" ق " ابْنُ شَاسٍ لَوْ هَزِلَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ نَسِيَ الْعَبْدُ الصَّنْعَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا حَصَلَ الْجَبْرُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ نَصًّا فِي هَذَا إلَّا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، بَلْ الْغَزَالِيُّ قَالَ فِي وَجِيزِهِ وَلَوْ هَزَلَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ نَسِيَ الْعَبْدُ الصَّنْعَةَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا أَوْ أَبْطَلَ صَنْعَةَ الْإِنَاءِ ثُمَّ أَعَادَ مِثْلَهُ فَفِي حُصُولِ الْجَبْرِ وَجْهَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِنَاءَ لَا يَنْجَبِرُ بِذَلِكَ، وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ عِنْدِي تَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمُودِعِ يَتَعَدَّى عَلَى الْوَدِيعَةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا لِحَالِهَا فِي الْمِثْلِيِّ مِنْهَا. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمَا أَنَّ الْهُزَالَ فِي الْجَارِيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِمَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهَا وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَهَرِمَتْ فَهُوَ فَوْتٌ مَعَ قَوْلِهَا فِي سَلَمِهَا الثَّانِي، أَنَّ هُزَالَ الْجَارِيَةِ لَغْوٌ، بِخِلَافِ هُزَالِ الدَّابَّةِ خِلَافُ ذَلِكَ.

ص: 112

أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ خَصَاهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (فَلَمْ يَنْقُصْ) ثَمَنُهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُهُ وَعَدَمُ نَقْصِهِ صَادِقٌ بِبَقَائِهِ بِحَالِهِ وَبِزِيَادَتِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ يَضْمَنُ نَقْصَهُ نَصَّ عَلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَزَادَ وَيُعَاقَبُ " غ " بِهَذَا جَزَمَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ عَدَا عَلَى غُلَامٍ فَخَصَاهُ فَزَادَ فِي ثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ الْخِصَاءُ. ابْنُ رُشْدٍ أَرَادَ إذَا لَمْ يُرِدْ تَضْمِينَهُ وَاخْتَارَ حَبْسَهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُقَوَّمُ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ الطَّوْلِ مِنْ الْأَعْرَابِ وَشِبْهِهِمْ الَّذِينَ لَا رَغْبَةَ لَهُمْ فِي الْخُصْيَانِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَبْدٍ دَنِيءٍ يُنْقِصُ مِنْ مِثْلِهِ الْخِصَاءُ، فَمَا نَقَصَ مِنْهُ كَانَ عَلَى الْجَانِي عَلَى هَذَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ قِيمَتِهِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يَقَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي قِيمَتِهِ، فَيَجْعَلَ ذَلِكَ نُقْصَانًا مِنْهَا يَكُونُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ وَذَلِكَ بَعِيدٌ لَا وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ إنْ خَصَاهُ فَقَطَعَ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ جَمِيعُ قِيمَتِهِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا جَمِيعًا فَقِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ إذَا قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ دِيَتَانِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمُوضِحَةِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قِيمَةٌ بِحِسَابِ الْجُزْءِ مِنْ دِيَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إذَا زَادَهُ الْخِصَاءُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَشِبْهِهِمَا مِمَّا لَا نُقْصَانَ فِيهِ بَعْدَ بُرْئِهِ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَسَنٌ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدُوسٍ هَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، زَادَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ، وَمَعَ هَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مَنْ خَصَى عَبْدًا فَنَقَصَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِهِ، وَإِنْ زَادَ فِيهِ نَظَرٌ إلَى مَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْسَطِ صِنْفِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عُشْرًا كَانَ لَهُ عُشْرُ ثَمَنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَادَ الْخِصَاءُ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثَ، فَعَلَى الْجَانِي ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ زَادَ فِيهِ مِثْلَ ثَمَنِهِ أَوْ أَكْثَرَ غَرِمَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ سَاعَدَهُ اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يُنْقِصُ مِنْهُ الْخِصَاءُ الَّذِي زَادَ فِي قِيمَتِهِ كَمْ كَانَ يُنْقِصُ مِنْهُ لَوْ لَمْ يُرْغَبْ

ص: 113

أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلَاةٍ

ــ

[منح الجليل]

فِيهِ مِنْ أَجَلِ خِصَائِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي نَقْصِ الْخِصَاءِ بَعْضَ مَنَافِعِهِ فَأَرَادَ فِي الرِّوَايَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا نَقَصَ مِنْهُ الْخِصَاءُ لَوْ لَمْ يُرْغَبْ فِيهِ لِأَجْلِ خِصَائِهِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ زَادَ فِيهِ نُظِرَ إلَى عَبْدٍ دَنِيءٍ يُنْقِصُ مِثْلَهُ الْخِصَاءُ، فَيُقَالُ مَا يُنْقِصُهُ أَنْ لَوْ أُخْصِيَ فَيُقَالُ خَمْسَةٌ فَيَغْرَمُ الْجَانِي خُمُسَ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ النَّبِيلِ الرَّائِعِ أَكْثَرَ مِمَّا يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الْوَخْشِ، فَمَا أَوَّلْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَصَحُّ. وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ إنْ لَمْ يُنْقِصْهُ فَلَا غُرْمَ عَلَى الْجَانِي، وَاَلَّذِي أَقُولُ إنْ لَمْ يُنْقِصْهُ فَعَلَى الْجَانِي جَمِيعُ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْخِصَاءَ يَقْطَعُ النَّسْلَ، وَفِيهِ فِي الْحُرِّ كَمَالُ الدِّيَةِ فَيَكُونُ فِيهِ فِي الْعَبْدِ كَمَالُ قِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مُوضِحَتِهِ وَمُنَقِّلَتِهِ وَمَأْمُومَتِهِ اهـ.

الْحَطّ يُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا أَنَّ الْخِصَاءَ لَيْسَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ لَعَتَقَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَغَرِمَ لِرَبِّهِ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ لَهُ جَارِحَةً أَوْ جَارِحَتَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادًا فَاحِشًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ اهـ.

(أَوْ جَلَسَ) شَخْصٌ (عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلَاةٍ) وَقَامَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَانْقَطَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَالِسِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا فِي الصَّلَوَاتِ وَالْمَجَالِسِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ " غ " كَذَا لِابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهَا ضَمَانُ مَوْتِ فَرَسِ أَحَدِ الْمُصْطَدِمَيْنِ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَحَدُّهُ ضَمَانُ الْجَالِسِ عَلَى الثَّوْبِ وَحْدَهُ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَا بِأَخْذٍ مِنْهَا، وَلَا ظَهَرَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا كَمُحْرِمٍ حَبَسَ صَيْدًا لِمُحْرِمٍ فَقَتَلَهُ عب.

وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ ضَمَانِ الْجَالِسِ أَيْضًا بِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِقَطْعِهِ وَالْجَالِسُ تَسَبَّبَ سَبَبًا ضَعِيفًا، وَالْمُبَاشِرُ يُقَدَّمُ عَلَى ذِي السَّبَبِ الضَّعِيفِ، بِخِلَافِ السَّبَبِ الْقَوِيِّ فَيَضْمَنَانِ مَعًا كَمَا سَيَقُولُ وَالْمُتَسَبِّبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ كَمُكْرِهٍ وَمُكْرَهٍ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ وَطِئَ عَلَى نَعْلِ غَيْرِهِ فَمَشَى صَاحِبُ النَّعْلِ فَانْقَطَعَ فَيَضْمَنُ الْوَاطِئُ قِيمَةَ الْمَقْطُوعَةِ وَأَرْشَ نَقْصِ الْأُخْرَى فِيمَا يَظْهَرُ.

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا يُطْلَبُ الِاجْتِمَاعُ فِيهَا، بِخِلَافِ الطُّرُقِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ وَمِثْلُ وَطْءِ النَّعْلِ قَطْعُ حَامِلِ حَطَبٍ ثِيَابَ مَارٍّ بِطَرِيقٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَنْذَرَ وَيَنْبَغِي عَدَمُهُ مَعَهُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه " وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَتْحُ بَابٍ أُسْنِدَتْ لَهُ جَرَّةُ زَيْتٍ مَثَلًا فَانْكَسَرَتْ فَقَدْ نَفَى الضَّمَانَ عَنْهُ.

ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ نَصًّا لِأَحَدٍ، وَيَجْرِي فِيهِ عَلَى أُصُولِهِمْ قَوْلَانِ تَضْمِينُ الْفَاتِحِ وَعَدَمُهُ وَبِهِ كُنْت أَقْضِي.

ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي زَعْبَلٍ مَا نَصُّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي رَجُلٍ وَضَعَ جَرَّةً حِذَاءَ بَابِ رَجُلٍ فَفَتَحَ الرَّجُلُ بَابَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْجَرَّةِ، وَقَدْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ وَغَيْرَ مَمْنُوعٍ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَانْكَسَرَتْ الْجَرَّةُ فَضَمَّنَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِ مَسْأَلَةِ ابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ حِذَاءَ بَابِ رَجُلٍ مَعَ قَوْلِهِ أَخِيرًا أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْجَرَّةَ لَمْ تُوضَعْ عَلَى خَشَبِ الْبَابِ، بَلْ بِقُرْبِهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا نَصًّا، وَفَرَّقَ بَعْضَ الشُّيُوخِ بَيْنَ فَتْحِ الْبَابِ الْمَعْهُودِ فَتْحُهُ فَلَا يَضْمَنُ، وَبَيْنَ فَتْحِ الْمَعْهُودِ عَدَمُ فَتْحِهِ فَيَضْمَنُ قُلْت وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَوْتِ الصَّيْدِ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. الشَّعْبِيُّ مَنْ أَفْتَى بِغُرْمِ مَا لَا يَجِبُ فَقَضَى بِهِ غَرِمَهُ، قَالَهُ أَصْبَغُ بْنُ خَلِيلٍ اهـ.

عب اخْتَارَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ سَوَاءٌ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ. الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ مَسْأَلَةِ ابْنِ رُشْدٍ، وَحَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ، وَنَسَبَهُمَا لِابْنِ سَهْلٍ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ الْآنَ اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ، وَأَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَنَقَلَهُ الْوَانُّوغِيُّ، وَنَصُّهُ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الَّذِي جَعَلَ جَرَّةً عَلَى بَابِ رَجُلٍ فَفَتَحَ الْبَابَ فَانْكَسَرَتْ الْجَرَّةُ فَيَضْمَنُهَا الْفَاتِحُ، وَبَيْنَ مَنْ بَنَى تَنُّورًا فِي دَارِهِ لِخَبْزِهِ فَاحْتَرَقَتْ مِنْهُ الدَّارُ وَبُيُوتُ الْجِيرَانِ فَلَا يَضْمَنُ حَسْبَمَا فِي كِتَابِ الدُّورِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ

ص: 115

أَوْ دَلَّ لِصًّا،

ــ

[منح الجليل]

وَإِيقَادِ التَّنُّورِ، فَقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ فَاتِحَ الْبَابِ كَانَ فَتْحُهُ لَهُ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْجَرَّةِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُبَاشِرٌ لِكَسْرِهَا، وَالْبَانِي أَوَّلُ فِعْلِهِ جَائِزٌ وَلَا جِنَايَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا نَشَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُبَاشِرٍ فَافْتَرَقَا.

الْوَانُّوغِيُّ لَمْ يَقِفْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْهَا مَنْ أَرْسَلَ فِي أَرْضِهِ مَاءً أَوْ نَارًا فَوَصَلَ لِأَرْضِ جَارِهِ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ جَارِهِ بَعِيدَةً يُؤْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا ذَلِكَ فَتَحَامَلَتْ النَّارُ بِرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْرَقَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ لِقُرْبِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَا الْمَاءُ وَمَا قَتَلَتْ النَّارُ مِنْ نَفْسٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ مُرْسِلِهَا، وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْمَازِرِيُّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِحِرْزِ غَنَمِهِ مِنْ الذِّئْبِ فَمَاتَ فِيهَا إنْسَانٌ ضَمِنَهُ مَعْنَاهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ الْمُرُورِ عَلَيْهَا آدَمِيٌّ اهـ. .

(أَوْ دَلَّ لِصًّا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ سَارِقًا عَلَى مَالٍ فَسَرَقَهُ أَوْ دَلَّ غَاصِبًا عَلَى مَالٍ فَغَصَبَهُ، وَلَوْلَا دَلَالَتُهُ مَا عَرَفَاهُ فَلَا يَضْمَنُهُ الدَّالُّ. أَبُو مُحَمَّدٍ وَضَمَّنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا " ق " أَبُو مُحَمَّدٍ مَنْ أَخْبَرَ بِمُطْمَرِ رَجُلٍ سَارِقًا أَوْ أَخْبَرَ بِهِ غَاصِبًا، وَقَدْ بَحَثَ عَنْ مُطْمَرِهِ أَوْ مَالِهِ فَدَلَّهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُ مَا عَرَفُوهُ فَضَمَّنَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا وَلَمْ يُضَمِّنْهُ بَعْضُهُمْ. أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا الرَّجُلُ يَأْتِي السُّلْطَانُ بِأَسْمَاءِ قَوْمٍ وَمَوَاضِعِهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَظْلِمُهُمْ بِهِ السُّلْطَانُ ظُلْمٌ فَيَنَالُهُمْ بِسَبَبِ تَعْرِيفِهِ بِهِمْ غُرْمٌ أَوْ عُقُوبَةٌ فَأَرَاهُ ضَامِنًا لِمَا غَرَّمَهُمْ مَعَ الْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ.

ابْنُ يُونُسَ أَشْهَبُ إذَا دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ جَمِيعًا وَابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَجْرِي مَسَائِلُ الدَّالِّ فِيمَا ذَكَرْنَا.

الْمَازِرِيُّ فِي ضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ بِقَوْلٍ كَصَيْرَفِيٍّ قَالَ فِيمَا عَلِمَهُ زَائِفًا طَيِّبًا، وَكَخَبَرٍ عَمَّنْ أَرَادَ صَبَّ زَيْتٍ فِي إنَاءٍ مَعَ عِلْمِهِ مَكْسُورًا بِأَنَّهُ صَحِيحٌ وَكَدَالٍّ ظَالِمًا عَلَى مَالٍ أَخْفَاهُ رَبُّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ، كَقَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ مَنْ دَلَّ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ بِدَلَالَتِهِ. الْحَطّ

ص: 116

أَوْ أَعَادَ مَصُوغًا عَلَى حَالِهِ، وَعَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ: كَكَسْرِهِ؛ أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتْ الذَّاتُ أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً

ــ

[منح الجليل]

اُنْظُرْ كَيْفَ مَشَى هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُنَا لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَ فِيهَا الْقَوْلَيْنِ بِالتَّضْمِينِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَنَا أَقُولُ بِتَضْمِينِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ التَّغْرِيرِ، وَكَذَا نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِالضَّمَانِ.

(أَوْ) غَصَبَ مَصُوغًا وَكَسَرَهُ (وَأَعَادَ) الْغَاصِبُ شَيْئًا (مَصُوغًا) بَعْدَ كَسْرِهِ (عَلَى حَالِهِ) الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِمُجَرَّدِ كَسْرِهِ وَاسْتَظْهَرَ " ق ". ابْنُ يُونُسَ الصَّوَابَ فِيمَنْ كَسَرَ حُلِيًّا اغْتَصَبَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَاغَةَ غَيْرُ تِلْكَ، فَكَأَنَّهُ أَفَاتَ الْحُلِيَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَفَاتَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ (وَ) إنْ أَعَادَهُ (عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ حَالِهِ الْأَوَّلِ (فَقِيمَتُهُ) أَيْ الْمَصُوغِ يَضْمَنُهَا غَاصِبُهُ. " ق " ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ صَاغَهُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ فَقَالَ (كَكَسْرِهِ) أَيْ الْمَصُوغِ غَاصِبُهُ وَلَمْ يَصُغْهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهَا فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، إلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ قَبْلَهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ صِيَاغَتِهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ صَوْغُهُ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ (أَوْ غَصَبَ) أَيْ قَصَدَ الْغَاصِبُ بِاسْتِيلَائِهِ عَلَى الشَّيْءِ قَهْرًا تَعَدِّيًا (مَنْفَعَةً) أَيْ اسْتِيفَاءَهَا لَا تَمَلُّكَ الذَّاتِ (فَتَلِفَتْ الذَّاتُ) الْمُسْتَوْفَى مِنْهَا مَنْفَعَتُهَا فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُتَعَدِّي. " ق " ابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَكَنَ دَارًا غَاصِبًا لِلسُّكْنَى مِثْلَ مَا سَكَّنَ السَّوْدَة حِينَ دَخَلُوا فَانْهَدَمَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ السُّكْنَى، إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ مِنْ فِعْلِهِ وَأَمَّا لَوْ غَصَبَ رَقَبَةَ الدَّارِ فَانْهَدَمَتْ ضَمِنَ مَا انْهَدَمَ وَكِرَاءَ مَا سَكَنَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ (أَوْ أَكَلَهُ) أَيْ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ (مَالِكُهُ) أَيْ

ص: 117

أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ، أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ

ــ

[منح الجليل]

الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِأَنْ قَدَّمَهُ لَهُ غَاصِبُهُ (ضِيَافَةً) فَأَكَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ طَعَامُهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى غَاصِبِهِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ وَمَالِكَهُ بَاشَرَ وَأَحْرَى إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ حِينَ أَكَلَهُ أَنَّهُ طَعَامُهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ ضِيَافَةً لَشَمِلَ أَكْلَهُ مُكْرَهًا مِنْ غَاصِبِهِ وَأَكْلَهُ خُفْيَةً عَنْهُ بِأَنْ دَخَلَ الْمَالِكُ دَارَ الْغَاصِبِ وَأَكَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. " ق " ابْنُ شَاسٍ لَوْ قَدَّمَ الْغَاصِبُ الطَّعَامَ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ، بَلْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَكْلِهِ لَبَرِئَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا أَكَلَهُ طَائِعًا فَلَمْ أَعْرِفْهُ لِغَيْرِهِ وَالْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُحَاسَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا يَقْضِي عَلَيْهِ، لَوْ أَطْعَمَهُ مِنْ مَالِهِ لَيْسَ بِسَرَفٍ فِي حَقِّ الْآكِلِ. وَأَمَّا أَكْلُهُ مُكْرَهًا فَهُوَ كَمَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ. .

(أَوْ نَقَصَتْ) قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ (لِ) تَغَيُّرِ (السُّوقِ) أَيْ الْقِيمَةِ وَالْمَغْصُوبُ بَاقٍ بِحَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى غَاصِبِهِ. " ق " فِيهَا مَا اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ فَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ بِاخْتِلَافِ سُوقِهِ طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ سِنِينَ أَوْ كَانَ سَاعَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ بَدَنِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّي فِي حَبْسِ الدَّابَّةِ مِنْ مُكْتَرٍ وَمُسْتَعِيرٍ يَأْتِي بِهَا أَحْسَنَ حَالًا، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ الْكِرَاءِ أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي لِأَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا إلَّا فِي الْحَبْسِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ سُوقٌ أَوْ بَدَنٌ.

ابْنُ الْقَاسِمِ مَا أَصْلُهُ الْأَمَانَةِ فَتَعَدَّى فِيهِ بِإِكْرَاءٍ أَوْ رُكُوبٍ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ فَهَذَا سَبِيلُهُ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ. ابْنُ يُونُسَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَكُونُ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُتَعَدِّي وَكَمَا كَانَ يَضْمَنُ فِي النَّقْصِ الْيَسِيرِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ فِي نَقْصِ السُّوقِ، وَقَدْ نَحَا ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا لَوْلَا خَوْفُهُ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

(أَوْ) غَصَبَ دَابَّةً وَسَافَرَ بِهَا وَ (رَجَعَ) الْغَاصِبُ (بِهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (مِنْ سَفَرٍ) وَلَمْ

ص: 118

وَلَوْ بَعُدَ:

ــ

[منح الجليل]

تَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا الَّذِي غَصَبَهَا وَهِيَ بِهِ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا مِنْ قِيمَتِهَا وَلَا كِرَائِهَا إنْ قَصُرَ السَّفَرُ، بَلْ (وَلَوْ بَعُدَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ طَالَ أَفَادَهُ تت. " ق " ابْنُ الْقَاسِمِ مَا اغْتَصَبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرَقَ وَطَالَ مُكْثُهُ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهُ إذَا كَانَ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقِهِ، بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا فَيُخَيَّرُ رَبُّهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، ثُمَّ قَالَ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ إنْ سَافَرَ غَاصِبُ الدَّابَّةِ سَفَرًا بَعِيدًا ثُمَّ رَدَّهَا بِحَالِهَا خُيِّرَ رَبُّهَا. ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَمْرُ الْمُكْتَرِي وَالْغَاصِبِ وَاحِدٌ. الْحَطّ قَوْلُهُ أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ وَلَوْ بَعُدَ هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ الْغَاصِبِ لَيْسَ بِفَوْتٍ يُوجِبُ تَخْيِيرَ رَبِّهَا فِيهَا، وَفِي قِيمَتِهَا، وَلِيُبَيِّنَ أَنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَعَدِّي كَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْغَاصِبِ فَلَيْسَ مُعَارِضًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْكِرَاءِ مِنْ الْغَاصِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ يَحْتَاجُ أَنْ يُقَيِّدَ مَا تَقَدَّمَ بِذَلِكَ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا عَدَّدَ بَعْضَ مَا يَكُونُ فَوْتًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ رَبِّ السِّلْعَةِ فِيهَا وَفِي قِيمَتِهَا مَا نَصُّهُ وَلَوْ رَجَعَ بِالدَّابَّةِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ بِحَالِهَا فَلَا يَلْزَمُ سِوَاهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، بِخِلَافِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ، وَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ سَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا، وَأَشَارَ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ اُسْتُغِلَّ أَوْ اُسْتُعْمِلَ إلَخْ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الْحَصْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَلْزَمْ سِوَاهَا، يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ كِرَاءٌ فِي سَفَرِهِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا رَبُّ الدَّابَّةِ فِي التَّعَدِّي لَا كِرَائِهَا. اهـ. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَقْوَالَ فِي الْغَلَّةِ قَالَ فِي كَلَامِهِ هُنَا يَحْتَمِلُ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلًا إلَّا الْمَشْهُورَ، وَهُوَ ضَمَانُ غَلَّةِ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَعْمَلِ مُطْلَقًا، فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُقَيَّدَ فَيَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

طفي تَقْرِيرُ تت يُنَاقِضُ تَعْمِيمَهُ فِي قَوْلِهِ وَلَهُ غَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، فَفِيهَا وَمَا اغْتَصَبَ أَوْ سَرَقَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَاسْتَعْمَلَهَا شَهْرًا وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ أَوْ أَكْرَاهَا وَقَبَضَ كِرَاءَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ كِرَائِهَا، وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي بَدَنٍ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقٍ وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ هُوَ مَا شَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَازِرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُعِينِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ مَذْهَبَهَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ، بِخِلَافِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَلَك أَنْ تَخُصَّ قَوْلَهُ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ بِغَيْرِ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَتَقْرِيرُ تت فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحُ، وَأَصْلُهُ لِلتَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ رَجَعَ بِالدَّابَّةِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ بِحَالِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَاهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَأَمَّا تَقْرِيرُ الْحَطّ لِقَوْلِهِ أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ أَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِفَوْتٍ يُوجِبُ خِيَارَ رَبِّهَا فِيهَا وَفِي قِيمَتِهَا، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فَبَعِيدٌ عَنْ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَاذَاةَ الْمُدَوَّنَةِ، بِدَلِيلِ تَشْبِيهِهِ بِالسَّارِقِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْكِرَاءِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ الْكِرَاءِ فِي الْغَاصِبِ، فَهُوَ كَقَوْلِهَا عَقِبَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ كِرَاءُ مَا رَكِبَا مِنْ الدَّوَابِّ، بِخِلَافِ مَا سُكِنَ مِنْ الرَّبْعِ أَوْ زُرِعَ. وَأَمَّا الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُسْتَعِيرُ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا أَوْ يَحْبِسُهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يَرْكَبْهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ أَخْذِهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ، وَلَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ وَالسَّارِقُ أَوْ الْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا قِيمَةٌ وَلَا كِرَاءٌ إذَا رَدَّهَا بِحَالِهَا.

ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْلَا مَا قَالَهُ مَالِكٌ لَجَعَلَتْ عَلَى السَّارِقِ كِرَاءَ رُكُوبِهِ إيَّاهَا أَوْ أُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا كَالْمُكْتَرِي، وَلَكِنْ آخُذُ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَبِنَصِّهَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِهِ وَلَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ إلَخْ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَقَدْ تَوَلَّى تَفْصِيلَهُ الْحَطَّابُ وَ " ج ".

ص: 120

كَسَارِقٍ، وَلَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ: كِرَاءُ الزَّائِدِ، إنْ سَلِمَتْ، وَإِلَّا خُيِّرَ فِيهِ، وَفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ

وَإِنْ تَعَيَّبَ، وَإِنْ قَلَّ كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا، أَوْ جَنَى هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، خُيِّرَ فِيهِ:

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ فَقَالَ (كَسَارِقٍ) دَابَّةً سَافَرَ بِهَا وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا أَخْذُهَا وَلَوْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا أَوْ طَالَ حَبْسُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمَالِكِ (فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ دَابَّةً الْمَسَافَةَ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا لَهَا أَوْ الْحَمْلُ كَذَلِكَ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمُسْتَعِيرَ (كِرَاءُ الزَّائِدِ) عَلَى الْمَسَافَةِ الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ الْمُسْتَعَارِ لَهَا أَوْ الْحَمْلِ كَذَلِكَ (إنْ سَلِمَتْ) الدَّابَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً رَبُّهَا (فِي) كِرَاءِ (هـ) أَيْ الزَّائِدِ مَعَهَا (وَفِي قِيمَتِهَا) أَيْ الدَّابَّةِ مُعْتَبَرَةً (وَقْتَهُ) أَيْ التَّعَدِّي.

" ق " ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ يَتَعَدَّى ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا أَنَّ رَبَّهَا يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، بِخِلَافِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ. وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ زَادَ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ أَوْ مُسْتَعِيرُهَا فِي الْمَسَافَةِ مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَخُيِّرَ رَبُّهَا، فَإِمَّا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا وَالزِّيَادَةُ يَسِيرَةٌ مِثْلُ الْبَرِيدِ وَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ كِرَاءُ الزَّائِدِ إنْ سَلِمَتْ، عَنَى بِهِ الزَّائِدَ الْيَسِيرَ. .

(وَإِنْ تَعَيَّبَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْمَغْصُوبُ الْمُقَوَّمُ بِسَمَاوِيٍّ وَهُوَ فِي حَوْزِ غَاصِبِهِ إنْ كَثُرَ عَيْبُهُ، بَلْ (وَإِنْ قَلَّ) عَيْبُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَثَّلَ لِلْعَيْبِ الْقَلِيلِ بِقَوْلِهِ (كَكَسْرِ) أَيْ انْكِسَارِ وَارْتِخَاءِ (نَهْدَيْهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مُثَنَّى نَهْدٍ كَذَلِكَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، أَيْ ثَدْيَيْ الْجَارِيَةِ وَكَانَتْ حِينَ غَصْبِهَا قَائِمَتَهُمَا (أَوْ جَنَى هُوَ) أَيْ الْغَاصِبُ (أَوْ) جَنَى (أَجْنَبِيٌّ) عَلَى الْمَغْصُوبِ، وَجَوَابُ إنْ تَعَيَّبَ قَوْلُهُ (خُيِّرَ)

ص: 121

كَصَبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وَأَخْذِ ثَوْبِهِ، وَدَفْعِ قِيمَةِ الصِّبْغِ

ــ

[منح الجليل]

بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً الْمَالِكُ (فِيهِ) أَيْ الْمَعِيبِ وَفِيهِ إجْمَالٌ، وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهُوَ تُعَيِّبُهُ بِسَمَاوِيٍّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْمَغْصُوبِ بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. قَالَ فِيهَا وَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ بِيَدِ غَاصِبِهَا مِنْ عَيْبٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ عز وجل فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهَا مَعِيبَةً أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يُلْزِمَ رَبَّهَا أَخْذَهَا وَيُعْطِيهِ مَا نَقَصَهَا إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَ قِيمَتِهَا. اهـ. وَذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا.

وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ تُعَيِّبُهُ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْغَاصِبِ وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ مِنْهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْجَارِيَةِ فَلِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ يَدَعَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا. ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ وَمَا نَقَصَهَا أَرَادَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا قَوْلَيْنِ هَذَا، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا بِغَيْرِ أَرْشٍ أَوْ أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ الْمَذْهَبَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا عَلِمْت، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الثَّانِيَ وَلَا مَنْ شَهَّرَهُ.

وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ تُعَيِّبُهُ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ يُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ أَرْشِ عَيْبِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهِ مِنْ الْغَاصِبِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَيَتَّبِعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ، قَالَ فِيهَا وَلَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَيْ الْجَارِيَةِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُ الْغَاصِبِ بِمَا نَقَصَهَا، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، ثُمَّ لِلْغَاصِبِ اتِّبَاعُ الْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِمَا نَقَصَهَا دُونَ الْغَاصِبِ. اهـ. وَذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا، أَفَادَهُ الْحَطّ.

وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ فَقَالَ (كَصَبْغِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ ثَوْبًا أَبْيَضَ فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِأَنْ زَادَتْ أَوْ بَقِيَتْ بِحَالِهَا فَيُخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (فِي) أَخْذِ (قِيمَتِهِ) أَبْيَضَ يَوْمَ غَصْبِهِ (أَوْ أَخْذِ ثَوْبِهِ) مَصْبُوغًا (وَدَفْعِ قِيمَةِ الصِّبْغِ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَا صَبَغَ بِهِ كَالزَّعْفَرَانِ

ص: 122

وَفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ، وَدَفْعِ قِيمَةَ نَقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا؛

ــ

[منح الجليل]

لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِصَبْغِهِ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ، أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا صَبَغَ الثَّوْبَ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّوْبِ وَدَفْعِ قِيمَةِ الصِّبْغِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الصِّبْغِ، أَمَّا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا صَبَغَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِيمَا ذُكِرَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي قَسِيمِهِ أَمَّا لَوْ نَقَصَتْ إلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ اهـ.

قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ إلَخْ نَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِذَا كَانَ عَيْبًا فَالظَّاهِرُ أَنْ يَغْرَمَ الْغَاصِبُ الْأَرْشَ إذَا اخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخْذَهُ لِحُدُوثِهِ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ تَغْرِيمُهُ الْأَرْشَ مَعَ أَخْذِ السِّلْعَةِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْهَا وَلَك أَخْذُ مَا خَاطَهُ الْغَاصِبُ بِلَا غُرْمِ أَجْرِ الْخِيَاطَةِ لِتَعَدِّيهِ. قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ بِإِدْخَالِ صَنْعَةٍ فِي الْمَغْصُوبِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَالْخِيَاطَةُ مُجَرَّدُ عَمَلٍ فَأَشْبَهَتْ التَّزْوِيقَ.

(وَ) إنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ مَالِكُهَا (فِي) أَخْذِ (بِنَائِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ أَوْ غَرْسِهِ (وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَنْقُوضًا (بَعْدَ سُقُوطِ) أُجْرَةِ (كُلْفَةٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ نَقْضِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ (لَمْ يَتَوَلَّهَا) أَيْ يُبَاشِرُ الْغَاصِبُ الْكُلْفَةَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِابْتِيَاعِهِ، أَيْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ شَأْنُهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَيْهَا إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ تَوَلِّيَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَحْوِ خَدَمِهِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْ قِيمَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ تَكْلِيفُ الْغَاصِبِ بِهَدْمِ بِنَائِهِ أَوْ قَلْعِ شَجَرِهِ وَنَقْلِ أَنْقَاضِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ.

" ق " فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا غَرْسًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ اقْلَعْ الْأُصُولَ وَالْبِنَاءَ إنْ كَانَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ، إلَّا أَنْ

ص: 123

وَمَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، وَالْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ،

ــ

[منح الجليل]

يَشَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَصْلِ مَقْلُوعًا. ابْنُ الْمَوَّازِ بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ فَذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِعَبِيدِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُحَطُّ مِنْ ذَلِكَ أَجْرُ الْقَلْعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ دَحُونٍ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ هَدَمَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بُنْيَانِ الْغَاصِبِ مَا لَهُ قِيمَةٌ إذَا قَلَعَهُ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَنَصُّهَا وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ بَعْدَ قَلْعِهِ كَالْجِصِّ وَالنَّقْشِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا مَا حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ. اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَخْذَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ قَلْعِهِ بِلَا عِوَضٍ. .

(وَ) إنْ غَصَبَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَوَطِئَهَا فَيَضْمَنُ (مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْفَرْجِ بِالتَّفْوِيتِ أَيْ الْوَطْءِ، فَعَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَوْ ثَيِّبًا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً (وَ) إنْ غَصَبَ شَخْصًا حُرًّا وَاسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ فَيَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الشَّخْصِ (الْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ) أَيْ الِاسْتِعْمَالِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُفَوِّتْ الْبُضْعَ بِأَنْ لَمْ يَطَأْ الْحُرَّةَ وَلَا الْأَمَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَى بِهَا وَمَنَعَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ رَائِعَةً وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْحُرَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهُ وَلَوْ عَطَّلَهُ عَنْ عَمَلِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً.

ابْنُ شَاسٍ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ، فَفِي وَطْءِ الْحُرَّةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي السَّرِقَةِ وَسَائِرِ الرِّوَايَاتِ إنْ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا فِي مُتَعَمِّدَةٍ إرْضَاعَ مَنْ يُوجِبُ رَضَاعُهَا فَسْخَ نِكَاحٍ، وَاخْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ مَنَعَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً التَّزْوِيجَ فَلَا يَضْمَنُ صَدَاقًا، لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَا يَتَخَرَّجْ مِنْهُ خِلَافٌ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّخْرِيجِ لَمْ أَعْرِفْهُ لِأَحَدٍ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِي النِّكَاحِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْأَصْلَ، وَهُوَ مَنْعُ مَنْفَعَةِ النِّكَاحِ

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

تَعَدِّيًا إلَّا قَوْلَ اللَّخْمِيِّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بَاعَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ بِمَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ زَوْجُهَا عَلَى جِمَاعِهَا فِيهِ فَلَهُ الصَّدَاقُ، وَلَا أَرَى لِلزَّوْجَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَيْئًا إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً. ابْنُ عَرَفَةَ وَإِشَارَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى تَخْرِيجِ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْغَصْبِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ غَيْرُ تَامٍّ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَقُلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ بِالْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا إنَّمَا اخْتَارَ سُقُوطَ عِوَضِهَا الْمَالِيِّ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ عِوَضًا فِيهَا لِطَالِبِهِ بِتَعَمُّدِ إتْلَافِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْمَالِ بِالتَّعَدِّي ثُبُوتُ الْمَالِ عَنْ مُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِيٍّ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ.

وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَخَرَّجَ فِيهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا عَطَّلَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالدَّارِ يُغْلِقُهَا وَالْعَبْدِ يَمْنَعُ مِنْهُ سَيِّدَهُ مُدَّةً، ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ، وَهَذَا أَيْضًا لَمْ أَعْرِفْهُ لِلْمَازِرِيِّ، إنَّمَا ذَكَرَ إذَا غَابَ غَاصِبٌ عَلَى رَائِعَةٍ شَكَّ فِي وَطْئِهِ إيَّاهَا فِي ضَمَانِهِ إيَّاهَا قَوْلَا الْأَخَوَيْنِ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ شَهِيدَيْ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ إذَا رَجَعَا فَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا. وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه " غَرَامَتَهُمَا لِإِتْلَافِهِمَا مَنَافِعَ الْبُضْعِ، وَهِيَ مِمَّا يُقَدَّمُ عَلَى الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ أَرْضَعَتْ كُبْرَاهُمَا صُغْرَاهُمَا فَحَرُمَتَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهَا فِيمَا حَرَّمَتْ بِهِ فَرْجَهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ رَجُلٍ لَا يَغْرَمُ لَهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ مِنْ مُتْعَةٍ. وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا هُوَ نَصُّهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْأَمَةُ كَالسِّلْعَةِ عَلَى وَاطِئِهَا غَصْبًا مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا، وَمِثْلُهُ فِي الْقَذْفِ وَفِي الرُّهُونِ مِنْهَا إنْ وَطِئَ الْأَمَةِ مُرْتَهِنُهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إنْ أَكْرَهَهَا، وَكَذَا إنْ طَاوَعَتْهُ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

قُلْت فِي تَفْرِقَتِهِ فِي الثَّيِّبِ بَيْنَ وَطْئِهَا طَائِعَةً وَمُكْرَهَةً نَظَرٌ وَالصَّوَابُ عَكْسُ تَفْرِقَتِهِ، لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا طَائِعَةً أَحْدَثَ فِيهَا عَيْبًا هُوَ زِنَاهَا وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ فِي وَطْئِهَا مُكْرَهَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ زَانِيَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ زِنَاهَا عَيْبٌ.

ص: 125

كَحُرٍّ بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ، وَمَنْفَعَةَ غَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ

وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (حُرٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ (بَاعَهُ) أَيْ الْحُرَّ شَخْصٌ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ (وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) أَيْ الْحُرِّ وَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ أَوْ ظُنَّ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَيُكَلَّفُ بَائِعُهُ بِطَلَبِهِ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ أُغْرِمَ دِيَتَهُ كَامِلَةً لِوَرَثَتِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ابْنُ رُشْدٍ نَزَلْت بِطُلَيْطِلَةَ فَكَتَبَ قَاضِيهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ قَاضِي قُرْطُبَةَ، فَجَمَعَ ابْنُ بَشِيرٍ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَفْتَوْا بِذَلِكَ، فَكَتَبَ أَنْ غَرِّمْهُ دِيَتَهُ كَامِلَةً فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا.

الْحَطّ فِي مَسَائِلِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَكِتَابِ الِاسْتِيعَابِ وَكِتَابِ الْفُصُولِ فِيمَنْ بَاعَ حُرًّا مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَ يُحَدُّ أَلْفَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً، فَإِذَا أُيِسَ مِنْهُ أَدَّى دِيَتَهُ إلَى أَهْلِهِ اهـ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ أَلْفَ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي عُقُوبَةِ قَاتِلِ الْعَمْدِ مِائَةً. ابْنُ يُونُسَ مَنْ اتَّفَقَ مَعَ حُرٍّ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالرَّقَبَةِ لِيَبِيعَهُ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ فَفَعَلَا وَهَلَكَ الْبَائِعُ فَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ الثَّمَنَ لِلْمُبْتَاعِ لِتَغْرِيرِهِ.

(وَ) يَضْمَنُ الْمُتَعَدِّي مَنْفَعَةَ (غَيْرِهِمَا) أَيْ الْبُضْعِ وَالْحُرِّ (بِالْفَوَاتِ) أَيْ عَدَمِ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَدِّي، وَلَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ كَدَارٍ غَلَّقَهَا وَرَقِيقٍ وَدَابَّةٍ حَبَسَهُمَا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا عِنْدَ مُطَرِّفٍ. وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَصُوِّبَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدَمُ ضَمَانِهَا بِفَوَاتِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ مَشْهُورًا وَمُصَوَّبًا قَالَهُ تت. " غ " هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ اعْتَمَدَ الْمَشْهُورَ أَوَّلًا وَالْمُصَوَّبَ ثَانِيًا. " ق " لَمْ يَذْكُرْ هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَدْ قَالَ ضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ. عب هَذَا إذَا غَصَبَ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ لِأَنَّهُ فِي غَاصِبِ الذَّاتِ وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ. .

(وَ) إنْ شَكَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَاصِبَهُ لِظَالِمٍ فَغَرَّمَهُ زَائِدًا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَ (هَلْ يَضْمَنُ) مَغْصُوبٌ مِنْهُ (شَاكِيهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (لِ) شَخْصٍ (مُغَرِّمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ

ص: 126

زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إنْ ظَلَمَ، أَوْ الْجَمِيعَ، أَوْ لَا؟ أَقْوَالٌ

ــ

[منح الجليل]

الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ صِلَةُ شَاكِي وَفَتْحُهَا صِلَةُ يَضْمَنُ مَالًا (زَائِدًا عَلَى قَدْرِ) أُجْرَةِ (الرَّسُولِ) الَّذِي يَجْلِبُهُ لِلْقَاضِي (إنْ ظَلَمَ) الشَّاكِي فِي شَكْوَاهُ بِأَنْ وَجَدَ حَاكِمًا مُنْصِفًا وَاشْتَكَاهُ إلَى الظَّالِمِ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ الشَّرْعِيَّ وَيُغَرِّمَهُ زَائِدًا عَمَّا يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ يُونُسَ. وَمَفْهُومُ إنْ ظَلَمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ فِي شَكْوَاهُ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنُهُ أَخْذُ حَقِّهِ إلَّا بِشَكْوَاهُ لِلظَّالِمِ فَلَا يَغْرَمُ الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّسُولِ، وَيَغْرَمُ أُجْرَتَهُ فَقَطْ لِأَنَّهَا عَلَى الطَّالِبِ.

(أَوْ) يَضْمَنُ الشَّاكِي لِمُغَرِّمِ الظَّالِمِ (الْجَمِيعَ) أَيْ جَمِيعَ مَا غَرَّمَهُ الظَّالِمُ لِلْمَشْكُوِّ ابْنُ يُونُسَ بِهِ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا وَإِنْ لَمْ يَظْلِمْ فِي شَكْوَاهُ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا أَصْلًا (أَوْ لَا) يَضْمَنُ لِلشَّاكِي شَيْئًا مُطْلَقًا، وَإِنْ ظَلَمَ فِي شَكْوَاهُ وَإِنْ أَثِمَ وَأُدِّبَ إنْ ظَلَمَ وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ فِي الْجَوَابِ (أَقْوَالٌ) ثَلَاثَةٌ. " ق " ابْنُ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ مَنْ اعْتَدَى عَلَى رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَالْمُعْتَدِي يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَهُ إلَيْهِ يَتَجَاوَزُ فِي ظُلْمِهِ، وَيُغَرِّمُهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ الْأَدَبُ، وَقَدْ أَثِمَ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُفْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إذَا كَانَ هَذَا السَّاعِي إلَى السُّلْطَانِ الظَّالِمِ أَوْ الْعَامِلِ وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فِي شَكْوَاهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَغْرَمَهُ الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي مَظْلُومًا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْتَصِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَشَكَاهُ فَأَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ وَعَدَا عَلَيْهِ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاكِي لِأَنَّ النَّاسَ يَلْجَئُونَ مِنْ الظَّلَمَةِ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَلْزَمُ السُّلْطَانَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَغْرَمَ الشَّاكِيَ ظُلْمًا، وَكَذَلِكَ مَا أَغْرَمَتْ الرُّسُلُ إلَى الْمَشْكِيِّ وَهُوَ مِثْلُ مَا أَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ ظُلْمِ الشَّاكِي وَعَدَمِهِ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتِي بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّاكِي رَجُلًا فِي إحْضَارِ الْمَشْكِيِّ، فَذَلِكَ عَلَى الشَّاكِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَغْرَمَتْهُ الرُّسُلُ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ. " غ " زَائِدًا مَفْعُولُ يَضْمَنُ، وَفَاعِلُ ظَلَمَ الشَّاكِي.

وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَمْ يَغْرَمْ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّسُولِ فَقَطْ قَوْلُهُ أَوْ الْجَمِيعَ أَيْ أَوْ يَضْمَنَ إنْ ظَلَمَ جَمِيعَ الْمَغْرَمِ مِنْ قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَالزَّائِدَ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ

ص: 127

وَمَلَكَهُ إنْ اشْتَرَاهُ، وَلَوْ غَابَ

ــ

[منح الجليل]

لَمْ يَظْلِمْ لَا يَغْرَمُ الْقَدْرَ وَلَا الزَّائِدَ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ قَوْلِهِ أَوَّلًا، أَيْ أَوْ لَا يَضْمَنُ الشَّاكِي الظَّالِمُ شَيْئًا فَأَحْرَى إنْ لَمْ يَظْلِمْ فَهَذَا مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَاَللَّذَانِ قَبْلَهُ مَفْهُومَا مُخَالَفَةٍ، فَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَقْوَالِ ابْنِ يُونُسَ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَنَصُّهُ الْمَازِرِيُّ فِي ضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي إتْلَافٍ بِقَوْلِهِ كَصَيْرَفِيٍّ، قَالَ فِيمَا عَلِمَهُ زَائِفًا طَيِّبًا وَكَخَبَرِ مَنْ أَرَادَ صَبَّ زَيْتٍ فِي إنَاءٍ عَلِمَهُ مَكْسُورًا بِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَكَدَالٍّ ظَالِمًا عَلَى مَا أَخْفَاهُ رَبُّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ، وَعَزَاهُمَا أَبُو مُحَمَّدٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ.

الْمَازِرِيُّ كَقَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ مَنْ دَلَّ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ بِدَلَالَتِهِ، وَلَوْ شَكَا رَجُلٌ رَجُلًا لِظَالِمٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ الْحَقَّ فِي الْمَشْكُوِّ أَوْ يُغَرِّمُهُ مَالًا وَالْمَظْلُومُ لَا تِبَاعَةَ لِلشَّاكِي عَلَيْهِ، فَفِي ضَمَانِ الشَّاكِي مَا غَرِمَهُ الْمَشْكُوُّ قَوْلَانِ، وَثَالِثُهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا. الْحَطّ اُنْظُرْ إذَا شَكَاهُ لِظَالِمٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فَضَرَبَهُ حَتَّى مَاتَ، فَهَلْ يَلْزَمُ الشَّاكِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا اهـ. قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ قَوْلِهِ كَحُرٍّ بَاعَهُ إلَخْ، فَقَدْ قَالُوا لَا مَفْهُومَ لِلْبَيْعِ، بَلْ كُلُّ مَنْ فَعَلَ بِحُرٍّ فِعْلًا تَعَذَّرَ عَوْدُهُ مَعَهُ، فَهَذَا حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(وَمَلَكَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (إنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَاضِرًا بِبَلَدِ شِرَائِهِ، بَلْ (وَلَوْ غَابَ) الْمَغْصُوبُ بِبَلَدٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ. وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ أَشْهَبَ إنَّمَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ غَائِبًا إذَا عَرَفَ قِيمَتَهُ وَبَذَلَ مَا يَجُوزُ بَذْلُهُ فِيهَا، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ مُدَّةً، وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةٌ تَرَدُّدٌ.

" غ " أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَلَوْ غَصَبَك جَارِيَةً جَازَ أَنْ تَبِيعَهَا مِنْهُ هِيَ غَائِبَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَيَنْقُدَك إذَا وَصَفَهَا لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ، وَالدَّنَانِيرُ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ. وَأَشَارَ بِالْإِغْيَاءِ إلَى خِلَافِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهَا مِنْهُ وَهِيَ غَائِبَةٌ إذَا عَرَفَ الْقِيمَةَ، وَبَذَلَ مَا يَجُوزُ فِيهَا وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَصْلِ السَّلَامَةِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

ص: 128

أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا

ــ

[منح الجليل]

دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ وَيَبْقَى بِيَدِ رَبِّهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، كَمَا شَرَطَهُ بَعْضُهُمْ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ وَمَغْصُوبٌ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةٌ تَرَدُّدٌ.

(أَوْ) أَيْ وَمَلَكَهُ إنْ (غَرِمَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ دَفَعَ الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِأَنْ ادَّعَى إبَاقَهُ أَوْ تَلَفَهُ وَغَرَّمَهُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ (إنْ لَمْ يُمَوِّهْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً، أَيْ يَكْذِبْ الْغَاصِبُ فِي دَعْوَاهُ تَلَفَ الْمَغْصُوبِ أَوْ إبَاقَهُ فَإِنْ مَوَّهَ فِيهِ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَأَخْذُ عَيْنِ شَيِّهِ. " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ قَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْفَاهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَرَدُّ مَا أَخَذَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا يَأْخُذُهَا رَبُّهَا إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَفْضَلَ مِنْ الصِّفَةِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ قِيمَتِهَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، قَالَ وَمَنْ قَالَ لَهُ أَخْذُهَا فَقَدْ أَخْطَأَ. (وَ) إنْ غَابَ الْمَغْصُوبُ وَوَصَفَهُ غَاصِبُهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ وَصْفِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكْمَلُ مِمَّا وَصَفَهُ بِهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ (رَجَعَ) مَالِكُ الْمَغْصُوبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (بِفَضْلَةٍ) أَيْ زِيَادَةٍ عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي قُوِّمَ بِهَا (أَخْفَا) الْغَاصِبُ سَبَبَ (هَا) أَيْ الْفَضْلَةِ، وَهُوَ الْوَصْفُ الْمُوجِبُ لَهَا. " غ " أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَلِرَبِّهَا الرُّجُوعُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ وَكَأَنَّ الْغَاصِبَ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فَجَحَدَ بَعْضَهَا. عِيَاضٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهَا لِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَخْذُهَا وَرَدُّ مَا أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَبَسَ مَا أَخَذَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ: انْحِصَارُ حَقِّهِ فِي تَمَامِ قِيمَتِهَا لِلْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي تَخْيِيرُهُ فِيهِ وَفِي أَخْذِهَا وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَشْهَبُ. وَالثَّالِثُ: تَخْيِيرُهُ فِي أَخْذِهَا، وَفِي التَّمَسُّكِ بِمَا أَخَذَ فَقَطْ لِبَعْضِ رِوَايَاتِهَا، قَالَ وَعَبَّرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْمَشْهُورِ وَلَمْ يُفَسِّرْ مُقَابِلَهُ فَيَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَخِيرَيْنِ، وَكَانَ يَمْضِي لَنَا إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّكْفِيرِ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَفْيَ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لِلْمَوْصُوفِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِنَفْيِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَفْيَ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لِلْمَوْصُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِنَفْيِهِ.

ص: 129

وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ، وَحَلَفَ:

ــ

[منح الجليل]

الْحَطّ أَشْهَبُ مَنْ قَالَ لَهُ أَخْذُهَا فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا لَوْ نَكَلَ الْغَاصِبُ وَحَلَفْت عَلَى صِفَتِك ثُمَّ ظَهَرَتْ خِلَافَ ذَلِكَ كُنْت قَدْ ظَلَمْته فِي الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْك بِمَا زِدْت عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ رَدُّ الْجَارِيَةِ. اهـ. وَانْظُرْ لَوْ وَصَفَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ ظَهَرَتْ أَنْقَصَ مِمَّا وَصَفَهَا فَهَلْ لَهُ رُجُوعٌ أَمْ لَا، وَكَذَا لَوْ وَصَفَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَتْ أَزْيَدَ. .

(وَ) إنْ ادَّعَى الْغَاصِبُ تَلَفَ الْمَغْصُوبِ وَأَنْكَرَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَ (الْقَوْلُ لَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (فِي) دَعْوَى (تَلَفِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي وَصْفِ الْمَغْصُوبِ لِتَقْوِيمِهِ بِحَسَبِهِ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ (فِي نَعْتِهِ) أَيْ وَصْفِ الْمَغْصُوبِ إنْ وَصَفَهُ بِمَا يُشْبِهُ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَاتِهِ. اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ غَصَبَنِي هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ بَلْ هَذَا فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ (وَالْقَوْلُ) لِلْغَاصِبِ إنْ اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (وَحَلَفَ) الْغَاصِبُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ إنْ أَشْبَهَ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَأَشْبَهَ رَبُّهُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا فَقَالَ ابْنُ نَاجِي يَحْلِفَانِ وَيُقْضَى بَيْنَهُمَا بِأَوْسَطِ الْقِيَمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قَالَ عُمْيًا صُمًّا وَمُرَاعَاةُ الشَّبَهِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي نَقْلِهِ وَالْكَثْرَةُ لِلثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ.

ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ. الْحَطّ فِي الْوَسَطِ أَيْ الْغَاصِبُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْيَمِينِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمْ أَرَ فِي الْأُمَّهَاتِ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، لَكِنْ نَصَّ فِيهَا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي تَلَفَهُ، وَكَذَا فِي رَهْنِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُمَا وَقَدْ نَصَّ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ هُنَا فِي التَّلَفِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ، قَالَ فِيهَا إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ هَلَاكَ مَا غَصَبَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ فَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ غَاصِبُهَا بِيَمِينِهِ.

أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَمَةَ وَالسِّلْعَةَ وَقَدْ

ص: 130

كَمُشْتَرٍ مِنْهُ،

ــ

[منح الجليل]

تَقَدَّمَ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى، وَكَذَا فِي رَهْنِ مَا يُغَابُ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى مَا قَالَهُ هُنَاكَ الْمَغْصُوبُ صَدَّقَهُ أَوْ أَقَامَ عَلَى مَا ادَّعَى بَيِّنَةً اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. " ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ أَمَةً وَادَّعَى هَلَاكَهَا وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي صِفَتِهَا مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَمَنْ انْتَهَبَ صُرَّةً ثُمَّ قَالَ كَانَ فِيهَا كَذَا وَادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ انْتَهَبَهَا وَطَرَحَهَا فِي مُتْلِفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ إذَا طَرَحَهَا وَلَمْ يَفْتَحْهَا وَلَمْ يَدْرِ مَا فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مِنْهُ بِيَمِينِهِ فِيمَا يُشْبِهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَحْقِيقًا. وَإِنْ غَابَ الْغَاصِبُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الَّذِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.

تت يَدْخُلُ فِي تَخَالُفِهِمَا فِي الْقَدْرِ مَسْأَلَتَانِ، الْأُولَى غَاصِبُ صُرَّةٍ يُلْقِيهَا فِي الْبَحْرِ مَثَلًا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَمْ يَفْتَحْهَا، أَوْ لَا يُلْقِيهَا وَيَدَّعِي رَبُّهَا أَنَّهَا كَذَا، وَيُخَالِفُهُ الْغَاصِبُ، فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ عِنْدَ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". ابْنُ نَاجِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ مَا فِيهَا بِاطِّلَاعٍ سَابِقٍ أَوْ بِحَبْسِهَا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ الْقَوْلُ لِرَبِّهَا بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ لِادِّعَائِهِ تَحْقِيقًا وَالْآخَرِ تَخْمِينًا وَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْمٌ أَغَارُوا عَلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَذَهَبُوا بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ بِعَيْنِ الْمَنْهُوبِ، بَلْ بِالْإِغَارَةِ وَالنَّهْبِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْطَى الْمُنْتَهَبُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ مُحْتَجًّا لَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصُّرَّةِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ الْقَوْلُ لِلْمُغَارِ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ، وَالْمُدَوَّنَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا فَفِيهَا عَنْ مَالِكٍ إذَا انْتَهَبَهَا أَوْ غَصَبَهَا بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ قَالَ كَانَ فِيهَا كَذَا وَادَّعَى رَبُّهَا أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ طَرَحَهَا فِي مُتْلِفٍ أَمْ لَا. اهـ. وَإِنْ أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُغِيرِينَ ضَمِنَ الْجَمِيعُ كَالسُّرَّاقِ وَالْمُحَارَبِينَ.

وَشَبَّهَ فِي التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ بِالْيَمِينِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (مُشْتَرٍ

ص: 131

ثُمَّ غَرِمَ لِآخِرِ رُؤْيَتِهِ؛

ــ

[منح الجليل]

مِنْهُ) أَيْ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهُ أَوْ قَدْرَهُ أَوْ صِفَتَهُ وَخَالَفَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَهُ غَاصِبٌ أَمْ لَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ التَّلَفَ صُدِّقَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ رَقِيقٍ وَحَيَوَانٍ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ هَلَكَ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي تَوْضِيحِهِ، قَالَ وَكَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قِيلَ وَإِذَا صُدِّقَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ كَالرَّهْنِ وَالْعَوَارِيِّ، وَأَطْلَقَ هُنَا أَفَادَهُ تت.

" ق " مَنْ رَسْمٍ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ " رضي الله عنه " عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا اُغْتُصِبَتْ مِنْهُ فَزَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا هَلَكَتْ، قَالَ إنْ كَانَتْ حَيَوَانًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَأُحْلِفَ أَنَّهَا هَلَكَتْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا.

قِيلَ فَإِنْ كَانَ بَاعَهَا، قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنُهَا، وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي الثَّمَنِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ جَيِّدَةٌ، وَقَوْلُهُ يَحْلِفُ إنْ ادَّعَى تَلَفَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ غَيَّبَهَا، وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالصَّانِعِ يَدَّعُونَ تَلَفَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ.

وَبَيَّنَ مَتَى يَضْمَنُ مَا يُغَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ (ثُمَّ غَرِمَ) الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ مُعْتَبَرَةً بِالنِّسْبَةِ (لِ) حَالِهَا يَوْمَ آخِرِ (رُؤْيَةٍ) رُئِيَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ شِرَائِهِ، بِخِلَافِ الصَّانِعِ وَالْمُرْتَهِنِ يَدَّعِي ضَيَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ عِنْدَهُ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُمَا قَبَضَاهُ عَلَى الضَّمَانِ وَلَمَّا غَيَّبَاهُ اُتُّهِمَا فِي اسْتِهْلَاكِهِ فَأَشْبَهَا الْمُتَعَدِّيَ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ فَلَا يُتَّهَمُ. الْحَطّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَالنَّعْتِ وَالْقَدْرِ وَيَحْلِفُ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي هَلَاكِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا حَلِفَهُ، لَكِنْ شَبَّهُوهُ بِالرُّهُونِ وَالْعَوَارِيِّ فَاقْتَضَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ. وَقِيلَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا إذَا بَاعَهُ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ.

وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي قَدْرِهِ هَذَا مَا رَأَيْته فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ

ص: 132

وَلِرَبِّهِ: إمْضَاءُ بَيْعِهِ،

ــ

[منح الجليل]

سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْغَصْبِ، سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بَيِّنَةً أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْهُ فَزَعَمَ مُشْتَرِيهَا هَلَاكَهَا، فَقَالَ إنْ كَانَتْ حَيَوَانًا صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ وَأُحْلِفَ وَأُغْرِمَ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى هَلَاكِهَا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَسَرِقَةٍ وَغَرَقٍ وَنَارٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قِيلَ فَإِنْ بَاعَهَا، قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنُهَا. قِيلَ لَهُ فَإِنْ قَالَ بِعْتُهَا بِكَذَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ إلَّا قَوْلُهُ أَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ. قَالَ قَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرَفُ الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ عِنْدَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ بِكَسْرٍ أَوْ عَوَرٍ أَوْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى تَلَفَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ غَيَّبَهَا اهـ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُصَدَّقُ فِي ضَيَاعِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْيَمِينِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعَ الضَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .

(وَ) إنْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ فَ (لِرَبِّهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الَّذِي بَاعَهُ غَاصِبُهُ (إمْضَاءُ بَيْعِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ لِصِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ، وَظَاهِرُهُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِغَصْبِهِ أَمْ لَا، كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا حِينَ بَيْعِهِ أَوْ لَا، قَرِيبَ الْمَكَانِ بِحَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَى مُشْتَرِيهِ فِي الصَّبْرِ إلَى عِلْمِ مَا عِنْدَهُ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ، وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ. " ق " فِيهَا مَنْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً وَبَاعَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَهِيَ بِحَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْغَاصِبِ كَمَا وَجَدَهَا بِيَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنْ ضَاعَ الثَّمَنُ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَغْرَمُهُ وَلَيْسَ الرِّضَا بِبَيْعِهِ يُوجِبُ لَهُ حُكْمَ الْأَمَانَةِ فِي الثَّمَنِ، وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ غَرِمَ الْمُبْتَاعُ الْقِيمَةَ لِرَبِّهِ يَوْمَ لُبْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ أَجَازَ بَيْعَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ تَلِفَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ضَمِنَهُ اهـ.

اللَّخْمِيُّ إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ ثُمَّ أَتَى صَاحِبُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سُوقُهُ وَلَا بَدَنُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ

ص: 133

وَنَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، وَإِجَازَتُهُ

وَضَمِنَ مُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ

ــ

[منح الجليل]

إجَازَةِ بَيْعِهِ وَأَخْذِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمَ الْعَيْنِ وَأَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعَهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَاسِدَ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْغَاصِبِ وَهُوَ فَقِيرٌ وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ فَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْهُ. اهـ. وَضَعَّفَ فِي النَّوَادِرِ الثَّانِيَ وَأَنْكَرَهُ.

(تَنْبِيهَانِ)

الْأَوَّلُ: اللَّخْمِيُّ إنْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ أَنَّ بَائِعَهُ غَاصِبٌ وَأَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ قَبْلَ قُدُومِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَهُ ذَلِكَ إذَا بَعُدَتْ لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّبْرِ إلَى قُدُومِهِ.

الثَّانِي: إذَا غُصِبَ الْمُشْتَرَكُ بِاسْمِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَهَلْ ذَلِكَ مِنْهُمَا أَوْ خَاصٌّ بِمَنْ أُخِذَ بِاسْمِهِ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَأْخُوذَ بَيْنَهُمَا وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا، وَبِهَذَا أَفْتَى السُّيُورِيُّ وَبَحَثَ فِيهِ الْبُرْزُلِيُّ.

(وَ) إنْ اشْتَرَى شَخْصٌ رَقِيقًا مِنْ غَاصِبٍ وَأَعْتَقَهُ فَلِرَبِّهِ (نَقْضُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ آخِرُهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ فَسْخُ وَرَدُّ (عِتْقِ الْمُشْتَرِي) الرَّقِيقَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ وَأَخَذَهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَلَى الْغَاصِبِ (وَ) لَهُ (إجَازَتُهُ) بِالزَّايِ أَيْ إمْضَاءُ وَتَنْفِيذُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، وَاتَّبَعَ الْغَاصِبَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ أَجَازَهُ فَقَدْ تَمَّ عِتْقُهُ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةٍ وَإِرْثٍ وَنَحْوِهِمَا. ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ وَرِثَتْ الْأَمَةُ الْأَحْرَارَ وَشَهِدَتْ الشَّهَادَاتِ ثُمَّ أَجَازَ مَالِكُهَا بَيْعَهَا أَوْ أَغْرَمَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا فَلَا يُنْقَضُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَخَذَهَا سَيِّدُهَا نُقِضَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهَا فَاقْتَصَّتْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ أَخَذَهَا سَيِّدُهَا رَجَعَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ بِدِيَةِ الْيَدِ، وَيَرْجِعُ سَيِّدُهَا عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَهَا أَفَادَهُ تت. " ق " فِي التَّهْذِيبِ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَبَاعَهَا فَقَامَ رَبُّهَا وَقَدْ أَعْتَقَهَا الْمُبْتَاعُ فَلَهُ أَخْذُهَا وَنَقْضُ عِتْقِهَا نَقَصَتْ أَمْ زَادَتْ، وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ، فَإِنْ أَجَازَهُ فَقَدْ تَمَّ عِتْقُهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ. .

(وَ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ وَأَتْلَفَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ (ضَمِنَ) شَخْصٌ (مُشْتَرٍ) قِيمَةَ مَا اشْتَرَاهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَوْمَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَعْلَمْ)

ص: 134

فِي عَمْدٍ لَا سَمَاوِيٍّ

وَغَلَّةٍ، وَهَلْ الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ؟ تَأْوِيلَانِ

ــ

[منح الجليل]

حِينَ شِرَائِهِ كَوْنَهُ مَغْصُوبًا (فِي) إتْلَافِهِ بِفِعْلٍ (عَمْدٍ) كَأَكْلِ طَعَامٍ، وَإِبْلَاءِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ، وَهَدْمِ بِنَاءٍ. وَمَفْهُومُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِغَصْبِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ غَاصِبِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَنَظَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي تَغْرِيمِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ لُبْسِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهُوَ إذَا لَبِسَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِإِتْلَافِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ هَلَاكُهُ بِانْتِفَاعِهِ بِهِ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَعَدِّي إلَّا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ شَبَّهَهُ بِقَتْلِهِ، فَلِذَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ لُبْسِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مُودَعًا عِنْدَهُ. وَحُكْمُ الْمُصَنِّفُ بِتَضْمِينِ الْمُشْتَرِي لَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي تَغْرِيمِ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ أَوْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ ثَمَنَهُ (لَا) يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ الْعَالِمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ (بِ) أَمْرٍ (سَمَاوِيٍّ) بِفَتْحِ السِّينِ مُخَفَّفًا أَيْ مَنْسُوبٍ لِلسَّمَاءِ لِصُدُورِهِ مِنْ خَالِقِهَا مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِ الْمُشْتَرِي فِيهِ. .

(وَ) وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي غَيْرِ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ (فِي غَلَّةٍ) اسْتَغَلَّهَا مِمَّا اشْتَرَاهُ فَيَفُوزُ بِهَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي ضَمَانَهُ، وَنَفْيُ ضَمَانِهِ السَّمَاوِيَّ يَقْتَضِي ضَمَانَهُ الْغَلَّةَ، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ إنَّمَا يَقْتَضِي نَفْيَ اسْتِحْقَاقِ الْغَلَّةِ إذَا كَانَ نَفْيًا مُطْلَقًا، وَالْمَنْفِيُّ هُنَا ضَمَانُ السَّمَاوِيِّ فَقَطْ.

(وَهَلْ الْخَطَأُ) فِي إتْلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْ مُشْتَرِيهِ غَيْرِ الْعَالِمِ بِغَصْبِهِ (كَالْعَمْدِ) مِنْهُ فِي ضَمَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ (أَوْ هُوَ) أَيْ الْخَطَأُ (كَالسَّمَاوِيِّ) فِي عَدَمِ ضَمَانِهِ الْمُشْتَرِي غَيْرِ الْعَالِمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحِي الْمُدَوَّنَةِ، فَفِي التَّوْضِيحِ اُخْتُلِفَ فِي حَمْلِهَا عَلَى أَيِّ الْقَوْلَيْنِ فَجَعَلَ فِي الْبَيَانِ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مُفَسِّرًا لَهَا وَحَمَلَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهَا عَلَى الْعَمْدِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ جِنَايَتِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ أَيْ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ رُبَّمَا تُؤَوَّلُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْت الْحُكْمُ بِأَنَّ لَهُ الْغَلَّةَ مَعَ الْحُكْمِ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ الْخَطَأَ وَالسَّمَاوِيَّ مُتَنَافِيَانِ، قُلْت

ص: 135

وَوَارِثُهُ، وَمَوْهُوبُهُ إنْ عَلِمَا: كَهُوَ، وَإِلَّا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ،

ــ

[منح الجليل]

لَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَفَادَهُ تت، وَفِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ غَرِمَ الْمُبْتَاعُ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ يَوْمَ لُبْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ أَجَازَ بَيْعَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ تَلِفَ عِنْدَ غَاصِبِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ضَمِنَهُ اهـ.

أَشْهَبُ إنْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ مَوْتِهَا عِنْدَ مُشْتَرِيهَا بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إيلَادٍ أَوْ عِتْقٍ لِأَجَلٍ رَجَعَ عَلَى غَاصِبِهَا بِثَمَنِهَا إلَّا بِتَدْبِيرٍ ابْنُ الْمَوَّازِ وَكِتَابُهُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ وَابْنُ يُونُسَ " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ قَتَلَ الْجَارِيَةَ مُبْتَاعُهَا مِنْ غَاصِبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِغَصْبِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رضي الله عنه " قَالَ مَا ابْتَاعَهُ مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلَهُ أَوْ ثِيَابٍ فَلَبِسَهَا حَتَّى أَبْلَاهَا فَلِلْمُسْتَحِقِّ ذَلِكَ أَخْذٌ بِمِثْلِ الطَّعَامِ وَقِيمَةِ الثِّيَابِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُبْتَاعِ كُلُّ مَا عُرِفَ هَلَاكُهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا كَانَ هَلَاكُهُ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ذَهَبَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَشْهَبُ الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ ابْنُ رُشْدٍ تَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ. .

(وَ) إنْ مَاتَ الْغَاصِبُ أَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِشَخْصٍ فَقَبِلَهُ مِنْهُ فَ (وَارِثُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (وَمَوْهُوبُهُ) أَيْ الَّذِي وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لَهُ حُكْمُهُمَا فِي ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ وَغَلَّتِهِ (كَ) حُكْمِهِ (هُوَ) أَيْ الْغَاصِبِ فِيهِ (إنْ عَلِمَا) أَيْ وَارِثُهُ وَمَوْهُوبُهُ بِغَصْبِهِ، لِأَنَّ عِلْمَهُمَا بِهِ هُوَ صَيَّرَهُمَا غَاصِبَيْنِ مُتَعَدِّيَيْنِ فِي اسْتِيلَائِهِمَا عَلَى الْمَغْصُوبِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ قَبِلَهُ مِنْهُ هِبَةً وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي الْغَلَّةِ وَالضَّمَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْهُوبُهُ بِغَصْبِهِ (بُدِئَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِالْغَاصِبِ) فِي تَغْرِيمِهِ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ الْمَوْهُوبِ وَغَلَّتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا

ص: 136

وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ، فَإِنْ أَعْسَرَ، فَعَلَى الْمَوْهُوبِ

ــ

[منح الجليل]

قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَقِيلَ يُبْدَأُ بِالْمَوْهُوبِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي اتِّبَاعِ أَيِّهِمَا شَاءَ.

(وَ) إنْ بُدِئَ بِالْغَاصِبِ (رَجَعَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (بِغَلَّةِ) الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَغَلَّةِ (مَوْهُوبِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ اللَّخْمِيُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ هِبَتَهُ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ غَصْبِهِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ (فَإِنْ أَعْسَرَ) الْغَاصِبُ (فَ) يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِالْغَلَّةِ (عَلَى الْمَوْهُوبِ) لَهُ مِنْ الْغَاصِبِ لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهَا، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ إنْ أَيْسَرَ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ.

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَاسْتَغَلَّهُ زَمَنًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ مَثَلًا وَلَمْ يَدْرِ بِمَ كَانَ لَهُ فَاسْتَغَلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَالْغَلَّةُ لِلْوَارِثِ، وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ رَجُلٌ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْوَاهِبَ لِأَبِيهِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ هَذَا الشَّيْءَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَغَلَّةُ مَا مَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْوَاهِبِ أَغَاصِبٌ هُوَ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ، وَمَنْ غَصَبَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا فَوَهَبَهُمْ لِرَجُلٍ فَاغْتَلَّهُمْ وَأَخَذَ كِرَاءَهُمْ ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَالِمًا بِغَصْبِهِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ بِالْغَلَّةِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ أَوَّلًا بِالْغَلَّةِ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا فَوَهَبَهُ لِرَجُلٍ فَأَكَلَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى أَبْلَاهُ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَبَاعَهَا وَأَكَلَ ثَمَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَعْدَ فَوَاتِهَا بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ نَفْسَهُ اغْتَلَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ كِرَاءَ الدَّارِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ وَالْكِرَاءَ لِلْمُسْتَحَقِّ، وَلَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَاسْتَغَلَّهَا وَلَدُهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَغَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ.

ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَكُونُ فِي عَدَمِ الْوَاهِبِ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْوَارِثِ أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ قَمْحًا فَأَكَلَهُ أَوْ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى أَبْلَاهَا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَكَلَ لَحْمَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ أَنَّهُ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ غُرْمَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يُوضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ هَلَكَ

ص: 137

وَلُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لِآخَرَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ:

ــ

[منح الجليل]

بِيَدِ الْمُبْتَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَانْتِفَاعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ وَقَامَتْ بِهَلَاكِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالرَّبْعِ وَانْهَدَمَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، فَكَمَا كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ أَكَلَ أَوْ لَبِسَ لَا يَضَعُ عَنْهُ شِرَاؤُهُ الضَّمَانَ كَانَ مَنْ وَهَبَهُ الْغَاصِبُ أَحْرَى أَنْ يَرُدَّ مَا اسْتَغَلَّ فِي عُدْمِ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ أَخَذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ.

مُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ مَنْ وَهَبَهُ الْغَاصِبُ لَهُ الْغَلَّةُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ كَالْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّ مَا اسْتَغَلَّ الْمُشْتَرِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ سَكَنَ أَوْ زَرَعَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّةٍ وَلَا كِرَاءٍ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ لَا يُحَاسِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِغَصْبِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ كَالْغَاصِبِ اهـ. وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ دُورًا أَوْ أَرْضِينَ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ مَا لَهُ غَلَّةٌ أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ فَالْغَلَّةُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ إلَى يَوْمِ يَسْتَحِقُّهَا رَبُّهَا.

وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ إنَّمَا وَهَبَهُ ذَلِكَ لَرَجَعَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْغَلَّةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي عُدْمِ الْغَاصِبِ وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ اهـ. مِنْهَا.

(وَ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ مَالًا فَأَنْكَرَهُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِمُعَايَنَةِ غَصْبِهِ وَشَاهِدًا آخَرَ بِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ (لُفِّقَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ ضُمَّ (شَاهِدٌ) شَهِدَ (بِ) مُعَايَنَةِ (الْغَصْبِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي (لِ) شَهَادَةِ شَاهِدٍ (آخَرَ) شَهِدَ لِلْمُدَّعِي (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالْغَصْبِ) لِمَالِ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ الْغَصْبُ بِشَهَادَتِهِمَا فَيُحْكَمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَعِوَضِهِ إنْ كَانَ فَاتَ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ أَقَمْت شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَك هَذِهِ الْأَمَةَ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ غَصَبَكهَا تَمَّتْ الشَّهَادَةُ. أَبُو الْحَسَنِ أَيْ بِالْغَصْبِ، وَقُضِيَ لَك بِهَا بِلَا يَمِينِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَتِمَّ بِالْمِلْكِ عِيَاضٌ إذْ قَدْ تَكُونُ بِيَدِك وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا أَوْ بِأُجْرَةٍ وَلَا يُعَارِضُ مَا هُنَا قَوْلُهَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ بِقَتْلِ خَطَأٍ وَآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ فَلَزِمَهُ إقْرَارُهُ وَهُنَاكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ أَفَادَهُ تت.

ص: 138

كَشَاهِدٍ بِمِلْكِك: لِثَانٍ بِغَصْبِك، وَجُعِلَتْ ذَا يَدٍ، لَا مَالِكًا، إلَّا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ، وَيَمِينَ الْقَضَاءِ

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي التَّلْفِيقِ فَقَالَ (كَشَاهِدٍ بِمِلْكِك) لِمَا ادَّعَيْت غَصْبَهُ مِنْك (لِ) شَاهِدٍ (ثَانٍ) شَهِدَ (بِغَصْبِك) أَيْ بِغَصْبِهَا مِنْك (وَجُعِلْتَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَفَتْحِ تَاءِ خِطَابِ الْمُدَّعِي (ذَا) أَيْ صَاحِبَ (يَدٍ) أَيْ حَائِزًا فَقَطْ لِلْمُدَّعَى بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَائِزًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَيَعْنِي بِلَا يَمِينٍ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ لِاجْتِمَاعِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى حَوْزِ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَإِنْ فَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا إلَّا إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ وَهَذَا الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبِعَ فِيهِ مَا فِي التَّنْبِيهَاتِ لِعِيَاضٍ، وَنَقَلَ " غ " كَلَامَهُ وَسَيَأْتِي.

وَعَطَفَ عَلَى ذَا يَدٍ أَوْ حَائِزًا بِلَا فَقَالَ (لَا مَالِكًا) لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ شَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَك مِلْكًا لِاحْتِمَالِ أَنَّك حُزْتهَا بِإِيدَاعٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تَحْلِفَ) يَا مُدَّعِي (مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ) أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ حَقٌّ وَأَنَّك مَالِكٌ لَهُ (وَ) تَحْلِفُ أَيْضًا (يَمِينَ الْقَضَاءِ) أَنَّك لَمْ تَبِعْهَا وَلَمْ تَتَصَدَّقْ بِهَا وَلَمْ تَهَبْهَا وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّ شَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ لَك غَصْبًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِك بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهَذَا عَلَى ثُبُوتِ الْوَاوِ، وَكَمَا فِي الْأَقْفَهْسِيِّ مِنْ مُسْوَدَّةِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ وَعِنْدَ الشَّارِحِينَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً يَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا.

" غ " هَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ، أَمَّا الْأُولَى: فَقَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَقَمْت شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَك هَذِهِ الْأَمَةَ، وَشَاهِدًا آخَرَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ غَصَبَكهَا تَمَّتْ الشَّهَادَةُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ بِالْغَصْبِ، وَيُقْضَى لَك بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَتِمَّ بِالْمِلْكِ إذْ قَدْ تَكُونُ بِيَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا أَوْ بِأُجْرَةٍ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَقَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَك وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَكهَا فَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى إيجَابِ مِلْكِك لَهَا فَيُقْضَى لَك بِهَا وَلَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى إيجَابِ غَصْبِك، فَإِنْ دَخَلَ الْجَارِيَةَ نَقْصٌ كَانَ لَك أَنْ تَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِالْغَصْبِ وَتُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ، هَكَذَا

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

اخْتَصَرَهَا أَبُو سَعِيدٍ وَأَكْثَرُهُمْ، تَبَعًا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي فِي الْأُمَّهَاتِ لَوْ أَنِّي أَقَمْت شَاهِدًا عَلَى أَنَّهُ غَصَبَنِيهَا وَأَقَمْت آخَرَ عَلَى أَنَّهَا جَارِيَتِي قَالَ لَأَرَاهُمَا شَهَادَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ دَخَلَ الْجَارِيَةَ نَقْصٌ حَلَفَ مَعَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَأَخَذَ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ.

قَالَ عِيَاضٌ لَمْ يَجْعَلْهُمَا شَهَادَةً وَاحِدَةً، إذْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْغَصْبِ فَيُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ فِي الْفَوَاتِ، وَلَا عَلَى الْمِلْكِ فَيَأْخُذَهَا بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْهَا، وَأَنَّهَا مِلْكُهُ، إذْ لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدُ الْغَصْبِ بِالْمِلْكِ التَّامِّ، وَإِذْ لَوْ شَهِدَ بِالْمِلْكِ التَّامِّ مَا حَكَمَ لِرَبِّهَا حَتَّى يَحْلِفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ أَنَّهَا مَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ بِالْغَصْبِ لَمْ تَتِمَّ بِالْمِلْكِ إذْ يَقُولُ لَا أَدْرِي أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَعَلَّهَا عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ رَهْنٌ أَوْ بِإِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا رَأَيْته أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَجَعَ عَمَّا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَقَالَ أَرَاهُمَا شَهَادَةً وَاحِدَةً لِمَا قُلْنَاهُ، وَجَعَلَهُمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى شَهَادَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَقُلْ تَامَّةً لِأَنَّهَا تُوجِبُ فِي قِيَامِهَا تَقْدِيمَ يَدِ الْقَائِمِ عَلَيْهَا دُونَ الْحُكْمِ لَهُ بِمِلْكِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ وَيَمِينِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ جَاءَ آخَرُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْمِلْكِ أَوْ شَاهِدٍ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ هَذَا مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ يَمِينُهُ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ مُعَارِضٌ لِشَاهِدَيْنِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ يَرْجَحُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ؟ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتَصَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى إيجَابِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى إيجَابِ الْغَصْبِ، وَتَبِعَهُ أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ فَقَدْ شَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي أَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ أَمَا كُنْت تَرْدُدْهُ عَلَيْهِ وَهَذَا إنَّمَا أَرَادَ رَدَّهَا إلَيْهِ بِتَقْدِيمِ يَدِهِ عَلَيْهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ،. اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ وَجُعِلْتَ ذَا يَدٍ لَا مَالِكًا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ خَاصٌّ بِالثَّانِيَةِ إذْ لَا شَاهِدَ مِلْكٍ فِي الْأُولَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَقَمْت شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَك هَذِهِ الْأَمَةَ وَشَاهِدًا

ص: 140

وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا

ــ

[منح الجليل]

آخَرَ أَنَّهَا لَك فَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى إيجَابِ مِلْكِك لَهَا فَيُقْضَى لَك بِهَا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّك مَا بِعْت وَلَا وَهَبْت كَمَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا بِبَيِّنَةٍ وَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهَا الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى إيجَابِ الْغَصْبِ. ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ شَهَادَتُهُمَا مُخَالِفَةٌ، فَإِذَا لَمْ تَفُتْ حَلَفَ مَعَ أَيِّ الشَّاهِدَيْنِ شَاءَ. إنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ وَرُدَّتْ إلَى يَدِهِ بِالْحِيَازَةِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا وَشَاهِدُ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ غَصْبًا، إذْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ إلَى الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى مِلْكٍ وَلَا عَلَى غَصْبٍ حَلَفَ كَمَا قَدَّمْنَا.

ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ دَخَلَ الْجَارِيَةَ نَقْصٌ كَانَ لَك أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ وَتُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ قَوْلُهُ وَجُعِلْتَ ذَا يَدٍ لَا مَالِكًا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُعَارِضٌ لَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ أَنْ يَحْلِفَ. طفي أَنْتَ تَرَى أَنَّ ابْنَ يُونُسَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا عَلَى عَدَمِ التَّلْفِيقِ، وَأَنَّ الشَّهَادَةَ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ أَحَدِهِمَا لِانْفِرَادِ كُلٍّ بِشَهَادَةٍ. وَأَمَّا عَلَى مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّلْفِيقِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ عَلَى الْحَوْزِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ مَعَهُ، بَلْ قَالَ وَجُعِلْتَ ذَا يَدٍ فَقَطْ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحَانِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ وَالْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ وَهْمٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَلَكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ طَرِيقَ عِيَاضٍ فِي التَّلْفِيقِ وَكَوْنِهَا شَهَادَةً بِالْمِلْكِ غَيْرِ التَّامِّ، وَطَرِيقُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُخْتَصِرِينَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ تَامَّةٌ يُقْضَى بِهَا بِالْمِلْكِ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ اُنْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ وَ " غ "، فَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ وَلَمَّا لَمْ يَقِفْ " ق " عَلَى كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ خَالَفَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَوَهَمَ الشَّارِحَانِ فَحَمَلَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِالتَّلْفِيقِ وَلِعَدَمِ ذِكْرِهِ الْيَمِينَ. .

(وَإِنْ ادَّعَتْ) امْرَأَةٌ (اسْتِكْرَاهًا) أَيْ إكْرَاهًا عَلَى الزِّنَا بِهَا كَذَا وُجِدَ فِي نُسْخَةِ

ص: 141

عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ: حُدَّتْ لَهُ

ــ

[منح الجليل]

الْمُصَنِّفِ وَبَعْدَهُ بَيَاضٌ خَالٍ عَنْ الْكِتَابَةِ فَكَتَبَ فِيهِ تِلْمِيذُهُ الْأَقْفَهْسِيُّ بِخَطِّهِ (عَلَى) رَجُلٍ (غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ) الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا لِعَدَالَتِهِ، وَصِلَةُ ادَّعَتْ (بِلَا تَعَلُّقٍ) مِنْهَا بِالرَّجُلِ الَّذِي ادَّعَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ زِنَاهُ بِهَا (حُدَّتْ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ كَذَلِكَ بِسَبَبِ قَذْفِهَا (لَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الشَّارِحَانِ. وَفِي الشَّامِلِ وَحُدَّتْ مُدَّعِيَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ وَنَظَرَ الْحَاكِمُ إنْ اُتُّهِمَ. اهـ. وَفِي غَصْبِ الْمُقَدِّمَاتِ إنْ ادَّعَتْ الِاسْتِكْرَاهَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ، وَأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَدِّ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا أَوْ بِوَطْءِ حُرَّةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَيُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا يُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَإِنْ أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الزِّنَا لِمَا بَلَغَتْ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا وَتُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ عَلَى فَاسِقٍ وَلَمْ تَأْتِ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَلَا تُحَدُّ لَهُ الْقَذْفَ وَلَا تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا أَيْضًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ. وَإِنْ أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْفَاسِقِ سَقَطَ عَنْهَا حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الزِّنَا.

وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ، فَقَدْ أَطَالَ هُنَا، وَذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ أَفَادَهُ " غ " وَ " ق ".

الْحَطّ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا تَعَلُّقٍ أَنَّهَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ لَا تُحَدُّ لَهُ. وَمَفْهُومُ غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَائِقًا بِهِ لَا تُحَدُّ لَهُ وَلَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ. وَفِي الْإِكْمَالِ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مِثْلَ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُدَّتْ لَهُ لِلْقَذْفِ وَكَذَّبْنَاهَا، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا، وَلَا تَلْحَقُهُ تَبِعَةٌ بِقَوْلِهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ تَدْمَى مُسْتَغِيثَةً لِأَوَّلِ حَالِهَا وَكَانَ لَمْ يَشْتَهِرْ بِخَيْرٍ وَلَمْ يُعْرَفْ بِذَكَاءٍ. وَأَمَّا إنْ جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ عِنْدَنَا فِي حَدِّهَا لِقَذْفِهِ فَقِيلَ تُحَدُّ. وَقِيلَ لَا تُحَدُّ لِمَا بَلَغَتْ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلزِّنَا وَلِبَعْضِ أَصْحَابِنَا

ص: 142

وَالْمُتَعَدِّي: جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِبًا

ــ

[منح الجليل]

فِي الْمُشْتَهِرَةِ بِذَلِكَ مِثْلِ صَاحِبَةِ جَرِيرٍ أَنَّهَا تُحَدُّ لِلزِّنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا تُصَدَّقُ بِتَعَلُّقِهَا وَفَضِيحَتِهَا نَفْسَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُفْتَضِحَةً بِحَالِهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ اهـ. .

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْغَاصِبِ عَقَّبَهُ الْكَلَامَ عَلَى الْمُتَعَدِّي لِتَنَاسُبِهِمَا فَقَالَ (وَ) الشَّخْصُ (الْمُتَعَدِّي) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ التَّعَدِّي الْمَازِرِيُّ هُوَ غَيْرُ الْغَصْبِ أَحْسَنُ مَا مُيِّزَ بِهِ عَنْهُ أَنَّ التَّعَدِّيَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ الرَّقَبَةَ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ بَعْضِهِ دُونَ قَصْدٍ تَمَلُّكِهِ. قُلْت وَحَاصِلُ مَسَائِلِ التَّعَدِّي أَنَّهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِ الْغَيْرِ دُونَ حَقٍّ فِيهِ خَطَؤُهُ كَعَمْدِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا إذْنِ قَاضٍ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِفَقْدِهِمَا، فَيَدْخُلُ تَعَدِّي الْمُقَارِضِ وَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ وَالْأَجَانِبِ شَخْصٌ (جَانٍ) بِجِيمٍ وَنُونٍ مِنْ الْجِنَايَةِ (عَلَى بَعْضٍ) مِنْ شَيْءٍ لِغَيْرِهِ وَلَمَّا لَمْ يَشْمَلْ هَذَا تَعَدِّيَ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ دَابَّةً الْمَسَافَةِ الَّتِي اكْتَرَى أَوْ اسْتَعَارَ لَهَا لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا كُلِّهَا زَادَ لِإِدْخَالِهِ (غَالِبًا) إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ التَّعَدِّيَ عَلَى جَمِيعِ الشَّيْءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَاسْتِعْمَالِ مُودَعٍ بِالْفَتْحِ وَدِيعَةً. " غ " اخْتَصَرَ هُنَا قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِيهَا الْمُتَعَدِّي يُفَارِقُ الْغَاصِبَ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ جَنَى عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ وَالْغَاصِبَ أَخَذَهَا، كَكَسْرِ الصَّفْحَةِ وَتَحْرِيقِ الثَّوْبِ وَزَادَ غَالِبًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ لَا يَعُمُّ صُوَرَ التَّعَدِّي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا زَادَ فِي الْمَسَافَةِ يَكُونُ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْمُتَعَدِّي لَا حُكْمَ الْغَاصِبِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُودِعَتْ عِنْدَهُ دَابَّةٌ أَوْ ثَوْبٌ فَاسْتَعْمَلَهَا فَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ لَا يَعُمُّ صُوَرَ التَّعَدِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَنْ أَجْزَائِهَا مِلْكَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَأْخُوذَةً وَجِنَايَتُهُمَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، وَلِذَا فُرِّقَ فِيهَا بَيْنَ هِبَةِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ هِبَةِ خِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ حَيَاتَهُ وَرَقَبَتَهُ بَعْدَهُ لِآخَرَ فِي زَكَاةِ فِطْرِهِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ. وَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ غَصَبَ السُّكْنَى فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أُجْرَةَ

ص: 143

فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ: كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ، أَوْ أُذُنِهَا. أَوْ طَيْلَسَانِهِ،

ــ

[منح الجليل]

السُّكْنَى. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ غَاصِبٍ لِلذَّاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَقَدْ عُلِمَ الْفَرْقُ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِبِ وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ طَرَدُوهُ، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُتَعَدِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُكْتَرَاةِ أَوْ الْمُعَارَةِ ضَامِنًا لِلرَّقَبَةِ.

فَإِنْ قُلْت الْمُتَعَدِّي عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِلٌ لَهَا. قُلْت أَسْقَطَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ وَصْفَ النَّقْلِ فِي حَدِّ الْمَغْصُوبِ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْمُتَعَدِّي. قُلْت ظَاهِرُ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الدَّارَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا سَكَنَ جَمِيعَهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ لَوْ غَصَبَ السُّكْنَى فَقَطْ فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ إلَّا مَوْضِعَ سُكْنَاهُ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ انْهَدَمَ مَسْكَنُهُ لَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ إجْرَاءُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حُكْمِ هَلَاكِ الْمُتَعَدِّي فِيهِ مُدَّةَ التَّعَدِّي بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ لَا تَسَبُّبَ فِيهِ لِلْمُتَعَدِّي، وَتَقَدَّمَ تَحْصِيلُهُ فِي الْعَارِيَّةِ، فَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى لَغْوِ ضَمَانِهِ بِذَلِكَ، وَنَقْلُ ابْنُ شَاسٍ عَلَى ضَمَانِهِ بِذَلِكَ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك ضَعْفُ مُنَاقَضَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّعَدِّي بِالسُّكْنَى وَمَسْأَلَةِ التَّعَدِّي بِالرُّكُوبِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي زَمَنِ التَّعَدِّي بِالرُّكُوبِ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمُتَعَدِّي، وَالْهَدْمُ يُعْلَمُ كَوْنُهُ لَا بِسَبَبِهِ وَقِيَاسُهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ التَّعَدِّيَ عَلَى الْغَصْبِ وَاضِحٌ رَدُّهُ بِمَا فَرَّقَ بِهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بَيْنَ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ مِنْ ذَلِكَ اعْتِبَارُ لَازِمَيْ ذَاتَيْهِمَا لَازِمُ ذَاتِ الْغَصْبِ قَصْدُ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ مَعَهُ فِي الضَّمَانِ إلَى نَقْلٍ وَلَازِمُ ذَاتِ التَّعَدِّي الْبَرَاءَةُ مِنْ قَصْدِ تَمَلُّكِ الذَّاتِ فَنَاسَبَ وَقْفَ ضَمَانِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالنَّقْلِ. .

(فَإِنْ أَفَاتَ) الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ النَّفْعَ (الْمَقْصُودَ) مِمَّا تَعَدَّى هُوَ عَلَيْهِ (كَقَطْعِ) ذَنَبِ (دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ) أَيْ عَظَمَةٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ كَقَاضٍ وَإِمَامٍ (أَوْ) قَطْعِ (أُذُنِهَا) عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَصَوَّبَهَا اللَّخْمِيُّ (أَوْ طَيْلَسَانِهِ) أَيْ ذِي الْهَيْئَةِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ مَا يَجْعَلُهُ عَلَى رَأْسِهِ فِي الشِّتَاءِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَقَلَنْسُوَتِهِ لِأَنَّهُ

ص: 144

أَوْ لَبَنِ شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَقَلْعِ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَنَقْصِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ،

ــ

[منح الجليل]

إتْلَافٌ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا، إذْ بَعْدَ مَا ذُكِرَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِمَا ذُو الْهَيْئَةِ، وَالدَّابَّةُ تَشْمَلُ الْبَغْلَةَ وَالْفَرَسَ وَالْحِمَارَ الْفَارِهَ، وَنُسْخَةُ الْأَقْفَهْسِيِّ وَالْبِسَاطِيِّ بَغْلَةٍ بَدَلَ دَابَّةٍ.

(وَ) قَطْعِ (لَبَنِ) نَحْوِ (شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ) مِنْ اقْتِنَائِهَا، وَكَذَا تَقْلِيلُهُ عِنْدَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ، وَمَفْهُومُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَإِتْلَافُهُ يُوجِبُ أَرْشَهُ فَقَطْ (وَ) كَ (قَلْعِ عَيْنَيْ) مُثَنَّى عَيْنٍ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ لِ (عَبْدٍ أَوْ) قَطْعِ (يَدَيْهِ) وَجَوَابُ فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ (فَلَهُ) أَيْ مَالِكِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ (أَخْذُهُ) أَيْ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ (وَ) أَخْذُ أَرْشِ (نَقْصِهِ وَ) لَهُ تَرْكُهُ لِلْمُتَعَدِّي وَأَخْذُ (قِيمَتِهِ) مِنْهُ يَوْمَ تَعَدِّيهِ.

" ق " اللَّخْمِيُّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ يَسِيرٌ لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَيَسِيرٌ أَبْطَلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ أَبْطَلَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَالْيَسِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ. ابْنُ الْقَصَّارِ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ، فَإِنْ قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةِ الْقَاضِي أَوْ أُذُنَهَا ضَمِنَهَا وَكَذَا مَرْكُوبُ كُلِّ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِثْلَ ذَلِكَ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْكُوبِ وَالْمَلْبُوسِ كَقَلَنْسُوَةِ الْقَاضِي وَطَيْلَسَانِهِ وَعِمَامَتِهِ، وَكَذَا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا قَصَدَ إلَيْهِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَوْ تَعَدَّى عَلَى شَاةٍ بِأَمْرٍ قَلَّ لَبَنُهَا بِهِ، فَإِنْ كَانَ عُظْمُ مَا تُرَادُ لَهُ اللَّبَنَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ رَبُّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا. وَأَمَّا النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ فَإِنَّمَا فِيهِمَا مَا نَقَصَهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا غَزِيرَتَيْ اللَّبَنِ لِأَنَّ فِيهِمَا مَنَافِعُ غَيْرُهُ بَاقِيَةٌ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَقَدْ أَبْطَلَهُ، وَيَضْمَنُ الْجَارِحُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ، مِثْلُ أَنْ يَفْقَأَ لَهُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ وَشِبْهَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَلَا يَعْتِقْ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ قَطَعَ الْوَاحِدَةَ مِنْ صَانِعٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا.

ص: 145

وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ فَنَقْصِهِ: كَلَبَنِ بَقَرَةٍ، وَيَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، إنْ قُوِّمَ، وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الْأَرْجَحِ،

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمُتَعَدِّي الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ (فَ) أَرْشُ (نَقْصِهِ) أَيْ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ يَسْتَحِقُّهُ مَالِكُهُ مِنْ الْمُتَعَدِّي، وَمَثَّلَ لِغَيْرِ الْمُفِيتِ بِقَوْلِهِ (كَلَبَنِ بَقَرَةٍ) أَوْ نَاقَةٍ وَلَوْ مَقْصُودًا مِنْهُمَا لِأَنَّ فِيهِمَا مَنَافِعُ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَقْصُودُ كَلَبَنِ الشَّاةِ (وَ) قَطْعِ (يَدِ عَبْدٍ وَ) قَلْعِ (عَيْنِهِ) أَيْ الْعَبْدِ لَا يُفِيتُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ يَدَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ صَانِعًا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَطَرِيقُ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ يَدَ الصَّانِعِ أَوْ قَلَعَ عَيْنَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا.

(وَ) إنْ تَعَدَّى عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ بِقَطْعٍ أَوْ فَقْءٍ، (عَتَقَ) بِفَتَحَاتٍ لِرَقِيقٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَعَدِّي (إنْ قُوِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الرَّقِيقُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَعَدِّي بِأَنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ تَغْرِيمَهُ قِيمَتَهُ، وَمَفْهُومُ إنْ قُوِّمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ فَلَا يَعْتِقُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مُفِيتِ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ. وَأَشَارَ إلَى الْمُفِيتِ بِقَوْلِهِ (وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِقَطْعٍ أَوْ فَقْءٍ مِنْ التَّقْوِيمِ وَالْعِتْقِ عَلَى الْمُتَعَدِّي (فِي) التَّعَدِّي (الْفَاحِشِ) الْمُفَوِّتِ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ كَقَطْعِ يَدَيْهِ أَوْ قَلْعِ عَيْنَيْهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ.

" ق " ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجَانِيَ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً مُفْسِدَةً يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، إنَّمَا هَذَا إذَا طَلَبَ سَيِّدُهُ. وَأَمَّا إنْ أَبَى فَلَهُ أَخْذُ الْعَبْدِ وَمَا نَقَصَهُ وَلَيْسَ الْعِتْقُ بِأَمْرٍ وَجَبَ لِلْعَبْدِ لَا بُدَّ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالصَّوَابُ مِنْ هَذَا، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ هَكَذَا أَنْ يَغْرَمَ الْجَانِي قِيمَتَهُ وَيَعْتِقَ عَلَيْهِ مَا أَحَبَّ سَيِّدُهُ أَوْ كَرِهَ، لِأَنَّ قِيمَتَهُ عِوَضُهُ فَهُوَ مُضَادٌّ فِي تَرْكِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَأَخْذِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِحْرَامِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، مِثْلُ أَنْ يَقْفَأَ عَيْنَهُ الْوَاحِدَةَ أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ الْوَاحِدَةَ لَمْ يَذْهَبْ بِهَا أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَمَا نَقَصَهُ،

ص: 146

وَرَفَا الثَّوْبَ مُطْلَقًا، وَفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ: قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ يَغْرَمُ الْجَانِي قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ أَدَبًا لَهُ لِتَعَدِّيهِ وَظُلْمِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ " رضي الله عنه ".

وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ يَسِيرَةً مِثْلَ أَنْ يَجْدَعَ أُذُنَهُ أَوْ يَقْطَعَ أُصْبُعَهُ وَلَمْ يُفْسِدْهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَهُ طفي فَاخْتِلَافُ ابْنِ يُونُسَ وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ لَهُ جَارِحَةً أَوْ جَارِحَتَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادًا فَاحِشًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ. اهـ. فَالْمُنَاسِبُ لِاصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ التَّأْوِيلَانِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقْتَصِرْ ابْنُ يُونُسَ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثًا مُفْسِدًا فَاحِشًا، وَكَثِيرًا غَيْرَ مُفْسِدٍ، وَيَسِيرًا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَلِذَا قَيَّدَ بِالْفَاحِشِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَهُ الْمَنْعُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَرَفَا) بِالْفَاءِ أَيْ أَصْلَحَ الْمُتَعَدِّي (الثَّوْبَ) الَّذِي خَرَقَهُ بِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ وَشَعَبَ الْقَصْعَةَ الَّتِي شَقَّهَا رَفْوًا (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْيَسَارَةِ أَوْ الْكَثْرَةِ وَيَغْرَمُ أَرْشَ نَقْصِهِ بَعْدَ رَفْوِهِ فِي الْيَسِيرِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَثِيرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ لَا يَلْزَمُهُ رَفْوُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضِعْفَ قِيمَتِهِ كُلِّهِ وَالْمُتَعَدِّي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَتُهُ (وَفِي) لُزُومِ (أُجْرَةِ الطَّبِيبِ) الَّذِي يُدَاوِي الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِقَطْعِ أَوْ فَقْءِ الْمُتَعَدِّي تَنْزِيلًا لِلتَّطْبِيبِ مَنْزِلَةَ الرَّفْوِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّ الرَّفْوَ مُحَقَّقٌ نَفْعُهُ بِخِلَافِ التَّطْبِيبِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّامِلِ وَشَهَّرَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

" ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى صَحْفَةٍ أَوْ عَصًا لِرَجُلٍ فَكَسَرَهَا أَوْ خَرَقَ ثَوْبَهُ، فَإِنْ أَفْسَدَ ذَلِكَ فَسَادًا كَثِيرًا خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهِ جَمِيعِهِ أَوْ أَخْذِهِ بِعَيْنِهِ وَأَخْذِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمُتَعَدِّي، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ رَفْوِ الثَّوْبِ. ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَفْسَدَ الثَّوْبَ فَسَادًا كَثِيرًا وَاخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَمَا نَقَصَهُ فَإِنَّمَا يَعْنِي أَنْ يُرْفَى وَيُخَاطَ وَتُشْعَبُ الْقَصْعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْفَسَادِ الْيَسِيرِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَمَا نَقَصَهُ

ص: 147